![]() |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
موقف المسيح من القسوة كان يشفق على الزناة والخطاة، ويقبل دموع التائبين منهم، ويعاملهم بكل حنان، مثلما دافع عن المرأة الخاطئة التي ضبطت في ذات الفعل (يو8: 7). ولكنه في نفس الوقت، ما كان يقبل القساة مطلقًا، بل كان يوبخهم بشدة. لقد وبخ الكتبة والفريسيين المتشددين في الدين، لأنهم كانوا في تعليمهم" يحزمون أحمالًا ثقيلة عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحركوها بأصبعهم" (مت23: 4). ولذلك قال لهم: "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون أنتم، ولا تدعون الداخلين يدخلون " (مت23: 13). إن القسوة كثيرًا ما تكون مظهرًا أو نتيجة لكبرياء القلب. لذلك كان الرب أيضًا ضد المتكبرين. بل يقول الكتاب: "الرب يقاوم المستكبرين" (1بط5: 5 ؛ يع4: 6). وهكذا يدعو الله دائمًا إلى الحنان والعطف. ويحذر القساة من أنهم سوف يلاقون نفس المعاملة، ويعاملون بنفس الأسلوب. فيقول لهم: "بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ويزاد" ويقول لهم أيضًا: "بالدينونة التي بها تدينون تدانون" (مت7: 1، 2). فليحترس القساة إذن، وليخافوا على أنفسهم من قساوة أنفسهم. إن القساوة حرب شيطانية. ومن يتصف بها يشابه الشيطان في صفاته. لأن القسوة من صفات الله، بل الله رحيم باستمرار، شفوق على الكل.. وليست القسوة مكروهة من الله فقط، بل أيضًا من الأبرار أصحاب القلوب الرقيقة. وهكذا نري أن يعقوب أبًا الآباء يوبخ قسوة أبنيه شمعون ولاوى، فيقول عنهما: " ملعون غضبهما فإنه شديد، وسخطهما فإنه قاس" (تك49: 7). إن القلب الطيب قريب من الله. إنه مثل عجينة لينه في يد الله، يشكلها مثلما يشاء، بعكس الأشرار الذين لهم قلوب صخرية صلبة قاسية، لا تخضع لعمل الله فيها ولا تستجيب ولا تشكل... ولذلك يحذرنا الرسول من هذه القسوة فيقول: "إن سمعتم صوته، فلا تقسو قلوبكم" (عب3: 8، 15 ؛ عب4: 7). إن الله ينظر إلى الخطية باستمرار على اعتبار أنها قساوة قلب، لأن القلوب الحساسة لا تعاند الله مطلقًا، ولا تغلق أبوابها في وجهه. إنها حساسة لصوت الله ولدعوته، سريعة الاستجابة له. تتأثر جدًا بمعاملات الله وبعمل نعمته. وإن بعدت عنه نحن إلى الرجوع بسرعة. أقل حادثة تؤثر فيها. وكل كلمة من الله تذيب قلبها وتعيده إليه. وعكس ذلك كان فرعون في قساوة قلبه، إذ كان لا يلين مطلقًا ولا يتوب مهما كانت الضربات شديدة..! القلب القاسي إذن: توبته ليست سهلة، وتأثره بوسائط النعمة ضئيل جدًا ووقتي وسريع الزوال، بل قد لا يتأثر على الإطلاق..! وهذا يجعلنا ندرس موضوعًا هامًا وهو: صفات القلب القاسي. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
صفات القلب القاسي القلب القاسي – من جهة تعامله مع اله – يعيش في جو من اللامبالاة. كلمة الله لا تترك تأثيرها في قلبه. بل كما حدث مع أهل سادوم، لما كلمهم لوط وحذرهم من غضب الله" كان كمازح في أعين أصهاره" (تك19: 14).. كلمة الله بالنسبة إلى قلوب القساة مثل بذار وقع على صخر. القاسي القلب، ليس فقط لا يتأثر بكلام الروح، بل قد يسخر ويتهكم، ويرفض السماع! ويرفض المجال الذي تقال فيه كلمة الله وذلك إذا تقسي قلب إنسان من جهة الله، يبعد عن الكنيسة والاجتماعات، ويبعد عن الكتاب المقدس وعن الصلاة، وعن كل الممارسات الروحية. ولا تعود هذه الأمور تؤثر فيه كما كانت قبلًا.. تصبح وصايا الله ثقيلة عليه، بينما الثقل هو في قلبه.. قلبه قاس لا يتأثر بأي دافع روحي لا يتأثر بحنان الله، ولا بإنذاراته وعقوباته. ولا يتأثر بالحوادث ولا بالأحداث، لا بالمرض ولا بالموت أحبائه ولا تؤثر فيه صلاة ولا كلمة روحية. وإحسانات الله يقابلها بنكران للجميل أو ينسبها إلى أسباب بشرية وينطبق عليه قول الرب: "بسطت يدي طول النهار إلى شعب معاند ومقاوم" (رو10: 21). وهكذا فإن قساوة القلب تقود إلى العناد والمقاومة. وربما شخص مخطئ تشرح له خطأة لمدة ساعات طويلة، وكأنك لم تقل شيئًا هو مصر على موقفه، يرفض أن يعترف بالخطأ. القلب صخري لا يستجيب.. ما أصعب أن تتخلى النعمة عن مثل هذا الشخص، كما قال الرب: "فلسمتهم إلى قساوة قلوبهم، ليسلكوا في مؤامرات أنفسهم" (مز81: 12). أو كما قيل: "أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا" (رو1: 28) لذلك أسلمهم الله إلى أهوان الهوان (رو1: 26). وهكذا إذا استمرت قساوة القلب، تكون خطيرة جدًا، لأنها تقود إلى التخلي من جانب الله، والضياع من جهة الإنسان.. الإنسان الحساس دموعه قريبه. أما القاسي، فيندر أن تبتل عيناه. مهما كانت الأسباب.. لأن الدموع دليل على رقة الشعور، والقاسي لا رقة في مشاعره، سواء في تعامله مع الله أو مع الناس.. بل على العكس، تقوده قساوة القلب إلى الحدة وإلى الغضب. فالقاسي تشتغل مشاعره ضد الآخرين بسرعة، ويحتد، ويثور، ويهدد وينذر ولا يحتمل أن يمسه أحد بكلمة. وفي نفس الوقت لا يراعي مشاعر الآخرين بجرح غيره بسهولة وفي لا مبالاة. ولا مانع من أن يهين غيره ولا يشتمه. ولا يتأثر من جهة وقع الألفاظ عليه.. وهنا يجمع القاسي القلب بين أمرين متناقصين: فيكون حساسًا جدًا من جهة المعاملة التي يعامله بها الناس ولا إحساس من جهة وقع معاملته على الآخرين. فهو إذا وبخ غيره بحق أو بغير حق يكون كثير التوبيخ وعميقة. وإذا غضب على أحد، يكون طويل الغضب وعنيفة. في قسوته لا يحتمل أحدًا، ويريد أن يحتمله الكل، فلا يثورون لثورته بل يتقبلونها في شعور بالاستحقاق لما ينالهم منه: على كل، القسوة منفرة، ومن يستسلم لحروب القسوة، يخسر الناس ويفشل في حياته الاجتماعية... لذلك احترسوا جميعًا من قساوة القلب" وكونوا لطفاء بعضكم نحو بعض" (أف4: 32) وتذكروا أنه من ثمار الروح: "وداعة ولطف أناة" (غل5: 22). ومن ثمارها أيضًا المحبة والسلام.. مادام الأمر هكذا، فلنعرف ما هي أسباب قساوة القلب لكي نتفاداها. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
محبة الخطية إن محبة الخطية تسبي القلب، فتجعله يتعلق بها، وينسي الله وكل ما يختص به، بل ينظر إلى الله كعدو يريد أن يمنعه عن الخطية التي يحبها. وهكذا يتقسى قلبه من جهته. ولعله لهذا السبب قال الكتاب إن" محبة العالم عداوة لله" (يع4: 4). الشاب الغني لما أحب المال، تقسي قلبه أمام المسيح، وتركه ومضي حزينًا (مت19: 22). وامرأة لوط لما أحبت خيرات سادوم، تقسي قلبها حتى حينما كان الملاك ممسكًا بيدها ولم تنظر إلى الله الذي أنقذها ومحبته لها بل نظرت إلى سادوم، فتحولت إلى عمود ملح (تك19). وأكثر من الشاب الغني وامرأة سادوم، تقسي قلب فرعون، لما أحب سلطته من جهة وأحب أن ينتفع بتسخير شعب بأكمله. لذلك لم يستفيد من كل المعجزات والضربات. كذلك فإن الوجوديين الملحدين الذين أن يتمتعوا بوجودهم بعيدًا عن وصايا الله من أجل محبتهم للعالم تقسي قلبهم حتى أنكروا وجود الله نفسه. وقال فيلسوفهم: [خير لي أن الله لا يوجد، لكي أوجد أنا]! ومحبة الخطية أثرت على شمشون الجبار فنسي نذوره ونسي كرامته، وباح بسر قوته، إذ كان قد تقسي القلب تجعل الإنسان يتمسك بالخطية ويؤجل التوبة وكلما يسمع صوت الرب في قلبه، يطغي عليه صوت الخطية ومحبة العالم والجسد فتقسي القلب ويرفض عمل النعمة فيه. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الصحبة الشريرة تقسي القلب https://st-takla.org/Pix/People-Gener..._Self-Love.jpg قد يتقسى القلب أيضًا بسبب الصحبة الشريرة وتأثيرها على الإنسان. ونضرب مثلًا لذلك آخاب الملك ومدي تأثير زوجته إيزابل الشريرة عليه في تقسيه قلبه. لقد كان آخاب حزينًا لا يعرف كيفية الحصول على حقل نابوت اليزرعيلى واضطجع على سريره ولم يأكل خبزًا (1مل21). ولكن إيزابل رسمت له الخطة كيف يلفق تهمًا حول نابوت اليزرعليى، وكيف يتمكن من قتله والحصول على حقله.. فتقسي قلب آخاب، وقام من حزنه ويأسه، ونفذ الخطة وقتل نابوت. ومن تأثير الصحبه الشريرة في نقسيية القلب نصائح الشباب لرحبعام ابن سليمان في معاملة الشعب الذي طلب تخفيف النير عنه.. كان الشيوخ قد نصحوه بالهدوء واللين والحب في معاملة الشعب. وقالوا له: "إن صرت اليوم عبدًا لهذا الشعب، وخدمتهم واحببتهم وكلمتهم كلامًا حسنًا، يكونون لك عبيدًا كل الأيام" (1مل12: 7). ولكن الشباب أدخلوا القساوة إلى قلبه، واقنعوه بأهمية السلطة والكرامة ووجوب خضوع الناس له. وقالوا له: هكذا تخاطبهم قائلًا" إن خنصري اغلظ من متني بي. أبي أدبكم بالسياط، وأنا أؤدبكم بالعقارب. أبي حملكم نيرًا ثقيلًا. وأنا أزيد النير عليكم" (1مل12: 1، 11). ونفذ رحبعام نصيحة الشباب. بكل قوة وكانت النتيجة إنشقاق المملكة عنه. ما أسهل أن تقسي قلب أي شاب بأصدقاء يتأثر بهم، يدخلون في قلبه معاني جديدة عن القوة والبطولة، أو عن الحرية، والحقوق التي يطلبها.. وهكذا يثور على كل سلطة ورئاسة سواء في البيت أو المدرسة أو الشارع بل قد يثور أيضًا على النظام وعلى القانون ويري الرجولة في أن يفرض رأيه. وكثير من الشباب في بعض بلاد الغرب يرفضون الخضوع لآبائهم حينما يكبرون، بحجة الحرية الشخصية. ويعتبر الشاب أن نصيحة والده له، هي مجرد رأي، قابل للصحة والخطأ يمكن أن يأخذ به أو لا يأخذ! وهكذا يتقسى قلبه من جهة والده، وأيضًا من جهة أي أب روحي أو مرشد ويعتز برأيه، ويعتد برأيه. ويصر على أنه صاحب القرار، مهما كان حدثًا أو قليل الخبرة في الحياة! إننا نحتاج أن نربي أولادنا منذ طفولتهم المبكرة حتى لا تتلقفهم أفكار جديدة عليهم، تتلفهم وتقسي قلوبهم. نحتاج أن نحصن أولادنا قبل أن تقسي قلوبهم أفكار تدفعهم إلى الجدل في البديهيان، ورفض كل شيء لمجرد الرفض.. الأفكار التي تصور لهم الطاعة ضعفًا والخضوع خنوعًا، والهدوء خوفًا وجنبًا وفي تقسية قلوبهم تقلب لهم كل الموازين فيفرحون بهذا إحساسًا بالوجود والشخصية... وإن تكلمنا عن أثر الصحبة الشريرة في تقسية القلب، لا نقصد بهذه الصحبة مجرد أشخاص، وإنما أيضًا الكتب والمطبوعات، وكل وسائل الأعلام، والوسائل السمعية والبصرية، التي يجب أن نتأكد من سلامتها. وما نقوله عن الصغار، يمكن أن نقوله عن الكبار أيضًا: في محيط الأسرة مثلًا.. مثال ذلك زوجة تقسي قلب زوجها على أولاده من زوجة سابقة. وتظل تصب في أذن ابنها المتزوج أحاديث عن أخطاء زوجته، أو إهانات هذه الزوجة لها حتى تتغير معاملته لزوجته ويقسو عليها.. فعلي كل إنسان أن يكون حريصًا ولا يسمح للقسوة أن تزحف إليه من الآخرين ولا يصدق كل ما يسمعه. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الكبرياء وقساوة القلب من أسباب قساوة القلب أيضًا الكبرياء التي تدفع الإنسان إلى أن يبالغ في كرامته وعزة نفسه، واحترام الناس، بأسلوب يجعله يقسو على كل شخص يشعر أنه يمس كرامته في شيء.. والكبرياء تجعل القسوة تظهر في ملامحه وفي نظراته، وفي حدة صوته وفي نوعية ألفاظه، وطريقة معاملاته. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الطبع والوراثة قد يسببا قساوة القلب وقد تكون من أسباب القسوة طباع موروثة. وهنا قد يسأل البعض: ما ذنب إنسان ورث طبعًا قاسيًا، بينما غيره قد ولد وديعًا، وليس في حاجة إلى بذل مجهود لمقاومة قسوة فيه؟! وهنا نقول إن الطبع يمكن تغييره مهما كان مورثًا. والذي يبذل جهدًا لتغيير طبعه تكون مكافأته عند الله أكثر. وأمامنا مثال القديس موسي الأسود الذي تغيرت طباعه من القسوة الشريرة إلى العكس، وصار وديعًا خدومًا محبًا للآخرين. هناك أسباب أخري للقسوة ليس الآن مجالها، إنما ذكرنا ما سبق كمثال.. ونريد أن نختم بكلمة بسيطة عن: معالجة القسوة |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
معالجة القسوة يمكن معالجتها بحياة التوبة كالقديس موسي الأسود. ويمكن أن يكون ذلك بمعاشرة الودعاء والرحومين وما يتركونه في النفس من تأثير وقدوة حسنة... يضاف إلى هذا قصص القديسين الذين اشتهروا بالوداعة والطيبة والشفقة حسنة... يضاف إلى هذا قصص القديسين الذين اشتهروا بالوداعة والطيبة والشفقة على كل أحد. ويمكن أن يأخذ الإنسان درسًا من مضار كل مناسبة تقسي قلبه فيها. كذلك مما يساعد على رقة القلب الاتصال بالآم المجتمع، وخدمة المحتاجين والفقراء، والمرضي والعجزة والمعوقين واليتامى والأرامل. وكذلك المساهمة في حل مشاكل الناس.. ومما يساعد على رقة المشاعر من الموسيقي الهادئة وعلاج لتوتر الأعصاب، مع الصلاة أن يغير الله الطبع القاسي. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الحرارة والفتور الفتور هو نقص في الحرارة الروحية، والكتاب يطلب منا أن نكون "حارين في الروح" (رو12: 11). والروح القدس حل في يوم الخمسين، كألسنة من نار (أع2: 3) ألهبت الرسل القديسين. والله ظهر لموسي النبي كنار ملتهبة في العليقة (خر3: 2) وقد قيل أيضًا: "إلهنا نار آكلة" (عب12: 29). فالذي يحل فيه روح الله، لابد أن يكون حارًا في الروح. تكون الحرارة في قلبه، وفي حبه وفي صلاته وعبادته وخدمته. حرارة تشمل حياته كلها. وكل مكان يحل فيه يلتهب بحرارته، يلتهب بالنشاط، وبالغيرة المقدسة التي فيه. الإنسان الروحي يحب الله والناس. والمحبة شبهت في الكتاب المقدسبالنار وقيل في ذلك: "مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة" (نش8: 7). لذلك فالخادم المحب يلتهب نارًا، كما قال بولس الرسول عن خدمته: "من يعثر، وأنا لا ألتهب؟" (2كو11: 29). وهذه الحرارة التي في الإنسان الروحي تسري إلى غيره. والملائكة القديسون الذين يعملون عمل الرب بكل حرارة ونشاط، وقيل عنهم: "الذي خلق ملائكته أرواحًا، وخدامة نارًا تلتهب" (مز104: 4). غير أن كثيرين من أولاد الله الروحيين لا تستمر معهم الحرارة الروحية، فيصيبهم الفتور.. ولا يبقون على محبتهم الأولي، وتكون هناك أسباب بلا شك قد أدت إلى هذا الفتور. إنهم يؤدون صلواتهم، ولكن ليس بنفس الحب – ولا بنفس العمق، ولا بنفس الروح. وهم يقرأون الكتاب ولكن بلا تأثر، وكذلك الاجتماعات الروحية والقداسات لم يعد لها نفس التأثير في قلوبهم كما كانت قبلًا. أصبحت عبادتهم كأنها جسد بلا روح، لها صورة التقوى، وليس لها قوتها (2تي3: 5). يكلمون الله دون أن يشعروا بوجوده أمامهم، ولا بوجوده في حياتهم. وما أشد كراهية الله لهذا الفتور، كما عبر عن ذلك في سفر الرؤيا. إذ قال لملاك كنيسة لاودكية: "هكذا لأنك فاتر، ولست باردًا ولا حارًا، أنا مزمع أن أتقياك من فمي" "ليتك كنت باردًا أو حارًا" (رؤ3: 16، 15). على أن حالة الفتور هي حالة نسبية بالنسبة إلى مستواها. فما يعتبر فتورًا بالنسبة إلى القديسين الكبار، قد يعتبر حرارة بالنسبة إلى الأشخاص العاديين؟ إنهم نزلوا درجة عن مستواهم العالي ولكنهم لا يزالون أعلى بكثير من غيرهم على الرغم من نزولهم هذا. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
أنواع من الفتور الروحي https://st-takla.org/Pix/Portraits-Ge...-the-Flock.jpg هناك فتور عادي يحدث لجميع الناس حتى للقديسين، وهناك فتور خطر، يهدد الحياة الروحية بالسقوط. وهناك فتور نسبي، إذا قورنت حياة روحية لشخص بحياته في فترة أخري، وكل منهما قوية.. الفتور العادي هو مظهر لطبيعتنا القابلة للميل، التي لا تستقر على الدوام في خط قوي دائم الارتفاع. أما الفتور الخطر فهو الذي يستمر مدة طويلة، ويكون بعمق، وبدون توبيخ داخلي. وقد يعتاده الإنسان فلا يبذل جهدًا للقيام منه. وقد يلبس أحيانًا ثياب الحملان. كإنسان تعود على جو الكنيسة، فأصبح باعتياد يدخلها بلا هيبة لها ولا وقار، وبلا خشوع منه ولا تأثر. وقد ينهي فيها ويأمر، ويرفع صوته ويصيح. وربما يتخذ حجة حفظ النظام لكى ينتهر ويقسو، أو يقاطع الكاهن أو الشماس في صلاته مصححًا خطأ نحويًا ويبحث في ذلك عن روحياته فلا يجدها، أو قد لا يبحث ظانًا أنه يفعل شيئًا حسنًا. وهنا يكون قد تحول من الفتور إلى الخطية.. دون أن يشعر. أو قد يشعر ويحاول تبرير ذاته. يكون في حالة الفتور قد فقد وداعته، أو فقد اتضاعه، أو فقد احترامه للمكان، واحترامه للآخرين.. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
مظاهر خطيرة للفتور الروحي https://st-takla.org/Pix/Portraits-Ge...vier-Valls.jpg الفتور هو عملية هبوط. كيف؟ الفتور هو هبوط من الحب إلى الروتين. أو هبوط من الروح إلى العقلانية. أو هبوط من فضائل الروح إلى فضائل الجسد. أو هو هبوط من الانشغال بالله إلى الانشغال بالناس. أو الفتور هو توقف في الحركة.. أو هو تعامل مع الله من الخارج، وليس من الداخل. أو هو الاهتمام بالفضائل من حيث مقياس الطول، وليس مقياس العمق.. وكل بند من هذه الأمور له حديث طويل سنحاول هنا أن نوجزه ونشرح ليس فقط مظاهر الفتور، وإنما أيضًا أسبابه... الانتقال من الحب إلى الروتين. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
من الحب إلى الروتين https://st-takla.org/Pix/People-Gener...Routine-01.gif المفروض في الحياة الروحية أن تكون حبًا لله، يتخلل كل فضيلة من الفضائل. فأنت تصلي لأنك تحب الله، وتقول: "اشتاقت نفسي إليك يا الله كما تشتاق الأرض العطشانة إلى الماء" ( مز63)،" محبوب هو اسمك يا رب فهو طول النهار تلاوتي" (مز119). أما في حالة الفتور، فقد تتحول الصلاة إلى واجب، إلى فرض، تؤديه لكي لا يتعبك ضميرك، ويتهمك بالتقصير. وقد تصلي بغير رغبة، وبغير عاطفة وبغير حرارة، وربما أيضًا بغير فهم. وتفقد عناصر الصلاة الروحية، فلا تكون صلاة بانسحاق وبخشوع، ولا تكون الصلاة بإيمان ولا بتأمل، ولا بحب، وإنما أنت تصلي وكفي. وقد تحولت الصلاة إلى روتين. وما يقال عن الصلاة في حالة الفتور قد يقال أيضًا عن باقي الوسائط الروحية. فتصبح قراءتك للكتاب روتينية أيضًا تقرأ بغير فهم، ولا تأمل، وبغير تطبيق على حياتك وبغير تداريب، وبغير لذة في كلام الله، كما قال داود النبي: " فحت بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة" (مز119) وإنما تقرأ كروتين وواجب... لعلك بدأت حياتك الروحية بالحب الإلهي، ولكنك لم تستمر. فلماذا؟ ربما أوصلك إلى هذا الفتور، اهتمامك بالكمية، وليس بالنوعية، فتحولت إلى شكلية العبادة. تريد أن تصلي عددًا من المزامير، وعددًا من الصلوات، وتريد أن تقرأ عددًا معينًا من الإصحاحات، وتضرب عددًا محددًا من المطانيات. وفي ذلك لا يهمك: كيف؟ لم تعد تهمك الروح، وإنما العدد. فإن وصلت إلى هذا العدد، تصبح للأسف راضيًا عن نفسك، ولا يهمك مدي رضي الله عن أسلوبك هذا. وعلى رأي مارإسحق، حينما تعرض لموضوع كهذا، تصبح بأنك ينبغي أن تقول لنفسك، أنا ما وقفت أمام الله لكي أعد ألفاظًا... ومعلمنا بولس الرسول فضل خمس كلمات بفهم على عشرة آلاف بلسان (1كو14: 19).). وربما، لكي تكمل واجبك هذا في صلاتك عنصر السرعة، ومع السرعة عدم الفهم وعدم التأمل. وهكذا يكون هدفك أن تنتهي من أداء هذه الفريضة!! التي يسميها الرهبان قانونًا – ولا يكون هدفك هو المتعة بالحديث مع الله في حب. وانحراف الهدف عن مساره الروحي يوصلك حتمًا إلى الفتور لأنه يبعدك عن روحانية الصلاة التي تسبب حرارتها. كثيرون في بدء استلامهم للألحان، كانوا لا يحفظونها، وكذلك الابصلمودية فكانوا يصلونهم ببطء، وبالتالي، بتأمل وبروح وبالمران لما وصلوا إلى مرحلة الحفظ، ازدادت سرعتهم تباعًا، حتى أصبحوا يرتلون التسبحة في سرعة ربما لا تنضج فيها الألفاظ تمامًا. ومع السرعة والحفظ، قل الفهم، وقلت المشاعر، وقل التأمل، وأصبحت الألحان مجرد موسيقي تخلو من روح الصلاة. إذا حوربت بشئ من كل هذا، أو بكل هذا معًا، قل لنفسك: أنا أريد أن أصلي. أريد أن أكلم الله من قلبي، ولو بكلمات قليلة، مثلما كلمة العشار بجملة واحدة، ومثلما خاطبة اللص على الصليب بعبارة واحدة. لذلك ربما يكون من أسباب فتورك اكتفاؤك بالصلوات المحفوظة، تتلوها ولا تصليها.. دون أن تضيف إليها صلوات خاصة تقولها من قلبك، ومن عاطفتك. ما أعمق صلوات المزامير وباقي الصلوات المحفوظة. ليتك تصليها بفهم ومن قلبك.. إنها كنوز روحية، ولكن بالإضافة إليها، تحتاج أن تصلي صلواتك الخاصة بألفاظ من عندك تعبر عمل في قلبك، تخاطب بها الله في صراحة كاملة وفي حب، كأنك واقف أمامه تراه. ادخل في تداريب هذه الصلوات الخاصة، كلما حوربت بالفتور، وايضًا في فترات حرارتك الروحية، وتأمل نتيجتها في حياتك. اخرج إذن من عبودية الكمية والسرعة والروتين والقانون، وحاول أن تصلي بروح، وبفهم، وعاطفة. وكذلك أفعل في كل وسائطك الروحية. ولكن احذر من أن تهبك إلى أسفل. إن كنت في فتور، صل عددًا أقل ولكن بعمق أكثر، ثم حاول أن تصل إلى نفس الكمية بنفس العمق.. وإلا فأثبت عند العدد القليل، فالعمق أهم، أنه يعالج فتورك.. والفتور لا يقتصر مطلقًا على موضوع الصلاة والقراءة والتأمل، وباقي الوسائط الروحية، إنما قد يوجد فتور أيضًا في مشاعر القلب الداخلية، وفي ثمار الروح المتنوعة، وفي الحياة الروحية بوجه عام... فربما الغيرة المقدسة في الخدمة ليست كما كانت في حرارتها السابقة. وربما الاشتياق إلى التكريس قد قل وفتر. أو الحرارة في محاسبة النفس وفي حياة التوبة قد فقدت قوتها.. إلخ. وفي موضوع الفتور، ربما نجد مظاهره وأسبابه قد تشابهت... فالانشغال عن الله مثلًا: قد يكون مظهرًا الفتور، وقد يكون أيضًا سببًا للفتور.. وسياسة الاكتفاء وعدم النمو: قد تكون أيضًا من أسباب الفتور، كما أنها مظهر من مظاهره. وقد تحدثنا في هذا الفصل عن الانتقال من الحب إلى الروتين كمظهر من مظاهر الفتور. ويمكن أن نعتبر هذا الانتقال إلى الحياة الروتينية من أسباب الفتور أيضًا. لذلك سنتابع باقي الحديث عن الفتور تحت عنوان أسبابه ونتائجه. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الانشغال عن الله https://st-takla.org/Pix/Jesus-Christ...f-Jesus-17.jpg من أخطر أسباب الفتور أن ينشغل الإنسان إنشغالًا لا يجد فيه وقتًا لله أو وقتًا لروحياته... ولا يصبح العمق لله، بل للمشغوليات ولا تكون لله الأولوية، بل يوضع في آخر القائمة... وهذا تضيع الوسائط الروحية التي تبعث الحرارة في القلب فيفتر. والمشغوليات على أنواع: بعضها عالمية، وبعضها في نطاق الخدمة الدينية.. قد ينشغل الإنسان بمسائل عائلية، أو بدراسة، أو بأي نشاط من الأنشطة أو ينشغل بتسلية أو بهواية، أو بعمل.. بحيث لا يجد وقتًا لروحياته الخاصة.. ولمثل هذا نقدم نصيحتين: 1 – تحتاج إلى تنظيم وقتك.. 2 – ماذا ينفع الإنسان، لو ربح العالم كله وخسر نفسه (مت16: 26). ولكي تنظم وقتك، بحيث تترك فيه جزءًا لروحياتك، لابد أن تشعر بقيمة الوسائط الروحية في حياتك، وبقيمة أبديتك، فإن وصلت إلى هذا التقييم ستصل وبالتالي إلى الاهتمام، ثم تخصص وقتًا لروحياتك مهما كانت مشاغلك. واحترس من المشغوليات الخاصة بالخدمة والكنيسة، لأنها احيانًا تعطلك عن روحياتك بأسلوب يرضى عنه ضميرك.. اعرف تمامًا أنه إن ضعفت روحياتك ضعفت بالتالي خدمتك، ولا يكون لها ثمر لأن الخدمة ليست مجرد نشاط إنما هي روح تنتقل من شخص لآخر.. (). وهي حياة يمتصها المخدوم من الخادم. واعرف أن الخدمة ليست عذرًا يبرر منعك عن التمتع بالله وعشرته.. كما أن الله لا يطالبك بخدمة تبعدك عن الصلاة والتأمل، والحياة السرية معه... أنت تحتاج إذن إلى أن تنظم خدمتك.. وتذكر قصة الابن الكبير الذي قال لأبيه: "ها أنا أخدمك سنين هذه عددها.. وجديًا لم تعطني قط، لأفرح مع أصدقائي" (لو15: 29). ومع خدمته هذه الطويلة، كانت مشيئته ضد مشيئة الآب، وكانت روحياته ضعيفة، في حديثه مع أبيه، وفي حديثه عن أخيه، وفي عدم مشاركته لأبيه في فرحة بعودة هذا الأخ. فلا تكن مثل هذا الابن الكبير، الذي خدم خدمة عطلته عن التمتع بأبيه، وعن الاهتمام بنفسه وروحياته... وحاول أن تقبل من المشغوليات ما هو في حدود طاقتك. ومن أجل روحياتك، تنزل عن بعض المشغوليات، وما أكثر المشغوليات التي يسهل التنازل عنها، مثل بعض المسليات، وبعض المقابلات، وكثير من الأحاديث.. وعلى الأقل تستطيع أن ترفع قلبك إلى الله، بين الحين والحين أثناء مشغولياتك حتى إن أخذت كل وقتك، لا تأخذ كل قلبك.. ولا تجعلها تأخذ كل وقتك، لأنك لا تملك هذا الوقت كله لتبعثره... أين ملكية الله؟ ولا أريد أن أحدثك عن ملكية الله لكل حياتك.. وإنما على الأقل في وسط مشغولياتك العديدة، ليتك تتذكر أمرين هامين من جهة نصيب الله في وقتك. 1 – اذكر يوم الرب لتقدسه.. 2 – اذكر وصية البكور في وقتك. اعرف انك إن كنت أمينًا في تنفيذ وصيه يوم الرب، فلابد ستأخذ منها رصيدًا روحيًا يمنع عنك الفتور الأسبوع التالي.. ولو كنت أمينًا في وصيه البكور، وأعطيت الله بكور يومك، فإن الحرارة الروحية التي تأخذها من هذا، ستبقي معك طول يومك، وستدفعك إلى تخصيص أوقات أخري لروحياتك.. 3 – ملاحظة أخري أقولها لك: إنك إن انشغلت طول يومك في عمق بأمور العالم، فإن هذه الأمور ستملك داخلك، وتسيطر على قلبك وفكرك بحيث إذا وقفت بعدها للصلاة، تجد عقلك يسرح فيها، وتكون صلاتك فاترة. وهكذا حينما نتكلم عن المشغولية، كسب من أسباب الفتور، لا نقصد فقط مشغولية الوقت، وإنما مشغولية القلب والفكر أيضًا.. وهي مشغولية أكثر خطرًا، لأنها تدخل إلى داخل الإنسان... 4 – لذلك وضعت لنا الكنيسة المقدسة نظام الصلوات السبع، حتى تقطع مشغوليات اليوم بصلة مع الله.. ووضعت هذه الصلوات، بحيث لا تمر ثلاث ساعات، دون أن يرفع الإنسان قلبه إلى الله، ويتحدث معه بعيدًا عن مشغوليات العالم واهتماماته وهكذا يحتفظ بحرارته الروحية. لهذا إن كنت أمينًا في صلوات النهار، لن تفتر، لأن ذكر الله لم ينقطع من ذهنك طول اليوم. لاشك أنه من أسباب الفتور، الغربة عن الله فترة طويلة، كما يحدث للبعض الذين يصلون صلاة باكر وصلاة النوم، ولا صلاة يصلونها فيما بينهما فيما بينهما، في أدق ساعات النهار وأكثرها مشغولية، وأكثرها محاربات وعثرات. أتريد أن تبعد عن الفتور، ارفع بين الحين والحين إلى اله، ولو بجملة واحدة، أو صلاة قصيرة لا تستغرق دقيقة واحدة، أو عدة ثوان. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
البُعد عن التوبة https://st-takla.org/Gallery/var/albu...Locusts-01.jpg اثنان لهما حرارة في الروح. أحدهما قريب العهد بالتوبة، متضع ومنسحق القلب، ودموعه قريبه من عينيه ويريد أن يعوض السنوات السابقة التي أكلها الجراد... لذلك فهو يجاهد بكل حرارة لكي يصل. والثاني هو إنسان وصل إلى الحب الإلهي: والحب في قلبه نار تلتهب، تملأ قلبه بالحرارة الروحية، سواء في صلوات أو في خدمته، أو أي عمل روحي يعمله. أما الذي هو في وضع متوسط، فإنه يكون في فتور. إنه يشبه الشعب الإسرائيلي في البرية، لا هو خارج من أرض العبودية يطلب من الله الخلاص ويري عجائب الله معه.. ولا هو وصل إلى كنعان في أرض تفيض لبنًا وعسلًا، ولا هو يتغذى بالمن والسلوى هكذا الذي في المرحلة المتوسطة: ليست له حرارة العشار الواقف من بعيد، ولا يجرؤ أن يرفع نظره إلى السماء وليست له حرارة يوحنا الرسول الذي يتكئ على صدر المسيح في دالة وفي حب. إنما في مرحلة متوسطة، فاترة. يشتاق إلى الأيام التي كان فيها يبكي على خطاياه، فلا يجدها.. لقد غطت عليه شكلية من عبادة لا روح فيه ولا عمق... إنه الآن يصلي ويصوم، ويقرأ الكتاب، ويحضر الاجتماعات الروحية ويعترف ويتناول، وربما يخدم أيضًا. وفي كل هذا لا يجد سببًا لانسحاق القلب.. وقد مرت فترة بعيدًا عن السقوط فقد معها تبكيت الضمير من الداخل، وفقد الشعور بعدم الاستحقاق، وفقد دموع التوبة وحرارتها، وفي نفس الوقت يمارس كل الوسائط الروحية بلا عمق وبلا حب. ). فلا هو في سماء ولا هو في أرض.. إنه في فتور.. على مثل هذا الإنسان أن بأمثلة عالية في الروح، سواء بالخلطة أو القراءة، تشعره بأنه لا شيء، فتعود إليه مشاعر التوبة والانسحاق وبالتالي حرارة التوبة. أو يمكنه أن يدخل في تداريب روحية: إما أن تقويه وترجع إليه حرارة الروح، أو أنها تشعره بضعفه وعجزه عن الوصول إلى عمق التدريب، فيدخل مرة أخري في حياة التوبة، ولكن بمستوي آخر. أو يحاول أن يتدرب على روحانية الصلاة وروحانية الصوم، وروحانية كل الوسائط الروحية الأخرى. يخرج من نطاق شكلياته، ويدخل في عمق الصلة مع الله، ويصارح نفسه أن صلاته ليست صلاة، وصومه ليس صومًا، وراءته ليست قراءة وعليه أن يتعلم من جديد كيف يصلي ويصوم ويقرأ.. وهكذا يبدأ من جديد توبة حقيقية، شاعرًا أن عبادته الحالية تحتاج إلى توبة.. وهذا البدء من جديد بطريقة سليمة يوصله إلى الحرارة. وربما تكون توبته على أساس غير سليم، أو غير قوي، تسبب في فتوره، فعليه أن يصلح أساس توبته لكي يحيا في حرارة روحية حقيقية... زوال التأثر الوقتي المسبب للتوبة، صار سببًا للفتور.. فيجيب أن يبني علاقته بالله على أساس مستقيم من حب الخير وحب الله... والاقتناع بالحياة الروحية، وبهذا يبعد عن الفتور. الدافع الأول كان مجرد مرحلة وانتهت ولكن لا يصح أن يحيا التائب في مستواه، بل يصحح دوافعه الروحية لكي تستمر حرارته. هناك سبب آخر للفتور هو: الاكتفاء وعدم النمو. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الاكتفاء وعدم النمو https://st-takla.org/Pix/Plants-Trees...-No-Growth.gif طالما الإنسان الروحي يمتد إلى قدام فإنه يحتفظ بحرارته الروحية، لأن الحركة فيها حرارة، أما إذا وصل إلى مستوي معين ووقف عنده، فإنه يصاب بالتحجر أو بالفتور. وكثير من الناس يقعون في هذه المشكلة، كانوا قبل التوبة بعيدين عن الصلاة، فبدأوا يذوقون حلاوة الصلاة، ووجدوا في ذلك لذة ملأت قلوبهم بالحرارة الروحية. ثم وصلوا إلى وضع معين في الصلاة، ووقفوا عنده.. وبالوقت أصبحوا يكررونه في غير وعي، وبهذا الجمود فتروا. ونفس الأسلوب اتبعوه في باقي الوسائط الروحية، من صوم وقراءة وخدمة.. إنهم يذكروننا بالسيارة، التي كلما تتحرك، تحتفظ بحرارتها، فإن وقفت بردت. وإن طال وقوفها، تضعف بطاريتها، وتحتاج إلى شحن من جديد. وخذ مثالًا من القديس بولس الرسول الذي على الرغم من أنه صعد إلى السماء الثالثة (2كو12: 2). كان يقول: " أنسي ما هو وراء، وأمتد إلى ما هو قدام.. أسعي نحو الغرض.. أسعي لعلي أدرك..." (في3: 12-14). فإن كان الرسول العظيم يسعي، ويمتد إلى قدام، فماذا تقول أنت عن نفسك؟ إن امتدادك إلى قدام، يجعلك باستمرار غير راض على الوقوف عند أي مستوي تصل إليه، وبالتالي تتحرك... وبهذا لا تفتر. إن الوقوف له أخطاره. (). إذ ليس فقط يقود إلى الفتور، بل قد يتدرج من الفتور إلى السقوط. لأن الذي يقف، ليس هو فقط لا يمتد إلى قدام، بل هو أيضًا عرضه للرجوع إلى الوراء..! إن الحياة الروحية، هي حياة دائمة الحركة، دائمة الحرارة، دائمة النمو تسعي حتى تصل إلى ملء القامة. لا يكتفي المؤمن بأن يحيا بالروح وحسب الروح، إنما يسعي ليتمم قول الرسول: "امتلئوا بالروح" (أف5: 18). وفي هذا الامتلاء لا يفتر. ولكن في هذا النمو، وفي هذا الامتلاء، احترس من سبب آخر من أسباب الفتور وهو: خطورة المتكآت الأولي. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
خطورة المتكآت الأولى الإنسان في بدء حياته الروحية يعيش في حياة الاتضاع والانسحاق. ويعيش النعمة قريبة منه، لأنه "قريب هو الرب من المنسحقين بقلوبهم". وهكذا بالاتضاع وبالانسحاق والنعمة يعيش في حرارة روحية. ولكن يحدث كلما ينمو أن تعهد إليه بمسئوليات، ويبدأ أن يجلس في المتكآت الأولي. وليست الخطورة في المتكآت الأولي ذاتها، وإنما في ارتفاع القلب بها، والبعد عن حياة الحرص والتدقيق والاتضاع، وبهذا تفتر الحياة الروحية. في بادئ توبته، كان يدخل إلى الكنيسة، وهو يقول: نشاز أنا يا رب في هذا اللحن الجميل. وغريب أنا في وسط جماعة القديسين. وغير مستحق أن أكون في هذا الموضع المقدس.. بل أنا" بكثرة رحمتك أدخل إلى بيتك".. أما الآن، فإنه يدخل إلى الكنيسة لكي يعلم، أو لكي ينظم، أو لكي يدبر! يدخل كأحد القادة، وقد نسي الشعور بعدم الاستحقاق... ربما في غير خشوع وفي غير ركوع، وفي غير دموع... كما كان قبلًا! ربما يدخل إلى الكنيسة لكي يأمر هذا أو ذاك، أو لكي ينتهر هذا أو ذاك أو ليناقش نظامًا معينًا، أو ليدبر عملًا ما. أو ليقوم بخدمة أو بنشاط من أنشطة العديدة. ومن الجائز في هذا كله، أن ينسي أن هذا هو بيت الله. وطبعًا قد اختفيت تمامًا عبارته السابقة... أنا نشاز في لحن جميل... ومن الجائز هنا أن تكون -الكلفة- قد رفعت بين هذا (التائب) وبين بيت الله! وتكون الكنيسة قد فقدت هيبتها في نظره، ويصبح وهو داخل الكنيسة يتحدث مع هذا وذاك، ويحك مع أصدقائه، ويرتفع صوته وهو ينادي على من يريده في غير خشية. وقد يتطور الأمر، فيفقد الخشية بالنسبة إلى الصلوات والأسرار. فالصلوات بالنسبة إليه تصبح ألحانًا يتقن موسيقاها، وألفاظًا يعرفها، ويعرف أعماق معناها، وليست حديثًا موجهًا إلى الله. أيوجد فتور أكثر من هذا؟ والعجيب أنه قد يغطي على كل هذا الفتور، بأنه ارتفع إلى مستوي المحبة التي تطرح الخوف إلى خارج (1يو4: 18)!! وإذ يفقد الخشوع والاتضاع، وإذ ينسي حياة الانسحاق، يحيا في فتور. احترس يا أخي من أن تعتبر نفسك عمودًا من أعمدة الكنيسة، شاعرًا بأهميتك، وشاعرًا بأنك إذا غبت ستترك فراغًا لا يمكن ملؤه.. واحترس من أنك إذا اختلفت يومًا مع المسئولين عن الخدمة، تهددهم بأنك ستترك الخدمة، ظانًا أن تركك للخدمة لابد سيزعزع أساسات الكنيسة.. اعلم أن وراء كل هذا شعورًا بأهمية الذات، تكمن وراءه كبرياء خفية هي سبب فتورك.. من أجل هذا لا مانع لدي الرب أن يبعدك بعض الوقت عن الخدمة، ليريك أن الكنيسة مازالت هي الكنيسة من غيرك، ولكي يتضع قلبك، ويعود إليك انسحاقك، فتعود إليك أيضًا حرارتك الروحية... إن إيليا النبي العظيم، بعد انتصاره في جبل الكرمل، وبعد تخليصه الجو الروحي من كل أنبياء البعل وأنبياء السواري، وبعد أن انفتحت السماء بصلواته مرة أخري، قال له الرب تلك العبارة المؤثرة: "واذهب راجعًا.. وامسح اليشع بن شافاط نبيًا عوضًا عنك" (1مل19: 15، 16). وأخذ اليشع اثنين من روح إيليا، وعمل معجزات أكثر منه، وبقيت الأرض بعد ارتفاع إيليا إلى السماء، ولم يكن هذا انتقاصًا من قدر هذا النبي العظيم، الذي مجده الله يرفعه إلى السماء وبوقوفه على جبل التجلي.. إنما في جبعه الله سهام كثيرة.. وهو" قادر أن يقيم من الحجارة أولادًا لإبراهيم" (مت3: 9).. لذلك إن أستأمنك الله على خدمة، قل له: من أنا يا رب حتى تجعلني من عداد خدامك، وأنا ثقيل الفم واللسان (خر4: 10). وقد أكون عثرة للخدمة، أو مقصرًا في كل مسئولياتها وعندك ولا شك خدام كثيرون أفضل مني.. إنه تشجيع منك لي أن تستخدمني في كرامك، على غير استحقاق منى. بهذه الروح المتضعة ينبغي أن تسلك في المتكآت الأولي، حتى لا تفتر، وإن أتاك مديح من الناس، تذكر خطاياك وضعفاتك.. واحذر من أن تقبل المديح، أو أن تجعله يدخل إلى نفسك، لئلا تفارقك النعمة وتبرد حرارتك. بل ارجع المجد كله الله.. وقل كما قال القديس بولس المتواضع: " ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي" (1كو15: 10). وإذا دخلت إلى المتكآت الأولي كمعلم ضع أمامك قاعدة هامة وهي: احترس من أن تتحول من عابد إلى عالم.. احترس من أن يجرفك الفكر، وتجرفك الكتب، وتصبح باحثًا عن مجرد المعرفة أو أن تتحول إلى مصدر من مصادر المعلومات. وفي ميدان الفكر تنسي الروح..!! تستهويك الكتب والقراءة، وتلهيك عن نفسك وعن أبديتك.. واحترس من أن يستهويك الجدل، فتنشغل به، وفي سبيله تقع في خصومات لا تحصي، وتفقد محبتك للآخرين، وتحب أن تنتصر في النقاش وتهزم غيرك.. أو أنك في جدلك تتعالي على الآخرين، أو تجرحهم وتهينهم وتنقص من قدرهم أو أن تثق بنفسك في كل ما تقول، وتعتد برأيك، ولا تريد أن تتنازل عن شيء.. واحترس من أنك في جدالك لا تقبل أن يعارضك أحد، ولا تقبل أن يناقشك أحد، ولا تكلم أحدًا من فوق. كل هذه الأساليب في الجدل، حتى إن كانت من أجل العقيدة، تصيبك بالفتور الروحي، وقد تكسب الجدل عقليًا، وتخسر نفسك روحيًا.. وربما تخسر الاثنين.. كثيرون أصبحوا خزانة معلومات، بينما أرواحهم بقيت فارغة.. قليل من العلم، مع اهتمام بالتطبيق أهم بكثير، من علم أوسع بلا تطبيق. قد تهتم بقراءة عدد من الإصحاحات كل يوم، بدون عمق في الفهم، وبدون تأمل وبدون تطبيق، وبدون تداريب، وبدون صلاة، فلا تستفيد روحيًا. وتظل حياتك فاترة على الرغم من القراءات الكثيرة. ليس المهم هو مقدار ما نقرأ، وإنما روحانية القراءة وعمقها.. لا تضع نفسك في المتكآت الأولي، ولا تسع إلى ذلك، سواء كان ذلك في المستوي الإداري أو العلمي أو القيادي. وكن صغيرًا في عيني نفسك ولا تدع المعرفة بكل شيء، ولا مانع في بعض الأمور أن تقول لا أعرف.. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
دخول الآخرين إلى حياتك قد يسبب الفتور الروحي من الأسباب الأخرى للفتور: دخول الآخرين إلى حياتك من الخطورة أن يتحول هدفك في حياتك الروحية من الله إلى الناس. كنت في الأول تحيا روحيًا من أجل أبديتك، ومن أجل محبتك لله، ولكن يحدث بعد أن تتقدم في الروحيات، أن يدخل الآخرون في حياتك، ويسلكوا جزءًا من أهدافك.. ربما يصبح أهم أهدافك من السلوك الروحي هو القدوة أو البعد عن العثرة. فليس من أجل حب الخير، أو حب الله، تفعل الخير.. وإنما تفعله حتى تكون قدوة لناس.. حتى تقدم لهم مثالًا عمليًا في الحياة الروحية، كنور للسالكين في الظلمة.. وبنفس الوضع تبعد عن الخطأ حتى لا تعثرهم، وليس كراهية للخطية، التي ربما تتساهل معها في الخفاء، مادامت لا تعثر أحدًا. وهكذا يكون دافعك الروحي من الخارج وليس من الداخل، فتفتر. وقد تتحول إلى إنسانين.. أحدهما محترس لأجل الناس.. والأخر متهاون خارج نطاق رؤيتهم. وفي كل ما تقول وما تفعل، قد يهمك جدًا تعليق الناس، وأحكامهم.. وتتطور إلى أن تفعل ما يرضي للناس، وشيئًا فشيئًا قد يصبح الناس هم هدفك ويضيع هدفك الروحي، فتفتر حياتك. قد تصلي في اجتماع، ويهمك رأي الناس في صلاتك، وتصبح صلاتك لأجل الناس وليس لأجل الله. وقد تعجبك الصلاة بدموع، وليس من أجل الله، ولكن لكي يمدح الناس روحانية صلاتك، أو لكي ترضي أنت عن نفسك. وفي كل هذا يكون الله قد اختفي من حياتك.. والناس لهم آراء متنوعة.. وقد صدقت الأم سارة الراهبة حينما قالت: [لو أني أرضيت الكل، لوجدت نفسي تائهة على باب كل أحد]. ما أسهل أن يحسب الناس التدقيق تطرفًا، فهل نترك التدقيق لكي نرضي الناس؟ وقد تفتر حياتك أيضًا بسبب مجاملاتك الكثيرة للناس. من أجلهم تضيع الكثير من وقتك في ما لا يفيد.. ومن أجلهم قد تدخل في أحاديث ومناقشات تتعب نفسك، ومن أجلهم قد تتعطل صلواتك وتأملاتك. ما أعمق قول بولسالرسول: "أم أطلب أن أرضي الناس؟ فلو كنت بعد أرضي الناس، لم أكن عبدًا للمسيح" (غل1: 10).. لذلك اجعل علاقة الناس بك في حدود روحية حتى لا تفتر روحياتك. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
البُعد عن الوسائط الروحية وعن صلوات الساعات يندر أن يفتر إنسان في روحياته، إلا ويكون من أسباب فتوره تقصيره في ممارسة الوسائط الروحية، وإهماله صلوات الساعات.. ذلك لأن الوسائط تذكر الإنسان بالله، وتشوقه إلى العمل الروحي، وتقوي قلبه في الداخل. فإن أهملها يضعف روحيًا ويفتر.. ونعني بالوسائط الروحية: الصلاة والقراءة والتأمل، والصوم، والاعتراف والتناول، والاجتماعات الروحية، والمواظبة على الكنيسة، والخدمة. والمفروض أن تكون ممارستها بطريقة روحية. ولعل سائلًا يسأل: ولكنني أمارس كل هذه الوسائط، ومع ذلك أحيا في فتور. فما السبب، وما العلاج؟ والإجابة على هذا السؤال هي: 1 – إما أن تكون الممارسة بطريقة روتينية خاطئة. وفي هذه الحالة تحتاج إلى أن تؤدي بفهم وعاطفة وتركيز وبروح. 2 – وإما أن تكون هناك حرب خارجية، وينفع هنا الصبر، إلى أن يرفع الله هذه الحرب، أو يساعد في الانتصار عليها. مع الثبات في العمل الروحي. 3 – والفتور في الوسائط الروحية لا يعني التوقف عنها أو إلغاءها. وإلا يكون الإنسان قد هبط بالأكثر إلى أسفل، بدلًا من إصلاح حالته... ونذكر من أهم هذه الوسائط: صلوات الساعات (صلوات الأجبية) فلا شك أن المصلي بها، لابد ستنخس ضميره بعض عبارات لكي توقظه... فإن لم يتأثر بها الآن، لابد سيتأثر بها بعد حين. فصلاة النوم مثلًا تذكره بالموت والدينونة والأبدية، وكذلك صلاة نصف الليل، تدعوه إلى اليقظة والتوبة. وصلاة الغروب تذكره بخطاياه وتكاسله، وتدعوه إلى التوبة وطلب المغفرة. وصلاة باكر تذكره بأن يسلك روحيًا طوال النهار، وأن يبدأ بدءًا حسنًا... وهكذا باقي الصلوات، كل منها لها تأثيرها الروحي. . وإن التفت المصلي إلى معانيها لابد أن يستيقظ ضميره. وإن لم يحدث هذا التأثير، فلابد بمداومة الصلاة بها يحدث التأثير بعد وقت، يقول خلاله المصلي: "انتظرت نفسي الرب... من محرس الصبح إلى الليل" (مز13). |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الظن بأن الروحيات هي مجرد ممارسات وهناك من الناحية المقابلة سبب آخر للفتور ينبغي الالتفات إليه، وهو: الظن بأن الروحيات هي مجرد ممارسات! البعض يظنون أن الحياة الروحية هي مجرد صلاة وصوم، واعتراف وتناول، واجتماعات وخدمة، وجدول روحي لهذا الوسائط يحاولون أن يملأوه لكي تستريح ضمائرهم. وفي كل هذا يقعون في الفتور. فلماذا؟ ذلك لأنهم اقتصروا على هذه الممارسات، ونسوا نقاوة القلب من الداخل، التي هي الأساس الذي يعتمد عليه العمل الروحي. وبدون هذا الأساس يفتر الإنسان. إن مجرد الممارسات الروحية، بدون ثمار الروح في الداخل، قد تحول المكتفي بها إلى فريسية واضحة... تحوله إلى قبور مبيضة من الخارج، كما كان يفعل الفريسيون يدققون في الممارسات الخارجية، وقلوبهم خالية، وقلوبهم خالية من المشاعر الروحية الحقيقية. اهتم إذن بالعمل الداخلي، بالفضائل الرئيسية كالمحبة والإيمان والتواضع والوداعة والنقاوة والطهارة... وحينئذ ستجد صلاتك لهيب نار، لأنها نابعة من قلب نقي مملوء من محبة الله ومحبة الفضيلة... ذلك لأنه -للأسف الشديد- قد يوجد من يصلي، وبينه وبين غيره خصام شديد أو يصلي ويقرأ ويعظ ويعلم، وفي داخله غضب ونرفزة وكبرياء... وما إلى ذلك... فكيف تكون له حرارة في الصلاة، بينما قلبه بعيد عن الروحيات، بل كيف تكون له صلة بالله في صلاته، وقلبه بعيد عن الله بالغيظ والحقد والخصام؟! إذا أردت إذن أن تتخلص من الفتور احرص على أن يكون عملك الروحي مرتكزًا على ثمار الروح من الداخل (غل5: 22). وتذكر في كل ممارساتك الروحية، قول الرب الصريح: "يا ابني أعطني قلبك" (أم23: 26) وتوبيخه لليهود في سفر إشعياء النبي "حين تبسطون أيديكم، استر وجهي عنكم. وإن أكثرتم الصلاة، لا اسمع. أيديكم ملآنة دمًا" (إش1: 15)... وهذا ينقلنا إلى نقطة أخري من أسباب الفتور، وهي: وجود خطية أو شهوة. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
وجود خطية أو شهوة يسبب الفتور ربما يسير الشخص في طريق روحي سليم، ويستمر على هذا وقتًا، ثم تأتي محبة معينة أو شهوة ما، لكي تشغل قلبه ومشاعره، وتأخذ جزءًا من مكان الله ومكانته في داخله، فتفتر حياته. ولأنه ترك محبته الأولي، تتركه الحرارة الروحية، فيقع في الفتور. ابحث إذن، ما هو الدخيل الذي يحتل مكان الله في قلبك؟ وابحث ما هي الخطية التي زحفت إليك، سواء كانت واضحة أو غير واضحة، أو كانت خطية تلبس ثياب الحملان، وتأتيك في زي فضيلة لتخدعك! ولعله من أنواع هذه الفضائل: الغيرة والدفاع عن الحق، ومحبة الإصلاح إن كان ذلك بغير إفراز وفهم! وباسم الدفاع عن الحق، يخاصم الناس ويعاديهم، وينتهر ويوبخ في غير رفق، وفي غير حب، وربما في غير فهم. وباسم الإصلاح ينتقد ويدين وربما يشتم، ويقسو في أسلوبه، ويتحول إلى نار تلتهم كل ما أمامها. بل يتحول أيضًا إلى عين نقادة، لا تري سوي السوء، ولا تري في الناس خيرًا، وتشك في الآخرين وتتهمهم اتهامات باطلة... وفيما هو يدعي أنه ينزع أنه ينزع الزوان من الأرض، يتحول هو أيضًا إلى زوان، ويبحث عن روحياته فلا يجدها، وتصبح حياته فاترة، يقول له الرب فيها: "أنا مزمع أن اتقياك من فمي" ( رؤ3: 16). ليس معني هذا، أن يبعد الإنسان عن الإصلاح والغيرة والدفاع عن الحق، وإنما ينبغي أن يكون ذلك بفهم وبحكمة، وبأسلوب روحي كما قال الكتاب: "لتصر كل أموركم في محبة" (1 كو16: 14) وأيضًا يقول الرسول: "من هو حكيم وعالم بينكم، فلير أعماله بالتصرف الحسن بالتصرف في وداعة الحكمة. ولكن إن كان لكم غيره مرة وتحزب في قلوبكم، فلا تفتخروا وتكذبوا على الحق. ليست هذه الحكمة نازلة من فوق..." (يع3: 13-15). هذه هي روح الإصلاح: في محبة، في وداعة الحكمة، وهنا لا يخطئ الإنسان في غيرته ولا تفتر روحياته. وما أجمل قول الرسول في طريقة إصلاح الآخرين: "أصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة، ناظرًا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضًا. احملوا بعضكم أثقال بعض" (غل6: 1، 2). نقول هذا لأن كثيرين يبدأون توبتهم بحرارة روحية، يعجب بها الناس، فيرشحونهم للخدمة. وفي الخدمة تتملكهم غيرة بغير معرفة (رو10: 2) فتفقدهم حرارتهم فيفترون! حقًا إن التركيز على إصلاح الآخرين أضاع أناسًا كثيرين!! يريد الشخص أن يصلح غيره. . ومن أجل هذا يفكر طول الوقت في خطايا الآخرين. وفي ذلك ينسى خطاياه فيفتر. وفيما كان في بدء توبته يركز على روحياته، ويهتم بخلاص نفسه، نراه في الخدمة قد نسي نفسه تمامًا، وأصبح مشغولًا بخلاص الآخرين أو بأخطاء الآخرين، أو بإصلاح المجتمع! وليته بفعل ذلك بطريقة سليمة إنما يسلك بأسلوب خال من الحب، وربما يحوي أيضًا كبرياء داخلية! أيسأل مثل هذا عن أسباب الفتور؟ هي هذا السلوك الذي يحياه! ليته عاش في اتضاع، يبحث في انسحاق عن خلاص نفسه.. يا أخي، فكر في نفسك، أنك أنت أيضًا خاطئ تحتاج إلى إصلاح، بدلًا من انشغالك بالناس وأخطائهم مما تفتر معه روحياتك. وكلمة أخري اهمس بها في أذنك، ربما تكون هي السبب في فتورك، وهي السبب كذلك في أخطائك حينما تعمل في مجال الغيرة والإصلاح. ربما تكون في طباعك قسوة أنت غير متنبه إليها. فلما دخلت في الحياة مع الله، انسلت هذه القسوة داخلة معك دون أن تشعر. وظهرت في معاملاتك حينما تشتغل بالغيرة والإصلاح باسم الله! انظر إلى بولس الرسول، الذي قال لتلميذه تيموثاوس الأسقف: "وبخ. انتهر عظ" (2تي4: 2). كيف كان القديس بولس هذا يعظ؟ أنه يقول لكهنة أفسس حينما استدعاهم من ميليتس. يقول لهم عن أسلوبه: "متذكرين أنني ثلاث سنين ليلًا ونهارًا لم أفتر عن أن أنذر بدموع كل أحد" (أع20: 31). لهذا لم يفتر القديس بولس وهو ينتهر الناس. لأنه كان ينذرهم بدموع. وفي دموعه كانت توجد رقة وحب.. إذن القسوة سبب من أسباب الفتور وإدانة الآخرين سبب آخر، لأن في كليهما تبعد النعمة عن الإنسان، لتشعره بأنه" تحت الآلام" (يع5: 17) مثل كل هؤلاء وإذ تبعد عنه النعمة يفتر. لأن الحرارة الروحية ليست من مجهوده البشري، إنما من عمل الروح فيه. فإن بعد بالقسوة والإدانة عن عمل الروح، حينئذ يفتر... |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الكبرياء والفتور الروحي والكبرياء على أنواع كثيرة... نذكر كمقدمة لها قول الكتاب: " قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم16: 18). فإن كانت الكبرياء تقود إلى الكسر والسقوط، فعلي الأقل توصل إلى الفتور.. ومن أمثلة الكبرياء شعور الإنسان أنه قد وصل. وحينئذ يفتر! كإنسان يستقل قطارًا، وهو في حرارة الاشتياق لأن يصل، فإن وصل أو شعر بذلك، تفارقه حارة الاشتياق. أما الذين مهما فعلوا كل ما أمروا به، يقولون أنهم عبيد بطالون (لو17: 10)، فهؤلاء لا يدركهم الفتور. لأنهم مازالوا في حرارة الاشتياق إلى الوصول، يقول كل منهم -مهما بلغ من كمال- "لست أحسب أني قد أدركت... ولكنى أسعى لعلي أدرك. انسي ما هو وراء وامتد إلى ما هو قدام" (فى3: 12، 13). وهذا السعي يمنح حرارة تمنع الفتور. بل فيه يري الإنسان - كلما ينمو - أن حياته السابقة - في كل علوها - كانت فتورًا. فيسعي بالأكثر، بحرارة أكثر... نوع آخر من الكبرياء يجلب الفتور، وهو شعور الإنسان أنه قد صار كبيرًا وإن غيره أصغر منه. وأنه ينبغي أن يعامل ككبير، له الاحترام، وله الخضوع، وله التسليم في كل ما يشاء. لم يكن هكذا في بدء توبته، حينما كان يشعر بالانسحاق وعدم الاستحقاق، أما الآن -وقد كبر في عيني نفسه- تفارقه النعمة، فيفتر، ليشعر بضعفه فيتضع. إن الحرارة الروحية لا يمكن أن تجتمع مع الكبرياء في مكان واحد.. فإن حدث أن دخلت واحدة على الأخرى تقول هذه لتلك: "اعتزلي عني. إن ذهبت شمالًا، فأنا يمينًا. وإن ذهبت يمينًا، فأنا شمالًا" (تك13: 9). ومع ذلك فأصحاب المواهب – فكرية كانت أو روحية، قد يبدأون بدءًا حسنًا. ثم تحاربهم مواهبهم فيفترون. لذلك فإن الله -من محبته للبشر- لا يمنح مواهبه لكل أحد. لأنه ليس الجميع يحتملون المواهب!! فقد تكبر قلوبهم، ويكون ذلك سببًا في فتورهم! صدق أحد الآباء حينما قال: إن منحك الله موهبة، فاسأله أن يمنحك اتضاعًا لتحتملها، أو اسأله أن ينزع هذه الموهبة منك... لذلك ما أجمل قول داود النبي: "خير لي يا رب أنك أذللتني، حتى أتعلم حقوقك" (مز119: 71). "قريب هو الرب من المنسحقين بقلوبهم" (مز34: 18). لذلك اتضع، ولينسحق قلبك، ليقترب منك الله، ويمنحك حرارة الروح، فيفارقك الفتور. تنقلنا هذه النقطة إلى سبب آخر من أسباب الفتور، وهو: تقليل فترة الإنسحاق والإسراع إلي الفرح. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
تقليل فترة الانسحاق والإسراع إلى الفرح في بدء حياة التوبة، كثيرًا ما يكون الإنسان منسحقًا متضعًا يبكي على خطاياه، وفيما هو هكذا... يأتيه من ينصحه بترك الحزن، على اعتبار أن المسيح قد غفر له خطاياه، وبالتالي يدعوه إلى حياة الفرح! فيترك انسحاقه الذي هو سبب حرارته. ويمضي الوقت يفتر. إن كل خطية لم تستوف ما يلزمها من الانسحاق، يمكن أن تعود. أو على الأقل يعتاد الإنسان اللامبالاة، فيفتر. القديس بولس الرسول في كل مجده الروحي، لم يفارقه انسحاقه، ولم ينس خطاياه، بل كان يقول: "أنا الذي لست مستحقًا أن أدعي رسولًا، لأني اضطهدت كنيسة الله" (1كو15: 9). وداود النبي كذلك، بعد أن نال الموعد بمغفرة خطيته، وضعها أمامه في كل حين (مز50). وكان في كل ليلة بدموعه يبل فراشة (مز6). وإذ حافظ القديس بولس، وداود النبي القديس على انسحاق قلبيهما، استمرا في حرارتهما الروحية ولم يفترا. لا تسرع إذن إلى حياة الفرح. بل إن أتاك، قل: [أنا لا أستحقه]. أو على الأقل: ليكن لك انسحاقًا الداخلي، مهما عشت في فرح الروح... |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الكسل والتهاون وفتور الحياة الروحية سبب آخر للفتور هو الكسل: الكسل والتهاون إنهما سببان واضحان من أسباب الفتور لا يحتاجان إلى شرح. فهما ضد الجهاد الروحي وضد السعي إلى الكمال. وبهما يقصر الإنسان في الصلاة والسهر، وفي التغصب اللازم لكبح جماح النفس... إن ملكوت الله لا يعطي للكسالى، وإنما للذين يجاهدون. وقد قال الكتاب: "ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة" (إر48: 10). خاتمة:-وبعد، إن موضوع الفتور موضوع طويل، أكتفي بهذا الذي قلناه فيه، على أن أعود إليه في كتاب خاص إن شاء الله. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الاكتئاب وحرب الكآبة ما هي الكآبة؟ ما مظاهرها، وما أسبابها؟ وما نتائجها، وما علاجها؟ هذا ما نود أن نتحدث عنه اليوم، مفرقين بين الكآبة السقيمة، حربًا كانت أم مرضًا..
|
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الكآبة المقدسة لاشك أنه توجد كآبة مقدسة، تدفع إليها دوافع روحية، ويسلك فيها الإنسان بأسلوب روحي، وتكون مؤقتة وليست منهج حياة.. 1 - مثال ذلك نحميا Nehemiah، الذي لما سمع أن أورشليم سورها منهدم، وأبوابها محروقة بالنار، وشعبها في عار عظيم.. يقول: "فجلست وبكيت، ونمت أيامًا وصليت..." (نح1: 4). حتى أن الملك ارتحشستا لاحظ عليه ذلك وقال له: "ما هذه إلا كآبة قلب" فأجابه نحميا: " كيف لا يكمد وجهي والمدينة بيت مقابر آبائي خراب، وأبوابها قد أكلتها النار" (نح2: 2، 3). هذه الكآبة دفعت نحميا إلى الصلاة والصوم، وإلى عمل إيجابي فعال أزل به أسباب قد أكلتها النار" (نح2: 2، 3). 2 - ومثل نحميا كان عزرا الذي لما رأي أخطاء الشعب، اكتأب وصام وصلي، نجح في تطهير الشعب، ولم تستمر كآبته (عز9، 10). 3 - ونقرأ في بستان الرهبان عن دموع الآباء القديسين، وعن تلك النصيحة المشهورة: [اجلس في قلايتك وابك على خطاياك]. 4 - نسمع أيضًا عن الكآبة التي تصحب التوبة والصوم، وتساعد على التواضع وانسحاق القلب. ومن أمثلتها ما ذكر عن الصوم في سفر يوئيل (يوء2: 12 - 17). وما ذكر عن صوم أهل نينوى وتذللهم أمام الله في المسوح والرماد (يون3). كذلك توبة داود وكيف كان يبلل فراشة بدموعه (مز6). كانت كآبة الخطاة تتحول إلى توبة، وتنتهي بالفرح، وبعزاء داخلي في أعماق القلب، وتؤدي إلى إصلاح السيرة كلها. ولعل هذا ما يقصده الكتاب بعبارة" بكآبة الوجه يصلح القلب" (جا7: 3). ونسمع أيضًا عن الكآبة في الخدمة مثل قول القديس بولس الرسول: "مكتئبين في كل شيء، ولكن غير متضايقين" (2كو4: 8). وهكذا كانت الكآبة في الخدمة مصحوبة بالعزاء، كقول الرسول: "إن الله يعزينا في كل ضيقتنا، حتى نستطيع أن نعزي الذين هم في ضيقة" (2كو1: 4) ولعل من أروع الأمثلة للكآبة المقدسة، أن السيد المسيح في البستان حزن واكتأب (مت26: 37، 38) وكانت نفسه حزينة حتى الموت. ومن أمثلة هذا النوع أيضًا -مراثي إرمياء- وكثير منها نبوءات عن السيد المسيح. ومع ذلك قال المسيح لتلاميذه: "لكني سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو16: 20). من كل هذا نري أن الكآبة المقدسة تكون لأسباب روحية، ومصحوبة بالعزاء وبالرجاء، وتتحول أخيرًا إلى فرح، وهي مؤقتة وليست صفة مستمرة. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الكآبة الطبيعية ومن أمثلتها الحزن على وفاة عزيز كبكاء مريم ومرثا عند قبر لعازر. ومن أمثلة هذا النوع أيضًا - أيوب بعد وفاة أولاده، وبناته وخراب بيته، وضياع صحته. وكذلك بكاء يعقوب، لما سمع أن ابنه يوسف قد افترسه وحش رديء (تك37: 34). هذا حزن طبيعي، |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الكآبة الخاطئة وأسبابها | أسباب الاكتئاب هي التي تحوي الخطية داخلها: 1 - مثل كآبة إنسان في قلبه شهوة خاطئة لم يستطيع أن يحققها. مثال هذا النوع كآبة آخاب الملك، لما رجع إلى بيته مكتئبًا مغمومًا، لأنه لم يستطع أن يغتصب حقل نابوت اليزرعيلي (1مل21: 4) Naboth the Jezreelite. وقد قادته هذه الكآبة إلى القتل والظلم والكذب ليحقق شهوته. 2 - وهناك كآبة سببها الغيرة، والحسد... مثالها كآبة الابن الأكبر الذي رفض أن يدخل بيت أبيه ليشترك في الفرح بأخيه، قائلًا إن أباه لم يعطه جديًا ليفرح مع أصدقائه، بينما ذبح لأخيه العجل المسمن (لو15: 28 - 30). ومثال ذلك أيضًا كآبة أي إنسان يشعر أن غيره قد حصل على شيء، بينما هو أحق منه به. 3 - هناك كآبة أخري سببها الفشل. بينما الفشل لا يعالج بالكآبة، وإنما بمعرفة أسبابه، ومعالجة هذه الأسباب بطريقة إيجابية، أما مجرد الكآبة، فإنها تضيف إلى الفشل مشكلة أخري تحتاج إلى حل. وتزداد الخطورة في مثل هذه الكآبة إذا كان سببها الفشل في ارتكاب خطية كفشل أمنون أولًا في الخطيئة مع ثامار (2صم13). وكفشل آخاب أولًا في اغتصاب حقل نابوت... ومثل فشل أي طالب في القدرة على الغش أثناء الامتحان، أو فشل إنسان في الانتقام لمقتل أحد أقربائه. إنه فشل في ارتكاب خطية الاكتئاب عليه هو خطية أخري. 4 - وهناك كآبة سببها اليأس: مثل يأس عيسو، لما علم أن البركة قد انتقلت إلى أخية وانتهي الأمر، وقال له أبوه إسحق: "ماذا أصنع لك يا ابني؟ قد جاء أخوك بمكر، وأخذ بركتك، أني قد جعلته سيدًا لك" فلما سمع عيسو كلام أبيه، صرخ صرخة عظيمة ومرة جدًا (تك27: 33 - 38). ورفع صوته وبكي.. 5 - وهناك كآبة إنسان ينحصر بالضيقات. ويبقي فيها حزينًا بلا رجاء. وعلاجه أن يقول لنفسه كما قال داود النبي: "لماذا أنت كئيبة يا نفسي؟ ولماذا تحزنينني؟ توكلي على الله" (مز42: 11). لا تجمع المشاكل، وتكومها أمامك وتقف حزينًا، بلا حل، بلا رجاء، بلا اتكال على الله، إذكر قول الكتاب: " لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم" (1تس4: 13). إن الكآبة التي بلا رجاء، هي كآبة خاطئة. حتى لو كانت بسبب طبيعي، كالبكاء على ميت، أو بسبب روحي كالبكاء على خطية. لذلك إن أحاطت بك المشاكل، فرقها، ضع الله بينك وبينها، فتختفي ويظهر الله، بمعونته. 6 - هناك كآبة أخري سببها الحساسية الزائدة.. إذ قد يوجد إنسان حساس جدًا نحو كرامته، أو حساس جدًا نحو حقوقه، يتضايق جدًا لأي سبب، أو لأقل سبب، أو بلا سبب، يريد معاملة خاصة، في منتهي الرقة، في منتهي الدقة، في منتهي الحرص فإن لم يجدها، وطبعًا نادرًا ما يجدها حينئذ يكتئب.. 7 - وهكذا يأتي الاكتئاب أيضًا للذين لا يعيشون في الواقع بل يرفضونه، ولا يضعون له سوي بديل خيالي لا يتحقق. فهم ثائرون على وضعهم، ولكنهم لا يحاولون تغييره بطريقة عملية، توصلهم إلى ما يريدون، إنما يكتفون بالثورة، يبقون حيث هم في كآبة وفي سخط على كل شيء. وإن أتتهم لحظات سعادة تكون ببعض أحلام اليقظة التي يعيشون فيها في خيال يتمنونه، ثم يستيقظون من أحلامهم وخيالاتهم، ليجدوا واقعهم كما هو، فيزدادوا سخطًا عليه، وتزداد كآبتهم. ونصيحتنا لهؤلاء أن يكونوا واقعين فإما أن يعيشوا في قناعة تسعدهم، راضين بما عندهم بل شاكرين أيضًا، وإما أن يعملوا على تغير الواقع عمليًا، ولا يكتفون بالكآبة. 8 - وقد يأتي الاكتئاب بسبب ضيق الصدر وعدم الاحتمال.. الإنسان الواسع الصدر والقلب يستطيع أن يمرر أشياء كثيرة تذوب في قلبه ولا يضيق بها، أما الذين لا يحتملون، فلابد أن يصلوا إلى الكآبة. كذلك سعة الفكر تعالج الكآبة تعالج الكآبة... فبدلًا من الاكتئاب، يفكر في حل. الإنسان الذكي، إذ أحاطت به مشكلة أو ضيقة. بدلًا من إرهاق أعصابة ونفسيتنه بالمشكلة ومتاعبها... يشغل ذهنه بإيجاد حل للخروج من المشكلة، فإن وجد الحل يبتهج، وتزول حدة المشكلة، وإن لم يجد، يصبر، والذي لا يستطيع أن يصبر، لا شك أنه ضيق الصدر، وهذا تزداد كآبته ويكون سببها قلة الحيلة. 9 - وقد تحدث الكآبة بسبب حرب خارجية من عدو الخير، دون ما سبب ظاهر.. يغرس في النفس أسبابًا للضيق ولو يخترعها، أو يكبر ويضخم في أسباب تافهة لا تدعو إلى الكآبة، أو يحاول أن يلهو بالإنسان كلما يسعد بوضع، يعزيه بأوضاع أخري كأنها أفضل مما هو فيه، فإن وصل إليها، يغريه بغيرها، أو بوضعه الأول. ويوجده في جو من التردد وعدم الثبات: يكون سببًا في الكآبة. فمثلًا إن كان راهب يعيش في الوحدة، يغريه بالخدمة وأكاليل الاشتراك في بناء الملكوت، وإن كان يخدم، يغريه بالوحدة وحياة التأمل والسكون والصلاة الدائمة، ومتعة الوجود في حضرة الله.. وهكذا لا يثبت على حال فيكتئب. وهذا يقودنا إلى سبب آخر للكآبة وهو الشك.. 10 - الشك إذا استمر، يحطم النفس، ويجعلها في حالة كآبة وقلق. سواء كان شكًا في إخلاص صديق أو في أمانة زوجة وعفتها، أو كان شكًا في حفظ الله ومعونته، أو شكًا في الإيمان.. أو قد يكون الشك في الطريق الذي يسلكه الإنسان أهو حسب مشيئته الله أم لا؟ أو قد يكون شكًا في تدابير ضد الإنسان وهو لا يدري.. أفكار الشك تخرج من العقل: لكي توجد عذابًا في النفس، وتقود إلى تصرفات تتناسب في الخطأ مع هذه الشكوك وحدتها. مثل زوج يشك في عفة زوجته، فيغلق عليها الأبواب والنوافذ، ويتجسس عليها، ويسمح لنفسه أن يفتش خطاباتها، وأدراجها، ويحقق معها في كل ما يشك فيه، ويجعل حياتها عذابًا.. وقد تكون بريئة كل البراءة.. يحاسبها على كل ابتسامه، وعلى كل كلمة، وعلى كل لقاء، وعلى كل حركة.. حياته تصبح في جحيم، وحياتهم تصبح في جحيم، وتكون للكآبة نتائج أخري خطيرة.. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الكآبة المرضية إن حرب الكآبة حرب معروفة، ومشهورة، على أننا نريد أن ننتقل إلى النوع الرابع منها وهو الكآبة المرضية. كما أن الشك المسبب للكآبة، إذ تطور قد يتحول إلى مرض، كذلك الكآبة قد تتحول إلى مرض. إذ تضغط الأفكار فيها على الإنسان حتى تحطم كل معنوياته، وتزيل منه كل بشاشة. فكر الكآبة يلصق بالمريض ولا يفارقه.. يكون معه في جلوسه وفي مشيه في نومه وفي صحوه، بأفكار سوداء كلها حزن وقلق وخوف، وصر كئيبة أمامه، بلا حل ولا رجاء. كآبة تضيع حياته، وروحياته، ونفسيته وعقله، باقتناع داخله أنه قد ضاع وانتهي.. 1 - كإنسان يظن مثلًا أن خطيته لن تغفر وأنه وقع في التجديف على الروح القدس (مت12: 31). وربما يكون الشيطان هو الذي ألقي في ذهنه هذا الفكر، حتى يوقعه في الكآبة، ثم في اليأس، على اعتبار أنه قد فقد أبديته، وأنه لا سبيل إلى الخلاص حسب تعليم الكتاب. أو قد يوصله إلى نفس الفكر ونفس الكآبة بأن يذكره بما قيل عن عيسو أنه: "لم يجد للتوبة مكانًا، مع أنه طلبها بدموع" (عب12: 17). ويخفي عنه كل الآيات الخاطئة بقبول الله للخطاة مثل قوله: "من يقبل إلى لا أخرجه خارجًا" (يو6: 37). ومثل قول الرسول إن: "الله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون " (1تى2: 4). أو يضع أمامه تلك الآية: "وأعطيتها زمانًا لكي تتوب عن زناها: ولم تتب" (رؤ2: 21). ويشعره الشيطان بأن التوبة لها زمان محدد، وأن زمانه قد فات. وهكذا يقطع رجاءه من الخلاص، حسبما قال داود في المزمور: "كثيرون يقولون لنفسي ليس له خلاص بإلهة" (مز3). يضع أمامه ما ورد في (عب6: 4-8) ويدقق على عبارة: "لا يمكن تجديدهم للتوبة". وهذه هي طريقة الشيطان، قطع الرجاء، ليوقع في الكآبة واليأس. وطبعًا كل الآيات السابقة لها تفسير ومثل هذا الإنسان يحتاج إلى من يفهمه معني الكلمات، ويكلمه عن محبة الله التي لا حدود لها، وإنه قبل اللص في آخر حياته دون أن يحدد له زمانًا.. وكآبة اليائس ليست هي كآبة الوجه التي يصلح بها القلب (جا7: 3). 2 - وقد يكون سبب الكآبة المرضية هو عقدة الذنب. كأن يموت له أب أو ابن، فيشعر أنه السبب في موته، ويظل هذا الأمر يتعبه، ويجلب له حزنًا لا ينقطع. ويظل يقول: ربما أكون قد قصرت في حقه، ولولا تقصيري ما مات. ويظل الشيطان يذكره بمناسبات للتقصير وإن قال له أحد إنك لم تقصر، وجلبت له الأطباء والدواء، يقول في كآبته المرضية، ربما لو أحضرت له طبيبًا أكثر شهرة، ما مات.. ربما لو سافر إلى الخارج.. وهكذا تطوف به الأفكار وكلها كآبة. 3 - وربما سبب الكآبة هو مرض له، يظن أنه بلا شفاء.. أو يتوقع له نتائج خطيرة يصورها له الوهم بأسلوب يتعب نفسيته.. وما أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الكآبة المرضية، والتي تصيب الإنسان بحزن لا يتخلص منه، ولا يعطي نفسه فرصة للشفاء منه. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
أعراض وعلاج الاكتئاب والمريض بالكآبة، قد يكون ساهمًا باستمرار، كئيب الوجه، والملامح، وكثير البكاء، كثير الشكوى، يائسًا تطحنه الأفكار السوداء بلا رجاء. يظن أنه قد ضيع أبديته، أو ضيع نفسه ومستقبله، أو ضاعت صحته، أو أنه تسبب في ضياع غيره، أو أن ما ينتظره أسوأ مما هو كائن.. وقد تحاول أن تصحح له أفكاره فلا يقبل، وينظر إليك في يأس ثم يبكي، فهذا الذي تقوله، قد سبق أن سمعه من ذهنه قبل ذلك، وظهر له أنه حل عديم الجدوى. أو قد يرفض الحديث جملة، إذ لا فائدة منه، ويشعر أن من يكلمونه لا يحسون به. وهناك نوع عكسي، يريد أن يحكي عن متاعبه، لكي يجد حلًا.. ومشكلة هذا الشخص هي أنه إما لا يجد حلًا، فتزداد كآبته. أو يجد الشخص الذي يستريح إليه، فيظل يتردد عليه كثيرًا، وفي كل مرة يقضي ساعات في الكلام والحوار حتى يهبر منه هذا الشخص المريح، فيتعبه هذا الهروب، ويري أنه يفقد القلب الذي أراحه، وفقدانه يزيد كآبته. ومن جهة العلاج، هناك نوعان من المصابين بالكآبة.. أ - نوع يرفض العزاء ويرفض التفاهم. ب - ونوع يتشبث بالفكر، كلما يخرجونه منه يعود إليه، وكلما يشفي يعود مرة أخري إلى مرض كما كان، وربما أزيد..ربما تخطر عليه فكرة الانتحار.. لكي يتخلص به من آلامه ومن حزنه فإما أن ينفذ الفكرة، أو يجدها هي أيضًا بلا فائدة، وذلك إن كان يؤمن بالأبدية، أو لأنه يفضل الكآبة على الموت أو لأنه يحاول أن يحل مشاكله عن طريق الخيال والفكر وأحلام اليقظة. وعمومًا يكون للكآبة تأثيرها السيئ على صحته.. من جهة إنهاك الأفكار، التي هي أيضًا تنهك الأعصاب، وأيضًا من جهة التعب النفسي وتأثيره على الجسد. وكذلك من جهة فكرة واحدة محيطة به، لا يعرف كيف يخرج من حصارها له.. إنه مرض يتعبه، ويتعب كل الذين حوله، ويتعب طبيبه، ويتعب مرشده الروحي.. ويحتار أب الاعتراف كيف يتصرف معه. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الكآبة والاكتئاب ليس علاجًا لمشاكلك إن أول علاج لك هو أن تعتقد تمامًا من أعماق قلبك أن الكآبة ليست علاجًا لمشاكلك. تحدث لك مشكلة، كما أن جميع الناس تحدث لهم مشاكل. فتسبب لك هذه المشكلة حزنًا في قلبك أو ضيقًا. وهذا أيضًا يحدث لجميع الناس.. ولكنك أنت بالذات تستمر معك الكآبة مدة أطول مما يجب يلاحظ الكل أنها ليست كآبة طبيعية. ويحاولون أن يعزوك. أو أن يخففوا عنك. ولكنك بإصرار شديد ترفض أن تتعزي. فيسأم الناس من الحديث معك ويتركونك. فتجلس في كآبة أكثر وفي انطواء.. وهنا أسألك: هل استفدت شيئًا من كآبتك؟ هل عالجت مشكلتك؟ هل أراحتك نفسيًا من الداخل... أم تعبت بالأكثر؟! وهل أراحتك من جهة علاقتك بالناس. أم تعقدت علاقاتك بالأكثر؟! لا شك أنك خسرت بالكآبة. أكثر مما كنت تتوقع. وأصبحت كآبتك بسبب المشكلة، هي مشكلة أضخم من المشكلة التي اكتأبت بسببها! وبقيت المشكلة الأولي لم تحل.. مع إضافة مشكلة الكآبة إليها، ومع ما نتج عن ذلك من انطواء، ومن سوء علاقة مع الناس وخسارة الجو الهادئ الذي كنت تعيش فيه. كما إنك عرضت على الناس نقصًا ما كانوا يعرفونه فيك. وهو عدم احتمالك، وعجزك عن احتمال المشاكل... فلماذا هذا الإتلاف؟ كن واقعيًا. وفكر في حل مشاكلك ولا تركز على الاكتئاب. وإن لم تجد حلًا لمشكلتها، انتظر الرب.. أو احتمل وعش في واقعك. وإن اكتأبت بحكم الطبيعة البشرية لا تجعل هذه الكآبة تطول، ولا تجعلها تستمر، ولا تكشف نفسك هكذا قدام الناس. ولا تجعل الناس ينظرون إليك في إشفاق، أو في يأس من تغيير حالتك. حاول أن تكون أقوي من المشكلة. وإن لم تستطيع، حولها إلى الله الذي هو أقوي من الكل، والذي كل شيء مستطاع عنده (مت19: 26).. وبعد ذلك انسها في يدي الله. ولا تعد تفكر فيها. هناك مشاكل كثيرة، يمكن أن تحل بالإيمان، وبالتسليم، وبالصلاة.. ولكن لا توجد مشكلة واحدة يمكن حلها بالكآبة. إذن عليك أن تؤمن بأن الله موجود، وأنه لابد أن يتدخل وهو ضابط الكل، يري كل شيء، ولا تفوته ملاحظة شيء، وهو يعرف متاعبك أكثر مما تعرفها، ويشفق عليك أكثر مما تشفق على نفسك. ومادام الله يهتم، فلا تحمل أنت همومًا على كتفيك. اترك الأمر لله. هناك مشاكل في إمكانك حلها.. وهناك مشاكل أخري حلها في تركها، أو حلها في نسيانها. وربما تكون مشكلتك ( التي تبدو لك بلا حل) هي من هذا النوع. ولعلك تقول: وكيف أنسي؟ كيف أنسي المشكلة، وهي لاصقة بذهني أكثر من التصاق جلدي بلحمي؟ أفكر فيها كل حين، في جلوسي، في مشيي، في وجودي وحدي، وفي وجودي مع الناس، لا أفكر إلا فيها وإن قرأت أسرح فيها، ولا أتحدث في موضوع سواها. هى بالنسبة إلى كالنفس الداخل والخارج، أحسست أو لم أحس..!! |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
المشغولية كعلاج للاكتئاب هنا، أقدم لك حلًا عمليًا وهو: المشغولية. إشغل نفسك باستمرار: واهرب من الفكر، من هذا الفكر الكئيب الذي فيك.. لابد أن تقتنع أن مداومة التفكير في المشكلة تضرك من كل ناحية: تضرك جسديًا وعصبيًا ونفسيًا، وترهقك، وتزيد المشكلة، وفي نفس الوقت لا وصول إلى حل.. إذن اترك هذا التفكير المرضي.. وفي صراحة قل لنفسك: كفاني تعبًا من هذا التفكير الذي لم يفدني بشيء.. وإن لم تستطيع، اشغل نفسك باستمرار. اشغل نفسك بأي شيء يبعد عنك الفكر المرهق. ومن هنا كان العمل المستمر مفيدًا للذين يشكون من الكآبة، إلى أن يتعبوا من العمل، فيناموا في راحة، وهكذا تستريح أعصابهم من إرهاق الفكر لها.. كما أن العمل يشعر الإنسان أنه قادر على إنتاج شيء، أو قادر على تحمل مسئولية، فيريحه هذا نفسيًا. كما تريحه ثمار عمله. وفي خلال ذلك يكون قد بعد عن الفكر... غير أن البعض قد يرفضون العمل أو يهربون منه، لكي يخلو عقلهم مع الفكر..! الفكر المرضي أصبح للأسف الشديد يشكل أهمية كبري في نفوسهم، لا يستغنون عنها. فهم يريدون أن يفكروا في المشكلة. يريدون أن يستمروا دائرين في هذه الدائرة. المفرغة التي لا توصل إلى حل..! فإن قبلوا العمل، تكون علامة صحية.. علامة على أنهم قلبوا الاستغناء عن الفكر، ولو قليلًا، في فترة العمل... وهذا حسن جدًا.. مجرد قبولهم العمل، أمر مفيد، حتى لو كان ذلك تغصبًا. وتزداد حالتهم تحسنًا، كلما قبلوا العمل برضي وبفرح ووجدوا فيه لذة.. وأحيانًا يكون رفضهم للعمل، بحجة أن أعصابهم مرهقة، وقدرتهم الجسدية لا تمكنهم من العمل..! وهذه الحجة قد تكون حقيقية عند البعض إلى حد ما.. وقد تكون وهمية عند البعض الآخر. أو يكون وراءاها عامل نفساني.. مثل شخص كلما يعرض عليه العمل، يشعر بإعياء جسدي مفاجئ، هو رد فعل لرغبته الداخلية في عدم العمل. على أية الحالات، يكون العمل حسب الطاقة، وقد يكون أيضًا عن طريق التدرج، حسبما يقدر المكتئب، وحسبما يستجيب للعمل. ويحسن عرض أعمال عليه، يختار منها ما يناسبه.. فإن لم يقدر على العمل اليدوي، هناك أنواع أنشطة يمكن أن يقوم بها.. وهناك ألوان من التسلية والترفيهات والقراءة قد تشغله.. وهناك علاج آخر هو الموسيقي. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الموسيقى كعلاج للكآبة لاشك أن هناك أنواعًا من الموسيقي لها تأثير قوي على النفس، ويمكنها أن تريح وأن تهدئ، وأن تبعد الإنسان عن جو الحزن والكآبة، وتنقله إلى أجواء أخري.. ويمكن اختيار قطع الموسيقي المفيدة، التي لا تضر روحيًا. وفي نفس الوقت يكون لها العمق والتأثير، والقدرة على نقل المشاعر المتألمة، وفتح أبواب من الرجاء أمامها.. وهنا أذكر أن ابنتنا الدكتورة نبيلة ميخائيل، قد نالت درجة الماجستير ودرجة الدكتوراه في العلاج بالموسيقي ببحوث علمية نالت تقديرها من الجامعة ومن أوساط كثيرة... ولا أظن أن الإنسان المكتئب يرفض الموسيقى. والموسيقي ليس المقصود بها الغناء، فهناك موسيقى عميقة لا يصاحبها غناء. والموسيقى الدينية ذات تأثير كبير في النفس. والمفروض طبعًا البعد عن الموسيقى الحزينة، التي قد تبقي المريض في ألمه وحزنه وانطوائه. إن الموسيقى هي علاج للنفس من الداخل، علاج للمشاعر والأحاسيس.. وقد تكون أكثر تأثيرًا من العظات في كثير من الأحيان. ربما تشبهها في بعض الأوقات تراتيلوألحان معينة. على أن البعض قد يلجأ إلى العلاج الكيمائي عن طريق العقاقير. ولي ملاحظة على هذا العلاج، مع مقارنته بالعلاج النفساني، ثم أيضًا بالعلاج الروحي. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
العلاج بالعقاقير والعلاج النفسي للاكتئاب العلاج بالعقاقير قد يكون مقبولًا، حينما يكون المريض في حالة عصيبة معينة، أو في حالة نفسية لا تقبل التفاهم ولا الحوار، أو في حالة تصميم شديد على ما هو فيه... فيعونه العقاقير للتهدئة، وربما تهدأ أعصابه، وتصبح في حالة تسمح بالعلاج النفسي... كأن يكون هناك فكر يرهق المريض جدًا... ويضغط على أعصابه ونفسيته ضغطًا عنيفًا لا يحتمله. بل قد يطرد عنه النوم طردًا من كثرة التفكير.. ولذلك فهو في حاجة ماسة إلى فترة من الراحة، تهدأ فيها أعصابه وبالتتالي تهدأ نفسيته.. وهنا يعطونه العقاقير كمسكنات أحيانًا، أو لكي ينام ويستريح من الفكر. وهنا قد تبدو العقاقير ضرورة، وبخاصة للمريض الهائج، الذي يرفض الاعتراف بأنه مريض، ويرفض العلاج. نقول هذا مع اعترافنا بأضرار كثير من العقاقير، وما تحدثه من تأثيرات أخري ضارة بالصحة... ولكن في مثل تلك الحالات الصعبة، ربما لا يجد الطبيب علاجًا غيرها في ذلك الوقت. ولكني أقول في صراحة.. لا يصح أن تكون العقاقير علاجًا دائمًا، أو العلاج الوحيد. ولكن العلاج النفسي في موضوع الكآبة أفضل منها بكثير، حينما يأتي موعده.. إن المريض قد يأخذ المهدئات أو المسكنات أو المنومات، لكي يستريح من الفكر الذي يتعبه. وقد يهدأ أو ينام، ثم يصحو أو يفيق، فيجد الفكر مازال أمامه، فيأخذ قدرًا آخر من العقاقير وتتكرر العملية... وقد لا يأتي العقار بنتيجة، فتزداد الكمية المعطاة، أو يعطونه عقارًا آخر حتى لا يعتاد العقا الأول، أو عقارًا آخر أشد تأثيرًا، أو يستبدل المسكن بمنوم. ومن كثرة المنومات قد يترهل جسمه أو تضعف ذاكرته، أو يصبح في حالة (دروخة) مستمرة. ويستمر الفكر المتعب معه. وهنا أحب أن أقول حقيقة هامة وهي: إن العقاقير ربما تكون لعلاج النتائج وليس لعلاج الأسباب. والأسباب هي الأفكار والمشاعر التي سببت الكآبة، وأيضًا أسباب هذه الأفكار وهذه المشاعر، وأيضًا نوعية النفسية، ونوعية العقل والتفكير.. ما علاقة العقاقير بكل هذا؟ وإن عالجت العقاقير سببًا، ربما تتلف إلى جواره شيئًا آخر. فإن جعلت المريض ينسي الفكر المرهق، ربما تؤثر على ذاكرته بوجه عام. إن أسباب الكآبة، قد يصلح لها العلاج النفساني بأسلوب أعمق والمشكلة أن العلاج النفساني يحتاج إلى وقت... المريض يريد أن يفرع كل ما في داخله، ويحكي كل ما يتعبه. وقد يستمر ذلك بالساعات. والطبيب ليس لديه وقت.. وبخاصة إذا ما تعود المريض هذه الإطالة وحكاية القصص التي لا تنتهي. وهنا قد يسأم الطبيب ويشفق على وقته الخاص. وسأم الطبيب أو ملله، يجعله لا يستمع أكثر، فيتوقف العلاج النفسي. ونحن لا نلوم الطبيب، فقد يكون له عذره، وبخاصة إذا كان كلام المريض متكررًا، أو كان يعيد نفس الكلام الذي تعب الطبيب معه في التعليق عليه. وقد يحتج الطبيب بأن تدليل المريض لا يفيده ويشجعه على إطالة الجلسة، أو يؤدي إلى وجود دالة بينه وبين الطبيب فيطلبه باستمرار، وفي أوقات عمله مع آخرين. وفي أوقات راحته.. لاشك أن العلاج النفسي يحتاج إلى وقت، وإلى صبر واحتمال، كما يحتاج أيضًا إلى حكمة، ومعرفة بالنفس البشرية. فقد يري الطبيب أن شكوك المريض ليس سليمة، وأن ما يقدمه من أسباب لتعبه، هو كلام مبالغ فيه، أو مجرد أوهام، أو الحقيقية عكس ذلك تمامًا. ويشرح كل ذلك للشخص المكتئب، ومع ذلك يبقي مصرًا على فكره، بل ربما يشك أحيانًا في الطبيب ذاته، وفي كفاءته وفي إخلاصه! إنه مرض.. لقد تحولت الكآبة من حرب داخلية أو حرب خارجية، إلى مرض.. وعلينا أن نبحث كل ذلك، لندخل في علاجه. بل ونقدم نوعًا آخر من العلاج، هو العلاج الروحي. وهنا لابد من التعرض لنقطة هامة هي: التدين المريض! |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
التدين المريض و الكآبة والتدين المريض له أسباب وأعراض عديدة.. ولكننا نركز على النقاط الآتية: 1 - الكآبة كمنهج روحي. 2 - الصرامة في معاملة النفس والآخرين. 3 - المثاليات التي هي فوق الطاقة. كثيرون من المرشدين الروحيين يركزون على عبارة: "بكآبة الوجه يصلح القلب" (جا7: 3).. ويركزون أيضًا على قول الآباء في بستان الرهبان: [ادخل إلى قلايتك، وابك على خطاياك]. ويعظون كثيرًا عن الدموع وفوائدها. وكل هذا كلام روحي له فائدته وله وقته. لكن الكآبة قد تصلح لوقت، ولكنها لا تكون منهجًا دائمًا للحياة. وهؤلاء المرشدون لا يتحدثون عن الفرح، بل ربما يعتبرونه ضد التوبة.. كما يعتبرون الضحك علامة انحلال روحي! وينسي هؤلاء قول الكتاب: " افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا افرحوا (في4: 4). وقوله أيضًا إن ثمار الروح "محبة وفرح وسلام" (غل5: 22). وقول السيد المسيح: "أراكم فتفرح قلوبكم. ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو16: 22). وبنفس السفر الذي وردت فيه عبارة: "بكآبة الوجه يصلح القلب"، ورد فيه أيضًا: "للبكاء وقت وللضحك وقت" ( جا3: 4). إن التزمت الدائم، والحديث المستمر عن وجوب الكآبة، يغرسان الكآبة في أعماق النفس. وربما يسلك البعض فيها بحكمة واتزان، بينما تتحول عند البعض الآخر إلى مرض! ويصبح كل شيء يدعو إلى الكآبة! التوبة تدعو إلى الكآبة، لأن داود النبي كان في كل ليلة يبل فراشة بدموعه والخدمة تدعو إلى الكآبة، كما بكي نحميا على أورشليم، وكما بكي إرمياء في مراثيه، وكما قال داود في مزاميره: "الكآبة ملكتني من أجل الخطاة الذين تركوا ناموسك" (مز119). التواضع أيضًا لابد أن تصحبه الكآبة! لئلا الفرح يقوده إلى ارتفاع القلب! والصلاة أيضًا قد تكون شديدة! وتنظر إلى ملامح شخص من هؤلاء أثناء صلاته، فتجدها متجهمة جدًا متأزمة، يتعبك التطلع إليها! حقًا هناك كآبة روحية، ولكن معها عزاء. وهناك حزن مقدس، ولكن معه رجاء. والفرح بالرب يختلط بكل تلك المشاعر. أما الذين يركزون على الكآبة وحدها بدون عزاء، بدون رجاء، بدون فرح بالرب وعمله، فهؤلاء لم يفهموا المسيحية كما ينبغي، ولم يفهموا الإنجيل الذي هو" بشارة مفرحة". هؤلاء يقدمون للناس قدوة كئيبة. بل قد يهرب البعض ويخافون من التدين، لئلا يصيروا في هذه الصورة المحزنة، الدائمة التجهم، التي لا تضحك مطلقًا، وقد فقدت البشاشة والابتسامة والوجه المضيء! وأصبحت الروحيات عندها هي دموع لا تنقطع وصرامة لا تنفرج. هؤلاء ينبغي أن يفرقوا بين الدموع الروحية التي تؤول إلى فرح، وبين الدموع التي تحرق النفس وتمزقها، وتدخلها في ظلمة محزنة! هل العلاقة مع الله حزن دائم بلا عزاء؟! وهل الله المحب الحنون لا يود أن يرانا إلا باكين مكتئبين؟! وهل الله المحب الحنون لا يود أن يرانا إلا باكين مكتئبين؟! وهل الكآبة التي تصلح القلب، تستمر كآبة بعد أن تصلحه؟! أم تعطي مكانها للفرح والعزاء؟ نقطة أخري وهي المثاليات... حسن وواجب أن ندعو إلى المثاليات. ولكن يجوز أن يوصلنا هذا إلى الكآبة المستمرة، بحجة أننا لم نصل بعد إلى الكمال المطلوب، ومازلنا في الموازين إلى فوق فطريق الكمال طويل، والسلوك فيه يحتاج إلى جهاد وصبر. ويليق بنا أن نفرح بكل خطوة نخطوها في الطريق، وليس أن نحزن ونكتئب بسبب الخطوات الباقية التي علينا أن خطوها فيما بعد.. ولا تظن أن مثل هذا الفرح، فيه كبرياء أو ارتفاع قلب، لأنه فرح بالله الذي أعاننا، وليس بقدرتنا ومجهودنا البشري. وبدلًا من أن نكتئب على ما ينقصنا نصلي لكي يعين الله ضعفنا ويكمل نقصاتنا. إن الكآبة لا تعالجنا، بل قد تعطلنا وقد يتخذها العدو لإلقائنا في اليأس.. هنا ونتكلم عن العلاج الروحي. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
العلاج الروحي للكآبة الإنسان الروحي هو بعيد تمامًا عن الكآبة المرضية. قد يكتئب أحيانًا كآبة روحية أو طبيعة، إلى حين. أما الكآبة المرضية، فعنده حصانة ضدها، مبنية أساسًا على روحانية سليمة، نذكر من خصائصها سبع فضائل هامة هي: الإيمان بالله وعمله، والرجاء، والقناعة أو التجرد، حياة الشكر، الفرح والبشاشة، الواقعية، الصبر والاحتمال وسنحاول أن نتكلم بإيجاز عن كل من هذه الفضائل، وعلاقتها بعلاج الكآبة، أو بالقوية منها. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الإيمان كعلاج ووقاية ضد الاكتئاب نحن نؤمن أن الله ضابط للكل، يدبر هذا الكون، ويهتم بأولاده، في محبة لهم، وعناية بهم، قد نقشهم على كفه (إش49: 16) وشعره واحدة لا تسقط من رؤوسهم بدون إذنه (لو21: 18) وإن سمح بضيقات تصيبهم، فلابد أن ذلك من أجل خير في المستقبل. وكما قال الكتاب: "إن كل الأشياء تعمل للخير للذين يحبون الله" (رو8: 28). ولذلك قال القديس يعقوب الرسول: "احسبوه كل فرح يا أخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع1: 2). إذن التجارب والضيقات بالنسبة إلى المؤمن - تنشئ فرحًا لا حزنًا، متذكرًا قول الكتاب إنه: "بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع14: 22). وهو بهذا يري أنه يدخل في شركة آلام المسيح (في3: 10) وينفذ وصيته في حمل الصليب، إذ قال: "من لا يحمل صليبه ويتعبني فلا يستحقني" (مت10: 38) وكذلك فهو ينفذ وصيته في الدخول من الباب الضيق، لأنه" ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه" (مت7: 14). لذلك فالمؤمن الحقيقي لا يحزن إن صادفته مشاكل، بل على العكس يحزن إن كان طريقه خاليًا من الضيقات التي هي علامة من علامات الطريق. فهو إن عاش في راحة دائمة، يقول في شك: لعلني أخطأت الطريق. المؤمن الحقيقي يفرح بالضيقات، كقول الرسول: "لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح" (2كو12: 10) ويشعر كلما أصابته ضيقة انه يسير في طريق الرسل والآباء، والأنبياء الذين كانت حياتهم هكذا.. يفرح بطريق أيوب ولعازر المسكين، لأن تعزيات كثيرة في انتظاره. لذلك فإن المؤمن الحقيقي يرفض أن يستوفى أجره على الأرض، أو أن ينال خيراته ههنا، واضعًا آماله كلها في" المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبارئها الله" (عب11: 10). ويحتمل كل ذلك في فرح ورضي. يحتاج في كل ذلك أن يقرأ عن محبة الرب وحنوه وإشفاقه، مع أمثلة كثيرة عن معاملاته لأولاده، كإشفاقه، على إيليا والأرملة أثناء المجاعة (1مل17) وإرساله ملاكًا لدانيال سد أفواه الأسود، وإنقاذه للفتية في أتون النار. وليقرأ قصصًا في رعاية الله للآباء السواح والمتوحدين، وللشهداء والمعترفين، وقصصًا في قبول الله للتائبين. وإلى جوار هذا الإيمان، فليكن هناك رجاء في عمل الله معه في المستقبل، وهنا نطرق نقطة أخري وهي: الرجاء كعلاج للكآبة. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الرجاء كعلاج للكآبة ونقصد بالرجاء النظرة المستبشرة من جهة المستقبل، وعدم الاستسلام لليأس مهما كانت الظروف ضاغطة ومها كانت الحلة سيئة.. إن الذي يعيش في الرجاء، لا تزعجه الضيقة الحاضرة، إنما يبهجه الحل القريب لهذه الضيقة، وهكذا يكون الإنسان دائم التفاؤل، واثقًا تمامًا أن كل خطأ لابد سيصحح، وكل باب مغلق لابد سينفتح. طبيعي أن اليأس يلد كآبة، والكآبة هي أيضًا تلد يأسًا. وكل منهما يكون بالنسبة إلى الآخر سببًا ونتيجة، أما المؤمن الحقيقي فهو بعيد عن كليهما. بالرجاء يري الحل قائمًا أمامه، وبهذه الرؤية يفرح قلبه ويسر، وكما قال الرسول: "فرحين في الرجاء" (رو12: 12). وفي الفرح بالرجاء، وبالحل الآتي عن طريق الإيمان، يمكنه أن يصبر ويحتمل. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الصبر كعلاج للكآبة الذي يريد حلًا سريعًا لمشاكله ما أسهل أن يقع في الكآبة كلما وجد الأيام تمر به والحالة كما هي في ضيقها. أما الإنسان الواسع الصدر، فيعطي مدي زمنيًا للمشكلة لكي تنحل. ويكون مستعدًا للصبر ولو إلى سنوات طويلة، واثقًا بأن الرب سيأتي ولو في الهزيع الأخير من الليل. ولا ينتظر وهو متضايق كئيب ومنحصر في نفسه، إنما وهو راضي القلب، في ثقة كاملة بعمل الله. يقول لنفسه: لابد أن الرب أن الرب سيأتي ولا يهمني متى؟ إنما الذي يهمني هو ثقتي بمجيئه. وهو يري أن الوقت الذي يختاره الله، هو أفضل الأوقات، هو الوقت المناسب الذي تحدده حكمة، وبرضاه حسن تدبيره الإلهي.. لهذا يقول المزمور: "انتظر الرب، تقو وليتشدد قلبك وانتظر الرب" (مز27: 14). وتسأل إلى متى فيجيبك: "انتظرت نفسي الرب من محرس الصبح حتى الليل" (مز130). تقول: وإذا لم يكن عندي صبر؟ أقول لك: دع المشاكل تعلمك الصبر. وأيضًا فإن الإيمان والرجاء يدربانك على الصبر. وإن لم تصبر، ستتعب نفسك وتكتئب.. الصبر أفضل، وليكن صبرًا في ثقة وفي يقين بعمل الرب.. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
القناعة أو التجرد و علاج الكآبة ننتقل إلى نقطة أخري في معالجة الكآبة وهي: القناعة أو التجرد. فضيلة التجرد تقضي على الكآبة تمامًا... لأن الذي تخلص من جميع الرغبات والشهوات، على أي شيء سوف يكتئب؟... أنه لن يجد مطلقًا سببًا يدعو إلى الاكتئاب؟ ولهذا نسمع في كل قداس قول الكتاب: " لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم.. العالم يمضي، وشهوته معه" (1يو2: 15، 17). كل أمور العالم زائلة، بما في ذلك الكرامة، والصيت والغني والسلطة.. فإن ضاع من إنسان مؤمن شيء من هذا أو ما يشابهه، فلن يحزن بسببه أو يكتئب.. بل أن القديس بولسالرسول يقول: " خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية" (في3: 8). وطبيعي أن الذي يحسب كل شيء نفاية، لن يكتئب بفقدان شيء، وكما قال القديس اغسطينوس: [جلست على قمة العالم، حينما أحسست في نفسي أني لا أخاف شيئًا ولا أشتهي شيئًا].. فإن لم تكن عند الإنسان فضيلة التجرد فلتكن عنده على الأقل فضيلة القناعة. فيكتفي بما هو فيه، ولا يطلب ما هو أكثر، أو ما هو أفضل، إلا في حدود ما يسمح له الله به...لا يرتئي فوق ما ينبغي.. بل يحيا" حسبما قسم الله له نصيبًا من الإيمان" (رو12: 3). مثل هذا الإنسان لا يمكن أن يكتئب بل يقول في رضي: مادم الله المحب يرضي لي بهذا الوضع، فأنا أيضًا راض به.. وبهذا الشعور، لن يتخلص فقط من الكآبة، بل بالأكثر يصل إلى حياة الشكر.. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
حياة الشكر وقاية وعلاج ضد الكآبة الإنسان المتدرب على حياة الشكر لن يصاب إطلاقًا بالكآبة.. ولهذا يقول لنا الرسول: " شاكرين في كل حين، على كل شيء" (أف5: 20) ويقول لنا الرسول: "افرحوا كل حين... اشكروا في كل شيء" (1تس5: 16: 18). وهكذا تضع لنا الكنيسة صلاة الشكر في مقدمة كل صلاة، لا لكي نصليها فقط، بل لكي نحيا حياة الشكر... نشكر الله عل كل حال، ومن أجل كل حال، وفي كل حال.. حتى في وفاة أي حبيب نبدأ الصلاة عليه بالشكر. وإن كنا نشكر، فلماذا نكتئب؟ يقينًا أن هناك من يصلي هذه الصلاة دون أن يحياها.. عود نفسك إذن على حياة الشكر وفي كل ما يمر بك من أحداث، قل أشكرك يا رب. لابد أن وراء هذا خيرًا، وإن كنت لا أعلم.. حتى أن كان هناك شر، ستحوله أنت إلى خير: يا صانع الخيرات يا محب البشر.. الإنسان الذي يحيا في الشكر، هو بلا شك إنسان مؤمن.. مؤمن بخيرته الله الإلهية، وهكذا انحدر إلى الكآبة.. يكون إيمانه قد اهتز.. أما الذي يشكر على كل شيء، فإنه ليس فقط يرتفع فوق مستوي الكآبة، وإنما أكثر من هذا يصل إلى حياة الفرح. |
رد: كتاب الحروب الروحية - البابا شنوده الثالث
الفرح علاج ووقاية ضد الكآبة المؤمن الذي يحيا في حياة الفرح بالرب، لا تستطع الكآبة أن تصل إليه. هو فرحان لأنه وجد الرب. ومع الرب أصبح لا يريد شيئًا، ولا يكتئب بسبب شيء يكفيه الله الذي تعود حياة الفرح، يهرب بطبيعته من الكآبة وكل أسبابها. وإن صادف شيئًا متعبًا، لا يفكر فيه كثيرًا، ولا يفحص أعماقه المحزنة أنما يلقيه جانبًا، حتى لا يعكر فرحة الرب. إنه يري الكآبة حربًا من الشيطان، يحاول بها أن ينزع فرحه الإلهي منه ليلقيه في الحزن. وهو لا يستسلم لحرب الشيطان، بل يتمسك في إصرار بقول الرب لتلاميذه: "ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو16: 22). لذلك عيشوا في حياة الفرح، والبشاشة، وابعدوا عن التدين المريض الذي يدعوكم إلى الكآبة. اجمعوا آيات الكتاب التي تدعو إلى الفرح، احفظوها عن ظهر قلب، ورددوها بين الحين والآخر. واسترجعوها في ذاكرتكم كلما أحاطت بكم الضيقات وكلما حاربتكم الكآبة. وثقوا أنكم بالفرح والبشاشة تقدمون مثالًا طيبًا عن التدين السليم وثمره في القلب.. وهكذا ينجذب الناس إلى الدين، الذي استطاع أن يجعل حياتكم سعيدة. أما التدين الذي يلقي صاحبه، فإن الناس يخافونه ويهربون منه، لئلا يصيبهم منه ما أصاب غيرهم.. وحينما أقول الفرح، لا أقصد الفرح العالمي، بل الفرح بالرب، وهو فرح أعمق وأصدق. البشاشة أيضًا، ليست هي ما في أهل العالم من انحلال أو استهتار، وإنما هي نور الفرح الإلهي، والسلام الداخلي، والإيمان، يشع على الوجه فيبسط ملامحه، ويعلن أنه سعيد بالحياة المقدسة التي يحياها.. والإنسان البشوش دائمًا يتعزى الناس بمنظره في وسط الضيقات، وهو كلما أحاطت به مشكلة، يتركها خارج قلبه، ولا يسمح أن تدخل داخل قلبه.. هو بعيد عن التعقيد، يأخذ كل المشاكل ببساطة قلب، وإن أحاطت به مشكلة، يعمل على حلها بقدر ما يستطيع، ويقول أنا ألقيتها بجملتها على الله، ويستمر في فرحه. |
الساعة الآن 09:49 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025