منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   أسئلة فى تاريخ الكنيسة وسير القديسين (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=88)
-   -   دراسة تاريخ الكرازة المرقسية (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=90914)

Marina Greiss 03 - 10 - 2012 11:19 AM

رد: دراسة تاريخ الكرازة المرقسية
 

*** تاريخ البطاركة - القرن الثالث - محاضرة رقم 20 ***

انتهينا فى المحاضرات السابقة من القرن الاول والقرن الثانى للبطاركة , كما تحدثنا عن البدع والهرطقات التى واجههها هذين القرنيين , كما تكلمنا عن مشاهير وشهداء الكنيسة فى هذين العصرين ....

واليوم ندخل فى القرن الثالث للبطاركة ... وبطاركة هذا القرن هم ياروكلاس - يونيسيوس - مكسيموس - ثاؤنا ....

وسنتحدث عن كل بطريرك بالتفصيل .....

اتمنى ان تستمتعوا معى بقراءة هذا الجزء .........

** بطاركة القرن الثالث ***
-------------------------------------
1- ياروكلاس
--------------
البطريرك الثالث عشر

ولد فى الاسكندرية من ابوين وثنين صارا فيما بعد مسيحيين , وادخلا ابنهما ياروكلاس فى المدرسة اللاهوتية ليدرس العلوم بها .....

تتلمذ على يد العلامة اوريجانوس واظهر مهارة فائقة ونبوغا عظيمة حتى خصه البابا ديمتريوس بعناية ورسمه شماسا ثم قسا ثم عينه مديرا لتلك المدرسة , وسلمه مقاليدها بعد طرد اوريجانوس منها ...وقد اوكل اليه بالوعظ فوق منبر الكنيسة المرقسية بالاسكندرية فكان يجتذب برقة اسلوبه اغلب الوثنين الى الايمان , وعقب موت البطريرك ديمتريوس اجمع الكل على توليه منصب البطريركية ورسم فى شهر بابه سنة 232م فى عهد ساويرس قيصر ...

وفى عهده كان اضطهاد مكسيمينوس ضد المسيحيين , فعين 20 اسقفا على معظم مدن القطر المصرى واستمر فى جهاده مدة 16 سنة وشهر واحد و26 يوما وتوفى فى 8 كيهك سنة 247م ...

ومن شدة محبة الناس له كانوا يدعونه " بابا " اى جد .. الاسم الذى لم يسبقه احد قبله من البطاركة ... فكان اسقف انطاكية يسمى بطريركا واسقف الاسكندرية يسمى " بابا " .... فكلمة """ بابا """ ليست كلمة لاتينية ولا غربية بل هى شرقية محضة ...

كيف انتقل اسم " بابا " الى البطاركة ؟؟؟؟

يقول " افنيشيوس بطريرك الملكيين بالاسكندرية وهو " سعيد بن بطريق من رجال القرن العاشر " فى تاريخه طبعة سنة 1661 .... كتب يقول ....

" ان كلمة " بابا " مركبة من " اب أبا " ثم ادرجت الى " ابابا " وتخففت الى " بابا " وانتقل الاسم " بابا من كرسى اسكندرى الى كرسى رومية ....

وقال المقريزى المؤرخ المسلم فى كتابه " دخول قبط مصر فى النصرانية " كتب يقول ...

" وكان بطرك الاسكندرية يقال له البابا من عهد حنانيا هذا اول بطاركة الاسكندرية الى ان اقيم ديمتريوس وهو الثانى عشر من بطاركة الاسكندرية .. وصار الاساقفة يسمون البطرك الاب , والقسوس وسائر النصارى يسمون الاسقف الاب ويجعلون لفظة " البابا " تختص ببطرك الاسكندرية ومعناها " اب الاباء " ثم انتقل الاسم من كرسى الاسكندرية الى كرسى روما """ مجانى الادب للجزويت ج1 ص 202و 203 " ...

والحقيقة ان اسقف رومية لم يدع حق ملكية لقب " بابا " الا فى القرن الحادى عشر حيث عقد غريغوريوس السابع اسقف روميا مجمعا مكانيا حرم فيه كل اسقف يطلق على نفسه او على غيره ذلك اللقب ... واما قبل ذلك التاريخ لم يتجاسر اسقف رومانى على اطلاق اسم " بابا " ... وان اول من اطلق لقب بطرك على باباوات الاسكندرية هو القديس اثناسيوس الكبير حيث كتب عن اسكندر بابا الاسكندرية وسماه بطريركا ...

2- ديونيسيوس :
-----------------
البطريرك الرابع عشر

ولد بالاسكندرية فى اواخر القرن الثانى ... وكان عابدا للآوثان على مذهب " الصابئة "وهو يعنى " عبادة الكواكب والنجوم " وكان حكيما ... ففى ذات يوم مرت به عجوز ارملة ومعها كراسة مكتوبة من رسائل بولس الرسول تريد بيعها , فأشتراها منها واخذ يتأمل فيها وعتبرها افضل من كل ماقرأه من كتب الفلاسفة وطلب منها ان تأتيه بكل ماعندها فأحضرت له ثلاث رسائل ونصحته المرأة ان يتوجه الى الكنيسة حيث يجد الكثير مجانا , فمضى الى الكنيسة وتحدث مع شماس يدعى """ اغسطين """ فدفع له رسائل بولس كلها فقرأها ومضى به الى البطريرك ديمتريوس ونال منه سر المعمودية ثم انخرط فى سلك المدرسة اللاهوتية وتتلمذ لاوريجانوس العلامة ...

احبه البابا ديمتريوس ورقاه الى رتبة الشموسية وبعد وفاته رفع البابا ياروكلاس درجته الى وظيفة قس ثم قلده فيما بعد رئاسة المدرسة اللاهوتية واستمر فى عمله وكان ايضا يعظ ويعمد المرتشدين حتى توفى البابا ياروكلاس فأجمعت كلمة المسيحيين على ان يخلفه ديونيسوس فساموه بطريركا فى شهر كيهك سنة 247م فى عهد فيليب قيصر بعد ان ترك فى رئاسة المدرسة اللاهوتية "" بيروس "" ...

وفى عهده اضهطد """ ديسيوس قيصر """ المسيحيين , فحاول القبض على البطريرك فلم يفلح وتمكن من الهرب الذى لامه عليه " جرمانوس احد اساقفة الاقاليم " فأرسل اليه البابا ديونيسيوس رسالة يدافع فيها عن سبب هروبه والحوادث التى مر بها ...

ولما مات القيصر " ديسيوس سنة 251م " هدأت قليلا ثورة الاضطهاد فكتب البطريرك ديونيسيوس الى القيصر غالوس يذكره بما جناه ابوه على المسيحيين فأثر ذلك فى نفس القيصر تأثيرا حسنا .. ولكن كهنة الاوثان اقنعوا القيصر بأن الاله غاضبة على المسيحيين فبدء هو الاخر اضطهاد المسيحيين الى ان مات هذا القيصر سنة 253م , وتولى مكانه " فاليريان " الذى سالم المسيحيين فى بدأ الامر حتى تسنى للبابا ديونيسيوس ان يطوف فى انحاء القطر المصرى مفتقدا رعيته التى كادت تتمزق من اهوال الاضطهادات ورشم شمامسة وقسوس ودشن كنائس عديدة وعزى شعبه كما هو شأن الراعى الصالح ...

وصل البابا فى سياحته الى ابروشية " ارسينو " " وهى الان كيمان فارس المتخربة بحرى مدينة الفيوم " ...

وقف البابا هناك فى ارسينو على بدعة ابتدعها اسقفها فى مسألة ملك المسيح الالف سنة فقضى عليه فى مجمع عقده هناك كما سيأتى ذكره فى بابا البدع ...

فى ذلك الوقت مات فابيانوس اسقف رومية فظهرت بدع كثيرة هناك فى عهد اسقف رومية " الاسقف كرنيليوس " وكان احد المبدعين هو احد كهنة رومية ويدعى نوفاسيانوس فأرسل كرنيليوس رسالة الى بابا الاسكندرية ثم كتب بابا الاسكندرية رسائل الى جميع الكراسى المسيحية لكى يقطعوا الشركة مع " نوفاسيانوس " واوصاهم بالتمسك بكرنيليوس اسقفهم الشرعى وكانت النتيجة ان اعتزل نوفاسيانوس الكرسى الرومانى وتركه لكرنيليوس الذى عقد مجمعا حرم فيه خصمه والبدعة التى جاهر بها ...

وفى سنة 257م ثار اضطهاد القيصر " فالريان " فألقى القبض على بابا الاسكندرية وقتل كثيرا من المسيحيين وجلد قداسة البابا وطلب منه ان يسجد للآوثان ثم حكم عليه بالموت ولكنه غير رأيه ثم نفاه فى ناحية " خفرو وباليبيه " ...

بعد ذلك خف الاضطهاد على المسيحيين ثم رجع البابا الى كرسيه مرة ثانية , وكان يقاوم المبتدعين والهراطقة .. وظهرت بدعة اخرى من شخص قادم من رومية واسمه " سابليوس واسم البدعة """" مؤلمى الاب """ الذين يعتقدون ان الله نفسه لا احد اقانيمه هو الذى كفر عن خطايا البشر , وقد اضل كثيرين ببدعته .. فوقف امامه البابا ديونيسيوس وقفة البطل الباسل وقاوم ضلاله ثم حرمه البابا فى مجمع عقده بالاسكندرية سنة 261م ولكن اتباعه كتبوا الى اسقف رومية وكان شابا قليل الخبرة والمعرفة فأنجاز الى هذه البدعة وحرم البطريرك المصرى واهانه ولكنه لم يقابل الشر بالشر وارسل اليه رسالة يوضح فيها شر هذه البدعة وقد سمى المؤرخون هذا النزاع بين بطريرك الاسكندرية وبطريرك رومية سمى " نزاع الديونيسيين " ثم اقتنع بطريرك رومية بما قاله بطريرك الاسكندرية واحترم كلامه ووقف بجانبه فى رد بدعة اخرى ابتدعها """" بولس السيماساطى " بطريرك انطاكية التى لاجل هذه البدعة عقد مجمع فى انطاكية سنة 264م استدعى فيها القديس البطريرك ديونيسيوس الاسكندرى غير انه نظرا لشيخوخته اكتفى بأن بعث رسالتين احاهما الى المجمع والاخرى الى السيماساطى حل فيهما الاسئلة العشرة التى كان يوجهها بولس الى كل من يناقشه ...

وقبل انتهاء هذه البدعة رقد بابا الاسكندرية فى الرب فى 17 برمهات سنة 265م ... وكانت مدة اقامته على الكرسى 17 سنة ...

ولهذا البطريرك رسائل كثيرة فى الايمان ومعظم تلك الرسائل محفوظة فى مكتبة " جالان " اليونانية والللآتينية بمدينة البندقة ومنها مقالة فى الفصح واخرى فى السبت وبعض الترجمات الاخرى ...

ونكتفى فى هذه المحاضرة بهذين البطريركين ... والمحاضرة القادمة سوف نتحدث عن البطريرك مكسيموس والبطريرك ثاؤنا ...

Marina Greiss 03 - 10 - 2012 11:19 AM

رد: دراسة تاريخ الكرازة المرقسية
 
*** تاريخ البطاركة - القرن الثالث - محاضرة رقم 21

دخلنا من المحاضرة السابقة فى القرن الثالث للبطاركة ... وتحدثنا عن البطريرك ياروكلاس البطريك الثالث عشر ثم تكلمنا بالتفصيل عن البطريرك الرابع عشر وهو ديونيسيوس ....

واليوم نتكلم عن البطريرك مكسيموس , والبطريرك ثاؤنا ....

3- البطريرك مكسيموس
---------------------------
البطريرك الخامس عشر

ولد بالاسكندرية من ابوين مسيحيين وكان قسا , وتم تكريسه بطريركا فى شهر برمهات سنة 265م فى عهد غالينوس قيصر ....

ولما حكم مجمع انطاكية بحرم بولس السيماساطى ارسل حكمه الى هذا البطريرك يتضمن الاسباب التى دعت الى تجريد بولس من رتبته الكهنوتية واقامة دمنوس عوضا عنه ....

وبعد اطلاعه على الحكم بادر حالا بكتابة رسالتين واحدة للمجمع يشكر فيها مساعيه واتعابه لخدمة الكنيسة , والرسالة الثانية الى دمنوس تهنئة له بوظيفته الجديدة, ثم حرر منشورا الى جميع الكراسى الاسقفية يحذرهم فيه من تعاليم بولس وشرح لهم التعاليم الصحيحة ...

وبعد ذلك ظهرت بدعة مانى الخبيثة فكان لهذا البابا اليد الطولى فى دحضها وجاهد فى مقاومتها بكتابة رسائل والقاء خطب كثيرة ...

واستمر يرعى رعيته مدة 18 سنة ثم تنيح فى 14 برمودة سنة 282م ...

4- البطريرك ثاؤنا
-----------------
البطريرك السادس عشر

روى الانبا يؤانس مطران دمياط فى مجموعته لتاريخ البطاركة ان الاباء نصبوا بطريركا قبل ثاؤنا اسمه ببنوده جلس على الكرسى لمدة ستة اشهر وبعد ذلك تم تجريده من رتبته لانه قد خصى نفسه ....

وبعد ذلك اقاموا البابا ثاؤنا فى شهر كيهك سنة 282م فى عهد بروفس ....

وهذا البطريرك كان من قسوس الاسكندرية المشهورين بالعلم والوداعة وانه جمع الاموال وبنى كنيسة بأسم السيدة العذراء , وهو ايضا اول من بنى الكنائس بالاسكندرية .. فقد كانت النصارة قبلا تصلى فى المغارات والسراديب خوفا من القتل وسفك الدماء , فلاطف البابا ثاؤنا جماعة الروم واهدى اليهم تحفا جميلة حتى بنى كنيسة العذراء ولما بنيت صلى فيها القبط جهارا ...

ولما تولى القيصر " ديوكلتيانوس " عرش روما ادخل بعض الاقباط المسيحيون معه فحثهم البابا ثاؤنا ان يقوموا بوجبهم وان يميزوا نفسهم عن الوثنين بأعمالهم الصالحة وسيرتهم الحسنة , كما اوصى كافة امناء بيت الملك المسيحيين ايضا ثم ارسل لآمين الخزانة الخاصة يأمره بأن يتحلى بالامانة والدقة ...

وكان فى عهده كاهن قديس لم يرزق بنسل يدعى " ثيودوسيوس " حدث ان امرأته صوفيه شاهدت بالكنيسة يوم عيد الرسولين بطرس وبولس اولاد المسيحييين يقدمون الى المعمودية فأنكسر قلبها وكانت حزينة وطلبت من الله بلجاجة ان يعطيها نسلا .. وفى هذه الليلة شاهدت شخصين واقفا امامها واخبرها بأنها سترزق بولدا , وامراها ان تذهب الى البابا ثاؤنا , ولما اتى الصباح ذهبت الى البابا واخبرته فصلى لها واصرفها بسلام , فرزقت بولد فدعاه بطرس ولما كبر تتلمذ على يد البابا ودخل المدرسة اللاهوتية فبرع بها براغة غريبة جذبت اليه انظار جميع الشعب ...

ولما اتت ساعة وفاة البابا ثاؤنا قال له الشعب اتتركنا ياابانا مثل الايتام , فقال لهم " لستم ايتاما بل هذا بطرس ابوكم وهو البطريرك بعدى ... وقدمه اليهم قبل ان يرقد فى الرب "

وفى اواخر حبريته ثار اضطهاد " ديوكلتيانوس قيصر " فجعلت الكنيسة القبطية السنة الاولى لملك هذا الطاغية مبدأ لتاريخ سنيها وهو المعروف بتاريخ الشهداء ...

ورقد فى الرب فى 2 طوبة للشهداء سنة 17 للشهداء و 300 م ...

وبكدا نكون انتهينا من بطاركة القرن الثالث ...

والمحاضرة القادمة سنتحدث عن القسم الثانى وهو منشأ الرهبنة ومؤسسوها فى القرن الثالث ....

وسنتحدث عن

1- منشأ الرهبنة 2 - بولا 3- انطونيوس 4- امونيوس 5- بفنوتيوس

سوف نتحدث عن كل ذلك على مراحل متعددة ...

الرب يعطينا روح الفهم والمعرفة ....

Marina Greiss 03 - 10 - 2012 11:20 AM

رد: دراسة تاريخ الكرازة المرقسية
 

***** تاريخ البطاركة - القرن الثالث - محاضرة رقم 22 ***

دخلنا فى القرن الثالث من المحاضرة السابقة , وتحدثنا على بطاركة هذا القرن وهم البطريرك 13 ياروكلاس , والبطريرك ديونيسيوس 14 , البطريرك مكسيموس 15 , واخيرا البطريرك ثاؤنا 16 ...

واليوم نتحدث عن شئ هام جدا فى المسيحية وهو منشأة الرهبنة ومؤسسوها , ثم نتكلم عن القديس الانبا بولا , والانبا انطونيوس , والانبا امونيوس واخيرا الانبا بفنوتيوس ...
وذلك على مراحل متعدددة ....

ارجو ان تستمتعوا معى بقراءة هذا الجزء من تاريخ كنيستنا القبطية ...

1- منشأ الرهبنة :
-----------------
ان اولى الامم المسيحية التى تنشأ عندها نظام الرهبنة هى الامم المصرية ....

وقد ظهرت الرهبنة بمصر حال دخول الديانة المسيحية فيها ... وقيل ان الرسول مرقس هو الذى علمها لمسيحى مصر .. قال اوسابيوس المؤرخ " لما كان مرقس الرسول متحليا بالطهر والعفاف وبث روح الفضيلة فى قلوب كثيرين من المصريين فأعتزلوا العالم ولجأوا الى الكهوف والمغائر عاكفين على تسبيح الخالق والتغنى بذكره الاقدس فتحولت القفار القاحلة الى رياض يانعة تنبت النفوس وتثمر الكمال " ...

الا ان التبتل والانفراد للتعبد كانا معروفين من قبل المصريين عند اليهود .. فقد روى فيلومن العبرى بأنه كان فى ضواحى الاسكندرية قوم من اليهود عرفوا بالمتأملين فى الالهيات تركوا كل ما يملكون من متاع الدنيا وأووا رجالا ونساء الى التلال المجاورة يقيمون فيها الصلوات ويسبحون بالمزامير والترانيم .. وقال " كاسيانوس " وهو كاتب كنسى " ان التقليد القديم يشهد بأن رهبان وادى النطرون متناسلون من المتأملين فى الالهيات ...

وقيل ان اول دير مسيحى تأسس كان فى سنة 151م حيث عزم " فرونتينوس " على ترك العالم زهدا فى الدنيا وملاذها فجمع اليه جماعة من الاخوة وسار بهم الى وادى النطرون فى مديرية الجيزة , وهناك قضى بقية حياتهم بالنسك والتعبد فى بعض الكهوف الصخرية ... الا ان الرهبنة لم تعرف جيدا فى مصر الا فى عهد القديسين بولا وانطونيوس ...

وكانت تسير الرهبنة على نظام التوحد والانفراد حيث ينفرد الراهب فى مغارة يقضى حياته فيها منعزلا عن البشر , ولكنها فى عهد " أمونيوس ومكاريوس تطورت فصار الرهبان يشتركون ويتعاونون معا ... ثم فى عهد " باخوميوس وشنودة " اجتمعوا جماعات منظمة ووضعوا لآنفسهم قوانين خاصة يسيرون عليها , غير ان كثيرين استمر بعضهم يسير على نظام بولا وانطونيوس وغيرهم على منوال اخر ...

وقد كان رهبان مصر ثلاثة انواع :

النساك : وهم الذين يسكنون الاديرة جماعات وفيئات ...

الزهاد : وهم الذين يعيشون فى الخلوات والصوامع ...

المتبتلون: وهم الذين يجتمع اثنان او ثلاثة منهم فى المدن بدون زواج ....


2- القديس الانبا بولا :
-------------
روى القديس انطونيوس كاتب سيرة هذا الاب قال :

فى سن السبعين خالجنى فكر من العجرفة والكبرياء ... فقلت فى نفسى اظن انه لايوجد ورائى احد فى البرية اقام فى الفيافى سالكا سبيل النسك والفضيلة مثلى ...

وفى الليلة التى كنت اتأمل فيها هذه الامور .. اوحى الى من قبل الله انه يوجد خلفى رجل افضل منى وحضنى على ان اسعى لاراه .....

فلما اتى الصباح اخذت جريدة النخل التى كنت اتكئ عليها واخذت اتمشى فى البرية كما كان يهدينى عقلى لانى لم اكن اعرف الطريق ... ولبثت سائرا الى الظهر وكان الحر شديدا , فشرعت احدث نفسى قائلا انى لمتكل على الله الذى لا يتخلى عنى ان يرينى عبده الذى اوحى الى عنه ...

ولم يتم قوله حتى رأى وحشا كان نصفه انسان ونصفه الاخر شبه حصان ... وهو ما يسميه الشعراء " بالقنطورس " ....

فرسم القديس على جبهته علامة الصليب وقال له اين هو عبد الله ... فأراه الوحش المكان مشيرا بأصبعه راكضا الى الغاب ....

فأستمر القديس فى سفره باحثا على الطريق , واذا هو يتعجب من هذا الامر ... مر من امامه هذا الحيوان كأنه ذاهب الى ميدان فسيح ... وما هذا الا الشيطان ... اتخذ تلك الصورة ليزعج القديس .. فأستغرب مشابهته الشكل الذى رأه فى الحيوان ....

وبعد ان ابتعد قليلا رأى وحشا اخر كأنسان قصير القامة له ساقان وقرنان كقرنى التيس , فسأله من انت ... فأجابه اننى احد سكان البرارى الذى يعبدهم الوثنيون كأنهم الهة ... وقد ارسلتنى طائفتى لاطلب منك نيابة عنهم ان تتضرع لاجلنا الى المسيح الهنا الذى عرفنا انه اتى لاجل خلاص العالم ....

وبعد ان تكلم الحيوان هذا الكلام .. جدد الشيخ انطونيوس المسير وسالت دموعه على الارض لكنه سر لمجد المسيح ولآبادة الشيطان ... وضرب بعكازه على الارض وقال ويل للآسكندرية ... ويل لمدينة الوثنيين التى اجتمع فيها جميع شياطين الخليقة ...

ملحوظة
--------
خبر هذين الوحشين وجد فى الترجمة المشهورة ان البابا اثناسيوس الرسولى كتبها للقديس انطونيوس , وقد اثبتناه هنا وان وجد مخالفا لعقلية العصر بين حفظا للآصل ...

ونرجع للقديس الانبا انطونيوس ... وكان قد توغل فى البرية ومر عليه وقت لم ير فيه انسانا او حيوانا , فصرف يومين بليلتين فى الصلاة راجيا من الله ان لا يمهله .... وفى اليوم التالى لاحظ ذئبا صاعدا الى الجبل فأفتقى اثره ...

ولما صعد الى الجبل وقع نظره على مغاره كانت هناك ... وشاهد الذئب يدخل اليها ولكنه لم يميز شيئا لشدة الظلام ...

وقد حاول الخوف ان يدخل قلبه ولكن المحبة الكاملة تطرح الخوف الى خارج ....

فدنا من المغارة فلاح له ضوء سراج ... فأسرع فى سيره لفرط سروره فعثرت رجله بحجر غير ان القديس بولا حال سماعه بوقع اقدامه دحرج الحجر واغلق باب المغارة ...

فأرتمى القديس انطونيوس امام باب المغارة على وجهه وتوسل الى القديس بولا ليفتح له الباب قائلا له انا وحدى ...

فأجاب القديس بولا ... لم اتيت ؟؟؟ فقال انطونيوس انى لو اثق بأنك تعلم من انا ومن اين اتيت وبما انك تقبل وحوش البرية فلم تكره بنى البشر ؟؟؟؟

لقد طلبتك ووجدتك وقرعت الباب بثقة فأفتحه لى والا فسأموت هنا واذا ما رأيت جثتى فأدفنها ....

وسمع القديس بولا صوت بكائه فأجابه قائلا " ما من احد يطلب احسانا بأنتهار ولا يفتر باكيا متنهدا .. فأن كنت اتيت الى لكى تموت فلماذا تتعجب من انى لا اقبلك ... قال هذا وفتح له الباب ...

فألتقيا وتعانقا وقبلا بعضهما بالقبلات المقدسة وسلم الواحد على الاخر بأسمه كأنهما كان يعرفان بعضهما قبلا ثم http://74.220.207.152/%7Eanbawis1/vb...milies/ccc.gif الله على احسانه اليهما وجلسا للمخاطبة ...

فقال القديس بولا ...

لم احتملت كل هذا الضيق ومشقة البحث عن شيخ وهن جسمه وهزل وسترى بعد قليل انه يصير ترابا ... غير ان المحبة تحتمل كل شئ فجعلتك تتعب كثيرا فى الاستقصاء عنى ... فأخبرنى الان ما حال العالم ومن يديره وهل يوجد بعد من يسجد للآصنام ويعبدهم وهل بنو البشر مستمرون فى بناء البيوت فى المدن القديمة .. ولا يزال يوجد ملوك وحكام فى العالم ؟؟؟ فأجابه القديس انطونيوس عن اجوبته ثم اخذ يسأل القديس بولا عن السبب الذى من اجله اتى الى البرية وكم عاما اتى عليه فيها وكم سنه حياته وماذا اكل وكيف عاش ؟؟؟؟؟؟؟

فأجابه القديس بولا ....

انى ولدت نحو سنة 228م ... فى الصعيد الاسفل بمدينة طيبة .... من ابوين اغنياء ... ولما صار عمرى 12 سنة مات والداى ... فدخلت مدارس الفلاسفة , واتقنت فيها اللغة اليونانية , فضلا عن اللغة المصرية .. واقمت بمنزل زوج اختى " وقيل اخوه " , ولم يكن مسيحيا ...

ولما بلغت ال 20 من عمرى .. اثار " ديسيوس قيصر " اضطهاده سنة 249م على النصارى , وامتد الى الصعيد , وصدر الامر بالتفتيش على المسيحيين لتعذيبهم ان كانوا لا ينكرون مسيحهم ...

فهربت الى منزل كان لى بين مزارعى . ولم امكث فى هذا المكان المنفرد قليلا حتى انذرتنى اختى بأن زوجها عازم على اخبار الحكومة بحقيقة حالى لكى يقبض على ... ويتمتع هو بمالى وعقارى الذى يصير اليه بعدى بحث الارث ....

فخطر على بالى حينئذ قول السيد المسيح " من لا يترك جميع امواله لا يقدر ان يكون لى تلميذا " - لو 14 : 33 - فوهبت اختى وزوجها كل ماامتلك من حطام الدينا , وودعت العالم الوداع الاخير وقصدت البرية الداخلية بجبل القلزم """ هو شمالى الشرقية - الصحراء العربية - التى بين النيل والبحر الاحمر """ حيث وجدت مغارة " قيل ان مزيفى النقود فى زمان كيلوباترا كانوا يختفون فى هذه المغائر " حيث وجدت مغارة مغلق بابها بحجر كبير فدحرجته ودخلت اليها ورأيت بقربها نخلة تثمر وعين ماء فأقمت بها وصرت اقتات من ثمار النخلة واستقى من عين الماء واكتسى بخوص النخلة مجدولا ...

وكنت فى اول سكناى فى البرية اقصد ان اعود الى بلدتى بعد زوال الاضطهاد ولكنى ذقت لذة الوحدة وعذوبة الانفراد والاختلاء مع الله .. ادركت ان الضرورة قد هيأت لى طريق الفضيلة فأثرت هجر العالم بتاتا .. وهكذا عشت حتى الان منفردا كل الانفراد مثابرا على الصلاة والتأملات الروحية مدة 60 سنة ...

وبينما هما يتخاطبان التفت كلاهما فنظرا غرابا على غصن شجرة وللوقت وقف بكل هدوء على الفرع وكان فى منقاره رغيف من الخبز .. والقاه فيما بينهما وطار وهما ينظران ويتعجبان ....

فقال القديس بولا لضيفه مبارك الرب الذى ارسل لنا مأكلا ... فأعلم يااخى انطونيوس انه منذ اتيت هنا وهذا الغراب يأتينى كل يوم بنصف رغيف .. واليوم من اجلك اتى برغيف كامل .. وبعد ان http://74.220.207.152/%7Eanbawis1/vb...milies/ccc.gif الرب جلسا للآكل وتنازعا فى كل منهما يجب ان يكسر الخبز فأتفقا اخيرا على ان يكسراه معا فكسراه بأسم الرب وبعد ان اكلاه وقفا يصليان طول ليلهما ...

ولما اتى الصباح قال القديس بولا لضيفه ....

لقد عرفت من مدة طويلة انك تسكن هذه البرارى وكان الله قد وعدنى بزيارتك .. فجئتنى فى الوقت المناسب اذ حان وقت راحتى وسيحل لى الامر الذى اشتهيته يعنى الانتقال من هذا العالم والسكنى مع سيدى يسوع المسيح حيث قد اعد لى اكليل البر .. فلهذا ارسلك لكى تدفن هذا الجسد الشقى وترد التراب الى التراب ....

وينما كان القديس بولا ينطق بهذا الكلام كانت دموع القديس انطونيوس تنهمل بغزارة واظهر اسفه متنهدا , وطلب من القديس بولا الا يفارقه او يأخذه معه الى الوطن السعيد ...

فأجاب بولا الطوباى وقال له ...

لا يليق بك ان تطلب الخير لنفسك بل لجيرانك .. ولذا ارجوك ياحبيبى اذا لم يكن فى الامر مشقة ان تذهب بسرعة الى ديرك وتأتينى بالرداء الذى اعطاه لك القديس اثناسيوس الرسولى البطريرك لتكفننى به وتدفنى "1" "قال القديس انطونيوس فى ترجمة الانبا بولا " ان هذا الرداء كان قد اهداه القيصر قسطنطين الكبير للبابا اثناسيوس وهو اهداه الى " ... ولم يكن فى حاجة الى ثياب ولكنه اراد ان تفارق روحه جسده فى غياب القديس انطونيوس ...

وكان القديس انطونيوس يسمع كلامه بتعجب زائد وادرك ان الله كشف للآنبا بولا اشياء كثيرة وشكر الرب سرا ثم خر امامه وصلى واقترب اليه وقبل عينيه ويديه واسرع فى الخروج ليذهب الى ديره ....

وبعد ان سافر ووصل الى الدير التقى به اثنان من تلاميذه ظلا يبحثان عنه طويلا وقالا له " اين كنت ياأبانا فى هذه الايام ؟؟؟ فأجاب وقال لهما .. ويل لى انا الخاطئ فأن اسم مسيحى الذى ادعنى به هو مستعار ولست مستحقا ان ادعى راهبا لانى رأيت ايليا ويوحنا المعمدان فى البرية ورأيت بولا فى السماء وهو يتكلم معهما ... ثم ضرب بيده على صدره واخذ الرداء وفارق تلميذيه ولم يشأ ان يعبر لهما عن معنى كلامه بل قال لهما للكلام وقت وللصمت وقت ...

ثم جد فى السير لانه كان يشتهى ان يراه قبل انتقاله فسافر فى اليوم الاول ولكنه فى اليوم الثانى فى الساعة التاسعة ابصر جمهورا من الملائكة يصعدون الى السماء وروح القديس بولا معهم ... وهى تضئ كالشمس فجثا على الارض واضعا التراب على رأسه وقال بقلب اسف ..

ياخائف الله لماذا تركتنى هكذا بدون ان تودعنى على ماعانيته من مشقة السفر الذى كنت اسابق فيه الطيور .. ثم استمر فى سيره حتى دنا من باب المغارة ....

فوجد جسد الشيخ الميت واقفا جاثيا على ركبته ورأسه مستقيما ويديه مرتفعتين .. فظن انه حى بعد .. فجثا خلفه يصلى ... غير انه لما رأى الشيخ لا يتنهد كعادته فى الصلاة تفرس فيه جيدا متحقق انه توفى فوثب على جسده زارفا الدموع ومقبلا يديه ورجليه ثم لفه بالرداء وحمله على كتفيه وهو يرتل المزامير غير انه حزن عندما رأى نفسه اهمل استحضار الة معه يحفر بها القبر .....

وفيما هو مفكر فى امره اذا بأسدين جاءا معا راكضين .. فلما نظرهما ارتعد واذ رفع فكره الى الله وجدد نظره اليهما ظهرا له كحمامتين وديعتين تطيران فى الهواء ...

فأقترب الاسدان وانطرحا بجانب جسد الاب بولا .. مظهرين اكرامهما له ثم هزا ذيليهما لانطونيوس المبارك ورقدا امامه بوداعة تامة وحكا اسنانهما ببعض ... وقرا بصوت عال كأنهما يظهراتن اسفهما ...

ثم حفرا فى الارض قبرا كاملا وبعد ما فرغا من العمل تقدما الى الاب انطونيوس وخفضا ذنبيهما وسجدا امامه ولحسا يديه وقدميه كمن يطلب بركة ... فبارك عليهما قائلا " ايها الرب الاله الذى بدون امره لا تسقط ورقة واحدة على الارض وبدون مشيئته لا يسقط عصفورا واحدا فى الفخ ... باركهما جميعا " ...

ثم اطلق الاسدين بأشارة يده وصلى على جثة القديس بولا ودفنها وبعد ان اتم الدفن رجع الى ديره حاملا ثوب القديس بولا المصنوع من الخوص معتبرا اياه كنزا ثمينا ... وكان يلبس هذا الثوب فى يومين من كل سنة وهما عيد الفصح وعيد العنصرة ...

وكانت وفاة القديس بولا فى العاشر من كانون الثانى 343م الموافق 12 امشير سنة 59 ش ...

والحقيقة ان قصة حياة هذا البار ادمعدتنى بحق وانا بكتبها ... بركة صلواته وشفاعته تكون معنا امين ...

وبكدا نكون انتهينا من التحدث عن منشأ الرهبنة وتكلمنا عن قصة حياة القديس العظيم الانبا بولا على فم القديس العظيم الانبا انطونيوس ...

وغدا نكمل مشورنا ونتكلم عن القديس الانبا انطونيوس ...

سامحونى المحاضرة ديه طويلة شوية لكنها ممتعة جدا وفيها كثير من المعلومات الجديدة والجميلة والقيمة ...

اتمنى ان تستمتعوا معى بقراءة هذا الجزء ... الرب يعطينا روح الفهم والمعرفة ...

Marina Greiss 03 - 10 - 2012 11:20 AM

رد: دراسة تاريخ الكرازة المرقسية
 
**** تاريخ البطاركة - القرن الثالث - محاضرة رقم 23 ****





انتهينا فى المحاضرة السابقة من الحديث عن منشأة الرهبنة وتكلمنا عن القديس الانبا بولا ......

واليوم سوف نتحدث عن القديس الانبا انطونيوس .......

اتمنى ان تستمتعوا معى بقراءة قصة حياة هذا الطوباوى ....


3- القديس الانبا انطونيوس
-----------------------------



كاتب سيرة هذا الاب الطوباوى كما سيأتى معنا هو القديس البابا اثناسيوس الرسولى البطريرك العشرون ..............

هذا البطريرك كان يفتخر بكونه عرف القديس انطونيوس منذ حداثته , وانه استقى له الماء مرارا كثيرة ... فقد قال :

ولد القديس انطونيوس سنة 251م فى مدينة تدعى " كوما " " كوما قيمن الان قرب بنى سويف ومدينة هرقلية قديما التى كانت مشهورة بين مدن الصعيد " ....

ولد من والدين مسيحيين اشتهرا بالغنى فى المال والفضيلة , فربياه على مبادئ الدين والتقوى , فنشأ هادئا وقورا محبا للعزلة والانفراد , كثير القناعة فى جميع مقتضيات المعيشة .. ومع ان والديه لم ينظماه فى سلك التعليم بأحدى المدراس الا انهما هذباه بعلومهما ومعارفهما كما تدل كتابات القديس انطونيوس الباقية الى الان التى تدل على مقدرته وتشهد له بالتضلع ...

ولم يبلغ 18 من عمره حتى فقد ابويه , فألتزم ان يعتنى بتربية اخته الصغيرة ويدبر حركة املاكه الواسعة التى كان ينفق منها كثيرا لاغاثة البائسين , غير ان الافكار المقدسة كانت متملكة عليه , وكثيرا ماكان يعجب من شهامة الاباء الرسل الذين تركوا كل شئ وتجندوا لخدمة الكلمة وكيف كان كل مؤمن بواستطتهم يبيع املاكه ويضع ثمنها تحت اقدامهم ...

واتفق ذات يوم انه ذهب الى الكنيسة كعادته هو واخته , وهذه الافكار تشغل خاطره واذا بفصل الانجيل يقرأ فسمع السيد المسيح يقول لاحد شبان اليهود الاغنياء " ان اردت ان تكون كاملا اذهب بع كل مالك واعطه للفقراء وتعال اتبعنى " فحالما سمع هذه العبارة حسبها صوتا الهيا يناديه من السماء فرضخ لهذه المشورة وعزم على تنفيذها ...

ولما عاد الى منزله شرع فى العمل بهذا الكلام فأعطى اخته نصيبها ثم توجه بها الى دور العذارى التى كانت فى عصره قد اتسع نطاقها واوصى بها رئيستهن لكى تراعيها كأبنة لها , اما هو فأخذ يبيع كل املاكه ويوزع منها على الفقراء حتى لم يبق لنفسه شيئا ... وعاش بعد ذلك من كد يديه حيث كان يصنع قففا وحصرا ويقتات بثمنها ... ثم انصرف همه نحو ترويض جسده على النمو فى الفضيلة والعيشة بالقداسة والتقوى ...

ولم تكن الاديرة معروفة وقتئذ بل كان الاتقياء الهائمون بحب العزله يجتهدون بكل طاقتهم فى الانفراد عن العالم والابتعاد عن معاشرة الناس فيتخذون لانفسهم مغائر لا تبعد قليلا عن المدن والقرى وهناك ينعكفون على العبادة ... فأجتمع انطونيوس ببعض هؤلاء وجعل يمر عليهم ويتعلم منهم الفضائل فكان كالنحلة التى تؤلف شهدها من متنوع الازهار فتعلم من واحد فضيلة الصبر ومن اخر التواضع ومن غيره الصمت ومن اخر الطاعة وهكذا الى ان وصل وكان يزاول العبادة من بينهم شيخا معلما له ... وكانت ذاكرته قوية جدا لدرجة حفظ الانجيل المقدس حتى اعجب به المتوحدون ...

غير ان الشيطان لم يرق له ان يرى شابا كهذا متمسكا بعرى القداسة فجمع قواه ضده وشرع فى الهجوم عليه بواسطة الافكار الرديئة فكان مره يدفعه ليأسف على توزيع ثروته ويقول له يمكنك ان تبيعها وتتصرف بها حسنا وتعيش فى رضاء الله , واخرى يقوده الى الندم على تركه واهماله اخته الوحيدة , وتارة يمثل له مشقات الطريق الذى سائرا فيه , وتارة يملا فكره من الصور الجميلة التى تسوقه الى الفساد ...

اما القديس انطونيوس فقد تسلح تلقاء هذه الهجمات بسلاح اله الكامل فأخذ يردد فى ذهنه فردوس النعيم البهيج وعذاب جهنم المؤلم , وتفانى فى قمع جسده وتذليله فكان ينقطع عن الاكل اليوم كله ويأكل بالليل واحيانا ثلاثة ايام , وكان يلبس المسح ويرقد على الارض او على حصير , فلما عجز الشيطان عن ان يوقعه فى محبة العالم , حاول معه بطريقة اخرى ان يجربه بالفخر والتباهى بأنه افضل الناس قداسة , ولكنه لم يسمح لهذه الافكار ان تستمر معه وبذلك كان يتخلص من التجربة قبل استيلائها عليه ...

وفى يوم عثر على كنز قديم للكنوز التى انهال عليها التراب والرمل فظن انها خيالات ولكنه تحققها وعلم ان الشيطان يريده الرجوع الى العالم ففر هاربا وترك هذا الكنز وذهب الى المقابر وكان احد اصحابه يأخذ مايصنعه من سلال ويحضر مايحتاجه من الخبز والماء والملح ... ويروى انه عاش عمره كله بدون ان يتناول لحما او يشرب خمرا ...

ولما وبلغ القديس 35 عاما عزم ان يتوغل فى البرية , وتوجه الى شرقى النيل وتعمق فى البرية حتى عثر على قصر قديم عظيم البناية بنته احد ملوك مصر الفراعنة منذ زمن بعيد فسكن فيه ....

وفى ذلك الوقت كان خبر قداسته قد شاع فى كل مكان فكان الناس يتبادرون اليه لسماع الكلمة ولنوال شفاء امراضهم , وتتلمذ له كثير من الاباء واقام منهم مئات حول قصره وذلك سنة 305م ولكنه كان لا يظهر لهم الا فى النادر حتى مضت 20 سنة وفى نهايتها اضطر الى الخروج والتجلى للذين ارادوا السير على منواله ...

ولما بلغ القديس 55 سنى من عمره حتى امتلآ ت البقاع الموجودة حوله بعدد من الراغبين فى عيشة العزلة حتى قامت الاديرة بجوار ممفيس وارسينو وبابل وافردويت , واماكن كثيرة امتلآت من الرهبان الذين عاشوا تحت اشراف وتدبير القديس انطونيوس ...

وكانت من نصائحه لتلاميذه .....

" يجب عليكم ان تقرروا فى اذهانكم ان الواحد منكم يحتسب ذاته كل يوم انه ابتدأ جديدا حتى لا يكسل ولا يتراخى ... فالانسان يستطيع ان يجد نعما فى اى مكان طالما هو متعلق بالله فى قلبه ... والشياطين يفزعون جدا من الصلوات والصوم والسهر والتقشفات لا سيما من احتقار العالم والفقر الاختيارى وكسر حدة الغضب لان هذه الفضائل تسحق رأس ابليس ....

كما ان اسلحة محاربتنا لاعدائنا هى الايمان الحى والسيرة النقية .. والذى تعبد الله وهجر العالم وان كان كل شئ حتى مجد الملوك وكنوزهم ينبغى ان يحتسب كل ذلك كالعدم بالنسبة الى السماء ... وان الذى تركه يجب عليه تركه بعد قليل لانه ليس بأحد دائم على الارض , وان ترك الانسان مالا يقدر ان يأخذه معه بعد الموت فليس امرا كبيرا ... وكما ان العبد اذا امره سيده بشئ لا يستعفى من عمله لاجل خدمته الماضية , كذلك الرجل المتعبد لله لا ينظر ما قد فعله وانما يلتفت الى مابقى مما يجب عليه لربه وانه لا يجازى ولا ينال الاكليل على البداية بل على النهاية الحسنة ...

فأكتساب الفضيلة ليس امرا صعبا كما يتصوره الناس بل يجب ان نلقى كل اتكالنا عل ربنا يسوع المسيح وان ابليس لا يستطيع ان يضرنا مالم نسلم له انفسنا " ...

وكان القديس عائشا بين تلاميذه الى سنة 311م ففيها سمع خبر ثورة الاضطهاد الذى اضرمه مكسيميان قيصر ... فأسرع مع بعض من رهبانه الى الاسكندرية وطفق يزور السجون ويعظ ويشوق الناس الى سفك دمائهم من اجل المسيح وكان يرتل مع المسجونين وكان يطلب الانفراد بالمتهمين ويثبت ايمانهم ويصف لهم السعادة الابدية ...

فلما علم الحاكم بذلك امر بمنع الرهبان من الدخول الى السجون اما القديس فعزم على متابعة خطته حتى لو ادت به الى الاستشهاد ...

فلبس ثوبا ابيض واعتلى رابية كان الحاكم مزمعا ان يمر بها وطلب من الرب ان يؤهله لنيل الشهادة , فلما رأه الحاكم اعجب بشهامته ونظر اليه نظرة احترام , ومن ذلك الحين هدأت الاضطهادات فعاد القديس البى ديره ...

وكان يحب الاختلاء والتأمل واعتاد ان يصرف الليل كله فى الصلاة راكعا غير متحرك ...

ومر وقت اشتد اضطهاد الاريوسيين على الارثوذكسيين , فأرسل اليه البابا اثناسيوس الرسولى يطلب منه ان يأتى ويناصب معه الاريوسيين ...

وحدث قبل هذا الوقت ان قسطنطين الملك واولاده حرروا لهذا القديس خطابا وطلبوا اليه بخضوع ان يتنازل للرد على رسائلهم فتعجب الرهبان من تواضع الملك واظهروا استغرابهم الزائد فجمعهم القديس وقال " لا تتعجبوا لان ملكوك الارض كتبوا الينا ولا يجب على المسيحى ان يستعظم هذا الامر ويندهش منه , اما الامر العجيب والمذهل للعقول فهو ان الله كتب شريعته من اجل البشر وارسلها على ايدى اصفيائهم .. وفى اخر الايام خاطبنا فى ابنه الوحيد الذى يسمو بما لا يقاس كل كل ملوك وسلاطين " ...

ولما رأى الرهبان عدم اهتمامه بالرد على رسالة الملك اقنعوه بضرورة الرد لا لانه ملك بل لانه مسيحى قصد الاستفادة فلا ينبغى ان تمنع عنه ... فحر له خطابا يقول فيه :

" انى اسر معكم من انكم تعبدون يسوع المسيح واحرضكم على التفكير فى خلاصكم وعلى احتقار الاشياء الارضية بدون ان تغفلوا لحظة عن الدينونة الاخيرة وان تتأملوا بأن يسوع المسيح هو الملك الحقيقى والابدى الوحيد وان تتخذوا الفطنة دستورا لاعمالكم فى ادارة شئون المملكة وتسيروا فى الرعية بالحلم والعدالة وتساعدوا الفقراء كمساعدتكم لاخواتكم " ...

فلما قرأ الملك واولاده وكبار دولته هذه الرسالة اثرت فيهم تأثيرا عظيما وادركوا الفرق بين كتابات الارثوذكسين وكتابات الاريوسين المملوءة من روح الرياء والنفاق . واحتفظ الملك برسالة القديس كأنها كنز عظيم ...

وبناء على طلب البابا اثناسيوس عزم القديس على التوجه الى الاسكندرية ولكنه علم بنفى البابا اثناسيوس فكتب الى الملك قسطنطين يحتج فيه على مقاومته للآرثوذكسين وخطب فى الاسكنجرية وقال :

" ان كنت جئت مرة ثانية من خلوتى لاظهر بينكم فذلك لكى اؤدى شهادة جلية لحقيقة ايماننا المقدس .. انهم قد تجاسروا على الطعن بألوهية مخلصنا وقالوا انه خليقة بسيطة .. كلا .. ان ابن الله ليس هو خليقة ولم يشأ من العدم , بل كان منذ الازل لانه كان الكلمة وحكمة الاب .. ولهذا لا تشتركوا قط مع الاريوسيين المنافقين لانه لا يمكن اتحاد بين النور والظلام انه لكفر ان يقال بأنه وجد وقت لم يكن فيه الكلمة لان الكلمة كان دائما مع الاب . ... ثم قال .....

انكم مسيحيون لانكم فى التقوى الحقيقية وفى الايمان الحقيقى , واما الاريوسيون فأنهم حينما يقولون ان كلمة الاب ابن الله مخلوق فانهم لا يختلفون بشئ عن الوثنيين الذين يعبدون الخليقة عوضا عن الخالق ... فصدقوا اذن ان كل الخلائق تقف ضدهم لانهم يجعلون فى عداد المخلوقات رب وسيد كل الاشياء التى هى من صنع يديه فأهربوا اذن من مخالطتهم كهربكم من الحيات والعقارب فمن لا يحب يسوع المسيح فليكن محروما .. الرب سيجئ " ...

وصل خبر قداسته لكثير من الوثنيين فصاروا يفدون اليه ويتبركون بلمس جبته ولما ازدحموا عليه حاول تلاميذه ان يمنعوهم فأنتهرهم وامرهم ان يتركوا الحرية لكل من يأتى اليه فتمكن من تنصير عدد عظيم من الوثنين حتى قال احد المؤرخين " ان الذين تنصروا على يده حينئذ اكثر من الذين تنصروا فى مدة سنة " ...

ولما هدأت الاحوال عاد القديس الى ديره ... وكتب حوالى 20 رسالى الى الرهبان والبعض يقول 7 فقط ... وذات يوم جاء اليه فليسوفان ليختبرا علمه فقال لهما لماذا تتعبان نفسيكما لزيارة احمق مثلى فأجاباه انا جئنا اليك لاعتقادنا انك رجل حكيم .. فقال لهما اذا كنت حكيما فكونا اذا مثلى لان الاقتداء بالحكماء واجب فأنا مسيحى فكونا كذلك فصمتا متحيرين ثم تركاه ...

ولما وصل الى سنة 105 سنة جعل يطوف اديرة الرهبان ويزود تلاميذه بالنصائح ويحثهم على القيام بواجباتهم المقدسة وقال لهم :

" سأفارقكم يااولادى لكنى لا انفك عن محبتكم وانما ارجو ان تدوموا بكل غيرة ممارسين اعمالكم المقدسة ولاتتراخوا ابدا اياكم ان يخمد نشاطكم فى تتميم واجباتكم .. اجعلوا الموت كل يوم نصب اعينكم واجتهدوا بعناء كلى فى ان تحفظوا انفسكم طاهرة وخالية من الافكار الردئية ابذلوا الجهد فى اقتفاؤ اثار القديسين واتبعوا بكل شجاعة طريق الحق وحذار من ان تشتركوا مع شيع الهراطقة الذين تعرفون ردائتهم واعمالهم الذميمة واهربوا كما تهربون من الطاعة من الاريوسيين المعروف كفرهم عند كل الناس ... وان كان حكام الولايات يساعدونهم ويناضلون عن تعليمهم فلا تتعجبوا قط لان هذه السلطة الوهمية التى اختلسوها لابد ان تتلاشى بل فليكن ذلك محرضا لكم بزيادة على ان لا يكون لكم اقل علاقة معهم حافظوا على تقليدات ابائكم واثبتوا بالاخص فى ايمان سيدنا يسوع المسيح له المجد الذى تعلمناه من الكتب المقدسه والذى فسرته لكم مرارا "...

ولم ينته من هذا الكلام حتى اسرع بالذهاب الى صومعته لشعوره بمرض اصابه ودعا تلميذيه """" مكاريوس " ابو مقار الكبير المصرى """" "" واماناس "" وخاطبهما قائلا :

""" انى ارى ياولدى ان الله يدعونى اليه وانى مزمع كما هو مكتوب ان اسلك طريق كل احد .. فداوما اذا على البر حسب عادتكما ولا تفقدا ثمرة اعمالكم المقدسة التى مارستماها منذ سنوات عديدة ولكن اجتهدا كأنكما بادئان فى ان تحفظا وتزيدا فى ارتقاء حرارتكما .. وانتما تعلمان مكائد الشيطان وقساوته ولا تجهلان ضعفه فلا تخافاه قط بل امنا بيسوع المسيح ولا تكن لكما رغبة الا فى خدمته .. وان شئتا ان تبرهنا على محبتكما لى وانكما تتذطرانى كأبيكما فلا تسمحا ان ينقل جسدى الى مصر خوفا من ان يحفظه اهلها فى بيوتهم .. وهذا هو السبب الذى حملنى على الفرار لاموت فوق هذا الجبل ..

فأدفنانى اذا تحت الارض ولا تقرا لاحد عن موضع لحدى اذا جاء يوم القيامة اقتبل هذا الجسد من يد يسوع المسيح بكر القيامة خاليا من الفساد ... اما ثيابى فوزعاها هكذا ...

اعطيا للآسقف اثناسيوس احد جلود الغنم والرداء الذى استلمته منه جديدا رداه له باليا .. اعطيا للآسقف سيرابيوس جلد الغنم الاخر واحفظنا لكما مسحى .. استودعكما الله ياولدى العزيزين .. ان انطونيوس يغادركما ويتخلف عنكما " ...

وبعد ان لفظ هذه الكلمات اقترب تلميذاه وعانقاه وهما يبكيان وللحال امتد على سريره منتظرا الموت بسرور .. ولم يكن نظره قد كل بعد , ولا سقط سن من اسنانه .. وبدأ وجهه للناظرين كأنه يسطع نورا وبهاء ...

ثم اسلم الروح بيد مخلصه فى اليوم الثانى والعشرين من شهر طوبة سنة 365م , فقام تلميذاه بتكفينه واخفيا قبره حسب ارشاده ووزعا متروكاته كما اوصى فكان من ناله شئ منها يعتبره اثمن من اللالئ ...

وقد دفن جسد القديس الطاهر امام باب الهيكل القبلى بالكنسية التى بناها فى حياته بأسم السيد العذراء وسميت بعد ذلك بأسمه ولم تزل حتى اليوم تضم ذلك الجسد الكريم داخل دير عظيم شيد فى ايام الانبا انطونيوس بجوار مغارته بجبل العربة ...

بركة صلاته وشفاعته تكون مع جميع مشرفى واعضاء هذا المنتدى العظيم ...

وبكدا نكون قد انتهينا من سيرة القديس العظيم الانبا انطونيوس ... والمحاضرة القادمة سوف نتحدث عن القديس امونيوس والقديس بفنوتيوس ثم نتدرج فى الحديث عن المملكة والكنيسة والاضطهادات التى حدثت فى هذا القرن " الثالث " ...

الرب يعطينا روح الفهم والمعرفة ...

Marina Greiss 03 - 10 - 2012 11:21 AM

رد: دراسة تاريخ الكرازة المرقسية
 
*** تاريخ البطاركة - القرن الثالث - محاضرة 24 ***



تكلمنا فى المحاضرة السابقة عن القديس العظيم الانبا انطونيوس ... واليوم نكمل الحديث عن بعض القديسين من منشأ الرهبنة ومؤسسوها :


4- أمونيوس :

ولد سنة 294م بجولر مريوط وهو كزميله انطونيوس كام من اسرة مسيحية تقية موسرة , وفقد ابويه وهو فى سن الحداثة فلات تحت وصاية عمه وكانت كل اماله متوجهه الى عيشة التبتل والقداسة .. غير ان عمه خطب له فتاة غنية رغما عنه وعلى غير ارادته ..

ولما لم يكن فى قدرته مخالفة امر عمه اخذ فى مخاطبة الفتاة التى خطبت له بالاقوال الروحية وقد استطاع بسيرته المقدسة ان يؤثر عليها تأثيرا حسنا فحبب اليها عيشة الطهارة وغرس بفرادها الميل الى تكريس النفس لتكون عروسا محفوظا للعريس الحقيقى يسوع المسيح .. ومن ثم اتفق الاثنان على ان يقبلا عقد الزواج وهما مصممان على ان يعيشا معا كأخ واخت لا كزوج وزوجة ...

ولبثا على هذا الحال مدة طويلة وهما يحافظان كل المحافظة على شروط العفة والامانة حتى مرت 17 سنة على زواجهما وبعدها ماتت الزوجة ... فرأى امونيوس ان المجال قد اتسع امامه ليقضى مأربه الروحية فهجر مسقط رأسه ومضى الى القديس انطونيوس وتتلمذ له ودرس عليه قوانين الرهبنة المقدسة ...

وبعد ذلك اوفده القديس انطونيوس الى وادى النطرون ليؤسس اديرة هناك فتبعه جمهور عظيم من ناذرى العفة فنظم لهم الاحوال ورتب لهم معيشتهم واستمر مدة يسوسهم بالفضيلة والتقوى ...

ولم تمض على هذا الحال ثمانون سنة حتى اصبح وادى النطرون يحتوى على 50 ديرا ... ومن مبادئ هذا الاب " انه من العيب ان يتفرس الرجل التقى فى جسمه وهو عار من الملابس " ... وكانت وفاته فى 2 بشنس سنة 73 ش ...

5- بفنوتيوس :

ولد بمصر بعد نصف الجيل الثالث , ونما فى البركات السماوية والنعم الالهية الغير الاعتيادية .. شغف وتاق الى افتقاء اثار المتوحدون فى برارى مصر وطيبة , فترك العالم واتجه الى هناك ثم مضى الى دير بيسار فى اخر حدود الاقليم المصرى الاعلى فى طيبة الخارجية حيث كان القديس انطونيوس يدبر احوال الرهبان ويقبل اليه كل يوم عدد عظيما من النساك وكان ضمنهم هذا القديس ...

فكان يقضى اوقاته فى التأملات الروحية تحت ارشاد القديس انطونيوس فظهرت فضائله فى مدة قصيرة حتى اصبحت نفسه مستودع للحكمة الالهية حتى شهد القديس انطونيوس مرات كثيرة لعظم فضائله فوافاه كثيرون طالبين الارشاد منه ...

وشاء الرب بعد ذلك ان يجعل القديس بفنوتيوس بركة لاهل مدينة من مدن اقليم طيبة فأختير اسقفا لها ولكنه تألم لهذا الاختيار ولكنه قبل السيامة وترك البرية واقام فى ابروشيته ...

وانتشرت فضائله فى الابروشية وكان يدبر رعيته بالحكمة التى اكتسبها من القديس الانبا انطونيوس , وقد اعتنى بقوانين الكنيسة وتعاليم انجيله فنمت ابروشيته وتقدم اهلها فى كل الصفات الحسنة ...

وفى اضطهاد ديوكلتيانوس ومكسيميانوس القيصرين على مسيحى مصر قبض عليه سنة 308م وعذب عذبات شديدة وقاسية فقد قلع عينه اليمينى وقطع مفاصل ركبتيه اليسرى ويربطونه بالسلاب ويأخذه الى امكنة حفر المعادن , وقد ابوا ان يمتوه ليطيلوا من عذابه ...

وكان هو مسرورا بالعذابات وقد ارسلوه الى فلسطين مع بعض المعترفين الى معادن تلك البلاد ..." كانت المعادن المذكورة فى نصف المسافة بين بحيرة لوط الى بحر اباكا , وقد وجد حديثا اثار معبد قديم كان اولئك المعترفون قد بنوه زمان اقامتهم هناك وبعد الاضطهاد اصبح هذا المعبد كنيسة اسقفية فى ايام الملوك المسيحين " ...

وكان هذا القديس حاضرا مجمع نيقية المسكونى الاول سنة 325م , وكان هذا القديس ايضا من الاباء الذين وضعوا قانون الايمان الارثوذكسى ... وبعد انحلال المجمع عاد هذا القديس الى كرسيه الى ابروشياته ... وكان متحدا بالالفة مع القديس البابا اثناسيوس الرسولى ورافقه مع القديس بوتامون الذى من هراكليا وسبعة واربعين اسقفا الى المجمع الذى التأم بصور سنة 353 م وكان اكثر اعضاء هذا المجمع يعتقدون اعتقاد اريوس ..

اما القديس فلما تحقق ذلك ورأى مكسيموس اسقف اورشليم اخذ بيده وقال له لا يليق ان يكون فى مجمع الاشرار اسقف ارثوذكسى اعترف بالمسيح فى الاضطهاد الاخير , وكيف يحتمل ان رجلا نظيرك مشهورا بالغيرة فى المناضلة عن الايمان يعرض نفسه لان يضله ويغره الهراطقة الذين قصدوا ان يهلكوا القديس اثناسيوس الذى هو اشجع محام عن هذه القضية الاساسية من قانون الايمان ... ثم اعلمه بتعصب الاريوسين الذى كان يجهله مكسيموس لهذا الوقت , وتمكن من ان يفصله من حزبهم ويثبته فى شركة الكنيسة الاسكندرية ...

ولما رجع الى كرسيه قضى بقية حياته مجهتدا فى المحافظة على الايمان ومقاومة بكل قوة بدعة اريوس ... وبعد ان خدم مخلصه سنين طويله انتقل الى فردوس النعيم بشيخوخة صالحة ولا نعلم متى ولكننا نعلم انه جاهد الجهاد الحسن ونال الاكليل المجيد ...


المحاضرة القادمة سوف نتحدث عن المملكة والكنيسة - عن الاضطهادات التى مرت بها الكنيسة فى هذا القرن " القرن الثالث " ...

اضطهاد كاركلا - اضطهاد مكسيمينوس الثراكى - اضطهاد ديسيوس - اضطهاد فاليريان - ضيق بسبب الحرب ومأثر المسيحيين فى تخفيفه ...


Marina Greiss 03 - 10 - 2012 11:21 AM

رد: دراسة تاريخ الكرازة المرقسية
 
*** تاريخ البطاركة - القرن الثالث - محاضرة رقم 25 ***


تحدثنا فى المحاضرات السابقة على بطاركة القرن الثالث ثم تكلمنا عن منشأ الرهبنة ومؤسسوها وفيها تكلمنا عن القديس الانبا بولا والانبا انطونيوس والقديس امونيوس والقديس بفنوتيوس...


واليوم سنتحدث عن المملكة والكنيسة وفيها نتكلم عن اضطهادات القياصرة ....


المملكة والكنيسة :
--------------------

اضطهاد كاركلا - اضطهاد مكسيمينوس الثراكى - اضطهاد ديسيوس - اضطهاد فاليريان - ضيق بسبب الحرب ومأثر المسيحيين فى تخفيفه ...


1- اضطهاد كاركلا
-------------------

تولى بعد ساويرس سبتميوس جملة قياصرة لم يكن لهم شأن يذكر مع مسيحى مصر حتى ملك """" كاركلا """" سنة 211م

فخطر له ان يزيد دخله فضاعف الجزية التى كان يدفعها له مسيحيو مصر , وسن قانونا يقضى على المسيحيى الذى يعرف انه قاوم الحكومة فى امر ما بالصلب او بطرحه للوحوش الضارية فتمزقه اربا هذا وان كان عبدا ذليلا فيكتفى بعبوديته وذله ...

ولما تناول ظلم هذا القيصر جميع طبقات المصريين ضج الكل منه ونقموا عليه ورموه بقوارص الكلام واطلقوا عليه القاب السخرية فأراد ان ينتقم منهم وعول الى تدبير مكيدة لهم ... فأعلن عزمه على اختيار كتيبة من المصريين ليكونوا جنودا ضمن حرسه الخصوصى ... فسر شبان الاسكندرية بهذا اللقب ...

وفى اليوم المعين للآنتخاب خرج جميع اهالى الاسكندرية لمشاهدة الاختيار فى مكان عينه القيصر خارج المدينة فلم يكادوا يجتمعون حتى اشار الى عساكره فجردوا اسلمحتهم وقضوا على جميع المشاهدين بأساليب وحشية ولم ينج منهم الا القليل ...

وقد انتقم الله من كاركلا جزاء فظائعه فأغتاله " مكرينوس " منازعة على من يخلفه فأنتهز وثنيو الاسكندرية تلك الفرصة للآعتداء على المسيحيين فكنت تراهم يوقعون بهم فى الطرقات والشوارع ...


2- اضطهاد مكسيمينوس الثراكى :

نالت الكنيسة راحة فى عهد الملك اسكندر ساويرس الذى مات سنة 222م ولكن خليفته مكسيمينوس حال تملكه سنة 235م اشتد عليهم شدة عظيمة ووجه نظره الى مسيحيى مصر ....

فضايقهم حتى اضطر البطريرك " ياروكلاس " ان يترك الاسكندرية فرارا من وجهه , غير ان كثيرون من المؤمنين تجرعوا الموت بعد ان ذاقوا انواع الام شديدة .. وقد قصف الله عمر مكسيمينوس بعد ثلاث سنوات لملكه وخلفه غورديات لإانتشر السلام فى مصر مدة ملكه ونمت المسيحية نموا يذكر .. وعقب غورديان فيليب العربى سنة 244م الذى كدر صفو سلام مسيحيى مصر فأوقع بهم بلايا واصابتهم اضطهادات ...

3- اضطهاد ديسيوس :

ان اشد الاضطهادات التى وقعت على المسيحيين المصريين تلك التى اصابتهم من ديسوس قيصر الذى جلس على كرسى السلطنة الرومانية سنة 249م فكان اضطهاده بالغا منتهى القسوة والشدة حتى زل كثيرون من المسيحيين اثناء الاضطهاد وذبحوا للآوثان اجابة لطلب معذبيهم ... ويكفينا تلك الفظائع ما سطره البابا " ديونيسيوس الاول البطريرك الاسكندرى " وبعث به الى فابيان اسقف انطاكية وفيه وصف الاضطهاد وهو :

خطاب البابا ديونيسيوس الاول البطريرك الاسكندرى
----------------------------------------------------

كتب هذا البطريرك يقول :

" ان الاضطهاد الذى اصابنا لم يحدث بناء على امر من الحكومة بل ان ناره كانت مخبوءة تحت رماده مدة سنة كاملة , فألتظت عندما اثارتها يد التعصب ..

وتفصيل ذلك ان شاعرا يدعى النبوة وفد على الاسكندرية وكان مجيئه شؤما عليها اذ جال فيها يهيج سخط الوثنين ضدنا ويحرضهم على الدفاع عن خرافاتهم فتم ذلك واثار ثائرة الوثنين نحونا وظنوا انهم فى منتهى التقوى والقداسة تنحصر فى عبادة اوثانهم وشيطينهم ...

وكان اول شر ارتكبوه ان امسكو رجالا وطلبوا ان يجدفوا على المسيح ورجموا رجلا بالحجارة حتى مات وسرقوا اثاثات وامتعة المسيحيين , اما المسيحيين فلم يقاموا ووقفوا يراقبون خراب بيوتهم وهم صامتون ...

وانهم القوا القبض على عذراء اسمها " ابو لونيا " وضربوها حتى تكسرت اسنانها وتم حرقها بالنار حتى تفحمت , هذا بجانب كثير من المسيحيين الذين ماتوا شهداء المسيح , لدرجة انهم طلبوا من المسيحيين ان يذبحوا للآوثان والذى يرفض يتقدم هو ذبيحة فيذبحونه للآوثان ...

وتحدث البابا ايضا عن شخصين واحد انكر الايمان واما الثانى واسمه " كرونيون " ولقبه " اينوس " اعترف بأيمانه فجلدوه وطروحه فى النار "....

ويتضح من خطاب البابا " ديونيسيوس " هذا ان سبب الاضطهاد هو غيرة الوثنين من نمو الديانة المسيحية .. واستحكم الخلاف بين النصارى والوثنين ونهبوا بيوت المسيحيين وظلت الفتنة تتعاظم الى ان صار اراقة دماء المسيحيين من الواجبات الدينية ...

وكان لليهود يد فى اثار هذه الفتنة على المسيحيين وايقاد نار التعصب ضدهم وكانت الحكومة الرومانية تسر جدا بأستمرار الشقاق بين صنوف الاهالى بمصر وتأكيد العداوة بين اهل الاديان لتدوم شوكتها وتتأيد دولتها فعملت على النكاية بالمسيحيين وهم القسم الاضعف لتوغر صدور الوثنين عليهم من جهة ولتكسب رضاهم من جهة اخرى ...

وقد كانت عبادة الشمس والقمر الى ذلك الحين شديدة الانتشار ولم يعترها ضعف ولا وهن ولا سيما فى عهد " غورديان وفيليب " ومن بعدهما , وكان التمسك بها لم يذهب من هياكل مصر والنوبة وذلك من اكبر الاسباب التى دعت الى هياج الوثنين على كل من خالف دينهم وبالاخص على المسيحيين ...

Marina Greiss 03 - 10 - 2012 11:21 AM

رد: دراسة تاريخ الكرازة المرقسية
 
**** تاريخ البطاركة - القرن الثالث - محاضرة 26 ****

تحدثنا فى المحاضرة السابقة عن بعض الاضطهادات فى القرن الثالث وتكلمنا عن اضطهاد كاركلا واضطهاد مكسيمينوس الثراكى واضهاد ديسيوس ...

واليوم سوف نكمل حديثنا عن :

4- اضطهاد فاليريان
5- ضيق بسبب الحرب ومأثر المسيحيين فى تخفيفه ..

4- اضطهاد فاليريان :
----------------------
وجاء بعد ديسيوس قياصرة لايهمنا ذكرهم حتى ملك فاليريان سنة 254م فأظهر للمسيحيين مزيد الاناسة وكان يستدعيهم الى قصره ويجالسهم ولكن بعد قليل انقلبت محبة فاليريان الى البغضة وصار من الد الاعداء لهم ...

وكان السبب فى ذلك ان فاليريان كان مغرما بحكمة المصريين القدماء واتخذ له مشيرا واحدا من كهنة المصريين يدعى مكريانوس , كان يدعى السحر ومعرفة الامور المستقبلة .. فهذا لما رأى ميل الامبراطور للمسيحيين خاف ان ذلك التودد يكسبهم نفوذا عليه فتنخفض قيمته ولا يعود يقدر ان يبلغ من القيصر مأربا ولا ان يستجلبه لعبادة الاوثان فأخذ يوشى على المسيحيين واظهر له ان الذبائح التى كان يقدمها للآهله لاجل حفظ الملك وسلامته لم تعد مقبولة لسبب تقربه منهم وانه من اللازم مقاصتهم .. فصدق فاليريان كذب مكريانوس وامر بقصاصهم فكان اضطهاد شديد يضاهى الذى حصل فى ايام ديسيوس قتل فيه كثيرون من الشيوخ وكان المضطهدون يهجمون على الامنيين فى بيوتهم ويجرونهم الى مواقع العذاب حتى اضطر كثيرون من المسيحيين الى هجر بيوتهم وسكنوا الجبال والمغائر ...

وقد صادف البابا ديونيسيوس البطريرك فى ذلك الاضطهاد اهوالا مريعة واخيرا نفى .. وقد روى بعد رجوعه من منفاه الى الاسكندرية انه لم يجد من شمامسة الكنيسة سوى ثلاثة فقط وهم فوسطس ويوساب وكويرمولى مع انه ترك عددا وفيرا منهم ظلوا محتبئين فى مكانهم وكانوا ينتهزون الفرص ليعطوا الاخوة ويبشروهم ولكنهم ماتوا جميعا بداء الدفتريا وغير هؤلاء قتل كثيرون واستشهدوا ...

واشتدت القساوة على المسيحيين للغاية حتى انهم كانوا يشقون بطون اطفالهم ويأخذون مصارينهم ويلفونها على انانبيب القصب ويلقونها للآوثان .. واخرون خيروا بين يسجدوا للآوثان او يعذبوا الى الممات فأثروا الهلاك فهلك منهم عدد لا يحصى .. واستمر اضطهاد فاليريان ثلاث سنين ونصف وانتهى فى سنة 260م .

5- ضيق بسبب الحرب ومأثر المسيحيين فى تخفيفه
-----------------------------------------------------------
بعد فاليريان امسك ابنه الحكم "" غالينوس "" ولكنه انهمك فى الملاذ فرأى مكريانوس الساحر الوثنى ان يكون ملكا على مصر فأبى المسيحيون الخضوع له فعاداهم معاداة عظيمة حتى قام ايملياس الوالى واخذ منه التاج وحكم مصر حكما جائزا ...

وبعد ذلك اتاه "" تبودتس "" قائد جيش غالينوس وحاصره ودامت الحرب بينهما سجالا مدة من الزمن اصيب البلاد فيها بنكبات عديدة وتحمل المسيحيون منها العبء الثقيل لقيامهم بمساعدة المنكوبين وتخفيف الامهم ...

وقد كتب البابا ديونيسيوس رسالة فى عيد الفصح سنة 264م يصف هول الحرب وكيف كان المسيحيون سببا فى تخفيفها فقال :

" من الصعب ان المسيحيين يؤدوا فريضة عيد الفصح بسبب الحرب ولكثرة توالى المصائب وتتابع النكبات , وترى ابواب القبور مفتوحة تبتلع ارواح المسيحيين قبلما تفارق ارواحهم الاجساد حتى اصبحنا فى زمن كمثل زمن موت كل بكر فى ايام موسى لانه فعلا كان يوجد ميت على الاقل فى كل منازل المسيحيين , هذا غير التعذيب الشديد الذى يعذبونهم به ويقام مسارح التعذيب فى احتفال الاوثان بعيدهم ...

وبعد هذا النكبات اتت حرب اخرى وهى حرب الجوع , فيقول قداسة البابا كنا نواثيهم ونشاطر كل من انتابته مصيبه فى بلاياه ونرثى لامرهم ونعطف عليهم ينتج من قلوب واحساسيس مسيحية شريفة تتأثر لمصاب بنى البشر , ثم اصابنا وداهمنا وباء فتاك مسا ولكنه فتك بالوثنين فتكا ذريعا ...

ولكن المسيحيين وعواطفهم الحبيبة مع كل مريض بالداء فلم يخشو على انفسهم وساعدوا كل الناس ومرضوا الضعفاء وسد حاجات المعوزين فكانوا يموتون فرحين مسرورين لموت هو رقاد مؤقت تعقبه حياة ابدية سعيدة ...

لذلك مات الكثير من المسيحيين فداء لاخواتهم المرضى وهو عمل يظهر منه الفرق الكبير بين المسيحى الحقيقى الذى يضع نفسه عن الاخرين كما فعل سيده قبله وبين اولئك الذين يظهرون فى مظهر المحبيين المخلصين بواسطة احساس غير حساس يبدونه فى اداب باطلة ولكن اذا جاء وقت الشدة فزعوا من اصدقائهم وابتعدوا عنهم ...

فقد كان اولئك الوثنيون عندما يرون ان احدهم مريض يبتعدون عنه حتى اذا كان اعز اصدقائهم , وقد بلغت بهم القساوة حتى انهم كانوا يطرحون مرضاهم فى الازقة والشوارع وهم بين حى وميت , وكانوا يرمون الموتى فى الشوارع " ...

وبكدا نكون كملنا حدثنا عن الاضطهادات التى حدثت فى القرن الثالث .. والمحاضرة القادمة سنتحدث عن البدع والانشقاقات فى هذا القرن ...

Marina Greiss 03 - 10 - 2012 11:22 AM

رد: دراسة تاريخ الكرازة المرقسية
 

**** تاريخ البطاركة - القرن الثالث - محاضرة رقم 27 ***

مازلنا فى القرن الثالث للبطاركة لتاريخ كنيستنا القبطية ...

تحدثنا فى هذا القرن عن تاريخ البطاركة .. وبطاركة هذا القرن البطريرك ياروكلاس والبطريرك ديوميسيوس والبطريرك ثاؤنا والبطريرك مكسيموس ....

ثم تكلمنا عن منشأ الرهبنة ومؤسسوها , وفيها تحدثنا عن منشأ الرهبنة فى مصر وعن القديس بولا والقديس انطونيوس والقديس امونيوس والقديس بفتوتيوس ...

ثم دخلنا فى القسم الثالث وهو المملكة والكنيسة ... وتحدثنا فيه عن الاضطهادات التى واجهتها كنيستنا القبطية , وتحدثنا عن اضطهاد كاركلا , واضطهاد مكسيمينوس الثراكى , واضطهاد ديسيوس واضطهاد فاليريان , وتكلمنا عن ضيق بسبب الحرب ومأثر المسيحيين فى تخفيفه ...

واليوم نبدأ فى القسم الثالث من هذا القرن " الثالث " وسنتكلم النهاردة عن البدع والانشقاقات فى القرن الثالث من خلال :

1- بدعة سابليوس
2- نيبوس صاحب بدعة الالف سنة ..
3- بيرلس اسقف بصرة ..
4- مانى ..
5- هيراكس ..
6- بولس السيمساطى..
7- الخلاف على عماد الهراطقة والجاحدين ...
وذلك على مراحل متعددة ...

القرن الثالث ... البدع والانشقاقات ...
--------------------------------------------

7 بدع وانشقاقات سنتحدث عنهم ....

1- بدعة سابليوس
---------------------

احد اساقفة بطلومايس بالخمس المدن الغربية .. كان قد تربى فى مدينة رومية وتتلمذ لنوئيتوس الهرطوكى .. واخذ عنه تعاليمه التى تنحصر فى :

" ان الله اقنوم واحد اعطى الناموس لبنى اسرائيل بصفته الاب , وصار انسانا فى العهد الجديد بصفته الابن .. وحل على الرسل فى علية صهيون بصفته الروح القدس "..

ومن اعتقاد نوئيتوس سمى تابعوه " مؤلمى الاب " "1""انظر تحت فى اخر المحاضرة " الا ان سابليوس فصل ما تعلمه الكتب عن الاب والابن والروح القدس بنوع يختلف عن نوئيتوس ...

فأعتقد ان جزءا من الطبيعة الالهية انفرز من الله وكون الابن بالاتحاد مع الانسان يسوع المسيح وان جزءا اخر انفصل عنه فكون الروح القدس ...

وكان اول من اعتنق بدعة نوئيتوس وسابليوس زفير ينوس اسقف رومية وكاليسطوس خليفته , وساعدا المبتدعين على نشر بدعتهما حتى انتشرت تلك الاراجيف وعمت انحاء الغرب .. ومما زاد الطين بله ان كاليسكوس سام اساقفة وقسوسا وشمامسة من الذين تزوجوا ثانية وثالثة ثم اباح العماد لمغفرة الخطايا .. وادعى بأن الاسقف لا يقطع من الكهنوت مهما جنى من الاثام ...

ولما لم يوافقه سابليوس على ذلك حرمه , فجاء الى مصر سنة 257م واخذ ينشر فيها بدعة " مؤلى الاب " فجذب اليه كثيرين ولما اتصل امره بالبا """ ديونيسيوس """ قاومه بشدة كما مر بنا فى تاريخ حياة هذا القديس العظيم ...

وانتهى الامر اخيرا بحرم سابليوس فى مجمع عقد سنة 261م ...

ملحوظة :

"1"

ان اول من نشر بدعة " مؤلى الاب " هو ابراكسياس الذى وفد على رومية من اسيا الصغرى وفتح مدرسة بث فيها ضلاله واستطاع ان يجذب الى هرطقته زفير ينوس اسقف رومية وكاليسطوس خليفته .. وقام بعد ابراكسياس تلميذه نوئيتوس بنشر بدعنه .. فلما علم البابا ديونيسيوس ان هذه البدعة اخذت تتسلط على عقول الرومانيين كتب لنوئيتوس رسالة طويلة شرح فيها التعليم الصحيح وفند بدعنه ...

فليعتبر الباباويون الذين ينادون بعصمة باباواتهم ويقفوا عند حدهم معترفين لباباوات الاسكندرية بالفضل , فلولا غيرتهم الدينية لاصبحت الكنيسة الرومانية الان مجموعة هرطقات فضلا عما هى عليه بفضل تساهل باباواتهم الاكرمين الذبن لم يكن يهمهم سوى اتساع سلطتهم وازدياد نفوذهم ...

والمرة القادمة سنتحدث عن بدعة نيبوس ....

واترككم فى رعاية الله ...

Marina Greiss 03 - 10 - 2012 11:22 AM

رد: دراسة تاريخ الكرازة المرقسية
 
**** تاريخ البطاركة - القرن الثالث - محاضرة رقم 28 -
بدأنا من المحاضرة السابقة التحدث عن البدع والانشقاقات التى حدثت فى القرن الثالث , ثم تكلمنا عن بدعة سابليوس احد اساقفة بطلومايس بالخمس مدن الغربية ..

واليوم نتكلم عن البدعة الثانية التى ظهرت فى ذلك القرن ...

2- بدعة نيبوس :
---------------------
صاحب بدعة الالف سنة .....

وكان اسقفا لابروشية " ارسينو " فى الفيوم ......

عرف بين رعيته بصفات حميدة جعلتهم يحترمونه احتراما زائدا ...

هذا الاسقف اخذ يعلم شعبه تعليما جديدا ذهب فيه الى تأكيد اقتراب الوقت الذى يملك فيه المسيح الف سنة على الارض كأحد ملوك العالم , مفسرا ما قيل فى سفر الرؤيا عن ذلك تفسيرا حرفيا ..

ووضع كتابا سماه " مضادة المتغزلين " كما لقب مزدريا بمضادى الالف سنة ... اعترض فيه على من يقولون بأن اقوال سفر الرؤيا تدخل تحت باب المجاز , وقد اجهد نفسه فى اقناع رعيته بذلك المبدأ فقبلوه بدون فحص ...

وكان هذا الاعتقاد قد عرف فى عهد العلامة اوريجانوس .... فقاومه بشدة وافناه بالمرة مفسرا الايات المصرحة بملك المسيح الف سنة , انها تشير الى الافراح الروحية المناسبة طبيعة الارواح التى تقوم كاملة وذلك لا يكون فى هذا العالم بل فى العالم الاتى ...

وبعد موت نيبوس اخذ رجل اسمه " كراسيون " مركزه فى اذاعة تلك البدعة وهو رجل خبير ذو شرف وسطوة ...

ولما اتفق البابا ديونيسيوس ان يفتقد رعيته سنة 255م .. وقف على هذه البدعة وعرض عليه تابعوها ان يحكم فيها فأستعمل الحكمة المتناهية وجذبهم اليه باللطف والرقة وعقد مجمعا هناك ظل ثلاثة ايام تليت فيه احتجاجات نيبوس وبعدها كتب البابا ديونيسيوس رسالة ووضع نبذة فى " المواعيد الالهية " لخص فيها تلك الافكار ...

ولم يكتف البابا ديونيسيوس بذلك بل وضع شرحا لسفر الرؤيا قاعدته انه يجب ان لا ينظر لعبارات هذا السفر نظرا حرفيا اذ هو عبارة عن رموز ونبوات بعضها تم وبعضها سيتم فى وقته ....

ويقول بعض المؤرخين ان هذا البابا ارتأى ان يوحنا الرسول ليس هو الذى كتب سفر الرؤيا بل وضعه يوحنا اخر غير انه اعترف بأنه سفر موحى من الله يجب قراءته مع الحذر الكلى ...


3- بدعة بيرلس اسقف بصرة :
------------------------------------
علم ان السيد المسيح قبل ولادته من العذراء لم يكن له لاهوت متميز بل انما كان له لاهوت الاب .....

اى ان المسيح لم يكن له وجود قبل ولادته من مريم وانه فى ولادته دخلت واتحدت بالانسان النفس الانسانية التى اصلها من الله وهى بلا ريب فائقة كل النفوس البشرية لانها منبثقة من الطبيعة الالهية ....

ولما انتشرت هذه البدعة وبلغت مسامع العلامة اوريجانوس قام لبلاد العرب ودحض تعليم بيرلس فى مجمع انعقد ببصره سنة 244م ....

وتمكن العلامة اوريجانوس من ان يرد بيرلس الى الحق ووفى هذا لذلك العلامة واصبح بعد ذلك من اكبر اصدقائه واشد المدافعين عنه ...


Marina Greiss 03 - 10 - 2012 11:22 AM

رد: دراسة تاريخ الكرازة المرقسية
 

*** تاريخ البطاركة - القرن الثالث - محاضرة 29 ***

مازلنا فى البدع والانشقاقات التى واجهتها كنيستنا القبطية فى القرن الثالث ... وتحدثنا عن بدعة سابليوس ثم بدعة نيبوس "صاحب بدعة الالف سنة " ثم تكلمنا عن بدعة بيرلس اسقف بصرة ...

واليوم نكمل الحديث عن بدعة اخرى واجههتها كنيستنا فى هذا القرن ايضا وهى :

4- بدعة بولس السيمساطى :
-------------------------------------
ولد فى سيمساط " مدينة صغيرة فيما بين النهرين " من ولدين فقيرين ولكن حاز فى غنى طائل بوسائل مجرمة , ولا نعلم بأى واسطة توصل ان يكون بطريركا على الكرسى الانطاكى ....

وكان غنى جدا وانهمك فى الملاز وكان صديق للآمرتين جميلتين يقضى معهما اكثر اوقاته , وكان مغرما بالرفاهية حتى انه لما يسير فى الطرقات يكون معه مائة من الخدم يتبعونه ....

ابدل تراتيل الكنيسة الى اناشيد لمجده كان ينشدها النساء له , وان خطب كان يجعل الناس تصفق له ....

تلقد اولا وظيفة " دوسنايوس " " اى والى من الدرجة الاولى له مرتب سنوى وكان حرصه على وظيفته المدينية اشد من حرسه على اتمام فروضه الدينية لانه كان يتخذها سلاحا ضد اكليروسه ورعيته خوفا من مقاومتهم له ...

اما هرطقته الذى وقع فيها فهى .... ان ابن الله لم يكن من الازل بل ولد انسانا حل فيه كلمة الله وحكمته عندما ولد من العذراء , وان هذه الحكمة التى مكنته من ان يعلم ويعمل العجائب فارقته حين قدم على الالام ...

وبسبب اتحاد الكلمة الالهية هذا بالانسان يسوع يقول ان المسيح هو الله وليس بمعناها الحقيقى ...

وكان يقول ... كان فى المسيح اقنومان وابنان لله احدهما بالطبيعة والاخر بالتبنى ..

وبذلك شايع سابليوس فى انكار الثالوث الاقدس فيقول يوجد اله واحد تحسبه الكتب المقدس بالاب وان حكمته وكلمته ليست اقنوما بل انها فى العقل الالهى بمقام الفهم فى العقل الانسانى ...

اما محاربة هذه الهرطقة والبدعة :

لما بلغت مسامع القديس ديونيسيوس البطريرك الاسكندرى اخبار هذا الهرطوقى ... ارسل اليه رسائل عديدة وبين له فيها مخالفة غواياته لنصوص الكتاب وشهادة الاباء ...

وقد جاوب بولس على بعض رسائل البابا مواريا ضلاله ....

ولاجله عقد مجمع فى انطاكية تكرر انعقاده مرارا ... وفيه كان فرميليانوس اسقف قيصرية .. واغريغوريوس اسقف قيصرية الجديدة واخاء ... ايثنوذورس وايلينوس اسقف طرسوس , وايماناوس اسقف اورشليم وغيرهم كثيرون ....

اما القديس ديونيسيوس بطريرك الاسكندرية فلم يتمكن من الحضور لشيخوخته واكتفى بما ارسل من الرسائل للمجمع مبيننا ضلال بولس السيمساطى ...

وكان بولس يحضر المجمع ولكنه اصر على ضلاله , فعقد مجمع اخر وخلعوه من بطريركية الكرسى الانطاكى , واقاموا عوضا عنه دمنوس ...


الساعة الآن 08:27 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025