منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كتب البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   كتاب المحبة قمة الفضائل (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=237654)

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:04 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
محبة الله لقديسيه

عجيبة هي محبة الله لقديسيه، نحاول أن نذكر عنها بضع نقاط كأمثلة، لتوضح عمق ذلك الحب.
أولا: دعوة الله لهم للعمل معه.
وفي ذلك قال الرب لتلاميذ الأطهار (لستم اخترتموني، بل أنا الذي اخترتكم. وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم) (يو 15: 16). ويقول الرسول (الذي سبق فعرفهم فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه.. والذين سبق فعينهم، فهؤلاء دعاهم أيضًا) (رو 8: 29، 30).
وما أجمل أن يكن إنسان معروفًا عند الله، ومعنيًا منه، ومدعوًا للعمل معه، وأن يشابه صورة ابنه..
بل ما أجمل أن هذا المختار من الله، يعرفه الله ويدعوه، للعمل وهو بعد في بطن أمه.
مثال ذلك قول الرب لإرمياء النبي (قبلما صورتك في البطن عرفتك. وقبلما خرجت من الرحم قدستك. جعلتك نبيًا للشعوب) (أر1: 5)..عرفه، فاختاره فقدسه، فعينه نبيًا، قبل أن يخرج من بطن أمه!!

ومثال إرمياء النبي، ويوحنا المعمدان أيضًا: نكلم الرب عن اختياره، قبل أن تحبل به أمه، علي لسان الملاك الذي بشر أباه زكريا، بأن امرأته ستحبل بهذا المختار (ومن بكن أمه يمتلئ من الروح القدس. ويرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم.. لكي يهيئ للرب مستعدًا (ويكون عظيمًا أمام الرب) (لو 1: 15-17).
ومثال إرمياء والمعمدان، كان شمشون وبولس:
أما عن شمشون، فقد قال ملاك الرب الذي بشر أمه "ها أنك تحبلين وتلدين ابنًا. ولا يعلو رأسه موسى، لأن الصبي يكون نذيرًا للرب من البطن) (قض13: 5).
أما عن بولس الرسول، فقد تحدث عن اختباره من بطن أمه، فقال (لما شر الله الذي أفرزني من بطن أمي، ودعاني بنعمته، أن يعلن أبنه في لأبشر به بين الأمم، وللوقت لم استشر لحمًا ولا دمًا..) (غل 1: 15، 16)
كذلك القديس الأنبا شنوده رئيس المتوحدين:
اختاره الرب وعينه رئيسًا للمتوحدين، وآبا للرهبان قبل أن تحبل به أمه.
ويعقوب أبو الآباء، أعطاه الرب الرئاسة والسيادة علي أخوته، وهو بعد في بطن أمه (تك 25: 23). وبالتالي اختاره أن يأتي من نسله المسيح، وبنسله تتبارك جميع قبائل الأرض.
ومن محبة الله لكل هؤلاء، اختارهم لبناء ملكوته.
وفي محبته لهم أعطاهم بركة، بل وجعلهم بركة.
كما قال لأبينا إبراهيم: (أباركك، وتكون بركة، وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض) (تك 12: 2،3). حقًا، كم من قديس صار بركة لجيله أو للأجيال كلها.. وأصبح حاملًا لله (ثيئوفورس)، يقدمه للعالم وكم من قديس كشف له الله ما لا يري، ومنحه استعلانات (2كو 12: 7).
وقديسون منحهم قوة أجراء المعجزات، مثل موسى الذي شق البحر الأحمر، وفجر من الصخرة ماء، وأنزل المن والسلوى.
إن الله في حبه يعطي بلا حساب، بلا كيل. يفتح كوي السماء لتنزل منها بركاته، حتى نقول كفانا كفانا.
في محبته لقديسيه، أعطاهم الروح القدس، أعطاهم البركة والنعمة والحب. وجعل سكناه داخلهم، وأعطاهم صنع المعجزات. منحهم الحكمة. وأعطاهم كل ما يطلبونه لأجل أنفسهم ولأجل الآخرين وكانت صلواتهم مفاتيح السماء. وكان يأخذ رأيهم وينفذ طلباتهم، كما فعل مع موسى ومع إبراهيم.
ومن محبته لقديسيه كان ينسب إليهم أعماله.
فيقول (شريعة موسى) وهي شريعة الرب. ويقال كنيسة مارجرجس وهي كنيسة الله. وتحدث معجزة شفاء علي يد العذراء بينما الله هو الشافي، ويقول الرب.
**(من يكرمكم يكرمني) (ومن يرذلكم يرذلني)**
وبمحبة الله لقديسيه عمل فيهم، وعمل بهم، وعمل معهم، وجعلهم سفراءه، ووكلاءه ووسطاءه علي الأرض، ينقلون نعمته للآخرين وقال لهم (لا أعود أميكم عبيدًا بل أحباء).
بل أنه دعاهم أخوته وصار بكرًا وسط أخوة كثيرين (رو8: 29).
وقيل عنه إنه (أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم حتى المنتهي) (يو13: 1). وفي هذا الحب اعتبرهم كشخصه.
بل نقرأ عجيبة، قالها في منحهم صنع المعجزات وهي:
(من يؤمن بي، فالأعمال التي اعملها يعملها هو أيضًا، ويعمل أعظم منها (يو14: 12).
إنني أقف مبهوتًا ومبهورًا أمام عبارة (ويعمل أعظم منها)!! أي حب هذا وأي أتضاع..!!
نعم إنه من محبته لقديسيه، زودهم بقوي عجيبة. وجعلهم شركاء للروح القدس و(شركاء للطبيعة الإلهية) في العمل (1بط 1:4) وقال لهم (ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم) (أع1: 8)،.وجعلهم وكلاء سرائر الله (1كو 4: 1) (التي تشتهي الملائكة أن تطلع عليها) (1بط1: 12).
ومن محبته لهم منحهم مواهب الروح القدس هذه المواهب التي خصص لها القديس بولس الرسول إصحاحًا كاملًا من رسالته إلي كورنثوس (1كو 12) (قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء)..
ومن محبة الله لقديسيه، أنه جعلهم يجربون عشرته وصداقته.
فموسى جلس معه علي الجبل أربعين يومًا. وقضى الرب مع تلاميذه أربعين يومًا بعد القيامة يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله. قيل عن إبراهيم انه خليل الله. وهؤلاء لم يعاشروه فقط، بل تمتعوا به. قال داود:
( ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب (وما أعجب هذه المذاقة!!
بهذا الحب ظهر الرب لكثير من قديسيه، وكلمهم. كما ظهر الأنبا بيشوي فغسل القديس رجليه. وظهر للأنبا بولا الطموهي، وقال له في محبة (كفاك تعبًا يا حبيبي بولا)..
وظهر لإيليا النبي وهو هارب من الملكة إيزابل، وطمأنه، وكلفه برسالة.. وكان قد أرسل له ملاكًا ليقويه ويقدم له طعامًا ليغذيه (1مل 19: 5- 18).
وظهر أيضًا ليعقوب وهو هارب من أخيه عيسو، وطمأنه، وعزاه بوعود إلهية. وقال له (هأنذا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلى هذه الأرض) (تك 28: 15).
إن من محبة الله لقديسيه، العزاء العجيب الذي يمنحه لهم.
كل اللذين عاشروا الله، تمتعوا بالعزاء، وبالسلام، والطمأنينة، والفرح. وهكذا قال الرسول (أفرحوا في الرب كل حين) (في 4:4).
وبهذا العزاء استطاع الآباء أن يعيشوا في البرية وحدهم، بلا أنيس، وهم في متعه الحب الإلهي، يجدون في وحشة البرية عزاء لا يعبر عنه ولذة عميقة بالعشرة الإلهية..
ومن محب الله لقديسيه، أنه أعطاهم الإحساس بالوجود في حضرته.. وفي ذلك يقول داود النبي.
(تأملت فرأيت الرب أمامي في كل حين، لأنة عن يميني فلا أتزعزع) ويقول إيليا النبي (حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه) (1مل 18: 15).
إن النفس البشرية التي ذاقت محبة الله، تقول (شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقني) شاعرة أن محبة محيطة بها (نش2: 6).
ومن محبة الله لنا، أنه يحيطنا بملائكته، تحفظنا وتخدمنا.
فيقول بولس الرسول عن الملائكة (أليسوا جميعًا أرواحًا خادمة، مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص) (عب1: 14) ويقول المزمور (ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم).
وما أعجب أن تخدمنا الملائكة، ونحن لا نستحق مجرد رؤيتهم..!
ومن محبة الله لقديسيه، أنه يمنحهم حق الشفاعة أيضًا.
لنا أردا الله أن يغفر خطية أصحاب أيوب، قال لهم بعد أن بكتهم (اذهبوا إلى عبدي أيوب. واصعدوا محرقة لأجل أنفسكم، وعبدي أيوب يصلي من أجلكم. لأني أرفع وجهه، لئلا أصنع معكم حسب حماقتكم) (أي 42: 8).
وهكذا جعل الله مغفرة مشروطة بصلاة أيوب عنهم. ولما لا تغفر يا رب مباشرة؟! يقول: "لأني أرفع وجهه"..
ويظهر الرب لشاول الطرسوسي، ويدعوه إلى خدمته ولكن لا يشرح له ما ينبغي.. وهكذا يعطي الرب كرامه لحنانيا وكهنوته.
بل ما أعجب أن الروح القدس يقول لرجال الكنيسة: (افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه) (أع13: 2).
ولعلهم يقولون في قلوبهم: ومن نحن يا رب؟! مادمت قد دعوتهما، فقد أنتهي الأمر. ولكن الروح القدس يود أن تمر إرسالية برنابا وشاول من خلال القنوات الشرعية في الكنيسة، حبًا لهذه القنوات. وتدعيمها لشرعيتها وعملها..
ولهذا بعد أن (صاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي وأطلقوهما بسلام)..
قيل حينئذ عنهما (فهذان إذ أرسلا من الروح القدس، انحدرا إلى سلوكية..) (اع13: 3، 4).. نعم أرسلا من الروح القدس. ولكن كيف؟.. من خلا الكنيسة التي يحبها الروح، ويدعم لها اختصاصاتها.. ما أعمق محبتك يا رب!
انظروا أيضًا إلى قصة قبول كرنيليوس الأممي الذي صعدت صلواته وتقدماته إلي الرب. وظهر له ملاك الرب يخبره بهذا.
ولكن الرب يحيل كرنيليوس إلي عبده بطرس، لكي يخبره بما ينبغي (أع10:1-6). ذلك لأن الله يريد أن يعمل عن طريق رسله، كهنته. وبهذا يرفع وجوههم كوكلائه، ويثبت لهم في الكنيسة اختصاصاتهم.
ولعل من أعجب القصص في محبة الله لقديسيه، ورفعة مكانتهم أمام الكل، قصة إقامة مساعدين لموسى النبي.
أراد الله أن يريح نبيه موسى من ثقل المسئوليات التي عليه، وذلك بإقامة مساعدين له، (فقال الرب لموسى: اجمع إلي خيمة الاجتماع فيقفوا هناك معك. فأنزل أنا وأتكلم معك هناك، وأخذ من الروح الذي عليك وأضع عليهم، فيحملون معك ثقل الشعب) (عد11:16،17).. وكأن موسى يقول: من أنا يا رب الذي تأخذ من الروح الذي علي وتضع عليهم؟! أعطهم من عندك كما أعطيتني!
ولكن الله من محبته لموسى، أراد أن يرفع قدره أمامهم، لكيلا يشعروا أنهم صاروا مساوين له..
وذلك إن أخذوا من نفس المصدر الإلهي كما أخذ..
(وخروج موسى وكلم الشعب بكلام الرب، وجمع سبعين رجلًا من شيوخ الشعب، وأوقفهم حوالي حوالي الخيمة. فنزل الرب سحابه وتكلم معه. وأخذ من الروح الذي عليه، وجعل علي السبعين رجلًا الشيوخ. فلما حل عليهم الروح تنبأوا).
(عد11:24،25).. موسى هو الذي اختارهم بنفسه، ولم يعينهم الرب له. وأخذوا من الروح الذي عليه فتنبأوا ليعرفوا أنهم مجرد مساعدين له. فهو الذي أقامهم أمام الرب.. وهكذا عامل موسى، بالأسلوب الذي يحفظ له كرامته ورئاسته بين مساعديه..
من محبة الله أيضًا لقديسيه، أنه أعطاهم سلطانًا علي الطبيعة.
كما سبق من قبل أن أعطي آدم وحواء (تك1:6). وكما أعطي أيضًا نوحًا وبنيه، فادخلوا الوحوش والدبيبن وسائر الحيوانات إلي الفلك وعاشوا فيه (تك6:19-21).
ما أعجب قول إيليا (حي هو الرب.. أنه لا يمكن طل ولا مطر في هذه السنين، إلا عند قولي) (1مل17:1).
وفعلًا امتنع المطر أكثر من ثلاث سنوات منتظرًا قول إيليا..
وإيليا يعطي بركة لأرملة صرفه صيدًا، بأن كوار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص، إلي أن ينزل الله المطر علي الأرض، وهكذا كان (1مل17:14-16).
ومنع الرب طبائع كثيرة من أن تؤذي قديسيه كما حدث مع يونان في بطن الحوت (يون2). وكما حدث مع الثلاثة فتية في أتون النار (دا31)، ومع دانيال في جب الأسود (دا6).. وصار أحباء الله هؤلاء في وضع له سموه، جذب الآخرين إلي الإيمان.
في نياحة الأنبا بولا، أرسل الله أسدين فحفرا قبرًا له، لكي يتعب في هذا الأمر القديس الأنبا أنطونيوس الذي أمرهما.
أحب الله قديسيه، فأكرمهم في حياتهم وفي وفاتهم أيضًا.
يرسل ملائكة لكي تحمل روح لعازر المسكين إلي أحضان إبراهيم (لو16:22). وروح أنبا آمون رآها القديس أنطونيوس، وقد حملتها الملائكة في فرح، لتزفها بالتسابيح إلي السماء.
وهناك قديسون عند وفاتهم، كانوا يرون أنوارًا، ويظهر لهم قديسون لاستقبال أرواحهم. وبعض منهم تفوح رائحة بخور عند وفاتهم. فما أجمل قول الكتاب (لتمت نفسي موت الأبرار، ولتكن آخرتي كآخرتهم) (عدد23:10).
ومن محبة الله لقديسيه أنه دعاهم "آلهة"!
فقال لهم في المزمور (82:6) ألم أقل إنكم آلهة، وبني العلي تدعون) (مز82:6). وقال الرب لموسى (جعلتك إلهًا لفرعون. وهرون أخوك يكون نبيك) (خر7:1).. وقال له عن هرون (هو يكون لك فمًا، وأنت تكون له إلهًا)
(خر4:16) يقصد ك توحي له بالكلام الذي تريد أن تقوله. وبالنسبة إلي فرعون تكون سيدًا له..
ومن محبه الله لقديسيه أنه أعطاهم بعض ألقابه:
فقال (أنا هو نور العالم) (يو12:46)، وقال (أنتم نور العالم) (مت5:14). وطبعًا الفرق واضح. فهو النور الحقيقي (يو1:9). وهم يأخذون من نوره. وقال (أنا هو الراعي الصالح) (يو10:11). وأقام في الكنيسة رعاة (اف4:11).
محبه الله لقديسيه تبدو أيضًا في حنانه عليهم إن أخطأوا، حتى حنانه في عقوبته..!
ما أشد قسوة الإنسان، إذا وقع أخوه الإنسان في يده. أما الله فحنون جدًا حتى عندما يعاقب..
لذلك قال داود النبي عبارته المشهورة: (أقع في يد الله، ولا أقع في يد إنسان، لأن مراحم الله واسعة) (2صم24:12)
لقد عاقب الرب داود، ولكن عقابه له لم يمنع أبدًا استمرار محبته، حتى بعد موت داود.. فعامل ابنه سليمان برفق، وعلل رفقه عليه بقوله (من أجل داود عبدي) (1مل11:13) أو بقوله له (من أجل داود أبيك) (1مل11:12).
وحتى بالنسبة إلي سليمان نفسه، قال عنه الرب لداود أبيه (هو يبني بيتًا لاسمي، وأنا أثبت كرسي مملكته إلي الأبد. أنا أكون له أبًا، وهو يكون لي ابنًا. إن تعوج أؤدبه. بقضيب الناس وبضربات بني آدم. ولكن رحمتي لا تنزع منه كما نزعتها من شاول) (2صم7:13-15).
جميلة هذه العبارة)إن تعوج أؤدبه. ولكن رحمتي لا تنزع منه(
إنها تعبر عن رأفة الله في عقابه..
بل رفقه الله الشديدة تبدو في مقابلته لإنكار بطرس الرسول، الذي أنكره ثلاث مرات وكان يلعن ويحلف إني لا أعرف الرجل (مت26:69-74).. كيف لاقاه بعد القيامة برقة شديدة، وطمأنه علي رسوليته بقولة (ارع غنمي. ارع خرافي) (يو21:15-17).
حقًا إن الله يعامل الناس حسب عمق محبته نحوهم وليس حسب خطاياهم إليه.
وحتى عندما قال الرب (بسطت يدي طول النهار لشعب معاند ومقاوم).. نسأله (ولماذا تمد يا رب يدك نحو هؤلاء المعاندين؟! ولعله يجيب:
( لأن المحبة التي في قلبي من نحوهم، أقوي بكثير من العناد الذي في قلوبهم من نحوي..).
صدق أحد الروحيين حينما قال:
إن جميع خطايا الناس إذا قيست بمحبة الله، تشبه حفنة من الطين في المحيط، لا تستطيع أن تعكر مياهه. وإنما بكل هدوء يأخذها المحيط (إذا تابوا) ويفرشها في أعماقه، ويقدم لهم ماء رائقًا..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:05 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
اهتمام الله بالأشياء الصغيرة

كل شيء إلي جوار الله، يعتبر صغيرًا وضئيلًا.
أو كأنه لا شيء إلي جوار الله غير المحدود..
فاهتمام الله بخليقته، أو بالكون كله، هو اهتمام منه بشيء صغير. ولعل هذا من مظاهر تواضع الله ومحبته لخليقته..
حقًا ماذا تكون الكرة الأرضية سوي كوكب من كواكب عديدة جدًا لا تحصي! بل ماذا يكون الإنسان سوي حفنة من تراب أخذت من هذه الأرض! ومع ذلك ففي موضوع اليوم سوف لا نتناول اهتمام الله بالكون كله، أو بالبشرية جمعاء، إنما اهتمامه بالصغير في عالم الكون، وبالصغير في عالم الإنسان، وفي غير عالم الإنسان، أي اهتمامه بصغير الصغير..!

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:07 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
محبة الله للأطفال


ولنبدأ بمحبة الرب للأطفال واهتمامه بهم.
إن الله يحب الأطفال. يحب فيهم البراءة والبساطة وعدم التعقيد وعدم الرياء.. وهكذا يقول (الحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال، فلن تدخلوا ملكوت السموات) (مت18:3). وفي ترجمة King James للإنجيل، يقول عن الأطفال (Little Children). وفي إنجيل معلمنا لوقا يقول (من لا يقبل ملكوت السموات مثل ولد (as a little child)، فلن يدخله) (لو18:17).
ويقول أيضًا من قبل ولدًا (Child) واحدًا مثل هذا، فقد قبلني) (مت18:5) (لو9:48).
وقد دافع الرب عن الأطفال.
فقال (من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي، فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحي، ويغرق في لجة البحر) (مت18:5) (لو17:2) وقال إنه ليست مشيئة أبيكم الذي في السموات أن يهلك أحد هؤلاء الصغار (مت 18:14). ودافع الرب عن الأطفال يوم أحد الشعانين. وقال للمحتجين عليهم (أما قرأتم قط إنه من أفواه الأطفال والرضعان هيأت تسبيحًا) (مت21:16) (مز8:2).
كان الرب يحب الأطفال ويحتضنهم (مر10:16).


ولما كانوا يمنعونهم عنه استصغارًا لهم، كان يقول (دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات) (مت19:14) (مر10:14). وكان الرب أيضًا يقول (انظروا، لا تحتقروا أحد هؤلاء الصغار).
وقد اختار الرب أطفالًا للنبوة والخدمة ولمسئوليات خطيرة:
اختار الطفل صموئيل، وناداه باسمه ثلاث مرات، وحمله رسالة يبكت بها عالي الكاهن في المرة الرابعة. نعم كلمة الرب وقت قيل عنه (وكانت كلمة الرب عزيزة في تلك الأيام) (1صم3:1-14). وجميل أنه قيل عن صموئيل (وكان صموئيل يخدم أمام الرب وهو صبي، متمنطق بأفود من كتان. وعملت له أمه جبه صغيرة) (1صم2:18،19).
وكما اختار الرب صموئيل الطفل. اختار الرب إرميا الطفل أيضًا.
وقال له (قبلما صورتك في البطن عرفتك. وقبلما خرجت من البطن قدستك جعلتك نبيًا للشعوب) (أر1:5). ولما اعتذر إرميا الصغير يقوله (آه، يا سيد الرب. إني لا أعرف أن أتكلم لأني ولد)، شجعه الرب قائلًا (لا تقل إني ولد.. لا تخف من وجوههم، لأني أنا معك لنقذك.. ها قد جعلت كلامي في فمك. انظر، قد وكلتك اليوم علي الشعوب وعلي الممالك، لتقلع وتهدم.. وتبني وتغرس) (أر1:7-10).
ويشجع الرب هذا الصبي الصغير، ويقول له (هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة، وعمود حديد، وأسوار نحاس، علي كل الأرض، لملوك يهوذا ورؤسائها وكهنتها ولشعب الأرض، فيحاربونك ولا يقدرون عليك. لني أنا معك - يقول الرب لأنقذك) (أر1:18،19).
حقًا ما أعجب محبة الرب للصغار، وتشجيعه لهم.
كل هذه المسئوليات والوعود يقدمها للصبي الصغير إرمياء، الذي عرف الرب قلبه قبل أن يولد.. حقًا، (سبحوا الرب أيها الفتيان، سبحوا الرب) (مز113).. الرب يرفع معنويات الصغار، ويعينهم في مسئوليات قد تبدو فوق مستواهم.
ولكنه إلي جوارها عبارة (لا تخف. أنا معك).
وإذا بالصغير - نتيجة لمحبة الله - يصبح أكبر من الكبار!!
يوسف الصديق كان أصغر إخوته. ولكن الله في محبته له أظهر هذه المحبة في أحلام، وفيها الدلالة علي أن أخوته سوف يأتون ويسجدون له.. (تك37:5-10). صار المتسلط علي كل مصر، بل جعله الله أبًا لفرعون وسيدًا لكل بيته
(تك45:8)..
ومثل يوسف الصغير الذي احبه الله وباركه، هكذا كان داود أصغر أخوته.
حدث أن يسى البيتلحملي قد أبناءه السبعة الكبار إلى صموئيل النبي، ليأخذ منهم من يختاره الرب. ولم يختر الرب واحدًا من كل هؤلاء. وقال يسى (بقي بعد الصغير. وهوذا يرعي الغنم) (1صم 16: 11). هذا الصغير الذي لم يعفه أبوه من رعي الغنم في ذلك اليوم، ليحضر معهم إلى الذبيحة ويري النبي العظيم،نعم هذا الصغير هو الذي أمر الرب نبيه أن يمسحه ملكًا (فمسحه وسط أخوته.. وحل روح الرب علي داود من ذلك اليوم فصاعدًا) (1صم16: 13)
ولنذكر أيضًا في محبة الله للصغار: عنايته بالطفل موسى، وبالطفل يوحنا.
موسى الطفل الذي كلن معرضًا للموت مثل سائر الأطفال، وحسب أمر فرعون للقابلتين (خر1: 16).. يرسل له الله ابنة فرعون، فتراه في سفط علي جانب النهر فتحن عليه، وتأخذه إلى القصر الملكي وتتبناه، وتأتي بأمه لترضعه..
ويكبر موسى ويصير نبينًا.
كذلك يوحنا بن زكريا، كان معرضًا في طفولته أن يقتل مثل سائر أطفال بيت لحم.. كيف اعتني به الله فعاش، وصار أعظم من نبي، بل أعظم من ولدته النساء، وصار أيضًا الملاك الذي يهيئ الطريق قدام السيد المسيح (مت11: 9-11).. حقًا ما أعجب محبة الرب للأطفال..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:08 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
محبة الله لصغار المواهب

البابا شنوده الثالث

من اهتمام الله بالصغار - الصغار في المواهب.
http://im32.gulfup.com/nNUzv.gif
كان موسى صغيرًا في مواهبه، حسبما اعترف هو بهذا، واعتذر عن إرسال الرب له. فقال (أنا ثقيل الفم واللسان)، (لست صاحب كلام منذ أمس، ولا أول من أمس) (خر4: 10). وقال أيضًا (أنا أغلف الشفتين) (خر30:6)..

فإذا بهذا الأغلف الشفتين يصير كليم الرب. ومن محبة الرب له، اختار له هرون أخاه لمساعدته، وقال له عن هرون: (هو يكون لك فمًا. وأنت تكون له إلهًا) (خر16:4).. ونقص مواهبه الجسدية لم تمنع اختباره...‍‍‍

وكما اختار الرب موسى الثقيل الفم واللسان، اختار أيضًا ليئة وكانت عيناها ضعيفتين (تك17:29).

وكانت مكروهة من زوجها يعقوب، الذي كان يحب أختها راحيل أكثر منها فلما رأي الرب ذلك عوضها بكثرة البنين. وما أجمل هذه الآية التي تدل عل حنو الرب، إذ يقول الكتاب (ورأي الرب ليئة مكروهة، ففتح رحمها. وأما راحيل فكانت عاقرأ) (تك31:29).. ووهب الله لليئة أن تلد ستة بنين ليعقوب وابنة هي دينة (خر 29: 20: 21).

وكان من بين أبنائها: لأوى، الذي صار منه سبط الكهنوت، ويهوذا الذي منه سبط الملوك. ومن نسله ولد المسيح.

ومن الناحية الأخرى، لما تعبت راحيل بسبب عقمها.

عاد الرب فتحنن عليها، وولدت يوسف وقال (قد نزع الله عادي) (تك29: 22 -24).

ولعل من محبة الله،وتحننه علي صغار المواهب، اختاره لجهال العالم.

وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول (اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. واختار الله ضعاف العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود، ليبطل الموجود، لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه) (1كو27: 29).. ماذا كان الرسول سوي جماعة غالبيتهم من الصيادين..

واختار الرب الرعاة البدو ليبشرهم الملائكة بميلاد المسيح (لو2: 8-14).

واختار مريم المجدلية، التي سبق أن أخرج منها سبعة شياطين، لتكون مبشرة للرسل بالقيامة (مر16: 9، 10)، (يو20: 17، 18).

إنها محبة الرب التي ترفع معنويات الصغير، فيصير كبيرًا..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:10 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
اهتمام الله بصغار النفوس

ومن محبة الله أيضًا: الاهتمام بصغار النفوس.
وهكذا ورد في أقوال الوحي الإلهي (شجعوا صغار النفوس. اسندوا الضعفاء تأنوا علي الجميع (1تس5: 14). ويقول أيضًا (قوموا الأيادي المسترخية والركب المخلعة) (عب12:12).. كل هؤلاء محبة الله ومراحمه تدركهم حتى لا يدركهم اليأس. وأليس هو الذي قيل عنه:
"قصة مرفوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنه لا يطفئ" (مت 12: 20) ( أش42: 4).
إنه يهتم بالفتيلة المدخنة، حتى لا تنهار من صغر النفس، قد تهب عليها ريح بنعمته فتشعلها. وكذلك القصبة المرضوضة قد يعصبها فتستقيم.
ومن اهتمامه بصغار النفوس قوله (ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد).. لحيظة تركتك، وبمراحم عظيمة سأجمعك)
(أوسعي مكان خيمتك.. لأنك تمتدين إلى اليمين وإلى اليسار. ويرث نسلك أممًا، ويعمر مدنًا خربة) (أش54: 1-7).
ومن اهتمامه بصغار النفوس قوله (لأن الرب مسحني لأبشر المساكين، وأرسلني لعصب منكسري القلوب، لأنادي للمسبيين بالعتق، وللمأسورين بالإطلاق) (أش 61: 1).
لعل البعض يقول: من أنا حتى أحشر نفسي وسط رجال الله القديسين؟ نقول له: أحشر نفسك إذن مع الركب المخلعة،
والفتيلة المدخنة، ومع منكسري القلوب..
حقًا، ليس أحد منسيًا أمام الله، مهما كان صغيرًا ومسكينًا ومنكسرًا.
إنه رجاء من ليس له رجاء، عزاء صغيري القلوب، ميناء الذين في العاصف.. لقد عزى بطرس الذي صغرت نفسه بع إنكاره، وبكي بكاء مرًا (مت26: 75)،.. فظهر له بعد القيامة ورفع معنوياته بقوله له (أرع غنمي. أرع خرافي) (يو21: 15- 17).
كذلك ظهر الرب لأبينا يعقوب وهو خائف من أخيه عيسو وقد صغرت نفسه جدًا فعزاه وقواه وباركه (تك28: 32).

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:12 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
اهتمام الله بصغار المركز

من محبة الله أيضًا أنه يهتم بصغار المركز.
راعوث الموآبية، وهي أرملة غربية الجنس، لا مركز لها.. أهتم بها الرب وأعطاها نعمة في عيني بوعز، وصارت جدة لداود النبي. وحمل اسمها أحد أسفار العهد القديم، ودخل اسمها في سلسلة أنساب المسيح (مت 1)
وراحاب الزانية، أهتم بها الرب بعد توبتها وإيمانها، وأدخلها أيضًا في سلسلة الأنساب. حسبما الرسول قي قائمة المشهورين بالإيمان (عب11: 31). وسحل يشوع اسمها وأعطاها أمانًا هي وأهل بيتها (يش2: 1،19)..
إن كان الرب قد أعطي أهمية لراعوث وراحاب، فكذلك منح مركزًا لجدعون.
جدعون هذا لما دعاه الرب ليصنع به خلاصًا، قال وهو شاعر بضآلة شأنه (ها عشيرتي هي الذلى في منسى، وأنا الأصغر في بيت أبي) (قض15:6). ولكن الرب شدده وقوي إيمانه، ومحنه علامات لتقويته، وأراه آيات، وصنع به انتصارًا عظيمًا، وصار من قضاه الشعب، وسجل اسمه في سفر القضاة (قض6-8). وكتب القديس بولس الرسول اسمه ضمن أبطال الإيمان (عب11: 32).. هذا الدي عشيرته هي الذلى في منسى.
بل لننظر إلى بيت لحم، القرية الصغيرة في يهوذا.
علي الرغم من صغرها وضآلة شأنها، إلا أن الرب قد خاطبها قائلًا (وأنت يا بيت لحم، ليست الصغرى بين رؤساء يهوذا. لأن منك يخرج مدبر يرعي شعبي إسرائيل) (مت 2: 6). وصارت بيت لحم هي مدينة داود النبي، ثم المدينة التي ولد فيها السيد المسيح له المجد.. ومنحها الرب عظمه لم تنلها أمهات المدن وعواصم الممالك..
ومن اهتمام الرب بالصغار، أنه أطلق هذا اللقب علي المؤمنين به:
وقال في ذلك (لا تخف أيها القطيع الصغير، لأن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت) (لو12: 32)،. وهذا القطيع الصغير - ربما في عدده هو الذي سيدخل ملكوت السموات. لأن الباب المؤدي إلى الحياة الأبدية هو باب ضيق، (وقليلون هم الذين يجدونه) (مت 14:7).
بودي أن أتحدثك عن اهتمام الرب في محبته بأمور كثيرة صغيرة:
كالأشياء الصغيرة في عددها، أو في قيمتها، أو في حجمها، أو اهتمامه بالمخلوقات الصغيرة في شأنها، أو اهتمامه بالعمل الصغير..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:13 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
اهتمام الله بصغار العدد والقيمة

اهتمام الرب بالصغير في القيمة، وفي العدد.
وفي معجزة إشباع الجموع من الخمس خبزات والسمكتين، نري أن الرب أمسك هذا القليل في يده، وباركه فصار كثيرًا يمكنه إشباع (خمسة آلاف رجل غير النساء والأطفال) (مت14: 21). علي أن العجيب أيضًا، هو قول الرب لتلاميذه (اجمعوا الكسر الفاضلة) (يو6: 12)!! ما قيمة هذه الكسر يا رب حتى تهتم بها؟
إنه شيء معز حقًا، أن يهتم الرب بهذه الكسر الملقاة.
ويأمر تلاميذه القديسين أن يجمعوها في قفف ويحملوها!!
لذلك، قل له (يا رب، إن كنت قد اهتممت بهذه الكسر، فعلي الأقل تهتم بإنسان مثلي، ملقي علي الأرض مثلها، ليحمله لا رسول من رسلك، إنما واحد من تلاميذ تلاميذهم مهما صغر)!!

نلاحظ بالنسبة إلى الخمس خبرات أنها كانت من شعير (يو6: 9).. وقيمته اقل من القمح بلا شك. ولكن الرب لم يحتقر هذه القيمة لأقل، بل منحها بركة إشباع الناس. كذلك تقبل هذه الأرغفة من فتي صغير (a lad). ليرينا في كل ذلك اهتمام بالصغار.
نفس مباركة العد الصغير وردت في معجزة أخري لإشباع أربعة آلاف رجل غير النساء والأطفال من سبعة أرغفة
(قليل من صغار السمك)) (مت15: 34- 38). وجميل هنا أن تجتمع كلمة (قليل) مع كلمة صغار، لنري منهما كيف أن محبة الله لا تحتقر القليل ولا الصغير، بل تعمل بكليهما عملًا.
لعل هذا يذكرنا بانتصارات سمح بها الرب بالقليل والصغير.
داود الفتي الصغير، كان محتقرًا أمام جليات الجبار. ولكنه لم يكن كذلك أمام الله المحب، قيل عنه (ليس عند الرب من أن يخلص بالكثير أو بالقليل) (1صم 14: 6). بل كثيرًا ما يخلص الرب بالقليل، كما فعل مع الفتي داود. ذلك لأن (الحرب للرب) (1صم17: 47)، . الرب يحب أن يحتار الصغار.. ويجعل من داود الصغير بطل الموقف، أكثر من شاول الملك. ويهتف النسوة بالألوف لشاول، وبالربوات لداود (1صم18: 7). ويمجد الرب هذا الفتي الصغير في أعين الكل..
ولنا مثال آخر في قصة انتصار جدعون علي المديانيين.
كان مع جدعون جيش من 32 ألفًا من الجند. ولكن الرب لم يشأ أن ينتصر جدعون بهذا الجيش الكبير، (لئلا يفتخر إسرائيل) (قض7: 2، 3). وأمر بعمل تصفية للجيش، حتى وصل العدد إلى ثلاثمائة فقط (أي 1% فقط من عدد الجيش) (قض7:7). وبهؤلاء فقط، صنع الرب خلاصًا، بهذا العدد الصغير..
اختار البر اثني عشر رسولًا، لنشر بهم الإيمان.
نعم، بهذا العدد القليل، الذين قال لهم (تكونون لي شهودًا في أورشليم، وكل اليهودية، والسامرة، وإلى أقصي الأرض) (أع 1: 8). وحتى لو أضفنا إليهم السبعين تلميذًا (ماذا يكون هذا العدد الصغير، ليكرز بالإنجيل للخليقة كلها) (مر16: 15)، ولكي يتلمذوا جميع الأمم ويعلموهم ويعمدوهم (مت28: 19، 20).

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:14 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
اهتمام الله بالنفس الواحدة

اهتمام الرب بالأشياء الصغيرة نجده أيضًا من أمثلة التوبة:
الدرهم المفقود مثلا، ما قيمته، حتى توقد صاحبته (أي الكنيسة) سراجًا، وتفتش باجتهاد حتى تجده ومتى وجدته تدعو الصديقات والجارات، قائلة افرحن معي ن لأني وجدت الدرهم أضعته (لو 15: 8، 9).
أنه ليس ديناراً، ولا قطعه ذهبيه، ولا حتى فضية.. بل هو مجرد درهم.. ولكن محبه الله تشمل الصغار مهما كانت قيمتهم تبدو ضئيلة!
إن اهتمام الرب بالنفس الواحدة، دليل على محبته الفائقة:
حتى لو كانت نفس زكا العشار (لو 19) أو مريم المجدلية التي اخرج منها سبعة شياطين (لو 8)، أو حتى لو كانت نفس المرأة المضبوطة في ذات الفعل (يو 8)،.. أو كانت نفس ذلك الخروف الواحد الضال، الذي من أجل إرجاعه ترك التسعة والتسعين، وبحث عنه حتى وجده، وحمله على منكبيه فرحا، ودعا الأصدقاء والجيران، قائلا افرحوا معي.. لأنه يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب (لو 15: 4-10).
إن الله لم يقصر محبته علي الإنسان وحده، بل اهتم بالخليقة كلها.
هوذا يقول عن عنايته هذه (تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو: لا تتعب، ولا تغزل. ولكن أقول لكم ولا سليمان في مجده، كان يلبس كوحدة منها) (مت6: 28، 29).. نعم، ما هذا الجمال كله الذي وهبه الله لهذه الزهور والورود، في متنوع ألوانها وفي رائحتها، وفي مقدار العطر المخزون فيها، والشهد المأخوذ منها..!!

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:16 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
اهتمام الله بالطير

ثم ما أعجب اهتمام الرب بالطير..
قال الرب (أليس عصفورًا يباعان بفلس، وواحد منها لا يسقط علي الأرض بدون أبيكم) (مت10:29). هذه العصافير التي ثمنها زهيد جدًا، لا يسقط واحد منها علي الأرض بدون سماح من الله الآب.. فإن كان عصفوران بفلس، يكون أربعة منها بفلسين. ولكنه يقول أليست خمسة عصافير تباع بفلسين، وواحد منها ليس منسيًا أمام الله) (لو12:6).
أي أن الواحد الذي يمكن أن يوهب مجانًا في سعر الجملة، إذا اشتري منها الشاري بفلسين.. هذا الواحد الذي لا قيمة له ولا ثمن، ليس منسيًا أمام الله.. ما أعجب الله في حنوه. فإن كانت هكذا عنايته بالعصافير، فكم بالأولي البشر الذين هم أفضل من عصافير كثيرة (لو2:7).
ونضرب هنا مثالين لعناية الله بالطير.

يقول الرب (انظروا إلي طيور السماء: إنها لا تزرع ولا تحصد، ولا تجمع إلي مخازن، وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحري أفضل منها) (مت6: 26) (لو12:24). ويقول المزمور عن الرب (المعطي البهائم طعامها، ولفراخ الغربان التي تدعوه) (مز147:9).
في إحدى المرات وأنا في الدير، أخذت درسًا عن إيمان وقناعة العصافير.
كنت واقفًا أمام قلايتي. وكانت حفنة أو أكثر من القمح قد وقعت علي الأرض. وجاءت العصافير: كان كل عصفور يلتقط حبتين أو ثلاثًا، ويطير تاركًا هذا الكنز من الطعام مكانه، وله إيمان أن الله سيقوته حيثما طار. وهنا تذكرت قول الرب عن العصافير (ولا تجمع إلي مخازن).. حقًا إن إيمان العصفور أعمق بكثير من اجتهاد النملة.. هذه العصافير التي لا تهتم بما للغد، ولا بما لباقي اليوم..
أما عن حماية الله للعصافير.
فيعجبني جدًا قول المزمور (نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ انكسر ونحن نجونا. عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض) (مز24:7،8).. حقًا، لا يسقط واحد منها بدون أبيكم..
وهناك لمسة حنان يقولها الرب بالنسبة إلي الطيور.
يقول في سفر التثنية (إذا اتفق قدامك عش طائر في الطريق، في شجرة ما أو علي الأرض، فيه فراخ أو بيض، والأم حاضنة الفراخ أو البيض، . فلا تأخذ الأم مع الأولاد. أطلق الأم وخذ لنفسك الأولاد، لكي يكون لك خير وطول أيام) (تث 22: 6، 7). نلاحظ أن هنا وعدًا بالبركة، لمن تكون له هذه اللمسة الإنسانية.
ولعل اهتمام الله الحنون بالمشاعر التي بين الأم والأولاد في عالم الحيوان، قوله أيضًا (لا تطبخ جديًا بلبن أمه) (خر23:19).

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:18 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
اهتمام الله بالحيوان

أما شفقة الله علي الحيوان، فلها أمثلة عديدة جدًا:
لعل من أقدم أمثلتها أنه أدخل جميع الحيوانات إلي الفلك، اثنين من كل، ذكرًا واثني، لاستبقائها، سواء من الحيوانات الطاهرة أو غير الطاهرة (تك6:19-21) وأخذ نوح معه طعامها في الفلك. ولكي لا تنقرض الحيوانات الطاهرة التي ستقدم منها الذبائح والمحرقات، أخذ منها سبعة، ذكرًا وأنثي (تك7:2،3).
ومن اهتمام الله بالحيوان شفقته علي حماربلعام (عد22).
ومن شفقة الله علي الحيوان إراحته في اليوم السابع.
وفي ذلك قال الرب في الوصايا العشر (وأما اليوم السابع، فسبت للرب إلهك. لا تعمل فيه عملًا ما، أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك، وثورك وحمارك وكل بهائم) (تث5:14). كما أن الإنسان يتعب ويحتاج إلي يوم راحة في الأسبوع، كذلك عبده، وبهائمه..
بل بلغ الأمر في رحمة الله بخليقته أن يمنح الراحة للأرض أيضًا.
وهكذا قال (ست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها. أما في السنة السابعة فتريحها، وتتركها ليأكل فقراء شعبك، وفضلتهم تأكلها وحوش البرية. كذلك تفعل بكرمك وزيتونك) (ستة أيام تعمل عملك. وأما اليوم السابع، ففيه تستريح، لكي يستريح ثورك وحمارك، ويتنفس ابن أمتك والغريب) (خر23:10-12).

وهنا نري أن الرب في محبته وحنانه، قد منح الراحة للإنسان والحيوان والأرض. وبالنسبة إلي الإنسان منحها لأهل البيت وللغريب وللعبيد.
ما أكثر الأمثلة التي تظهر حنو الله علي الحيوان، نذكر منها قوله: (لا تحرث علي ثور وحمار معًا) (تث22: 10).
الثور بلا شك أقوي من الحمار، وأشد. وأسرع منه حركة، فإن حرث معه، سيرهقه تمامًا، لأن الحمار لا يستطيع أن يجاريه. والله لا يريد للحمار هذا الإرهاق، إشفاقًا عليه وحنوًا.
ولذلك عندما دخل أورشليم يوم أحد الشعانين، قيل عنها (هوذا ملك يأتيك وديعًا، راكبًا علي أتان وجحش بن أتان) (مت21:5). ذلك لكي يريح أحدهما الآخر. ربما يركب الأتان في الطريق الصعبة، والجحش في الطريق السهلة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وما أكثر تواضع الرب في قوله عن هذين الحيوانين (قولا أن الرب محتاج إليهما) (مت21:3).
ومن حنان الرب علي الحيوان قوله (لا تكم ثورًا دارسًا) (تث25:4).
الثور في وقت دراسة الفول أو القمح أو الشعير، يجهد فيجوع، فيمد فمه إلي الحبوب ويأكل منها، ليأخذ طاقة تساعده علي إكمال عمله. وهنا يأمر الله أن لا توضع كمامة علي فم الثور تمنعه من الأكل أثناء العمل وبذل الجهد..! ما هذه المحبة والحنان!
ومن حنان الله، لإنقاذ الحيوان إن وقع.
ومن ذلك يقول (لا تنظر حمار أخيك أو ثوره واقعًا في الطريق وتتغاضى عنه بل تقيمه معه لا محالة) (تث22: 4). بل يقول أكثر من هذا: (إذا رأيت حمار مبغضك واقعًا تحت حمله وعدلت عن حله، فلا بد أن تحل معه) (خر23: 5). وهنا يأمر بمحبة الحيوان، وأيضا بمحبة العدو.
بل من أجل إنقاذ الحيوان، يوجب العمل في يزم السبت. فيقول (أي إنسان منكم يكون له خروف واحد. فإن سقط هذا في حفرة في يوم السبت، أفما يمسكه ويقيمه؟! (مت12: 11).
ويقول كذلك (لا تنظر ثور أخيك أو شاته شاردًا وتتغاضى عنه، بل ترده إلى أخيك لا محالة.. وهكذا تفعل بحماره) (تث22: 1، 3).
وقد امتدح الله بعض هذه الحيوانات، فيما تفعله أفضل من الإنسان.
فقال موبخًا إسرائيل (الثور يعرف قانيه، والحمار معلف صاحبة. أما إسرائيل فلا يعرف. شعبي لا يفهم!!)
(أش1: 3). وقال عن النملة (اذهب إلى النملة أيها الكسلان. تأمل طرقها وكن حكيما.. تعد في الصيف طعامها، وتجمع الحصاد أكلها..) (أم6:6).
لا ننسى أيضًا المواهب العجيبة التي منحها الله للنحل..


الساعة الآن 09:56 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025