![]() |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
https://upload.chjoy.com/uploads/17502450344441.jpg اللهم في القدس طريقك أي اله عظيم مثل الله انت الاله صانع العجائب عرفت بين الشعوب قوتك انت الاله صانع العجائب أي اله عظيم مثل الله |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
https://upload.chjoy.com/uploads/17502450344441.jpg اللهُمَّ نبذتنا وكسرتنا وغضبت لكن عد الينا زلزلت الأرض صَدَّعتَها إنَّها متزعزعةٌ فداوي صدوعها، أعطيت مُتَّقيكَ رايةً ليهربوا من وجه الأقواس لكي يخلص أحباؤك، خلّص بيمينك واستجب لنا |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
https://upload.chjoy.com/uploads/17502450344441.jpg اللّهُمَّ نَمْدَحُكْ وَنَعْتَرِفُ بِكَ وَكَذلِكَ الأَرْضُ تَسْجُدُ لَكَ - أَيُّها الآبُ السَّماوي - ها هُوَذا مَلائِكَةُ السَّما * وَقُوّاتُها تُمَجِّدُكْ الكاروبيمْ والسّاروفيمْ يَصْرُخونَ نَحْوَكَ - صُراخاً مُتَّصِلاً ثُلاثِيِّ التَّقْديسِ قائِلينْ: - قُدّوسْ * قُدّوسْ، قُدّوسُ الرَّبُّ إِلهُ الصَّباؤوتْ. - السَّماءُ وَالأَرْضُ مَمْلوءَتانْ * مِنْ جَلالِ مَجْدِكْ وَكَذلِكَ مَصافُ الرُّسُلْ - يَمْدَحُكْ - وَعَدَدُ الأَنْبِياءْ * المَمْدوحْ مَعَ كَوْكَبِ الشُّهَداءْ - المُنيرينْ - أَمّا الكَنيسةُ المُقَدَّسَة / فَإِنَّها تَعْتَرِفُ بِكَ * في العالَمِ كُلِّهِ، يا أَبا الجَلالْ - الذي لا قِياسَ لَهُ. - يا أَيُّها الإِبْنُ الحَقيقِيْ * المُبَجَّلْ يا روحَ القُدّوسِ البارَقليطْ - المُعَزّي - أَنْتَ هُوَ مَلِكُ المَجْدْ * يا أَيُّها المَسيحْ. حَقّاً أَنْتَ هُوَ ابْنُ الآبْ - السَّرْمَدِيْ - الذي لَمّا جِئْتَ لِخَلاصِنا / صِرْتَ إِنْساناً * وَلَمْ تَكْرَهْ ذَلِكَ المُسْتَوْدَعَ الطّاهِرَ البَتولِيْ. حَتّى إِذا غَلَبْتَ شَوْكَةَ المَوْتْ - فَتَحْتَ بابَ المَلَكوتِ السَّماوِيْ، أَمامَ المُؤْمِنينْ. 10. يا أَيُّها الجالِسْ / مِنْ عَنْ يَمينِ الله * في مَجْدِ الآبْ. بِما أَنَّكَ الدَّيّانُ الآتي - كَما أَنَّنا بِهذا مُعْتَقدونْ. 11. ها هوَذا نَسْأَلُكَ/أَنْ تُعينَ عَبيدَكَ * الذينَ افْتَدَيْتَهُمْ بِالدَّمِ الثَّمينْ. إحْصِهِمْ مَعْ قِدّيسيكْ - في المَجْدِ الدّائِمْ. 12. خَلِّصْ يا رَبْ شَعْبَكْ * وَبارِكْ ميراثَكْ. دَبِّرْهُمْ وَارْفَعْهُمْ - إِلى الدَّهْرْ. 13. إِنّنا نُبارِكُكْ * كُلَّ يَوْمٍ. وَنُسَبِّحُ اسْمَكَ إِلى الأَبَدْ - وإِلى أَبَدِ الآبِدينْ. . نَسْأَلُكَ يا رَبْ / أَنْ تَصونَنا في هذا النَّهارْ * مِنْ كُلِّ خَطيئة. إِرْحَمْنا يا رَبُّ - إِرْحَمْنا . وَلْتَكُنْ رَحْمَتُكَ عَلَيْنا يا رَبْ * كَمِثْلِ اتِّكالِنا عَلَيْكَ. قَدْ تَوَكَّلْتُ عَلَيْكَ يا رَبْ - فَلَنْ أَخْزى إِلى الأَبَدْ. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
https://upload.chjoy.com/uploads/17502450344441.jpg اللي المسيح عمله زمان لسه النهاردة بيعمله يشفي العلل يحيي الأمل في القلب لما بيدخله - تعال حالاً للمسيح سلم حياتك واقبله ده مافيش سلام ولا في أمان ولا في أمل لو تهمله - يغفر ذنوب ينسى العيوب ويحل فيك ويطهرك يملاك سلام يملاك إيمان يملاك فرح ويغيرك - حتى السما يضمنها ليك ودي تبقى أحسن معجزة أوعى الشيطان يضحك عليك دا مافيش وراه إلا الأذى |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
https://upload.chjoy.com/uploads/17502450344441.jpg اللي أنا باعبده حي اللي انا باعبده يقدر قال في وعوده أنا جاي ولا مرة بيتأخر - قاللي أنا جاي قوام وآديك يا ابني سلام وأشيل كل آلامك دا أنا إلهك حي - قاللي في وسط أنينك في الحال يا ابني اجيلك واكون يا ابني سنيدك انا الهك حي - قاللي انا عيني عليك ليل ونهارك باراعيك وفي جنبي باداريك دا انا الهك حي - قاللي في نار ماتخافيش وفي جب ماترهبش وع المية هاتمشي دا انا الهك حي |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
قاللي أنا جاي قوام وآديك يا ابني سلام وأشيل كل آلامك دا أنا إلهك حي |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
https://upload.chjoy.com/uploads/17502450344441.jpg اللي انت عملته معايا عظيم وانا شاكر افضالك طلعتني من قلب الضيق الرحب بسلطانك انقاذك ليا عظيم وانا شوفت ايديك بتشيلني صالح انت وحكيم معاملاتك بتخجلني تخطيط العدو فشلان علشان انت اللي واعدني في الضيق ايماني بيبان والكلمه ترن في ودني انا هاحكي عن اختبار انك جبار بتحامي وبتحمي من الاخطار يايسوع سترك عنواني |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
https://upload.chjoy.com/uploads/17502450344441.jpg زواج شمشون بأممية أصر شمشون أن يتزوج بأممية بالرغم من عدم رضا والديه في البداية، وقد أُقيمت وليمة لمدة سبعة أيام قدم فيها أحجية تعّرف عليها الفلسطينيون خلال زوجته. وقد حملت قصة زواجه أمورًا روحية عميقة. 1. زواجه بأممية: 1 وَنَزَلَ شَمْشُونُ إِلَى تِمْنَةَ، وَرَأَى امْرَأَةً فِي تِمْنَةَ مِنْ بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. 2 فَصَعِدَ وَأَخْبَرَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَقَالَ: «قَدْ رَأَيْتُ امْرَأَةً فِي تِمْنَةَ مِنْ بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَالآنَ خُذَاهَا لِيَ امْرَأَةً». 3 فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ: «أَلَيْسَ فِي بَنَاتِ إِخْوَتِكَ وَفِي كُلِّ شَعْبِي امْرَأَةٌ حَتَّى أَنَّكَ ذَاهِبٌ لِتَأْخُذَ امْرَأَةً مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ الْغُلْفِ؟» فَقَالَ شَمْشُونُ لأَبِيهِ: «إِيَّاهَا خُذْ لِي لأَنَّهَا حَسُنَتْ فِي عَيْنَيَّ». 4 وَلَمْ يَعْلَمْ أَبُوهُ وَأُمُّهُ أَنَّ ذلِكَ مِنَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ عِلَّةً عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ كَانَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ مُتَسَلِّطِينَ عَلَى إِسْرَائِيلَ. "ونزل شمشون إلى تمنة ورأى امرأة في تمنة من بنات الفلسطينيين، فصعد وأخبر أباه وأمه وقال: قد رأيت امرأة في تمنة من بنات الفلسطينيين، فالآن خذاها ليّ امرأة... ولم يعلم أبوه وأمه أن ذلك من الرب، لأنه كان يطلب علة على الفلسطينيين" [1-2، 4]. "تمنة" اسم عبري معناه (قسم معين)، وهي مدينة على حدود أراضي يهوذا، أُعطيت بعد ذلك لسبط دان (يش 19: 43)، كان يقطنها فلسطينيون، تسمى حاليًا تبنة، على هضبة تعلو 740 قدمًا عن سطح البحر، لذلك فهي أقل ارتفاعًا من صرعة مدينة شمشون والتي تعلو 1500 قدمًا عن سطح البحر، لذا يقول: "نزل شمشون". وهي تبعد حوالي 3 أميال جنوب غربي بيت شمس. على خِلاف الشريعة التي تمنع الزواج بالأمميات (خر 34: 15-16) ومصاهرتهم (تث 7: 3-4) نزل شمشون إلى تمنة ليتزوج بامرأة فلسطينية يقول عنها القديس أغسطينوس أنها زانية، إن لم تكن جسديًا فهي زانية روحيًا بعبادتها الوثنية. لقد أصر شمشون أن يأخذ هذه الأممية بالرغم من رفض أبويه مبدئيًا، وإذ أعلن أنها حسنت في عينيه رضخ الأبوان وهما لا يعلمان "أن ذلك من الرب" [4]، إذ حول رغبة شمشون في الزواج من الغلف ليكون علة لهلاكهم. حمل هذا العمل رمزًا لعمل السيد المسيح، الذي نزل لا إلى "تمنة" أي إلى (قسم معين)، وإنما إلى الأرض ليخطب لنفسه من بين الأمم عروسًا هي كنيسته الممتدة من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها. نزل ليخطب البشرية لنفسه روحيًا، الأمر الذي لم تسترح له خاصته (جماعة اليهود) إذ لم يعلموا أن الأمر إلهي من قبل السماء عينها. 5 فَنَزَلَ شَمْشُونُ وَأَبُوهُ وَأُمُّهُ إِلَى تِمْنَةَ، وَأَتَوْا إِلَى كُرُومِ تِمْنَةَ. وَإِذَا بِشِبْلِ أَسَدٍ يُزَمْجِرُ لِلِقَائِهِ. 6 فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، فَشَقَّهُ كَشَقِّ الْجَدْيِ، وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ. وَلَمْ يُخْبِرْ أَبَاهُ وَأُمَّهُ بِمَا فَعَلَ. 7 فَنَزَلَ وَكَلَّمَ الْمَرْأَةَ فَحَسُنَتْ فِي عَيْنَيْ شَمْشُونَ. 8 وَلَمَّا رَجَعَ بَعْدَ أَيَّامٍ لِكَيْ يَأْخُذَهَا، مَالَ لِكَيْ يَرَى رِمَّةَ الأَسَدِ، وَإِذَا دَبْرٌ مِنَ النَّحْلِ فِي جَوْفِ الأَسَدِ مَعَ عَسَل. 9 فَاشْتَارَ مِنْهُ عَلَى كَفَّيْهِ، وَكَانَ يَمْشِي وَيَأْكُلُ، وَذَهَبَ إِلَى أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَأَعْطَاهُمَا فَأَكَلاَ، وَلَمْ يُخْبِرْهُمَا أَنَّهُ مِنْ جَوْفِ الأَسَدِ اشْتَارَ الْعَسَلَ. إذ نزل شمشون ووالديه إلى تمنة وأتوا إلى كرومها "وإذا بشبل أسد يزمجر للقائه، فحلّ عليه روح الرب فشقه كشق الجدي وليس في يديه شيء، ولم يخبر أباه بما فعل، فنزل وكلم المرأة فحسنت في عيني شمشون. ولما رجع بعد أيام لكي يأخذها مال لكي يرى رمة الأسد، وإذا دبرُ من النحل في جوف الأسد مع عسل، فاشتار منه على كفيه وكان يمشي ويأكل وذهب إلى أبيه وأمه وأعطاهما فأكلا ولم يخبرهما أنه من جوف الأسد اشتار العسل" [5-9]. ما هي كروم تمنة إلاَّ كرم الله نفسه، الذي نزل إليه الكلمة الإلهي ليخطب عروسه الكنيسة المقدسة. لقد نزل شمشون وقبل أن يلتقي بالمرأة كان مع والديه، وإذا به يلتقي مع شبل الأسد الجائع، كان يزمجر ليفترس، وكأنه بالسيد المسيح الذي كان بين خاصته اليهود قبل أن يلتقي بعروسه الأممية في أصلها، وقد التقى بإبليس الذي يجول كأسد مزمجر ملتمسًا من يبتلعه (1 بط 5: 8)، وإذ به يشقه بيديه حين بسطهما على الصليب. وكما لم يخبر شمشون والديه بالأمر، هكذا لم يستطع أن يتعرف اليهود -خاصة المسيح- على سرّ الصليب، أو سرّ غلبة المسيح على إبليس. لقد عاد للمرة الثانية ليأخذ امرأته التي سبق فخطبها، وإذ مال لكي يرى جثة الأسد وإذا به دبرُ من النحل في جوف الأسد مع عسل. لقد جفت رمة الأسد سريعًا وسكنها النحل وأخرج عسلًا، فاشتار منه أي جمع العسل واستخرجه من وقبه، وحمله على كفيه وكان يمشي ويأكل وقدم لوالديه ولم يخبرهما ربما لكي لا يكشف الأمر حتى يقدم الأحجية الخاصة بهذا العسل، أو ربما لأنه خشى أن يمتنعا عن أكله لأنه مستخرج من جيفة ميتة، أو خشى أن يحزنا لأنه نذير ولا يليق به أن يلمس جيفة لئلا يتنجس. على أي الأحوال إن كان بالصليب قد مات بالحقيقة سلطان الأسد أي إبليس وصار جثة هامدة بالنسبة للمؤمنين، فقد قدم لنا نحن المؤمنين عسل أسرار محبة الله الفائقة، ننعم بها خلال يدي شمشون الحقيقي، يسوع المسيح. وقد أكل منه والديه أي خاصته اليهودية، إذ صار من بينهم مؤمنون به. جذبت هذه القصة الواقعية فكر الآباء بكونها رمزًا لعمل السيد المسيح الخلاصي، فتحدثوا عن مفهومها الروحي، وفيما يلي بعض مقتطفات من كلمات القديس أمبروسيوس في هذا الشأن: * وُلد شمشون بوعد إلهي، ورافقه الروح (قض 13: 25)... وهكذا إذ تظلل بالسر العتيد طلب له زوجة من الغرباء، وكما هو مكتوب لم يعرف أبوة وأمه السبب، وكان الأمر من قبل الرب. حقًا يبدو شمشون أقوى من الآخرين لأن روح الرب قاده، وتحت قيادته حارب الشعب الغريب بمفرده، وفي وقت آخر وقف أمام هجمات الأسد العنيفة ومزقه بيديه بطريقة فائقة. ليته حافظ على النعمة بالقوة التي بها غلب الوحش المفترس! * الشعب الأممي الذي آمن صار له العسل؛ الشعب الذي كان قبلًا تحت العبودية صار الآن شعب المسيح. القديس أمبروسيوس * يا له من سرّ إلهي! يا له من سرّ واضح! لقد هربنا من القاتل وغلبنا القوي. صار لنا طعام الحياة في ذات الموضع الذي كان قبلًا جائعًا لموتنا المزري! لقد تحولت المخاطر إلى سلام، والمرارة إلى حلاوة، وجاءت النعمة عوض العصيان والقوَى خلال الضعف، والحياة بدل الموت! * قتل شمشون كيهودي هذا الأسد فوجد في جوفه عسلًا، رمزًا للميراث الذي يخلص. القديس أمبروسيوس * قال بعض الآباء أن الأسد يُشير إلى المسيح ربنا، هذا الأمر لائق جدًا. فبالنسبة لنا نجد في فم المسيح بعد موته طعامًا من العسل، لأنه أي شيء أحلى من كلمة الله...؟! يمكن أيضًا فهم الأسد على أنه الأمم الذين آمنوا، إذ كانوا قبلًا جسدًا باطلًا، والآن صاروا جسد المسيح الذي فيه خزن الرسل -كنحل- عسل الحكمة الذي جمعوه من ندى السماء ومن أزهار النعمة الإلهية. .وهكذا جاء طعام من فم الذي مات، إذ كان الأمم قبلًا شرسين كالأسود لكنهم إذ قبلوا كلمة الله التي تسلموها بقلب ورع أنتجوا ثمر الخلاص. * شمشون يرمز للشعب اليهودي الذي قتل السيد المسيح عندما طلب الاتحاد المرغوب فيه مع الكنيسة. بالتأكيد لم يثبت اتحاد الكنيسة مع المسيح قبلما يموت الأسد الخارج من سبط يهوذا. لذلك فإن ربنا هو ذات الأسد الذي غُلبَ وغلب. غُلبَ حين قتله اليهود، لكنه غلب بنصرته على الشيطان بموته على الصليب... * لنكن طعامًا لله (عسلًا في أحشاء الأسد) حتى لا نكون طعامًا للحية، فإذ يأكلنا المسيح (نصير عسلًا) حتى لا يلتهمنا الشيطان (فنكون ترابًا). القديس أغسطينوس * عندما وُجد العسل في فم الأسد، يفهم أنه تعاليم المسيح، إذ نقرأ "ما أحلى قولك (مواعيدك) لحنكي أحلى من العسل لفمي" (مز 119: 103). حقًا كما يأتي النحل إلى خلية العسل هكذا يسرع جماعات المسيحيين إلى تعاليم المسيح كما إلى خلية العسل الحلوة. القديس أغسطينوس. 3. أحجبته لأصحابه: 10 وَنَزَلَ أَبُوهُ إِلَى الْمَرْأَةِ، فَعَمِلَ هُنَاكَ شَمْشُونُ وَلِيمَةً، لأَنَّهُ هكَذَا كَانَ يَفْعَلُ الْفِتْيَانُ. 11 فَلَمَّا رَأُوهُ أَحْضَرُوا ثَلاَثِينَ مِنَ الأَصْحَابِ، فَكَانُوا مَعَهُ. 12 فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: «لأُحَاجِيَنَّكُمْ أُحْجِيَّةً، فَإِذَا حَلَلْتُمُوهُا لِي فِي سَبْعَةِ أَيَّامِ الْوَلِيمَةِ وَأَصَبْتُمُوهَا، أُعْطِيكُمْ ثَلاَثِينَ قَمِيصًا وَثَلاَثِينَ حُلَّةَ ثِيَابٍ. 13 وَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَحُلُّوهَا لِي، تُعْطُونِي أَنْتُمْ ثَلاَثِينَ قَمِيصًا وَثَلاَثِينَ حُلَّةَ ثِيَابٍ». فَقَالُوا لَهُ: «حَاجِ أُحْجِيَّتَكَ فَنَسْمَعَهَا». 14 فَقَالَ لَهُمْ: «مِنَ الآكِلِ خَرَجَ أُكْلٌ، وَمِنَ الْجَافِي خَرَجَتْ حَلاَوَةٌ». فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَحُلُّوا الأُحْجِيَّةَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. 15 وَكَانَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ أَنَّهُمْ قَالُوا لامْرَأَةِ شَمْشُونَ: «تَمَلَّقِي رَجُلَكِ لِكَيْ يُظْهِرَ لَنَا الأُحْجِيَّةَ، لِئَلاَّ نُحْرِقَكِ وَبَيْتَ أَبِيكِ بِنَارٍ. أَلِتَسْلِبُونَا دَعَوْتُمُونَا أَمْ لاَ؟» 16 فَبَكَتِ امْرَأَةُ شَمْشُونَ لَدَيْهِ وَقَالَتْ: «إِنَّمَا كَرِهْتَنِي وَلاَ تُحِبُّنِي. قَدْ حَاجَيْتَ بَنِي شَعْبِي أُحْجِيَّةً وَإِيَّايَ لَمْ تُخْبِرْ». فَقَالَ لَهَا: «هُوَذَا أَبِي وَأُمِّي لَمْ أُخْبِرْهُمَا، فَهَلْ إِيَّاكِ أُخْبِرُ؟». 17 فَبَكَتْ لَدَيْهِ السَّبْعَةَ الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا كَانَتْ لَهُمُ الْوَلِيمَةُ. وَكَانَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ أَنَّهُ أَخْبَرَهَا لأَنَّهَا ضَايَقَتْهُ، فَأَظْهَرَتِ الأُحْجِيَّةَ لِبَنِي شَعْبِهَا. 18 فَقَالَ لَهُ رِجَالُ الْمَدِينَةِ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ: «أَيُّ شَيْءٍ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَمَا أَجْفَى مِنَ الأَسَدِ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «لَوْ لَمْ تَحْرُثُوا عَلَى عِجْلَتِي، لَمَا وَجَدْتُمْ أُحْجِيَّتِي». 19 وَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ فَنَزَلَ إِلَى أَشْقَلُونَ وَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَلاَثِينَ رَجُلًا، وَأَخَذَ سَلَبَهُمْ وَأَعْطَى الْحُلَلَ لِمُظْهِرِي الأُحْجِيَّةِ. وَحَمِيَ غَضَبُهُ وَصَعِدَ إِلَى بَيْتِ أَبِيهِ. 20 فَصَارَتِ امْرَأَةُ شَمْشُونَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي كَانَ يُصَاحِبُهُ. صنع شمشون وليمة في بيت العروس وكان والده حاضرًا وأيضًا ثلاثون من الأصحاب الفلسطينيين، فسألهم شمشون أن يقدم لهم أحجية، فإن فَسَّروها خلال أيام العرس السبعة يُعطي لكل واحد من الثلاثين قميصًا (صدرية من الكتان كملبس داخلي)، وحلة ثياب وهي خاصة بحضور الولائم والمناسبات عوض الثوب اليومي. وإن لم يفسروها يلتزم كل واحد منهم بتقديم حلة لشمشون. وإذ أجابوا بالقبول قال لهم: "من الآكل خرج أكل، ومن الجافي خرجت حلاوة" [14]. صاروا يتشاورون ثلاثة أيام فلم يستطيعوا حلّ الأحجية [14]، وكان في اليوم السابع أنهم هددوا المرأة، قائلين: "تملقي رجلك لكي يُظهر لنا الأحجية لئلا نحرقك وبيت أبيك بنار. ألتسلبونا دعوتمونا أم لا" [15]. بكت المرأة أمام شمشون مدعية أنه يكرهها ولا يحبها حتى أخفى عنها سرّ الأحجية. فقال لها: "هوذا أبي وأمي لم أخبرهما فهل إياكِ أخبر؟!" [16]. وإذ بكت لديه السبعة أيام التي للوليمة أخبرها في اليوم السابع لأنها ضايقته، فأظهرت التفسير لبني شعبها. وعند غروب الشمس جاء الرجال يقولون: "أي شيء أحلى من العسل؟! وما أجفى من الأسد؟!" [18]. فقال لهم: "لو لم تحرثوا على عجلتي لما وجدتم أحجيتي" [18]. بهذا القول أوضح لهم أنه عرف بأنهم تعلموا حلّ الأحجية من امرأته التي ضغطوا عليها كما بمحراث حتى أخرجوا ما بداخلها كالأرض المحروثة يظهر ما في باطنها. وإذ قال هذا "حلّ عليه روح الرب" [19]، فنزل إلى أشقلون وقتل ثلاثين رجلًا وأتى بحللهم لمظهري الأحجية، وحمى غضبه وصعد إلى بيت أبيه بينما صارت امرأته لصاحبه. هذا الحدث يكشف لنا عن قول الكتاب: "ولم يعلم أبوه وأمه أن ذلك من الرب، لأنه كان يطلب علة على الفلسطينيين" [4]. فقد تحولت أيام الوليمة إلى مناحة عوض الفرح إذ كانت امرأته تبكي كل يوم وتسأله عن تفسير الأحجية حتى ضيقت عليه جدًا في اليوم الأخير... وهكذا لم تكن وليمة ولا كانت فرحًا بل غمًا عليها هي وبني شعبها. هذا وكان الرجال في حيرة وارتباك طوال الأسبوع حتى اضطروا إلى تهديد العروس البائسة. وانتهت الوليمة بمقتل ثلاثين من الرجال وسلب حللهم، وانطلق شمشون إلى بيت أبيه وصارت امرأته لصاحبه!! أي عرس هذا؟! هذا ولا ننسى تأكيد الكتاب أن روح الله كان يحركه، إذ قيل "فكبر الصبي وباركه الرب وابتدأ روح الرب يحركه" (قض 13: 24-25)؛ وعند قتل الأسد قيل: "فحلّ عليه روح الرب فشقه" [6]، وعند نزوله لأرض أشقلون لقتل الأعداء قيل: "وحلّ عليه روح الرب" [19]... فإن كنا نسمع بعد ذلك أن سرّ قوته في شعره، إنما لأن الشعر كان إشارة إلى تكريسه للرب ونذر حياته له، فالقوة ليست في الشعر ذاته وإنما في روح الرب الذي يحركه. لقد عبر القديس أغسطينوس عن هذا بقوله: [لقد جاءت القوة التي لشمشون أيها الأعزاء المحبوبون من نعمة الله أكثر من الطبيعة. فلو كانت قوته في الطبيعة لما فارقته عند حلق شعره. إذن أين كانت قوته العظيمة جدًا إلاَّ فيما قاله الكتاب المقدس: "روح الرب يحركه" (قض 13: 25). قوته إنما ترجع إلى روح الرب، أما شمشون فكان إناءً، والملء هو في الروح. الإناء يمكن أن يكون ملآنا أو فارغًا؛ هذا ولكل إناء كماله من آخر. هكذا كانت النعمة تُمتدح عندما دُعي بولس إناءً مختارًا!]. يعلق القديس أغسطينوس على زواج شمشون من هذه المرأة الوثنية وإقامة الوليمة وتقديم أحجيته لأصحابه وكشف سرها للمرأة بقوله: [الزانية التي تزوجها شمشون هي الكنيسة التي كانت قد ارتكبت الزنى مع الأوثان قبل أن تتعرف على الله الواحد، هذه التي أتحد بها السيد المسيح بعد ذلك. على أي الأحوال إذ استنارت وقبلت منه الإيمان تأهلت لتعلم أسرار الخلاص منه، فقد كشف لها أسرار الخفيات السماوية. أما بخصوص السؤال الذي ضُمر في الكلمات: "من الآكل خرج أكل ومن الجافي خرجت حلاوة" [14]، ماذا يعني هذا إلاَّ السيد المسيح نفسه القائم من الأموات؟! حقًا من الآكل أي من الموت الذي التهم كل شيء وابتلعه، جاء منه الطعام القائل: "أنا هو الخبز الذي نزل من السماء" (يو 6: 41). لقد اهتدى الأمم وقبلوا حلاوة الحياة من ذاك الذي حمل ظلم البشرية بمرارة، والذي قدمت له خلًا مرًا ومرارة ليشربها. هكذا خرج من فم الأسد الميت أي من موت السيد المسيح الذي ربض ونام كأسد دبرٌ من النحل، أي جماعة من المسيحيين. وعندما قال شمشون: "لو لم تحرثوا على عجلتي لما وجدتم أحجيتي" [18]، فإن هذه العجلة هي الكنيسة التي صارت لها أسرار إيماننا معلنة لها بواسطة رجلها. فبواسطة تعاليم الرسل والقديسين وخلال كرازتهم انتشرت أسرار الثالوث والقيامة والدينونة وملكوت السموات والوعد بالمكافأة بالحياة الأبدية إلى أقاصي الأرض]... ويعلق القديس أمبروسيوس على قول الكتاب: "فلم يستطيعوا أن يحلوا الأحجية في ثلاثة أيام" [14] وبقوا حتى اليوم السابع بقوله: [لم يكن ممكنًا أن تعرف الأسرار إلاَّ بإيمان الكنيسة في اليوم السابع، الوقت الذي فيه يكمل الناموس (رقم 7 يشير للكمال) بعد آلام المسيح (أي بعد ثلاثة أيام دفنه)، لهذا نجد الرسل كانوا غير قادرين أن يفهموا "لأن يسوع لم يكن قد مُجد بعد" (يو 7: 39)]. كان لا بُد للرجال أن ينتظروا ثلاثة أيام التي فيها دُفن المسيح ليتمجد بصليبه وقيامته... وفي اليوم السابع حيث يعلن كمال الناموس خلال إنجيل الحق يدركون السرّ خلال الكنيسة. ويعلق القديس أمبروسيوس على الحلل بقوله: [في الحلل نالوا مكافأة الحكمة كعلامة المناقشة التي خلالها حُلت الأحجية وفُسرت]. أخيرًا فإن الوليمة التي فيها عرفت الكنيسة (المرأة) الأسرار، وأذاعتها على العالم الوثني (الثلاثين من الأصحاب)، فتمتعوا بحلل الخلاص من خلال مياه المعمودية (لأن رقم 30 يذكرنا بالسن الذي فيه أعتمد الرب)، هي بعينها كانت سرّ هلاك ثلاثين من الغرباء وسلب حللهم. وكأن ما يناله الإنسان من نعم وبركات خلال عمل شمشون الحقيقي ووليمته الخلاصية إنما حُسب هلاكًا لإبليس وسلبًا لممتلكاته التي سبق فاغتصبها. لقد نُزعت عن إبليس كل إمكانياته بعد أن كان قبلًا كوكب الصبح ومجلسه في السماويات لينعم الإنسان بإمكانيات سماوية ويرتفع بين الطغمات الملائكية. في مياه المعمودية ننعم بالحلل البهية بينما يُحرم إبليس من سلطانه علينا. صراع شمشون مع العدو فوجئ شمشون أن زوجته قد أخذها صاحبه امرأة له، فكان ذلك انطلاقة صراع مع العدو الذي أذل شعبه سنوات طويلة. 1. حرق حقول العدو: 1 وَكَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ فِي أَيَّامِ حَصَادِ الْحِنْطَةِ، أَنَّ شَمْشُونَ افْتَقَدَ امْرَأَتَهُ بِجَدْيِ مِعْزًى. 2 وَقَالَ: «أَدْخُلُ إِلَى امْرَأَتِي إِلَى حُجْرَتِهَا». وَلكِنَّ أَبَاهَا لَمْ يَدَعْهُ أَنْ يَدْخُلَ. وَقَالَ أَبُوهَا: «إِنِّي قُلْتُ إِنَّكَ قَدْ كَرِهْتَهَا فَأَعْطَيْتُهَا لِصَاحِبِكَ. أَلَيْسَتْ أُخْتُهَا الصَّغِيرَةُ أَحْسَنَ مِنْهَا؟ فَلِتَكُنْ لَكَ عِوَضًا عَنْهَا». 3 فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: «إِنِّي بَرِيءٌ الآنَ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ إِذَا عَمِلْتُ بِهِمْ شَرًّا». 4 وَذَهَبَ شَمْشُونُ وَأَمْسَكَ ثَلاَثَ مِئَةِ ابْنِ آوَى، وَأَخَذَ مَشَاعِلَ وَجَعَلَ ذَنَبًا إِلَى ذَنَبٍ، وَوَضَعَ مَشْعَلًا بَيْنَ كُلِّ ذَنَبَيْنِ فِي الْوَسَطِ، 5 ثُمَّ أَضْرَمَ الْمَشَاعِلَ نَارًا وَأَطْلَقَهَا بَيْنَ زُرُوعِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَأَحْرَقَ الأَكْدَاسَ وَالزَّرْعَ وَكُرُومَ الزَّيْتُونِ. 6 فَقَالَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ: «مَنْ فَعَلَ هذَا؟» فَقَالُوا: «شَمْشُونُ صِهْرُ التِّمْنِيِّ، لأَنَّهُ أَخَذَ امْرَأَتَهُ وَأَعْطَاهَا لِصَاحِبِهِ». فَصَعِدَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَأَحْرَقُوهَا وَأَبَاهَا بِالنَّارِ. 7 فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: «وَلَوْ فَعَلْتُمْ هذَا فَإِنِّي أَنْتَقِمُ مِنْكُمْ، وَبَعْدُ أَكُفُّ». بعد مدة إذ خمد غضب شمشون أراد أن يرجع إلى امرأته فأخذ معه جدي معزى كهدية للمصالحة، وكان جدي المعزى من الهدايا المألوفة كثيرًا (تك 38: 17؛ لو 15: 29)، وإذ نزل إلى تمنة منعه والدها من الدخول، قائلًا: "إنيّ قلت أنك قد كرهتها فأعطيتها لصاحبك، أليست أختها الصغيرة أحسن منها؟! فلتكن لك عوضًا عنها" [2]. لقد أخطأ أبوها، لأنها تعجل في الأمر مسلمًا ابنته لصاحب زوجها قبل أن يطلقها رجلها أو حتى ينذره بذلك، وقد ظن أن صغر سن أختها أو جمالها يعوض شمشون عن حبه لامرأته، لكن الحب لا يُرشى بالجمال ولا بصغر السن! على أي الأحوال كان ذلك علة لينطلق شمشون وقد حلّ عليه روح الرب وحرق حقول الأعداء بأخذ مشاعل ووضعها بين ذنبي كل ثعلبين (ابن آوى) مربوطين معًا بعد أن أمسك 300 ثعلبًا لهذا الهدف. وإذ أحرق حقولهم ومخازنهم أغتاظ الأعداء فانطلقوا إلى امرأة شمشون وأحرقوها وأباها بالنار. لكن هذا العمل لم يرضِ شمشون إذ حسبه إهانة له بحرق امرأته، لذلك أراد أن يعود فينتقم منهم ثانية حتى يكف عن الانتقام. "وضربهم ساقًا على فخذ ضربًا عظيمًا" [8]، أي جعلهم بضرب السيف قطعًا بعضهم فوق بعض فصار الساق فوق الفخذ والقدم فوق الرأس وما إلى ذلك. وأخيرًا "أقام في شق صخرة عيطم" [8]. يعلق القديس أغسطينوس على هذا الحديث بقوله: [قيل أن غضب شمشون قد حمى لأن صاحبه تزوج امرأته (قض 14: 19-20). هذا الصاحب هو رمز لكل الهراطقة. حقًا أنه لسرّ عظيم أيها الأخوة، فالهراطقة الذين يقسمون الكنيسة يريدون الزواج بزوجة الرب وحملها بعيدًا عنه. بانفصالهم عن الكنيسة والأناجيل يحاولون بشرهم أي زناهم اقتناء الكنيسة كنصيب لهم، لهذا يقول الخادم الأمين، صديق عروس الرب: "لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2 كو 11: 2). وبغيرة إيمانه أدرك الصديق الشرير (الذي يود اغتصاب العروس له)، إذ يقول "ولكنني أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح (يسوع)" (2 كو 11: 3)... الآن، لنرى كيف فعل شمشون عمله السري عندما أُصير بواسطة صاحبه في شخص امرأته. لقد أخذ الثعالب، أي أصدقاءه الزناة الذين قيل عنهم في نشيد الأنشاد: "خُذُوا لَنَا... الثَّعَالِبَ الصِّغَارَ الْمُفْسِدَةَ الْكُرُومِ" (نش 2: 15). ماذا يعني بقوله "خذوا"؟ أي امسكوها، دينوها، اضغطوا عليها، حتى لا تفسد كروم الكنيسة. ماذا يعني بقوله: "خذوا الثعالب" إلاَّ إدانة الهراطقة بسلطان القانون الإلهي، لنسرع ونقيدهم بشهادة الكتاب المقدس كما بقيود! لقد أمسك شمشون الثعالب ووضع مشاعل نار وسط أذيالهم بعد أن ربطهم اثنين اثنين. ماذا يعني رباط أذيال الثعالب؟ ما هي أذيال الهراطقة إلاّ ما بلغوه من نتائج هرطقتهم (كذيل لهم). هذه تربط، أي تقيد وتدان وتُلهب النار في أذيالها، إذ أفسدوا الثمار والأعمال الصالحة للذين سقطوا تحت خداعاتهم]. إذ أحرق شمشون مزارع الأعداء وضربهم حتى جعلهم قطعًا بلا ترتيب هرب إلى شق (كهف) في قمة صخرة بعيطم. "عيطم" كلمة عبرية تعني (مآوي للكواسر)، تقع على بعد حوالي ميلين جنوب غربي بيت لحم بأرض يهوذا. على أي الأحوال إن كنا مع شمشون نرفض كل فكر يفسد كنيسة الله، ونلهب ذيله بالنار ليحطم ثمر الشر ومملكة إبليس فإنه يليق بنا أن نهرب إلى الشق أو الجنب المطعون الذي للسيد المسيح الصخرة الحقيقية. لنذهب إلى عيطم، إلى (مآوي الكواسر)، فندخل في جراحات المسيح ونحتمي فيها! 8 وَضَرَبَهُمْ سَاقًا عَلَى فَخِذٍ ضَرْبًا عَظِيمًا. ثُمَّ نَزَلَ وَأَقَامَ فِي شَقِّ صَخْرَةِ عِيطَمَ. 9 وَصَعِدَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَنَزَلُوا فِي يَهُوذَا وَتَفَرَّقُوا فِي لَحْيٍ. 10 فَقَالَ رِجَالُ يَهُوذَا: «لِمَاذَا صَعِدْتُمْ عَلَيْنَا؟» فَقَالُوا: «صَعِدْنَا لِكَيْ نُوثِقَ شَمْشُونَ لِنَفْعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ بِنَا». 11 فَنَزَلَ ثَلاَثَةُ آلاَفِ رَجُل مِنْ يَهُوذَا إِلَى شَقِّ صَخْرَةِ عِيطَمَ، وَقَالُوا لِشَمْشُونَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْفِلِسْطِينِيِّينَ مُتَسَلِّطُونَ عَلَيْنَا؟ فَمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا؟» فَقَالَ لَهُمْ: «كَمَا فَعَلُوا بِي هكَذَا فَعَلْتُ بِهِمْ». 12 فَقَالُوا لَهُ: «نَزَلْنَا لِكَيْ نُوثِقَكَ وَنُسَلِّمَكَ إِلَى يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». فَقَالَ لَهُمْ شَمْشُونُ: «احْلِفُوا لِي أَنَّكُمْ أَنْتُمْ لاَ تَقَعُونَ عَلَيَّ». 13 فَكَلَّمُوهُ قَائِلِينَ: «كَلاَّ. وَلكِنَّنَا نُوثِقُكَ وَنُسَلِّمُكَ إِلَى يَدِهِمْ، وَقَتْلًا لاَ نَقْتُلُكَ». فَأَوْثَقُوهُ بِحَبْلَيْنِ جَدِيدَيْنِ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ الصَّخْرَةِ. 14 وَلَمَّا جَاءَ إِلَى لَحْيٍ، صَاحَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ لِلِقَائِهِ. فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، فَكَانَ الْحَبْلاَنِ اللَّذَانِ عَلَى ذِرَاعَيْهِ كَكَتَّانٍ أُحْرِقَ بِالنَّارِ، فَانْحَلَّ الْوِثَاقُ عَنْ يَدَيْهِ. 15 وَوَجَدَ لَحْيَ حِمَارٍ طَرِيًّا، فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهُ وَضَرَبَ بِهِ أَلْفَ رَجُل. 16 فَقَالَ شَمْشُونُ: «بِلَحْيِ حِمَارٍ كُومَةً كُومَتَيْنِ. بِلَحْيِ حِمَارٍ قَتَلْتُ أَلْفَ رَجُل». 17 وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ رَمَى اللَّحْيِ مِنْ يَدِهِ، وَدَعَا ذلِكَ الْمَكَانَ «رَمَتَ لَحْيٍ». إذ أحرق شمشون حقول الفلسطينيين وقتل الكثيرين منهم شعر أهل يهوذا بالتزام أن يسلموا شمشون في أيدي الفلسطينيين الذين يسودونهم حتى يأمنوا شرهم. لقد حسبوا أنه من الأفضل أن يموت شمشون عن الشعب كله، وكأنه رمز للسيد المسيح الذي قيل عنه من خاصته: "خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها" (يو 11: 50). وهكذا كما قيدّ رجال يهوذا شمشون بحبلين جديدين وأسلموه للأعداء دون أن يقتلوه بعد أن اتهموه أنه مجدف وصانع شر، وكأنهم أرادوا أن يوثقوه بحبلين جديدين. التقى شمشون بالأعداء وهو مقيد بالحبلين الجديدين، "فحلّ عليه روح الرب، فكان الحبلان اللذان على ذراعيه ككتان أُحرق بالنار فانحلّ الوثاق عن يديه" [14]. كأنه بالسيد المسيح الذي واجه العدو على الصليب، إذ هو "القيامة" لم يستطع الموت أن يمسك به، ولا الجحيم أن يعوقه، فحطم بنار لاهوته حبليّ الموت والجحيم، وأعلن كسر سلطانهما عن مؤمنيه المتحدين معه. عوض أن يقتله الأعداء أمسك بلحي حمار أي فْكه وكان طريًا فقتل به ألف رجل [15]. ماذا يعني هذا إلاَّ أن الإنسان وقد نزل خلال الخطية إلى الحيوانية غير العاقلة، وقد حطمه الموت تمامًا، وأمسك به السيد من جديد كما يمسك بفك حمار، وأعطاه كلمة الإيمان الحيّ الذي به يقتل القوات الشريرة المقاومة أو عمل إبليس الذي يُرمز له بألف رجل شرير. لقد أراد أن يحقر من العدو المغلوب فقال مترنمًا "بلحيّ حمار كومة كومتين، بلحيّ حمار قتلت ألف رجل" [16]. وكأنه يقول أنه بفك حمار حوّل العدو إلى كومة، كومتين، ثلاث كومات... إلخ، وهكذا صار يحصي أكوام الموتى... هذه هي تسبحة النصرة ! إذ صارت المنطقة أكوامًا من القتلى تحققت بفك أو لحيّ حمار سميت المنطقة "رمت لحيّ" أي (مرتفعات الفك). 3. خروج ماء من الكفة: 18 ثُمَّ عَطِشَ جِدًّا فَدَعَا الرَّبَّ وَقَالَ: «إِنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ بِيَدِ عَبْدِكَ هذَا الْخَلاَصَ الْعَظِيمَ، وَالآنَ أَمُوتُ مِنَ الْعَطَشِ وَأَسْقُطُ بِيَدِ الْغُلْفِ». 19 فَشَقَّ اللهُ الْكِفَّةَ الَّتِي فِي لَحْيِ، فَخَرَجَ مِنْهَا مَاءٌ، فَشَرِبَ وَرَجَعَتْ رُوحُهُ فَانْتَعَشَ. لِذلِكَ دَعَا اسْمَهُ «عَيْنَ هَقُّورِي» الَّتِي فِي لَحْيٍ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. 20 وَقَضَى لإِسْرَائِيلَ فِي أَيَّامِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ عِشْرِينَ سَنَةً. "ثم عطش جدًا فدعا الرب وقال: إنك قد جعلت بيد عبدك هذا الخلاص العظيم، والآن أموت من العطش وأسقط بيد الغلف. فشق الله الكفة التي في لحيّ، فخرج منها ماء فشرب ورجعت روحه فانتعش، لذلك دعا اسمها عين هقوري" [18-19]. يرى البعض أن شمشون يستخدم هنا التورية، فإذ دعا المكان "رمت لحيّ" دعا العين التي أخرج له الله منها ماءً بـ"الكفة" وتعني (منبت السن)، وكأن الله أخرج له ماءً من المنبت السن الذي في فك الحمار. إن كان قد قتل ألف رجل شرير بالفك فإنه يشير إلى عمل الله الخلاصي وتحطيم قوى الشيطان، فإن فيض الماء من كفة الفك يشير إلى ما تبع هذا العمل الخلاصي على الصليب من فيض مياه الروح القدس التي تنعش النفس وتجددها في المعمودية. يعلق القديس أغسطينوس على تصرفات شمشون بالفك وخروج ماء من كفة الفك بقوله: [أهلك شمشون ألف رجل بفك من جسم حمار؛ فقد مُثل الأمم بالحمار، إذ يتحدث الكتاب عن اليهود والأمم قائلًا: "الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه" (إش 1: 3). فقبل مجيء السيد المسيح مزق الشيطان الأمم إلى قطع وتبعثروا كعظام جافة من جسم حمار، لكن لما جاء المسيح -شمشون الحقيقي- أمسك بهم جميعًا بيديه الطاهرتين. أصلحهم بقوته، وبهم غلب خصومه. هكذا نحن الذين سلمنا أعضاءنا للشيطان قبلًا حتى قتلنا، أمسك بنا المسيح وجعلنا برّ الله بالرغم من جفافنا لعدم وجود ندى نعمة الله غيّرنا إلى ينابيع وأنهار. قديمًا صلى شمشون فانطلق ينبوع من الفك، وتحقق ذلك فينا بوضوح إذ يقول الرب نفسه: "مَنْ آمَنَ بِي... تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ" (يو 7: 38)]. أخيرًا إذ شرب شمشون من العين دعا اسمه "عين هقوري" [19]، أي (عين الداعي) تذكارًا لدعائه إلى الله واستجابة الله لدعائه. شمشون ودليلة إن كان روح الله قد لازم شمشون فوهبه قوة، لكن إذ سقط شمشون في حب دليلة واتكأ برأسه على ركبتيها فقد مجد نذره، وحرم من بصيرته، وصار سخرية للعدو. 1. شمشون في بيت زانية: "1 ثُمَّ ذَهَبَ شَمْشُونُ إِلَى غَزَّةَ، وَرَأَى هُنَاكَ امْرَأَةً زَانِيَةً فَدَخَلَ إِلَيْهَا. 2 فَقِيلَ لِلْغَزِّيِّينَ: «قَدْ أَتَى شَمْشُونُ إِلَى هُنَا». فَأَحَاطُوا بِهِ وَكَمَنُوا لَهُ اللَّيْلَ كُلَّهُ عِنْدَ بَابِ الْمَدِينَةِ. فَهَدَأُوا اللَّيْلَ كُلَّهُ قَائِلِينَ: «عِنْدَ ضَوْءِ الصَّبَاحِ نَقْتُلُهُ». 3 فَاضْطَجَعَ شَمْشُونُ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَامَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ وَأَخَذَ مِصْرَاعَيْ بَابِ الْمَدِينَةِ وَالْقَائِمَتَيْنِ وَقَلَعَهُمَا مَعَ الْعَارِضَةِ، وَوَضَعَهَا عَلَى كَتِفَيْهِ وَصَعِدَ بِهَا إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ الَّذِي مُقَابِلَ حَبْرُونَ." [1-3]. إذ استطاع شمشون بفك حمار أن يقتل ألف رجل، فكر في الذهاب إلى أكبر مركز للفلسطينيين ألا وهي غزة، فقد وثق أنه يستطيع بروح الرب أن يدخل إليهم ويخرج دون أن يصيبه منهم ضرر. ذهب إلى بيت زانية فسمع أهل غزة، وجاءوا إلى أبواب المدينة يحرسوها طوال الليل حتى متى خرج في الصباح يمسكوه ويقتلوه وقد أخطأ في هذا بلا شك وإن كان رأي القديس أغسطينوس أن هذا التصرف بكل دقائقه يمثل صورة حيَّة لعمل الرب الخلاصي بدخوله إلى الجحيم - بعد الصليب- ليحطم متاريسه واهبًا لمؤمنيه قوة قيامته. ففي رأيه أن شمشون يكون غير طاهر لو أنه ذهب إلى المرأة الزانية بلا هدف سليم، أما إن كان قد ذهب كنبي فقد حمل في شخصه رمزًا للسيد المسيح الذي دخل إلى الجحيم كما بيت الزانية مفتوح للجميع بلا عائق. ويعلل القديس أغسطينوس ذلك بأن الكتاب لم يذكر عن شمشون أنه اتحد مع الزانية وإنما زارها لينام أو يضطجع هناك. لقد انتظره الأعداء عند باب المدينة ليمسكوه عند خروجه. وكأنما قد جلس الحراس عند القبر للامساك بالرب القائم من الأموات، لكنهم لم يقدروا على معاينته. لقد قام في نصف الليل وحمل معه أبواب المدينة إلى الجبل بعدما ترك بيت الزانية. فإن كانت الزانية تُشير إلى المجمع الذي حكم عليه بالموت، فإنه بعد انفصال المجمع عنه قام الرب خفية كما في منتصف الليل نازعًا أبواب المدينة أي محطمًا أبواب الهاوية. لقد نزعها ولم يردها، وكأنه يحمل صورة السيد الذي حطم أبواب الموت. لقد صعد إلى قمة الجبل، ونحن نعلم بالحق أن السيد المسيح قام وصعد إلى السموات. إن كان القديس أغسطينوس قد رأى جانبًا رمزيًا في القصة، لكننا لا ننكر أن كثيرًا من الآباء قد رأوا في تصرف شمشون خطأ... إذ لا يليق به أن يدخل بيت زانية ويضطجع هناك حبًا فيها. يقول القديس أمبروسيوس: [غلب شمشون القوي الشجاع الأسد لكنه لم يستطع أن يغلب هواه. قطع وُثق أعدائه لكنه عجز عن قطع حبال شهوته. أحرق أكداس الظالمين الكثيرين، لكن أحرقه لهيب اللذة الممنوعة التي أوقدتها فيه امرأة واحدة]. والقديس أغسطينوس نفسه لا يبرر تصرفات شمشون، إذ يقول: [عندما حقق شمشون فضائل ومعجزات كان يمثل السيد المسيح رأس الكنيسة، وعندما كان يعمل بحكمة كان صورة للذين يسلكون في الكنيسة بالبر، لكنه عندما كان يُغلب ويسلك بالتهاون فكان يمثل الخطاة في الكنيسة]. "4 وَكَانَ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّهُ أَحَبَّ امْرَأَةً فِي وَادِي سُورَقَ اسْمُهَا دَلِيلَةُ. 5 فَصَعِدَ إِلَيْهَا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَقَالُوا لَهَا: «تَمَلَّقِيهِ وَانْظُرِي بِمَاذَا قُوَّتُهُ الْعَظِيمَةُ، وَبِمَاذَا نَتَمَكَّنُ مِنْهُ لِكَيْ نُوثِقَهُ لإِذْلاَلِهِ، فَنُعْطِيَكِ كُلُّ وَاحِدٍ أَلْفًا وَمِئَةَ شَاقِلِ فِضَّةٍ»." [4- 5]. إن كان روح الرب قد حلّ على شمشون في أكثر من موقع فكان يقوم بدور قيادي ناجح، لكنه إذ سقط في حب دليله انهار تمامًا وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [كثير من الرجال هلكوا في الزواج مثل شمشون، ولكن ليس بسبب الزواج في ذاته وإنما بسبب إرادتهم المنحلة]. ويقول الأب أفراهات: [حارب (العدو) شمشون خلال امرأة حتى سلبه نذره]. أما كلمة "دليلة" فهي اسم عبري يعني (مدللة) أو (معشوقة)، يرى بعض الدارسين أنها حملت هذا الاسم بعدما كبرت وصارت موضع حب الكثيرين وعشقهم، إذ عاشت كزانية. وكانت محبة للمال لهذا عندما جاءها أقطاب الفلسطينيين الخمسة، أمراء المدن الرئيسية (جت وأشدود وغزة وأشقلون وعقرون)، ووعدوها بتقديم كل واحد منهم ألف ومئة شاقل فضة لتسليم شمشون. وكما يقول أمبروسيوس: [أليست محبة دليلة للمال هي التي خدعت شمشون أكثر الرجال شجاعة؟! هذا الذي مزق الأسد الزائر بيديه...]. نشأت دليلة في وادي سورق، أي (وادي الكرم المختار) وهو يدعى حاليًا وادي الصّرار ويبدأ على بعد 13 ميلًا غرب أورشليم ويمتد إلى البحر الأبيض المتوسط كما يوجد وادِ شمال هذا الوادي اسمه "خربة سوريق". 6 فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: «أَخْبِرْنِي بِمَاذَا قُوَّتُكَ الْعَظِيمَةُ؟ وَبِمَاذَا تُوثَقُ لإِذْلاَلِكَ؟» 7 فَقَالَ لَهَا شَمْشُونُ: «إِذَا أَوْثَقُونِي بِسَبْعَةِ أَوْتَارٍ طَرِيَّةٍ لَمْ تَجِفَّ، أَضْعُفُ وَأَصِيرُ كَوَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ». 8 فَأَصْعَدَ لَهَا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ سَبْعَةَ أَوْتَارٍ طَرِيَّةٍ لَمْ تَجِفَّ، فَأَوْثَقَتْهُ بِهَا، 9 وَالْكَمِينُ لاَبِثٌ عِنْدَهَا فِي الْحُجْرَةِ. فَقَالَتْ لَهُ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ». فَقَطَعَ الأَوْتَارَ كَمَا يُقْطَعُ فَتِيلُ الْمَشَاقَةِ إِذَا شَمَّ النَّارَ، وَلَمْ تُعْلَمْ قُوَّتُهُ. 10 فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: «هَا قَدْ خَتَلْتَنِي وَكَلَّمْتَنِي بِالْكَذِبِ، فَأَخْبِرْنِيَ الآنَ بِمَاذَا تُوثَقُ؟». 11 فَقَالَ لَهَا: «إِذَا أَوْثَقُونِي بِحِبَال جَدِيدَةٍ لَمْ تُسْتَعْمَلْ، أَضْعُفُ وَأَصِيرُ كَوَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ». 12 فَأَخَذَتْ دَلِيلَةُ حِبَالًا جَدِيدَةً وَأَوْثَقَتْهُ بِهَا، وَقَالَتْ لَهُ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ، وَالْكَمِينُ لاَبِثٌ فِي الْحُجْرَةِ». فَقَطَعَهَا عَنْ ذِرَاعَيْهِ كَخَيْطٍ. 13 فَقَالَتْ دَلِيلَةُ لِشَمْشُونَ: «حَتَّى الآنَ خَتَلْتَنِي وَكَلَّمْتَنِي بِالْكَذِبِ، فَأَخْبِرْنِي بِمَاذَا تُوثَقُ؟». فَقَالَ لَهَا: «إِذَا ضَفَرْتِ سَبْعَ خُصَلِ رَأْسِي مَعَ السَّدَى» 14 فَمَكَّنَتْهَا بِالْوَتَدِ. وَقَالَتْ لَهُ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ». فَانْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ وَقَلَعَ وَتَدَ النَّسِيجِ وَالسَّدَى. 15 فَقَالَتْ لَهُ: «كَيْفَ تَقُولُ أُحِبُّكِ، وَقَلْبُكَ لَيْسَ مَعِي؟ هُوَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَدْ خَتَلْتَنِي وَلَمْ تُخْبِرْنِي بِمَاذَا قُوَّتُكَ الْعَظِيمَةُ». إذ أحب شمشون دليلة صارت تسأله ثلاث مرات: "أخبرني بماذا قوتك العظيمة؟ وبماذا توثق لإذلالك؟" [6، 10، 13]. لقد ظنت دليلة كأقطاب الفلسطينيين أن شمشون يحمل قوة فائقة نتيجة عمل سحري إن أُبطل فقد قوته وصار إنسانًا عاديًا يمكن التغلب عليه، لهذا كانت دليلة تلح عليه لتعرف هذا السر. ومن جانب آخر نرى الفلسطينيين كانوا يكمنون في البيت وينتظرون حتى تلاطفه دليلة وتعرف سرّ قوته ليواجهوه بعد سحب طاقته الغريبة. أما من جهة شمشون نفسه فقد عرف منذ اللحظة الأولى هدفها من السؤال ولهذا خاتلها وخدعها، وكان يجب أن يهرب من بيتها لكن حبه الشديد لها أو بمعنى آخر استعباده لشهوته من نحوها جعله يتهاون في الأمر واثقًا أنه لن يكشف لها سره وإنما يحقق رغبته من جهتها، لكنه لم يستطع المقاومة كثيرًا إذ سقط في حبال الشر وانهار. في المرة الأولى قال لها أنه يضعف إن أوثق بسبعة أوتار طرية لا تجف، أي سبعة حبال من الكتان أو غيره من النباتات... عوض أن ينتهرها ويوقف سؤالها كذب عليها ففقد صدقة وحكمته ومهابته أمامها. وفي المرة الثانية إذ ألحت عليه قال لها أنه يضعف إن أوثق بحبال جديدة لم تستعمل من قبل. وفي المرة الثالثة قال لها إنه يضعف إن ضفرت خصله السبع مع السدى، وهي الخيوط الطويلة التي تستخدم في آله النسيج، بخلاف اللحمه وهي الخيوط العريضة. وقد فعلت ذلك وهو نائم ومكنتها بالوتد... وهنا أقترب إلى كشف السر إذ بدأ يحدثها عن شعره وخصله السبع. على أي الأحوال في المرة الأولى قطع الأوتار كما يقطع فتيل المشاقة إذا شم النار؛ المشاقة هو ما يسقط من الكتان عند مشقه أو تمشيطه ليُغزل ويستخدم كفتائل للسرج. أما في المرة الثانية فقطع الحبال الجديدة عن ذراعيه كخيط، وفي الثالثة انتبه من نومه وخلع وتد النسيج والسدى. "16 وَلَمَّا كَانَتْ تُضَايِقُهُ بِكَلاَمِهَا كُلَّ يَوْمٍ وَأَلَحَّتْ عَلَيْهِ، ضَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَى الْمَوْتِ، 17 فَكَشَفَ لَهَا كُلَّ قَلْبِهِ، وَقَالَ لَهَا: «لَمْ يَعْلُ مُوسَى رَأْسِي لأَنِّي نَذِيرُ اللهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّي، فَإِنْ حُلِقْتُ تُفَارِقُنِي قُوَّتِي وَأَضْعُفُ وَأَصِيرُ كَأَحَدِ النَّاسِ»." [16-17]. كانت دليلة تضيق عليه بقولها له: "كيف تقول أحبكِ وقلبك ليس معي، هوذا ثلاث مرات قد ختلتني ولم تخبرني بماذا قوتك العظيمة؟" [15]، فضاقت نفسه إلى الموت. إذ انحنت نفسه لشهوات جسده الشريرة تضيق نفسه منجرفة نحو الموت، عوض اتساعها بالحب الإلهي لتقبل الله في داخلها فتنفتح لخليقته. إذ ضاقت نفسه جدًا حتى الموت لم يستطع أن يتكتم أسراره الروحية فكشف لها عن كل قلبه، قائلًا لها إنه كنذير لا يعل موسى رأسه، فإن حُلقت تفارقه قوته. وقد علق بعض الآباء على هذا التصرف، منهم القديس غريغوريوس النزينزي حينما تحدث عن البابا أثناسيوس كعمود في الكنيسة، شبّه مقاومة الأشرار للكنيسة بما فعله الأشرار بشمشون، إذ نزعوا عنه شعره سرّ قوته؛ هكذا قاوم الأشرار البابا أثناسيوس كراعٍ قوي يسند شعبه حتى إذ يحلقون شعر الكنيسة أي ينزعون عنها مجدها يكونون قد نطقوا عليها بالشر. وللقديس أغسطينوس تعليق على هذا الأمر نقتطف منه الآتي: [لنحذر أيها الأخوة المحبوبون قدرما نستطيع لئلا نعاني روحيًا ما عاناه شمشون جسديًا. لنفهم العقل بكونه الرجل (شمشون) والجسد ترمز له المرأة (دليلة). إن كان الإنسان يخضع لجسده عندما يتملقه بلطف للانهماك في الملذات فسيعاني من جسده ما عاناه شمشون من المرأة (دليلة). لذلك يليق بنا أيها الأعزاء المحبوبون بمعونة الله أن نجاهد ما استطعنا محققين قول الرسول عن نفسه: "أقمع جسدي وأستعبده (أخضعه)" (1 كو 9: 27). لنحذر بمعونة الله من موسى العدو الذي حلق رأس الجنس البشري عندما انخدع آدم وحواء بحيلة لئلا يعلو رأسنا نحن أيضًا، لأن رأسنا هو المسيح. إن كنا نستسلم لامرأة أي لشهوات الجسد المتملقة أو للشرور الأخرى فإننا ننخدع ونُحرم من النعمة الروحية ونكون كمن نُزع عنه شعر النذر... يوجد موسى يقطع بطريقة نافعة وآخر بطريقة ضارة، موسى الشفاء واهب الجمال لنا هو المسيح ربنا، الذي يقطع من قلوبنا أفكار الشر الضارة. إنه يحلق الرذائل عن النفس، ينير الرأس، ويهب الذهن جمالًا ويحررنا من الشعر المميت الذي للعبودية البائسة ويجعل حياتنا مقدسة وفي طهارة وتدبير عندما تنمو كشعر النذير من جديد... انظروا لقد أظهرت الموسى الذي نطلبه، أما الآخر فنرفضه ونتجنبه. الموسى المُكَرَّم هو المسيح والموسى المُهْلِك هو الشيطان. المسيح هو رأسنا كقول الرسول، والشعر إما أن يكون فضائل أو رذائل، لذلك عندما تحدث النبي عن خطاياه قال: "أكثر من شعر رأسي (الذي يبغضونني بلا سبب)" (مز 69: 4). فالفصائل والرذائل يرمز لها بالشعر، عندما نحلق بالمسيح نتحرر من كل الرذائل، وعندما نحلق بالشيطان نُحرم من كل الفضائل]. كما يقول: [إن خضع إنسان لشهوة أو انهمك في ملذة يفعل به جسده ما فعلته دليلة بشمشون]. مرة أخرى يقول القديس أغسطينوس: [الآن ماذا يعني أن شمشون يحمل قوة في شعره؟ لاحظوا هذا بدقة أيها الأخوة. أنه لم يحمل قوة في يديه ولا في قدميه ولا في صدره ولا في رأسه وغنما في شعره. ما هو الشعر؟ يجيب الرسول أن الشعر غطاء (1 كو 11: 15)، وكأن المسيح حمل القوة في الغطاء عندما اختفى (احتمى) في ظلال الشريعة القديمة... ماذا يعني أن سرّ شمشون قد صار موضوع خيانة (من دليلة) وأن رأسه قد حُلقت؟ الشريعة قد احُتقرت والمسيح صُلب! لو لم يزدروا بالشريعة (حلق الرأس) لما قتلوا المسيح، إذ عرفوا أنه ليس من حقهم قتله. لقد قالوا للحاكم: "لا يجوز لنا أن نقتل أحدًا" (يو 18: 31)]. 18 وَلَمَّا رَأَتْ دَلِيلَةُ أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَهَا بِكُلِّ مَا بِقَلْبِهِ، أَرْسَلَتْ فَدَعَتْ أَقْطَابَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَقَالَتِ: «اصْعَدُوا هذِهِ الْمَرَّةَ فَإِنَّهُ قَدْ كَشَفَ لِي كُلَّ قَلْبِهِ». فَصَعِدَ إِلَيْهَا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَأَصْعَدُوا الْفِضَّةَ بِيَدِهِمْ. 19 وَأَنَامَتْهُ عَلَى رُكْبَتَيْهَا وَدَعَتْ رَجُلًا وَحَلَقَتْ سَبْعَ خُصَلِ رَأْسِهِ، وَابْتَدَأَتْ بِإِذْلاَلِهِ، وَفَارَقَتْهُ قُوَّتُهُ. 20 وَقَالَتِ: «الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ». فَانْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «أَخْرُجُ حَسَبَ كُلِّ مَرَّةٍ وَأَنْتَفِضُ». وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَارَقَهُ. 21 فَأَخَذَهُ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَقَلَعُوا عَيْنَيْهِ، وَنَزَلُوا بِهِ إِلَى غَزَّةَ وَأَوْثَقُوهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ. وَكَانَ يَطْحَنُ فِي بَيْتِ السِّجْنِ. 22 وَابْتَدَأَ شَعْرُ رَأْسِهِ يَنْبُتُ بَعْدَ أَنْ حُلِقَ. إذ سلم شمشون نفسه لدليلة وكشف لها أسراره أنامته على ركبتيها [19]... وفي هذه المرة لم يقل الكتاب: "حلّ عليه روح الرب" بل قال: "أخرج حسب كل مرة وأنتفض" [20]. حينما يُسلم الإنسان لشهوات جسدية فتذله الشهوات يفقد رعاية الله له، فيخرج لينتفض، وكأنه يخرج بذاته متكلًا على قوته. وهكذا تلتحم محبة الشهوات بالأنا، وعوض انطلاقه بالروح للجهاد ينحصر في الأنا على ركبتي ملذاته. لقد سقط الجبار لا على ركبتي دليلة وإنما على ركبتي ملذاته الزمنية؛ بسبب هذه الملذات فتح باب النقاش مع دليلة كما مع الحية فلم يصمد كأبويه الأولين بالرغم مما أتسم به من قوة. لو أنه أغلق باب الحوار كيوسف مع امرأة فوطيفار، القائل في قوة وصراحة: "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟!" وهرب دون نقاش أو عتاب وانتصر بقوة الله. "لم يعلم أن الرب قد فارقه" [20]، هذه هي كارثته أنه فقد معية الرب، فخسر سرّ قوته، انحط إلى المذلة بين يدي العدو، وفقد بصيرته، وأقتيد إلى حيث لا يريد، وأوثق بسلاسل وصار يطحن في بيت السجن كإحدى الحيوانات. صار سخرية في عيني الأشرار بعدما كانوا يهابونه ويرتعبون منه. في هذا يقول القديس أغسطينوس: [حقًا إن الشيطان عدونا يسخر بالخطاة بشدة عندما تُنتهك نعمة المسيح، حدث عندما نزع عن شمشون شعره. إنه يُفقدهم بصيرة أعينهم، ويضعهم في السجن، ويجعلهم كالحمير يدورون في حجر الطاحونة]. كما يقول: [نصحنا ربنا خلال النبي: "لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم" (مز 32: 9)، حتى لا نفشل في إخضاع عنقنا لنير المسيح ونصيره كالحمار مؤهلًا أن يدور في الطاحونة... بالحقيقة كان الإنسان مكرمًا لكنه سقط في الرذيلة، كما فعل شمشون عندما ترك الحكمة والنعمة فعوقب بالعمى والطحن. هكذا يتأهل الإنسان لممارسة عمل الحيوانات إن حرم نفسه من نور العقل. فمن يخضع لجسده ولملذاته خلال تملق الشريرات يصير كالحيوانات يطحن، يصير كحمار أو بغل يُربط في حجر الرحى بعد عصب عينيه الجسديتين فتضعفان. النفس التي تسقط في الملذات تكون أعين ذهنها قد أصابتها العمى خلال فساد الحياة، وتدور في فكرها الأخطاء كما لو كانت تطحن في طاحونة الشهوات القاسية، بدون بصيرة وتحت قيادة آخر: من يقف في طريق الخطاة يُربط بقيود شهواته، ويكون في سجنه مملوءًا بظلمة خطاياه... يعاني في داخله من قيود الطاحونة. إنه يدير صخرة قلبه الذي تقسَّى خلال تمسكه بالشر فصار كحجر رحى، ويطحن دقيقًا للعدو خلال الحنطة الفاسدة التي لنفسه]... وأيضًا يقول: [من يمارس الخطايا يطحن حنطة للعدو خلال نخاع حياته ليطعم الشيطان؛ بينما تصير النفس خبزًا له تكون هي مصدر جوع لنفسها]. 23 وَأَمَّا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ فَاجْتَمَعُوا لِيَذْبَحُوا ذَبِيحَةً عَظِيمَةً لِدَاجُونَ إِلهِهِمْ وَيَفْرَحُوا، وَقَالُوا: «قَدْ دَفَعَ إِلهُنَا لِيَدِنَا شَمْشُونَ عَدُوَّنَا». 24 وَلَمَّا رَآهُ الشَّعْبُ مَجَّدُوا إِلهَهُمْ، لأَنَّهُمْ قَالُوا: «قَدْ دَفَعَ إِلهُنَا لِيَدِنَا عَدُوَّنَا الَّذِي خَرَّبَ أَرْضَنَا وَكَثَّرَ قَتْلاَنَا». 25 وَكَانَ لَمَّا طَابَتْ قُلُوبُهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: «ادْعُوا شَمْشُونَ لِيَلْعَبَ لَنَا». فَدَعَوْا شَمْشُونَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ، فَلَعِبَ أَمَامَهُمْ. وَأَوْقَفُوهُ بَيْنَ الأَعْمِدَةِ. 26 فَقَالَ شَمْشُونُ لِلْغُلاَمِ الْمَاسِكِ بِيَدِهِ: «دَعْنِي أَلْمِسِ الأَعْمِدَةَ الَّتِي الْبَيْتُ قَائِمٌ عَلَيْهَا لأَسْتَنِدَ عَلَيْهَا». 27 وَكَانَ الْبَيْتُ مَمْلُوءًا رِجَالًا وَنِسَاءً، وَكَانَ هُنَاكَ جَمِيعُ أَقْطَابِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَعَلَى السَّطْحِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُل وَامْرَأَةٍ يَنْظُرُونَ لِعْبَ شَمْشُونَ. 28 فَدَعَا شَمْشُونُ الرَّبَّ وَقَالَ: «يَا سَيِّدِي الرَّبَّ، اذْكُرْنِي وَشَدِّدْنِي يَا اَللهُ هذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ، فَأَنْتَقِمَ نَقْمَةً وَاحِدَةً عَنْ عَيْنَيَّ مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». 29 وَقَبَضَ شَمْشُونُ عَلَى الْعَمُودَيْنِ الْمُتَوَسِّطَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَ الْبَيْتُ قَائِمًا عَلَيْهِمَا، وَاسْتَنَدَ عَلَيْهِمَا الْوَاحِدِ بِيَمِينِهِ وَالآخَرِ بِيَسَارِهِ. 30 وَقَالَ شَمْشُونُ: «لِتَمُتْ نَفْسِي مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». وَانْحَنَى بِقُوَّةٍ فَسَقَطَ الْبَيْتُ عَلَى الأَقْطَابِ وَعَلَى كُلِّ الشَّعْبِ الَّذِي فِيهِ، فَكَانَ الْمَوْتَى الَّذِينَ أَمَاتَهُمْ فِي مَوْتِهِ، أَكْثَرَ مِنَ الَّذِينَ أَمَاتَهُمْ فِي حَيَاتِهِ. 31 فَنَزَلَ إِخْوَتُهُ وَكُلُّ بَيْتِ أَبِيهِ وَحَمَلُوهُ وَصَعِدُوا بِهِ وَدَفَنُوهُ بَيْنَ صُرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ، فِي قَبْرِ مَنُوحَ أَبِيهِ. وَهُوَ قَضَى لإِسْرَائِيلَ عِشْرِينَ سَنَةً. ظن أقطاب الفلسطينيين أن إلههم داجون (نصفه الأعلى على شكل إنسان والأسفل بدن سمكة) هو الذي أسلم لهم شمشون عدوهم ولم يدركوا أن سقوط شمشون هو ثمرة مفارقة الرب له بسبب انحلال حياته في علاقته مع دليلة. على أي الأحوال كان لزامًا لشمشون أن يتأدب حتى يرجع إلى الرب إلهه بكل قلبه بعد أن يذوق ثمرة شره، وفي نفس الوقت يتأدب الوثنيون أيضًا على شرهم، فإن كان الله قد أسلم شمشون في يدهم ليسخروا به كيفما شاءوا إنما حين يرجع بقوة أعظم ويُحسب من رجال الإيمان. في احتفالهم بإلههم وتقديم ذبائح له جاءوا بشمشون ليراه الشعب عبدًا ذليلًا فاقد البصيرة فيسخرون منه ويمجدوا إلههم، وإمعانًا في إذلاله إذ طابت قلوبهم جعلوه يرقص أمامهم ليسخروا به ويكون موضع تسليتهم... حقًا من يستطيع أن يعبر عن مشاعر شمشون غالب الآلاف وهو أعمى يطحن كالحيوانات في بيت السجن ويلعب لتسليه أعدائه... كل هذا بسبب شهوة وقتية زائلة! ما هي مشاعره نحو دليلة التي سلمته جسدها إلى حين لتسليمه لأعماق العبودية والذل!!! على أي الأحوال إذ بدأ شعر رأسه بنبت وتذلل قلبه في داخله أدرك أن الرب يكون معه، لذا صرخ قلبه: "يا سيدي الرب اذكرني وشددني يا الله هذه المرة فأنتقم نقمة واحدة عن عيني من الفلسطينيين" [ 28]. لقد أدرك وسط الضيق أن الله هو سرّ قوته، ولم يعد يخرج لينتفض متكلًا على ذاته. قبض "على العمودين المتوسطين اللذين كان البيت قائمًا عليهما واستند عليهما الواحد بيمينه والآخر بيساره، وقال شمشون: لتمت نفسي مع الفلسطينيين. وانحنى بقوة فسقط البيت على الأقطاب وعلى كل الشعب الذي فيه كان الموتى الذين أماتهم في موته أكثر من الذين أماتهم في حياته" [29-30]. يعلق القديس أغسطينوس على الأحداث الأخيرة في حياة شمشون بقوله: [السجن والطاحونة هما عمل هذا العالم؛ عمى شمشون يشير إلى الذين أصابهم العمى بجحودهم ولم يعرفوا المسيح ولا اختبروا سلطانه وصعوده إلى السموات. هذا العمى يُشير إلى ما أصاب اليهود، إذ امسكوا المسيح وقدموه للموت، فإذا به يقتل قاتليه. لهذا أحضره أعداؤه ليلعب كبهلوان (بلياتشو) أمامهم. لاحظ هنا صورة الصليب. شمشون يبسط يديه للعمودين كما لعارضتي الصليب، لذلك بموته غلب أعداءه، لأن آلامه صارت هلاكًا لمضطهديه. لذلك يقول الكتاب: "فكان الموتى الذين أماتهم في موته أكثر من الذين أماتهم في حياته" [30]. لقد تحقق السرّ بوضوح في ربنا يسوع المسيح، إذ أكمل الخلاص بموته هذا الذي أعلنه أثناء حياته]. كما يقول: [الحقيقة المذكورة بأنه أهلك الأعداء في موته أكثر مما في حياته تعلن سرّ آلام المسيح، فخلالها سقط بيت الشيطان وتهشمت مملكة الموت. حقًا أن البيت الذي ضم أقطاب الفلسطينيين يرمز إلى بيت مملكة الشيطان (فيه يُعبد الإله داجون)، وقد جاء عنه أنه يرتكز على عمودين... هما بلا شك الطمع والملذات، فلا يوجد شر نفهمه إلاّ وينبع عن هذين الشرين... كما هو مكتوب: "لأن محبة المال أصل لكل الشرور" (1 تي 6: 10)، أما عن الملذات فقيل أنها تكدر الجسد (أم 11: 8). هذا وأن شمشون يُشير إلى ربنا يسوع المسيح، أما دليلة القاسية فتُشير إلى المجمع، شمشون اقتنصته دليلة، والمجمع اضطهد المسيح وصلبه على الجلجثة. أما كون شمشون الممثل للمسيح قد أُعمى فيُشير إلى المسيحيين الأشرار الذين آمنوا بالمسيح إلى حين ولم يثابروا على الإيمان والأعمال الصالحة... شمشون وُضعَ في السجن بينما نزل المسيح إلى الجحيم. شمشون بسط يديه للعمودين فانهار بيت الفلسطينيين بأقطابه، وبسط المسيح يديه لعارضتي الصليب كما لعمودين فانطرح بيت الشيطان أو مملكته وتدمر مع ملائكته]. ويرى القديس إيريناؤس: [الغلام الذي قاد شمشون بيده يُشير إلى يوحنا المعمدان الذي أظهر للناس الإيمان بالمسيح، أما البيت الذي اجتمعوا فيه فيُشير إلى العالم الذي يقطنه أمم وثنية متنوعة جاحدة للإيمان تقدم الذبائح للأوثان، وأن العمودين هما العهدان إن حقيقة اتكاء شمشون على العمودين تُشير إلى تعلم الشعب سرّ المسيح (الذي يهدم الوثنية)]. حادثتان أثناء عصر القضاة (ملحقان للسفر) إذ عرض لنا سفر القضاة معاملات الله مع شعبه خلال اثني عشر قاضيًا، خاتم السفر بحادثتين خطيرتين تمتا خلال هذه الحقبة، الأولى: "قصة تمثال ميخا" التي تكشف عن مدى زيغان الشعب على مستوى اللاويين والعلمانيين -أن صح هذا التعبير- نحو العبادة الوثنية ممتزجة بشكلية العبادة لله لإراحة الضمير وتسكينه؛ أما الثانية: "قصة اللاوي وسريته" فتكشف عن مدى الفساد الخلقي الذي بلغ إليه الشعب من شهوات وعنف بصورة لا توصف. يقدم لنا الوحي الإلهي هذه القصة ليكشف عن مدى العمى الروحي الذي أصاب الشعب، فإذ أرادت سيدة أن ترضي الرب أقامت أفودًا وترافيم في بيتها، وطلب ابنها ميخا من أحد أولاده أن يكون كاهنًا، حتى زارهم غلام من بني لاوي فحسبوه رضى من الله وعلامة سروره أن يستأجروا اللاوي في بيتهم كاهنًا. 1. إقامة التمثال: 1 وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ اسْمُهُ مِيخَا. 2 فَقَالَ لأُمِّهِ: «إِنَّ الأَلْفَ وَالْمِئَةَ شَاقِلِ الْفِضَّةِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْكِ، وَأَنْتِ لَعَنْتِ وَقُلْتِ أَيْضًا فِي أُذُنَيَّ. هُوَذَا الْفِضَّةُ مَعِي. أَنَا أَخَذْتُهَا». فَقَالَتْ أُمُّهُ: «مُبَارَكٌ أَنْتَ مِنَ الرَّبِّ يَا ابْنِي». 3 فَرَدَّ الأَلْفَ وَالْمِئَةَ شَاقِلِ الْفِضَّةِ لأُمِّهِ. فَقَالَتْ أُمُّهُ: «تَقْدِيسًا قَدَّسْتُ الْفِضَّةَ لِلرَّبِّ مِنْ يَدِي لابْنِي لِعَمَلِ تِمْثَال مَنْحُوتٍ وَتِمْثَال مَسْبُوكٍ. فَالآنَ أَرُدُّهَا لَكَ». 4 فَرَدَّ الْفِضَّةَ لأُمِّهِ، فَأَخَذَتْ أُمُّهُ مِئَتَيْ شَاقِلِ فِضَّةٍ وَأَعْطَتْهَا لِلصَّائِغِ فَعَمِلَهَا تِمْثَالًا مَنْحُوتًا وَتِمْثَالًا مَسْبُوكًا. وَكَانَا فِي بَيْتِ مِيخَا. 5 وَكَانَ لِلرَّجُلِ مِيخَا بَيْتٌ لِلآلِهَةِ، فَعَمِلَ أَفُودًا وَتَرَافِيمَ وَمَلأَ يَدَ وَاحِدٍ مِنْ بَنِيهِ فَصَارَ لَهُ كَاهِنًا. 6 وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ. كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ. "كان رجل من جبل أفرايم اسمه ميخا" [1]. حدثت هذه القصة قبل أيام شمشون؛ يبدو أن ميخا كان يدعى "ميخيهو" أي (من مثل يهوه) أو "ميخائيل" أي (من مثل الله)، ويرى علماء اليهود أنه قد صار اسمه "ميخا" بدل "ميخيهو" لأنه عبد الأوثان. اسمه الأول يدل على أن والديه كانا تقيين يعتقدان أن ليس مثل يهوه، لكن والدته انحرفت إلى العبادة الوثنية جنبًا إلى جنب مع عبادة الله فجعلت من الصنم مثلًا لله، وهذا يخالف اسم ابنها. ويبدو أن ميخا هذا سرق من والدته الغنية ألفًا ومئة شاقل من الفضة، وإذ لعنت السارق، لم يستطيع الابن أن يسمع اللعنة بأُذنيه فجاء بالفضة إلى أمه معترفًا [3]، أما هي فرفضت أن ترد الفضة إلى خزينتها بل أرادت تقديسها للرب بعمل تمثال منحوت وتمثال مسبوك تسلمها لابنها ليضعهما في بيته في موضع مقدس. هذه هي صورة إنسانة تقية أرادت أن تقدس فضتها المسروقة للرب فتُقدم بها تمثالين في بيت ابنها... وإن كان البعض يرى أنها لم تقصد العبادة الوثنية وإنما عبادة الله الحيّ خلال التمثالين... بهذا ظنت أنها تنزع اللعنة عن ابنها، وتجعل من بيته مقدسًا للرب. فعمل ميخا أفودًا أي ثيابًا للكهنة، كما عمل ترافيم وهي تماثيل آشورية تستخدم كآلهة خاصة بكل عائلة. وملأ ميخا يد أحد من بنيه [5] أي أعطاه تقدمات يقدمها للرب ككاهن للرب؛ هكذا أُقيم أحد أبناء ميخا كاهنًا ليس من قبل الرب بل من قبل أبيه، فكان العمل كله يكشف عن جهل العائلة وغباوتها سواء في إقامة آلهة أو ملابس الكهنة أو الكهنة أنفسهم. لكن ما حدث في هذه العائلة كان مثلًا للفساد العام حتى تكرر القول: "وفي تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل، كان كل واحد يعمل ما يحسن في عينيه" [6]. إن كان ميخا قد أقام من فضته لنفسه إلهًا، ومن ابنه كاهنًا حسب هواه، فإن كثيرين إلى يومنا هذا يريدون أن يقيموا آلهة حسب أهواءهم الخاصة، منهم الذين تحدث عنهم الرسول بولس: [آلهتهم بطونهم] (في 3: 19)، ومنهم من كانت آلهتهم كرامتهم الزمنية إلخ... أما بالنسبة للكهنة فكثيرون لا يطلبون كهنة مدعوين من الله يفصلون كلمة الحق باستقامة وإنما يريدون من أبنائهم كهنة حتى يقدمون لهم الوصية حسب أهوائهم ويشوهون الحق بما يشبع رغباتهم وملذاتهم. 7 وَكَانَ غُلاَمٌ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا مِنْ عَشِيرَةِ يَهُوذَا، وَهُوَ لاَوِيٌّ مُتَغَرِّبٌ هُنَاكَ. 8 فَذَهَبَ الرَّجُلُ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا لِكَيْ يَتَغَرَّبَ حَيْثُمَا اتَّفَقَ. فَأَتَى إِلَى جَبَلِ أَفْرَايِمَ إِلَى بَيْتِ مِيخَا وَهُوَ آخِذٌ فِي طَرِيقِهِ. 9 فَقَالَ لَهُ مِيخَا: «مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟» فَقَالَ لَهُ: «أَنَا لاَوِيٌّ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا، وَأَنَا ذَاهِبٌ لِكَيْ أَتَغَرَّبَ حَيْثُمَا اتَّفَقَ». 10 فَقَالَ لَهُ مِيخَا: «أَقِمْ عِنْدِي وَكُنْ لِي أَبًا وَكَاهِنًا، وَأَنَا أُعْطِيكَ عَشَرَةَ شَوَاقِلِ فِضَّةٍ فِي السَّنَةِ، وَحُلَّةَ ثِيَابٍ، وَقُوتَكَ». فَذَهَبَ مَعَهُ اللاَّوِيُّ. 11 فَرَضِيَ اللاَّوِيُّ بِالإِقَامَةِ مَعَ الرَّجُلِ، وَكَانَ الْغُلاَمُ لَهُ كَأَحَدِ بَنِيهِ. 12 فَمَلأَ مِيخَا يَدَ اللاَّوِيِّ، وَكَانَ الْغُلاَمُ لَهُ كَاهِنًا، وَكَانَ فِي بَيْتِ مِيخَا. 13 فَقَالَ مِيخَا: «الآنَ عَلِمْتُ أَنَّ الرَّبَّ يُحْسِنُ إِلَيَّ، لأَنَّهُ صَارَ لِيَ اللاَّوِيُّ كَاهِنًا». لم يقف الفساد عند الشعب وحدهم إذ أقام الكثيرون ترافيم في بيوتهم كآلهة يقدمون العبادة لله خلالها، فامتزجت العبادة الوثنية بعبادة الله الحيّ، وإنما حتى الكهنة واللاويين نسوا رسالتهم كأُناس نصيبهم الرب وعملهم خدمة الهيكل المقدس نيابة عن الجماعة كلها، وخرجوا يبحثون عن المال، فصاروا في وسط الجماعة يسألون عَمَّن يستأجرهم ليكونوا كهنة خصوصيين لهم. وفي أيام نحميا نجدهم يعملون في الحقول (نح 13: 10). هذه هي الخميرة التي كان يجب أن تحمل في داخلها عمل الله لتخمير العجين كله، قد انهمكت بأمور العالم، وصارت مستأجرة للعمل لا لحساب الله بل لحساب بطونهم. من بين هؤلاء اللاويين. وجد غلام أقام في بيت لحم بيهوذا حتى حُسب من عشيرة يهوذا وهو لاوي متغرب [7]، لم يجد هناك من يستأجره فترك بيت لحم وذهب إلى جبل أفرايم حيث التقى بميخا الذي سأله أن يقيم عنده ليكون اللاوي أبًا له وكاهنًا مقابل عشرة شواقل فضة وحلة ثياب بخلاف قوته اليومي. هكذا حسب ميخا نفسه سعيدًا إذ يقيم اللاوي كاهنًا عوض ابنه الذي كان له كاهنًا [5]. وجد الغلام اللاوي العرض سخيًا بالنسبة للظروف التي كان اللاويون يعيشون فيها فقبله. فرح ميخا إذ صار لديه الآلهة والأفود والكاهن لاويًا... صورة مؤلمة للفساد الذي دبّ في حياة إسرائيل في ذلك الوقت، كثمرة لالتصاقهم بالوثنيين ومشاركتهم عبادتهم متجاهلين الشريعة الإلهية. اغتصاب التمثالين والكاهن إن كانت قصة ميخا واستئجاره الغلام اللاوي كاهنًا تكشف عما أصاب إسرائيل من عمى روحي على مستوى الأفراد والعائلات، فإن اغتصاب سبط دان لتمثالي ميخا والكاهن المقيم عنده يكشف عما هو أمر وأقسى وهو أن هذا العمى أصابهم على مستوى الجماعة، على مستوى الأسباط، إذ أراد دان أن يقيم لنفسه إلهًا وكاهنًا ولو بالاغتصاب. 1. دان يطلب ميراثًا: 1 وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ، وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ كَانَ سِبْطُ الدَّانِيِّينَ يَطْلُبُ لَهُ مُلْكًا لِلسُّكْنَى لأَنَّهُ إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يَقَعْ لَهُ نَصِيبٌ فِي وَسَطِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. 2 فَأَرْسَلَ بَنُو دَانَ مِنْ عَشِيرَتِهِمْ خَمْسَةَ رِجَال مِنْهُمْ، رِجَالًا بَنِي بَأْسٍ مِنْ صُرْعَةَ وَمِنْ أَشْتَأُولَ لِتَجَسُّسِ الأَرْضِ وَفَحْصِهَا. وَقَالُوا لَهُمُ: «اذْهَبُوا افْحَصُوا الأَرْضَ». فَجَاءُوا إِلَى جَبَلِ أَفْرَايِمَ إِلَى بَيْتِ مِيخَا وَبَاتُوا هُنَاكَ. "وفي تلك الأيام لم يكن مَلِكٌ في إسرائيل؛ وفي تلك الأيام كان سبط الدانيين يطلب له مُلْكًا (ميراثًا) للسكنى، لأنه إلى ذلك اليوم لم يقع له نصيب في وسط أسباط إسرائيل" [1]. "في تلك الأيام لم يكن مَلِكٌ في إسرائيل"، إذ كان ذلك بعد موت يشوع في بداية فترة القضاة حيث لم يكن لإسرائيل ملك. رفضوا الرب ملكًا لهم، ولم يكن لهم حتى ملك أرضي فصار الكل يعمل ما يحسن في عينيه (قض 17: 6) على مستوى الأفراد أو العائلات أو الأسباط، ليس من قائد ولا من مدبر أو مشير! في هذه الآونة تطلع بنو دان فرأوا أن ما استلموه من أرض كميراث للسبط يُحسب كلا شيء بالنسبة لعددهم الضخم، وكأنهم بلا نصيب في وسط إسرائيل فاختاروا خمسة رجال من ذوي البأس كجواسيس يفحصون الأرض التي يطلبون امتلاكها... انطلق هؤلاء الرجال للعمل، وفي الطريق مالوا إلى بيت ميخا في جبل أفرايم وباتوا هناك. 2. الرسل في بيت ميخا: 3 وَبَيْنَمَا هُمْ عِنْدَ بَيْتِ مِيخَا عَرَفُوا صَوْتَ الْغُلاَمِ اللاَّوِيِّ، فَمَالُوا إِلَى هُنَاكَ وَقَالُوا لَهُ: «مَنْ جَاءَ بِكَ إِلَى هُنَا؟ وَمَاذَا أَنْتَ عَامِلٌ فِي هذَا الْمَكَانِ؟ وَمَا لَكَ هُنَا؟» 4 فَقَالَ لَهُمْ: «كَذَا وَكَذَا عَمِلَ لِي مِيخَا، وَقَدِ اسْتَأْجَرَنِي فَصِرْتُ لَهُ كَاهِنًا». 5 فَقَالُوا لَهُ: «اسْأَلْ إِذَنْ مِنَ اللهِ لِنَعْلَمَ: هَلْ يَنْجَحُ طَرِيقُنَا الَّذِي نَحْنُ سَائِرُونَ فِيهِ؟» 6 فَقَالَ لَهُمُ الْكَاهِنُ: «اذْهَبُوا بِسَلاَمٍ. أَمَامَ الرَّبِّ طَرِيقُكُمُ الَّذِي تَسِيرُونَ فِيهِ». إذ أقام الجواسيس الخمسة في بيت ميخا عرفوا صوت الغلام اللاوي [3]، هل بسبب سابق معرفة إذ كان الغلام قبلًا في بيت لحم وكانت هناك خلطة بين سبطي يهوذا ودان ليست بقليلة، أم عرفوه من لهجته أنه لاوي، أو سمعوه يخدم فعرفوه ككاهن، أو أنه سبق فمرّ بهم أثناء تجوله يطلب عملًا. بدأوا يسألونه عن سبب مجيئه وعمله بشيء من الاستغراب، ربما لأنهم لم يكونوا يتوقعون الالتقاء بلاوي كاهن في هذا الموقع. إذ عرفوا أنه كاهن سألوه أن يستشير الرب في أمرهم فكانت إجابته: "اذهبوا بسلام، أمام الرب طريقكم الذي تسيرون فيه" [6]، أي أن الله يكون حارسًا لطريقكم وحافظًا لكم يهتم بكم وينجح أعمالكم. إنها صورة تكشف عن بساطة قلوب الكثيرين لكنها بغير حكمة ولا فهم روحي... يشتاقون إلى التسليم في يدي الله ويتعطشون إلى الالتجاء إليه لكن شركتهم مع الوثنيين أفسدت أفكارهم. 7 فَذَهَبَ الْخَمْسَةُ الرِّجَالِ وَجَاءُوا إِلَى لاَيِشَ. وَرَأَوْا الشَّعْبَ الَّذِينَ فِيهَا سَاكِنِينَ بِطَمَأَنِينَةٍ كَعَادَةِ الصِّيْدُونِيِّينَ مُسْتَرِيحِينَ مُطْمَئِنِّينَ، وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ مُؤْذٍ بِأَمْرٍ وَارِثٌ رِيَاسَةً. وَهُمْ بَعِيدُونَ عَنِ الصِّيْدُونِيِّينَ وَلَيْسَ لَهُمْ أَمْرٌ مَعَ إِنْسَانٍ. 8 وَجَاءُوا إِلَى إِخْوَتِهِمْ إِلَى صُرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ. فَقَالَ لَهُمْ إِخْوَتُهُمْ: «مَا أَنْتُمْ؟» 9 فَقَالُوا: «قُومُوا نَصْعَدْ إِلَيْهِمْ، لأَنَّنَا رَأَيْنَا الأَرْضَ وَهُوَذَا هِيَ جَيِّدَةٌ جِدًّا وَأَنْتُمْ سَاكِتُونَ. لاَ تَتَكَاسَلُوا عَنِ الذَّهَابِ لِتَدْخُلُوا وَتَمْلِكُوا الأَرْضَ. 10 عِنْدَ مَجِيئِكُمْ تَأْتُونَ إِلَى شَعْبٍ مُطْمَئِنٍّ، وَالأَرْضُ وَاسِعَةُ الطَّرَفَيْنِ. إِنَّ اللهَ قَدْ دَفَعَهَا لِيَدِكُمْ. مَكَانٌ لَيْسَ فِيهِ عَوَزٌ لِشَيْءٍ مِمَّا فِي الأَرْضِ». كانت كلمات الغلام وهي أشبه بدعاء للبركة والتشجيع في نظرهم مشورة إلهية ونبوة دفعتهم للانطلاق إلى لايش أو (لشم) وتسمى حاليًا "تل القاضي"، وهي مدينة كنعانية في أقصى شمال فلسطين في الوادي الذي لبيت رحوب. اسمها "لايش" معناه (أسد). لقد وجد الجواسيس المدينة ضعيفة للغاية من الجانب العسكري، يسكنها جماعة من التجار هاجروا إليها من صيدون، يميلون إلى السلم حفاظًا على تجارتهم. وهي بعيدة عن صيدا، ولم تقم تحالفًا مع أحد، وبلا ملك... وكأن كل العوامل تسندهم على الاستيلاء عليها... لذلك رجع الجواسيس إلى أخوتهم يحثونهم على الانطلاق إليها بلا كسل. إن كانت "لايش" تعني (أسدًا)، فإنها تمثل مملكة إبليس التي لها اسم الأسد المرعب لكنها في واقعها ضعيفة للغاية وبلا ملك حقيقي ولا من يسندها، يستطيع المؤمن الحقيقي أن يهاجم العدو ويغتصب موقعه ويملك! ليتنا لا نهاب إبليس ولا نضطرب منه فهو مرعب بإغراءاته وخداعاته، لكننا إن تمسكنا بربنا يسوع المصلوب نقتحم مملكته فنجده غاية في الضعف. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إبليس ليس هو السبب في آلامنا لو أخذنا حذرنا منه... فإن ضعيفي الإرادة وغير المستعدين والكسالى يسقطون حتى ولو لم يوجد إبليس، يسقطون بأنفسهم في أعماق الشر...]. كما يقول: [لا نخاف الشيطان حتى ولو كان روحيًا بغير جسد، فليس شيء أضعف من ذاك الذي علاقته بنا هكذا (لا يسيطر علينا بغير سماح إلهي) ]. 11 فَارْتَحَلَ مِنْ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَةِ الدَّانِيِّينَ مِنْ صُرْعَةَ وَمِنْ أَشْتَأُولَ سِتُّ مِئَةِ رَجُل مُتَسَلِّحِينَ بِعُدَّةِ الْحَرْبِ. 12 وَصَعِدُوا وَحَلُّوا فِي قَرْيَةِ يَعَارِيمَ فِي يَهُوذَا. لِذلِكَ دَعَوْا ذلِكَ الْمَكَانَ «مَحَلَّةَ دَانٍ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ. هُوَذَا هِيَ وَرَاءَ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ. 13 وَعَبَرُوا مِنْ هُنَاكَ إِلَى جَبَلِ أَفْرَايِمَ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ مِيخَا. 14 فَأَجَابَ الْخَمْسَةُ الرِّجَالِ الَّذِينَ ذَهَبُوا لِتَجَسُّسِ أَرْضِ لاَيِشَ وَقَالُوا لإِخْوَتِهِمْ: «أَتَعْلَمُونَ أَنَّ فِي هذِهِ الْبُيُوتِ أَفُودًا وَتَرَافِيمَ وَتِمْثَالًا مَنْحُوتًا وَتِمْثَالًا مَسْبُوكًا. فَالآنَ اعْلَمُوا مَا تَفْعَلُونَ». 15 فَمَالُوا إِلَى هُنَاكَ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ الْغُلاَمِ اللاَّوِيِّ، بَيْتِ مِيخَا، وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ. 16 وَالسِّتُّ مِئَةِ الرَّجُلِ الْمُتَسَلِّحُونَ بِعُدَّتِهِمْ لِلْحَرْبِ وَاقِفُونَ عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ، هؤُلاَءِ مِنْ بَنِي دَانٍ. 17 فَصَعِدَ الْخَمْسَةُ الرِّجَالِ الَّذِينَ ذَهَبُوا لِتَجَسُّسِ الأَرْضِ وَدَخَلُوا إِلَى هُنَاكَ، وَأَخَذُوا التِّمْثَالَ الْمَنْحُوتَ وَالأَفُودَ وَالتَّرَافِيمَ وَالتِّمْثَالَ الْمَسْبُوكَ، وَالْكَاهِنُ وَاقِفٌ عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ مَعَ السِّتِّ مِئَةِ الرَّجُلِ الْمُتَسَلِّحِينَ بِعُدَّةِ الْحَرْبِ. 18 وَهؤُلاَءِ دَخَلُوا بَيْتَ مِيخَا وَأَخَذُوا التِّمْثَالَ الْمَنْحُوتَ وَالأَفُودَ وَالتَّرَافِيمَ وَالتِّمْثَالَ الْمَسْبُوكَ. فَقَالَ لَهُمُ الْكَاهِنُ: «مَاذَا تَفْعَلُونَ؟» 19 فَقَالُوا لَهُ: «اخْرَسْ! ضَعْ يَدَكَ عَلَى فَمِكَ وَاذْهَبْ مَعَنَا وَكُنْ لَنَا أَبًا وَكَاهِنًا. أَهُوَ خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَكُونَ كَاهِنًا لِبَيْتِ رَجُل وَاحِدٍ، أَمْ أَنْ تَكُونَ كَاهِنًا لِسِبْطٍ وَلِعَشِيرَةٍ فِي إِسْرَائِيلَ؟» 20 فَطَابَ قَلْبُ الْكَاهِنِ، وَأَخَذَ الأَفُودَ وَالتَّرَافِيمَ وَالتِّمْثَالَ الْمَنْحُوتَ وَدَخَلَ فِي وَسَطِ الشَّعْبِ. 21 ثُمَّ انْصَرَفُوا وَذَهَبُوا وَوَضَعُوا الأَطْفَالَ وَالْمَاشِيَةَ وَالثَّقَلَ قُدَّامَهُمْ. 22 وَلَمَّا ابْتَعَدُوا عَنْ بَيْتِ مِيخَا اجْتَمَعَ الرِّجَالُ الَّذِينَ فِي الْبُيُوتِ الَّتِي عِنْدَ بَيْتِ مِيخَا وَأَدْرَكُوا بَنِي دَانٍ، 23 وَصَاحُوا إِلَى بَنِي دَانٍ فَالْتَفَتُوا، وَقَالُوا لِمِيخَا: «مَا لَكَ صَرَخْتَ؟» 24 فَقَالَ: «آلِهَتِي الَّتِي عَمِلْتُ قَدْ أَخَذْتُمُوهَا مَعَ الْكَاهِنِ وَذَهَبْتُمْ، فَمَاذَا لِي بَعْدُ؟ وَمَا هذَا تَقُولُونَ لِي: مَا لَكَ؟» 25 فَقَالَ لَهُ بَنُو دَانٍ: «لاَ تُسَمِّعْ صَوْتَكَ بَيْنَنَا لِئَلاَّ يَقَعَ بِكُمْ رِجَالٌ أَنْفُسُهُمْ مُرَّةٌ، فَتَنْزِعَ نَفْسَكَ وَأَنْفُسَ بَيْتِكَ». 26 وَسَارَ بَنُو دَانٍ فِي طَرِيقِهِمْ. وَلَمَّا رَأَى مِيخَا أَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنْهُ انْصَرَفَ وَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ. انطلق ستمائة رجل حرب من عشيرة الدانيين ومعهم نسائهم وأولادهم وأمتعتهم [21]، وكأنهم منطلقون لا للحرب بل ليملكوا، إذ عادة رجال الحرب أن يخرجوا للحرب حتى يغلبوا وعندئذ إذ يستولون على الأرض يأتون بعائلاتهم، لكن هؤلاء الرجال استهانوا جدًا بسكان لايش وحسبوا امتلاكها أمرًا لا يحتاج إلى مجهود كبير وهو أمر محقق، لذا أخذوا نساءهم وأولادهم وأمتعتهم معهم ليملكوا. إنها صورة حيَّة للجهاد الروحي فينطق الإنسان كرجل حرب (روح قوية) ومعه امرأته (جسده) وأولاده (ثماره الروحية) وكل أمتعته (أي طاقاته)... حتى إذ يستولى على موقع كان قد احتله إبليس يستقر ليملك بروحه وجسده وثماره الروحية وكل إمكانياته المقدسة في الرب. صعدوا وحلوا في "قرية يعاريم" أي (قرية الغابات)، وهي إحدى مدن الجبعونيين الأربع (يش 9: 17) على تخم يهوذا وبنيامين (يش 15: 9-10؛ 18: 14-15) وتدعى "قرية بعل"، من نصيب يهوذا. يُرجح أنها قرية العنب التي تسمى أباغوش تبعد حوالي 9 أميال غربي أورشليم. حلوا بالقرية مدة ليست بقليلة حتى دعيت "محلة دان" [12]، وربما كانت إقامتهم على حدود القرية من ورائهم [12]، أي غربها، إذ اعتاد الكتاب أن يسمي الشرق أمام والغرب "وراء" والشمال "شماله" والجنوب "يمينه". انطلقوا من قرية يعاريم إلى جبل أفرايم حيث جاءوا إلى بيت ميخا، وإذ أخبرهم الجواسيس بوجود أفود وترافيم وتمثال منحوت وآخر مسبوك وكاهن وكأنها مقدسات للرب، أصر الرجال على اغتصابها لنوال بركتها... فاغتصبوها بلا عائق، ولما حاول الكاهن الاعتراض، قالوا له: "اخرس، ضع يدك على فمك واذهب معنا وكن لنا أبًا وكاهنًا. أهو خير لك أن تكون كاهنًا لبيت رجل واحد أم تكون كاهنًا لسبط ولعشيرة في إسرائيل؟!" [19]. صورة مؤلمة لمفاهيم الشعب في ذلك الحين وأيضًا الكاهن إذ طاب قلبه [20] عندما عرف أنه سيكون كاهنًا لجماعة كبيرة عوض تخصصه لبيت واحد. حمل الكاهن الأفود والترافيم والتمثال المنحوت لأنها أشياء خفيفة يمكن حملها أما التمثال المسبوك فتركه لهم لكي يحملونه... ودخل في وسط الشعب ليحتمي بهم من بيت ميخا. لقد وجد ما يشبع مطامعه ومن يحميه من الناس، لكنه لم يجد ما يشبع أعماقه ولا من ينزع منه خزيه! انطلقوا من بيت ميخا وكان الأطفال والماشية والثقل قدامهم [21]. إنهم سلكوا كجسديين، أما الإنسان الروحي فينطلق بروحه متقدمًا الجسد (امرأته) ومواهبه (الأطفال)، إذ يسلك الجسد بالروح القدس خاضعًا لعمل الروح، لا أن يتقدمه الجسد فتحيا الروح خاضعة لشهوات الجسد وملذاته ولا متكبرة بالمواهب (الأطفال). حاول ميخا وأهل بيته أن يستردوا معبوداتهم وكاهنهم حاسبًا أنهم كل رأسماله، إذ قال ميخا: "آلهتي التي عملت قد أخذتموها مع الكاهن وذهبتم، فماذا ليّ بعد؟! وماذا تقولون ليّ: مالك؟!" [24]. فهددوهم بنو دان... عندئذ رجع ميخا إلى بيته إذ رآهم أشد منه. 27 وَأَمَّا هُمْ فَأَخَذُوا مَا صَنَعَ مِيخَا، وَالْكَاهِنَ الَّذِي كَانَ لَهُ، وَجَاءُوا إِلَى لاَيِشَ إِلَى شَعْبٍ مُسْتَرِيحٍ مُطْمَئِنٍّ، وَضَرَبُوهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ وَأَحْرَقُوا الْمَدِينَةَ بِالنَّارِ. 28 وَلَمْ يَكُنْ مَنْ يُنْقِذُ لأَنَّهَا بَعِيدَةٌ عَنْ صِيْدُونَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْرٌ مَعَ إِنْسَانٍ، وَهِيَ فِي الْوَادِي الَّذِي لِبَيْتِ رَحُوبَ. فَبَنَوْا الْمَدِينَةَ وَسَكَنُوا بِهَا. 29 وَدَعَوْا اسْمَ الْمَدِينَةِ «دَانَ» بِاسْمِ دَانٍ أَبِيهِمِ الَّذِي وُلِدَ لإِسْرَائِيلَ. وَلكِنَّ اسْمَ الْمَدِينَةِ أَوَّلًا «لاَيِشُ». 30 وَأَقَامَ بَنُو دَانٍ لأَنْفُسِهِمِ التِّمْثَالَ الْمَنْحُوتَ. وَكَانَ يَهُونَاثَانُ ابْنُ جَرْشُومَ بْنُ مَنَسَّى هُوَ وَبَنُوهُ كَهَنَةً لِسِبْطِ الدَّانِيِّينَ إِلَى يَوْمِ سَبْيِ الأَرْضِ. 31 وَوَضَعُوا لأَنْفُسِهِمْ تِمْثَالَ مِيخَا الْمَنْحُوتَ الَّذِي عَمِلَهُ، كُلَّ الأَيَّامِ الَّتِي كَانَ فِيهَا بَيْتُ اللهِ فِي شِيلُوهَ. انطلقوا إلى "لايش" أي (الأسد) كما في عرينه حتى يحطموا قوته، وليس من يعينه! حطموا المدينة واحرقوها بالنار وأعادوا بناؤها من جديد، ودعوها دان... وكأنهم يمثلون المؤمن الذي ينزل إلى مياه المعمودية ليحطم بالسيد المسيح المصلوب قوته ويخلع أعماله الشريرة عنه، كمن يحرقها بالنار، ليحمل الإنسان الجديد على صورة خالقه. وعوض لايش التي لإبليس تقوم دان التي تعني إدانة الخطية بالصليب وخلال الدفن مع ربنا يسوع. كان يليق ببني دان وقد أحرقوا لايش وأقاموا دان أن يعيشوا للرب، لكنهم للأسف أٌقاموا لأنفسهم التمثال المنحوت... وكأنهم يمثلون المؤمنين الذين بعدما تمتعوا بالإنسان الجديد عادوا إلى الخطية وانحرفوا عن الحياة الإيمانية التقوية ليعيشوا حسب أهوائهم. اللاوي وسريته إن كانت قصة تمثاليّ ميخا تكشف عن عمي البصيرة الذي حلّ بالشعب لا على المستوى الفردي وحده وإنما على مستوى الجماعة أيضًا، فظنوا أنهم يرضون الله بإقامة تماثيل وأفود وترافيم مع كهنة خاصة إن كانوا من سبط لاوي، حتى وإن كان ذلك يتم اغتصابًا بالسرقة والعنف. فإن قصة اللاوي وسريته التي ارتكب معها أخوته بنو بليعال الشر الليل كله حتى الفجر حتى جاءت لتسقط عند الباب ميتة، تكشف عن بشاعة الفساد الخلقي الذي حلّ بهم في ذلك الحين. 1. اللاوي المتغرب وسريته: 1 وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ حِينَ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ، كَانَ رَجُلٌ لاَوِيٌّ مُتَغَرِّبًا فِي عِقَابِ جَبَلِ أَفْرَايِمَ، فَاتَّخَذَ لَهُ امْرَأَةً سُرِّيَّةً مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا. 2 فَزَنَتْ عَلَيْهِ سُرِّيَّتُهُ وَذَهَبَتْ مِنْ عِنْدِهِ إِلَى بَيْتِ أَبِيهَا فِي بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا، وَكَانَتْ هُنَاكَ أَيَّامًا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. 3 فَقَامَ رَجُلُهَا وَسَارَ وَرَاءَهَا لِيُطَيِّبَ قَلْبَهَا وَيَرُدَّهَا، وَمَعَهُ غُلاَمُهُ وَحِمَارَانِ. فَأَدْخَلَتْهُ بَيْتَ أَبِيهَا. فَلَمَّا رَآهُ أَبُو الْفَتَاةِ فَرِحَ بِلِقَائِهِ. 4 وَأَمْسَكَهُ حَمُوهُ أَبُو الْفَتَاةِ، فَمَكَثَ مَعَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَبَاتُوا هُنَاكَ. 5 وَكَانَ فِي الْيَوْمِ الرَّابعِ أَنَّهُمْ بَكَّرُوا صَبَاحًا وَقَامَ لِلذَّهَابِ. فَقَالَ أَبُو الْفَتَاةِ لِصِهْرِهِ: «أَسْنِدْ قَلْبَكَ بِكِسْرَةِ خُبْزٍ، وَبَعْدُ تَذْهَبُونَ». 6 فَجَلَسَا وَأَكَلاَ كِلاَهُمَا مَعًا وَشَرِبَا. وَقَالَ أَبُو الْفَتَاةِ لِلرَّجُلِ: «ارْتَضِ وَبِتْ، وَلْيَطِبْ قَلْبُكَ». 7 وَلَمَّا قَامَ الرَّجُلُ لِلذَّهَابِ، أَلَحَّ عَلَيْهِ حَمُوهُ فَعَادَ وَبَاتَ هُنَاكَ. 8 ثُمَّ بَكَّرَ فِي الْغَدِ فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ لِلذَّهَابِ. فَقَالَ أَبُو الْفَتَاةِ: «أَسْنِدْ قَلْبَكَ، وَتَوَانَوْا حَتَّى يَمِيلَ النَّهَارُ». وَأَكَلاَ كِلاَهُمَا. 9 ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ لِلذَّهَابِ هُوَ وَسُرِّيَّتُهُ وَغُلاَمُهُ، فَقَالَ لَهُ حَمُوهُ أَبُو الْفَتَاةِ: «إِنَّ النَّهَارَ قَدْ مَالَ إِلَى الْغُرُوبِ. بِيتُوا الآنَ. هُوَذَا آخِرُ النَّهَارِ. بِتْ هُنَا وَلْيَطِبْ قَلْبُكَ، وَغَدًا تُبَكِّرُونَ فِي طَرِيقِكُمْ وَتَذْهَبُ إِلَى خَيْمَتِكَ». 10 فَلَمْ يُرِدِ الرَّجُلُ أَنْ يَبِيتَ، بَلْ قَامَ وَذَهَبَ وَجَاءَ إِلَى مُقَابِلِ يَبُوسَ، هِيَ أُورُشَلِيمُ، وَمَعَهُ حِمَارَانِ مَشْدُودَانِ وَسُرِّيَّتُهُ مَعَهُ. كانت السرية زوجة شرعية لكنها في درجة أقل من الزوجة العادية، إذ كانت غالبًا من العبيد اللواتي يشترين بثمن، وكانت أحيانًا السرية من أسيرات الحرب... يروي لنا هذا الأصحاح عن لاوي كان يقطن متغربًا في عقاب جبل أفرايم أو عند سفحه كما جاء في بعض الترجمات، وكانت له سرية من بيت لحم يهوذا ارتكبت الزنا، إذ خافت هربت إلى بيت أبيها. ربما سمع زوجها عن توبتها وحزنها الشديد على ما ارتكبت فذهب إليها ليطيب خاطرها. وهناك أمسكه والدها ثلاثة أيام يقدم فيها واجب الضيافة حسب العادة، وبعد انتهاء الضيافة التقليدية بكر الرجل للسفر لكن والد الفتاة أظهر محبة بقوله: "اسند قلبك بكسرة خبز وبعد ذلك تذهبون" [5]، وبعد الأكل ألحّ عليه أن يبقى يومًا رابعًا. وإذ تكرر الأمر في اليوم الخامس أصر اللاوي أن يرحل في غروب اليوم ومعه الغلام وحماران مشدودان له ولسريته. 2. اللاوي يميل إلى جبعة بنيامين: 11 وَفِيمَا هُمْ عِنْدَ يَبُوسَ وَالنَّهَارُ قَدِ انْحَدَرَ جِدًّا، قَالَ الْغُلاَمُ لِسَيِّدِهِ: «تَعَالَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةِ الْيَبُوسِيِّينَ هذِهِ وَنَبِيتُ فِيهَا». 12 فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: «لاَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةٍ غَرِيبَةٍ حَيْثُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُنَا. نَعْبُرُ إِلَى جِبْعَةَ». 13 وَقَالَ لِغُلاَمِهِ: «تَعَالَ نَتَقَدَّمُ إِلَى أَحَدِ الأَمَاكِنِ وَنَبِيتُ فِي جِبْعَةَ أَوْ فِي الرَّامَةِ». 14 فَعَبَرُوا وَذَهَبُوا. وَغَابَتْ لَهُمُ الشَّمْسُ عِنْدَ جِبْعَةَ الَّتِي لِبَنْيَامِينَ. 15 فَمَالُوا إِلَى هُنَاكَ لِكَيْ يَدْخُلُوا وَيَبِيتُوا فِي جِبْعَةَ. فَدَخَلَ وَجَلَسَ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَضُمَّهُمْ أَحَدٌ إِلَى بَيْتِهِ لِلْمَبِيتِ. 16 وَإِذَا بِرَجُل شَيْخٍ جَاءَ مِنْ شُغْلِهِ مِنَ الْحَقْلِ عِنْدَ الْمَسَاءِ. وَالرَّجُلُ مِنْ جَبَلِ أَفْرَايِمَ، وَهُوَ غَرِيبٌ فِي جِبْعَةَ، وَرِجَالُ الْمَكَانِ بَنْيَامِينِيُّونَ. 17 فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَرَأَى الرَّجُلَ الْمُسَافِرَ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ الرَّجُلُ الشَّيْخُ: «إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟» 18 فَقَالَ لَهُ: «نَحْنُ عَابِرُونَ مِنْ بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا إِلَى عِقَابِ جَبَلِ أَفْرَايِمَ. أَنَا مِنْ هُنَاكَ، وَقَدْ ذَهَبْتُ إِلَى بَيْتِ لَحْمِ يَهُوذَا، وَأَنَا ذَاهِبٌ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى الْبَيْتِ. 19 وَأَيْضًا عِنْدَنَا تِبْنٌ وَعَلَفٌ لِحَمِيرِنَا، وَأَيْضًا خُبْزٌ وَخَمْرٌ لِي وَلأَمَتِكَ وَلِلْغُلاَمِ الَّذِي مَعَ عَبِيدِكَ. لَيْسَ احْتِيَاجٌ إِلَى شَيْءٍ». 20 فَقَالَ الرَّجُلُ الشَّيْخُ: «السَّلاَمُ لَكَ. إِنَّمَا كُلُّ احْتِيَاجِكَ عَلَيَّ، وَلكِنْ لاَ تَبِتْ فِي السَّاحَةِ». 21 وَجَاءَ بِهِ إِلَى بَيْتِهِ، وَعَلَفَ حَمِيرَهُمْ، فَغَسَلُوا أَرْجُلَهُمْ وَأَكَلُوا وَشَرِبُوا. 22 وَفِيمَا هُمْ يُطَيِّبُونَ قُلُوبَهُمْ، إِذَا بِرِجَالِ الْمَدِينَةِ، رِجَالِ بَنِي بَلِيَّعَالَ، أَحَاطُوا بِالْبَيْتِ قَارِعِينَ الْبَابَ، وَكَلَّمُوا الرَّجُلَ صَاحِبِ الْبَيْتِ الشَّيْخَ قَائِلِينَ: «أَخْرِجِ الرَّجُلَ الَّذِي دَخَلَ بَيْتَكَ فَنَعْرِفَهُ». 23 فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ الْرَّجُلُ صَاحِبُ الْبَيْتِ وَقَالَ لَهُمْ: «لاَ يَا إِخْوَتِي. لاَ تَفْعَلُوا شَرًّا. بَعْدَمَا دَخَلَ هذَا الرَّجُلُ بَيْتِي لاَ تَفْعَلُوا هذِهِ الْقَبَاحَةَ. 24 هُوَذَا ابْنَتِي الْعَذْرَاءُ وَسُرِّيَّتُهُ. دَعُونِي أُخْرِجْهُمَا، فَأَذِلُّوهُمَا وَافْعَلُوا بِهِمَا مَا يَحْسُنُ فِي أَعْيُنِكُمْ. وَأَمَّا هذَا الرَّجُلُ فَلاَ تَعْمَلُوا بِهِ هذَا الأَمْرَ الْقَبِيحَ». 25 فَلَمْ يُرِدِ الرِّجَالُ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ. فَأَمْسَكَ الرَّجُلُ سُرِّيَّتَهُ وَأَخْرَجَهَا إِلَيْهِمْ خَارِجًا، فَعَرَفُوهَا وَتَعَلَّلُوا بِهَا اللَّيْلَ كُلَّهُ إِلَى الصَّبَاحِ. وَعِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَطْلَقُوهَا. 26 فَجَاءَتِ الْمَرْأَةُ عِنْدَ إِقْبَالِ الصَّبَاحِ وَسَقَطَتْ عِنْدَ بَابِ بَيْتِ الرَّجُلِ حَيْثُ سَيِّدُهَا هُنَاكَ إِلَى الضَّوْءِ. 27 فَقَامَ سَيِّدُهَا فِي الصَّبَاحِ وَفَتَحَ أَبْوَابَ الْبَيْتِ وَخَرَجَ لِلذَّهَابِ فِي طَرِيقِهِ، وَإِذَا بِالْمَرْأَةِ سُرِّيَّتِهِ سَاقِطَةٌ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ، وَيَدَاهَا عَلَى الْعَتَبَةِ. 28 فَقَالَ لَهَا: «قُومِي نَذْهَبْ». فَلَمْ يَكُنْ مُجِيبٌ. فَأَخَذَهَا عَلَى الْحِمَارِ وَقَامَ الرَّجُلُ وَذَهَبَ إِلَى مَكَانِهِ. 29 وَدَخَلَ بَيْتَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ وَأَمْسَكَ سُرِّيَّتَهُ وَقَطَّعَهَا مَعَ عِظَامِهَا إِلَى اثْنَتَيْ عَشَرَةَ قِطْعَةً، وَأَرْسَلَهَا إِلَى جَمِيعِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ. 30 وَكُلُّ مَنْ رَأَى قَالَ: «لَمْ يَكُنْ وَلَمْ يُرَ مِثْلُ هذَا مِنْ يَوْمِ صُعُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. تَبَصَّرُوا فِيهِ وَتَشَاوَرُوا وَتَكَلَّمُوا». انطلق اللاوي وسريته والغلام إلى يبوس (أورشليم) حيث كان يسكنها اليبوسيون، وإذ أراد الغلام أن يميل ليبيت سأله اللاوي أن يذهبوا إلى جبعة بنيامين أو الرامة ليبيتوا بين إخوتهم اليهود، وإذ حلّ بهم الليل في الجبعة توقفوا في الساحة ولم يضمهم أحد للمبيت. في المساء تقدم إليهم رجل شيخ قادمًا من الحقل، وكان غريبًا عن جبعة؛ يبدو أنه رجل فقير جاء يعمل كأجير طوال اليوم في الحقول. تقدم الشيخ للاوي وتعرف عليه وعرف أنه لا يجد من يستضيفه. قال اللاوي: "عندنا تبن وعلف لحميرنا وأيضًا خبز وخمر ليّ ولأمتك وللغلام الذي مع عبيدك، ليس احتياج إلى شيء" [19]، وكأنه يود تأكيد أنه ليس في حاجة إلاّ إلى المبيت. استضافه الفلاح الشيخ الفقير وإذ كانوا يطيبون قلوبهم إذ برجال بني بليعال يحيطون بالبيت قارعين الباب طالبين من الشيخ أن يُخرج الضيف. هنا تعبير "بني بليعال" يراد به البطالون والأشرار الذين لا يخافون الله. حاول الشيخ إقناعهم بالعدول عن ذلك بإخراج ابنته العذراء والمرأة السرية للاوي يفعلون بهما ما يشاءون ولا يفعلون شرًا باللاوي فلم يقبلوا... هكذا يكشف عن استهانة الرجال بالنساء في ذلك الحين، واستخفافهم بخطية الزنا، فحسب إخراج ابنته وامرأة الضيف لهم ليفعلوا بهما الشر أكرم من أن يفعلوا شيئًا بالضيف. أمسك اللاوي بسريته وأخرجها إليهم إنقاذًا للموقف، فصنعوا معها الشر طوال الليل، فجاءت في الفجر وسقطت عند الباب ويداها على العتبة فاقدة الحياة... الأمر الذي ربما لم يكن يحدث لو باتوا في يبوس بين الغرباء. إن كانت قد ارتكبت الشر بإرادتها من أجل لذة الجسد، فها هي تموت حتى جسديًا بسبب ذات الخطية، فصارت لها شهواتها هي شوكة الموت. أما بسط يديها على العتبة فكان علامة استغاثتها برجلها الذي في جبن ألقى بامرأته خارجًا للشر لينام داخل البيت مستريحًا... إنها بهذا تخاطب ضميره الإنساني، وتمثل صورة مؤلمة لا تفارق ذهنه كل أيام حياته! حملها اللاوي على الحمار وانطلق بها في بيته ليقطعها بالسكين مع عظامها إلى اثنتي عشر قطعة ليرسلها إلى جميع تخوم إسرائيل، يطالبهم عمليًا بالثأر، ويشكو لهم فظاعة بني جبعة. لقد ارتكب عملًا وحشيًا بسبب شدة غيظه ورغبته في إثارة إسرائيل على جبعة... وبالفعل كان الأمر مثيرًا للغاية، حتى أن كل من رأى قطعة من جسم المرأة قال: "لم يكن ولم يُر مثل هذا من يوم صعود بني إسرائيل من أرض مصر إلى هذا اليوم، تبصروا فيه وتشاوروا وتكلموا" [30]. هذه قصة مُرّة بحق تعلن ما وصل إليه الكل من بشاعة ووحشية! إذ كتب البابا أثناسيوس الرسوليبخصوص المرارة التي حلت بالكنيسة بسبب الأريوسيين في خطاب دوري للأساقفة لم يجد ما يصف به الكنيسة من معاناة فقال أن ما تعانيه الكنيسة أقسى مما عاناه هذا اللاوي من جهة زوجته. وأقسى من كل اضطهاد، فإن اللاوي تضرر في شخص واحد هو زوجته أما ما فعله أريوس فأساء إلى إيمان الكنيسة كلها. حرب ضد سبط بنيامين إذ استلم كل سبط جزءًا من جسد زوجة اللاوي وسمع الكل عما ارتكبه أهل جبعة بها هاج الكل عليهم، وقام الكل ضدهم: 1. هياج الكل ضد جبعة: 1 فَخَرَجَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَاجْتَمَعَتِ الْجَمَاعَةُ كَرَجُل وَاحِدٍ، مِنْ دَانَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ مَعَ أَرْضِ جِلْعَادَ، إِلَى الرَّبِّ فِي الْمِصْفَاةِ. 2 وَوَقَفَ وُجُوهُ جَمِيعِ الشَّعْبِ، جَمِيعُ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ فِي مَجْمَعِ شَعْبِ اللهِ، أَرْبَعُ مِئَةِ أَلْفِ رَاجِل مُخْتَرِطِي السَّيْفِ. 3 فَسَمِعَ بَنُو بَنْيَامِينَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ صَعِدُوا إِلَى الْمِصْفَاةِ. وَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: «تَكَلَّمُوا، كَيْفَ كَانَتْ هذِهِ الْقَبَاحَةُ؟» 4 فَأَجَابَ الرَّجُلُ اللاَّوِيُّ بَعْلُ الْمَرْأَةِ الْمَقْتُولَةِ وَقَالَ: «دَخَلْتُ أَنَا وَسُرِّيَّتِي إِلَى جِبْعَةَ الَّتِي لِبَنْيَامِينَ لِنَبِيتَ. 5 فَقَامَ عَلَيَّ أَصْحَابُ جِبْعَةَ وَأَحَاطُوا عَلَيَّ بِالْبَيْتِ لَيْلًا وَهَمُّوا بِقَتْلِي، وَأَذَلُّوا سُرِّيَّتِي حَتَّى مَاتَتْ. 6 فَأَمْسَكْتُ سُرِّيَّتِي وَقَطَّعْتُهَا وَأَرْسَلْتُهَا إِلَى جَمِيعِ حُقُولِ مُلْكِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُمْ فَعَلُوا رَذَالَةً وَقَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ. 7 هُوَذَا كُلُّكُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ. هَاتُوا حُكْمَكُمْ وَرَأْيَكُمْ ههُنَا». 8 فَقَامَ جَمِيعُ الشَّعْبِ كَرَجُل وَاحِدٍ وَقَالُوا: «لاَ يَذْهَبُ أَحَدٌ مِنَّا إِلَى خَيْمَتِهِ وَلاَ يَمِيلُ أَحَدٌ إِلَى بَيْتِهِ. 9 وَالآنَ هذَا هُوَ الأَمْرُ الَّذِي نَعْمَلُهُ بِجِبْعَةَ. عَلَيْهَا بِالْقُرْعَةِ. 10 فَنَأْخُذُ عَشَرَةَ رِجَال مِنَ الْمِئَةِ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، وَمِئَةً مِنَ الأَلْفِ، وَأَلْفًا مِنَ الرِّبْوَةِ، لأَجْلِ أَخْذِ زَادٍ لِلشَّعْبِ لِيَفْعَلُوا عِنْدَ دُخُولِهِمْ جِبْعَةَ بِبَنْيَامِينَ حَسَبَ كُلِّ الْقَبَاحَةِ الَّتِي فَعَلَتْ بِإِسْرَائِيلَ». 11 فَاجْتَمَعَ جَمِيعُ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ عَلَى الْمَدِينَةِ مُتَّحِدِينَ كَرَجُل وَاحِدٍ. 12 وَأَرْسَلَ أَسْبَاطُ إِسْرَائِيلَ رِجَالًا إِلَى جَمِيعِ أَسْبَاطِ بَنْيَامِينَ قَائِلِينَ: «مَا هذَا الشَّرُّ الَّذِي صَارَ فِيكُمْ؟ 13 فَالآنَ سَلِّمُوا الْقَوْمَ بَنِي بَلِيَّعَالَ الَّذِينَ فِي جِبْعَةَ لِكَيْ نَقْتُلَهُمْ وَنَنْزِعَ الشَّرَّ مِنْ إِسْرَائِيلَ». فَلَمْ يُرِدْ بَنُو بَنْيَامِينَ أَنْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ إِخْوَتِهِمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. اجتمع بنو إسرائيل كرجل واحد من أقصى الشمال من دان (لايش) إلى بئر سبع في الجنوب، ومن أرض جلعاد شرقي الأردن (جبل عجلون) إلى بيت الرب في شيلوه (سيلون). اجتمع الكل في المصفاة (على بعد ثلاثة أميال من جبعة) مستعدًا للحرب، ما عدا أهل مدينة يابيش جلعاد، وإذ سمع الكل قصة اللاوي وما فعله أهل جبعة بسريته أصروا على مقاتلة سبط بنيامين ما لم يسلموا بني بليعال الذين في جبعة لقتلهم ونزع الشر منهم، فلم يرد بنو بنيامين أن يسمعوا لصوت أخوتهم بني إسرائيل [13]. كانت الشريعة تأمر بقتل أمثال هؤلاء الرجال وحرق مدينتهم بالنار وكل أمتعتهم لتصير تلًا لا تُبنى بعد (تث 13: 14-17)، لكن بنو بنيامين أرادوا الدفاع عنهم فحدث انشقاق بين الجماعة وخسروا نفوسًا كثيرة وكاد السبط أن يفنى. لم يفكر سبط بنيامين في ثمر الفساد المرّ وإنما كانت حساباته مادية، رأى في نفسه بالرغم من صغر عدده أنه قادر على مقاومة الجماعة كلها، إذ كان البنيامينيون مهرة في الحرب (1 أي 12: 2). ما أعظم أن يكون الإنسان صريحًا مع نفسه، يبتر الشر من داخله مهما يكن الثمن، غير مُتكل على إمكانياته الزمنية إنما يطلب بركة الرب الذي يقطن القلوب المقدسة ويحتضن الراجعين إليه. لننزع عنا بني بليعال ليس خوفًا من الجماعة وإنما تقديسًا لنفوسنا في الرب. 14 فَاجْتَمَعَ بَنُو بَنْيَامِينَ مِنَ الْمُدُنِ إِلَى جِبْعَةَ لِكَيْ يَخْرُجُوا لِمُحَارَبَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 15 وَعُدَّ بَنُو بَنْيَامِينَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْمُدُنِ سِتَّةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُل مُخْتَرِطِي السَّيْفِ، مَا عَدَا سُكَّانَ جِبْعَةَ الَّذِينَ عُدُّوا سَبْعَ مِئَةِ رَجُل مُنْتَخَبِينَ. 16 مِنْ جَمِيعِ هذَا الشَّعْبِ سَبْعُ مِئَةِ رَجُل مُنْتَخَبُونَ عُسْرٌ. كُلُّ هؤُلاَءِ يَرْمُونَ الْحَجَرَ بِالْمِقْلاَعِ عَلَى الشَّعْرَةِ وَلاَ يُخْطِئُونَ. 17 وَعُدَّ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ، مَا عَدَا بَنْيَامِينَ، أَرْبَعَ مِئَةِ أَلْفِ رَجُل مُخْتَرِطِي السَّيْفِ. كُلُّ هؤُلاَءِ رِجَالُ حَرْبٍ. 18 فَقَامُوا وَصَعِدُوا إِلَى بَيْتِ إِيلَ وَسَأَلُوا اللهَ وَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: «مَنْ يَصْعَدُ مِنَّا أَوَّلًا لِمُحَارَبَةِ بَنِي بَنْيَامِينَ؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «يَهُوذَا أَوَّلًا». 19 فَقَامَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الصَّبَاحِ وَنَزَلُوا عَلَى جِبْعَةَ. 20 وَخَرَجَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ لِمُحَارَبَةِ بَنْيَامِينَ، وَصَفَّ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ أَنْفُسَهُمْ لِلْحَرْبِ عِنْدَ جِبْعَةَ. 21 فَخَرَجَ بَنُو بَنْيَامِينَ مِنْ جِبْعَةَ وَأَهْلَكُوا مِنْ إِسْرَائِيلَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُل إِلَى الأَرْضِ. 22 وَتَشَدَّدَ الشَّعْبُ، رِجَالُ إِسْرَائِيلَ، وَعَادُوا فَاصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي اصْطَفُّوا فِيهِ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ. 23 ثُمَّ صَعِدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَبَكَوْا أَمَامَ الرَّبِّ إِلَى الْمَسَاءِ، وَسَأَلُوا الرَّبَّ قَائِلِينَ: «هَلْ أَعُودُ أَتَقَدَّمُ لِمُحَارَبَةِ بَنِي بَنْيَامِينَ أَخِي؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «اصْعَدُوا إِلَيْهِ». 24 فَتَقَدَّمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى بَنِي بَنْيَامِينَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، 25 فَخَرَجَ بَنْيَامِينُ لِلِقَائِهِمْ مِنْ جِبْعَةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَأَهْلَكَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْضًا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ رَجُل إِلَى الأَرْضِ. كُلُّ هؤُلاَءِ مُخْتَرِطُو السَّيْفِ. 26 فَصَعِدَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكُلُّ الشَّعْبِ وَجَاءُوا إِلَى بَيْتِ إِيلَ وَبَكَوْا وَجَلَسُوا هُنَاكَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَصَامُوا ذلِكَ الْيَوْمَ إِلَى الْمَسَاءِ، وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ أَمَامَ الرَّبِّ. 27 وَسَأَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الرَّبَّ، وَهُنَاكَ تَابُوتُ عَهْدِ اللهِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، 28 وَفِينَحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ وَاقِفٌ أَمَامَهُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، قَائِلِينَ: «أَأَعُودُ أَيْضًا لِلْخُرُوجِ لِمُحَارَبَةِ بَنِي بَنْيَامِينَ أَخِي أَمْ أَكُفُّ؟» فَقَالَ الرَّبُّ: «اصْعَدُوا، لأَنِّي غَدًا أَدْفَعُهُمْ لِيَدِكَ». اجتمع من رجال إسرائيل أربعمائة ألف رجل مخترطو سيف [2]، وأما من بنيامين ستة وعشرون ألفًا ماعدا سكان جبعة وهم سبعمائة رجل منتخبون عُسر، وكان هؤلاء السبعمائة يجيدون الهدف يرمون الحجر بالمقلاع على الشعرة ولا يخطئون [16]. والعجيب أن يكون في سبط بنيامين الذي يعني (ابن اليمين) هذا العدد من العُسر الذين يعملون بيسارهم ما يعمله غيرهم بيمينهم. لقد سألوا الله من يصعد منهم أولًا لمحاربة بني بنيامين فقال الرب: يهوذا أولًا [18] ومع ذلك انهزم إسرائيل أمام بني بنيامين وقُتل منهم 22 ألفًا. وتشدد الشعب مرة أخرى وصعدوا أمام الرب وبكوا إلى المساء وسألوا: "هل أعود أتقدم لمحاربة بني بنيامين أخي؟ فقال الرب: اصعدوا إليه" [23]، وفي هذه المرة أيضًا انهزم إسرائيل ومات منهم 18 ألفًا. وعادوا مرة ثالثة إلى بيت إيل حيث بكوا وجلسوا أمام الرب وصاموا اليوم كله حتى المساء وقدموا محرقات وذبائح سلامة أمام الرب وسألوا الرب حيث تابوت العهد قد نقل إلى بيت إيل...، فجاءت الإجابة: "اصعدوا لأني غدًا أدفعهم ليدك" [28]. لماذا انهزم بنو إسرائيل في المرة الأولى والثانية مع أنهم سألوا الرب؟ أولًا: ربما لأن إسرائيل لم يستشر الرب من أعماق قلبه إنما يمارس ذلك من قبيل الشكليات بعد أن أعد نفسه للحرب وأخذ قراره: "لا يذهب أحد منا إلى خيمته ولا يميل أحد إلى بيته" [8]، وألقوا القرعة ودبروا اختيار العشر منهم للحرب... وكأن سؤالهم للرب إنما هو عمل ثانوي تكميلي، فلا يحتل الله المركز الأول في حياتهم ولا يسألونه المشورة في انسحاق ولتضاع وتسليم. ثانيًا: كان سؤالهم في المرة الأولى: [مَنْ يصعد لمحاربة بني بنيامين أخي؟] وكأنهم أخذوا القرار بمحاربة أخيهم وبقى أن يسألوه عمن يصعد للحرب، وكأن اللائق بهم أولًا أن يسألوه هل يصعدون أم لا؟ لعل الله كان يرشدهم إلى مشورة أخرى بها ينزع الفساد دون سفك كل هذه الدماء. ثالثًا: في الدفعتين الأولى والثانية لم يقل لهم: "إني... أدفعهم ليدك"، فسمح لهم بالحرب لكن لم يعدهم بالنصرة لأنه إن كان أهل جبعة قد صنعوا هذا الفساد المرّ، فإن الفساد كان قد دبّ في الأسباط كلها، فكان لزامًا أن يتأدب إسرائيل أولًا حتى إذ يقدم توبة صادقة يعود الرب فيؤدب سبط بنيامين. الله لا يطلب صرخاتنا ولو طالت اليوم كله، إنما يطلب أولًا توبتنا ورجوعنا إليه، فإن تقدست أعماقنا يستجيب حتى للصرخات الخفية وتنهدات القلب غير المسموعة. ليتنا لا نكون كهذه الأسباط نمتلئ غيرة ضد فساد الآخرين بينما لا نبالي بالفساد الذي يدب في حياتنا الداخلية، حتى وإن بدا فساد الآخرين فاحشًا إن قورن بتصرفاتنا الخفية أو الظاهرة. بمعنى آخر لينق إسرائيل ما بالداخل حتى يقدر بالرب أن ينزع فساد الغير. 29 وَوَضَعَ إِسْرَائِيلُ كَمِينًا عَلَى جِبْعَةَ مُحِيطًا. 30 وَصَعِدَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى بَنِي بَنْيَامِينَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَاصْطَفُّوا عِنْدَ جِبْعَةَ كَالْمَرَّةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ. 31 فَخَرَجَ بَنُو بَنْيَامِينَ لِلِقَاءِ الشَّعْبِ وَانْجَذَبُوا عَنِ الْمَدِينَةِ، وَأَخَذُوا يَضْرِبُونَ مِنَ الشَّعْبِ قَتْلَى كَالْمَرَّةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ فِي السِّكَكِ الَّتِي إِحْدَاهَا تَصْعَدُ إِلَى بَيْتِ إِيلَ، وَالأُخْرَى إِلَى جِبْعَةَ فِي الْحَقْلِ، نَحْوَ ثَلاَثِينَ رَجُلًا مِنْ إِسْرَائِيلَ. 32 وَقَالَ بَنُو بَنْيَامِينَ: «إِنَّهُمْ مُنْهَزِمُونَ أَمَامَنَا كَمَا فِي الأَوَّلِ». وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا: «لِنَهْرُبْ وَنَجْذِبْهُمْ عَنِ الْمَدِينَةِ إِلَى السِّكَكِ». 33 وَقَامَ جَمِيعُ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَمَاكِنِهِمْ وَاصْطَفُّوا فِي بَعْلِ تَامَارَ، وَثَارَ كَمِينُ إِسْرَائِيلَ مِنْ مَكَانِهِ مِنْ عَرَاءِ جِبْعَةَ. 34 وَجَاءَ مِنْ مُقَابِلِ جِبْعَةَ عَشَرَةُ آلاَفِ رَجُل مُنْتَخَبُونَ مِنْ كُلِّ إِسْرَائِيلَ، وَكَانَتِ الْحَرْبُ شَدِيدَةً، وَهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الشَّرَّ قَدْ مَسَّهُمْ. 35 فَضَرَبَ الرَّبُّ بَنْيَامِينَ أَمَامَ إِسْرَائِيلَ، وَأَهْلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ بَنْيَامِينَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُل وَمِئَةَ رَجُل. كُلُّ هؤُلاَءِ مُخْتَرِطُو السَّيْفِ. 36 وَرَأَى بَنُو بَنْيَامِينَ أَنَّهُمْ قَدِ انْكَسَرُوا. وَأَعْطَى رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مَكَانًا لِبَنْيَامِينَ لأَنَّهُمُ اتَّكَلُوا عَلَى الْكَمِينِ الَّذِي وَضَعُوهُ عَلَى جِبْعَةَ. 37 فَأَسْرَعَ الْكَمِينُ وَاقْتَحَمُوا جِبْعَةَ، وَزَحَفَ الْكَمِينُ وَضَرَبَ الْمَدِينَةَ كُلَّهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. 38 وَكَانَ الْمِيعَادُ بَيْنَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ وَبَيْنَ الْكَمِينِ، إِصْعَادَهُمْ بِكَثْرَةٍ، عَلاَمَةَ الدُّخَانِ مِنَ الْمَدِينَةِ. 39 وَلَمَّا انْقَلَبَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ فِي الْحَرْبِ ابْتَدَأَ بَنْيَامِينُ يَضْرِبُونَ قَتْلَى مِنْ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ نَحْوَ ثَلاَثِينَ رَجُلًا، لأَنَّهُمْ قَالُوا: «إِنَّمَا هُمْ مُنْهَزِمُونَ مِنْ أَمَامِنَا كَالْحَرْبِ الأُولَى». 40 وَلَمَّا ابْتَدَأَتِ الْعَلاَمَةُ تَصْعَدُ مِنَ الْمَدِينَةِ، عَمُودَ دُخَانٍ، الْتَفَتَ بَنْيَامِينُ إِلَى وَرَائِهِ وَإِذَا بِالْمَدِينَةِ كُلِّهَا تَصْعَدُ نَحْوَ السَّمَاءِ. 41 وَرَجَعَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ وَهَرَبَ رِجَالُ بَنْيَامِينَ بِرَعْدَةٍ، لأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الشَّرَّ قَدْ مَسَّهُمْ. 42 وَرَجَعُوا أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي طَرِيقِ الْبَرِّيَّةِ، وَلكِنَّ الْقِتَالَ أَدْرَكَهُمْ، وَالَّذِينَ مِنَ الْمُدُنِ أَهْلَكُوهُمْ فِي وَسَطِهِمْ. 43 فَحَاوَطُوا بَنْيَامِينَ وَطَارَدُوهُمْ بِسُهُولَةٍ، وَأَدْرَكُوهُمْ مُقَابَلَ جِبْعَةَ لِجِهَةِ شُرُوقِ الشَّمْسِ. 44 فَسَقَطَ مِنْ بَنْيَامِينَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ رَجُل، جَمِيعُ هؤُلاَءِ ذَوُو بَأْسٍ. 45 فَدَارُوا وَهَرَبُوا إِلَى الْبَرِّيَّةِ إِلَى صَخْرَةِ رِمُّونَ. فَالْتَقَطُوا مِنْهُمْ فِي السِّكَكِ خَمْسَةَ آلاَفِ رَجُل، وَشَدُّوا وَرَاءَهُمْ إِلَى جِدْعُومَ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ أَلْفَيْ رَجُل. 46 وَكَانَ جَمِيعُ السَّاقِطِينَ مِنْ بَنْيَامِينَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُل مُخْتَرِطِي السَّيْفِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. جَمِيعُ هؤُلاَءِ ذَوُو بَأْسٍ. 47 وَدَارَ وَهَرَبَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ إِلَى صَخْرَةِ رِمُّونَ سِتُّ مِئَةِ رَجُل، وَأَقَامُوا فِي صَخْرَةِ رِمُّونَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. 48 وَرَجَعَ رِجَالُ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى بَنِي بَنْيَامِينَ وَضَرَبُوهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ مِنَ الْمَدِينَةِ بِأَسْرِهَا، حَتَّى الْبَهَائِمَ، حَتَّى كُلَّ مَا وُجِدَ. وَأَيْضًا جَمِيعُ الْمُدُنِ الَّتِي وُجِدَتْ أَحْرَقُوهَا بِالنَّارِ. إذ كان إسرائيل قد تأدب في الدفعتين السابقتين وتذلل بالتوبة أمام الله، انطلق للحرب هذه المرة في اليوم الثالث من بداية الحرب [29، 30]، وكما نعلم أن اليوم الثالث يشير إلى تمتعنا بقيامة السيد المسيح، فلا نصرة ضد الخطية ولا غلبة على قوات الظلمة إلاّ بالتمتع بقوة قيامة الرب فينا. دبر إسرائيل كمينًا يحيط بالجبعة وظهر إسرائيل أمام بنيامين ليجتبه خارج المدينة، وإذ بدأ بنيامين يضرب كاليومين السابقين انطلق إسرائيل البعض إلى السكك أي الطرق العامة المؤدية إلى بيت إيل والآخر نحو حقل جبعة، وكان هناك كمين مختفيًا في بعل تامار أي (إله البلح أو التمر) وفي عراء جبعة، أي في أرض بلا شجر ولا بيوت مختف وراء الصخور... انطلق الكمين المختفي وراء المدينة واقتحمها وضربها بالسيف وإذ أشعلها بالنار وصعد الدخان نحو السماء خرج الكمين الآخر فسقط من بنيامين 25 ألفًا من مخترطي الحرب منهم 18000 قتلوا في الحرب، 5000 في الطرق، 2000 عند صخرة رمون (صخرة الرمان) فيكون المجموع 25000، وبشيء من التدقيق 25100 نسمة [35]، وقد هرب 600 رجلًا إلى صخرة رمون ليقيموا هناك 4 أشهر [47]، ربما تركهم الإسرائيليون استهانة بعددهم. أما بقية رجال حرب بنيامين الذين كانوا يبلغون 26700 نسمة، أي ألف نسمة فغالبًا ما قتلوا في اليومين الأولين حينما غلب بنيامين إسرائيل. على أي الأحوال خسر إسرائيل في اليومين الأولين حوالي 40 ألفًا وفي اليوم الثالث ثلاثين رجلًا، وخسر بنيامين كل رجاله أما مقتولين أو هاربين... هذه هي ثمرة الخطية والفساد. مرارة في إسرائيل إذ تحطم سبط بنيامين شعر إسرائيل أنه فقد سبطًا بأكمله من أسباطه الاثني عشر، فحدث مرارة وندم. 1. ندم إسرائيل: 1 وَرِجَالُ إِسْرَائِيلَ حَلَفُوا فِي الْمِصْفَاةِ قَائِلِينَ: «لاَ يُسَلِّمْ أَحَدٌ مِنَّا ابْنَتَهُ لِبَنْيَامِينَ امْرَأَةً». 2 وَجَاءَ الشَّعْبُ إِلَى بَيْتِ إِيلَ وَأَقَامُوا هُنَاكَ إِلَى الْمَسَاءِ أَمَامَ اللهِ، وَرَفَعُوا صَوْتَهُمْ وَبَكَوْا بُكَاءً عَظِيمًا. 3 وَقَالُوا: «لِمَاذَا يَا رَبُّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ حَدَثَتْ هذِهِ فِي إِسْرَائِيلَ، حَتَّى يُفْقَدَ الْيَوْمَ مِنْ إِسْرَائِيلَ سِبْطٌ؟» 4 وَفِي الْغَدِ بَكَّرَ الشَّعْبُ وَبَنَوْا هُنَاكَ مَذْبَحًا، وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ. 5 وَقَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: «مَنْ هُوَ الَّذِي لَمْ يَصْعَدْ فِي الْمَجْمَعِ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ؟» لأَنَّهُ صَارَ الْحَلْفُ الْعَظِيمُ عَلَى الَّذِي لَمْ يَصْعَدْ إِلَى الرَّبِّ إِلَى الْمِصْفَاةِ قَائِلًا: «يُمَاتُ مَوْتًا». 6 وَنَدِمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى بَنْيَامِينَ أَخِيهِمْ وَقَالُوا: «قَدِ انْقَطَعَ الْيَوْمَ سِبْطٌ وَاحِدٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ. 7 مَاذَا نَعْمَلُ لِلْبَاقِينَ مِنْهُمْ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ، وَقَدْ حَلَفْنَا نَحْنُ بِالرَّبِّ أَنْ لاَ نُعْطِيَهُمْ مِنْ بَنَاتِنَا نِسَاءً؟» 8 وَقَالُوا: «أَيُّ سِبْطٍ مِنْ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ لَمْ يَصْعَدْ إِلَى الرَّبِّ إِلَى الْمِصْفَاةِ؟». وَهُوَذَا لَمْ يَأْتِ إِلَى الْمَحَلَّةِ رَجُلٌ مِنْ يَابِيشِ جِلْعَادَ إِلَى الْمَجْمَعِ. 9 فَعُدَّ الشَّعْبُ فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رَجُلٌ مِنْ سُكَّانِ يَابِيشِ جِلْعَادَ. 10 فَأَرْسَلَتِ الْجَمَاعَةُ إِلَى هُنَاكَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُل مِنْ بَنِي الْبَأْسِ، وَأَوْصَوْهُمْ قَائِلِينَ: «اذْهَبُوا وَاضْرِبُوا سُكَّانَ يَابِيشِ جِلْعَادَ بِحَدِّ السَّيْفِ مَعَ النِّسَاءِ وَالأَطْفَالِ. 11 وَهذَا مَا تَعْمَلُونَهُ: تُحَرِّمُونَ كُلَّ ذَكَرٍ وَكُلَّ امْرَأَةٍ عَرَفَتِ اضْطِجَاعَ ذَكَرٍ». 12 فَوَجَدُوا مِنْ سُكَّانِ يَابِيشِ جِلْعَادَ أَرْبَعَ مِئَةِ فَتَاةٍ عَذَارَى لَمْ يَعْرِفْنَ رَجُلًا بِالاِضْطِجَاعِ مَعَ ذَكَرٍ، وَجَاءُوا بِهِنَّ إِلَى الْمَحَلَّةِ إِلَى شِيلُوهَ الَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. 13 وَأَرْسَلَتِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا وَكَلَّمَتْ بَنِي بَنْيَامِينَ الَّذِينَ فِي صَخْرَةِ رِمُّونَ وَاسْتَدْعَتْهُمْ إِلَى الصُّلْحِ. 14 فَرَجَعَ بَنْيَامِينُ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ، فَأَعْطَوْهُمْ النِّسَاءَ اللَّوَاتِي اسْتَحْيَوْهُنَّ مِنْ نِسَاءِ يَابِيشِ جِلْعَادَ. وَلَمْ يَكْفُوهُمْ هكَذَا. 15 وَنَدِمَ الشَّعْبُ مِنْ أَجْلِ بَنْيَامِينَ، لأَنَّ الرَّبَّ جَعَلَ شَقًّا فِي أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. غلب إسرائيل بنيامين لكن بقيت النفوس مرة، فقد شعر إسرائيل أنه فقد سبطًا من أسباطه الاثني عشر، إذ لم يبق منه إلاّ ستمائة رجل حرب هاربين في صخرة رمون، وكانوا قد أقسموا قبلًا في المصفاة ألا يسلم أحد ابنته زوجة لبنياميني، وكأنهم بهذا حكموا على السبط بالزوال نهائيًا. لذلك جاء الشعب إلى بيت إيل وصار يبكي بكاءً عظيمًا. ندم إسرائيل... وإذ كانوا قد حذروا كل مدينة لا تشترك معهم في الحرب أرسلوا 12 ألفًا من رجال الحرب إلى مدينة يابيش جلعاد، المدينة الوحيدة التي لم تشترك مع الجماعة في الحرب، فضربوا المدينة بحد السيف وقتلوا رجالها ونساءها وأطفالها ما عدا الفتيات العذارى، وكان عددهن 400 فتاة. أتوا بالفتيات إلى شيلوه، وإذ تصالح إسرائيل مع الـ600 رجلًا بنيامينيًا أعطوهم الفتيات نساء لهم لإحياء السبط من جديد. 2. تدبير أمر زواج البنيامينيين: 16 فَقَالَ شُيُوخُ الْجَمَاعَةِ: «مَاذَا نَصْنَعُ بِالْبَاقِينَ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ، لأَنَّهُ قَدِ انْقَطَعَتِ النِّسَاءُ مِنْ بَنْيَامِينَ؟» 17 وَقَالُوا: «مِيرَاثُ نَجَاةٍ لِبَنْيَامِينَ، وَلاَ يُمْحَى سِبْطٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ. 18 وَنَحْنُ لاَ نَقْدِرُ أَنْ نُعْطِيَهُمْ نِسَاءً مِنْ بَنَاتِنَا، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَلَفُوا قَائِلِينَ: مَلْعُونٌ مَنْ أَعْطَى امْرَأَةً لِبَنْيَامِينَ». 19 ثُمَّ قَالُوا: «هُوَذَا عِيدُ الرَّبِّ فِي شِيلُوهَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ شِمَالِيَّ بَيْتِ إِيلَ، شَرْقِيَّ الطَّرِيقِ الصَّاعِدَةِ مِنْ بَيْتِ إِيلَ إِلَى شَكِيمَ وَجَنُوبِيَّ لَبُونَةَ». 20 وَأَوْصَوْا بَنِي بَنْيَامِينَ قَائِلِينَ: «امْضُوا وَاكْمِنُوا فِي الْكُرُومِ. 21 وَانْظُرُوا. فَإِذَا خَرَجَتْ بَنَاتُ شِيلُوهَ لِيَدُرْنَ فِي الرَّقْصِ، فَاخْرُجُوا أَنْتُمْ مِنَ الْكُرُومِ وَاخْطِفُوا لأَنْفُسِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَتَهُ مِنْ بَنَاتِ شِيلُوهَ، وَاذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ بَنْيَامِينَ. 22 فَإِذَا جَاءَ آبَاؤُهُنَّ أَوْ إِخْوَتُهُنَّ لِكَيْ يَشْكُوا إِلَيْنَا، نَقُولُ لَهُمْ: تَرَاءَفُوا عَلَيْهِمْ لأَجْلِنَا، لأَنَّنَا لَمْ نَأْخُذْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتَهُ فِي الْحَرْبِ، لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ لَمْ تُعْطُوهُمْ فِي الْوَقْتِ حَتَّى تَكُونُوا قَدْ أَثِمْتُمْ». 23 فَفَعَلَ هكَذَا بَنُو بَنْيَامِينَ، وَاتَّخَذُوا نِسَاءً حَسَبَ عَدَدِهِمْ مِنَ الرَّاقِصَاتِ اللَّوَاتِي اخْتَطَفُوهُنَّ، وَذَهَبُوا وَرَجَعُوا إِلَى مُلْكِهِمْ وَبَنَوْا الْمُدُنَ وَسَكَنُوا بِهَا. 24 فَسَارَ مِنْ هُنَاكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى سِبْطِهِ وَعَشِيرَتِهِ، وَخَرَجُوا مِنْ هُنَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مُلْكِهِ. 25 فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ. كُلُّ وَاحِدٍ عَمِلَ مَا حَسُنَ فِي عَيْنَيْهِ. تزوج بعض البنيامينيين بالفتيات اللواتي من مدينة يابيش جلعاد، وأما الباقون فإذ لم يكن ممكنًا لإسرائيلي أن يعطيهم ابنته، أوصى شيوخ الجماعة رجال بنيامين أن يترقبوا خروج الفتيات في عيد الرب في شيلوه وإذ يرونهن خارجات يرقصن يخرج الرجال من الكروم ويأخذ كل منهم فتاة له زوجة، فإن جاء آباؤهن أو أخوتهن يطيب الشيوخ قلوبهم، بأنه لا وسيلة للبنيامينيين غير هذه حتى يعمروا مدنهم من جديد ولا ينقطع سبطهم من بين أسباط إسرائيل. وقد خُتم السفر بالعبارة: "في تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل، كل واحد عمل ما حسن في عينيه" [25]. وكأن غاية هذا السفر إعلان فساد قلب الإنسان ورغبته لا في الحرية وإنما في الإباحية ليعمل حسب هواه بلا ضابط. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
https://upload.chjoy.com/uploads/17502450344441.jpg زواج شمشون بأممية أصر شمشون أن يتزوج بأممية بالرغم من عدم رضا والديه في البداية، وقد أُقيمت وليمة لمدة سبعة أيام قدم فيها أحجية تعّرف عليها الفلسطينيون خلال زوجته. وقد حملت قصة زواجه أمورًا روحية عميقة. زواجه بأممية: 1 وَنَزَلَ شَمْشُونُ إِلَى تِمْنَةَ، وَرَأَى امْرَأَةً فِي تِمْنَةَ مِنْ بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. 2 فَصَعِدَ وَأَخْبَرَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَقَالَ: «قَدْ رَأَيْتُ امْرَأَةً فِي تِمْنَةَ مِنْ بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَالآنَ خُذَاهَا لِيَ امْرَأَةً». 3 فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ: «أَلَيْسَ فِي بَنَاتِ إِخْوَتِكَ وَفِي كُلِّ شَعْبِي امْرَأَةٌ حَتَّى أَنَّكَ ذَاهِبٌ لِتَأْخُذَ امْرَأَةً مِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ الْغُلْفِ؟» فَقَالَ شَمْشُونُ لأَبِيهِ: «إِيَّاهَا خُذْ لِي لأَنَّهَا حَسُنَتْ فِي عَيْنَيَّ». 4 وَلَمْ يَعْلَمْ أَبُوهُ وَأُمُّهُ أَنَّ ذلِكَ مِنَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ عِلَّةً عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ كَانَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ مُتَسَلِّطِينَ عَلَى إِسْرَائِيلَ. "ونزل شمشون إلى تمنة ورأى امرأة في تمنة من بنات الفلسطينيين، فصعد وأخبر أباه وأمه وقال: قد رأيت امرأة في تمنة من بنات الفلسطينيين، فالآن خذاها ليّ امرأة... ولم يعلم أبوه وأمه أن ذلك من الرب، لأنه كان يطلب علة على الفلسطينيين" [1-2، 4]. "تمنة" اسم عبري معناه (قسم معين)، وهي مدينة على حدود أراضي يهوذا، أُعطيت بعد ذلك لسبط دان (يش 19: 43)، كان يقطنها فلسطينيون، تسمى حاليًا تبنة، على هضبة تعلو 740 قدمًا عن سطح البحر، لذلك فهي أقل ارتفاعًا من صرعة مدينة شمشون والتي تعلو 1500 قدمًا عن سطح البحر، لذا يقول: "نزل شمشون". وهي تبعد حوالي 3 أميال جنوب غربي بيت شمس. على خِلاف الشريعة التي تمنع الزواج بالأمميات (خر 34: 15-16) ومصاهرتهم (تث 7: 3-4) نزل شمشون إلى تمنة ليتزوج بامرأة فلسطينية يقول عنها القديس أغسطينوس أنها زانية، إن لم تكن جسديًا فهي زانية روحيًا بعبادتها الوثنية. لقد أصر شمشون أن يأخذ هذه الأممية بالرغم من رفض أبويه مبدئيًا، وإذ أعلن أنها حسنت في عينيه رضخ الأبوان وهما لا يعلمان "أن ذلك من الرب" [4]، إذ حول رغبة شمشون في الزواج من الغلف ليكون علة لهلاكهم. حمل هذا العمل رمزًا لعمل السيد المسيح، الذي نزل لا إلى "تمنة" أي إلى (قسم معين)، وإنما إلى الأرض ليخطب لنفسه من بين الأمم عروسًا هي كنيسته الممتدة من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها. نزل ليخطب البشرية لنفسه روحيًا، الأمر الذي لم تسترح له خاصته (جماعة اليهود) إذ لم يعلموا أن الأمر إلهي من قبل السماء عينها. |
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
https://upload.chjoy.com/uploads/17502450344441.jpg وَنَزَلَ شَمْشُونُ إِلَى تِمْنَةَ، وَرَأَى امْرَأَةً فِي تِمْنَةَ مِنْ بَنَاتِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. "تمنة" اسم عبري معناه (قسم معين)، وهي مدينة على حدود أراضي يهوذا، أُعطيت بعد ذلك لسبط دان (يش 19: 43)، كان يقطنها فلسطينيون، تسمى حاليًا تبنة، على هضبة تعلو 740 قدمًا عن سطح البحر، لذلك فهي أقل ارتفاعًا من صرعة مدينة شمشون والتي تعلو 1500 قدمًا عن سطح البحر، لذا يقول: "نزل شمشون". وهي تبعد حوالي 3 أميال جنوب غربي بيت شمس. |
الساعة الآن 01:59 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025