![]() |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
ما معنى أن للسيد المسيح طبيعة واحدة من طبيعتين؟ لقد اتحدت في السيد المسيح الطبيعة الإلهية مع الطبيعة البشرية كما رأينا بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغييّر، وبدون افتراق ولا انفصال، والإتحاد هو إتحاد طبيعي أقنومي على مستوى الطبائع وليس على مستوى الأشخاص، فشخص الله الكلمة اتخذ جسدًا ذو نفس عاقلة " والكلمة صار جسدًا" (يو 1: 14) وكان نتيجة هذا الإتحاد العجيب هو الإله المتأنس الذي يجمع بين صفات الطبيعة الإلهية وصفات الطبيعة البشرية، ونعود ونقول إن أقرب مثال على هذا هو الإنسان في إتحاد عنصريه الروح والجسد بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيِيّر، ويقول نيافة الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدَّس "هل اللاهوت تحوَّل إلى جسد؟ وهل الناسوت تحوَّل إلى لاهوت؟ لم يتحوَّل اللاهوت إلى جسد، ولا الناسوت إلى لاهوت، لكن في إتحادهما ونتيجة لهذا الإتحاد كان شخص السيد المسيحالذي يُفرّح القلوب. كان السيد المسيح مثلًا بمجرد أن يلمس أبرصًا يطهُر من برصه، فهذه اليد ليست يد عادية لأنها متحدة باللاهوت. قال له الأبرص " إن أردت تقدر أن تطهرني.. فمد يده ولمسه.. وللوقت.. ذهب عنه البرص" (مر 1: 40-42) (1). ففي التجسد أتحدت الطبيعة الإنسانية المحدودة بالطبيعة الإلهية غير المحدودة، فكان نتيجة إتحاد الطبيعتين هو الله المتأنس غير المحدود، ويمكن التعبير عن هذا المعنى بالمعادلة الآتية: طبيعة بشرية محدودة × طبيعة إلهية غير محدودة = الله المتأنس غير المحدود. وتعتبر عقيدة الطبيعة الواحدة كما قلنا من قبل في منتهى الأهمية، وبناءً عليها يتوقف خلاص الإنسان، لأنه لو ظلتا الطبيعتان منفصلتان لضاعت عقيدة الفداء أدراج الرياح، وهذا ما حمله لنا الفكر النسطوري، وفكر لاون من رياح فاسدة تقود للهلاك.. لماذا؟ لأنه في ظل انفصال الطبيعتين يكون المصلوب إنسانًا وليس إلهًا، وموت إنسان برئ محدود بلا شك يعجز تمامًا عن فداء البشرية في كل مكان وزمان، فهو لا يفدي إلا إنسانًا واحدًا فقط لا غير.. من أجل هذا تمسكت الكنيسة بعقيدة "طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة" والآن لندخل معًا يا صديقي إلى بستان الآباء القديسين لندرك مدى أهمية هذه العقيدة: في صلوات التسبحة: " واحد من أثنين .. لاهوت قدوس بغير فساد.. مساوٍ للآب، وناسوت طاهر.. بغير مباضعة.. مساوٍ لنا.. كالتدبير" (ثاؤطوكية الأحد). القديس فيلكس أسقف روما: الذي وُلِد سنة 210 م قال "نؤمن الآن بالمسيح يسوع إلهنا، ونعترف بأقنومه الواحد والشخص الواحد والطبيعة الواحدة التي لله الكلمة صار جسدًا، وأيضًا بالحبل بلا زريعة هو الله الكلمة صار جسدًا" (1). القديس بوليدس أسقف روما: قال عن السيد المسيح "فهو إذًا طبيعة واحدة وشخص واحد، وليس له ما يُقسم به أثنين، وليس للجسد طبيعة منفردة في ناحية، ولا اللاهوت طبيعة منفردة في ناحية.. بل مثل الإنسان الذي هو طبيعة واحدة، كذلك المسيح الذي صار في شبه البشر، فإن كانوا لا يعرفون الواحد بالإتحاد، فقد يمكنهم أيضًا أن يقسّموا الواحد كثيرًا، ويقال أنه طبائع كثيرة، لأن الجسد مجموع من أشكال كثيرة، من عظام وعروق ولحم وجلد وأظافر وشعر ودم وروح، وهذا كله متغير بعضه مع بعض وهو بالحقيقة طبيعة واحدة، واللاهوت والجسد هو واحد، لا ينقسم طبيعتين.. يلزم الذين يعتقدون بطبيعتين أن يسجدوا للواحدة ولا يسجدون للأخرى، وأن يعتمدوا بالتي لللاهوت ولا يعتمدون بالتي للناسوت" (2). البابا أثناسيوس الرسولي: قال " وهذا الواحد هو الإله، وهو ابن الله بالروح، وهو ابن الإنسان بالجسد، ولسنا نقول عن هذا الابن الواحد أنه طبيعتان، واحدة نسجد لها وأخرى لا نسجد لها. بل طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة، ونسجد له مع جسده سجدة واحدة، ولا نقول باثنين واحد هو ابن الله بالحقيقة وله نسجد، وآخر هو إنسان من مريم ولسنا نسجد له.. الذي وُلِد من العذراء القديسة هو ابن الله بالطبيعة وهو إله بالحقيقة وليس بالنعمة، فالذي يُعلّم غير هذا التعليم الذي هو من الكتب الإلهية ويقول أن ابن الله هو غير الإنسان المولود من مريم ويجعله ابنًا بالنعمة مثلنا.. فهذا الكنيسة المقدسة تحرمه" (3). البابا كيرلس الكبير: قال في رسالته إلى سوقينوس "إن الطبائع قبل الإتحاد طبيعتان، وأما بعد الإتحاد فلا نفرق الطبيعتين من بعضهما ولا نقول أنهما ابنان ولا نفصل ذلك الذي لم ينقسم، بل نقول أن الابن واحد كما قال الآباء وكيان الكلمة المتجسد واحد" (1). وفي رسالته إلى يوحنا الأنطاكي قال " هو مولود من الآب قبل الدهر بحسب لاهوته، وانه هو نفسه في الأيام الأخيرة، من أجلنا ومن أجل خلاصنا وُلِد من العذراء بحسب ناسوته.. هو نفسه من الجوهر نفسه الذي للآب حسب لاهوته، ومن نفس الجوهر الذي لنا بحسب ناسوته، لأنه قد حدث إتحاد بين الطبيعتين لأجل هذا نعترف بمسيح واحد، ابن واحد، رب واحد، وبحسب هذا الفهم للإتحاد بدون اختلاط نعترف بأن العذراء القديسة هي والدة الإله" (2). وعندما أرسل إلى البابا كيرلس سوكنس أسقف دياقيصارية الهيسوريا يسأله عما يقوله البعض أن للمسيح طبيعتين، فرد عليه قائلًا " ترى طبيعتين اجتمعتا بإتحاد من غير افتراق ولا امتزاج ولا استحالة، فالجسد هو جسد وليس هو لاهوتًا، وإن كان قد صار جسد الله، والكلمة أيضًا هو الإله وليس هو جسدًا.. إن الطبيعتين اجتمعتا طبيعة واحدة ومن بعد الإتحاد لا نفرق بعضهما من بعض، ولا نقسم الواحد الغير مقسوم ونجعله أثنين، بل نقول إنه ابن واحد وحيد مثلما قال آباؤنا، انه طبيعة واحدة الكلمة الذي تجسد" (3). يوحنا الأنطاكي: جاء في رسالته التي أرسلها للبابا كيرلس، وقد وافق عليها البابا كيرلس " نعترف أن ربنا يسوع، ابن الله الوحيد، هو إله كامل وإنسان كامل ذو نفس عاقلة وجسم، وهو مولود من الآب قبل الدهر بحسب لاهوته، وانه هو نفسه في الأيام الأخيرة، من أجلنا ومن أجل خلاصنا وُلِد من العذراء بحسب ناسوته، وهو نفسه، من الجوهر نفسه الذي للآب حسب لاهوته، ومن نفس الجوهر الذي لنا بحسب ناسوته، لأنه قد حدث إتحاد بين الطبيعتين. لأجل هذا نعترف بمسيح واحد، ابن واحد، رب واحد، وبحسب هذا الفهم للإتحاد بدون اختلاط نعترف بأن العذراء القديسة هي والدة الإله، لأن الكلمة قد تجسد وتأنس، ومنذ ذات الحمل به وحَّد الهيكل الذي أخذه منها مع ذاته" (1). البابا ديسقورس: قال "لا يجب أن يقال طبيعتان بعد التجسد والإتحاد بل طبيعة واحدة للإله المتجسد" (2). القديس غريغوريوس النزينزي: قال "ليس المسيح طبيعتين بعد الإتحاد ولا مفترقًا ولا مختلطًا فيما اجتمع من الجهتين، طبيعة اللاهوت وطبيعة الناسوت اجتمعتا إلى وحدانية وصارتا واحدًا" (3). القديس غريغوريوس النيؤلوغوس: قال "ليس الذي ولدته مريم إنسانًا مُعرَى من اللاهوت.. بل ابن واحد، وليس للمسيح طبيعتان بعد الإتحاد ولا هو مفترقًا ولا مختلطًا فيما اجتمع من الجهتين، لأن طبيعة اللاهوت وطبيعة الناسوت اجتمعتا إلى وحدانية وصارتا واحدًا وشخصًا واحدًا، ليس لهذا الأقنوم الواحد تغييّر بل هو كامل في كل شيء في النفس والعقل" (4). القديس باسيليوس: قال "لسنا نقول عن الابن أنه اثنان، ولا نقول اللاهوت منفردًا بذاته ولا الناسوت بذاته، بل نقول طبيعة واحدة وأقنومًا واحدًا" (5). إبن المكين: ونقتطف بعض العبارات من أقواله "إن الإتحاد كان بين الأزلي والزمني كإتحاد النفس بالبدن.. فصار الأزلي والزمني واحدًا.. وكل واحد من الجوهرين حافظ حقيقته لا تغيُّر فيها ولا استحالة.. لأن المفهوم من الإتحاد إنما هو مصير شيئين أو أكثر من شيئين شيء واحد.. فالمسيح إذًا هو واحد.. وهذا الواحد الموجود من الجوهرين لا يصح أن نطلق عليه إله وإنسان. بل إله متأنس.. إن كان بعد الإتحاد إلهًا وإنسانًا فهو إرادتان ومشيئتان. وقد قلت أن معنى الإتحاد يبطل هذا الرأي، فهو واحد موجود من جوهرين أزلي وزمني يصح عليه إطلاق التضاد فنقول: المسيح مات وأقام الموتى، والمسيح رسول ومُرسِل الرسل، والمسيح تألم والمسيح لم يتألم. وهذا الكلام لا يلزم منه وجود التناقض عند من يعلم شروط التناقض.. فهو جوهر من جوهرين، وليس جوهرين من بعد الإتحاد {وضرب مثلًا على هذا بالإنسان} فنقول أن الإنسان مائت وغير مائت، نائم وآكل وغير نائم وغير آكل. لأن البرهان قد قام على أنه جوهر من جوهرين، حقيقة من حقيقتين. من نفس غير مائتة ولا مركَّبة ومن جسم مائت ومركَّب، ولا يصح عليه التناقض" (1). وقال أيضًا مشبهًا إتحاد اللاهوت بالناسوت بإتحاد النفس بالجسد في الإنسان الواحد " هذا (الإنسان) واحد من أثنين، لا اثنان، أعني أن جوهرية نفسه وجسمه لم يتغيرا بعد إتحادهما، وهو واحد قائم من أثنين متضادين لأنه لا يصح لنا ولا يجوز أن نقول أن فعل بولس مثلًا وكلامه صادران عن بولسين، وكذا لا نقول أن أفعال بطرس وكلامه صادرة عن بطرسين، فهو واحد وإن كان متقومًا عن أثنين" (2). القديس بطرس السدمنتي: قال " إن الإله الكلمةنزل من السماء من غير انتقال ولا تغيير وتجسد من مريم العذراء بجسد كامل ذي نفس عاقلة ناطقة، فصار بالإتحاد أقنومًا واحدًا وطبيعة واحدة.. واشتق له من الإتحاد اسم حادث الذي هو المسيح. أنه لم يُسمى مسيحًا إلاَّ بإتحاد اللاهوت بالناسوت، وإذا كان الإتحاد قد أحَّدهما وجعلهما طبيعة واحدة فلا يجوز في العقل ولا في الشرع أن يقال أن فيهما بعد طبيعتين بل طبيعة واحدة. هل حصل مابين اللاهوت والناسوت إتحاد أم لا؟ فإن أنكر ( المعترض) يُكفَر بإجماع الفرق الثلاثة (اليعقوبية والملكية والنسطورية) وإذا قال بل صار الإتحاد. قلنا: وما هو الذي اتحد عندك؟ إذا كانت الطبائع اثنتين، والجواهر أثنين، والأفعال أثنين، والمشيئات أثنتين، فما ترى الإتحاد عندك قد عمل شيئًا، سواء اتحدا أو لم يتحدا، هما كان أثنين وقد بقيا أثنين بهذه الأدلة ثبت عندنا القول بأنه أقنوم واحد، طبيعة واحدة، جوهر واحد، فعل واحد، مشيئة واحدة" (1). الأنبا يوساب الأبح: قال "لا نقول أن في المسيح بعد الإتحاد طبيعتين أو أقنومين أو فعلين، بل طبيعة واحدة وفعل واحد يصدر عن المسيح الواحد". وجاء في كتاب الإيمان الصحيح في السيد المسيح ص 92، 93 طبعة بيروت 1864 م. أن المجمع اللاتراني المنعقد سنة 649 م. نص في القانون الخامس على أن "من لا يعتقد بموجب رأي الآباء القديسين أنه توجد طبيعة واحدة للإله الكلمة في المسيح خاصة وحقًا، دلالة على أن المسيح أخذ جوهرنا كله كاملًا ماعدا الخطية فليكن محرومًا" وهذا جعل أحد الأساقفة اللاتين يعلق قائلًا "إن الكنيسة الرومانية تعتقد وتعلم بوجود طبيعتين في المسيح، ثم تطعن بالحرم من لا يعتقد بأن المسيح هو طبيعة واحدة للكلمة المتجسد، كما تدوَّن ذلك في المجمع اللاتراني المنعقد بأمر القديس مرتينوس البابا" (2). قداسة البابا شنودة الثالث: قال " مَنْ الذي ولدته العذراء؟ هل ولدت إلهًا فقط؟ أم ولدت إنسانًا فقط، أم ولدت إلهًا وإنسانًا؟ أم ولدت الإله المتجسد؟ من المستحيل أن تكون قد ولدت إلهًا فقط لأنها ولدت طفلًا رآه الكل، ولا يمكن أن تكون ولدت إنسانًا فقط، لأن هذه هي طريقة نسطور! ثم ما معنى قول الكتاب " الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يُدعى ابن الله" (لو 1: 35)؟ وما معنى إن ابنها يُدعى عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (مت 1: 23) وما معنى قول أشعياء النبي "لأنه يولد لنا ولد ونُعْطَى ابنًا وتكون الرئاسة على كتفه ويُدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبا أبديًا رئيس السلام" (أش 9: 6) إذًا هو لم يكن مجرد إنسان ، وإنما كان ابن الله وعمانوئيل وإلهًا. والعذراء أيضًا لم تلد إنسانًا وإلهًا، وإلاَّ كان لها ابنان. الواحد منهما إله والآخر منهما إنسان. لم يبق إلاَّ أنها ولدت الإله المتجسد. إن المسيح ليس ابنين، أحدهما ابن الله المعبود، والآخر إنسان غير معبود. ونحن لا نفصل بين لاهوته وناسوته. لقد اتحدت في المسيح الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية في بطن العذراء. لذلك حينما زارت العذراء أليصابات قالت لها القديسة العجوز "من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليَّ" (لو 1: 34) وكانت مريم حُبلى ولم تلد ودُعيت أم الرب. إذًا ابن الله الوحيد هذا هو الذي نزل من السماء وتجسد، فالمركز الأصلي له هو لاهوته الذي نزل من بطن العذراء وتجسد، ولذلك استطاع أن يقول " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يو 8: 58) والذي قال هذا يسوع المسيح وهو يكلم اليهود، ولم يقل لاهوتي كائن قبل إبراهيم. وإنما قال " أنا كائن" مما يدل على وحدة الطبيعة فيه" (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
ما هي نتائج الإتحاد بين الطبيعتين؟ ج : من نتائج الإتحاد بين الطبيعتين ما يلي: أ - الولادة المعجزية للسيد المسيح: من العذراء مريم، فلولا إتحاد اللاهوت بالناسوت لاستحالت الولادة من فتاة عذراء، وتظل بكوريتها مختومة بعد الولادة.. يقول القديس يعقوب السروجي عن السيد المسيح بعد القيامة "دخل إلى التلاميذ والأبواب غير مفتوحة ليريهم أنه لما خرج لم يحل البتولية. دخل العلية كما خرج من البطن لكي لا يتعبوا بالفحص كيف وُلِد" (2) ب - ظهور الله المتأنس: "والكلمة صار جسدًا" (يو 1: 14) وليس معنى "صار" هنا الصيرورة والاستحالة والتغيُّير من حالة إلى أخرى، لأن الله "ليس عنده تغييّر ولا ظل دوران" (يع 1: 17) ولكن المقصود حين اتخذ الكلمة جسدًا، واتخذ في النص القبطي افتشي ساركس. وقال القديس أثناسيوس الرسول "إن الجسد والغير جسد اشتركا بالإجماع في طبيعة واحدة، ووجه واحد، وأقنوم واحد، واحد هو، وهو الله والإنسان معًا، وهو هو لا يقبل تغيِيّر ولا استحالة، بل أقنوم واحد، ووجه واحد، وفعل وطبيعة واحدة لله الكلمة الذي صار جسدًا" (1). وقال البابا كيرلس في الرسالة الرابعة لنسطور "نحن لا نقول أن طبيعة الكلمة تغيَّرت حينما صار جسدًا، وأيضًا نحن لا نقول أن الكلمة قد تغيرَّ إلى إنسان كامل من نفس وجسد. بل بالأحرى نقول أن الكلمة قد وحَّد مع نفسه أقنوميًّا، جسدًا محيًّا بنفس عاقلة وصار إنسانًا بطريقة لا يمكن التعبير عنها أو إدراكها" (2). ويقول سمعان بن كليل في كتابه روضة الفريد "قال البشير يوحنا والكلمة صار جسدًا وحلَّ فينا. بقوله " والكلمة صار جسدًا " فانه لم يرد بهذا القول أن الكلمة استحال عن كيانه أو تغيَّر عن هيئته فصار جسدًا، بل أراد أن يعلمنا أن الملاك لما بشَّر السيدة البتول اتحد اللاهوت الأزلي بالناسوت الزمني الموجود في فعل الإتحاد إتحادًا حقيقيًا أقنوميًا طبيعيًا إراديًا، لا فرقة معه، ولا تثنية فيه. اتحد الأزلي بالزمني، واللطيف بالكثيف بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيِيّر ولا استحالة احدهما إلى الآخر، كإتحاد الإنسان من النفس البسيطة والبدن الكثيف (الجسم) وإنسانية واحدة وجوهر واحد وأقنوم واحد، وذاته واحدة وطبيعته واحدة وإرادته واحدة" (3). وفي القداس الإلهي يصلي الأب الكاهن "أنت بغير استحالة تجسدت وتأنست، وشابهتنا في كل شيء ماخلا الخطية وحدها" وفي صلوات التسبحة نصلي " لأن غير المتجسد تجسد.. والكلمة تجسَّم.. وغير المبتدئ ابتدأ.. وغير الزمني صار زمنيًا.. غير المدرك لمسوه.. وغير المرئي رأوه.. ابن الله الحي صار.. بشريًَّا بالحقيقة" (لبش الأربعاء). ونقول أيضًا في طرح واطس ختام شهر كيهك "غير المتجسد تجسد، والغير مبتدئ صار مولودًا، والغير الزمني صار تحت الزمن، وغير المدرك صار محسوسًا، والغير مرئي صار مرئيًا، وابن الله صار ابن بشر بالحقيقة. يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد". ج - نتيجة الإتحاد إننا نقدم العبادة والسجود للمسيح الواحد: إننا نرفض الفكر النسطوري الذي يعبد اللاهوت ويكتفي بتقديم الاحترام للناسوت لأنه نال شرف مصاحبة اللاهوت، ويقول بوليدس أسقف روما في القرن الرابع " وإن كان الكلمة صار جسدًا كما هو مكتوب فإنه إذا سجد أحد للكلمة فقد سجد للجسد، وإذا سجد للجسد فقد سجد لللاهوت، هكذا الرسل أيضًا لما سجدوا للجسد المقدس فأنهم سجدوا للكلمة، وهكذا الملائكة كانوا يخدمون شكل الجسد ويعرفون انه ربهم ويسجدون له، وهكذا لما ولدت مريم العذراء الجسد فإنها ولدت الكلمة، فلأجل هذا هي والدة الإله بالحقيقة، ولما صلب اليهود الجسد فالله الكلمة المتجسد هو الذي صُلب، وليس في أحد الكتب نطق الله بشيء من الافتراق بين الكلمة وجسده بل هو طبيعة واحدة، وصورة واحدة، وفعل واحد، هو كله الإله وهو كله الإنسان، وهو فعل واحد" (1). د - نتيجة الإتحاد إن المعجزات التي صنعها الرب يسوع هي من عمل اللاهوت والناسوت معًا: فيد السيد المسيح كانت تمتد لتلمس المرضى ولسانه ينطق بكلمات الشفاء، وفمه يتفل على الأرض ليصنع عينين للمولود أعمى.. النبؤات التي نطق بها الرب يسوع كان ينطق بها بناسوته واللاهوت هو الذي كان يعطي المعرفة، وبعد الإتحاد العجيب لا يمكن ولا يجب التفرقة بين اللاهوت والناسوت إلاَّ بالذهن فقط. ه - نتيجة الإتحاد أطلق الإنجيل على السيد المسيح كل من الصفات الإلهية والناسوتية: فبالنسبة للصفات الإلهية فقد وصف الإنجيل السيد المسيح بأنه أزلي (يو 1: 1) وصرح السيد المسيح بأزليته قائلًا "قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن" (يو 8: 58) ورغم أن الأزلية من صفات اللاهوت دون الناسوت لكنه يقول "أنا" الواحد بعد الإتحاد معبرًا بهذا عن عمق الإتحاد، وقال أيضًا "أنا هو الأول والآخر. والحي وكنت ميتًا وها أنا حي إلى أبد الآبدين"( رؤ 1: 17، 18) ومع إن الأزلية (الأول) تخص اللاهوت، والموت (وكنت ميتًا) يخص الناسوت، لكنه لم يفرق بين هذا وذاك بالنسبة لشخصه المبارك "أنا" وقال بولس الرسول "يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد" (عب 13: 8) والمقصود بالأمس الأزلية، ومعلمنا بولس ينسبها للسيد المسيح الواحد بلاهوته وناسوته لم يفرق بينهما. وأيضًا نسب السيد المسيح لنفسه الوحدانية مع الآب " أنا والآب واحد" (يو 1: 30) والمساواة للآب (يو 17: 10) والبنوة لله (يو 17: 1) وبطرس الرسول عندما اعترف قال "أنت المسيح ابن الله الحي" فاعترف بالمسيح الواحد، ويقول أغناطيوس زكا الأول: فعلى صخرة الإيمان بابن الله الحي وُضِعت أساسات الكنيسة، ولا يُبنى إذًا أساس الكنيسة إلاَّ على المسيح الواحد، ولا يوجد مسيحان يمكننا أن نبني هذا الأساس على أحدهما دون الآخر، ولكن المسيح هو واحد لا غير، وهو ابن الله الحي وابن الإنسان (1) وأيضًا نسب الإنجيل للسيد المسيح أنه خالق الكل (يو 1: 3) وضابط الكل (عب 1: 3) وغير محدود (يو 3: 13) ويقول الأنبا ساويرس أسقف الأشمونين "فما معنى قوله أن الجسد نزل من السماء (يو 3: 13) وهو لم ينزل منها إلاَّ أنه قد اتحد بلاهوته الذي نزل من السماء إتحادًا أقنوميًا طبيعيًا، ولكي يحقق إتحاده جعل إنه (أي الجسد) نزل من السماء وهو لم ينزل منها، لأننا لا نقدر أن نقول أنه لم يتجسد من العذراء، أو نقول أنه نزل من السماء. بل نحقق ونؤمن أن ذلك الجسد الذي أخذه من مريم العذراء صار بالحقيقة طبيعة واحدة وأقنومًا واحدًا مع الذي نزل من السماء" (2)، وقدوس بلا خطية (يو 8:46) وقادر على كل شيء (رؤ 1: 8) وعالم بكل شيء (رؤ 2: 23).. إلخ. ونسب الإنجيل للسيد المسيح أيضًا الصفات البشرية مثل الجوع (مت 4: 1) والعطش (يو 4: 7، 19: 28) والتعب (يو 4: 6) والنوم (مت 8: 24) والاكتئاب والحزن (مر 14: 33، 34) والانزعاج والبكاء (يو 11:33، 35) والموت (يو 19: 33)... إلخ وقال البابا كيرلس الثالث " المسيح هو الكلمة المتجسد الذي وحَّد بين اللاهوت والناسوت وحدة بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيِيّر، وأنه أقنوم واحد بمشيئة واحدة لذلك نستطيع أن نصفه بكل الصفات الإلهية، وكل المميزات الإنسانية" (1) وإن تساءل أحد قائلًا: كيف ينسب السيد المسيح للناسوت أمور تخص اللاهوت؟ يجيبه البابا كيرلس الكبير قائلًا " وهذا القول نفهمه على النحو التالي: إن الكلمة يعطي جسده من صفاته، حتى إننا يمكنا أن نقول بسبب الإتحاد به (الناسوت) نزل من السماء، لأنه (الكلمة) عندما اتحد به جعله واحدًا معه" (2). و - نتيجة الإتحاد أن الإنجيل ينسب للسيد المسيح جميع الألقاب الإلهية، وأيضًا البشرية: فمن الألقاب الإلهية التي نسبها الإنجيل للسيد المسيح أنه الله (أع 20: 28) والإله (1 يو 5: 20) والمسيح الرب ( لو 2: 11) وعمانوئيل (مت 1: 23) وملك الملوك ورب الأرباب ( رؤ 19: 16) ورب الشريعة (مت 12: 8).. إلخ، ومن جهة الألقاب البشرية انه ابن الإنسان (يو 3: 13) وابن مريم (مر 6: 3) وابن يوسف (يو 1: 45) وابن داود (مت 1: 1) ويسوع النبي (مت 21: 11) ويسوع الناصري (مر 1: 24) والإنسان يسوع المسيح (1 تي 2: 15).. إلخ فكل من الألقاب الإلهية أو البشرية تُنسب للمسيح الواحد، ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم "اللاهوت والناسوت قد اتحدا معًا إتحادًا تامًا في المسيح حتى إنك تستطيع أن تقول عن هذا الإنسان هو الله". ز - نتيجة الإتحاد أن جميع الأعمال تنسب للمسيح الواحد: ولا يصح تقسيم الأعمال العظيمة مثل المعجزات الباهرات فننسبها لللاهوت دون الناسوت، والأعمال الأخرى المتواضعة مثل غسل الأرجل ننسبها للناسوت، ويقول القديس غريغوريوس الكبير "لا تفرقوا لاهوته عن ناسوته لأنه بعد الإتحاد غير منفصل وغير مختلط، وهو من البدء إله في كل زمان وصار إنسانًا وهو باق إلهًا، فإذا رأيته قد جاع أو عطش أو نام، أو رأيته يتعب ويُجلَد أو يُوثَق بالمسامير أو يموت بإرادته أو يُحرَس في قبر كميت، فلا تحسب هذا للجسد وحده، وإذا رأيته يشفي المرضى ويطهر البرص بالقول ويصنع أعينًا من طين فلا تحسب هذا للاهوته وحده.. له العجائب وله الآلام أيضًا وهو واحد فقط" (1). وقال أبو البركات بن كيلا " ولما جاء إلى قبر لعازر بكى كما يبكي ضعفاء القلوب، وناداه "لعازر هلمَّ خارجًا" فخرج من القبر مشدودًا كما دفن (يو 11: 43) ولما صُلِب على الخشبة كالمجرمين غفر خطايا اللص المصلوب عن يمينه وأدخله إلى الفردوس سابقًا الأبرار (لو 23: 43) ولما مات وشوهد بالعيان ميتًا طُعِن فخرج من جنبه دم وماء (يو 19: 30).. فالأفعال الإلهية والبشرية كلها متقابلة، والفعلان المتقابلان.. يصدران عن فاعل واحد وفي وقت واحد لهذا لا يجب أن نوقع عليه لفظ التثنية" (2). ح - نتيجة الإتحاد لا نفصل بين أقوال السيد المسيح: فلا نقول أن هذا القول يخص اللاهوت، وذاك يخص الناسوت، فيقول القديس كيرلس الكبير في الرسالة الثالثة لنسطور "نحن لا ننسب أقوال مخلصنا في الأناجيل إلى أقنومين أو شخصين منفصلين، لأن المسيح الواحد لا يكون أثنين، حتى لو أُدرِك أنه من أثنين ومن كيانين مختلفين اجتمعا إلى وحدة غير مقسمة، وكما هو طبيعي في حالة الإنسان الذي يُدرَك على أنه من نفس وجسد، ولكنه ليس أثنين بل بالحرى واحد من أثنين، ولكن لأننا لا نفكر بطريقة صحيحة فإننا نعتقد أن الأقوال التي قالها كإنسان أو تلك التي قالها كإله هي صادرة من واحد. فحينما يقول عن نفسه كإله "من رآني فقد رأى الآب" و"أنا والآب واحد" فنحن نفكر في طبيعته الإلهية التي تفوق الوصف.. دون أن يقلل من شأن ملء قامته الإنسانية.. لو كان قد تحاشى الكلمات التي تناسب الإنسان، فما الذي أجبره أن يصير إنسانًا مثلنا؟.. لذلك يجب أن تُنسب كل الأقوال التي في الأناجيل إلى شخص واحد إلى أقنوم الكلمة الواحد المتجسد، لأن الرب يسوع المسيح هو واحد حسب الكتب" (1). ط - نتيجة الإتحاد نستطيع أن ننسب آلام المسيح وموته لللاهوت: فيقول القديس أثناسيوس " الغير الجسماني (الله الكلمة) كان يحسب ما يختص بالجسد انه له، ولذلك لما لطم الجندي الجسد، قال له لماذا تلطمني كأنه هو المتألم.. قال أسلم ظهره للسياط، وخديه للطم، ولم أرد وجهي عن خزي البصاق، والذي نال جسد الكلمة كان الكلمة يقبله كأنه له، لأنه متحد بالجسد" (2). وقال القديس كيرلس الكبير في الرسالة الرابعة لنسطور " ليس أن كلمة الله (اللاهوت) تألم في طبيعته الخاصة أو ضُرب أو طُعن أو قَبل الجروح الأخرى، لأن الإلهي (اللاهوت) غير قابل للتألم حيث أنه غير جسمي. لكن حيث أن جسده الخاص الذي وُلِد عانى هذه الأمور، فانه يقال انه هو نفسه أيضًا قد عانى هذه الأمور لأجلنا، لأن ذلك الذي هو غير قابل للآلام كان في الجسد المتألم. وعلى نفس النسق نفكر أيضًا في موته. إن كلمة الله حسب الطبيعة غير مائت وغير فاسد لكونه هو الحياة ومعطي الحياة. ولكن بسبب أن جسده الخاص ذاق بنعمة الله الموت لأجل الجميع كما يقول بولس، لذلك يقال أنه نفسه قد عانى الموت لأجلنا.. وهكذا فنحن نعترف بمسيح واحد ورب، ليس إننا نعبد إنسانًا مع الكلمة حتى لا يظهران هناك انقسامًا باستعمال لفظة " مع " ولكننا نعبد واحد هو نفسه الرب" (3). والآن نضع السؤال صريحًا وواضحًا: هل نستطيع أن نقول أن الله مات على الصليب؟ ونترك الإجابة للقديس مار اسحق السرياني ليعلّمنا قائلًا "سمعت الناس يتساءلون: أمات الله أم لم يمت؟ يا للجهل! إن موته خلَّص الخليقة وهم يتساءلون إذا كان قد مات أم لم يمت.. إن نسطور وأوطاخي أقلقا المسامع إذ أنكر الأول لاهوت ربنا قائلًا: أنه إنسان محض، فرد عليه الثاني منكرًا ناسوته قائلًا: انه لم يتخذ جسدًا ناسوتيًا. لذلك فان مريم والدة الإله التي تجسَّد منها تعطي الويل لأوطاخي. كما إن العناصر التي اضطربت بالمصلوب تبصق على نسطور. فلولا انه إله كيف إظلمت الشمس وتشققت الصخور، ولو انه إنسان فمن الذي احتمل السياط، وبمن غُرزِت المسامير؟ حقًا لم يكن الجسد وحده معلقًا على خشبة الصليب بدون الله، ولم يكن الله يتألم في الجلجثة بدون الجسد، فافتخار البيعة العظيم هو ربنا له لاهوت وناسوت معًا، وليس في فرصوفين (شخصين) أو طبيعتين، فهو ابن واحد كامل من الآب ومن مريم ، كامل بلاهوته وكامل بناسوته، فالذي أرسله الآب هو بعينه وُلِد من أحشاء (العذراء مريم) والذي وُلِد من أحشاء مريم هو نفسه عُلّق فوق الجلجلة. فافتخار الكنيسة هو إن الله مات على الصليب. فإذا شاء أن يموت تجسَّد وذاق الموت بمشيئته. بل لولا أن رآه الموت متجسدًا لخاف أن يقترب منه، فمحروم من يفصل اللاهوت عن الجسد. إن طبيعة الوحيد هي واحدة، كما إن أقنومه أيضًا واحد مركَّب بدون تغيِيّر، فلا يتشككن فكرك حين تسمع أن الله قد مات، فلولا أنه مات لكان العالم مائتًا بعد. له موت الصليب وله القيامة.. لما يموت شخص فلا يقال أن جسده مات، ومع أن نصفه لم يذق الموت يقول عارفوه إن فلانًا قد مات.. إن اليهود صلبوا إلهًا واحدًا متجسدًا فوق الجلجلة. أجل، إن إلهًا واحدًا متجسدًا ضُرِب على رأسه بالقصبة، وإلهًا واحدًا متجسدًا تألم مع الخلائق" (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
هل إتحاد الطبيعتين ألغى خواص إحدى الطبيعتين؟ ج : لقد تم الإتحاد الكامل بين الطبيعتين، ولكن بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيِيّر، فاللاهوت ظل لاهوتًا بكل خصائصه الإلهية، والناسوت ظل ناسوتًا بكل خصائصه الناسوتية، وفي السيد المسيح الواحد رأينا خصائص اللاهوت والناسوت في آن واحد، فهو الطفل الذي يرضع اللبن وهو الإله المانح الحياة.. العذراء ترعاه والمجوس يسجدون له.. هرب إلى أرض مصر وأمامه سقطت الأوثان.. على جبل التجربة "جاع أخيرًا" (مت 4: 2) وهو الإله الذي لا يجوع بل يشبع الكل من رضاه.. على بئر السامرية "تعب من السفر" (يو 4: 6) وهو مريح التعابى، وعطش (يو 4: 7) وهو الينبوع الذي يروي كل عطشان، في السفينة تعب ونام (لو 8: 23) وهو الإله الذي لا ينعس ولا ينام (مز 121: 4).. كان يصلي (لو 5: 16) وهو قابل الصلوات.. وفي البستان حزن وأكتئب وقال "نفسي حزينة جدًا حتى الموت" (مت 26: 37، 38) وهو المنزَّه عن كل ألم جسداني ونفساني، وعلى الصليب " نكس الرأس وأسلم الروح" (يو 19: 30) وهو الذي يقيم الموتى.. هو الميت الحي الذي سبحه يوسف مع نيقوديموس قائلين "قدوس الحي الذي لا يموت". ولنصعد يا أحبائي إلى بستان الآباء القديسين لنتذوق من ثمار أقوالهم الحلوة: + البابا الكسندروس: قال متعجبًا " الديان دانوه، والذي يحل رباط الموت ربطوه، والذي يضبط العالم ضبطوه، والذي يعطي الحياة للبشر أطعموه مرارة، ومات المحيي وقبروا الذي يُقيم الموتى، تعجبت قوات السموات في ذلك الزمان، وبهتت الملائكة وفزعت الاستقصات (العناصر) وتعجبت الخليقة كلها، وقالت هوذا الديان يُدان وهو ساكت، والغير مرئي يُرى ولا يُسأل.. والغير متألم تألم ولم ينتقم، والغير مائت مات وهو صابر" (1). + القديس كيرلس الكبير: قال في رسالته الرابعة إلى نسطور " فانه يوجد مسيح واحد وابن واحد من الاثنين. إن اختلاف الطبائع لم يبطل الإتحاد. بل بالحرى فان هذا الإتحاد الذي يفوق الفهم والوصف كوَّن لنا من اللاهوت والناسوت ربًا واحدًا يسوع المسيح وابنًا واحدًا" (2). وقال أيضًا " نحن يا سادة نؤمن بأن الإتحاد بين الكلمة والناسوت، ونرى أن الآلام تخص الناسوت، ولكنه غير قابل للآلام كإله. وإن كان قد تجسَّد وصار مثلنا إلاَّ إننا نعترف بألوهيته ومجده الفائق وعطاياه الإلهية. ونحن نضع الإتحاد كأساس للإيمان. ونعترف بأنه تألم في الجسد ولكنه ظل فوق الآلام لأن عدم التألم من طبيعته. وعلينا الاحتراس من فصل اللاهوت عن الناسوت، ومن التقسيم إلى طبيعتين أو فصل كل طبيعة عن الأخرى.. هو نفسه إله متأنس، والآلام تخص الناس أي تخصه هو، لكن من حيث هو إله غير قابل للآلام" (1). + البابا ديوسقورس: قال في رسالته من المنفى إلى رهبان هناطون "إنني أعرفه وأنا اتسامى بالإيمان، انه وُلِد من الآب إلهًا، وإياه أعرف أنه وُلِد من مريم إنسانًا، فأنظره يمشي على الأرض كإنسان، وأنظره باريًا (خالقًا) لملائكة السماء كإله. أنظره ينام في السفينة كإنسان، وهو بعينه يمشي على الماء كإله. أنه يجوع كإنسان، ويتعب ويشبع كإله. هو يُجرَّب كإنسان ويطرد الشياطين كإله.. أعترف به واحدًا، وهو بذاته رب ومخلص لئن صار بعطفه إنسانًا، فتمسكوا بإيمان الآباء ولا تلتفتوا إلى تعاليم المنحرفين فإنها مفسدة للنفوس.. إن القول بطبيعتين ( بعد الإتحاد) عن الإله الكلمة المتجسد إنما هو ضلال" (2). + القديس ابرقلس أسقف كسكس: قال "هو أيضًا الذي لبس إكليل الشوك وأبطل قضية الشوك، وهو الذي في حضن أبيه، وهو الذي في بطن العذراء وهو في حضن أمه.. يمشي على أجنحة الرياح، وتسجد له الملائكة، وهو جالس مع العشارين.. لا تقدر أن تتأمله الساروفيم، وبيلاطس يسائله، والعبد يلطمه، وكل الخليقة ترتعد منه، وهو مسمَّر على الصليب. لم يخلُ عرشه منه، وهو في المقبرة. هو الذي مدَّ السماء مثل الجلد. هو يُعد مع الأموات وهو يسبي الجحيم. هو أسفل يُعيَّر كطاغي، وهو فوق يُنطَق بمجده كقدوس. هكذا نعترف نحن الأرثوذكسيين، ولا نقول أثنين عن الواحد الغير مفترق، ولا مسيحيين ولا ربين ولا شكلين ولا أقنومين ولا فعلين ولا طبيعتين. بل كما قلت طبيعة واحدة، أقنوم واحد، الله الكلمة صار جسدًا، نبشر به بإعلان ونسجد له بجسده سجدة واحدة، ومن لا يعترف هكذا، فليكن محرومًا" (1). + القديس أغسطينوس: يقول "خالق الزمن يوُلَد في زمن معين!.. صانع الإنسان صار إنسانًا ورضع من ثدي أمه! خبز الحياة يمكن أن يجوع! كما يمكن أن يعطش الينبوع! الطريق يتعب في الطريق، والحق يتهم من شهود زور! ديان الأحياء والأموات يُدان من قاضٍ مائت! المعلم يُضرَب بالسياط، والكرمة يكلل بالأشواك! الذي يشفي الآخرين يُجرَح، والحياة يمكن أن يموت! (2). + القديس غريغوريوس النيزينزي: يقول "وُلِد ولكنه كان مولودًا منذ الأزل. وُلِد من امرأة ولكنها عذراء، فثمة لاهوت وناسوت متحدين، ليس له على الأرض أب، ولا في السماء أم.. اعتمد كإنسان ومحا الخطايا كإله.. جاع ولكنه أشبع جماهير، وهو خبز السماء الحي. عطش ولكنه صاح قائلًا: من كان عطشانًا فليأتِ إلىَّ ويشرب، ووعد من يؤمنون به أنهم يصبحون ينابيع ماء حي. عانى التعب، ولكنه هو راحة المتعبين والمثقلين. كان مثقلًا بالنعاس ومشى على البحر، وزجر الرياح، وأنهض بطرس وقد كاد أن يغرق في الماء. دفع الضريبة ولكنه أخرج المال من حلق السمك، وهو سيد من يطالبونه بدفع الضريبة.. يصلي، ويستجيب لصلاة من يدعوه.. يبكي ويكفكف دموع الباكين. يسأل أين وضعتم لعازر لأنه إنسان، ويبعثه حيًا لأنه إله.. يُقاد كالنعجة إلى الذبح وهو راعي إسرائيل وراعي الأرض كلها.. رُفع على عود الصليب وسُمّر عليه، ولكنه يعيد لنا حقنا من شجرة الحياة.. يموت ولكنه يحيي، وبموته هزم الموت" (العظة 29: 19-21) (3). تذكر + تم الإتحاد بين الطبيعة اللاهوتية والطبيعة الناسوتية في بطن العذراء في لحظة البشارة.. لقد وُجِد الناسوت في الإتحاد. + تم الإتحاد بين الطبيعتين اللاهوتية والناسوتية:
ز - نتيجة الإتحاد إن جميع الأعمال تنسب للمسيح الواحد.
+ إتحاد الطبيعتين لم يلغِ خواص إحدى الطبيعتين. |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
تساؤلات أخرى.. س 29: ما هي أهم النبؤات التي أنبأتنا عن التجسد الإلهي؟ س 30: ما هي أهم رموز التجسد في العهد القديم؟ وما هي دلالتها؟ س 31: ما هو الفرق بين ظهورات الله في العهد القديم والتجسد الإلهي في العهد الجديد؟ س 32: ما هي التشبيهات التي تقرب لنا معنى التجسد؟ س 33: مادام الله الكلمة أخذ طبيعة بشرية كاملة فهل هذه الطبيعة لها رغباتها وإرادتها ومشيئتها الإنسانية أو بمعنى آخر هل كان للسيد المسيح مشيئتين احدهما إلهية والأخرى بشرية؟ س 34: هل قولنا بطبيعة واحدة متجسدة يوحي بأننا أوطاخيين؟ س 35: قال السيد المسيح "أنا في الآب والآب فيَّ" وقال أيضًا "أنا والآب واحد" فهل هذا يجيز لنا أن نقول انه مادام الابن تجسد فالآب أيضًا تجسد؟ س 36: لماذا تجسد الأقنوم الثاني دون الأول أو الثالث؟ س 37: عندما تجسد أقنوم الابن ألاَ يعتبر هذا انفصال عن أقنومي الآب والروح القدس؟ س 38: هل أحدث التجسد أي تغيّير في الجوهر الإلهي غير المتغير؟ س 39: لماذا لم يظهر الله في أشياء أعظم من الإنسان مثل الشمس أو القمر أو الكواكب؟ س 40: كيف ندعو العذراء مريم والدة الإله وهي لم تعطه الألوهية؟ ومادام السيد المسيح أخذ جسده من العذراء فقط، فلماذا نقول انه تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء؟ س 41: هل السيد المسيح دُعي ابن الله لأنه وُلِد من العذراء مريم؟ س42: قال الكتاب " لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خر 33: 20) وقال أيضًا "الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه" (1 تي 6: 16) فكيف رأى الناس الله في التجسد وعاشوا؟ س 43: هل السيد المسيح هو الله أو ابن الله أو ابن الإنسان؟ س 44: هل عقيدة التجسد مستوحاة من العبادات الوثنية كما قالوا عن فرعون انه ابن امون أو ابن رع، والاسكندر الأكبر ابن آمون، وقالوا عن بوذا انه ابن الله؟ س 45: السيد المسيح هو الله، والله كامل في كل شيء، فكيف يقول عنه الإنجيل انه كان ينمو في القامة والحكمة والنعمة؟ س 46: الله كان يعلم أن الشيطان سيسقط وسيُسقِط الإنسان.. فلماذا خلقه؟ وعندما سقط لما لم يخلصه كما خلص الإنسان؟ س 47: لماذا لم يتجسد الله عقب سقوط آدم مباشرة؟ س 48: هل معنى تسمية التجسد بسرّ التجسد انه أمر مبهم لا يُفهَم ولا يجوز الحديث عنه؟ س 49: كيف يدعو الإنجيل السيد المسيح وسيطًا بين الله والإنسان، وهو الله ذاته؟ س 50: من صفات الفادي أن يكون غير محدود، والذي مات على الصليب هو الناسوت المحدود، فكيف يقدر المحدود أن يرفع خطايا غير محدودة؟ س 51: هل التجسد يعني أن الناسوت حدَّ وحيز اللاهوت، فلم يعد للاهوت تواجد خارج نطاق الناسوت المحدود؟ وكيف حدَّ بطن العذراء الله الغير محدود؟ س 52: كيف يحل الله القدوس في بطن امرأة وسط الدم والنجاسة؟ . س 53: كيف يتجسد الله ويحل في جسد إنسان ترابي دنيء يأكل ويشرب ويمارس عمليات الإفراز والإخراج.. إلخ؟ وكيف يعيش في عالم موبوء بالخطية؟ س 54: هل لا يقدر الله أن يتجسد؟ س 55: هل نجد أثر للتجسد في الفكر الإسلامي؟ س 56: ماذا أخذنا من التجسد؟ |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
ما هي أهم النبؤات التي أنبأتنا عن التجسد الإلهي؟ ج: قبل أن نشير إلى هذه النبؤات دعنا يا صديقي أن نلقي الضوء قليلًا على دقة هذه النبؤات، فقد قال القديس أغسطينوس "لأن العهد القديم رمز الجديد، وكل الدين الموسوى والآباء وحياتهم وعهودهم وذبائحهم رموز ما نراه، وليس الشعب اليهودي بأسره إلاَّ نبيًا عظيمًا ليسوع المسيح وكنيسته" (1) فيجب ملاحظة أن الله قد أودع هذه النبؤات لدى الشعب اليهودي ومازالت باقية لديهم، ولا يمكن أن يتصوَّر إنسان عاقل أن المسيحيين قد استطاعوا بطريقة أو بأخرى إضافة هذه النبؤات إلى أسفار العهد القديم التي هي في صورة الشعب اليهودي، ولذلك يلوم القديس أثناسيوس اليهود على عدم إيمانهم فيقول " فاليهود يُوبَخون على عدم إيمانهم من نفس كتبهم التي يقرأونها، فهذه الآية أو تلك أو بالإجمال كل الكتاب الموحى به، يطلق الصوت عاليًا، مناديًا بتلك الحقائق. كما تُبيّن كلماته الصريحة مرارًا كثيرة. لأن الأنبياء أذاعوا مُقدمًا عجيبة العذراء وولادتها قائلين {هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا} (مت 1: 23، اش 7: 14) أما موسى العظيم حقًا، والذي يعتقدون فيه أنه ينطق بالصدق، فإنه إذ اعتبر ما قيل عن تأنس المخلص هامًا وجوهريًا، وإذ وثق من حقيقته، دونه في هذه الكلمات {يقوم كوكب من يعقوب وإنسان من إسرائيل فيحطم رؤساء موآب}.. إذًا فقد اتضح ما ورد في هذه الآيات، انه سبق التنبؤ بظهور إنسان. إما أن ذاك الذي كان سوف يأتي هو رب الكل فقد تنبأ عنه أيضًا فيما يلي {هوذا الرب جالس على سحابة خفيفة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر المنحوتة}" (تجسد الكلمة 33: 3، 4). ويضرب القديس كيرلس الأورشليمي مثلًا على دقة هذه النبؤات فيعلق على نبؤة زكريا النبي "هوذا ملكك يأتي إليك " فيقول " ولكن الملوك كثيرين، فعمن تتكلم أيها النبي؟ أعطنا علامة تميزه عن باقي الملوك، فإذا قلت انه ملك يرتدي الأرجوان، فان كثيرين يشاركونه في هذه الكرامة، وإذا قلت أن الجند يحرسونه، وانه يجلس في مركبة ذهبية، ففي هذا أيضًا يشترك معه آخرون، فأعطنا علامة مميزة للملك الذي تتنبأ عن مجيئه، فيجيب النبي قائلًا {هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادل ومنصور. وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن اتان}.. وليس على مركبة، وهذه علامة فريدة للملك الذي يأتي، يسوع وحده من بين الملوك هو الذي جلس على جحش جديد في هتاف.. ولكن من المحتمل أن يجلس الملك على أتان، من قبيل المصادفة، فأعطنا بالأحرى علامة أخرى.. أين يقف هذا الملك الذي يدخل.. ولكن هذه العلامة قريبة من المدينة (أورشليم) حتى تكون مألوفة لدينا. فلتعطنا العلامة واضحة جلية أمام عيوننا حتى نشاهد المكان وقتما نكون في المدينة. فيجيب النبي مرة أخرى ويقول {وتقف قدماه في ذلك اليوم على جبل الزيتون الذي قدام أورشليم من الشرق} (زك 14: 4) فهل يمكن لأي إنسان أن يقف في المدينة، أن يخطئ النظر إلى هذا المكان؟ ولن نكتفِ بالعلامتين السابقتين بل نريد علامة ثالثة. ماذا يفعل الرب عندما يأتي؟ يجيب نبي آخر ويقول {هو يأتي ويخلصكم. حينئذ تنفتح عيون العمي. وآذان الصم تنفتح. حينئذ يقفز الأعرج كالآيل ويترنم لسان الأخرس} (أش 34: 4-6) (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
من النبوءات عن ميلاد المسيح ونتعرض باختصار شديد لأهم النبؤات التي حدثتنا عن التجسد الإلهي مبتدئين بنبؤات إشعياء النبي الإنجيلي: 1- "ولكن يعطيكم السيد نفسه آيةً. ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل" (اش 7: 14) وقد استشهد متى الإنجيلي بهذه النبؤة (مت 1: 23) ويقول القديس أثناسيوس " لأنه مَن مِن الأبرار والأنبياء القديسين والآباء البطاركة الأولين، المدوَّنة أسماؤهم في الكتب الإلهية، وُلِد جسديًا من عذراء فقط؟ أو أية امرأة كانت كافية لحمل إنسان بشري بدون رجل؟.. إذًا فمن ذا الذي وُلِد من عذراء فقط؟" (تجسد الكلمة 35: 7) ويقول القديس كيرلس الكبير "فكيف -خبروني- يُدعى الذي وُلِد من العذراء عمانوئيل؟ .. عمانوئيل تعني كلمة الله الذي هو بالحقيقة الله صار مثلنا بسبب الجسد. وقد دعى عمانوئيل لأنه أخلى ذاته، وولد مثلنا وتحدث معنا، لذلك هو الله في الجسد، والتي ولدته بالحقيقة هي والدة الإله، لأنها ولدته حسب الجسد" (1). ويلوم القديس كيرلس الأورشليمي اليهود لعدم تصديقهم هذه النبوة فيقول " العلة من النافع أن نوجه لهم (لليهود) هذا السؤال: إن أشعياء النبي القائل إن عمانوئيل سوف يولد من عذراء هل هو نبي حقيقي أم نبي كاذب؟.. إن اعترفوا بأنه كان نبيًا حقيقيًا، فإننا نسأل: أليس من الضروري للمسيا إن كان قد أتى أو لم يأتِ بعد أن يُولَد من عذراء؟ فإن قالوا أنه لا يُولَد من عذراء فقد صار النبي كاذبًا أما إن كان لابد أن يُولَد من عذراء فلماذا يرفضون الذي قد أتى بالفعل هكذا؟!!" (2) وما أجمل قول القديس أغسطينوس " فإذا كنا لا نستطيع أن ندرك ميلادك البشري، فكيف نستطيع إدراك ميلادك الإلهي..! من يستطيع أن يدرك أعجوبة الأعاجيب هذه. عذراء تحبل! عذراء تلد! عذراء تبقى عذراء بعد الولادة!!! ولكن مالا يستطيع العقل أن يفهمه، يستطيع الإيمان أن يدركه، وحينما يقف العقل فان الإيمان يتقدم" (3). 2- " لأنه يُولَد لنا ولد ونُعطى تبنًا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبًا. مشيرًا إلهًا قديرًا. أبًا أبديًا رئيس السلام" (اش 9: 6). ويقول الأب متى المسكين أن البشرية كانت تمثل أم ثكلى " مصابة في كل أولادها الذين تلدهم، فإنهم يموتون ولا يعيشون، أو كأنهم يولدون ليموتوا سريعًا، أو ربما بأقصى عمق في التعبير أن البشرية كانت تلد أمواتًا أو تلد الموت ذات عنصر اللعنة الأولى!! فكان الفرح بميلاد الإنسان، كل إنسان، فرحًا عابرًا أو كاذبًا يكذبه نواح الموت الشديد والسواد الذي يغطي كل البيت ولكن جاء اليوم السعيد حقًا في عمر البشرية الذي فيه يولد لنا ولد ونعطى تبنًا من السماء يبقى لنا إلى الأبد.." (4). يولد لنا ولد ونعطى تبنًا إشارة للناسوت، ويدعى اسمه عجيبًا، مشيرًا إلهًا قديرًا إشارة للاهوت، فالرب يسوع ليس مجرد ناسوت بدون لاهوت، وليس هو لاهوتًا بدون ناسوت، ولكنه لاهوت متحد بالناسوت، وناسوت متحد باللاهوت.. هو الله المتأنس، ويقول القديس كيرلس الكبير " ها نحن نسمع أنه يُسمى ولدًا لأنه وُلِد مثلنا. لكنه عندما وُلِد أشارت إليه السماء بنجم لامع فجاء المجوس ليسجدوا له من أقاصي الأرض، وحمل الملائكة الأخبار السارة للرعاة وقالوا لهم {وُلِد لكم مخلص}.. وهو أيضًا المشير الإلهي الذي أعلن لنا عن إرادة الآب الصالحة لأن فيه (في الإبن) سرَّ (الآب) أن يخلص الأرض كلها.. هو بالحقيقة الله وابن الله .." (1). 3- " ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله. ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرب" (اش 11: 1، 2) وكتب البابا كيرلس السادس يقول " في سكينة الليل، وفي الوقت المحدد من السنة حيث تصبح مُرُوج الربيع الناضجة أكداسًا، وتضحى الأعشاب الخضراء اللامعة بقطرات الندى وأضواء الشمس قشًا مخزونًا لأيام الشتاء، وقد فارقها جمالها وولت عنها عطورها، في هذا الوقت الذي يتجدد فيه الوادي من وروده الزاهية وأعشابه المتموجة نبت فجأة.. الغصن.. الذي من أصل يسى ومن عذراء تكللت بالطهر وتذرعت بالنقاء" (2). 4- " قولوا لخائفي القلوب تشدَّدوا لا تخافوا. هوذا إلهكم. الانتقام يأتي جزاء الله. هو يأتي ويخلصكم. حينئذ تتفقَّح عيون العمي وآذان الصم تتفتح. حينئذ يقفز الأعرج كالآيل ويترنم لسان الأخرس" (اش 35: 4-6). وعندما أرسل يوحنا المعمدان تلميذيه للسيد المسيح ليؤكد لهما أنه هو المسيا المنتظر قال الرب يسوع لهما " أذهبا واخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما. إن العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يُطهَّرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشَّرون وطوبى لمن لا يعثر فيّ" (لو 7: 22، 23). ويعلق القديس أثناسيوس على هذه النبؤة قائلًا "فالنبوة لا توضح فقط أن الله يحل هنا، ولكنها تعلن أيضًا علامات ووقت مجيئه فهي تقرن تفتيح أعين العميان وشفاء العرج ليمشوا، والصم ليسمعوا، ولسان الأخرس ليصير فصيحًا، بمجيء الله الذي كان مزمعًا أن يتم. فليقولوا إذًا متى تمت هذه العلامات في إسرائيل، أو في أي مكان من اليهودية حدث أمر كهذا.. إذًا متى حصلت هذه إلاَّ عندما جاء كلمة الله نفسه في الجسد. حينئذ مشى العرج، وتكلم البكم فصيحًا، والصم سمعوا، والعمي منذ ولادتهم استعادوا بصرهم لأن هذا هو نفس ما قاله اليهود الذين شهدوا تلك الأمور إذ لم يسمعوا أنها حدثت في أي وقت آخر {منذ الدهر لم يُسمع أن أحدًا فتح عيني مولود أعمى لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئًا} (يو 9: 32، 33)" (تجسد الكلمة 38: 4، 6). 5- قال موسى "أغفر لشعبك إسرائيل الذي فديت يا رب" (عد 21: 8) وقال الرب "هكذا يقول الرب خالقك يا يعقوب وجابلك يا إسرائيل لا تخف لأني فديتك" (اش 43: 1) "أرجع إلىَّ لأني فديتك. ترنمي أيتها السموات لأن الرب قد فعل. اهتفي يا أسافل الأرض أشيدي أيتها الجبال ترنمًا الوعر وكل شجرة فيه لأن الرب قد فدى يعقوب وفي إسرائيل تمجد. هكذا يقول الرب فاديك وجابلك من البطن" (اش 44: 22-24) " فادينا رب الجنود اسمه. قدوس إسرائيل" (اش 47: 4) فمن هو الفادي؟ هو رب الجنود قدوس إسرائيل، وكيف تم الفداء الذي ترنَّمت به الخليقة؟ انه تم بالتجسد. 6- وفي عقوبة الله للحية أعطى الله الوعد بأن نسل المرأة يسحق رأس الحية قائلًا "واضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه" (تك 3: 15) ومن هو نسل المرأة هذا إلاَّ الرب يسوع الذي وُلِد بدون زرع بشر؟ |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
نبوات العهد القديم عن الميلاد 7- حدَّدت النبؤات النسب الجسدي للإله المتأنس الذي به تتبارك كل الأمم، فصرَّحت بأنه من نسل إبراهيم " فيتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك 22: 18) وانه من نسل إسحق وليس إسماعيل "وتتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك 26: 4) وانه من نسل يعقوب وليس عيسو " ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض" (تك 28: 14) وانه من سبط يهوذا "لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب. رابطًا بالكرمة جحشه وبالجفنه ابن أتانه غسل بالخمر لباسه وبدم العنب ثوبه" (تك 49: 10، 11) وفعلًا وُلِد السيد المسيح عندما زال سلطان الحكم من يهوذا وصارت اليهودية كلها تحت الحكم الروماني الذي جرَّدهم من كل سلطان بينما الاحتلال البابلي والفارسي كان يقيم منهم واليا يحكمهم ويُصّرف أمورهم. أما عندما تولى هيرودوس الأدومي الرئاسة فقد صار الحكم لقيصر روما، وزال الحكم عن يهوذا، وفقد مجمع السنهدريم سلطته في الحكم على أحد بالموت، ولذلك سلَّم يسوع إلى بيلاطس الحاكم الروماني ليحكم عليه بالموت صلبًا، ومعنى "شيلون" الذي له السلام ، ودعاه أشعياء "رئيس السلام" (اش 9: 6). وحدَّد أرميا انه يأتي من نسل داود "ها أيام تأتي يقول الرب وأقيم لداود غصن برّ فيملك ملك وينجح ويُجرى حقًا وعدلًا في الأرض. وفي أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمنًا وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برُّنا" ( ار 23: 5، 6). وبكَّت القديس أثناسيوس اليهود الذين لم يؤمنوا بهذه النبوات الصريحة قائلًا "فلو كان لليهود الآن ملك أو رؤيا لجاز لهم أن ينكروا المسيح الذي أتى، أما أن لم يوجد ملك ولا رؤيا بل من ذلك الوقت إلى الآن ختمت كل نبؤة، وأُخذت المدينة والهيكل، فلماذا يجحدون ويتمردون لهذا الحد، إذ وهم ينظرون ما حصل ينكرون المسيح الذي تمم كل شيء؟.. لو كانت الأمم تعبد إلهًا آخر، ولا تعترف بإله إبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى، لجاز لهم مرة أخرى أن يدَّعوا بأن الله لم يأتِ.. لماذا يتجاهلون أن الرب الذي تنبأت عنه الكتب قد أشرق على العالم، وظهر له متجسدًا.. لم يبق بعد ذلك ولا نبي ولا أورشليم ولا ذبيحة ولا رؤيا بينهم، بل امتلأت الأرض كلها من معرفة الله.. فيجب أن يكون واضحًا حينئذ حتى لأشد الناس عنادًا أن المسيح قد أتى .. هكذا يستطيع المرء أن يُوبخ اليهود بحق بهذه الحجج وغيرها من الكتب الإلهية" (تجسد الكلمة 40: 4-8). 8- نبؤة بلعام " أراه ولكن ليس الآن. أبصره ولكن ليس قريبًا. يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل فيحطم طرفي موآب ويهلك كل بني الوغا" (عد 24: 17) وهذه النبوة هي التي حركت المجوس من أرض المشرق عندما رأوا نجمه. 9- التمس المرنم وجه الله قائلًا "يا رب طأطئ سمواتك وانزل والمس" (مز 144: 5).. " يا جالسًا على الكروبيم أشرق. قدام افرايم وبنيامين ومنسى أيقظ جبروتك وهلمَّ لخلاصنا" (مز 80: 1، 2) بل أن المرنم رأى بعين النبؤة تنازل الرب وتجسده فصرخ قائلًا: " طأطأ السموات ونزل وضباب تحت رجليه" (مز 18: 9). 10- "ينزل مثل الطل على الجزاز ومثل الغيوث الذارفة على الأرض" (مز 72: 6) والجزاز هو صوف الخراف ، وهو يرمز للأمة اليهودية التي ارتبطت بالذبائح، والأرض إشارة للأمم، فبعد أن كان الطل أي نعمة الله قاصرة على الأمة اليهودية، فقد امتدت بالتجسد إلى جميع الشعوب والألسنة والأمم، وأيضًا أن كانت جرّة الصوف تشير للناسوت فان المطر يشير للاهوت. 11- "أرسل كلمته فشفاهم ونجاهم من تهلكاتهم" (مز 107: 20) والمقصود بالكلمة هنا أقنوم الكلمة. 12- "ولصهيون يقال هذا الإنسان وهذا الإنسان وُلِد فيها وهو العليُّ يثبتها. الرب يُعَد في كتاب الشعوب أن هذا وُلِد هناك" (مز 87: 5، 6) وهي نبؤة واضحة وصريحة عن التجسد، فالمولود هو الله العلي، وأيضًا تشير النبؤة للاكتتاب، فيقول القديس غريغوريوس " لماذا اكتتبت كل المسكونة في نفس الوقت الذي وُلِد فيه مخلصنا؟ كان ينبغي أن يُكتَب إسمه مع أسماء البشر ليكون اكتتابه معنا إعلانًا صريحًا عن ظهوره في الجسد وهو الذي يكتب أسماء مختاريه في الأبدية، وضد ذلك يتكلم النبي عن الأشرار قائلًا {ليُمحَوا من سفر الأحياء ومع الصديقين لا يُكتبوا} (مر 69: 28) (1). 13- "ترنمي وافرحي يا بنت صهيون لأني هانذا آتي وأسكن في وسطك يقول الرب. فيتصل أمم كثيرة بالرب في ذلك اليوم ويكونون لي شعبًا. فاسكن في وسطكِ فتعلمين أن رب الجنود قد أرسلني إليكِ" (زك 2: 10، 11). ويقول القديس كيرلس الأورشليمي "فسمع الرب لتنهدات الأنبياء ولم يتوان عن أمر خلاص البشر من الهلاك، وأرسل ابنه، الرب من السماء ليخلص.. وها هو أحد الأنبياء يقول " يأتي بغتة.. السيد الذي تطلبونه" (ملا 3:1) إلى أين؟ سوف يأتي الرب إلى هيكله، وإذ يسمع نبي آخر هذا الكلام فيجيبه ويقول: هل تتكلم بصوت خفيض عندما تتحدث عن خلاص الله، وهل تتحدث في الخفاء عندما تكرز مبشرًا بمجيئ الله للخلاص؟ كلا. بل "على جبلٍ عالٍ اصعدي يا مبشرة صهيون.. قولي لمدن يهوذا" وماذا أقول؟ "هوذا إلهك. هوذا السيد الرب بقوة يأتي" (اش 40: 9، 10) ثم يقول الرب نفسه "هانذا آتي وأسكن في وسطك يقول الرب. فيتصل أمم كثيرة بالرب" (زك 2: 10، 11)" (مقالة 12 للموعوظين) (2). 14- وتنبأ عن تنازله وتجسده ميخا النبي قائلًا " اسمعوا أيها الشعوب جميعكم أصغي أيتها الأرض وملأُها وليكن السيد الرب الشاهد عليكم السيد من هيكل قدسه. فإنه هوذا الرب يخرج من مكانه وينزل ويمشي على شوامخ الأرض" (مي 1: 2، 3). 15- " ولكم أيها المتَّقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها" (ملا 4: 2) وشمس البر إشارة للسيد المسيح الذي أشرق بأرضنا فحمل الشفاء لطبيعتنا الفاسدة. 16- وحدَّد دانيال الزمن الذي يتجسد فيه الله قدوس القدوسين، وربط هذا الزمن بإصدار الأمر الملكي لتجديد أورشليم فقال "سبعون أسبوعًا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليُؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا ولمسح قدوس القدوسين فأعلم وافهم انه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعًا" (دا 9: 24، 25). وقال المؤرخ يوسيفوس " إن دانيال أحد الأنبياء العظماء لم يتنبأ قط عن الحوادث المستقبلية كما تنبأ غيره من الأنبياء بل أيضًا عن وقت تمامها" (1) وقال القديس كيرلس الأورشليمي " وإذ نبحث بأكثر تدقيق عن شهادة خاصة بزمان مجيئه، إذ يصعب إقناع الشخص ما لم يقدم له حساب دقيق للزمان بالنبؤات. فما هو وقت وحال وزمان مجيئه؟ انه في زمان انحلال ملوك يهوذا وسقوطهم. حيث بلغ هيرودوس الأجنبي المُلك. لهذا قال الملاك الذي خاطب دانيال.. {فاعلم وافهم انه من خروج الأمر لتجديد أورشليم إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعًا} (دا 9: 25) والتسعة وستون أسبوعًا يحملون 483 سنة (69 × 7) فكأنه يقول انه بعد بناء أورشليم بـ 483 سنة حيث يسقط الحكام ويأتي عوضًا عنهم ملك من جنس آخر في زمانه يولد المسيح" (2). وقال القديس أثناسيوس "وفي هذه الناحية بنوع خاص، يحق توبيخهم توبيخًا أشد لا بواسطتنا، بل من قِبل دانيال المتزايد في الحكمة الذي حدَّد كلا من التاريخ الفعلي لمجيء المخلص، وحلوله الإلهي بيننا، إذ قال {سبعون أسبوعًا قضيت على شعبك} (دا 9: 24، 25) لعلهم ( اليهود) في النبؤات الأخرى يستطيعون أن يتلمسوا المعاذير لأنفسهم، أو يحيلوا المكتوب إلى المستقبل ولكن ما عساهم يقولون عن هذه النبؤة، أو هل يستطيعون مواجهتها بأي حال من الأحوال؟ ففيها لا نجد إشارة إلى المسيح فحسب، ولكنها تعلن صراحة أن الذي سيُسمح ليس مجرد إنسان بل "قدوس القدوسين" وان الرؤيا والنبؤة تبقى قائمة في أورشليم إلى مجيئه، ومن ثم تبطل النبؤة والرؤيا من إسرائيل" (تجسد الكلمة 39: 2، 3). 17 - حدَّد ميخا النبي مكان الميلاد "أما أنت يا بيت لحم افراته وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل. ومخارجه منذ القديم. منذ أيام الأزل" (مي 5: 2 ) وكانت بيت لحم قرية صغيرة لا يميزها شيء غير قبر راحيل، وكانت تدعى افراته، وتميزت بالأشجار الكثيفة "هوذا قد سمعنا في افراته. ووجدناه في حقول الوعر" (مز 132: 6) وقال حبقوق "الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران" (حب 3: 3) وتيمان بمعنى الجنوب، وبيت لحم تقع جنوبي أورشليم، ويقول البابا كيرلس الكبير "عندما عرف (داود) بالروح مكان ميلاد الابن الوحيد بالجسد أبْشَر به وقال: ها قد وجدناه في افراته" (مز 132: 6) أي في بيت لحم.. وفي موضع آخر يسميه داود " إله إبراهيم" عندما يقول " رؤساء الشعوب اجتمعوا مع إله ابراهيم" (مز 47: 9).. "رؤساء الشعوب" أي الرسل والقديسين.. وهكذا دُعى إله إبراهيم وإله يعقوب ذاك الذي وُلِد من امرأة. فلماذا لا تدعى العذراء والدة الإله؟ (1) |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
ما هي أهم رموز التجسد في العهد القديم؟ وما هي دلالتها؟ ج: نكتفي هنا بذكر عشرة رموز للتجسد الإلهي وهي: 1- شجرة الحياة: "وشجرة الحياة في وسط الجنة" (تك 2: 9) وكانت هذه الشجرة رمزًا للكلمة المتجسد " قال له يسوع أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14:6). 2- ملكي صادق: كاهن الله العلي الذي استقبل إبراهيم بعد انتصاره على كدر لعومر والملوك الذين معه، فبارك ملكي صادق إبراهيم، وقدم إبراهيم له العشور، فكان ملكي صادق رمزًا للإله المتأنس واهب البركات وقابل العشور، والذي يقدم ذبيحته من الخبز والخمر (تك 14: 17-20) ويعلق بولس الرسول قائلًا عنه انه شبَّه بابن الله المتجسد الذي بلا أب من حيث الجسد، وبلا أم من حيث اللاهوت، أزلي أبدي. "المُترجَم أولًا ملك البر ثم أيضًا ملك ساليم أي ملك السلام. بلا أب بلا أم بلا نسب. لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة بل هو مشبَّه بابن الله.." (عب 7: 2، 3). 3- العليقة: (خر 3: 2، 3) كما إن النار لم تحرق العليقة إنما كانت تتآلف تلاطف اللاهوت مع الناسوت ليس على سبيل التقارب أو المصاحبة ولكن على مستوى الإتحاد الكامل، ويقول القديس أثناسيوس الرسولي "أن المسيح الواحد هو من شيئين، نار جوهر الكلمة الخالق وجوهر الناسوت، المتحدين معًا بغير اختلاط ولا تحول، على قياس العليقة المشتعلة، فقد أورى الله لموسى نارًا تلتهب في شجرة عليق على جبل سيناء.. خلطة بين نار تحرق وشجرة تقبل الاحتراق، من غير أن تتحول النار عن نورها وحرقتها، ولا تتحول الشجرة عن ثقلها.. ليس لأن النار فقدت خاصيتها وتحوَّلت عن جوهرها. بل لأنها منعت نفسها بقوة قدرتها أن تحرق، وصارت مشتعلة في الشجرة، والشجرة قائمة على حالها في الخضرة لا تحترق ولا تتغير" (1) وقال القديس كيرلس الكبير " إن الله نزل في البرية بمنظر النار، وكان يضئ في العوسج ولا يحرقه، وكان موسى يتعجب من هذا المنظر لأن الخشب لا يحتمل النار فكيف استطاعت هذه المادة القابلة للاحتراق أن تحتمل اشتعال النار فيها بدون أن تحترق. لقد كان هذا مثالًا للسر الذي فيه استطاعت طبيعة اللوغوس الإلهية أن تخضع نفسها لحدود البشرية، وكما كانت النار تضئ العليقة دون أن تحرقها هكذا أيضًا اللوغوس لما تجسد لم يحرق الجسد الذي اتحد به بل على العكس جعله جسدًا محييًا" (1). 4- تابوت العهد: "فيصنعون تابوتًا من خشب السنط. وتغشّه بذهب نقي من داخل ومن خارج تغشّه" (خر 25: 10، 11) فخشب السنط الذي لا يسوس يشير للناسوت الخالي من سوس الخطية، والذهب النقي يشير للاهوت، وهكذا اتحد اللاهوت بالناسوت، فصار الناسوت غنيًا بمجد اللاهوت من الداخل ومن الخارج. 5- خيمة الاجتماع: أوصى الرب موسى ليقدم بنو إسرائيل تقدماتهم لعمل خيمة الاجتماع ومحتوياتها ليحل فيها وليسكن في وسطهم قائلًا " فيصنعون لي مَقدِسًا لأسكن في وسطهم. بحسب جميع ما أنا أُريك من مثال المسكن ومثال جميع آنيته هكذا تصنعون" (خر 25: 8، 9). 6- المن: (خر 16: 13-16) وقد أوضح رب المجد ذاته أن المن الذي نزل من السماء كان رمزًا له قائلًا " لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم.. فقال لهم يسوع أنا هو خبز الحياة. من يقبل إلىَّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا" (يو 6: 33-35). 7- الصخرة: عندما عطش بنو إسرائيل وتعرضوا للهلاك قال الرب لموسى "ها أنا أقف أمامك على الصخرة في حوريب فتضرب الصخرة فيخرج منها ماء ليشرب الشعب" (خر 17: 6) وقال الرب يسوع "من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد" (يو 4: 14) وأوضح معلمنا بولس أن هذه الصخرة كانت تشير للمسيح قائلًا "وجميعهم شربوا شرابًا واحدًا روحيًّا. لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح" (1 كو 10: 4). 8- جمرة أشعياء: "فطار إلىَّ واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقطٍ من على المذبح" (اش 6: 6) وقال القديس أثناسيوس "إن الجوهر الإلهي الخالق قد اتحد بجوهر الناسوت في نسيج واحد، بلا خلط بين الجوهرية ولا تحوُّل ولا فساد ولا فرقة بينهما، على مثال جمرة إشعياء المتألقة من طبيعتين وجوهرين أحدهما النار والأخرى العود (الخشب) الذي تجسَّمت فيه النار، ولولا ذلك ما رؤيت النار بمفردها لكونها لطيفة، وان السارفيم إنما أخذها من فوق المذبح بملقط لكي لا يحترق بنارها، ومع أن النار قد التحمت بالعود في جمرة واحدة فلم يختلط احدهما في الآخر، ولا تحوَّل أحد الجوهرين عن طبيعته، فلم تتحول النار عن خاصية النور والإحراق، ولا العود عن غلظه وثقله" (1) وقال البابا كيرلس الكبير "السيد المسيح يشبه جمرة أشعياء لأنه يمثل شيئين قد أُجمعا إلى واحد، وكما إن النار حينما تتصل بالخشب تحوله بنوع ما إلى مجدها الخاص ومع ذلك يبقى الخشب على ما كان عليه، هكذا الله المتحد بالناسوت بصورة لا ينطق بها قد حفظ لناسوته صفاته الخاصة (الصفات البشرية) وهو نفسه بقى إلهًا كما كان (قبل تجسده)" (2). وقال البابا كيرلس الكبير أيضًا "فكما أن النار عندما تتحد بالفحم تستحوذ على كيانه وتحوله إلى مظهر النار وقوتها وتضع فيه جميع صفاتها حتى انه يعتبر واحد معها هكذا في المسيح الله المتحد بالناسوت.. وهو نفسه قد بقى إلهًا كما كان.. غير انه من بعد الإتحاد يعتبر واحدًا مع ناسوته لأنه اقتنى لنفسه ما لهذا الناسوت كما أشاع في هذا الناسوت أيضًا قوة طبيعته الإلهية الخاصة "(3) 9- حجر دانيال (دا 2: 44، 45): وهو الحجر الذي رآه نبوخذ نصر وقد قطع بدون يدين فسحق التمثال العظيم المصنوع من الذهب والفضة والنحاس والحديد والخزف ثم صار جبلًا ضخمًا ملأ الأرض كلها (دا 2: 31-35) هو إشارة لمولود العذراء الذي وُلدِ بدون زرع بشر. 10- كلمة الله: التي تجسمت كتابةً على لوحي العهد بيد الله كانت إشارة لتجسد كلمة الله في ملء الزمان كقول بولس الحكيم "الله بعدما كلَّم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة. كلَّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه" (عب 1: 1، 2) وكما صام موسى أربعين يوما قبل أن يستلم كلمة الله، هكذا نحن نصوم أربعين يومًا قبل الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، بالإضافة إلى ثلاثة أيام هي تذكار معجزة نقل جبل المقطم. |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
ما هو الفرق بين ظهورات الله في العهد القديم والتجسد الإلهي في العهد الجديد؟ ج: تعددت ظهورات الله في العهد القديم بقصد تهيئة الذهن البشري لقبول فكرة التجسد الإلهي، ومن هذه الظهورات ما يلي: 1- كان آدم وحواء يسمعان صوت الله "وسمعا صوت الله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار" (تك 3: 8) أما في التجسد فقد رأت البشرية ناسوته وسمعت صوته وتلامست معه. 2- ظهر على شكل ملاك لهاجر "وقال لها ملاك الرب تكثيرًا أكثر نسلك فلا يعد من الكثرة.. فدعت اسم الرب الذي تكلَّم معها أنت إيل رئى" (تك 16: 10، 13) أي إله رؤية لأنها رأت الله. 3- ظهر لإبراهيم "وقال له أنا الله القدير. سرّ أمامي وكن كاملًا.." (تك 17: 1-8). 4- وظهر لإبراهيم على شكل رجل مع ملاكين في شكل رجلين عند بلوطات ممرا "فقال الرب لإبراهيم لماذا ضحكت سارة.. هل يستحيل على الرب شيء.. فقال الرب هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله" (تك 18: 13 - 17). 5- وظهر لإبراهيم على شكل ملاك عند ذبح إسحق "ونادى ملاك الرب إبراهيم ثانية من السماء، وقال بذاتي أقسمت يقول الرب.. أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيرًا.." (تك 22: 15-17). 6- ظهر ليعقوب وصارعه حتى مطلع الفجر "فدعى يعقوب اسم المكان فينيئيل. قائلًا لأني نظرت الله وجهًا لوجه ونجيت نفسي "(تك 32: 30). 7- ظهر لموسى في العليقة " فلما رأى الرب انه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة. وقال موسى موسى.. أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب" (خر 3: 4، 6). 8- ظهر ليشوع في شكل رئيس جند " أنا رئيس جند الرب.. اخلع نعليك من رجلك لأن المكان الذي أنت واقف عليه مقدَّس" (يش 5: 14، 15). 9- ظهر لجدعون وهو يخبط الحنطة على شكلا ملاك " فالتفت إليه الرب وقال اذهب بقوتك هذه وخلص إسرائيل من كف مديان. أما أرسلتك.. فقال جدعون آه يا سيدي الرب لأني قد رأيت ملاك الرب وجهًا لوجه. فقال له الرب السلام لك. لا تخف لا تموت" (قض 6: 14-23). 10- ظهر لمنوح وامرأته على شكل ملاك وبشرهما بولادة شمشون "فقال منوح لملاك الرب ما اسمك.. فقال له ملاك الرب لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب.. فقال منوح لامرأته نموت موتًا لأننا قد رأينا الله" (قض 13: 17-22). 11- ظهر لأشعياء النبي "في سنة وفاة عزّيا الملك رأيت السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل" (اش 6: 1) 12- ظهر لحزقيال "وعلى شبه العرش كمنظر إنسان عليه من فوق.. هذا منظر شبه مجد الرب. ولما رأيته خررت على وجهي" (حز 1: 26-28). 13- ظهر لدانيال النبي "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سُحُب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأُعطى سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سُلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته لا ينقرض" (دا 7: 13، 14) ويقول البابا كيرلس الكبير "اسمع كيف يخبرنا دانيال انه لم ير مجرد إنسان.. بل قال بتدقيق " مثل ابن الإنسان " لأن كلمة الله هو الله لكنه صار في شبه الناس وإذ وُجِد في الهيئة كإنسان" (في 2: 7، 8) لكيما نعرف انه هو نفسه الله المتأنس، وانه ليس إنسانًا فقط ولا هو بدون ناسوت. لذلك يقول دانيال انه قد أُعطى الرئاسة والكرامة التي له منذ الأزل، لأنه يقول " وكل الشعوب والأمم والألسنة تتعبد له".. فإذا ولدته العذراء مريم بالجسد فكيف لا تكون والدة الإله؟!" (1) 14- ظهر لبني إسرائيل على شكل ملاك الرب وعمود سحاب نهارًا وعمود نار ليلًا " وكان الرب يسير أمامهم نهارًا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق وليلًا في عمود نارً ليضئ لهم" (خر 13: 20) " فانتقل ملاك الله السائر أمام عسكر إسرائيل وسار وراءهم. وانتقل عمود السحاب من أمامهم ووقف وراءهم" (خر 14: 19) 15- ظهر لموسى ولأشراف بني إسرائيل " وأُروا إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعةٍ من العقيق الأزرق الشفاف وكذات السماء في النقاوة. ولكنه لم يمدَّ يده إلى أشراف بني إسرائيل. فرأوا الله وأكلوا وشربوا" (خر 24: 10، 11). 16- ظهر للثلاث فتية في أتون النار فقال نبوخذ نصر "ها أنا ناظر أربعة رجال محلولين يتمشَّون في وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بأن الآلهة" (دا 3: 25). أما عن الفرق بين ظهورات الله في العهد القديم والتجسد الإلهي في العهد الجديد فيقول قداسة البابا شنودة الثالث: " يجب أن نفرق تمامًا بين التجسد والظهورات. عبارة تجَسَّد، معناها أخذ جسدًا. أما الظهورات فمعناها أخذ شكلًا ظهر به. وقد أخذ الرب شكلا ملاك الرب ظهر به لموسى في العليقة (خر 3: 2، 3) وأخذ أيضًا شكل ملاك الرب ظهر به لمنوح حينما بشره بميلاد شمشون (قض 13: 3). وظهر أيضًا على عرشه وحوله السارافيم، كما ظهر لأشعياء (أش 6: 1، 2) وظهر بشكل ابن إنسان كما رآه دانيال (دا 7: 13). وظهر أيضًا لأبينا إبراهيم كإنسان ومعه رجلان عند بلوطة ممرا (تك 18: 2). كذلك ظهر لأبينا يعقوب بهيئة إنسان صارعه حتى الفجر (تك 32: 24، 30). ولكن هذه كلها ظهورات.. أما تجسده من العذراء مريم فهو ناسوت كامل، أخذ كل مراحل الحمل. وبعد الولادة أخذ كل مراحل النمو كإنسان (لو 2: 52). وهذا لم يحدث بالنسبة إلى ظهورات لأحد من الآباء والأنبياء. وإنما هو شكل ظهر له ثم اختفى. أما كون الشكل له وجه أو يد أو ما إلى ذلك، هذا من لوازم الشكل الذي ظهر به... أما عن كيف صارع يعقوب، فهذه قوة من الله شعر بها يعقوب، ولكنها ليست تجسدًا. أما من جهة تجسده من العذراء، فكان له طبيعة التجسد: ومنها تألمه وسفك دمه، وموته، وقيامته وصعوده. وأيضًا بعد قيامته رآه تلاميذه، وجسّوه كما في (لو 24: 39)، (يو 20: 27). وهكذا تظهر الطبيعة البشرية كاملة. كما إن هذا الناسوت عاش مع الناس سنوات طويلة، وليس مثل ظهورات كان يبدو فيها أمام الناس لمدة لحظات أو دقائق ثم يختفي ولا يرونه بعد... كذلك فتجسده من العذراء باقٍ لم يفنَ ولم يزل.. وقد قال للص اليمين "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43). وقال بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا" (في 2: 23). وقد رآه يوحنا الحبيب في سفر الرؤيا أكثر من مرة. أما الظهورات فقد انتهت بوقتها، وليست لها استمرارية كالتجسد. لعله قد وضح بعد كل هذا، إن هناك فرقًا أو فروقًا عديدة بين التجسد والظهورات التي في العهد القديم" (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
ما هي التشبيهات التي تقرب لنا معنى التجسد؟ ج: هناك تشبيهات كثيرة تقرب لنا معنى التجسد مثل: 1- العليقة. 8-تابوت العهد. 2- جمرة أشعياء. 8-سوسنة الأودية. 3- الروح والجسد. 10-إتحاد الحديد بالنار. 4- إتحاد الماء بالنار. 11- الملك المُنقِذ. 5- إنقاذ الغريق. 12-مدينة الملك. 6- الفنان العظيم والفخاري الكريم. 13- المعلم. 7- القشة المغلَّفة بالاسبستوس. 14- الفأس والشجرة المشمسة. 1- العليقة: إنها شجرة العوسج الخضراء (الناسوت) التي اشتعلت فيها النيران الإلهية (اللاهوت) ومع هذا فإنها لم تحترق، فيقول البابا كيرلس الكبير "الكتاب المقدس يُشبّه الطبيعة الإلهيَّة بالنار بسبب قدرة هذا العنصر الذي يغلب بسهولة كل ما يعترضه، وأما طبيعة الإنسان الترابي فهي على عكس ذلك تشبَّه بالزرع وبنبات الحقل، فالكتب المقدسة تقول من جهة "إن إلهنا نار آكلة" ومن جهة أخرى "الإنسان كالعشب وأيامه تفنى كزهر الحقل" فكما أن العوسج (الشوك) بطبعه لا يحتمل النار هكذا أيضًا الناسوت بطبعه لا يحتمل اللاهوت. وأما في المسيح فقد حلَّ كل ملء اللاهوت جسديًا.. لذلك فالنار (التي رآها موسى) ما كانت تحرق العوسج بل كانت تتلاطف وتتآلف مع طبيعته الخشب الضعيفة، وهكذا اللاهوت كان يتآلف مع الناسوت، وهذا هو السر الذي تم في المسيح" (1) وقال أيضًا "كما أن النار كانت تضئ العليقة دون أن تحرقها هكذا أيضًا اللوغوس لما تجسَّد لم يحرق الجسد الذي اتحد به بل على العكس جعله جسدًا محيّيًا" (عظة فصحية 17) (2). وردًا على القائلين بأن الطبيعة الإنسانية تلاشئت في الطبيعة الإلهية قال "فان الله قد نزل في العليقة في البرية بمنظر النار وكان يضئ العوسج ولا يحرقه، وكان موسى يتعجب من هذا المنظر، لأن الخشب (بطبعه) لا يحتمل النار، فكيف استطاعت هذه المادة القابلة للاحتراق أن تحتمل اشتعال النار فيها (بدون أن تحترق)؟ لقد كان هذا كما قلت مثلًا للسر الذي به استطاعت طبيعة اللوغوس الإلهيَّة أن تُخضِع نفسها لحدود البشرية، لأنه أراد ذلك ولأنه لا يستحيل عليه شيء قط" ( المسيح واحد) (3). 2- تابوت العهد: الذي أمر الله موسى بأن يصنعه من خشب السنط الذي لا يُسّوس (إشارة للناسوت الخالي من الخطية) ويغشيه بالذهب (إشارة لللاهوت) وكما أن كل من الخشب والذهب ظل محتفظًا بطبيعته هكذا الناسوت واللاهوت، فيقول القديس كيرلس الكبير " الخشب الذي لا يُسّوس هو رمز للجسد الذي لم يفسد لأن الأرز لا يُسّوس. أما الذهب وهو يفوق كل الأشياء فهو يشير إلى جوهر اللاهوت الفائق. لكن لاحظ كيف غطى التابوت كله بالذهب النقي من الداخل ومن الخارج، لأن الله الكلمة اتحد بجسد مقدس.. وحسب ما اعتقد فان هذا ما يشير إليه تغشية التابوت بالذهب من الخارج، والنفس العاقلة التي في جسده هي نفسه، وهذا ما يشير إليه تغشية التابوت من الداخل، وهكذا لم يحدث تشويش للطبيعتين، لأن الذهب الذي غُطى به الخشب ظل كما هو ذهبًا. أما الخشب فقد صار غنيًا بمجد اللاهوت، لكنه لم يفقد خصائصه كخشب" (1). 3- جمرة أشعياء: عندما نظر أشعياء الله جالسًا على كرسي عالٍ وشعر بخطيته وخطية شعبه أخذ واحد من السيرافيم بملقط جمرة من على المذبح ومسَّ بها فمه فانتزع إثمه وكفر عن خطيته (اش 6: 1-7) وإذا تأملنا في هذه الجمرة الناتجة عن إتحاد الفحم بالنار فإننا نجد فيها إشارة واضحة لإتحاد الناسوت باللاهوت، فيقول القديس كيرلس الكبير "ويمكننا أن نرى أيضًا الجمرة مثالًا لكلمة الله المتحد بالطبيعة البشرية دون أن يفقد خواصه النار عندما تتصل بالخشب تستحوذ عليه، لكن الخشب يظل خشبًا.. فقد يتغير إلى شكل النار وقوتها، بل يصبح له صفات النار وطاقتها ويعتبر واحدًا معها. هكذا أيضًا يجب أن يكون اعتقادنا في المسيح، لأن الله اتحد بالإنسانية بطريقة لا ينطق بها، ولكنه ابقى على خواص الناسوت على النحو الذي نعرفه، وهو نفسه لم يفقد خواص اللاهوت عندما اتحد به (الناسوت) بل جعله واحدًا معه، وجعل خواص (الناسوت) خواصه بل هو نفسه قام بكل أعمال اللاهوت فيه (في الناسوت) (2). 4- سوسنه الأودية: اقتبس هذا التشبيه القديس كيرلس الكبير من سفر الأناشيد فقال "قدم أناشيد الأناشيد ربنا يسوع المسيح قائلًا {أنا وردة السفوح وسوسنة الأودية} (نش 2: 1) وفي السوسنة الرائحة غير المجسَّمة (غير ظاهرة للعين) ولكنها لا توجد خارج السوسنة، لذلك فالسوسنة واحدة من أثنين (الرائحة وجسم السوسنة) وغياب رائحة السوسنة لا يجعلها سوسنة، وكذلك غياب جسم السوسنة لا يفسر وجود رائحة السوسنة لأن في جسم السوسنة رائحتها. هكذا أيضًا يجب أن يكون اعتقادنا في ألوهية المسيح الذي يعطر العالم برائحته الذكية ومجده الذي يفوق مجد الأرضيات، ولكي يعطر العالم كله استخدم (اللاهوت) الطبيعة البشرية، وتلك التي بطبيعتها غير جسمانية، صارت بالتدبير وعلى قدر ما نفهم متجسدة. لأنه عندما أراد أن يعلن عن ذاته من خلال الجسد جعل فيه (أي في الجسد) كل ما يخص اللاهوت. لذلك من الصواب أن نعتقد أن الذي بطبيعته غير جسماني اتحد بجسده وأصبح الإتحاد مثل السوسنة لأن الرائحة العطرة وجسم السوسنة هما واحد ويسميان السوسنة" (1). 5- الروح والجسد: كما إن الإنسان يتكون من جسد ترابي قابل للفساد والموت ونفس حية خالدة طبيعتها تختلف عن طبيعة الجسد، ومع هذا فبإتحاد الجسد والنفس يتكون الإنسان الواحد، دون أن تختلط الطبيعتان أو تتغير أحداهما إلى الأخرى، هكذا كان إتحاد اللاهوت بالناسوت في السيد المسيح. غير إن إتحاد اللاهوت بالناسوت إتحاد أبدي لا يمكن أن يحدث فيه افتراق ولا انفصال لحظة واحدة أو طرفة عين، بينما الروح تفارق الجسد في لحظة الموت وتعود إليه يوم القيامة. وكما رأينا في الإنسان من قبل صورة التثليث والتوحيد، فإننا نرى فيه الآن صورة إتحاد الطبيعتين، حتى صار الإنسان الواحد طبيعة واحدة من طبيعتين مختلفتين متباينتين، فقال البابا كيرلس الكبير في رسالته إلى فاليريان "إن طبيعة الإنسان يُعترف بها انها واحدة، وانها اقنوم (هيبوستاسيس hypostasis) واحد، حتى بالرغم من أنه معروف عنها أنها ( مكوَّنة) من عناصر realities مختلفة متباينة الأنواع، لأن من المعروف أن الجسد من طبيعة مختلفة عن النفس، لكنه جسد بالنفس، ويُكمّل اقنوم الإنسان الواحد" (2). وقال أيضًا في رسالته إلى سوكنس " نحن مخلوقون من نفس وجسد ونحن نرى الطبيعتين واحدة في الجسد وواحدة في النفس، بل واحد هو الإنسان بالإتحاد من اثنين، ولا نقول انه رجلان لهذا الواحد، وإن كان صار من طبيعتين، ولكن مثلما قلت انه واحد هو الإنسان الذي كان من نفس وجسد، وإذا رأينا هذا أن المسيح واحد كان من طبيعتين مختلفتين بعضهما من بعض، فهو غير مفترق من بعد الإتحاد" (1). كما قال البابا كيرلس الكبير في رسالته إلى لوكيطس اسقف قيسارية "يجب أن نأخذ لنا مثالًا من طبعنا نحن البشر لأننا مخلوقون من نفس وجسد، وهما طبيعتان مختلفتان مثل الإتحاد، وبإتحادهما صار إنسانًا واحدًا بطبع واحد، لم تتغير النفس عن طبعها بإتحادها بالجسد فصارت جسدًا، ولا الجسد صار نفسًا، بل النفس والجسد طبع واحد وإنسان واحد" (الباب الرابع من كتاب المجامع لإبن المقفع) (2). وقال يوليوس أسقف روما في القرن الرابع في رسالته الخامسة "انه إن دُعي إلهًا فليس أحد ينكر ناسوته الذي هو متحد بلاهوته، وإن دُعي بناسوته من أجل الجسد الذي أخذه فليس أحد يجحد ربوبيته، ولا يُقسَّم أصلًا لطبيعتين من بعد الإتحاد كما إن الإنسان من خاصتين كاملتين بنفس وجسد، طبيعتين مختلفتين ومن بعد الإتحاد طبع واحد يُعرف وباسم واحد، وإذا دُعي جسداني فليس تفارقه النفس، وإذا دُعي نفساني فليس يفارقه الجسد" (3). في الإنسان نرى الروح متحدة بالجسد والجسد بالروح، ومع هذا فان الروح لا تتحوَّل إلى جسد، لأنها لو تحوَّلت إلى جسد لفقدت النطق والعقل والخلود ولتحول الإنسان إلى حيوان، والجسد لا يتحوَّل إلى روح، وإلاَّ تحوَّل الإنسان إلى ملاك، وقال القديس بطرس السدمنتي "كما قد جُعِل الإتحاد الصائر بين النفس الملائكية الروحانية، وبين الجسد الترابي الحيواني إنسانًا واحدًا طبيعة واحدة، وجوهرًا واحدًا، ليس في الملائكة من هو لابس جسدًا مثله، ولا في سائر الحيوان من هو متجسدًا بنفس عاقلة مثله، يوصف بصفتين مختلفتين. من جهة نفسه مساوًا للجواهر العقلية، ومن جهة جسده مساوًا للحيوان، ولا ينبغي أن يقال بعد إتحادهما وصيرورتهما إنسانًا واحدًا إنهما إثنان، ملاك وحيوان، وإن كان فيه جوهرا الملائكة والحيوان موجودين لم تنتقل النفس فتصير جسمًا، ولا الجسم فيصير نفسًا، بل كل منهما حافظ ما يخصه، وأبدع لهما الإتحاد إسمًا يخصهما الذي هو الإنسان، فلا النفس بمفردها تدعى إنسانًا، ولا الجسد بمفرده يُدعى إنسانًا، بل بالإتحاد دُعي مجموعهما إنسانًا، ذا طبيعة واحدة خاصة متقوّمة من طبيعتين عامتين، وهكذا في المسيح له المجد. انه لا يجوز أن يقال فيه بعد الإتحاد انه من طبيعتين مفترقتين، وإن كان اللاهوت لا يستحيل فيصير ناسوتًا، ولا الناسوت انبسط فصار لاهوتًا، بل كل منهما حافظ ما يخصه، من غير اختلاط، ولا امتزاج، ولا استحالة" (1). وإن كان يصعب علينا فهم الإتحاد في الإنسان فكيف ندرك إتحاد اللاهوت بالناسوت في السيد المسيح؟! وكما إن الأمور التي تخص إحدى طبيعتي الإنسان تُنسب للإنسان ككل فهكذا ما يخص إحدى طبيعتي السيد المسيح ينسب للإله المتأنس، ويشرح هذه الحقائق القديس كيرلس الكبير فيقول "أي غرابة في أن يفوق (إتحاد اللاهوت بالناسوت) إدراك (العقل)؟ فنحن عندما نبحث بدقة عن أمورنا ونحاول إدراك كنهها نعترف أنها تفوق مقدرة الفهم الذي فينا. فما هي كيفية إتحاد نفس الإنسان بجسده؟ من يمكنه أن يخبرنا؟!! ونحن بصعوبة نفهم أو بقليل نتحدث عن إتحاد النفس بالجسد. لكن إذا طُلِب منا أن نحدد كيفية إتحاد اللاهوت بالناسوت وهو أمر يفوق كل فهم بل صعب جدًا، نقول انه من اللائق أن نعتقد أن إتحاد اللاهوت بالناسوت في عمانوئيل هو مثل إتحاد نفس الإنسان بجسده.. والنفس تجعل الأشياء التي للجسد هي لها رغم إنها (النفس) بطبيعتها لا تشارك الجسد آلامه المادية الطبيعية أو الآلام التي تسببها للجسد.. (النفس) لا تشارك الجسد رغباته، ومع ذلك تعتبر أن تحقيق الرغبة هو تحقيق لرغبتها هي (النفس) فإذا ضُرِب الجسد أو جُرِح بالحديد مثلًا فإن النفس تحزن مع جسدها، ولكن بطبيعتها لا تتألم بالآلام المادية التي تقع على الجسد. ومع هذا يلزم أن نقول أن الإتحاد في عمانوئيل هو أسمى من أن يُشبَّه بإتحاد النفس بالجسد، لأن النفس المتحدة بجسدها تحزن مع جسدها وهذا حتمي حتى انها عندما تقبل الهوان تتعلَّم كيف تخضع لطاعة الله. أما بخصوص الله الكلمة فانه من الحماقة أن نقول انه كان يشعر -بلاهوته- بالإهانات، لأن اللاهوت لا يشعر بما نشعر به نحن البشر، وعندما اتحد بجسد له نفس عاقلة وتألم لم ينفعل اللاهوت بما تألم به، لكنه كان يعرف ما يحدث له، وأباد كإله كل ضعفات الجسد، رغم انه جعلها ضعفاته هو فهي تخص جسده.. لأنه كما إن الجسد في طبيعة مختلفة عن النفس، لكن الإنسان واحد من أثنين (النفس والجسد) هكذا المسيح واحد من الأقنوم الكامل لله الكلمة ومن الناسوت الكامل، والألوهة نفسها والناسوت نفسه في الواحد بعينه الأقنوم الواحد. وكما قلت أن الكلمة يجعل آلام جسده آلامه هو لأن الجسد هو جسده وليس جسد أحد آخر سواه. هكذا يمنح الكلمة جسده كل ما يخص لاهوته من قوة، حتى إن جسده قادر أن يقيم الموتى ويبرئ المرضى" (1) 6- إتحاد الحديد بالنار: شبه الآباء إتحاد اللاهوت بالناسوت بإتحاد النار بالحديد، فيقول البابا أثناسيوس انه بالتحام النار بالحديد نجد جمرة واحدة تشمل الحديد والنار، وكل منهما لم يفقد خاصيته، ولم يتحوَّل إلى الآخر "مثلما تلتحم النار بالحديد فيكوّنان معًا جمرة واحدة من غير أن تكون النار تغيَّرت أو تحوَّلت عن جوهرها مع كونها منيرة محرقة ولا قطعة الحديد تغيَّرت أو تحوَّلت عن أن تكون ثقيلة تُشَج وتُقطَع، هكذا دبَّر كلمة الله الخالق إتحاده بالطبيعة البشرية في قوام واحد جامع للطبيعتين الإلهية التي كُوّنت في آخر الزمان بلا اختلاط ولا تحوُّل ولا فساد ولا فرقة ولا انقطاع بينهما من غير أن تستحيل هذه إلى تلك، وتلك إلى هذه" (1). وقال البابا كيرلس الكبير كما أن الحديد بإتحاده بالنار يكتسب طبيعتها هكذا اغتنى الناسوت بمجد اللاهوت " كما أن الحديد إذا قربناه من نار شديدة يكتسب للوقت مظهر النار ويشترك في صفات ذلك العنصر الغالب، هكذا أيضًا طبيعة الجسد التي اتخذها لنفسه اللوغوس غير الفاسد والمحيي لم تبقى على حالها الأول بل انعتقت من الفساد ومن الفناء وسادت عليهما" ( عظة فصحية 17) (2). وقال أيضًا "إذا وضعتم حديدًا في النار، فانه يمتلئ كذلك بقوة النار.. وهكذا الكلمة المحيي لما وحَّد بذاته جسده الخاص.. بالكيفية التي هو وحده يعلمها جعل هذا الجسد محييًا" (تفسير لوقا 22: 19) (3). وكما إنه في إتحاد النار بالحديد، ووقوع الطرق على كليهما إلاَّ إن الذي يتأثر هو الحديد دون النار، هكذا وقعت الآلام على الناسوت دون اللاهوت، فيقول القديس كيرلس الكبير "فأخذنا لنا مثالًا لإتحاد اللاهوت بالناسوت كإتحاد النار بالحديد، وإن كان طبعين مختلفين، فبإتحادهما صارا طبعًا واحدًا. لا أن طبع النار استحال فصار حديدًا، ولا إن طبع الحديد استحال فصار نارًا. بل نار اتحدت بحديد هي النار وهو الحديد.. وإن الحديد إذا ضُرِب بالمرزبة هي النار المضروبة والحديد الذي يتألم، والنار لا تتألم" (الباب الرابع من كتاب الجامع لإبن المقفع) (4). 7- إتحاد الماء بالنار: كما انه بإتحاد الماء بالنار يكتسب الماء المغلي طبيعة النار، هكذا بإتحاد اللاهوت بالناسوت صار جسد المسيح جسدًا محيّيًا، فقال البابا كيرلس الكبير "فان كانت النار المرئية تدخل قوة طبيعتها الخاصة في المواد إذ تتصل بها وتحوّل الماء نفسه البارد وبطبعه إلى ما يخالف طبيعته إذ تجعله حارًا، فكيف لا نؤمن أن الكلمة الذي من الله الآب قد جعل جسده الخاص المتحد به جسدًا محيّيا" (ضد نسطور) (1). 8- الملك المُنقِذ: عندما يجد الملك جيشه قد انهزم أمام الأعداء ولا مخلص، فانه يخلع ثياب الملك ويتزيّ بزي الجنود وينزل في وسطهم متخفيًا يتقدمهم في معركة الخلاص، ويقودهم إلى موكب النصرة ثم يعلن لهم عن ذاته فيفرحون به ويدينون له بالطاعة والخضوع ويقدمون له كل الحب، هكذا إلهنا الجبار عندما رأى بؤسنا وشقاءنا أمام مملكة الظلمة القوية المتسلطة خلع عنه ثياب المجد وتزيّ بزيّنا أي لبس جسدنا، وخاض المعركة الشرسة ضد مملكة ابليس وجنوده وقام ظافرًا وقد نفض عنه تراب الموت الذي قهر البشرية جمعاء وأعلن ذاته للكنيسة، فكم يجب أن يكون حبنا وإخلاصنا له وفرحتنا به؟!!. 9- إنقاذ الغريق: قال القديس يعقوب السروجي "إذا أردت أن تنقذ غريقًا أو تنهض إنسانًا مطروحًا، فلا ينفع أن تقدم له النصيحة. بل عليك أن تخلع ثيابك وتلبس ثياب البحر، وبعد أن تنزل تقيمه معك" (2). هكذا خلع الله ثياب المجد ولبس ثياب البحر أي جسدنا ونزل إلينا وأنقذنا وحملنا معه حيث أجلسنا معه في السماويات، وعلى حد تعبير القديس غريغوريوس في الليتورجيا " أصعدت باكورتي إلى السماء". 10- مدينة الملك: يقول البابا أثناسيوس عندما يقيم الملك في بيت من بيوت إحدى المدن، فانه يرفع من شأن المدينة، وهكذا رفع الله بتجسده من شأننا " وكما إنه لو دخل ملك عظيم مدينة عظيمة، واتخذ إقامته في أحد بيوتها، فان هذه المدينة تتشح بالشرف الرفيع، ولا يعود عدو أو لص ينزل إليها لإخضاعها، بل على العكس، تعتبر مستحقة كل عناية، لأن الملك اتخذ مقره في واحدة من بيوتها، كذلك كانت الحال مع ملك الكل. فانه إذ أتى إلى عالمنا، واتخذ إقامته في جسد واحد بين أترابه فقد بطلت كل مؤامرة العدو ضد الجنس البشري منذ ذلك الحين، وزال عنهم فساد الموت الذي كان سائدًا عليهم من قبل لأنه لو لم يكن الرب مخلص الجميع، ابن الله، قد جاء إلينا وحلَّ بيننا ليوفي غاية الموت لكان الجنس البشري قد هلك" (تجسد الكلمة 9: 3، 4) وقال أيضًا إذا أسَّس ملك عظيم منزلًا أو مدينة وسقطت بين اللصوص فانه يسعى لإنقاذها، وهذا ما فعله الله معنا نحن الذين سقطنا بين اللصوص " حقًا لقد كان هذا العمل العظيم متفقًا مع وجود الله بشكل عجيب. لأنه إذا أسَّس ملك منزلًا أو مدينة وأحدق بها اللصوص بسبب إهمال سكانها، فانه لا يهملها أو يتغاضى عنها بأي حال، بل يقوم ويهتم وينتقم من العابثين بها لأنها صنعة يديه غير مبال بإهمال سكانها، بل بما يليق بذاته. وهكذا الله، كلمة الآب الكلي الصلاح، لم يهمل الجنس البشري صنعة يديه، ولم يتركه للفساد، بل أبطل الموت بتقديم جسده، وعالج إهمالهم بتعاليمه، ورد بسلطانه كل ما كان للإنسان" ( تجسد الكلمة 10: 1). لقد تعهدنا الله بالناموس والأنبياء ثم جاء إلينا بذاته، فيقول البابا أثناسيوس "ومرة أخرى نسوق هذا التشبيه: أي ملك من ملوك الأرض -وهو مجرد إنسان بشري- إذا امتلك بلادًا لا يتركها لآخرين لكي تخدمهم، ولا يتنازل عنها لغيره، ولكنه ينذر أهلها برسائله، ثم يتصل بهم بواسطة الأصدقاء مرارًا، وإذا اقتضى الأمر يذهب إليهم بشخصه كآخر وسيلة يلجأ إليها لتوبيخهم - كل ذلك لكي لا يخدموا آخرين فيذهب عمله هباءًا منثورًا" (تجسد الكلمة 13: 5). 11- الفنان العظيم والفخاري الكريم: شبه القديس أثناسيوس عملية التجسد بالفنان العظيم الذي يستطيع أن يعيد اللوحة البديعة التي رسمها إلى أصلها متى تعرضت للتلف، فيقول إن هذا ما فعله الله معنا، جاء إلينا، وأعاد رسم الصورة على نفس طبيعتنا الساقطة دون أن يفني هذه الخليقة الأولى التي حملت يومًا ما صورته الإلهية. وهكذا أُعيدت خلقة الإنسان.. وقد شبه الله ذلك في العهد القديم بالفخاري الذي صنع إناءًا من طينة وماء، وإذ لم يكن كما يريد، أعاد صنعه ثانية بعد أن فسد، وقال الرب "هوذا كالطين بيد الفخاري، هكذا أنتم بيدي" ( ار 18: 1-10) كذلك المسيحية هي الدين الوحيد الذي يتحدث عن إعادة خلقة الإنسان وتجديد طبيعته، وهذا عمل لا يقدر عليه سوى الخالق (أسئلة حول التجسد ص 26، 27). وقال البابا أثناسيوس أيضًا إننا خلقنا على صورة الله، ثم فسدت هذه الصورة بغواية العدو، فكان لابد من حضور صاحب الصورة لكيما يساعد الفنان على إعادة الصورة إلى حالتها الأولى من الروعة والجمال " وإن تلطخت الصورة المرسومة على الخشب بالأدران من الخارج وأُزيلت، فلابد من حضور صاحب الصورة نفسه ثانية لكي يساعد الرسام على تجديد الصورة على نفس اللوحة الخشبية، لأنه إكرامًا لصورته يعز عليه أن يلقي تلك اللوحة، وهي مجرد قطعة خشبية، بل يجدد عليها الاسم. وعلى هذا المثال أتى إلى عالمنا ابن الآب الكلي القداسة، إذ هو صورة الآب، لكي يجدد خلقة الإنسان الذي خُلِق مرة أخرى على صورته" (تجسد الكلمة 14: 1، 2). 12- المعلم الصالح: كما إن المعلم الصالح يتنازل لمستوى تلاميذه ليرفعهم هكذا تنازل الله إلينا بالتجسد ليرفعنا، فيقول القديس أثناسيوس " وكما إن المعلم الصالح الذي يعتني بتلاميذه يتنازل إلى مستواهم، إن رأى البعض منهم لم يستفيدوا بالعلوم التي تسمو فوق إدراكهم، ويقدم إليهم تعاليم أبسط، هكذا فعل كلمة الله" (تجسد الكلمة 15: 1). وقال أيضًا عندما نظر الله وإذ الإنسان انحط إلى عبادة المخلوقات ظهر له في شكل المخلوقات ليلتقي به ويرفعه " لأنه إذ رأي (الله) إن البشر رفضوا التأمل في الله، وانحطت نظراتهم إلى أسفل كأنهم قد غاصوا في العمق، باحثين عن الله في الطبيعة وفي عالم الحسيَّات، ومخترعين لأنفسهم آلهة من البشر القابلين للفناء ومن الجن، لهذا فان مخلص الكل المحب كلمة الله أخذ لنفسه جسدًا وكإنسان مشى بين الناس، وقابل إحساسات البشر في منتصف الطريق.. ففي الأمور التي ركزوا فيها إحساساتهم وجدوا أنفسهم قد قُوبِلوا في منتصف الطريق وعلموا الحق من كل ناحية" (تجسد الكلمة 15: 2، 3). لقد علمنا السيد المسيح بأعماله المعجزية، فيقول القديس أثناسيوس "فإذا نظروا إلى الخليقة بدهشة ورهبة رأوها تعترف بالمسيح ربًا، وإذ اتجهت عقولهم نحو البشر ليتوهموا أنهم آلهة وجدوا من أعمال المخلص -إن قارنوها بأعمال البشر- قد أظهرته وحده ابن الله دون سائر البشر، لأنه لم يقم بينهم قط من استطاع أن يأتي الأعمال التي عملها كلمة الله. وإن انحرفوا إلى الأرواح الشريرة وجب أن يدركوا بعد إن رأوا (الكلمة) يطردها، انه وحده هو الله، وإن تلك الأرواح لا شيء. وإن انحدرت عقولهم فوصلت إلى الأموات حتى عبدوا الأبطال والآلهة التي تحدث عنها الشعراء، وجب -بعد أن رأوا قيامة المخلص- أن يعترفوا أن تلك آلهة كاذبة، وإن الرب وحده هو الإله الحق كلمة الآب، وهو رب الموت أيضًا. لهذا السبب وُلِد وظهر كإنسان، ومات، وقام ثانية بعد أن غطى بأعماله كل أعمال البشر الذين سبقوه، حتى إذا ما اتجهت أفكار البشر إلى أية ناحية. استطاع أن يستردهم من هذه الناحية ويعلمهم عن أبيه الحقيقي، انه قد جاء كما يقول عن نفسه {لكي أطلب وأخلص ما قد هلك} (لو 19: 10)" (تجسد الكلمة 15: 4-7). 13- القشة والاسبستوس: القش مادة قابلة للاحتراق السريع، ولكن عندما يتم تغليفها بمادة الاسبستوس Asbestos التي لا تحترق فان النار لن تقوى عليه، فيقول القديس أثناسيوس "والمعلوم أن القش تفنيه النار بطبيعة الحال. فلنفترض أولًا: إن إنسانًا أبعد النار عن القش، فان القش ولو لم يحترق يبقى رغمًا عن ذلك مجرد قش يخشى خطر النار، لأن للنار خاصة إحراقه. ثانيًا: بينما لو أحاطه بمادة الاسبستوس -التي يقال عنها أنها تصمد أمام النار- فان القش لا يرهب النار فيما بعد، إذ قد تحصن بإحاطته بمادة غير قابلة للاحتراق. كذلك أيضًا بنفس الطريقة يستطيع المرء أن يقول عن الجسد والموت، انه لو كان الموت قد أُبعد عن الجسد بمجرد إصدار أمر من الله، لبقى رغم ذلك قابلًا للموت والفساد حسب طبيعة الأجساد ولكن، لكي لا يكون هذا حال الجسد، فقد لبس ( الجسد) كلمة الله الخالي من الجسد، ولذلك فانه لا يعود يرهب الموت أو الفساد، لأنه لبس الحياة كثوب، ولأن الفساد قد أُبيد فيه" (تجسد الكلمة 44: 7، 8). 14- الفأس والشجرة المشمسة: قال القديس سلبطرس أسقف روما في مجادلة مع أحد اليهود "إذا كانت شجرة يُراد قطعها بالفأس في نصف النهار والشمس عامة عليها وضُربت بالفأس . أليس ضرب الفأس واقع على الشجرة والشمس عليها؟ قال نوح اليهودي: نعم. قال سلبطرس: فيمكن أن يقطع الفأس الشمس أو يؤثر فيها وهي تعم الفأس والشجرة. قال: لا. قال له: هكذا قولنا في المسيح فالجسد كالشجرة، والألم كالفأس، والشمس كاللاهوت، وهكذا تألم المسيح بالجسد من غير أن ينال اللاهوت شيئًا من الآلام" (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
مادام الله الكلمة أخذ طبيعة بشرية كاملة فهل هذه الطبيعة لها رغباتها وإرادتها ومشيئتها الإنسانية أو بمعنى آخر هل كان للسيد المسيح مشيئتين احدهما إلهية والأخرى بشرية؟ ج: يقول نيافة الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدَّس "لم يمح اللاهوت هذه الرغبات البشرية، مثل الرغبة في النوم، وفي الطعام، وفي أن يحزن، أن يفرح، أن يكتئب. كل المشاعر الطبيعية، ولكن بلا خطية، وبلا مشاعر خاطئة أو منحرفة أو شريرة.. حاشا، فاللاهوت لم يلغ إنسانية السيد المسيح، فإن اللاهوت لم يلغ الرغبات الطبيعية لطبيعتنا في السيد المسيح ولكنها كانت في حالة انسجام تام مع الرغبات الإلهية، مثل خلاص البشرية والفداء. لم يكن هناك اصطدام بين الرغبة البشرية (والإلهية) وذلك بإرادة واحدة اتخذ أقنوم الكلمة قراره بأن يُهان ويصلب، بالرغم من انه بحسب بشريته، كانت هذه الأحزان والآلام كلها أحزانًا وآلامًا حقيقية، فقد قال {نفسي حزينة جدًا} إذًا اللاهوت لم يلغ فيه إحساسه بالألم وشعوره بأن الخيانة شيء مؤلم.." (1). وأكد القديس أثناسيوس أن السيد المسيح القدوس كان له إرادته البشرية المقدَّسة، وقد هزم الشيطانبالناسوت وليس بفعل اللاهوت فيقول "الخطيئة ليست من جوهر الناسوت، وانه قد تحقق النصر على الخطيئة بواسطة الطبيعة البشرية عينها التي انهزمت مرة بالخطيئة. لقد انهزم الشيطان أمام المسيح لا بفعل اللاهوت؟ فقد كان الشيطان يجهل اللاهوت الذي فيه، ولكن بعمل الناسوت الذي طالما أغراه الشيطان ووجه إليه كل أعماله وحاربه، فلم يجد الشيطان فيه الزرع القديم الذي زُرع في الإنسان. إن الذي اتخذه الكلمة هو شكل الإنسان كما خلق أولًا. جسد بدون شهوات جسدية. لقد كان للمسيح إرادة بشرية ولكن جميع رغبات الطبيعة في المسيح كانت في انسجام ووفاق مع إرادة الطبيعة الإلهية". وفي مشاورات كنيستنا مع كنائس الروم الأرثوذكس في يوليو 1967 تفهم كل طرف موقف الطرف الآخر فقالوا "نحن متفقون جميعًا على أن المشيئة البشرية في الكلمة المتجسد لا تمتصها ولا تمحوها المشيئة الإلهية، وإن هاتين المشيئتين لا تتعارضان، فالطبيعة المخلوقة والطبيعة غير المخلوقة بكامل صفاتها وخصائصها الطبيعية، متحدتان بدون اندماج ولا انفصال ويستمران فاعلين في المسيح الواحد ربنا. إن موقف الذين يصرون على القول بالمشيئة الواحدة الإلهية - البشرية والفعل الواحد من غير اندماج ولا انفصال لا يبدو غير متوافق مع قرار مجمع القسطنطينية (789-681) الذي يؤكد على وجود مشيئتين وطبيعتين وفعلين طبيعين في المسيح من دون انقسام ولا انعكاس ولا انفصال ولا اندماج" (1). وفي مشاورات أغسطس 1970 جاء ما يلي "إن المشيئة والفعل البشريين للمسيح لا يمتصهما ولا يمحوهما مشيئته وفعله الإلهيان، فلا تعارض هنا، إنما إتحاد في تناغم كامل دون انقسام ولا اندماج، فالذي "يشاء" و"يفعل" هو دائمًا الأقنوم الواحد والكلمة المتجسد، فعمانوئيل الواحد "الله معنا" الإله والإنسان" (2). قال الأسقف الروماني مؤلف كتاب الإيمان الصحيح ص 134 "لكن المشيئة الإنسانية لم تضاد أو تخالف قط المشيئة الإلهية القادرة على كل شيء، بل خضعت لها دائمًا، لأنه كان يجب أن تتحرك مشيئة الجسد لكي بنوع أن تخضع للمشيئة الإلهية كموجب رأي أثناسيوس الكلي الحكمة، لأنه كما أن جسده (جسد المسيح) يقال له جسد الإله الكلمة وهو هكذا حقًا، كذلك مشيئة جسده الطبيعية. يقال لها مشيئة الإله الكلمة هو هكذا حقًا" (3) وقال الآباء أن للسيد المسيح مشيئة واحدة ناتجة عن تلاقي المشيئة الناسوتية مع المشيئة الإلهية وخضوعها لها، فقال القديس كيرلس الكبير في رسالته إلى الملك ثيؤدوسيوس " إننا لا نعرى الناسوت من اللاهوت، ولا نعرى الكلمة من الناسوت بعد ذلك الإتحاد الغامض الذي لا يمكن تفسيره، بل نعترف بأن المسيح الواحد هو من مشيئتين اجتمعا إلى واحد مؤلف من كليهما، لا بهدم الطبيعتين، ولا باختلاطهما بل بإتحاد شريف إلى الغاية" (4). وقال القديس بطرس السدمنتي "إذ كان الفاعل واحد كانت المشيئة واحدة، وقد ثبت أن الفاعل واحد وهو المسيح، فالمشيئة إذًا واحدة، لأنه يستحيل توحيد الفاعل مع تثنية المشيئة" (1). وقال القديس أغسطينوس "كما أن النفس فينا تدبر الجسد، هكذا (إقنوم) الكلمة في المسيح. من هو الإنسان؟ هو نفس لها جسد، ومن هو المسيح، هو كلمة الله له ناسوت" (2). ويقول قداسة البابا شنوده الثالث "وطبيعي انه مادامت الطبيعة واحدة، تكون المشيئة واحدة، وبالتالي يكون الفعل واحدًا. إن ما يختاره اللاهوت، لا شك أنه هو نفسه ما يختاره الناسوت، لأنه لا يوجد تناقض مطلقًا بينهما في المشيئة والعمل، والسيد المسيح قال " طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" (يو 4: 34) وهذا دليل على أن مشيئته هي مشيئة الآب، وهو لا يطلب لنفسه مشيئة خاصة غير مشيئة الآب (يو 5: 30، 6: 38) والابن كان في تجسده على الأرض ينفذ مشيئة الآب السماوي، لأنه ما هي الخطية سوى أن تتعارض مشيئة الإنسان مع الله، والسيد المسيح لم تكن فيه خطية البتة. إذًا كانت المشيئة هي مشيئة الآب. وإن لم تكن هناك وحدة بين لاهوت المسيح وناسوته في المشيئة، فهل يكون هناك تعارض إذًا أو صراع داخلي؟! حاشا. كيف إذًا يكون المسيح قدوة لنا ومثالًا على كما سلك ذاك نسلك نحن أيضًا (1يو 2: 6)؟!" (3). وقال الأسقف الروماني صاحب كتاب الإيمان الصحيح ص 24 "ونحن نعلم أن كثيرين باقتناعهم من شهادات الإنجيل والآباء القديسين ومن القياس والبرهان يعتقدون حقًا بمشيئتين في المسيح، لكن بنوع أن إحداهما موافقة الأخرى، ولا يمكن القول أنهما اثنتان بل واحدة، فبالحقيقة أن الكنيسة الرومانية أيضًا تقر وتعتقد أن هاتين المشيئتين متفقتان في المسيح كأنهما واحدة فقط" (1). وقد يتساءل البعض: هل مشيئة الابن بعد التجسد اختلفت عن مشيئة الآب حتى أنه يقول له "يا أبتاه أن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس. ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت" (مت 6: 39). والحقيقة أن هناك فرقًا بين الرغبة والمشيئة أو الإرادة، فعندما يكون الإنسان صائمًا قد يشتد عليه العطش فيرغب في شرب كوب من الماء، فهذه مجرد رغبة، ولكن بسبب محبته للصوم فإنه لن يشرب فهذا قراره، وبذلك تختلف الإرادة عن الرغبة، وهكذا الرغبة البشرية في السيد المسيح أمام أهوال الصليب قال "إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس" ولكن القرار النهائي "لكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت" (مت 26: 39). قال القس أبو الفرج "إن قول سيدنا {ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت} لا يستدعي منه أن إرادة الابن غير إرادة الآب، وإنما قال هذا لأنه في ذلك الوقت أقام نفسه مقام الخليقة بأسرها، فكأنه نطق بلسانها لأنه تحمل خطايانا كلها، والدليل على إن إرادتهما واحدة قوله {صدقوني إني في الآب والآب فيّ} (يو 14: 11) وقوله {الكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني} وقوله {لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا إلاَّ ما ينظر الآب يعمل . لأن مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك} (يو 5: 19) وقوله {أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئًا} (يو 5: 30) (2) وقال القديس بطرس السدمنتي "نقول ليس للابن إرادة غير إرادة الآب والدليل عليه قوله {أنا والآب واحد} (يو 10: 30).. فإن قيل أن السيد أخذ الإنسانية كاملة، وكامل الإنسانية لا يكون عادم المشيئة فنقول أن السيد أخذ الإنسانية كاملة بلا شك.. إلاَّ أنه لما قيل أن الذات الإلهية اتحدت بالذات الإنسانية، فلزم أن تتحد عند ذلك جميع اللوازم التي يمكن إتحادها، ولاشك أن الإتحاد في المشيئات من أمكنها" (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
هل قولنا بطبيعة واحدة متجسدة يوحي بأننا أوطاخيين؟ ج: لقد اعتقد أوطاخي بطبيعة إلهية فقط للسيد المسيح، وأنكر تمامًا الطبيعة الناسوتية. أما نحن فإننا نؤمن بطبيعة واحدة من طبيعتين إلهيَّة وبشرَّية μία φύσις τοῦ θεοῦ λόγου σεσαρκωμένη. ولو قلنا إننا نؤمن بطبيعة وحيدة، أو بطبيعة واحدة (مع حذف متجسدة) لصح الاتهام، ولكن قولنا بأننا نؤمن بطبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة فهو إثبات كافي على إيماننا بطبيعة من طبيعتين، لأن وصفنا للطبيعة الإلهية بأنها متجسدة يعتبر اعتراف كامل بالناسوت المتحد باللاهوت بعكس إيمان أوطاخي، وهذا ما أوضحه القديس كيرلس الكبير في رسالته إلى سوقيس "لو قلنا أن طبيعة واحدة وسكتنا ولم نقل بعد هذا انه صار جسدًا، وجعلنا التدبير (التجسد) خارجًا عنه لعل كلامهم يستقيم، إذ يسألون أين التمام في الناسوت؟ أما وقد أتينا ببيان جوهر البشر كما قلنا انه صار جسدًا فليهدأوا" (2). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
قال السيد المسيح "أنا في الآب والآب فيَّ" وقال أيضًا "أنا والآب واحد" فهل هذا يجيز لنا أن نقول انه مادام الابن تجسد فالآب أيضًا تجسد؟ ج: نحن لا نفصل بين الأقانيم الثلاثة الآب والابن والروح القدس من ناحية الزمان أو المكان. الآب في الابن والابن في الآب. والروح القدس هو روح الآب والابن، فالأقانيم الثلاثة قائمون بلا افتراق في الجوهر الإلهي الواحد، وكل ما نفعله هنا إننا نميز بين عمل كل منهم، فالتجسد هو عمل الابن وليس عمل الآب ولا عمل الروح القدس كقول الكتاب "في ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة" (غل 4: 4) "فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو 1: 35) والتمييز بين الأقانيم أمر منطقي، فالإنسان مثلًا واحد ولكن عندما يتكلم فإن اللسان هو الذي يجسد الكلمات وليست اليد أو العين ولذلك ننسب الكلام للسان وليس لليد أو العين، وعندما يأكل الإنسان فان هذا العمل ينسب للجسد وليس للروح . وعندما يحل مشكلة فان هذا العمل يُنسَب للعقل، وعندما يحيى ويتحرك فان هذا عمل الروح. قال البابا كيرلس السادس "ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي تفضل في ملء الزمان ونظر إلى ذلنا ونزل إلى أرضنا، وعاش بيننا كأنه واحد منا، وشابهنا في كل شيء فيما عدا الخطية وحدها. انه الأزلي الأبدي الكائن مع الآب والروح القدس في جوهر واحد وطبيعة إلهية واحدة.. فالأقانيم ثلاثة ولكن الله واحد، والأقنوم الثاني هو الذي نزل من السماء وحلَّ في بطن السيدة العذراء مريم، واتخذ منها جسدًا، وهكذا اتحد لاهوت الكلمة بالناسوت الذي أخذه من مريم، وصيَّره واحدًا معه بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير.. ومن ثم فان المولود من مريم العذراء هو ابن الله بالحقيقة.. لقد وُلِد المسيح وليس له ابتداء، وتجسد ولم يزل هو الكائن الذي كان والدائم إلى الأبد حقًا" (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
لماذا تجسد الأقنوم الثاني دون الأول أو الثالث؟ أ- لقد حلّ الله مشكلة سقوط الإنسان بعقله وحكمته، وأقنوم العقل والحكمة في الله هو أقنوم اللوغوس. ب- عندما هلك الإنسان بسبب الجهل وعدم المعرفة "هلك شعبي من عدم المعرفة" (هو 4: 6) جاء أقنوم المعرفة وعلمنا أسرار الآب، وكان المثل والقدوة والمثال لنا، وقال "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت 11: 29). "يمكننا أن ندرك أن تجديد الخليقة كان من عمل نفس (الكلمة) الذي خلقها في البداية. إذ سوف يتضح انه لم يكن أمرًا مخالفًا أن يتمم الله خلاص العالم بذاك الذي خلقه به أولًا" (تجسد الكلمة 1: 4) وقال أيضًا "من الذي يستطيع أن يعيد إليه تلك النعمة، ويرده مرة أخرى أن يأتي بالفاسد إلى عدم الفساد، وفي نفس الوقت أن يوفي مطلب الآب العادل المطالب به الجميع، وحيث أنه هو حكمة الآب ويفوق الكل، فكان هو وحده الذي يليق بطبيعته أن يجدد خلقة كل شيء وأن يتحمل الآلام عوضًا عن الجميع وأن يكون نائبًا عن الجميع لدى الآب" (تجسد الكلمة 7: 4، 5) وأيضًا قال القديس أثناسيوس "انه لم يكن ممكنًا أن يحوّل الفاسد إلى عدم فساد إلاَّ المخلص نفسه، الذي خلق كل شيء من العدم ولم يكن ممكنًا أن يعيد للبشر صورة الله ومثاله إلاَّ صورة الآب، ولم يكن ممكنًا أن يلبس عدم المائت عدم الموت إلاَّ ربنا يسوع المسيح الذي هو الحياة، ولم يكن ممكنًا أن يُعلِم البشر عن الآب، ويقضي على عبادة الأوثان إلاَّ الكلمة الضابط الكل، الذي هو ابن الآب الوحيد الحقيقي" (تجسد الكلمة الكلمة 20: 1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
عندما تجسد أقنوم الابن ألاَ يعتبر هذا انفصال عن أقنومي الآب والروح القدس؟ ج: يجيب على هذا بطرس ديناسيوس في رده على اعتراضات أيوب بك صبري الذي أنكر الإيمان ونشر اعتراضاته بجريدة مكارم الأخلاق لصاحبها أحمد أفندي الشريف فيقول "وأما قوله بأن حلول الأقنوم الإلهي في الناسوت مع كونه واحدًا في الجوهر مع الآب والروح يقتضي تجزئة الجوهر الإلهي، فأجيب عليه: حاشا.. لأن الجوهر الإلهي هو روح غير قابل للتجزئة ومع ذلك لما حلَّ ابن الله في الناسوت لم ينفصل عن الجوهر الإلهي، وإن قيل كيف ذلك؟ فأجيبه ذلك فوق كيف، وليس هو وحده فوق كيف. بل يوجد فينا أشياء فوق كيف. فان قيل وما هي؟ أجبته هو الروح الإنساني. ومع ذلك يكون روحًا واحدًا، وإن قيل أنه متجزئ في الجسد فأقول الروح لا يقبل التجزؤ، وإن قيل انه متمدّد فيه فأقول أن التمدُّد هو من خصائص المادة والروح ليس بمادة. كذا لو قُطِع جزء من الجسد فهل يُقطع معه الروح كله أو جزء منه، فان كان كله فتكون أجزاء الجسد الأخرى باقية بدون روح وذلك محال، وإن كان يُقطع جزء منه مع الجزء المقطوع من الجسد، فيكون الروح متجزئ، وقد بينَّا سابقًا أن الروح لا يتجزأ وزيادة على ذلك يكون الباقي في الجسد الحي ليس روحًا كاملًا، وهذا لا يسلم به أحد. فها قد رأيت أن حلول الروح في الجسد كله وإتحاده به لا يمكن إدراكه ومع ذلك نحن ملزمون أن نعتقد بهذه الحقيقة وإن كنا غير قادرين على إدراك كيفيتها، فان كنا لا نقدر أن ندرك كيفية حلول الروح المحدَّد في الجسد المحدود نظيره فهل نقدر أن ندرك كيفية حلول اللاهوت الغير المحدود في الناسوت المحدود" (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
هل أحدث التجسد أي تغيّير في الجوهر الإلهي غير المتغير؟ ج: لم يطرأ أي تغيّير على الجوهر الإلهي بسبب التجسد، فالتجسد هو قدرة من قدرات الله ظهرت في ملء الزمان دون أي تغيّير طرأ على الجوهر الإلهي . فالله بعد التجسد هو هو الله قبل التجسد، وضرب نيافة الأنبا بيشوي مثالًا على هذا فقال "إن صفة القدرة على الخلق موجودة أصلًا في طبيعة الله.. هو قادر أن يخلق وقتما أراد.. فالتغيُّر حدث في الخليقة لأنها لم تكون موجودة ثم دخلت إلى حيز الوجود. التجسد هو عمل من أعمال محبة الله للخليقة من أجل خلاصها، فالحب في الله منذ الأزل.. فكما إن الخلق هو قدرة موجودة في الله ثم ظهرت في الوقت المناسب، فالتجسد أيضًا هو إحدى قدرات الله التي تتحقق بواسطة أقنوم الابن.. فالتجسد ليس هو إضافة جديدة إلى طبيعة الله، لأن طبيعة الله لم تضف إليها المحبة التي أعلنها على الصليب، ولا أُضيفت إليها القدرة أن يظهر في الجسد. لكنها قدرات كائنة فيه وتظهر في الوقت المناسب" (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
لماذا لم يظهر الله في أشياء أعظم من الإنسان مثل الشمس أو القمر أو الكواكب؟ ج: الحقيقة أن لا الشمس ولا القمر ولا الكواكب أعظم من الإنسان، لأن أي منها لم يخلق على صورة الله ومثاله، ولذلك عندما خلق الله الخليقة المادية قال "حسن" ولكن عندما خلق الإنسان الذي يجمع بين الخليقة المادية والروحية قال "حسن جدًا" فإن الإنسان خُلِق على صورة جابلة، ويقول القديس كيرلس الأورشليمي "لقد خلق الله العالم في ستة أيام ولكن العالم قد خُلق أصلًا لأجل البشر!! فالشمس المتألقة بالأشعة الباهرة إنما خُلقت لتضئ للإنسان. بل إن كل الكائنات الحية قد صنعت لخدمتنا، فالأعشاب والأشجار خُلِقت لنتمتع بها.. وكل الخليقة كانت حسنة ولكن لا شيء منها كان على صورة الله ما خلا الإنسان وحده!! لذلك نرى إن الشمس مثلاُ قد خُلِقت بمجرد كلمة من فم الله، أما الإنسان فهو صنعة يديه "لنصنع الإنسان على صورتنا كشبهنا" فإذا كانت الصورة الخشبية ( التمثال) للملك تحظى بالإكرام، فكم بالحري صورة الله الناطقة؟!!" (مقال 12 للموعوظين) (2). ولم يأتِ الله ليتباهى ويتظاهر أمام البشرية، إنما جاء ليصنع خلاصًا للإنسان الشقي ويشفيه من آلام الخطية وسم الحية، فالإنسان هو الذي أخطأ وهو الذي يحتاج للخلاص وليس الشمس ولا القمر ولا الكواكب، فيقول القديس أثناسيوس "والآن إذا سألوا قائلين: لماذا لم يظهر بواسطة أجزاء أخرى من الخليقة أشرف وأسمى، ويستخدم أداة أشرف كالشمس أو القمر أو الكواكب أو النار أو الهواء، بدلًا من مجرد الإنسان؟ فليعلموا أن الرب لم يأتِ لكل يتظاهر ويتباهى بل لكي يشفي أولئك الواقعين تحت الآلام ويعلمهم. فالطريق لمن يريد أن يتظاهر هو أن يظهر ويُبهِر الناظرين ويُذهِل عقولهم. أما من يطلب أن يشفى ويعلم الطريق، فعليه أن لا يكتفي بمجرد حلوله هنا، بل يقدم نفسه لمساعدة المحتاجين، وأن يظهر في الشكل الذي يحتمله من هم في حاجة إليه، لئلا -إذا أفرط في سد حاجة المتألمين- يزعج المحتاجين إليه. وبذلك يجعل ظهور الله عديم الجدوى لهم. والواقع أنه لم يضل أحد من الخليقة عن الله إلاَّ الإنسان وحده، فلا الشمس ولا القمر ولا السماء ولا الكواكب ولا الماء ولا الهواء انحرفت عن نظامها، ولكنها إذ عرفت صانعها وضابطها (الكلمة) فهي باقية كما صُنِعت. أما البشر وحدهم، فإذا رفضوا ما هو صالح، اخترعوا أشياء من العدم عوض الحق، ونسبوا الكرامة المستحقة، ومعرفتهم له، إلى الجن والبشر في شكل حجارة.. ولأن البشر كانوا لا يزالون عاجزين عن أن يدركوا انه هو ضابط الكل ومدبر الكل، لذلك كان صوابًا أن يتخذ لنفسه جزءًا من الكل كأداة أي جسده البشري ويتحد به" (تجسد الكلمة 43: 1-5). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
كيف ندعو العذراء مريم والدة الإله وهي لم تعطه الألوهية؟ ومادام السيد المسيح أخذ جسده من العذراء فقط، فلماذا نقول انه تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء؟ ج: يقول البابا كيرلس الكبير "تجسد (الله الكلمة) ووُلِد من امرأة حسب الجسد، والذي حدث انه أخذ من العذراء القديسة جسدًا واتحد به إتحادًا حقيقيًا. لذلك نعتقد أن العذراء القديسة هي والدة الإله، لأنها ولدته حسب الجسد، لكنه مولود في ذات الوقت من الآب قبل كل الدهور. لا يضطرب أحد عندما يسمع أن العذراء هي والدة الإله.. أبناء اليونانيين (الأمم) عندما يسمعون تعاليم الكنيسة أن الله وُلِد من امرأة يضحكون.. أما بالنسبة لنا نحن الذين نعرفه فهو سر الخلاص الذي يستحق كل إعجاب.. إذا كان أحد ما يتجرأ أو يعلم أن الجسد الترابي (إشارة للعذراء مريم) هو الذي ولد الطبيعة الإلهية.. فان هذا هو الجنون بعينه.. الجسد لا يمكن أن يلد الذي لا بداية له.. الكلمة هو الله لكنه تجسَّد وأيضًا وُلِد حسب الجسد وبطريقة بشرية، لذلك تدعى التي ولدته والدة الإله. إذا لم تكن العذراء قد ولدت الله فلا يجب أن نسمي المولود منها الله، ولكن حيث إن الكتب الموحى بها تدعوه الله المتجسد.. فكيف لا نسمي التي ولدته والدة الإله؟" (1). أما بالنسبة لقولنا بأن السيد المسيح تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء، فنحن نعلم جيدًا أن الله الكلمة في تجسده لم يتخذ أي نوع من أنواع المادة من الروح القدس، ولكننا نعلم أيضًا أنه من المستحيل أن عذراء تلد بدون معجزة فريدة من الروح القدس الخالق، فالروح القدس هو الذي كوَّن الجنين في أحشاء العذراء مريم بدون زرع رجل، ولذلك نقول عن السيد المسيح انه تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء. |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
هل السيد المسيح دُعي ابن الله لأنه وُلِد من العذراء مريم؟ ج: السيد المسيح هو ابن الله المولود من الآب قبل كل الدهور وإلى ما لا نهاية وفي كل لحظة مثل الولادة المستديمة للشعاع من الشمس، ولذلك دُعي بابن الله قبل التجسد، ولكن لما جاء ملء الزمان لخلاص الإنسان أرسل الله ابنه مولودًا من العذراء مريم. إذًا السيد المسيح دُعي بابن الله بسبب ولادته السرمدية من الله الآب، وليس بسبب ولادته الزمنية من العذراء مريم، وبهذا نستطيع أن نقول أن للسيد المسيح ميلادان: أ - ميلاد أزلي: من الآب قبل كل الدهور كقول قانون الإيمان "مولود من الآب قبل كل الدهور. نور من نور. إله حق من إله حق". ب- ميلاد زمني: من العذراء مريم في بيت لحم اليهودية منذ نحو ألفي عام، فبحسب الميلاد الزمني هو ابن إبراهيم وابن داود، وبحسب ميلاده الأزلي هو كائن قبل ابراهيم وقبل الخليقة بأسرها، بل ودعاه داود ربًا قائلًا " قال الربُّ لربي اجلس عن يميني.." (مز 12: 36).. بحسب ميلاده الزمني هو أصغر من يوحنا المعمدان بستة أشهر، وبحسب ميلاده الأزلي قال عنه يوحنا "هذا هو الذي قلت عنه أن الذي يأتي بعدي صار قُدَّامي لأنه كان قبلي" (يو 1: 15). وقال القديس أثناسيوس "نعترف بابن الله المولود من الله الآب قبل الدهور، ولم يفترق منه كل الدهور، ووُلِد بالجسد من مريم العذراء القديسة في آخر الزمان.." (1) وقال أيضًا "وعلى ذلك نؤمن به انه ابن الله الوحيد من بعد التجسد، وهو ابن الإنسان إياه لا غير، مسيح واحد، رب واحد، يسوع ربنا مولود مولدين، مولد من الآب قبل كل دهر فوق كل سبب وكلمة وفكر وزمان، ومولد من الأم في آخر الزمان من أجل خلاصنا. مولود مثل مولدنا وفوق مولدنا، أما مثل مولدنا أنه كان إنسان ومن امرأة وفي وقت المولد لتسعة أشهر. وأما فوق مولدنا انه ليس من زرع ولكن من الروح القدس ومن مريم العذراء المقدَّسة فوق ناموس المولد لسلامة عذراوية أمه من بعد مولده منها" (2). "ويجب أيضًا أن نؤمن بابن الله، أن له ميلادين، ميلاد من الله الآب قبل كل الدهور، وميلاد آخر من مريم العذراء القديسة في آخر الأزمان" (3). وقال القديس أغسطينوس " ربنا يسوع، ابن الله، وابن الإنسان له ميلادان: احدهما إلهي والآخر بشري، وكل منهما معجزي. في ميلاده الأول وُلِد من الآب بغير أم، فخلق جميع الأيام، وفي ميلاده الثاني وُلِد من أم بغير أب، فقدَّس هذا اليوم، وفي الواقع لقد وُلِد المسيح من أب وأم، وبدون أب وبدون أم. بدون أم إلهة، وبدون أب إنسان.. في ميلاده الإلهي كان غير مرئي، وفي ميلاده البشري كان مرئيًا، وكلا الميلادين يوحيان بالرهبة، وُلِد من أبيه كمبدأ للحياة، ووُلِد من أمه كنهاية للموت.. من يستطيع أن يُخبر كيف وُلِد النور من النور وكلا النورين واحد ! وكيف وُلِد الله من الله وليست هناك زيادة لله في العدد؟!" (4). وقال نيافة الأنبا موسى الأسقف العام " نعم فلكي يُولَد السيد المسيح، كان لابد أن يُولَد من عذراء طهور وليس من زوجين، كي لا يصير له أب بشري وهو ابن الله" (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
قال الكتاب "لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خر 33: 20) وقال أيضًا "الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه" (1 تي 6: 16) فكيف رأى الناس الله في التجسد وعاشوا؟ ج: جوهر اللاهوت لا يستطيع أن يعاينه أحد قط، ولا يُنظَر إليه، ولا يراه؛ ولكن في التجسد احتجب اللاهوت داخل الناسوت، فما كان يراه الناس وقت التجسد هو الناسوت، فيرون يسوع كإنسان عادى يتحدثون إليه، ويتعاملون معه، ويكلِفّه يوسف ببعض الأعمال فيؤديها.. يعيش مع أقرانه وله أصدقاؤه في مدينة الناصرة، وكان خاضعا لأبويه، وعندما دخل حقل الخدمة قاومه البعض، واحتقره البعض، واتهمه البعض بالتجديف والجنون، والبعض تآمر عليه وأسلموه ليُصلَب. بل والشيطان تجرأ وهجم عليه وهو على الصليب مريدًا أن يقتنص روحه كبقية البشر فسقط في الفخ الإلهي ونجونا نحن. |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
هل السيد المسيح هو الله أو ابن الله أو ابن الإنسان؟ ج: السيد المسيح هو الله المتأنس، أي انه هو الله الكامل في لاهوته وهو أيضًا الإنسان الكامل في ناسوته (إنسانيته) فمن جهة اللاهوت هو الله وهو ابن الله، ومن جهة الناسوت هو ابن الإنسان. فلو نظرنا إلى السيد المسيح من جهة جوهره الإلهي أو طبيعته الإلهية أو كيانه الإلهي فهو الله، وإذا نظرنا إلى السيد المسيح من جهة أقنوميته وانه مولود من الآب فهو ابن الله . والمثال الدارج هنا هو عندما يتعرض إنسان إلى مشكلة أو مسألة رياضيات فانه يحلها بعقله، ويستطيع أن يقول أنني عالجت هذه المشكلة أو عالجت هذه المشكلة بعقلي الفذ، والإنسان وعقله إنسان واحد، وهكذا أقنوم اللوغوس عقل الله الناطق هو ابن الله وفي ذات الوقت هو الله، والمثال الآخر هو شعاع الشمس المولود من قرص الشمس، فهو من جوهر الشمس لأنه لا توجد شمس بدون شعاع، وعندما تشرق الشمس بأشعتها نستطيع أن نقول أن الشمس أشرقت أو شعاع الشمس أشرق علينا والشمس والشعاع شمس واحدة وليس اثنتين، وهكذا ما تعرضنا له من قبل في موضوع التثليث والتوحيد. وإذا نظرنا إلى السيد المسيح من جهة ناسوته فهو ابن الإنسان كما دعى نفسه ذلك مرارًا وتكرارًا ليؤكد حقيقة ناسوته. |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
هل عقيدة التجسد مستوحاة من العبادات الوثنية كما قالوا عن فرعون انه ابن امون أو ابن رع، والاسكندر الأكبر ابن آمون، وقالوا عن بوذا انه ابن الله؟ ج: أ- معظم الديانات الوثنية القديمة كانت تؤمن بتجسد ابن الإله الذي تعبده.. فمن أين جاءت هذه الفكرة المتكررة؟ إنها جاءت في الوعد الإلهي بخلاص البشرية وإن نسل المرأة يسحق رأس الحية، فبعد الطوفان تفرق بنو نوح شرقًا وغربًا وهم يحملون هذه الوعود، وعندما انحرف نسلهم وعبدوا الطبيعة، وسجدوا للمخلوق دون الخالق ظهرت هذه الوعود في عباداتهم المختلفة بصور مختلفة مع تكرار ذات الفكرة. كما إن في الإنسان دافع فطري يدفعه إلى تلبية رغباته واحتياجاته حتى لو كان الإنسان يجهل هذه الاحتياجات على وجه التحديد، ولكن شعوره بالاحتياج للخلاص من واقعه الأليم ومستقبله المظلم جعله يتصوَّر تجسد ابن الإله. ب - الهدف من دعوة الملك بأنه ابن الإله هو الدعوة لتثبيت ملكه وإضفاء صفة الألوهية عليه ليخضع الشعب له ويهابه، وليس من أجل خلاص الإنسان. أما الهدف من التجسد هو خلاص الإنسان وإسعاده.. إذًا هناك فرقًا كبيرًا بين تجسد الآلهة في العبادات الوثنية التي تعتمد على الصراع وتنازع السلطة، وبين عقيدة التجسد المسيحي التي تعتمد أساسًا على عظم محبة الله للإنسان. ج - الذين يتهمون المسيحية بمثل هذه التهم الباطلة لا يقدمون الحجة ولا الدليل على اتهاماتهم ولا يقدمون أي مقارنة علمية بين اعتقادات هؤلاء واعتقاد المسيحية في التجسد، معتمدين في هذا على جهل من يسمعونهم أو يقرأون لهم، ولا يدرون مثلًا أن البوذية لا تعترف بالله أصلًا. د - وجود النبؤات في العهد القديم التي يرجع تاريخها إلى أكثر من ألف عام قبل الميلاد وتخبرنا عن تجسد الرب الإله من عذراء في بيت لحم في زمن محدد، وتحقق هذه النبؤات في العهد الجديد تثبت صحة هذه العقيدة الإلهية. ه - الذين نشروا المسيحية من التلاميذ والرسل كانوا من اليهود الذين اقتصرت ثقافتهم غالبًا على العهد القديم فقط، فصياد السمك البسيط من أين له أن يعرف عقائد التجسد عند اليونان أو الهنود أو غيرهما؟ .. حقًا لو كان الذين نشروا المسيحية من الوثنيين لربما كان لهم الحجة في الربط بين عقائد المسيحية والوثنية. و - عاش التلاميذ والرسل في أرض فلسطين، ولم يجولوا شرقًا أو غربًا أو جنوبًا أو شمالًا ليعرفوا عقائد المجوس والهنود وقدماء المصريين وأهل بابل حتى يقتبسوا منهم عقائدهم . ولو كانت المسيحية قد انبثقت من بلاد وثنية مثل مصر والهند وبابل ربما كان لهم حجة فيما يقولون. وقد ناقش الأستاذ عباس محمود العقاد هذه الأفكار التي يطرحها البعض ورد عليها قائلًا " وقد تعب أصحاب المقارنات والمقابلات كثيرًا في اصطياد المشابهات من هنا ومن هناك ولم يكلفوا أنفسهم جهدًا قط فيما هو أولى بالجهد والاجتهاد. وهو استخدم المقارنات والمقابلات لإثبات سابقة واحدة مطابقة لما يفرضونه من نشأة المسيحية، فمتى حدث في تاريخ الأديان أن أشتاتًا مبعثرة من الشعائر والمراسم تُلفِق نفسها وتخرج في صورة مذهب مستقل دون أن يعرف أحد كيف تلفقت وكيف انفصلت كل منها عن عبادتها الأولى؟ ومن هو صاحب الرغبة وصاحب المصلحة في هذه الدعوة؟ وأي شاهد على وجوده في تواريخ الدعاة المعاصرين لسنة الميلاد؟ وكيف برزها هذا العامل التاريخي الديني الخطير على حين فجأة قبل أن ينقضي جيل واحد؟ ولماذا كان يخفي مصادر الشعائر والمراسم الأولى ولا يعلنها إلاَّ منسوبة للسيد المسيح" (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
السيد المسيح هو الله، والله كامل في كل شئ، فكيف يقول عنه الإنجيل انه كان ينمو في القامة والحكمة والنعمة؟ ج: بحسب الناسوت كان السيد المسيح ينمو في القامة والحكمة والنعمة، وبحسب اللاهوت هو الكامل في كل شيء، فعندما نقرأ أن الرب يسوع كان ينمو في القامة والحكمة والنعمة أو أنه جاع أو تعب أو بكى أو تألم أو مات... إلخ فإن الإنجيل هنا يشير للناسوت، وعندما نقرأ عن الرب يسوع انه الخالق وهو الحياة والقيامة وغافر الخطايا.. إلخ فإن الإنجيل هنا يشير لللاهوت، وفي كلتا الحالتين لا ينفي الإنجيل الإتحاد بين الطبيعتين، ولا يفصل بين اللاهوت والناسوت، وكل ما يخص الناسوت أو اللاهوت فانه ينسب لله المتأنس. وكانت الحكمة تظهر في شخص الرب يسوع بحسب سنه الجسدي، فيقول القديس أثناسيوس الرسولي "إن ناسوت المسيح ازداد حكمة من الكلمة (اللاهوت) وقتًا بعد وقت، وقد كان له جسد بشري، واختبر في حياته كل أحوال البشر، فكان طفلًا فصبيًا فشابًا فرجلًا "وكون ظهور الحكمة تدريجيًا هذا يؤكد حقيقة الناسوت، وانه شابهنا في كل شيء ماخلا الخطية وحدها، وكون ظهور الحكمة فهذا يظهر عظم اتضاعه وتنازله ومحبته ومشاركته لنا في كل شيء. وإن كان الإنسان يحصل على الحكمة من الخارج بالتعلُّم والدرس والفحص والتأمل، لكن بالنسبة للسيد المسيح فكانت الحكمة ذاتية نابعة من الداخل لأن فيه مذخَّر كل كنوز الحكمة، ودائمًا وأبدًا ستظل حكمة الإنسان ناقصة تشوبها بعض الأخطاء ولكن حكمة الرب يسوع فإنها كاملة وخالية من كل نقص أو خطأ أو فساد أو شر، فيقول القديس كيرلس الكبير "على الرغم من انه قيل عن يسوع انه كان ينمو في القامة وفي الحكمة وفي النعمة (لو 2: 52) فان هذا يخص التدبير (التجسد) لأن كلمة الله سمح لبشريته أن تنمو حسب خواصها وحسب قوانينها وعاداتها، ولكنه أراد شيئًا فشيئًا أن يعطي مجد ألوهيته إلى جسده كلما تقدم في العمر حتى لا يكون مرعبًا للناس إذا بدر منه عدم الاحتياج المطلق إلى أي شئ، ومع هذا تكلموا عنه {كيف عرف هذا الإنسان الكتب وهو لم يتعلم} (يو 7: 15) فالنمو يحدث للجسد، كما أن التقدم في النعمة والحكمة تتلائم مع مقاييس الطبيعة البشرية. وهنا يلزمنا أن نؤكد أن الله الكلمة المولود من الآب هو نفسه كل الكمال لا ينقصه النمو أو الحكمة أو النعمة، بل إنه يُعطي للمخلوقات الحكمة والنعمة وكل ما هو صالح" (1). "وهكذا أيضًا مكتوب عنه {وكان الصبي ينمو ويتقوى مملوءًا من الحكمة والنعمة} (لو 2: 52) هو كامل كإله، ومن ملئه نحن أخذنا لأنه يمنح العطايا الروحية للقديسين، فهو نفسه الحكمة ومعطي النعمة. فكيف ينمو الصبي وكيف يمتلئ من الحكمة والنعمة؟ هذه هي التعبيرات المختلفة التي تتحدث عن إله متأنس وتصفه بصفات إنسانية بسبب الإتحاد الكامل . كما انه يوصف أيضًا فانه معطي النعمة والحكمة كإله" (2). وقال أيضًا "إذا كنت تعلم أن الكلمة قد صار جسدًا بالتمام ووُلِد إنسانًا، كما يقول الكتاب المقدس، فلماذا لا تُنسَب إليه أنه يقبل أيضًا ما يناسب الإنسان، فيما عدا الخطية؟ والواقع أنه حيث إن الجسد خاضع للتقدم فيمكن أن يقال انه (الكلمة) يتقدم بما انه قد صار فيه (في الجسد) وقد اختص بنفسه أيضًا الآلام غير الأثيمة. فالجسد في الحقيقة لم يكن جسدًا لشخص آخر، لكنه جسد الكلمة ذاته، وكما نقول انه (الكلمة) تألم بالجسد مع إن الجسد وحده هو الذي تألم ولو انه لم يتألم كإله، لكن الجسد المتألم كان جسده خاصة، كذلك أيضًا يمكن أن يقال انه (الكلمة) يتقدم مع انه لا يقبل لأي تقدم بصفته الله، لكن يقال انه يتقدم بسبب تقدم جسده فيه" (1) |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
الله كان يعلم أن الشيطان سيسقط وسيُسقِط الإنسان.. فلماذا خلقه؟ وعندما سقط لما لم يخلصه كما خلص الإنسان؟ ج: الله بسابق علمه يعلم كل شيء، فالمستقبل القريب والبعيد مكشوف أمامه مثل الماضي والحاضر، ولكن حكمته اللامتناهية رأت أن يخلق الملاك الذي سيسقط وسيُسقِط وراءه ملائكة وبشر، وهو يعلم أيضًا أنه قادر أن يحوّل الشر إلى خير، فعندما خلق الله الملائكة خلقهم ووهبهم حرية الإرادة، وعندما تمرد الشيطان وتكبر وأراد أن يرفع كرسيه فوق كرسي العلي " كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح. كيف قُطعِت إلى الأرض يا قاهر الأمم. وأنت قلتَ في قلبك أصعد إلى السموات. أرفع كرسي فوق كواكب الله.. أصير مثل العلي.. لكنك انحدرت إلى الهاوية إلى أسافل الجب" (أش 14: 12-15) فانه سقط بكامل إرادته، وبدون غواية أحد، وحتى الملائكة الذين انصاعوا إلى مشورته ذهبوا وراءه بكامل إرادتهم، ومرت فترة الاختبار على الملائكة وسقط من سقط وثبت في محبة الله من ثبت . والذين سقطوا لا توبة لهم ولا خلاص لأسباب كثيرة نذكر منها الآتي: أ - لم يسقط الشيطان بغواية آخر، بينما سقط الإنسان بغواية الشيطان. ب - كان الشيطان قريبًا من الحضرة الإلهية والعرش الإلهي أكثر كثيرًا من الإنسان. ج - خلق الله الملائكة من طبيعة نارية (عب 1: 7) وطبيعة نورانية ولا يوجد ما هو أقوى من النار والنور، بينما خلق الله الإنسان من تراب الأرض. د - كل من الملائكة الساقطين حمل خطية نفسه دون أية تبعية أو تأثير على الآخرين. أما آدم فعندما سقط فقد سقطت فيه البشرية جمعاء. ه - كانت خطية الشيطان تحدي ومقاومة لسلطان الله إذ أراد إبليس أن يجعل كرسيه فوق عرش الله، أما خطية الإنسان فهي فقط عصيان لأمر الله بغواية عدو الخير. |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
لماذا لم يتجسد الله عقب سقوط آدم مباشرة؟ ج : عندما ولدت حواء قايين مولودها الأول ظنت انه هو المخلص وقالت "اقتنيت رجل من عند الرب" (تك 4: 1) ولكنه كان أبعد ما يكون عن الخلاص، وعندما ولدت شيث ظنت أيضًا انه هو المخلص ولم يكن هو، وطال الانتظار والترقب ولجأت البشرية للطبيعة الخلابة بأنهارها وجبالها وشمسها وقمرها تلتمس منها الشفاء، ولكن كيف يهب الجماد الإنسان الحي الشفاء؟.. إن الطبيعة التي سحرت الإنسان عجزت عن شفائه من مرض الخطية القاتل، وفشل الإنسان فشلًا زريعًا، فلا حكمة قدماء المصريين ولا فلسفات اليونان، ولا قوة الرومان استطاعت أن تخلص الإنسان من ورطة الخطية. أما الله فقد تعهد الإنسان بالآباء والأنبياء والناموس حتى جاء ملء الزمان فأرسل ابنه مولودًا من العذراء مريم.. ملء الزمان الذي بدأت فيه الدولة اليهودية في الانهيار التام على أيدي النسور الرومانية.. ملء الزمان حيث ظهرت الإمبراطورية الرومانية القوية التي ربطت العالم كله بلغة واحدة رسمية هي اللغة اليونانية، وشبكة طرق امتدت من كل مكان إلى روما حتى قيل أن كل الطرق تؤدي إلى روما، وعلى هذه الطرق سار رسل الحمل ينشرون الكرازة في كل مكان.. ملء الزمان حيث بلغ احتياج الإنسان للمخلص إلى أقصاه، وعلى حد تعبير الأستاذ عباس العقاد "كما عجزت جميع الفلسفات عن أن تشبع الفكر أو تغذي الروح، وأفلست عن الوصول بالإنسان إلى المبادئ والقيم التي تنادي بها، وما استطاع فلاسفة الرواقية والابيقورية أن يقودوا إلى حياة الكمال والطهر والنقاء" (1).. ملء الزمان حيث تُرجِمت التوراة من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية بما تحويه من كنوز النبؤات والرموز للمسيا المنتظر، وانتشار هذه الأفكار الإلهية التي هيأت ذهن العالم لقبول المخلص.. ملء الزمان حيث جاءت للعالم مريم العذراء أطهر نساء العالمين، ويوسف البار، ويوحنا المعمدان.. إلخ. |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
هل معنى تسمية التجسد بسرّ التجسد انه أمر مبهم لا يُفهَم ولا يجوز الحديث عنه؟ ج: كلا، ولكن المقصود من تسمية التجسد بسرّ التجسد هو الإشارة إلى انه أمر يفوق الإدراك، فالعقل البشري لا يقدر أن يدرك كيف يتحد اللاهوت الغير محوي وغير المحدود بالناسوت المحدود؟ كيف يتحد المطلق مع الجسد البشري؟ كيف يتحد القوي بالضعيف؟ كيف يتحد الخالق بالمخلوق؟.. انه أمر لا يمكن إدراكه ولا يمكن إخضاعه لحكم العقل، ولذلك فهو أمر مخفي عن العقول ولا مناص من قبوله عن طريق الإيمان، وكثيرًا ما وصف الآباء هذا السر بأنه فائق الوصف، وسري، ولا ينطق به، ولكن ليس بقصد أن ينهونا عن معرفة حقيقة هذا السر العظيم، ولكن بقصد أن ينهونا عن إخضاعه للفحص العقلي. ومع هذا فان هذا السر العظيم ليس ضد العقل، فان صاحب هذه الأسرار هو خالق العقول ومانحها الحكمة، وهو الذي يكشف لأحبائه البسطاء هذه الأمور الفائقة "سرُّ الرب لخائفيه. وعهده لتعليمهم" (مز 25: 14) وعندما دعى الإنجيل التجسد بسر التقوى "عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد" (1تي 3: 16) كشف لنا عن استحالة حياة التقوى بدون التجسد. أما "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2 كو 5: 17). ويقول القمص تادرس يعقوب عن دعوة هذه الأمور بالأسرار "ماذا تعني كلمة "سرّ"؟ هل تعني أن العقائد المسيحية ليست بسيطة؟ أو أن العقل البشري لا يقدر أن يتقبَّلها؟ هل من حاجة إلى الإيمان بسرّ الثالوث القدوس، ولماذا لا نؤمن بالله ونعبده في بساطة دون بحث عن طبيعته؟ 1- "سرُّ" في المسيحية لا يعني أن يتقبَّل المؤمن عقائد غامضة دون فهم، أو أن هذه العقائد غير مقبولة عقليًا، فعندما نتحدث عن الأسرار الإلهية الخاصة بجوهر الله وطبيعته وأعماله، إنما نعني أن الله يعلن لنا عن هذه الأمور بكوننا كائنات عاقلة، واهبًا إيانا الاستنارة الإلهية التي تكشف لنا عن المعرفة الإلهية التي هي بحق فائقة السمو. تبقى عقولنا عاجزة عن استيعاب هذه الأسرار طبيعيًا دون تدخل نعمة الله وإعلانه، فالسر لا يضاد العقل الإنساني لكنه بدون معونة الله يبقى فائقًا بعيد الإدراك. خلقنا الله كائنات عاقلة لا كائنات بهيمية، وهو يعلن لنا عن ذاته وعن أعماله لا ليلغي عقولنا، وإنما ليسمو بها . فتقبله طبيعتنا البشرية وتتعرف على أسراره "أُعطي لكم أن تعرفوا سرّ ملكوت الله" ( مر 4: 11). 2- يتهم البعض المسيحية بأنها تفتقر إلى البساطة، بمعنى آخر يتهمونها بالتعقيد، لأنها تؤمن بثلاثة أقانيم في جوهر إلهي واحد. إنهم يتطلعون إلى هذه العقيدة كما لو كانت سرًّا يمكن أن يُفهَم على أنه نوع من تعدد الآلهة، لهذا يدَّعون أنه لا حاجة لقبولها. لكننا نلاحظ أن أغلب الديانات التي ترفض هذه العقيدة وفي نفس الوقت تؤمن بإله واحد مطلق، هي نفسها تؤمن بأسرار إلهية كثيرة لا يستطيع العقل أن يستوعبها في ذاته، فتتحدث عن يدي الله ووجهه وعرشه.. إلخ بالرغم من إيمان الكل بأن الله لا جسم له، لكنه روح بسيط ولا يمكن لعرشه أن يحد" (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
كيف يدعو الإنجيل السيد المسيح وسيطًا بين الله والإنسان، وهو الله ذاته؟ ج : يجيب على هذا التساؤل البابا كيرلس الكبير قائلًا "نحن نرى أن الابن واحد من أثنين، إذ فيه التقت الطبيعتان الإلهية والإنسانية واتحدتا في واحد بشكل غير موصوف ولا يعبر عنه، وبكل تأكيد نحن لا نعني أن الكلمة الإلهية قد تحوَّل إلى الطبيعة الجسدية الأرضية ولا الجسد تحوَّل إلى الكلمة. والذي يتبنى أحد هذين الموقفين المتطرفين لابد أن يكون مختل العقل. فكل منها تبقى في خصوصيتها ولكنهما تعدان في وحدة تامة لا تنفصل. فهو نفسه إنسان وإله. وحينما نقول الله فنحن لا نلغي الإنسانية بعد الإتحاد، وحينما نقول إنسان فنحن لا ننفي صفات اللاهوت.. وهو الابن الوحيد والكلمة كمولود من الآب، وهو البكر بين أخوة كثيرين (رو 8: 29). لأنه صار إنسانًا، ولقب بـ"الابن الوحيد" الذي هو لقب خاص باللوغوس يُطلَق أيضًا على اللوغوس متحدًا بالجسد، ونفس الأمر مع لقب "البكر" فهذا اللقب لم يكن لقبه قبل التجسد ولكنه صار لقبًا بعد التجسد، وهو وسيط بهذا المعنى: انه جمع ووحَّد في شخصه أمورًا متباعدة فيما بينها، وهي اللاهوت والناسوت، الله والإنسان، وربطهما بوساطته بالله الآب لأنه واحد مع الآب في الطبيعة مع البشر لأنه خرج من بينهم، وحاضر في وسطهم، وذلك لأنه ليس غريبًا عنا فيما يخص إنسانيته، وهو عمانوئيل الذي شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية" (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
من صفات الفادي أن يكون غير محدود، والذي مات على الصليب هو الناسوت المحدود، فكيف يقدر المحدود أن يرفع خطايا غير محدودة؟ ج: الناسوت الذي تألم ومات لم يكن ناسوتًا مجردًا . والذي صُلِب لم يكن إنسانًا عاديًا، ولكنه كان متحدًا باللاهوت الغير محدود، فالدم المسفوك مع انه دم الناسوت لكنه دُعِيَ دم الله بسبب إتحاد الناسوت باللاهوت "كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أع 20: 28) ولهذا فهو دم غير محدود.. لقد استوفى العدل الإلهي حقه بالكامل من شخص الفادي الغير محدود، فبعد الإتحاد لا يجوز التفرقة بين اللاهوت والناسوت كما رأينا من قبل، حتى أن الإنجيل ينسب للناسوت ما يخص اللاهوت من عدم المحدودية "ليس أحد صعد إلى السماء إلاَّ الذي نزل من السماءابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
هل التجسد يعني أن الناسوت حدَّ وحيز اللاهوت، فلم يعد للاهوت تواجد خارج نطاق الناسوت المحدود؟ وكيف حدَّ بطن العذراء الله الغير محدود؟ ج : التجسد لا يعني تحيز اللاهوت في الجسد لأن اللاهوت مالئ الكل لا يخلو منه مكان ولا زمان، وبينما كان الله في بطن العذراء لم يخلُ مكان من لاهوته.. عندما ظهر لبني إسرائيل على الجبل فصارت أصوات رعود وبروق علامة على حضوره، ومع هذا فانه لم يخلُ منه مكان في الكون كله، وعندما ظهر لموسى في العليقة وتحدث معه لم يخلُ منه العالم ولم تخلُ منه السموات، إنما ظهر الله على الجبل وفي العليقة بصورة مرئية وهو كائن في كل مكان بصورة أخرى. هكذا الله في تجسده ظهر في الناسوت متحدًا به والناسوت له حيز وحدود ومكان يوجد فيه، فلو كان في المزود أو في جبل قسقام أو في بيت زكا فلن نجد الرب يسوع بناسوته في أي مكان آخر، بينما بلاهوته يملًا الكل. فليس معنى التجسد أن اللاهوت الغير محدود صار محدودًا في الناسوت، وجاء تعبير الإنجيل دقيقًا أن " الله ظهر في الجسد" (1 تي 3: 16) دون أن يحد أو يحيز هذا الجسد المقدَّس اللاهوت، ولا يمكن أن نُخضِع اللاهوت للمقاييس البشرية المادية، ولكن لكيما نقرب المعنى نضرب بعض الأمثلة التي تساعدنا على فهم هذه الأمور الفائقة:
وجميع التشبيهات السابقة مع الفارق فالشمس يمكن أن تشرق في ملايين الحجرات، ويمكننا أن نملأ ملايين الزجاجات من ماء البحر، وملايين من البشر تمتلأ رئتيهم من الهواء.. إلخ ولكن شخص الرب يسوع هو واحد وحيد فريد ليس له مثيل ولا نظير ولن يكون له قط، فالرب الإله تجسَّد مرة واحدة لم ولن تتكرر قط. قال القديس أثناسيوس "فلا يتوهمن أحد انه (اللاهوت) أصبح محصورًا في الجسد، أو أن كل مكان آخر أصبح خاليًا منه بسبب حلوله في الجسد أو أن العالم أصبح محرومًا من عنايته وتدبيره طالما كان يحرك الجسد، ولكن ما يدعو إلى الغرابة والدهشة انه وهو "الكلمة" الذي لا يحويه مكان، فإنه هو نفسه يحوي كل الأشياء وهكذا حتى مع حلوله في جسد بشري واهبًا إياه الحياة، فقد كان يمنح الحياة للكون في نفس الوقت بلا تناقض . أما كلمة الله في طبيعة تأنسه، فلم يكن كذلك، إذ لم يكن محصورًا في جسده، لكنه كان بالأحرى يستخدم الجسد، ولذا فانه لم يكن حالًا فيه فحسب، بل كان حالًا فعلًا في كل شيء.. وهذا هو وجه الغرابة انه بينما كان يتصرف كإنسان، كان كلمة الله يُحيي كل الأشياء وكابن كان قائمًا مع أبيه" (تجسد الكلمة 17: 1، 2، 4، 5). وقال القديس يعقوب السروجي "خرج الكلمة من الآب وأتى وحلَّ في الصبية.. وكان في الصبية وفي نفس الوقت كان في أبيه.. فلم ينقسم عن أبيه، بل هو في حضن الآب منذ الأزل. قبلت العروش الرسالة المكتوبة، وحلَّ هناك كالمحدود وهو غير محدود.. من يستطيع أن يفحصك أيها غير المحوي؟ .. أتيت من مكان إلى مكان آخر ظاهر، وأنت في الموضعين لم تتركهما.. بالفعل ممتلئ منك المكان الذي أرسلك ويحبك، وخبرك ظاهر في المكان الذي قبلك ويكرّمك.. جعلت لك جسمًا لتظهر به في كل الأرض، ولم تترك مكانك الأصلي في السماء " (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
كيف يحل الله القدوس في بطن امرأة وسط الدم والنجاسة؟ ج : هل أحشاء المرأة ودمها يعتبر نجاسة؟ ولو كان دم المرأة يعتبر نجاسة فكيف يخلقها الله بهذا التركيب النجس؟ وهل يمكن أن يخلق الله القدوس شيئًا نجسًا؟ النجاسة تأتي من الخطية، والروح القدس حلَّ على العذراء مريم وطهر وقدس ونقى مستودعها من الخطية الجديَّة، ولذلك فالجسد الذي اتخذه الرب يسوع هو جسد مقدَّس بلا خطية، ويقول القديس كيرلس الأورشليمي "لا يوجد في الهيكل البشري شيء دنس ما لم يدنسه الإنسان نفسه بالزنى والنجاسة، فالذي خلق آدم خلق حواء، ويد الله هي التي خلقت الذكر والأنثى، والأعضاء التي خُلِقت منذ البدء ليست نجسة على الإطلاق.. فلنتذكر ما قاله بولس الرسول {أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم} (1 كو 6: 19)" (مقالة 12 للموعوظين) (1). وإن كنا نؤمن بأن الله أمسك بالطين وشكَّله على صورة آدم ونفخ فيه نسمة حياة، ثم أخذ من آدم ضلعًا وصوَّر منه حواء، وجاء في سورة الحجر "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ" وفسر الجلالين الحمأ المسنون بالطين الأسود، فهل نقبل أن الله يلمس الطين الأسود، ولا نقبل حلوله في أحشاء العذراء القديسة الطاهرة مريم التي اصطفاها على نساء العالمين؟ ونسأل الذين يرفضون حلول الله في الحشا البتول: هل تؤمنون أن الله موجود في كل مكان؟ وبلا شك أنتم تؤمنون بهذا، فهل الله الكائن في كل مكان له تواجد في أكوام القمامة والقاذورات وبلاعات المجاري وحظائر الخنازير وأماكن الفجور؟ فإن قلتم لا نؤمن بهذا إذًا فالإله الذي تؤمنون به هو إله محدود في أماكن معينة دون الأخرى، أما إذا قلتم نعم نؤمن بهذا لأن الله العظيم يؤثر ولا يتأثر.. فهل تقبلون أن الله يوجد في أماكن الفجور ولا تقبلون حلوله في أحشاء البتول؟ ويعتقد الأخوة المسلمين بأن القرآن هو كلمة الله الأزلية القائم بذات جوهر الله، ولا يقبل الانفكاك أو الانفصال عن الله، ومع هذا فانه جاء في الحديث عن عائشة "كان النبي يتكئ في حضني وأنا حائض ثم يقرأ القرآن" (البخاري 1: 44) فكيف يقبلون تلاوة النبي كلام الله القائم بذات جوهر الله في حضن عائشة وهي حائض، ويستنكرون حلوله في أحشاء العذراء القديسة مريم التي حلَّ عليها الروح القدس وطهرها وقدسها ونقاها؟ |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
كيف يتجسد الله ويحل في جسد إنسان ترابي دنئ يأكل ويشرب ويمارس عمليات الإفراز والإخراج.. إلخ؟ وكيف يعيش في عالم موبوء بالخطية؟ ج: نعم الله تجسد حيث اتخذ الله جسدًا واتحد به، ولم يكن مجرد حلول في جسد إنسان ترابي، فهذا فكر نسطور المرفوض. إنما اتحد بجسد إنسان ذو نفس عاقلة، وجسد الإنسان بالنسبة لمن يفهم هو معجزة عظيمة بكل المقاييس، فعمل أي جهاز داخل الجسم هو مثار عجب العلماء، فمن قال أن جسد الإنسان دنيء إلاَّ الإنسان الجاهل؟ ولو كان هذا الجسد دنيء فكيف خلقه الله؟ هل يخلق الله شيئًا دنيئًا؟ وإن كان غير المؤمنين يقولون بأن الله أمر ملائكته بالسجود لآدم فأطاعوا ماعدا إبليس آبى واستكبر فحلَّ به العقاب الإلهي، فلو كان آدم دنيئًا.. فكيف يأمر الله ملائكته النورانية بالسجود له، ومن لم يسجد له نال العقاب؟ ثم ألاَّ يؤمن الجميع بأن الله يملأ الكون المادي، فلو كانت المادة شرًا حسب التفكير الغنوسي فكيف يملأ الله هذا الكون المادي ويديره ويدبر كل أموره؟ .. يقول القديس أثناسيوس "وإن كان (الله) يسكن في كل الكون وبكل أجزائه، فما هو وجه الغرابة أو السخف إذا قلنا انه اتحد بالإنسان أيضًا؟ لأنه لو كان حلوله في جسد أمرًا سخيفًا وغير مقبول، لكان أمرًا سخيفًا أيضًا أن يسكن بكل الكون ويعطي ضياء وحركة لكل الأشياء بعناية.. أما إن كان قد لاق به أن يسكن بالكون، وأن يُعرَف في الكل، وجب أن يليق به أيضًا أن يظهر في جسد بشري، وأن يستضئ به ذلك الجسد ويعمل" (تجسد الكلمة 41: 5-7). وإن كان الله منذ القديم يعمل في البشرية الخاطئة ويُقدّسها ويُطهّرها دون أن يتدنس بآثامها، وإن كان الله قد حلَّ في العليقة (خر 3: 3) على شكل نار، وظلل على بني إسرائيل على شكل عمود سحاب نهارًا وعمود نار ليلًا (خر 14: 24).. إلخ ألا نقبل إتحاده بجسد الإنسان المخلوق على صورته ومثاله؟ وهل النار والسحاب أشرف وأكرم وأعظم من الإنسان؟ حقًا إن الجسد هو من المادة الكثيفة لكنه ليس خطية ولا شر كقول ماني والغنوسيين، والله هو شمس البر الذي يحل بالمكان فيطهره ويقدّسه، ويؤثر فيه ولا يتأثر به، وعلى رأي القديس أثناسيوس "إن كانت الشمس التي خلقها هو والتي نراها، وهي تدور في السماء، لا تتدنس بمجرد لمسها الأجساد التي على الأرض، ولا بارئ الشمس وربها، لم يتدنس قط بمجرد ظهوره في الجسد، بل بالعكس، لأنه عديم الفساد، فقد أحيا وطهر الجسد الذي كان في حد ذاته قابلًا للفناء، لأنه قيل عنه {الذي لم يفعل خطية ولا وُجِد في فمه مكر} (1 بط 2: 22)" (تجسد الكلمة 17: 7). وقال القديس كيرلس الكبير "وكما أن شعاع الشمس عندما يسقط على أي شيء من الأشياء الأرضية النجسة لا يتدنس بل يظل كما هو بدون أن تلتصق به حتى الرائحة الكريهة للقاذورات التي يقع عليها، فكم بالأكثر طبيعة الله الكلية القداسة التي لا تسمح بأي عيب أو دنس يؤثر فيها" (1). ونعيد القول بأن جسد الإنسان ليس خطية ولا شر ولا نجاسة وبالتالي فان عمليات الأكل والشرب والإفراز والإخراج إنما هي عمليات حيوية لتحفظ للإنسان حياته، وليست هي شر ولا نجاسة ولا خطية. إنما الخطية هي في كسر وصايا الله، ولا ننسى أن الله اتحد بجسد خالٍ تمامًا من الخطية، فهل التجسد يتعارض مع قداسة الله؟.. كلاَّ لأن الرب يسوع هو الإله القدوس الذي بلا عيب ولا خطية وتحدى الكل قائلًا "من منكم يبكتني على خطية؟"، وهل التجسد ضد كرامة الله؟ كلاَّ لأن الله سبق وكرَّم الإنسان عندما خلقه على صورته ومثاله، فالله اتحد بصورته.. فما الخطأ في هذا؟ وهل التجسد ضد عظمة الله؟ كلاَّ.. لأن العظمة الحقيقية كما علمها لنا الرب يسوع هي في الاتضاع وليس في التشامخ والكبرياء، وفي التجسد قد لمسنا بل أمسكنا بل انبهرنا بعظمة الاتضاع الإلهي.. من العرش الإلهي إلى المزود.. من المجد الإلهي إلى صليب العار.. المجد لك يا رب، يا رب لك المجد.. وهل التجسد يتعارض مع حكمة الله؟ كلاَّ.. بل بالتجسد ظهرت حكمة الله التي صرعت العدو القوي وأزلته وحررت سباياه.. حقًا لقد صنع الله بالضعف ما هو أعظم من القوة، وهل التجسد يتعارض مع كمال الله؟.. كلاَّ، ويجيب العلامة ترتليان على هذا التساؤل قائلًا "الجواب: طبعًا لا. بل هو لائق بكماله كل اللياقة، لأن من مستلزمات الكمال العطف على الناس وإنقاذهم من خطاياهم، وتقريبهم إلى الله لكي يعرفوه ويفيدوا منه "(1). أما عن التساؤل بأنه كيف يليق بالله القدوس أن يلبس جسدًا ويعيش في عالم موبوء بالخطية؟ فإننا نقول نعم إن الرب يسوع عاش في عالم موبوء بالخطية ولكنه لم يتأثر بها. إنه النور الحقيقي الذي يقهر الظلمة وهي لا يمكن أن تقهره، والنجاسة تهرب من أمامه، والخطية تشبه الميكروب الذي يواجه نور الشمس وقوتها فتقضي عليه سريعًا. |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
هل لا يقدر الله أن يتجسد؟ ج : إن قلنا أن الله لا يقدر أن يتجسد فمعنى هذا إننا ننسب له العجز، فيصبح الله غير قادر على كل شيء، أو إنه قادر على كل شيء ماعدا التجسد، وهذا ضد الاعتقاد الصحيح بأن الله كلي القدرة " هل يستحيل على الرب شيء" (تك 18: 14) لذلك فمن اللائق أن نؤمن بقدرته على التجسد. وإن كانت أرواح الملائكة والقديسين قد يسمح الله لها أحيانًا بالظهور في شكل مرئي ومحسوس أفلا يقدر هو أن يتجسد؟! ألم تظهر الملائكة مرارًا وتكرارًا لرجال الله يحدثونهم بلغتهم البشرية حتى أصبح للملاك شكلًا معروفًا لدينا؟ ألم تتجلى أم النور مريم على قباب كنيستها في الزيتون وفي كنيسة الشهيدة دميانة في شبرا وشاهدها الملايين عيانًا؟!.. فهل يُعقَل أن الملائكة يظهرون في أشكال ظاهرة للعيان، ورب الملائكة لا يقدر؟! بل هل يعقل أن الشياطين يظهرون بأشكال مجسَّمة حتى إن الشيطان يستطيع أن يظهر في شكل ملاك نور، والله يعجز عن الإتحاد بجسد الإنسان؟!.. ألاَّ تستمد الأرواح هذه القدرة على الظهور من الله، فهل يُعقَل أن رب القدرة يفتقد هذه الإمكانية التي يهبها للآخرين؟! وإن كان الإنسان يقدر أن يجسد أفكاره في صورة كلمات مسموعة أو مقروءة، وإن كانت الكهرباء تتجسد في الأسلاك وتظهر فاعليتها في الإنارة والحركة والطاقة، وإن كانت المغناطيسية تتجسد في الحديد وتظهر فاعليتها في الجاذبية، وإن كان أعظم إنسان في العالم قادر على زيارة أشقى إنسان في العالم بالطريقة التي يراها، وبالمظهر الذي يريده أفلا يقدر واهب هذه الإمكانات أن يتجسد؟!.. يقول القديس غريغوريوس النيسي "كشفت الطبيعة الإلهية الفائقة عن قدرتها العظيمة بالتنازل والتواضع إلى مستوى الناس، وإن هذا التنازل لدليل على إمكانيات الله الفائقة أكثر مما تدل المعجزات الفائقة للطبيعة" (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
هل نجد أثر للتجسد في الفكر الإسلامي؟ ج: بلا شك أن هناك آثار واضحة وإشارات لامعة للتجسد في الإسلام نذكر منها الآتي(1):
هل الله موجود في داره فقط؟ وهل الدار حوت وحيَّزت الله، ولم يعد موجودًا خارج الدار؟ بلا شك إن الله في داره موجود، وخارج داره موجود أيضًا.. الجسد البشري هو دار الله الموجود فيه. _____ الحواشي والمراجع :(1) أرسل لنا أحد الأخوة كذلك آية أخرى متشابهة مع القرآن الكريم، وهي آية: "هُوَذَا يَأْتِي مَعَ السَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَالَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. نَعَمْ آمِينَ." (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 1: 7)، وربط بينها وبين آية: "هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ" (سورة البقرة 210). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
ماذا أخذنا من التجسد؟ ج : ما أكثر الثمار التي جنتها البشرية من التجسد، وحقيقة إن الإجابة على هذا السؤال تستحق بحثًا منفردًا، ولكن دعنا يا صديقي، وقد أطلت عليك كثيرًا كثيرًا، أن نلقي الضوء على هذه الثمار. يقول القديس ايريناؤس "إن المسيح تجسد: أولًا : من أجلنا ومن أجل خلاصنا. وثانيًا : من أجل أن يتحدنا بالله ويقدمنا لأبيه السماوي. وثالثًا : ليخلصنا من جهلنا ويعطينا المعرفة التي من الله. ورابعًا: ليصالحنا مع الله ويعطينا الحياة الأبدية غير الفاسدة والخالدة. وخامسًا: ليورثنا ملكوت السماء فنصبح في الرؤية الطوباوية لله. وسادسًا : ليعيد الخراف الضالة إلى القطيع. وسابعًا : ليشفي جراحاتنا ويغفر آثامنا. وثامنًا : ليبيد الخطية ويبطل سلطة الموت. وتاسعا : ليضع حدًا لنفينا في هذه الدنيا، وننتصر على الشيطان وحيله وخزعبلاته. وعاشرًا: من أجل خلاصنا الأبدي لأنه هو المخلص والفادي. وبما إن المسيح هو الوسيط بين الله والبشر، أراد أن يعيد الاثنين إلى الصداقة الأولى وإلى الوفاق لكي يقدم الإنسان لله والله للإنسان" (ضد الهرطقات 3: 18، 7) (1). (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). فمن بركات التجسد نتذوق طعم الثمار الآتية: أولًا : بالتجسد تم فداء البشرية. ثانيًا : بالتجسد تجدَّدت وتباركت طبيعة الإنسان. ثالثا : بالتجسد نلنا التبني لله. رابعًا : بالتجسد عرفنا الله. خامسًا : التجسد ردَّ للإنسان كرامته. سادسًا : التجسد ميَّز المسيحية عن أديان الأرض كلها. |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
بالتجسد تم فداء البشرية لولا التجسد ما كان الفداء.. لقد ضرب الموت في طبيعة الإنسان ففسدت الطبيعة الإنسانية وأصبحت طبيعة مائتة يسري عليها حكم الموت لأن "أجرة الخطية هي موت" (رو 6: 23) ويقول الأنبا موسى أسقف الشباب "هذا حكم إلهي لا رجعة فيه. ليس لأنه مجرد إدانة غاضبة على الشر. بل لأن هذا هو المآل الطبيعي للنفس الساقطة. إنها في الموت تسعى وإلى الموت الأبدي تسير. من يجدد النفس والروح؟ ومن يقيم الأجساد بعد دفنها وانحلالها؟ ومن يعطيها أن تتحول إلى أجساد نورانية؟ ليس سوى الله قطعًا" (2). بالتجسد تم الخلاص من الخطية "المسيح يسوع جاء إلى العالم (تجسَّد) ليخلص الخطاة الذين أوَّلهم أنا" (1تي 1: 15) وبالتجسد تم الفداء من الإثم "الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم" (تي 2: 14) وبالتجسد تصالحنا مع الله "إن كنا ونحن أعداء قد صُولحنا مع الله بموت إبنه" (رو 5: 10) وبالتجسد اقتربنا لله " فإن المسيح أيضًا تألم مرة واحدة من أجل الخطاة البار من أجل الأثمة لكي يقرّبنا إلى الله" (1بط 3: 18). من أجل إغاثتنا كان التجسد، فيقول البابا أثناسيوس الرسولي "لكي نعلم إن نزوله إلينا كان بسببنا، وإن عصياننا استدعى تعطف الكلمة لكي يسرع الرب إلى إغاثتنا، فقد كانت إغاثتنا هي الغرض من تجسده، فإنه لأجل خلاصنا أظهر محبته العظمى إلى حد أن يظهر ويولد في جسد بشري" (تجسد الكلمة 4: 2، 3). بالتجسد رُفِع حكم الموت عنا، فيقول القديس أثناسيوس "وإذ قدم للموت ذلك الجسد، الذي أخذه لنفسه، كمحرقة وذبيحة خالية من كل شائبة فقد رفع حكم الموت فورًا عن جميع من ناب عنهم، إذ قدم عوضًا عنهم جسدًا مماثلًا لأجسادهم" (تجسد الكلمة 9: 1) وقال أيضًا "لأنه بذبيحة جسده وضع حدًا لحكم الموت الذي كان قائمًا ضدنا، ووضع لنا بداية جديدة للحياة برجاء القيامة من الأموات الذي أعطاه لنا إن كان بإنسان قد ساد الموت على البشر، لهذا السبب أيضًا بطل الموت، وتمت قيامة الحياة بتأنس كلمة الله" (تجسد الكلمة 10: 5). لقد أشفق الله علينا فلهذا تجسد من أجل خلاصنا، ويقول القديس أثناسيوس "إذ رأى جنس الخليقة العاقلة في طريق الهلاك، وإن الموت يسودهم بالفساد وإذ رأى أخيرًا إن كل البشر كانوا تحت قصاص الموت لهذا أشفق على جنسنا، وترفق بضعفنا، ورثى لفسادنا، وإذ لم يحتمل أن يرى الموت تصير له السيادة، لئلا تفنى به الخليقة، وتذهب صنعة أبيه في البشر هباءً، فقد أخذ لنفسه جسدًا لا يختلف عن جسدنا" (تجسد الكلمة 8: 1، 2). بالتجسد تحقق أمل البشرية على لسان الأنبياء "ليتك تشقُّ السموات وتنزل" (أش 64: 1) "يا حارس ما من الليل. يا حارس ما من الليل" (أش 21: 11). لقد انتهى الليل وأشرق علينا نور الألوهية في وجه ربنا يسوع المسيح، وتحقق أمل أيوب، بعد أن قال "ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا" (أي 9: 33) جاء ابن الإنسان وصالح الله مع الإنسان في جسده على الصليب. |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
بالتجسد تجدَّدت وتباركت طبيعة الإنسان قال البابا أثناسيوس "وإذ تلطخ الرسم المرسوم على الخشب بالأوراق والأوساخ، فلا بد من إعادته عن طريق الصورة الأصلية نفسها، وعلى هذا المثال أتى إلى عالمنا ابن الله الكلي القداسة، إذ هو صورة الآب، لكي يجدّد خلقة الإنسان الذي خُلِق مرة على صورته" (تجسد الكلمة 14: 1). عندما تجسد الله بارك طبيعتنا "باركت طبيعتي فيك" (القداس الغريغوري) وشاركنا في كافة أمور حياتنا ماعدا الخطية لكيما يبارك كل مراحل وجوانب حياتنا، فقال عنه الإنجيل أنه وُلِد طفلًا وقُمِط (لو 2: 12) ورضع كطفل (لو 11: 27) وعمل نجارًا (مر 6: 3) وجاع (مت 4: 2) وجُرّب (مت 4: 1) ونام واستيقظ (مر 4: 38) وفرح وتهلل (لو 10: 21) وافتقر (2كو 8: 9) وإحتاج (مت 21: 3) وظُلِم وتذلل (أش 53: 7) وحزن واكتئب (مت 26: 37) وبكى (يو 11: 35) وعطش (يو 19: 28) وتألم (لو 24: 26) وأهين (مت 27: 31) ومات وأسلم الروح (مت 27: 50). ويقول القمص بيشوي وديع "إن سر التجسد الإلهي ليس مجرد حدثًا تاريخيًا يخص الإله ولكنه سرُّ عميق يكشف لنا عن عمق العلاقة الجذرية بين الله والإنسان، وهو ليس مجرد قصة تحمل بعض الأيديولوجيات المسيحية في حياة الإنسان بقدر ما هي عقيدة راسخة تحمل حياة جديدة للإنسان وتكشف سر وجمال إتحاده بخالقه.. هذا الهدف العظيم ما كان ممكنًا أن يتحقق إلاَّ بالتجسد الإلهي بأن يأخذ ابن الله جسد طبيعتنا البشري ويباركه ويأخذ الذي لنا ويعطينا الذي له" (1). بالتجسد دُعي اسم الإله المتأنس يسوع، ومعنى اسم يسوع يهوه المخلص أو الرب المخلص، فالرب يسوع هو مخلص العالم كله، وهو حصن أمان لكل من يلجأ إليه.. لم يأتِ لقبيلة معينة أو لشعب معين ولم يقيد كلمته بلغة معينة بل هو مسيح الكل جاء لكي يبارك الكل ويجدد طبيعة كل من يقبل إليه، ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم "كيف دُعي إسمه عمانوئيل..؟ إن الرب لم يقل بأشعياء النبي إن أمه "تدعو اسمه عمانوئيل" بل قال "ويدعون إسمه" يقصد الشعوب لأنهم سيبصرون الله بين الناس وفي وسطهم لأول مرة منذ الخليقة" (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
بالتجسد نلنا التبني لله بالتجسد صار السيد المسيح "بكرًا بين أخوة كثيرين" (رو 8: 29) فصرنا نحن فيه أولادًا لله بالنعمة والتبني كقول الإنجيل "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله" (يو 1: 12) ولهذا أوصانا السيد المسيح قائلًا "متى صليتم فقولوا أبانا الذي في السموات" (لو 11: 2) ويقول القديس كيرلس الكبير "ابن الله صار إنسانًا لكي يصير الناس فيه وبواسطته أبناء الله بالتبني" (تفسير يوحنا 12: 1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
بالتجسد عرفنا الله لقد كان من المستحيل على الإنسان أن يعرف بذاته الله المعرفة الحقيقية، لهذا كان لابد أن يعلن الله ذاته للإنسان عن طريق التجسد لأنه يستحيل على الإنسان أن يعرف الله إلاَّ بواسطة الله، فمن السهل أن يتنازل الآب العبقري الذي يحمل أعظم الشهادات العلمية إلى ابنه الصغير يتفاهم معه بلغته البسيطة، ولكن يستحيل على هذا الابن الصغير أن يصعد إلى مستوى أبيه العلمي والأدبي ويتفاهم ويتحاور ويجادل معه بلغة العلم والعلماء، ولذلك كان من أهداف التجسد أن يهب السيد المسيح المعرفة الإلهية للإنسان، فلم يقدم ذاته ذبيحة ويتمم الفداء وهو مازال طفلًا أو صبيًا، ولكنه انتظر حتى بلغ سن الثلاثين وظل يخدم لمدة أكثر من ثلاث سنوات ينشر نور معرفة الله وسط ظلام البشرية الدامس، وقال للآب السماوي "أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم.. وعرفتهم اسمك وسأعرّفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم" (يو 17: 6، 26) والأب الكاهن يصلي في القداس الغريغوري " أعطيتني علم معرفتك.. أظهرت لي نور الآب.. وأنعمت علينا بمعرفة الروح القدس الحقيقية". فبعد أن لوثت الخطية وطمست فكر الإنسان تجاه الله، وصار الله مجهولًا بالنسبة للإنسان، وكل محاولات الآباء والأنبياء لنشر معرفة الله لم تأتِ بالثمار المرجوة، بل امتلأت الأرض بالجهالة عن الله، وأخذ الإنسان يتصوَّر الله في صور خاطئة، فهو في نظره الإله المجهول الساكن وراء الجبال في غياهب الكون الرهيب كما تصوّره الأساطير الوثنية، وهو السيد المتعالٍ في سماه المنزَّه عن المادة والمترفع عن الحسيَّات، وهو السيد القاسي المنتقم الجبار الذي يحكم العالم بعصا من حديد ونار، يمسك بالسوط ليلهب ظهر كل من يخطئ.. وأي مولود امرأة لا يخطئ؟!، ويقف وخلفه البحيرة المضطرمة بالنار والكبريت ليلقي فيها كل من يخالفه الرأي.. حقًا قبل التجسد عاشت البشرية في جهل مريع، فيقول البابا أثناسيوس الرسولي " تركوا الله كلية، وأظلمت أنفسهم.. لم يكتفوا أن يصوّروا لأنفسهم التماثيل بدل الحق ويكرموا المخلوقات دون الله الحي، ويعبدوا المخلوق دون الخالق (رو 1: 25).. بل ذهبوا إلى أبعد من هذا.. وقد بلغ بهم الفجور إنهم تقدموا لعبادة الشياطين ونادوا بها آلهة، متمّمين بذلك شهواتهم.. قدموا محرقات من الحيوانات العديمة النطق وذبائح من البشر.. وأصبح كل البشر ينسبون سبب ميلادهم، بل وجودهم إلى الكواكب وكل الأجرام السماوية.. وبالاختصار لقد أصبح كل شيء مشبعًا بروح الكفر والاستباحة، وصار الله وحده وكلمته غير معروف" (تجسد الكلمة 11: 4-7). وإن كانت الخليقة لا تعرف الله فما الفائدة من وجودها كقول البابا أثناسيوس "لأنه أية منفعة للمخلوقات إن لم تعرف خالقها؟ أو كيف يمكن أن تكون عاقلة بدون معرفة كلمة (وفكر) الآب الذي أوجدهم في الحياة؟ لأنه إن كانت كل معلوماتهم محصورة في الأمور الأرضية فلا شيء يميزهم عن البهائم العديمة النطق. نعم، ولماذا خلقهم الله لو كان لا يريدهم أن يعرفوه؟" (تجسد الكلمة 11: 2) ثم يستكمل قائلًا "إن المخلص فعل ذلك (التجسد) حتى، كما يملأ كل الأشياء في كل الجهات بوجوده، كذلك أيضًا يملأ كل الأشياء من معرفته، كما يقول الكتاب المقدس أيضًا {الأرض كلها امتلأت من معرفة الرب}" (تجسد الكلمة 45: 2). بالتجسد رأينا الإله المتأنس أبًا حنونًا عطوفًا شفوقًا ودودًا ينتظر عودة الابن الضال ليحتضنه ويقبّله مهما كان منظره بشعًا، مؤكدًا "ابني هذا كان ميتًا فعاش" (لو 15: 24) وما أجمل قول القديس أثناسيوس " لقد أحب الله الإنسان في هوانه. أحب أن يكون واحدًا معه، وهذا هو التجسد" (1). بالتجسد رأينا الإله المتأنس طبيبًا حنونًا قد جاء من أجل الخطاة مؤكدًا "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. لم أتِ لأدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة"(مت 9: 12، 13).. رأيناه خادمًا متواضعًا يشتد بمنديل ويغسل الأقدام "إن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت 20: 28).. رأيناه راعيًا صالحًا يجوب الجبال والوديان عن الإنسان الخروف الضال، ومتى وجده يحمله على منكبيه فرحًا. بالتجسد اكتشف الإنسان أعماق محبة الله للبشر.. حقًا إنه محب البشر "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو 15: 13) وعلى رأي أحد الكُتّاب إنه لو كتب الله في كبد السماء بحروف من نور على مدى العصور والأجيال عبارة "الله محبة" ما أدركت البشرية هذه المحبة مثلما أدركتها بالتجسد والفداء "بهذا أظهرت محبة الله فينا إن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به" (1يو 4: 9) سمعناه يقول "أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو 10: 11) ورأيناه يفعل ما قاله على صليب العار فوق جبل الجلجثة. حقًا كانت معرفتنا لله قبل التجسد مشوشة، ولا أحد يستطيع أن يتصوَّر الله. أما بعد التجسد فأصبح من السهل أن يتصوَّر الإنسان الله في شخص الرب يسوع "والكلمة صار جسدًا وحلَّ بيننا ورأينا مجده مثل مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا.. الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر" (يو 1: 14، 18) ونستطيع أن نقول مع يوحنا الحبيب " الذي كان من البدء. الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة" (1يو 1: 1) فغير المرئي صار مرئيًا، وغير المحسوس صار محسوسًا، وغير الزمني دخل تحت الزمن، فالرب يسوع هو غير المرئي بلاهوته وهو المرئي بناسوته في آن واحد. أما الذين لا يؤمنون بالتجسد فكيف يتصوُّرون الله؟ إنه بالنسبة لهم هو الإله المجهول. بالتجسد عرفنا أعظم الأسرار عن اللاهوت إذ كشف الله لنا عن سر الثالوث القدوس، فرأينا الابن متجسدًا، ورأيناه يتحدث مع الآب ويحدثنا عنه، وسمعناه يحدثنا عن الروح القدس، وفي العماد أُستعلن لنا سر الثالوث القدوس. |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
التجسد ردَّ للإنسان كرامته بعد أن تسلط الشيطان القوي على البشرية في الحياة وبعد الموت.. من كان يستطيع أن يخلص البشرية المسكينة من قبضته إلاَّ الله الأقوى منه، وهذا ما حدث بالتجسد والفداء "فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم إشترك هو أيضًا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس" (عب 2: 14) فعندما قال المصلوب "يا أبتاه في يديك أستودع روحي" هجم الشيطان عليه قائلًا هذه الروح البشرية ملك لي أنا، ففوجئ بنار اللاهوت فأضطرب وأراد أن يهرب، ولكن إلى أين؟.. قبض عليه ابن الله وهو متلبسًا بالتعدي على العزة الإلهية، وجرده من سلطانه، واقتحم مملكته وخلص أسرى الرجاء، ولم يعد للشيطان سلطانًا قط على أولاد الله، وفي ساعة الموت تحمل الملائكة روح الإنسان البار إلى الفردوس في زفة وفرحة عظيمة. وبعد أن أذل الشيطان الإنسان وأخرجه من فردوس كان فيه، جاء ابن الله وأعطاه ليس الفردوس المفقود، إنما وهبه الحياة الأبدية "إن الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن فله الحياة ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة" (1 يو 5: 11، 12). لقد فشل الإنسان أن يحيا حياة البر، فجاء ابن الله وأكمل عنا كل برّ، وفي عماده قال ليوحنا "اسمح الآن. لأنه هكذا يليق بنا أن نكمّل كل بّرٍ" (مت 3: 15)، وفشل الإنسان أن يصوم صومًا روحانيًا مقدسًا، فجاء ابن الله وصام عنا، ولم يعرف الإنسان كيف يصلي كما ينبغي فعلمنا ابن الله الصلوات النقية عندما كان يقضي الليل كله في الصلاة ومناجاة الآب، وفشل الإنسان في الخضوع لمشيئة الله، فجاء ابن الله وخضع لمشيئة الآب "طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" (يو 4: 34) وفشل الإنسان في إتمام وصايا الناموس، فجاء ابن الله وتمم الوصايا وقال "لا تظنوا إني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل" (مت 5: 17) ، وفشل الإنسان في حياة التواضع والوداعة، فجاء ابن الله وقال "تعلموا مني. لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت 11: 29). وبالجملة لقد أعاد الله للإنسان بالتجسد كرامته المفقودة.. ألا يكفي أن يصير الله إنسانًا!! ويقول د. موريس تاوضروس بتصرف عن الفرنسية "ويكفي لنا أن نتأمل كيف صار الله إنسانًا حتى ندرك على التو كيف أصبح الإنسان مكرما. بل هنا يبدو السمو والرفعة على أكثر ما تكون عليه درجات السمو والرفعة. فإن الخالق قد أكسب البشرية جلاله وعظمته.. وبذلك سما الإنسان وارتفع قدره، وبمقدار ما تنازل الله ليقترب من الإنسان بمقدار ما ارتفع الإنسان ليشبه بالله، ولقد رأينا المسيح {المعبود} في صورة إنسان {عابد} وبذلك أمكننا أن نرى الإنسانية {العابدة} في صورة الإله {المعبود}، وأوضح المسيح بصريح العبارة إنه الكرمة ونحن الأغصان، كما أوضح الرسل أيضًا إننا أعضاء في جسد المسيح الواحد.. فتأمل معي إنك غصن في الكرمة التي هي المسيح، وتأمل أيضًا إنك عضو في جسد المسيح.. أليس معنى ذلك إننا في المسيح الإله المتأنس، فهل هناك كرامة تفوق هذه الكرامة" (1). |
رد: كتاب حتمية التجسد الإلهي
التجسد ميَّز المسيحية عن أديان الأرض كلها ليست الميزة في المسيحية تعاليمها الأخلاقية السامية فحسب، ولكن الميزة الأولى هي في حقيقة التجسد الإلهي، فكما إن التجسد الإلهي حادثة فريدة هكذا المسيحية دين فريد، فالمسيحية هي إنها حققت الصلة الكاملة بين الله والإنسان.. بين الخالق والمخلوق.. بين المعبود والعابد.. حقًا ما أوسع المسافة بين الله الخالق المعبود القدوس القوي اللامتناهي وبين الإنسان المخلوق العابد الخاطئ الضعيف؟!.. إنه فارق لا نهائي بين نقطتين متباينتين، ولكن هذا الفارق اللانهائي والمسافة الشاسعة قد اختفت في شخص الرب يسوع، ويقول د. موريس تاوضروس بتصرف عن الفرنسية "فالأديان جميعها تتفق على ضعة الإنسان إذا قيس بسمو الله، وعلى حقارة الإنسان إذا قيس بقداسة الله، وعلى النظرة إلى الإنسان كأنه لا شيء إذا قيس بالله الذي هو كل شيء، ويبقى السؤال قائمًا: كيف تتم علاقة وتقع صلة بين الله والإنسان مع وجود هذا الفارق العظيم اللانهائي بين الله والبشر؟ وتاريخ الأديان يظهرنا على محاولات عدة لتفسير هذه الرابطة ولتحقيق هذا الاتصال. من ذلك مثلًا إنهم كانوا يعتقدون بمخلوق وهمي لا هو بالإلهي ولا هو بالإنساني الخالص. إنما هو وسط بين الاثنين يجمع بين الطبيعتين ويمثل كلا العالمين السماوي والأرضي. وأيا كان هذا المخلوق الوهمي "النصف إلهي" فإننا لا نستطيع أن نعرف هل هو إنسان أم هو إله. فليس هو بالإله المتأنس ولا هو بالإنسان الإلهي. لكنه يجمع بينهما دون وحدة، أو هو آنيتان وليس آنية واحدة. إن الإجابة على الأسئلة السالفة الذكر.. نجدها في عقيدة التجسد المسيحي، العقيدة التي تقول إن الله صار إنسانًا، وهذه الصيرورة تفوق الوصف. هي إتحاد عميق لم يصبح الإله على إثره نصف إنسان. ولم يسمَ الإنسان على إثره فيصبح إلهًا إنه إتحاد لا يغير في طبيعة الله ولا طبيعة الإنسان، ولكنه يزيل الفاصل بينهما ويبطل المسافة التي تباعد الواحد عن الآخر. إنه إتحاد من نوع فريد. وفي هذا الإتحاد لا نرى الإله وحده أو الإنسان وحده، ولكننا نرى ذاتًا واحدة، أو آنية واحدة هي التي كان يعبر عنها السيد المسيح على الدوام بلفظ أنا.. وإذا كان الدين ليس أكثر من الرابطة التي تقوم بين الخالق والمخلوق، فهو من جهة المخلوق عبادة وتضرع وصلوات، ومن جهة الخالق رحمة وعطف وغفران. جاز لنا أن نقول إن المسيح الذي فيه اتحد الخالق مع المخلوق هو ذاته الدين، ولم يصبح بعد ذلك ثمة صعوبة إذا قلنا إن الدين المسيحي هو دين الكمال أو الدين الكامل، وإن قيمته مستمدة من التجسد.. يقول الأب بياردونتان "ما هو الدين في حقيقته؟ إن في لفظة دين Religion فكرة الترابط والعلاقة. أي فكرة إتحاد الإنسان بالله، ومن ثم تكون أحسن ديانة تلك التي تحسن الربط بين الطرفين. الإنسان بالله.. وإذ يمتلك يسوع تمام الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية يمثل الرباط الكامل بين الله والإنسان.. ومن ثم ينبغي علينا أن نبقى فيه لأننا هناك نجد الله" (1) |
الساعة الآن 09:34 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025