![]() |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
النصح والإرشاد لم يستخدم المُتوحدون الأوائِل هذا المنهج بنفس الدرجة التي استخدمه بها رُهبان الشَرِكَة، لأنَّ الإرشاد الشخصي يتطلَّب مُسبقًا علاقة حميمة بين المُرشِد والتلميذ، وهذه لم تكُن موجودة بدرجة كبيرة بين النُّسَاك الأوائِل، وكانت الرابطة بين الأب والمُبتدئ أغلب الأمر اختيارية (17)، وما كان موجودًا فعلًا كان لومًا وتوبيخًا أكثر منه إرشادًا ونُصحًا شخصيًا. فالإرشاد الشخصي كما فهمه الرُّهبان كان شيئًا أعمق جدًا من التوبيخ، فهو الإجبار المسئول الذي يتخذه المُرشِد في مسيرته مع تلميذه نحو الكمال، وكان هذا الإرشاد يتم في الغالب أثناء الاعتراف الذي بجانب أنه ”طب روحي“ كان أيضًا جلسة إرشاد... وللقديس باسيليوس الكبير يرجع الفضل في رفع عملية الإرشاد الشخصي إلى مُستوى العِلْم، ففي قانونه يُوضِح أنَّ مُهمة وعمل التربية والإرشاد تحتاج إلى معرفة وخبرة أكثر مِمّا تحتاج إلى أي شيء آخر، وفي أعماله النُّسكية، يمتدِح مبدأ الإرشاد الفردي، ويشرح أنه بسبب الخصوصية والفرادة التي يتمتَّع بها كلّ إنسان، وبسبب العدد غير المحدود من الأنماط البشرية، لذلك من المُستحيل أن نستخدم طريقة واحدة لتعليم جميع الناس (18)، كما يُشير باسيليوس إلى أنَّ المُعلِّمين لا يُمكن أن يتعاملوا مع جميع تلاميذهم بنفس الطريقة، وينصح باستخدام الطُرُق العلاجية بحسب القُوَّة الجسدية والنفسية لكلّ تلميذ. (19) |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
وسائل خاصة لحفظ الأفكار
Specific Methods of Perserving Ideas https://st-takla.org/Pix/People-Chris...ed-Beshara.gif في وعظ الآباء وتوبيخهم وإرشادهم وتعبيرهم عن أفكارِهِم، كانوا يستخدمون طُرُق عديدة تُساعد سامعيهم أن يفهموهم وتُزيد من تأثير تعليمهم في نفوس تلاميذهم، ومن أهم وسائِل ذلك كان استخدام الأمثال، المجاز والرمزية، الأقوال.
|
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
المَثَل هو تشبيه مُتطور يُشبّه أو يُقارن شيئًا بشيء آخر من نوع مُختلف لأغراض إيضاحية، وتُستخدم فيه كثيرًا كلمات ”مثل – ﮐ - يُشبِه“، وقد استخدم آباء البريَّة الأمثال كثيرًا كي تُفهم أفكارهم بسهولة أكثر، وكي يتجنبوا التعاليم النظرية الصعبة، خاصَّة إذا كان المُستمعون غير مُتعلمين كما كان الحال مع عدد من الرُّهبان الأوائِل. وفي سيرة القديس باخوميوس، مكتوب أنَّ هذا القديس استخدم الأمثال بصورة واسعة (20)، ونجد فيها نموذجًا من أمثاله، وفي ”الأقوال“ أيضًا يشيع قول الأمثال، وهكذا، كي يُعلِّم الأنبا بيمن سامعيه عن فاعلية وتأثير الكلمة الإلهية قال هذا المثل: ”إنَّ طبيعة الماء رقيقة، وطبيعة الصخر صلدة، لكن قطرات الماء يُمكنها أن تخترِق الصخرة، وبالمِثل كلمة الله رقيقة وقلوبنا صلدة قاسية، لكن من يستمِع لكلمة الله غالبًا ما ينفتِح قلبه ويخاف الله“. (21) |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
المجاز والرمزية بجانب الأمثال، استخدم الآباء النُّسَاك أيضًا ”المجاز“ وهو نوع مُتطور من الاستعارة ينقل معنى أعمق من المعنى السطحي باستخدام الرمزية، وقد اشتهر آباء الأسكندرية باستخدام المنهج الرمزي المجازي في التفسير وخاصَّة العلاَّمة أوريجانوس. وفي أقوال الآباء يرِد الكثير جدًا من التفسيرات الرمزية للأحداث الكِتابية، فأنبا قرونيوس على سبيل المِثال فسَّر مجازيًا مُقابلة أليشع مع المرأة الشونمية، وأيضًا قصة العُلِّيقة المُشتعلة، وهذا الإتجاه في التفسير نُصادِفه كثيرًا في ”سُلَّم“ يوحنَّا الدَّرجي (22). وفي النصوص الآبائية، بجانب التفسير الرمزي لأسفار الكتاب المُقدس نجد أيضًا العديد من الإشارات والمعاني الرمزية للطبيعة (23). وهناك منهج آخر في التعليم يُشبِه المجاز، ذلك هو الاسلوب الذي استخدم به بعض الآباء بعض الرموز كوسيلة إيضاح، ففي رسالة كتبها القديس أموناس (انظُر كتابنا ”القديس أموناس“ ضمن الذي سننشره هنا في موقع الأنبا تكلا من سلسلة آباء الكنيسة - إخثوس ΙΧΘΥΣ حيث تجد فيه ترجمة كاملة لرسائِله) تلميذ الأنبا أنطونيوس نقرأ أنَّ المُبتدئين كانوا يُعطَوْن أسماء جديدة رمزًا لأنَّ ”إنسان الخطية العتيق“ قد مات، وأنَّ المُبتدئ ”إنسان جديد للنِعمة“ (24)، ومن أمثلة ذلك أيضًا عادة قص شعر المُبتدئين والتي كانت تهدِف إلى تعليم المُبتدئ أن يترُك عنه سائِر الأفكار الأرضية العالمية (25). وبمرور الوقت، اكتسب العديد من عادات وسلوكيات الرُّهبان معانٍ رمزية، ولم يكُن هذا الاتجاه موجودًا فقط وسط مجامِع الرُّهبان، بل أنَّ الكنيسة كلّها بدأت تُعطي معاني رمزية لأشياء كثيرة (26). |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
الأقوال أخيرًا، بالإضافة إلى سائر الوسائِل الأخرى، اعتاد آباء البريَّة أن يُعبِّروا عن أفكارِهِم بترديد أقوال مشاهير الرُّهبان، وهذه كانت إجابات مشاهير المُعلِّمين الروحيين على أسئلة رُهبان مُبتدئين أو مُتقدمين أو حتّى مُؤمنين عاديين. وكان المُعلِّم يهدِف من استخدام ”القول“ أن يُعطي قانونًا قصيرًا مُعبِّرًا عنه بكلمات مُوجزة كي يُشبِع حاجة السائِل الخاصَّة، ولذلك يجب ألاَّ تُفهم أقوال آباء البريَّة كقوانين قاسية جامدة واجبة التطبيق على جميع الناس في جميع المواقف، بل يجب أن يُنظر إليها كعبارات عامَّة مُختصَّة بالحياة الرهبانية وكمبادئ عامَّة واسعة. وبحلول نهاية القرن الخامِس الميلادي، تم تجميع باقة مُتنوعة من أقوال مشاهير مُعلِّمي براري مصر، وفي القرن السَّادِس غالبًا تم ترتيب هذه المجموعة ترتيبًا أبجديًا بحسب أسماء الآباء الواردة أعمالهم أو أقوالِهِم فيها، وتُسمَّى ”الأقوال – الأبوفثيجماتا Apophthegmata“ وهدفها هدف تعليمي تربوي كما هو مذكور بوضوح في مُقدمتها. |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
رمزية الزيّ الرهباني إنَّ أهم يوم في حياة الراهب هو يوم سيامته راهبًا وارتدائه لثياب الرهبنة، وبالشرح الرمزي لهذه الثياب، صارت من أهم وسائِل التعليم غير اللفظية. وقد ظهر الزي الرَّهباني في فترة مُبكرة جدًا من تاريخ الحياة الرَّهبانية، ونجد دلائِل مُبكرة تُثبِت وجوده ترجِع لبدايات القرن الرَّابِع، ويُذكر عن القديس باخوميوس مثلًا أنَّ الأنبا بلامون ألبسه الزي الرَّهباني بمُجرّد أن قبلهُ راهبًا (27)، فنقرأ في ”سيرة باخوميوس“: ”بعد أن اختبره لمُدّة ثلاثة أشهُر كاملة وجد فيه من العزم والشجاعة الشيء الكثير، فقام حينئذٍ وأخذ الزي الرَّهباني مع المنطقة، ووضعهُما على المذبح، وقضيا الليل كلّه في الصلاة على الملابس ولمّا طلع النهار ألبسه إيَّاها وهُما يُمجِّدان الله فرحين“. كذلك ينُص القانون السَّادِس عشر من قوانين القديس باخوميوس على أنَّ المُبتدئ بعد أن يتعلَّم المزامير و”معرفة الإخوة“ يُلبِسونه الزي الرَّهباني. وكان الزي الباخومي يتكون من جلاَّبية بدون أكمام tunic، منطقة، عباءة من جلد الغنم، قُلنسوة، وصندل. (28) وفي ”الأقوال“ مُصطلح ”إسكيم Schema“ والذي يُشير إلى الزي الرَّهباني وبصفة عامَّة إلى الحياة الرَّهبانية، يتكرَّر مرَّات عديدة، كما يرِد أيضًا في كِتابات إيڤاجريوس البُنطي وسرابيون (تنيَّح عام 362 م.) وعادَّة يُسمَّى الزي الرَّهباني باسم ”الزي الملائكي“. وقد قدَّم يوحنَّا كاسيان وصفًا دقيقًا للزي الرَّهباني في كِتاباته، وأرفق به تفسيرًا وشرحًا رمزيًا لكلّ قطعة منه، فيقول أنَّ الراهب يرتدي قُلنسوة طفل ليتذكّر دومًا أنه لابد أن يحيا كطفل، والجلاّبية التي بدون أكمام تُعلِّم الراهب أن يقطع الشهوات الأرضية ويُلقيها عنه. (29) وفي تاريخ سوزومين (كتبه عام 439 م) نجد شرحًا رمزيًا آخر للزي الرَّهباني الباخومي (30)، وبعد قرن من الزمان كتب الأنبا دوروثيؤس (من القرن السَّادِس) تفسيرًا أشمل للزي الرَّهباني (31)، وفي نفس الفترة نجد وصفًا وشرحًا آخر للزي قدَّمه مكسيموس المُعترِف (580 – 622 م) وأضاف معلومة هامة ألا وهي أنَّ اللون الأسود قد قُبِلْ كَلُون مُناسب ولائق للزي الرَّهباني (32). وعندما يرتدي الراهب الزي، يضع نِصب عينيه معنى كلّ قطعة منه، وهكذا يكون الزي بالنسبة للراهب مُعلِّمًا لا يَكِل يُذكِّره بالتزاماته وواجباته ودعوته والطريقة التي يجب أن يسلُكها في كلّ حين، فعندما كان الراهب يرتدي منطقته، كان يتذكّر أنه يجب أن يكون مُستعدًا مُتأهبًا في كلّ وقت ليخدم مشيئة الرب (33)، واللون الأسود كان يُذكِّره أنه شخص ينوح على خطاياه وأنه لابد أن يكون مجهولًا ”للعالم“، وبالمِثل، كلّ قطعة من ثياب الراهب تُعلِّمه وتُذكِّره بشيء هام عن طريق ونهج الحياة الرَّهبانية. وفي قانونه الطويل، سؤال رقم 22، يكتُب القديس باسيليوس أيضًا وصفًا لرؤيته وتصوُّره للزي المسيحي ويُشير إلى ثلاثة فوائِد نافعة له: 1) هو طريقة للاعتراف بالنذر المسيحي (التكريس). 2) نافع كوسيلة اتصال بين المسيحيين الذين يجب أن يتعرَّفوا بعضهم على بعض بواسطة بساطة ثيابهم. 3) يجعل المسيحيين جميعهم وبخاصة الضُعفاء، حريصين ومُدققين جدًا في حياتهم وسيرتهم لأنَّ ثيابِهِم تُعلِن إيمانهم ويتوقع منهم المُجتمع أن يعيشوا ويسلكوا بحسب المعايير الأخلاقية المسيحية. |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
التعليم بوسائل غير لفظية
Instruction by Non-Verbal Means https://st-takla.org/Gallery/var/albu...n-His-Cell.gif بعدما يكون المُبتدئ قد تلقَّى قدرًا كافيًا من التعليم بالوسائِل اللفظية، ويصير قادرًا على أن يفهم ويُقيِّم معنى وقيمة الأحداث، يبدأ آباء البريَّة في تعليمه بالأعمال أيضًا، وهنا سنتناول فقط أربعة من هذه الوسائِل غير اللفظية.
|
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
الوسائل الصامتة في التعليم أحيانًا كان آباء البريَّة يتصرَّفون بطريقة صامتة مُحيِّرة بل وحتّى غير مفهومة لكي يُؤثِروا في تلاميذهم ويجذبوا انتباههم، وعندما كان انتباه الإخوة يبلُغ ذروته، يبدأ الآباء يشرحون لهم مغزى أفعالِهِم غير المفهومة هذه، وقد حفظ التقليد النُّسْكي العديد من هذه الأفعال والتصرُّفات التعليمية، والتي كانت طريقة غير تقليدية في التعليم، فمثلًا نقرأ في سيرة القديس القوي الأنبا موسى الأسود: ”أخطأ أخ في الإسقيط يومًا فانعقد مجلِس لإدانته وأرسلوا في طلب أنبا موسى ليحضر فأبى وامتنع عن الحضور، فأتاه قِس المنطقة وقال: إنَّ الآباء كلّهم ينتظرونك، فقام وأخذ كيسًا مثقوبًا وملأه وحملهُ وراء ظهره وجاء إلى المجلِس، فلمّا رأه الآباء هكذا قالوا له: ما هذا أيها الأب؟ فقال: هذه خطاياي وراء ظهري دون أن أبصِرها، وقد جِئت اليوم لإدانة غيري عن خطاياه، فلمّا سمعوا ذلك غفروا للأخ ولم يُحزنوه في شيء“. (34) كذلك نقرأ أيضًا في بُستان الرُّهبان عن أنبا أيوب وأنبا بيمن وإخوتهُما: ”قيلَ أنهم كانوا سبعة إخوة من بطن واحد، وصار الجميع رُهبانًا بالإسقيط، فلمّا جاء البربر وخرَّبوا الإسقيط في أوَّل دُفعة، انتقلوا من هناك وأتوا إلى موضِع آخر يُدعى إبرين، فمكثوا هناك أيام قلائِل، وحينئذٍ قال أنبا أيوب لأنبا بيمن لنسكُت جميعُنا كلٍّ من ناحيته، ولا يُكلِّم أحدنا الآخر كلمة البتَّة وذلك لمُدَّة أسبوع، فأجابه أنبا بيمن لنصنع كما أمرت، ففعلوا كلّهم كذلك، وكان في ذلك البيت صنم من حجر، فكان أنبا أيوب يقوم في الغُداة ويردِم وجه ذلك الصنم بالتُراب، وعند المساء يقول للصنم: اغفر لي، وهكذا كان يفعل طُوال الأسبوع، فلمّا انقضى الأسبوع قال أنبا بيمن لأنبا أيوب: لقد رأيتك يا أخي خلال هذا الأسبوع تقوم بالغُداة وتردِم وجه الصنم وعند المساء تقول له اغفر لي أهكذا يفعل الرُّهبان؟ فأجاب أنبا أيوب: لمَّا رأيتموني وقد ردمت وجهه هل غضب؟ قال: لا، فقال: ولمّا اعتذرت له هل قال لا أغفر لك؟ قال: لا، فقال أنبا أيوب لإخوته: ها نحن سبعة إخوة، إن أردتُم أن يسكُن بعضنا مع بعض فلنصِر مثل هذا الصنم الذي لا يُبالي بمجد أو هوان“. (35) وفي تعاليمهم، اجتهد آباء البريَّة دومًا أن يكونوا مُعبِّرين للغاية وواضحين كي يستطيع مُستمعوهم أن يفهموهم بصورة أفضل، وكان الآباء يُؤمنون جدًا بالقُوَّة التربوية والتعليمية للمثال، إذ أنَّ الله نفسه استخدم اسلوب المثال عن طريق الملائكة لكي يُعلِّم أُناسه المُختارين، فمثلًا كي يُعلِّم الله أحد الرُّهبان كيف أنَّ الأعمال الأخلاقية تكون بلا فائدة ولا نفع عندما لا تكون دوافعها نقية، قاده إلى موضِع رأى فيه رجُلًا يرفع ماءً من عين ويسكُبه في بِئر، لكن البِئر كان مُتصلًا بالعين فكان الرجُل يتعب باطلًا ليملأ البِئر، وبالمِثل – كما يقول النص – هؤلاء الذين يصنعون أعمالًا أخلاقية عديدة، لكن بدون دوافِع نقية، يتعبون باطلًا إذ ليس لهم أي جعالة سمائية (36). |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
التأمل في الطبيعة كانت هذه أساسًا وسيلة تعليم ذاتي، يتدرَّب المُبتدئون على استخدامها لأنَّ آباء البريَّة كانوا يعتبرون الطبيعة والخبرة مُعلِّمين جيدين، وهكذا عندما سخر أحد الفلاسفة من القديس الأنبا أنطونيوس ووصفه بأنه يجهل القراءة، أجابه أنطونيوس قائلًا: ”إنَّ كتابي أيها الفيلسوف هو طبيعة الأشياء المخلوقة، وهو موجود وقتما أُريد أن أقرأ كلمات الله“ (37). فمنذ هذا العصر المُبكِر للغاية، رأى الرُّهبان الطبيعة والكون كلّه كوسيلة وأداة تعليمية فعَّالة، تُصوِّر في آنٍ واحد عظمة الخالِق وأيضًا عِنايته الإلهية، وفي كِتابه ”الهيكساميرون Hexameron أي سِتَّة أيام الخليقة“ ينصح القديس باسيليوس قارِئه أن يتأمَّل في المخلوقات الحيَّة (38)، إذ أنَّ النحل والحيوانات الأخرى يُقدِّم دومًا دروسًا نافعة للإنسان، بحسب القديس كيرلُس الأورشليمي (39). وقد أعطى هذا النوع من التأمُّل للرُّهبان إمكانية الدراسة المُتأنية لبيئتهم واستخدام تشبيهات وصُوَرْ بلاغية مأخوذة من الطبيعة في تعليمِهِم يكون لها معناها ودلالتها للإنسان، كما هو الحال في رسائِل القديس أموناس (40) التي تُعتبر أغنى وأهم مصدر عن تاريخ الرهبنة المُبكرة في برية الإسقيط، لكن لابد أن نُوضِح هنا أنه في نفس الوقت، كان العديد من الرُّهبان في جهادهم وانتباهم لحياتهم الباطنية، يغِضُّون النظر عن التأمُّل في بيئتهم المادية، وفي ”الأقوال“ قيلَ عن الأُم سارّة أنها عاشت لمُدَّة 60 عامًا على ضفة نهر ولم تنظُرهُ قط (41). وأخيرًا، الحياة نفسها كانت مُعلِّم قدير (42)، وأخطاء الراهب وحروب الشيطان وأعمال الروح القدس، كلّ هذا جميعه يُعلِّم الراهب أشياء عديدة، ويكتُب القديس يوحنَّا الدَّرجي قائلًا: ”ليتشجع الذين استعبدتهم أهواؤُهم، لأنهم وإن كانوا قد سقطوا في كافة الحُفرات واقتُنِصوا بسائِر الفِخاخ وانسقموا بكلّ الأمراض فسيصيرون بعد تعافيهم مصابيح مُنيرة ومُرشدين وأطباء للجميع يكشفون لهم أعراض كلّ مرض ويُنقِذون بفضل تجربتِهِم مَنْ أشرف على السقوط“. (43) |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
القدوة الشخصية كانت القدوة الشخصية أفضل وسيلة غير لفظية استُخدِمت في النظام التربوي الرهباني، وبصفة عامَّة أهم وسيلة، لأنها كانت تُعطي مِصداقية لسائِر الوسائِل الأخرى، سواء لفظية أو غير لفظية، وكانت تُعتبر خِتمًا على كلّ تعليم اُعطِيَ، ويُؤكِد الأدب النُّسْكي المُبكِر مرَّات ومرَّات على أهمية ودور القدوة الشخصية كوسيلة تعليمية، وقد قيلَ عن القديس باخوميوس أنه قاد تلاميذه بقدوته أكثر مِمّا بتعاليمه، وبِمِثاله الشخصي ربح محبتهم وتكريسهم للمسيح يسوع. وفي ”الأقوال“ يُمكننا أن نجد عددًا من الأقوال التي تُؤكد على أهمية المِثال والقدوة الشخصية، فمثلًا عندما سأل أخ الأنبا بيمن عمّا إذا كان يجب أن يُقدِّم تعاليم ونصائِح للرُّهبان الذين تحت إرشاده، أجابه أنبا بيمن: ”... ليس تعاليم ووصايا بل اعمل أنت العمل أولًا، لا تكُن مُعطي قانون، بل نموذجًا ومِثالًا لهم“. (44) وكان آباء البريَّة مُقتنعين أنَّ الشخص إذا لم يستطِع الإنتفاع من مِثالِهِم، فلن يستطيع أن ينتفِع من تعاليمِهِم أيضًا، وكانوا يعتبرون القدوة الشخصية وسيلة للتعليم أقوى من أي وسيلة لفظية أخرى. (45) والأنبا شيشوي عندما طلب منه أخ أن يقول له ”كلمة“ أجابه ”لماذا تُرغمني أن أتكلَّم باطلًا؟ انظُر، افعل كلّ ما تراه“ (46). وآباء البريَّة كرُواد في ”سيكولوچية العُمق“ عرفوا أنَّ وجود شخصية روحية أخلاقية بالقُرب من الإنسان يكون لها تأثيراتها وانطباعاتها القوية للغاية عليه، ولذلك أكَّدوا على أهمية المثال الحي الشخصي، وحدث أن سأل أخ الأنبا بيمن ما الذي يجب أن يفعله لأنَّ نفسه لا تخاف الله، فأجابه أنه يجب أن يلتصِق بإنسان يخاف الله، وسيتعلَّم أن يخاف الله مثله (47). وتبرُز هذه الفكرة أيضًا عند القديس باسيليوس الذي قال أنَّ التلميذ يرِث كلّ فضائِل أبيه الروحي (48)، كما عبَّر القديس إغريغوريوس أسقف نيصص شقيقه عن الأمر عينه في كِتاباته (49). وأوضح القديس إيسيذروس الفرمي أنَّ المُعلِّم يجب أن يُعلِّم تلاميذه بسلوكياته أكثر مِمّا بكلماته، فالقدوة الشخصية تحِث الإنسان على حياة الفضيلة أكثر مِمّا تفعل الكلمات (50). ونيلوس النَّاسِك كان مِثالًا آخر لآباء البريَّة الذين أكَّدوا على أهمية القدوة الشخصية، وشرح أنَّ المثال الشخصي وكلّ الأعمال الشخصية أيضًا يجب أن تنبني على أساس نظري، وهذه القدوة الشخصية – بحسب نيلوس – لها تأثيرها الإيجابي حتّى على النفوس القاسية العقيمة. وأخيرًا من الجدير بالذِكْر أنَّ الآباء بصفة عامَّة – وليس فقط آباء البريَّة – كانوا ينظرون إلى القدوة الشخصية كوسيلة هامة ومُتميزة للتربية، فكلِمنضُس السكندري مثلًا قال أنَّ مثال وقدوة هؤلاء الذين عاشوا حياة القداسة هو وسيلة مُمتازة لِفَهْم ومُمارسة الوصايا (51)، وفي موضِع آخر يقول أنَّ النماذِج الشخصية والقدوة لها دورها الكبير في مُساعدة الإنسان في جهاده، بل ويُخصِّص فصلًا كاملًا من كِتابه ”المُربي“ ليشرح فيه أهمية القدوة والنماذِج في تربية الإنسان وتعليمه بطريقة صحيحة. فالتعليم بالقدوة كان أعظم منهج في التربية حث عليه النُّسَاك والسُّواح الأوائِل، ثم جاء البحث الحديث والدراسات المُحدثة ليظهر أنَّ قدوة المُعلِّم الشخصية لها تأثير كبير على الطُّلاب الذين يميلون إلى تشخيص أنفسهم (التماثُل) مع مُعلِّميهم وإلى مُحاكاتِهِم، وهكذا ينصح عُلماء التربية بالاتصال الشخصي بين الطُّلاب والمُعلِّم والمُعاينة عن قُرب (52). كذلك لابد أن نذكُر هنا أنَّ العبادة الجماعية الليتورچية كانت وسيلة تربوية هامة، فمشاعر التوبة والحُزن والشُكر والخبرة الشخصية الأخرى التي تنتُج من عَيْش الطقس والاشتراك في العبادة الليتورچية، كان لها قيمة جل عظيمة في تربية ونمو الرُّهبان، وقد أكَّد آباء الكنيسة دومًا على أهمية العبادة الجماعية. أخيرًا، بِنيِة الدير والمُناخ الرَّهباني العام في المنطقة التي يعيش فيها الرُّهبان، كانت وسائِل فعَّالة في التربية الرَّهبانية، وقد أظهرت الدراسات الحديثة التي تمّت على مُستوى الكُليات أنَّ القِيَمْ التي هي جزء من البِنية الاجتماعية للكُلية، تُنقَلْ إلى الطُّلاب سواء كان ذلك عمدًا أو عن غير عمد (53). وإجمالًا، العبادة الجماعية، البرنامج الرَّهباني وبِنيته الرَّهبانية، وبصفة عامة الحياة الاختبارية وسط جماعة رهبانية، كانت وسائِل تربوية فعَّالة ومُؤثِرة ساعدت الرُّهبان على بلوغ أهدافهم في أقصر وقت مُمكن. وتنوُّع الطُرُق والوسائِل التربوية لم يجعل مُهمة الأب سهلة، بل بالتأكيد جعلها أكثر صعوبة ومسئولية، فكان المُنتظر من الأب أن يكون قادرًا على اختيار الطريقة المُناسبة و”العلاج“ المُناسِب لكلّ واحد من تلاميذه... ولذلك كان آباء البريَّة يُؤكِدون كثيرًا على مُقومات الأب المُرشِد. |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
اختبار النظام الرهباني
A Test of The Monastic Educational System https://st-takla.org/Pix/People-Chris...ed-Beshara.gif كان من المُتوقع من كلّ الوسائِل التربوية السالفة الذِكْر أن تقود الراهب إلى: وإذا لم تقُد الراهب إلى ذلك، يكون هناك قصور في النظام التربوي، أو يكون التلميذ غير لائق لهذه التربية. |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
فحص الذات كان أحد المُتطلبات الهامة للاعتراف الفَّعال، وبصفة عامة لأي نوع من التقدُّم الروحي، هو أن يعرف المُبتدئ نفسه جيدًا جدًا ويكون قادرًا على عرض نفسه على أبيه الروحي كي يختار كطبيب ماهر الطريقة المُناسبة للتعليم و”الدواء“. ومعرفة النَّفْس هذه هي ”بحق أصعب العلوم“ (54) تتطلّب فحصًا ذاتيًا مُدققًا للغاية وواعيًا، ولذلك يُؤكد الأدب الرَّهباني المُبكِر على الحاجة إلى الفحص المُدقِق للذَّات، فيعتبره القديس أموناس أحد الالتزامات الأولى الموضوعة على الراهب، ونقرأ في سيرة الأنبا أنطونيوس ”لِيُحاسِب كل إنسان نفسه عن أعمال النهار والليل“ (56) وأيضًا يقول أبو الرهبنة ”فليُلاحظ كلٍّ منّا نفسه ونكتُب أعمالنا ودوافِع النَّفْس“ (57)، ويقول برصنوفيوس أنَّ الراهب لابد أن يفحص ويُلاحظ أفكاره ويشرح كيف يجب أن يكون ذلك: ”عندما يأتيك فِكْر انتبه إلى ما يلده (هذا الفِكْر) وهاك مِثالًا: أنت تُفكِر أنَّ شخصًا ما قد أهانك ويُزعِجك فِكرك كي تُخبِره (تعاتبه) عندئذٍ قُل لفِكرك " إذا أخبرته فإني أغيظه وهو يحزن ضدي إذًا أنا أحتمِل قليلًا ويمُر الأمر"، لكن إذا لم يكُن الفِكْر تجاه إنسان آخر بل الإنسان في ذاته يُفكِر في الشر، إذًا لابد أن يبحث الإنسان عن الفِكْر ويقول "فِكْر الإنسان يقود إلى الجحيم " فتبطُل عنك (الأفكار) ومع سائر الأفكار اصنع هذا الأمر عينه“. (58) وهكذا لم يكتفِ آباء البريَّة بالتأكيد على ضرورة فحص الذات ومُحاسبة النَّفْس فقط بل وأيضًا شرحوا كيف يتم فحصها، وكانت غايتهم مُحاربة التصورات والميول الشِّرِّيرة في بدايتها الأولى، وقد كان يوحنَّا الدَّرجي مُعبِرًا للغاية عندما كتب: ”اجلِس في مكانٍ عال وارصُد نفسك إن كان لك في الرصد دِراية، فتُبصِر حينذاك أي لصوص يأتونك ليدخلوا ويسرقوا عناقيدك وكيف ومتى ومن أين يأتون وما عددهم“. (59) وقد أسهم هدوء البريَّة وسكونها وطبيعة الحياة الرَّهبانية التي بلا هَمْ، اسهامًا كبيرًا في عملية فحص الذات المنهجي التي يقوم بها الراهب. |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
الاعتراف كانت الرهبنة منذ بدايتها الأولى واعية ومُدرِكة بعُمق للخطية، الأمر الذي قاد الآباء إلى الاعتراف الصادِق الذي يعتبره مُشرِعو الرهبنة الأوَّلون أحد الأعمال الأساسية الواجب على المُبتدئ مُمارستها، وصار فيما بعد مُمارسة يومية في حياة الرُّهبان. (60) وبجانب كونه سِر ضروري ولازم، كان الاعتراف أيضًا أقدس وأعظم أبعاد العلاقة الوطيدة التي تجمع بين الأب والتلميذ، ومن هنا كانت مُهمة أب الاعتراف جل صعبة وأساسية، وتتطلّب قدرًا ليس بالقليل من المهارة والخبرة السيكولوچية، إذ أنَّ الإرشاد الروحي – كما أسلفناه – كان يتم غالبًا أثناء الاعتراف. ومن النماذِج الرائعة لأب الاعتراف المثالي كان الأنبا مقاريوس الكبير الأب الروحي للإسقيط، وقد حدث أن زار مرَّة راهبًا صغيرًا يُدعى ثيؤبيمبتوس Theopemptos وكان يعرف أنَّ هذا الأخ يُعاني من قِتالات كثيرة، فسأله مقاريوس ”كيف حالك يا أخي؟“ وإذ كان الراهب يخشى أن يقول الحقيقة أجابه بصيغة رهبانية معروفة ”حَسَنْ بصلواتك“ عندئذٍ سأله الأب المُختبِر باهتمام ”ألا تُحارب في أفكارك“ فجاءت إجابته ”حتّى الآن أنا على ما يُرام“ فقال له الأب العظيم بطريقة تربوية تمامًا ”أنا نفسي أُمارِس إنكار الذات لسنوات عديدة ويُكرمني جميع الناس، لكن مع أني رجُل شيخ إلاّ أنَّ شيطان الزنى لا يزال يُؤلمني“ فتشجّع المُبتدئ بهذا القول واعترف بتجارِبه ”صدّقني أنه يُؤلمني أنا أيضًا“.. فالنَّاسِك الشيخ، تظاهر أنَّ الأفكار تحاربه هو الآخر لكي يشجّع الراهب الصغير على الاعتراف. (61) وغالبًا ما كان آباء الاعتراف يضعون قوانين وعقوبات على الإخوة الذين أخطأوا، وكان هناك أنواع مُتعددة من العقوبات مثل: عمل مِئات الميطانيات، الصوم، الصلوات الإضافية، عدم التقدُّم للأسرار لفترة مُعيَّنة، إلخ... ولم يكُن هدف هذه القوانين مُعاقبة المُخطِئ بل أن تساعده ليفهم ويعرِف خطأه، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، تمنحه فرصة ليُثبِت أنه يُريد أن يفعل شيئًا ما للإقلاع عن خطاياه كعلامة على توبته، ورغم أنَّ القانون الكنسي قد قنَّن وحدَّد نوع ومُدّة قوانين كلّ خطية، إلاّ أنَّ الآباء كانوا يضعون في اعتبارهم دومًا شخصية المُخطِئ أكثر من القانون الكنسي، وقد أشار القديس باسيليوس الكبير إلى أنَّ آباء الاعتراف لابد أن يضعوا في اعتبارهم سِنْ المُخطِئ ودوافِعه وعمله وقصده وتوجُهاته وسلوكه بعد الخطية. (62) وبصفة عامة، كان الفِكْر الرَّهباني يرفُض دومًا فترات التوبة الطويلة، فعندما أخبر أحد الإخوة ذات مرّة الأنبا بيمن أنه قد اقترف ”خطية عظيمة“ ويُريد أن يتوب عنها لمُدّة ثلاث سنوات، أجابه الشيخ ”هذا كثير جدًا“ فقال الأخ ”إذًا بالتأكيد عام واحد“ فكانت الإجابة مثيلة ”هذا كثير جدًا“ بل وحتّى الأربعين يومًا كانت فترة طويلة بالنسبة لهذا القديس فقال للأخ ”أنَّ الإنسان إذا تاب من كلّ قلبه ولم يُخطِئ ثانية، يقبله الله في 3 أيام“ (63)، وهذه الإجابة عينها ردَّدها الأنبا شيشوي، فبحسب آباء البريَّة، كانت نزعات الإنسان وندامته أهم من طول فترة التوبة، ويتصور لنا هذا الفِكْر بوضوح وجمال في قصة بائيسة التائبة التي عاشت في الخطية زمانًا طويلًا، لكن عندما زارها الأنبا يوحنَّا القصير وافتقدِتها النِعمة، تابت ومضت إلى البريَّة، لكنها تنيحت فجأة وهي في طريقها للبريَّة، وتقول خاتمة سيرتها: ”إنَّ ساعة توبتها الواحدة كانت مقبولة أكثر من توبة الذين قضوا زمانًا أطول في التوبة ولكن لم يُظهِروا مثل هذه الحرارة“. (64) وهدف الاعتراف كما تُخبِرنا ”الأقوال“ هو أن يقتني التائِب السلام بتحرُّره من حِمْل خطاياه الذي يُثقِّل ضميره، وإذا ترجمنا ذلك إلى لُغة مُصطلحات عِلْم النَّفْس الحديث، نقول أنَّ الراهب الذي يفحص نفسه بتدقيق ويعترِف بصِدق، في الغالب لن يُلقي بخطاياه في لا شعوره، وبالتالي لا تتحوَّل الخطية إلى عُنصر في شخصيته، وهذا يُفسِر لنا قول القديس إغريغوريوس أنَّ الاعتراف هو ”علاج“ هام للشر. (65) أخيرًا، بجانب أنَّ الراهب لابد أن يتضرّع ويتذلّل لأجل خطاياه، أحيانًا كان الراهب يقبل اتهامات باطلة مُوجّهة له، أي يقبل اللوم والعِقاب على شر لم يرتكبه، وأبرز أمثلة ذلك قصة مارينا العذراء التي تزيّنت بزي الرجال واتُهِمَت بأنها أب لطفل لقيط، فلم تُنكِر هذا الاتهام أو تنفيه ولم تُكتشف براءتها إلاّ ساعة دفنها.. (66) وهكذا كان اسلوب تبرير الذات وإلقاء اللوم على الآخرين والذي استخدمه أبونا آدم، غريبًا عن العقلية الرَّهبانية، فكان الآباء مُتدربين ومُعتادين على اتهام الذات ولومِها. وكان المُصطلح الفِعلي الذي استخدمه الرُّهبان للإشارة إلى أب الاعتراف هو ”بنڤماتيكوس Pnevmatikos“ وهو يعني حرفيًا ”إنسان روحي“ وكان يُستخدم في الحديث عن الرُّهبان الكِبار ورؤساء الأديُرة والمُرشدين الروحيين بصفة عامة. ولابد أن نذكُر هنا أنَّ اقتناع النُّسَاك الأوَّلين بفترات التوبة القصيرة كان نقطة تباين فيها رأيهم عن باقي الكنيسة وأيضًا عن الرهبنة اللاحقة زمنيًا. |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
التلمذة في النظام التربوي الرهباني
Discipleship in The Monastic Educational System https://st-takla.org/Pix/Saints/02-Co...homious-02.jpg يُمكن أن تُفهم التلمذة إمَّا كمجموعة من القواعد تحكُم السلوك أو كتدريبات في ضبط النَّفْس والطاعة والخضوع لمعايير مُحدّدة، أو وضع قوانين وتأديبات كنسية على المُخطِئ، والمُصطلح كما هو مُستخدم هنا ينتقل من معنى لآخر من هذه المعاني المُترابطة. والتلمذة عُنصر أساسي للغاية في الحياة المسيحية لأنها أصلًا حياة تلمذة وطاعة لمشيئة الله، وقد امتدح آباء الكنيسة فوائد التلمذة ومناقِبها (67) والنُّسَاك الأوائِل الذين كانوا يسكنون معًا شعروا بالحاجة إليها مُبكِرًا للغاية كما يتضح من قوانين القديس باخوميوس. وكانت العقوبات والمُكافأت وسيلتين حاول بهما المُربون والمُعلِّمون أن يتلمذوا أبناءهم.
|
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
العقوبات الرهبانية يُعرِّف الأدب الرَّهباني بوضوح شديد غاية وهدف العقوبات وأيضًا الطريقة التي ينبغي بها استخدامها، وفي سيرة باخوميوس يُذكر أنه وبّخ أحد الإخوة ”لأجل خلاصه“ (68). وهكذا استُخدِمت العقوبات لمنفعة المُخطِئ وكانت تهدِف إلى إعادته إلى رُشده كما يذكُر يوحنَّا الدَّرجي. ويُضيف القديس باخوميوس أيضًا أنَّ الأب لابد أن ينصح المُخطِئ أولًا وبعد ذلك يُوبخه (69)، كذلك قدَّم القديس باسيليوس في قانونه درجات مُتنوعة من العقوبات، مثل الحِرمان من البركة، الحِرمان من الطعام، العزل (70)، ويذكُر أيضًا أنَّ هذه العقوبات لابد أن تكون علاجية ومُتناسبة مع الخطأ. وفي البند الواحد والخمسين من قانونه الطويل، يعكِس القديس باسيليوس فِكْر القرن الذي يعيش فيه بدقة ووضوح، فيكتُب: ”... التقويم لابد أن يُستخدم مع المُخطِئ بنفس طريقة الأطباء الذين لا يغضبون من المرضى بل يُجاهدون ضد المرض، وهكذا يجب أن تُهاجم الرذيلة، وضعف النَّفْس لابد أن يُعالج – إذا كان هناك ضرورة – بقانون أكثر قسوة: فمثلًا الكبرياء لابد أن يُعالج بتدريب مُمارسة الاتضاع. الحديث البطَّال بالصمت. النوم الكثير باليقظة والصحو في الصلاة. الكسل بالعمل. الطمع بالصوم عن الطعام“ (71). ومن الأهمية بمكان أن نذكُر أنَّ نظام العقوبات الباسيلي كان يبغى استبدال الخطية بالفضيلة المُضادَّة لها، ونجد أساسًا نظريًا لهذه المُمارسات التربوية في كِتابات إغريغوريوس النيصي الذي كتب قائلًا أنَّ الخطية ليس لها جوهر خاص بها، بل هي غياب الفضيلة (72)، وبالتالي فإنَّ غرس وإنماء الفضيلة هو أفضل وسيلة لمُحاربة الشر والخطية الموجودة فعلًا. وكان على الرئيس أن يأخذ في اعتباره مَنْ هو المُخطِئ وشخصيته وقامته ثم يُوقّع عليه العقوبة وِفقًا لذلك (73)، وهكذا يفرِض النظام الباخومي 80 ميطانية للراهب المُتقدم في الرهبنة، و50 ميطانية للراهب الصغير لأجل نفس الخطية (74)، والقديس يوحنَّا الدَّرجي يُنبِه الرئيس إلى أهمية وضع شخصية المُخطِئ في الاعتبار من حيث قامته وقانونه وقِدَمُه في الحياة الرَّهبانية. |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
أنواع العقوبات https://st-takla.org/Pix/Saints/02-Co...homious-03.jpg أمَّا عن أنواع العقوبات التي استخدمتها الأديُرة، فكان هناك نوعان أساسيان: 1) العقاب الجسدي 2) العقاب الروحي وكانت درجة شدَّة العقاب تتحدَّد وِفقًا لطبيعة الخطأ وشخصية المُخطِئ، كما أسلفنا، فمثلًا الشخص الذي يحضر إلى خدمة ليتورچية في الكنيسة مُتأخرًا، لا يستطيع أن يدخُل الكنيسة بل يجلِس نادمًا عند العتبة بينما يخرُج الرُّهبان من الكنيسة، وفي حالة بعض الأخطاء الجسيمة، كان الأخ يُحرم من العبادة الجماعية، أمَّا الأخطاء الأخرى مثل التشاجُر أو الكبرياء أو الخروج بدون إذن، فكانت تُعاقب بالطرد، ويروي لنا التاريخ الرَّهباني أنَّ القديس باخوميوس أمر ذات مرَّة أحد الرُّهبان بخلع زي الرهبنة وترك الدير (75)، وكانت هذه عقوبة بالغة القسوة، لكن أقسى عقوبة على الإطلاق كانت الحِرمان من الأب الأسقف. والدراسة المُدقِقة لكتاب ”الأقوال“ فيما يختص بالتأديبات، تأتي بنا إلى استنتاج أنَّ النُّسَاك الأوائِل لم يسمحوا أن يُؤدب الأخ المُخطِئ من قِبَلْ أي أحد غير أبيه الروحي الذي كان له وحده حق تأديبه وتهذيبه، أي أنَّ الأب الروحي وحده هو الذي يضع قانون تلميذه (76). وكان الرُّهبان الأوائِل يُؤمنون أننا جميعًا تحت التأديب ولذلك نُفِينا من الفردوس، ولأننا نحن أنفسنا مُذنِبون لذلك لا نستطيع أن نحكُم على الآخرين ونُأدبهم بل الله فقط هو الذي يستطيع ذلك، وهذه رؤية هامة تُميِّز بين الرهبنة التوحُدية ورهبنة الشَرِكَة، ولم يكُن القديس باسيليوس مُوافقًا على هذا الرأي،بل كان يُؤمِن أنَّ واجب الإنسان تجاه أخيه هو ألاّ يسمح له بأن يضِل عن طريق البِّر، ويجب عليه أن يحذَّر أخاه ويُصلِحه (77)، بيد أنَّ أحدًا من القادة الكِبار في البريَّة لم يتفِق مع باسيليوس في هذا الصدد (78). لكن بمرور الوقت، أدرك الرُّهبان أنَّ لحياة الشَرِكَة قوانينها التي تختلِف عن قوانين القلاية، وأرسوا مبدأ سُلطان رئيس الدير في تعليم وتأديب الرُّهبان الذين لا يطيعون ويُهمِلون واجباتِهِم، لكن يجب أن يفعل ذلك فقط مع رُهبان ديره وليس مع آخرين من خارج ديره (79). |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
الجِعالات | المكافأة رغم أنَّ رُهبان الوحدة ورُهبان الشَرِكَة كانا لهما رأيان مُختلِفان في موضوع العقوبات والتأديبات إلاّ أنهما يتِفقان تمامًا في رؤيتهِما للمُكافأت فكانوا جميعهم مُمسكين جدًا في مُكافأة تلاميذهم، والسبب وراء ذلك هو أنهم اعتبروا المديح وكلّ نوع من الجعالة دافِعًا للشر، لأنَّ هذه الأمور تُشجِع الكبرياء الذي أراد الرُّهبان أن يهربوا منه بسائِر أشكاله لأنه سبب السقطة الأولى، ولذلك يُحذِّر الأدب النُّسْكي الرُّهبان وينصحهم أن يكونوا حَذِرين للغاية من الذين يمتدحونهم ويُوقِرونهم (80)، ويقول الدَّرجي أنَّ الله يُخفي عن أعيُننا الكمالات التي اقتنيناها ويُضيف أنَّ: ”ذاكَ الذي يمتدحنا أو بالأحرى يضِلنا يفتح أعيُننا بمديحه، وما أن تنفتِح عيوننا حتّى يتبدَّد كِنزنا“ (81). كما رأى آباء البريَّة أنه ليس هناك من الأسباب ما يدعو لامتداح أي إنسان إذ أنَّ أي صلاح في الإنسان إنما هو عطية من الله، ومن المُخجِل أن نُمدح بزينة الآخرين، لكن في نفس الوقت لم يمتنِع آباء البريَّة عن تذكير تلاميذهم بالجعالة السمائية كي يُشدِّدوهم ويُقووُهم في جهادهم المُضني لأجل الخلاص (82). وبجانب ذلك أكَّد التقليد الرَّهباني دومًا أنَّ الإنسان يجب ألاّ يترهب خوفًا من الله أو سعيًا وراء الجعالة الشخصية بل الدافِع الوحيد المقبول تمامًا هو محبة الله، فأنطونيوس ”أبو الرهبنة“ قال: ”أنا لم أعُد أخاف الله لأني أُحبُّه“ (83). في ضوء ما ذكرناه يُمكننا أن نرى كيف كان لآباء البريَّة نظام كامِل للوسائِل التعليمية منبني ومُؤسس على الأفكار النظرية عن التربية وخاصَّة مبدأ التفرُّد الشحصي. |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
مراجع ما سبق 1) Varsanuphius and John, P.OR XXXI, Fasc 3, 457. 2) Gregory of Naz., Oration II, 30-32, P.G. 35, pp. 437-438. 3) Clement of Alexandria, Instructor, ed. O. Stahlin, I, 133 Leipzig, 1936. 4) John Climacus, Klimax XXXI, p.174. 5) Apophthegmata, P.G.65, pp. 188c, 232, 273, 405, 440. 6) Basil, On the Spirit, XV, P.N.F., VIII, 21. 7) Isidorus of Pelusium, Epistola I, 441, P.G. 78, 425B. 8) John Climacus, Klimax XXXI, p.174. 9) Gregory of Nyssa, Catechetica Magna. P.G. 45, 10. 10) Gregory of Naz., Oration II, P.N.F. VII, 210. 11) Entolai Pachomii, V.H.P. XL, 114. 12) Vita Pachomii, quoted in Chitty`s The Desert a City, Oxford, 1966. p. 26 and 25. 13) Apophthegmata, P.G.65, pp. 81, 253, 303, 324, 325. 14) Ibid., p. 301 D. 15) Paschos, Gerontikon, Athens, 1970, p. 164b and 118b. https://st-takla.org/Pix/Books/Genera...References.gif 16) Basil, Reg. Fus., XXV, P.G. 31, 984C. 17) Palladius, The Lausiac History, ed. C. Butler, Cambridge, 1898, p. 234. 18) Basil, quoted in K. Mouratides` Christokentrike Poimantike, Ahens, 1962, p. 68. 19) Ibid. 20) Bios Pachomiou, V.H.P. XL, pp. 176-178 and 180. 21) Apophthegmata, P.G.65, pp. 208, 209, 333, 324, 365-68. 22) John Climacus, Ladder, pp. 144 and 203. 23) Wallace-Hadrill, Greek Patristic View of Nature, N.York, 1968, p.124. 24) Ammonas, Letter V, V.H.P. XL, 160. 25) Maximus Confessor, Questions, P.G. 90, 840B. 26) Dionysios Hareopagite, De Ecclesiastica, P.G. 3, 480A. 27) Bios Pachomiou,VI, V.H.P. XL, 132. 28) Sozomen, Historia Ecclesiastica III, 14, P.G. 67, 1069. 29) O. Chadwick, John Cassian, Cambridge, 1968, p.56. 30) Sozomen, Historia Ecclesiastica III, 14, P.G. 67, 1069-1072. 31) Dorotheos, Doctrina I, P.G. 88, 1632C-1636A. 32) Maximus Confessor, Questions, P.G. 90, 840-841. 33) Sozomen, Historia Ecclesiastica, P.G. 67, 1072. 34) بُستان الرُهبان – الطبعة الثَّانية – عام 1956 م – صـ 61. 35) نفس المرجِع السابق – صـ 97. 36) Apophthegmata, P.G.65, pp. 100-101. 37) Evagrius of Pontus, Coptia Practica, P.G. 40, 1249B. 38) Basil, Hexaemeron, P.N.F., VIII, 103, 106. 39) Cyril of Jerusalem, Catechesis, IX, 13. P.G. 33, 652B. 40) Ammonas, Letter IV, V.H/P/ XX, 53. 41) Apophthegmata, P.G.65, 420 and 173. 42) Ephraem Syrus, Ascetic Works, by Sakkoraphos, p. 22. 43) John Climacus, Ladder XXVI, P. 203. 44) Apophthegmata, P.G.65, 440A, and 364C. 45) Ibid., p. 197 and 224. 46) Gerontikon, p. 114B. 47) Apophthegmata, P.G.65, 337. 48) Basil, Homilia in Psalmum 47, P.G. 29, 457. 49) Gregory of Nyssa, De Virginitae, P.G. 46, 409-412. 50) Isidorus of Pelusium, Epistola, P.G. 78, 1537C. Nilus the Ascetic, Homily, Philokalia, I, p. 205 and 206. 51) Clement of Alexandria, Stromata I, 1, A.N.F. II, 300. 52) Br. Joyce, Alternative Models of Elementary Education, Waltham Mass.: 1969, p. 106f. 53) PH. Jacob, Changing Values in College, N.York: 1956. 54) Basil, Hexaemeron IX, 9, P.N.F., VIII, 106. 55) Ephraem Syrus, Ascetic Works, ed. Sakkoraphos, p. 27. 56) Athanasius, Vita Antonii LV, V.H.P. XXXIII, 39. 57) Vita Antonii, quoted in Wigg`s Warriors of God, London, 1939, p.39. 58) Varsanuphius and John, Questions LXXXV, P.OR. XXXI, 565. 59) John Climacus, Ladder XXVII, P. 239. 60) Basil, Reg. Fus., XXVI, P.G. 31, 985. 61) Apophthegmata, P.G.65, 201. 62) Basil, Reg. Brev., LXXXI, P.G. 31, 1140. 63) Apophthegmata, P.G.65, 325. 64) Ibid., 217-218 and 336. 65) Gregory of Naz., Oration XVI, P.N.F., VII, 253. 66) Vita S. Marinae. P.L. 73, 693. 67) Clement of Alexandria, Instructor, I, 5, A.N.F. II, 213. 68) Bios Pachomiou, V.H.P., 40, 154. 69) Ibid., XL, 165. 70) Basil, Reg. Brev., P.G. 31, 1109D and 1165B. 71) Basil, Reg. Fus., XV, P.G. 31, 1040-41 and 953. 72) Gregory of Nyssa, Catechetica Magna, P.G. 45, 24-25. 73) Basil, Reg. Brev., XCI, P.G. 31, 1140A. 74) Pachomius, Epitimia, V.H.P., XL, 127. 75) Peri Pachomiou, V.H.P. XL, 194. 76) Apophthegmata, P.G.65, 121B, 284A. 77) Basil, Reg. Brev., III and IV, P.G. 31, 108A. 78) Apophthegmata, P.G.65, 328C, 352A. 79) Ibid., p. 305A. 80) Ammonas, Parainetika, V.H.P. XI, 62. 81) John Climacus, Ladder XXII, P. 175 and 181. 82) Macarius the Egyptian, Homily IV, V.H.P., XLI, 159. 83) Apophthegmata, P.G.65, 85C. |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
الرهبان والثقافة Monks and Culture
|
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
موقف الرهبان من الثقافة إنَّ مُصطلح ”الثقافة Culture“ كما هو مُستخدم هنا يعني كلّ نوع من الأنشطة الخاصَّة بالكُتُب والنمو العقلي والجمالي، وبصفة عامة مجموع الأعمال والنشاطات الفِكْرية، والرَّهبانية بل والمسيحية في عمومِها لم تعتبر الثقافة هدفًا أو غاية في حد ذاتها لأنَّ أمور كلّ هذا العالم ستبطُل، فالرُهبان الذين جحدوا العالم وكلّ ثقافته لم يقبلوا إلاّ العناصر الثقافية التي رأوا أنها تخدِم أهدافهم، وكان القديسون -وليس الدارسون أو العُلماء- نماذِج وقُدوة كلّ راهب، كما كان الرُّهبان الأوَّلون بصفة خاصة مُتشككون من ”المعرفة العالمية“ إذ رأوا أنها نابعة من منظور وفهم مُختلِف تمامًا للحياة، وكانوا يسعون لنسيان الشِعْر والفلسفة وكلّ صُنوف المعرفة الأرضية التي تعلَّموها في المدارس قبل رهبنتهم وليس بتعلُّم أي شيء جديد (1)، وهكذا كان القديس الأنبا أنطونيوس أب الرُهبان أُميًا تمامًا، فنقرأ في سيرته: ”وحدث أيضًا أنَّ آخرين من مثل هؤلاء (الفلاسفة) التقوا به في الجبل الخارجي، وفكَّروا أن يهزأوا به لأنه لم يتعلَّم الحروف، فقال لهم أنطونيوس: ماذا تقولون؟ ما الذي وُجِد أولًا العقل أم الحروف؟ وأي منهما سبب الآخر؟ فأجابوه: العقل وُجِد أولًا وهو مُخترِع الحروف، فقال أنطونيوس: إذًا كلّ مَنْ له عقل صائِب لا يحتاج للحروف“. (2) وقد اعتُبِرت الرهبنة بصفة عامة أنَّ ”الحروف“ أي المعرفة، وسيلة نافعة لتحقيق أهدافها، فعبَّر القديس باخوميوس المُشرِّع الرَّهباني الأوَّل في قانونه عن اهتمام بتعليم تلاميذه جميعهم (3)، وأمر أن يظل المُبتدئ – قبل قبوله – خارج الباب عدَّة أيام ويتعلَّم كيف يقرأ ويكتُب ويحفظ عن ظهر قلب مقاطِع من الأسفار المُقدسة خاصَّة الصلاة الربانية وأكبر عدد من المزامير يستطيع حِفظه (4)، وبعد قبوله، كان على المُبتدئ أن يتعلَّم ”الأبجدية النُّسْكية“ (أي الفضائِل والجِهادات الرَّهبانية) إذ كانوا يُؤمنون بأهميتها العظيمة بالنسبة للراهب (5)، أمَّا ساعات الفراغ فكان من الضروري أن يشغِلها الراهب بالقراءة في الكتاب المُقدس الذي كان يُحفظ غالبًا، وقد كان هذا الحِفْظ العقلي إجباريًا في دير الأنبا باخوميوس (6). وقد أكَّدت الرهبنة الأولى بشدَّة على حِفْظ المزامير والعهد الجديد، وكان الحِفْظ عملًا شائعًا بين الرُّهبان الأوائِل وعُنصرًا أساسيًا للتعليم في العصور المُبكرة والوُسطى، واعتبره القانون الباسيلي وسيلة نافعة للغاية لتدريب المُبتدئين (7)، ولكن لابد أن نذكُر أنَّ هذا الحِفْظ لم يكُن عملًا أليًا، بل جهد عقلي تأمُلي كما يتضح من ”مُؤسسات“ يوحنَّا كاسيان: ”ليس عدد الآيات التي تُردَّد هو الذي ينبغي أن يكون هدفنا، بل الأفضل أن نُرنِم آيتين بفهم من أن نُرنِم المزمور كلّه بأفكار مُشتتة“. (8) بل وحتّى أثناء تناوُل الطعام في المجمع (المائدة)، كان هناك قراءات يستمِع إليها الإخوة بانتباه حتّى لا تتشتَّت أذهانهم باللذة الجسدية في الطعام، وكانوا يفرحون بكلمات الرب التي هي ”أحلى من العسل وشهد العسل“ كما يقول المزمور الثَّامِن عشر، ولا تزال هذه العادة مُستمرة وحيَّة حتّى الآن في أديُرتنا القبطية العامرة فيُقرأ بُستان الرُهبان أثناء المائدة. وليس فقط الكُتُب المُقدسة بل وأيضًا الكُتُب العادية كانت رفيقًا دائمًا للراهب، وفي ”الأقوال“ وتاريخ بالاديوس وتاريخ ثيؤدورت نقرأ عن العديد من الرُّهبان مُحبي الكُتُب (9)، وفي بعض الأحيان عندما كانوا يعيشون الفقر في أقصى درجاته، كان يُعطي لهم تصريحًا باقتناء الكُتُب، ومن بين القوانين السريانية الرهبانية، هناك قانون للراهبات يمنع الزوار من تقديم أي شيء للدير ما خلا الكُتُب (10)، وعندما كان الرُّهبان يفرغون من قراءة كلّ الكُتُب التي عندهم، كانوا عادة يستعيرون كُتُب أخرى من إخوتهم الرُّهبان، وقد وصلنا خطاب رقيق من راهب قبطي يطلُب أن يستعير كتابًا مكتوب فيه: ”نحيِّي أُبوتكم المُوقرة التقية تعطَّفوا – إذا سرَّكم الأمر – واعطونا كتاب يسوع (ابن) نوح لأنهم يكتبون إلينا (و) نحن لا نجد نُسخة.. تعطَّفوا به.. وداعًا في ربنا يا إخوتي أنبا دانيال، يوحنَّا الكاهن.. من توما الحقير...“. (11) وكان للأديُرة عادة مكتباتها التي تُعتبر كِنزها وذخائِرها، وفي سيرة الأنبا دانيال العمودي (409 – 493 م) نقرأ: ”لأنها عادة في الأديُرة أن تُوضع كُتُب كثيرة مُتنوعة أمام الهيكل، وإذا أراد أي أخ كتابًا فإنه يأخذه ويقرأه“. (12) وفي أغلب الأحيان، لم تتضمن مكتبات الأديُرة كُتُبًا دينية فقط، بل العديد من الكُتُب المُختلِفة (13)، وفي العصر البيزنطي على وجه الخصوص، صارت الأديُرة خزائِن للمعرفة القديمة التي بلغها الكثيرون، فوجد مُحبو المعرفة والتعلُّم فيها أفضل مواضِع يُمكنهم أن يُشبِعوا فيها محبتهم للدراسة، وكان الرُّهبان يُرحبون دومًا بهم. وكانت الأديُرة مسئولة عن حِفْظ التُراث من الاندثار والجهل المُدمِر الذي بدأ يدُق ناقوس الخطر في القرن الخامِس، فقدَّم الرُّهبان خَزَانة آمِنة لسِجلات التاريخ الماضي وذلك بالحِفاظ على المخطوطات والوثائِق. (14) ومن المُثير للدهشة أن نعرِف أنه حتّى القديس باخوميوس نفسه، أوِّل مُشرِّع رهباني، وضع قوانين لحمايِة الكُتُب والمكتبات، فنقرأ: ”إذا أخذ أحد كِتابًا ولم يهتم به بل ازدرى به، يصنع خمسين ميطانية“. (15) وبالإضافة إلى أنَّ العديد من المخطوطات قد حُفِظ نتيجة لهذا الاهتمام الثقافي الرهباني، فإنَّ عددًا كبيرًا آخر قد نُسِخ في المناسِخ الرَّهبانية (وهي حُجرات النُّسَخ في الأديُرة)، إذ بحسب التقليد الرهباني، كان يُنظر إلى نسخ المخطوطات كواجب مُقدس يشترك فيه الرُّهبان ورؤساء الأديُرة، وتُقدِّم لنا السِجلات الرهبانية من عصور وأماكن مُختلِفة معلومات عن عمل نسخ المخطوطات، فمثلًا في وصف بالاديوس لدير الأنبا باخوميوس نقرأ: ”أعمالهم كانت على النحو التالي: واحد يعمل في الأرض، وآخر في المصبغة، وآخر في المنسخ...“. (16) وتتحدَّث ”الأقوال“ عن راهب يُدعى إبراهيم كان نسَّاخًا، وچيروم في إحدى رسائله يتحدَّث عن الرُّهبان الذين يعملون بنسخ المخطوطات، والراهب هيراكس Hierax المُتوحِد والذي عاش في النصف الأوَّل من القرن الرَّابِع، كان خطَّاطًا واستمر يكتُب حتّى تنيّح عن 90 سنة (17)، وفي سيرة مارالوس Marallus والقديسة ميلانيا، نقرأ أنَّ عملهُما كان نسخ الكُتُب، وهكذا نجد أنَّ تقليد نسخ المخطوطات استمر مُتوارثًا عبر تاريخ الرهبنة. ومن البيِّن أنَّ نسخ المخطوطات كان عملًا شائِعًا بين الرُّهبان الأوائِل، وأنَّ محبتهم للتعلُّم والدراسة هي التي حرَّكت أقلامهم، وهذه المحبة حفظت لنا وورثَّتنا ما تبقّى من الأدب اليوناني واللاتيني الذي لو كان الحال غير ذلك لاختفى مثل الأدب البابلي والفينيقي. ولم يكُن نسخ المخطوطات عملًا أليًا، بل كان له تأثير فِكري وروحي مثله في ذلك مثل حِفْظ صفحات الأسفار، فكان عملًا مُقدسًا كما رأينا، ولذلك استُخدِمت صلاة خاصَّة لتبريك المنسخ (حُجرة النسخ): ”أيها الرب تعطَّف وبارِك هذا المنسخ الذي لخُدَّامك وكلّ ما فيه، كي إذا قرأوا هنا أو كتبوا أي كِتابات مُقدسة، يفهمونها وينتفعون منها... بربنا يسوع المسيح آمين“ (من القرن الثَّامِن). (18) وكان هذا العمل شاقًا ومُعقدًا، فبعض الرُّهبان كانوا ينسخون الكتاب، البعض الآخر يجلِّده، آخرون يُزينونه، وأخيرًا، راهب يراجعه ويصحَّح أخطاءه، وكانت هذه الأعمال تتم في حُجرة خاصَّة تُسمَّى ”المنسخ Scriptorium“. وإذ كان الرُّهبان يعيشون بلا تشتُّت في سكون البريَّة، مُنتبهين إلى داخلهم، كان لديهم الكثير من الأفكار والمشاعِر التي عبَّروا عنها في رسائِلهم إلى الإكليروس وإلى المُؤمنين الذين طلبوا نصائِحهم، وأيضًا في الكُتُب التي كتبوها، ومن المُؤكد والمعروف أنَّ اسهاماتِهِم في مجالات الأدب والرسم والموسيقى والعمارة والفنون العملية، كانت مُتميزة وهامة، بل يُمكن القول أنَّ إنجازاتِهِم تُعد من بين أفضل أعمال الإنسانية. (19) |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
المدارس الرهبانية Monastic Schools إنَّ الرهبنة الشرقية، وهي دائمًا مركز للنُّسْك والتصوُّف، لم تقصِد أبدًا أن تكون الأديُرة مواضِع للدراسة، بل للسَّكينة الباطنية والتأمُّل، وكان هدف الرُّهبان ليس أن يُؤثِروا في العالم بل أن يهربوا منه، وفي مرحلة مُبكرة للغاية أكَّدت الرهبنة على أهمية البُعد الدراسي في الحياة المسيحية وصار هناك علاقة وطيدة بينها وبين ”الحروف“ كما رأينا، وأراد باخوميوس أن يتمكن جميع الإخوة من القراءة وأن يحفظوا المزامير ومقاطِع من العهد الجديد عن ظهر قلب، والإخوة الذين لم تكُن لهم دراية بهذه الأمور، كانوا يُعطون دروس ليتعلَّموا كما أسلفنا، وقد أدَّت هذه الأنشطة التربوية التعليمية في الرهبانية الأولى إلى نشأة المدارس الرَّهبانية للأطفال والتي ظهرت في القرن الرَّابِع ولعبت دورًا هامًا للغاية في أوربا في العصور الوسطى. وفي الكنيسة الشرقية، كان قبول الأطفال موضِع جدل ونِقاش، فالرُهبان الأوَّلون وقوانين العديد من الأديُرة كانت تمنع قبول الأطفال ونهت الرُّهبان عن القيام بتعليمهم (20)، ومع ذلك، تبنَّى القديس باخوميوس وآخرون أطفالًا، وكانوا يُعاملونهم مثل المُبتدئين ويضعونهم تحت إرشاد ورعاية رُهبان شيوخ يصيرون آباء روحيين لهم، وكان الرُّهبان يُعلِّمونهم تعاليم روحية أكثر منها فِكرية. وقد سمح القديس باسيليوس أيضًا للأطفال بدخول الأديُرة ووضع لهم نظامًا تعليميًا، كما سمح أيضًا – بعد قدر من التردُّد – للأطفال الذين لم يكونوا يُريدون أن يترهبوا بل يعيشون في العالم أن يحضروا دروس يُعطيها لهم الرُّهبان إذا رغب والدِهِم أن يُرسلاهُم (21)، ذلك أنه رأى في الأديُرة مكانًا نموذجيًا للمدارس لأنها مواضِع هادئة، وحدَّد في قانونه أن تُبنى مباني خاصَّة لتُستخدم كمدرسة... كذلك كان يوحنَّا فم الذَّهب مُؤيدًا أيضًا لفكرة المدارس الرَّهبانية. (22) ويبدو أنه في نهاية القرن الرَّابِع، كانت بعض المدارس الديرية قائمة بالفِعْل، وقد تعلَّم فم الذَّهب في مدرسة هكذا في أنطاكية، وچيروم أيضًا كان عنده مدرسة للأولاد الرومان في ديره في بيت لحم، حيث كان يُدرِّس لهم النحو والشِعْر والتاريخ. (23) أمَّا فيما يختص بالمنهج الذي يُدرَّس وطُرُق التدريس في المدارِس الرَّهبانية، فلا تتوفر لدينا معلومات وافية من المصادر الرَّهبانية، بيد أنه يُمكننا أن نستقي بعض المعرفة عنها من قانون باسيليوس ومن كتابات أخرى، رغم أنه لم يكُن هناك منهج ثابت مُوحد في سائِر المدارِس. يرى القديس باسيليوس – مُتفِقًا في ذلك مع أفكار أفلاطون وأرسطو – أنَّ الطفل (24) يجب أن يبدأ دراسته بالمدرسة في سِنْ السَّابِعة، ويبدأ الأطفال بتعلُّم الأبجدية، إذ يكتُب لهم مُدرِسوهم حروفها بشكل واضح وهم ينسخونها، وأثناء ذلك ينطقونها بصوتٍ عالٍ. وكانت الأسفار المُقدسة، وبالأخص سِفْر المزامير، تُستخدم كنصوص للقراءة، ونَصَحْ القديس إيسيذروس الفرمي باستخدام أمثال سُليمان التي وجدها باسيليوس أيضًا نافعة في هذا المضمار. (25) وبحسب باسيليوس، كانت هذه المدارِس تدرِس التاريخ – الذي اعتبره باسيليوس مادّة هامة للغاية – والأحياء (26) والموسيقى التي كانت تُعتبر ذات تأثير نافِع على الأطفال، كما يُؤكِد فم الذَّهب على أهمية وفائدة الألحان الكنسية. ولم يكُن باسيليوس مُؤيِدًا لتدريس الرياضيات والفَلَكْ، أمَّا التربية الرياضية فلم تكُن مُتضمنة في المنهج لأنها كانت تُعتبر ذات أهمية ضئيلة للغاية...ومن بين الفنون العملية، كان التلاميذ في المدارِس الرَّهبانية يتعلَّمون الزراعة، البُناء، الحِياكة، الشُغْل بالجِلْد، ومهارات أخرى نافعة. وينصح باسيليوس (27) المُدرسين أن يكونوا واضحين ومُوجزين، وأن يستخدموا لُغة بسيطة سهلة، وأن يبتعدوا عن المعاني المُجرَّدة والشرح المجازي للموضوعات. ويُريد باسيليوس (28) أن يكون المُدرِس ناضجًا في السِنْ، مُختبِرًا، مُؤثِرًا، لأنَّ أحد مُتطلبات التعليم هو احترام الطُّلاب لمُدرسهم وثِقتِهِم فيه لكنه أراد أيضًا أن يكون المُعلِّم تقيًا مُتضعًا. أخيرًا لابد أن نذكُر أنه في العصور البيزنطية المُبكِرة، كان للمدارِس الرَّهبانية تأثير محدود بسبب ضآلة عددها، ولأنها كانت لأجل تعليم هؤلاء الذين يُنذِرون أن يترهبوا أكثر منها لتعليم الأطفال الذين لن يترهبوا، وهكذا كان القصد من هذه المدارِس هو تعليم الأشخاص الذين داخل إطار الرهبنة. وباختصار، كان الرُّهبان مُهتمين بالثقافة العقلية والفِكْرية بقدر ما هي تسهم في خدمة أهدافهم الروحية، وفي الوقت عينه، كان لهم اسهاماتِهِم للأدب وللفنون الرفيعة، وقد علَّق هارناك Von Harnak على ذلك بقوله أنَّ كلّ ما هو جميل يأتي من هؤلاء الذين جحدوا العالم. وقد قدَّم الرُّهبان بالفِعْل خدمة جليلة للفنون والشِعْر والعلوم، لكن هذا الاسهام الحضاري لم يكُن مقصودًا إلى حدٍ ما، فالراهب لم يكُن يهدِف أبدًا إلى كتابِة قصيدة شِعْر بل يُريد نوال رحمة الله ولذلك يكتُب صلاة، أو يُريد أن يرسِم أيقونة ليُعبِّر عن حُبُّه لله وليس لأسباب فنية فبينما نحن ننظُر إلى هذه الأعمال كقِطَع من الفن الرفيع والأدب، اعتبرها الرُّهبان ببساطة وسيلة لتحقيق أهدافهم... فالرهبنة لم تبغَ قط أن تخلِق فنّانين وعُلماء بل فقط قديسين، وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير للغاية. (29) |
رد: كتاب التربية عند آباء البرية | آباء الكنيسة كمربين القمص أثناسيوس فهمي جورج
مراجع الجزء الأخير https://st-takla.org/Pix/Books/Genera...References.gif 1) H. Marrou, History of Education, p. 439. 2) Athanasius, Vita Antonii, P.N.F. IV, 215. 3) Pachomii Praecepta, P.G. 40, 949A. 4) Pachomius Rule, quoted in P. Monroe in A Text Book in History of Education, p. 256. 5) John Climacus, Ladder XXVI, p. 204. 6) Palladius, Historia Lausiaca XL, P.G. 34, 1105B and 1034B. 7) Basil, Reg. Brev., XCV, P.G. 31, 1084C and Ibid., CCXXXV, P.G. 31, 1240C. 8) John Cassian, quote. In Workman's Evaluation of Monastic Ideal, p. 131. 9) Gerontikon, p. 118A. 10) A. Voobus, History of Asceticism, Tomus 17, p. 388. 11) Varia Coptica, ed. W. Crum, p. 32. 12) El. Dawes, "Life of St. Daniel" ed. Dawes, Three Byzantine Saints, p. 8. 13) A. Voobus, History of Asceticism, Tomus 17, p. 389. 14) Er. Goodenough, The Church in Roman Empire, p. 116. 15) Pachomius, Poenai, V.H.P., XL. 128. 16) Palladius, Historia Lausiaca, P.G. 34, 110B. 17) Epiphanius of Salamis, Contra Hereses II, P.G. 42, 176. 18) J. O`Connor, Mansticism and civilization, p. 113 and 122. 19) Fr. Eby, History and Philosophy of Education, p. 638. 20) Ph. Koukoules, Bios Byzantinon, I, 36. 21) Basil, Reg. Fus., XV, P.G. 31, 953. 22) Chrysostom, Adversus Oppugnatores, III, P.G. 47, 380. 23) Rufinus, Apology II, 8, P.N.F. III, 464-465. 24) Plato, The Laws Z, 796C, ed. E. England, p. 60. Aristotle, Politica H.A., ed. W. Ross, p. 251. 25) Basil, Homilia in Psalmum 1, P.G. 29, 212. Isidorus of Pelusium, Epistola, P.G. 78, 1092. Basil, Reg. Fus. XV, P.G. 31, 953C. 26) Basil, Homilia II in Hexameron, ed. J. Garnier, I. 27) Basil, Scholum. P.G. 36, 1205. De Baptismo II, 6, ed. J. Garnier, II, 639. Homily IX to Hexameron, ed. J. Garnier, I, 80. 28) Basil, Reg. Fus., XV, P.G. 31, 953. 29) Ed. Myers, Education in the Perspective of History, p. 169. |
الساعة الآن 09:43 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025