![]() |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الأمور الصغيرة هذا يحذرنا منه سفر النشيد قائلًا "خذوا لنا الثعالب الصغيرة، المفسدة للكروم" (نش2: 15). وهنا نجد تحذيرًا هامًا وهو: مع أنها صغيرة، إلا مفسدة للكروم. أول خطر لهذه الثعالب الصغار أنها تستطيع الدخول إلى النفس. الثعالب الكبيرة ربما لا تجد في سياج البستان تدخل منها. أما الصغيرة فدخولها سهل. الخطايا الكبيرة ربما يحترس منها الإنسان جدًا، ويبتعد عنها، وينفر منها، لذلك فالشيطان قد يؤجل محاربته بها، مادام هو منتبهًا لها. الأمور الصغيرة، فيحاربه بها: يحاربه بها، لأنه لا يحترس منها، ولا يهتم بها. تقول لإنسان مثلًا: احذر من العثرات. فيقول لك في استغراب: "عثرات؟! وهل مثلي يخاف من هذه الأمور الصغيرة؟! إنها قد تحارب الصغار أو المبتدئين. أما نحن فقد كبرنا عن أمثال هذه الأمور"... لهذا يحاربه الشيطان بها... من كان يظن أن أبانا إبراهيم حبيب الله، يخاف ويقول عن زوجته سارة إنها أخته، فيأخذونها ويستبقونه؟! لاشك أن الخوف والكذب من الأمور الصغيرة بالنسبة إلى رجل روحاني عظيم مثل أبينا إبراهيم أبي الآباء والأنبياء...! إن تنجيس الإنسان لا تلزمه خطية كبيرة مثل الزنا، إنما يكفي لذلك خطية من اللسان الذي "يدنس الجسم كله" (يع3: 6). إنه "عضو صغير "ولكنه "عالم الإثم"، "شر لا يضبط، مملوء سمًا مميتًا" (يع3: 5، 8)، إنه ينجس الإنسان، كما قال الرب "ليس ما يدخل الفم، فمن القلب يصدر. وذاك ينجس الإنسان... أما ما يخرج من الفم، فمن القلب يصدر. وذاك ينجس الإنسان" (متى15: 11، 18). والعجيب أن خطية اللسان يقنعك الشيطان أنها من الأمور الصغيرة. حقًا إن شيطان الأمور الصغيرة، يمكن أن يهلك الإنسان. فيمكن أن تغرق سفينة بسبب ثقب صغير في قاعها... والإنسان لا يشترط أن يكون موته بواسطة وحش كبير يفترسه، إنما يكفي لموته ميكروب صغير لا يري بالعين المجردة... لقد قال السيد الرب في عظته على الجبل: "ومن قال يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنم" (متى5: 22). ما أسهل أن يقنعك الشيطان بأن كلمة (أحمق) وأشباهها هي من الأمور الصغيرة! وربما كان حنانيا وسفيرا يظنان أن خطيتهما أيضًا هي من الأمور الصغيرة، وقد هلكا بها (أع5: 1-11). وربما ظن سليمان أن زواجه بالأجنبيات هو من الأمور الصغيرة، وقد رأينا نتائجه الخطية جدًا على خلاص سليمان نفسه (1مل11: 1 - 11). إن "الأمور الصغيرة "قد لا تكون صغيرة فعلًا. الشيطان يسميها هكذا، ولكنها قد لا تكون كذلك... وربما توصل إلى أخطر النتائج، كما حدث مع سليمان وداود وحنانيا. وقد تتحول هذه الأمور الصغيرة إلى أشياء خطيرة جدًا... إن الله يختبر إرادتنا بأي اختبار مهما بدا بسيطًا، لكنه يكشف نفسيتنا من الداخل، كما اختبر آدم وحواء بثمرة من ثمار الجنة. فما هي هذه الأمور الصغيرة؟ ومن أمثلتها؟ ربما تكون مثل تمسك الإنسان برأيه، وعدم استشارته لأحد. وقد يقول له الشيطان "وماذا في ذلك؟ أي خطأ فيه؟ وهل لابد أن تستشير؟ وهل عقلك لا يكفي؟!". وقد تكون الأمور الصغيرة مثل قليل من التساهل مع الحواس والقراءات والسماعات... أو عدم التدقيق في الكلام، أو عدم لوم النفس في كل أخطائها. طريقة الخلاص من شيطان الأمور الصغيرة هي حياة التدقيق. كذلك التمسك بفضيلة "الأمانة في القليل "فالرب يقول "الأمين في القليل، أمين أيضًا في الكثير" (لو16: 10). |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
التأجيل إن الشيطان يريد بكل جهده أن يمنعك عن العمل الروحي. إما إن وجدك مصرًا على العمل، فإنه يدعوك إلى التأجيل. يقول لك: لماذا الإسراع؟ الأمر في يدنا نستطيع أن نعمله في أي وقت. ربما التريث يعطينا فكرة لفحص الأمر أكثر، أو لاختيار أسهل السبل الموصلة إليه، أو يعطينا مزيدًا من الاقتناع.. على أية الحالات عندنا بعض أمور هامة في أيدينا، ننتهي منها أولًا. ثم نأتي إلى هذا الموضوع. والمقصود بالتأجيل هو إضاعة الحماس للعمل، أو إضاعة الفرصة، أو ترك الموضوع فترة لعلك تنساها، أو يحدث ما يغطي عليه... كأن تأتيك مشغولية كبيرة نأخذ كل اهتمامك ووقتك، أو يحدث حادث يعطلك، أو تحدث عوائق معينة تضع صعوبات أمامك في التنفيذ، أو يلقي الشيطان في طريقك بخطية تفتر بها حرارتك الروحية، فلا تنفذ ما كنت قد نويت عليه وأجلته... نتذكر أن الابن الضال لما أتاه الشعور أن يقوم ليذهب إلى أبيه، قام فعلًا وذهب (لو15: 18، 20). ولو أنه أجل، ما كنا نضمن كيف تنتهي قصته. ومن أمثلة مضار التأجيل ما حدث لفيلكس الوالي والملك أغريباس: بينما كان القديس بولس الرسول يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون، ارتعب فيلكس وقال للقديس بولس "أما الآن فأذهب. ومتى حصل لي وقت أستدعيك" (أع24: 25). وبالتأجيل ضاع التأثر الذي كان عند فيلكس هذا. ولم يحصل له وقت، ولم يستعد بولس. كذلك أغريباس الملك، بينما كان القديس بولس يترافع أمامه، قال له: أتؤمن أيها الملك أغريباس بالأنبياء؟ أنا أعلم أنك تؤمن. فقال أغريباس لبولس "بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا"، وبالتأجيل، لم يحصل أغريباس على هذا القليل ليقتنع ولم يذكر الكتاب أنه آمن. ربما إحدى زيارات النعمة تدعوك، فإن أجلب ضاع تأثيرها. إن فرصة في يدك، والحماس في قلبك، فأعمل عمل الرب ولا تتهاون ولا تؤجل، لأن التأجيل بما يكون خطوة إلى الإلغاء. والشيطان يقصد به ذلك. إنه لا يريد أن يمنعك في صراحة. ولكنه في لباقة يمنعك فعلًا... بالتأجيل. فاحترس منه. لا تؤجل التوبة، ولا الصلاة، ولا عمل الخير جملة. والكتاب يقول "لا تمنع الخير عن أهله، حين يكون في طاقة يدك أن تفعله. لا تقل لصاحبك: أرجع فأعطيك غدًا، وموجود عنك" (أم3: 27، 28). هذا عن عمل الخير من نحو الغير. كذلك من نحو نفسك. فكلما يتكلم روح الله في داخلك، لا تؤجل الاستجابة لندائه. فالرسول يقول أكثر من مرة "إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم" (عب3: 7، 15). إذن التأجيل لون من ألوان قساوة القلب. والشيطان يدعوك إلى هذه القساوة، فيما يدعوك إلى التأجيل، أو هو يجعلك تعتاد قساوة القلب لتستمر بعيدًا عن الله. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
المشغولية بمشغوليات كثيرة يريد الشيطان أن يعطيك عن أي عمل روحي تعمله. هولا يريدك مطلقًا أن تجلس مع الله، أو أن تجلس مع نفسك. لأنه يخشى أن هذا الأمر بفصلك عنه ويلصقك بالله، وهذا أخشى ما يخشاه... فإن رآك الشيطان مواظبًا على صلواتك وقراءاتك، ومواظبًا على الاجتماعات الروحية وكل وسائط النعمة التي تنمى محبة الله في قلبك، حينئذ يحاربك بالمشغولية. وتكون إما مشغولية مؤقتة لتعطيل عمل معين، أو مشغولية دائمة، وهذه أخطر... قد تكون المشغولية عملًا إضافيًا، يأتيك منه ربح مادي. بحيث لا توجد معه وقتًا تتفرغ فيه لله. ويقنعك أن هذا العمل لازم جدًا لمعيشتك ولا يمكنك الاستغناء عنه. ومثل ذلك أيضًا ما يعرضه على البعض من دراسات عليا، أو بحوث، لتحسين مستواه العلمي، بحيث ينتهي من بحث ليجد آخر أمامه... وقد تكون المشغوليات التي يقدمها خدمات كنسية تعطل وقت الصلاة. الذى يرفض المشغوليات المادية، يقدم له خدمات كنسية، ويقنع ضميره بأهميتها. ونحن لا نعارض الخدمة، إنما المفروض أن تكون في حدود معينة بحيث لا تعطل الصلاة ولا التأمل ولا القراءة الروحية، ولا الصلة الخاصة بالله. ليس فقط من أجل روحانية الخادم، بل أيضًا لنجاح الخدمة. فالخادم إذا كثرت مشغولياته بحيث تفتر معها روحياته، لا تكون خدمته ناجحة ولا تكون لها تأثير قوى. لأن جفاف حياة الخادم الروحية، يجعل خدمته روتينية أو عقلانية، لا تدخل إلى أعماق القلب، ولا تخاطب الروح... وما أكثر الخدام الذين تجدهم مشغولين كل الوقت بأنواع أنشطة لا تنتهي، ولا يجدون وقتًا يصلون فيه صلاة، أو مزمورًا، أو ينفردون فيه مع الله. يعيشون على الرصيد الروحي القديم الذي كان لهم، دون جديد يضيفونه إليه، وحياتهم مهددة بالضياع... هنا الشيطان لا يحارب العمل الروحي. ولكن لا يعطيه وقتًا. لا يمنعك من الصلاة ولا من التأمل والقراءة، ولا من الترتيل والتسبيح ولا من المطانيات ولا من محاسبة النفس، بل قد يجعلك تلقي دوسًا ومحاضرات عن هذه الوسائط الروحية وفائدتها. ولكنه لا يترك لك وقتًا لممارستها. وتصبح -كما قال أحد الأدباء الروحيين- مثل الأجراس التي تدعو الناس إلى دخول الهياكل، دون أن تدخل هي إلى الهياكل، دون أن تدخل هي إلى الهياكل! حقًا ما أجمل قول أحدهم "قضيب عمرك في خدمة بيت الرب، فمتى تخدم رب البيت؟!"... هذا بالنسبة إلى الخدام. أما الأشخاص العاديون، فما أكثر مشاغلهم. هناك مشغوليات الزيارات، والأحاديث والجدل والمناقشات. ومشغوليات الجرائد والمجلات، والأخبار والتعليق عليها. ومشغوليات التسلية وهي كثيرة تشمل الكبار والصغار. أنظر إلى مباريات الكرة مثلًا، وتأمل كم تأخذ من وقت الناس ومن مشاعرهم ومن حماسهم ومن تعليقاتهم...! وهناك أيضًا المشغوليات الفكرية والاجتماعية، ومشغوليات المشاكل وهموم العالم الحاضر، والمشغوليات المالية والاقتصادية... حتى الأطفال تشغلهم برامج التلفزيون، ورواياته، وقد تعطلهم عن الكنيسة. والكبار أيضًا تشغلهم هذه البرامج وتعطلهم! |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
إنه عالم مشغول إن الله يطل من سمائه على العالم، فيجده عالمًا مشغولًا. إنه عالم يجري بسرعة، لا يجد وقتًا يتوقف فيه ليفكر إلى أين هو ذاهب...! وهو أيضًا عالم صاخب، كله أحاديث وضوضاء ومناقشات وانفعالات... وأين الهدوء اللازم للعمل الروحي؟ غالبًا ما تبحث عنه فلا تجده...! حتى أن كثيرًا من رجال الإكليروس الذين كرسوا أنفسهم للرب، وأصبحوا "نصيب الرب"، تجدهم أيضًا مشغولين عن الرب بأمور كثيرة! إن حرب (مرثا) حرب قائمة ودائمة، كما يبدو في عالمنا الحاضر "أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، والحاجة إلى واحد" (لو10: 41، 42). أما أنت يا إبن الله وصورته، فينبغي أن يكون لك الطابع الروحي. ليكن الله في مقدمة مشغولياتك، إن لم يكن شاغلك الوحيد. عملك الروحي، وصلتك بالله، وحياتك الروحية، ينبغي أن تكون باستمرار في مقدمة مشغولياتك وفي توزيع وقتك، وبعد ذلك كل شيء. ضع خلاص نفسك أولًا، وأبديتك أولًا. ثم رتب باقي مسئولياتك مهما كانت أهميتها. وتذكر في ذلك قول الرب: ماذا ينتفع الإنسان، لو ربح العالم كله وخسر نفسه!" (متى16: 26). وإن خسرت نفسك، ماذا تعطي عوضًا عن نفسك؟! وكل أولئك الذين ماتوا وتركوا هذا العالم، بماذا نفعتهم مشغولياتهم؟! ولما تركوا هذه المشغوليات بموتهم، هل ارتبك العالم؟ كلا، طبعًا. هذا العالم قال عنه الحكيم: "الكل باطل وقبض الريح. ولا منفعة تحت الشمس" (جا2: 11). ابدأ صباحك بالله، قبل أية مشغولية أخري. ليكن الله "في البدء". قل له "يا الله أنت إلهي. إليك أبكر. عطشت نفسي إليك" (مز63: 1). ونظم وقتك بحيث لا تطغي أية مشغولية على الوقت الذي تقضيه مع الله. ولا تخرج من منزلك قبل أن تقوم بكل واجباتك الروحية. ولا تجعل شيئًا يفوق روحياتك مهما كان ريحه، ومهما كانت قيمته أو أهميته... إن الشيطان دائمًا يضخم في أهمية المشغوليات التي تعطلنا. أو يضخم في إغرائنا بهذه المشغوليات. ولكن لا يوجد مطلقًا ما هو أهم من الله في حياتك. ولا يصح أن تضحي بعلاقتك مع الله من أجل أي شيء، أو أي شخص، أيًا كان. هوذا الرب يقول "من أحب أبًا أو أمًا... أو ابنة أكثر مني، فلا يستحقني" (متى10: 37). فكم هي أقل، باقي الأمور! لذلك إن أتتك مشغولية جديدة، فكر كثيرًا قبل قبولها. لأن الشيطان قد لا يكتفي بمشغولياتك الحالية التي تعطلك، فيحاول أن يضيف إليها مشغوليات أخري، لكي ترتبك..،ويقدم لك في كل يوم عروضًا ربما تكون سخية، ليشغلك بها. أما أنت فكن محترسًا. وضع روحياتك أمامك، قبل كل المشغوليات.. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الفهم الخاطئ لمحبة الله لا يناقش أحد في محبة الله لنا، وفي أهمية محبتنا له. ولكن الشيطان قد يقدم مفهومًا خاطئًا لهذه المحبة. بحيث أنه يمكن للإنسان أن يخطئ كما يشاء، معتمدًا على محبة الله ورحمته ومغفرته، ومعتمدًا على الخلاص الذي قدمه على الصليب! وكأن محبة الله تقود إلى الاستهتار وإلى التراخي! حاشا، فإن الكتاب يقول "أم تستهين بغني لطفة وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة. ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب، تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب..." (رو2: 4، 5). ويقول أيضًا "هوذا لطف الله وصرامته. أما الصرامة فعلي الذين سقطوا. وأما اللطف فلك إن ثبت في اللطف، وإلا فأنت أيضًا ستقطع" (رو11: 22) إن الشيطان يقدم محبة الله، بأسلوب يضيع مخافته! ويستغل إلى أبعد الاستغلال - بتفسير خاطئ - قول القديس يوحنا "لا خوف في المحبة. بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج" (1يو4: 18). وهكذا يحاول أن ينزع مخافة الله من قلوب الناس باسم المحبة، بينما الكتاب يقول "رأس الحكمة مخافة الرب" (مز111: 10). هنا وأستأذنكم في طبع كتاب لي عن (مخافة الله)، وعلاقة هذه المخافة بالمحبة. كنت قد جهزته منذ أكثر من عام، وأعلنت عنه، ثم أرجأت طبعه. وفي صميمي أري نشره لازمًا، لأن كثيرين يستغلون محبة الله استغلالًا خاطئًا يبعدون به عن الحرص الروحي، وربما يقعون به في اللامبالاة. وكل هذا من حيل الشياطين!! حقًا إن الله محب جدًا وغفور، ولكنه أيضًا عادل وقدوس. وإن كان الله غير محدود في محبته، فهو أيضًا غير محدود في عدله، وغير محدود في قداسته. وقداسة الله لا تقبل الخطية. وعدله يعاقب عليها... هذا من جهة محبة الله لنا. وماذا عن محبتنا نحن الله؟ الشيطان يصور محبتنا لله، كمجرد مشاعر، لا أكثر! بينما محبتنا لله هي في مفهومها السليم، المحبة العملية "لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (1يو3: 18). ومن يحب الله، لا يخالفه، لا يعصاه، لا يفعل ما يغضبه. ولذلك ارتبطت محبتنا لله بطاعته وحفظ وصاياه. والرب قد قال "عن حفظتم وصاياي، تثبتون في محبتي" (يو15: 10)، "إن أحبني أحد يحفظ كلامي" (يو14: 23)، وقد قال القديس يوحنا الحبيب "هذه هي محبة الله، أن نحفظ وصاياه" (1يو5: 3). ومحبتنا لله، معناها أننا لا نحب العالم وكل شهواته. لأن الكتاب يقول "إن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب" (1يو2: 15). ويقول أيضًا "محبة العالم عداوة لله" (يع4: 4). فلا يخدعنك الشيطان ويقول لك: يكفي أن تحب الله، وافعل ما تشاء! ويقصد تفعل ما تشاء من الأخطاء أو التقصيرات! إن هذا فكر شيطاني، يقصد به أنك لا تلوم نفسك على أخطائك، وبالتالي تبقي فيها غير شاعر بأهميتها! كما أنه يصور المحبة بمفهوم خاطئ، كأنها مجرد مشاعر، بلا عمل يدل عليها. وهو بهذا يهز القيم الروحية في نظرك... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
هزّ المبادئ والقيم الشيطان يشن على العالم الآن حربًا فكرية، يريد بها أن يقدم مبادئ جديدة ومفاهيم جديدة، تخدم أعراضه التي يريدها. وفى هذه الرب يحاول أن يهدم القيم والتقاليد، وكل المسلمات. يشكك الناس فيها كلها. ويتهم كل من يتمسك بالتقاليد القديمة، بأنه رجعى أو متخلف، أو "دقة قديمة "غير متحضر!! كما لو كان القديم سبة ينبغي التخلص منها! إنها ثورة من الشيطان على القيم، وعلى العقائد أيضًا. يريد الشيطان أن يكون تيارًا عامًا خاطئًا، كل من لا يسلك بمفاهيمه، يهاجمه المجتمع ويتهكم عليه! حتى أصبح كثير من المسلمات موضع جدل ونقاش! ما هي الفضيلة؟ وما هو الدين؟ وما هو الدين؟ وما هي الحقوق وما هي الواجبات؟ بل ما هي العلاقة بين الأب وابنه في مفهوم الحرية؟ لقد أعطى الشيطان في حيلنا مفهومًا منحرفًا للحرية... أراد في هذا المفهوم أن يقنع الإنسان بأنه حر يفعل ما يشاء، ويعتنق ما يشاء من أفكار أو عقائد، وينشرها، بلا أي قيد على الإطلاق، مهما كانت آراؤه أو معتقداته أو تصرفاته خاطئة، ومهما كانت خطرة على المجتمع...! والمعروف أن الحرية المطلقة لا يوافق عليها أحد... فالإنسان له أن يمارس حريته، بحيث لا يعتدي على حريات وحقوق الآخرين، وبحيث لا يسئ إلى المجتمع، ولا يحطم ما فيه من قيم وأخلاقيات. أما أن يمارس حرية بلا شروط ولا تحفظات، فإن الحرية حينئذ ستكون مجالًا للإباحية والاستهتار، ومجالاُ للانحراف الفكري، دون ضابط! وإن كان الله قد منح الإنسان حرية، فإنه وضع له إلى جوار هذه الحرية وصايا ينفذها. كما أن الله سيحاسب الإنسان على مدى استخدامه لهذه الحرية، ويعاقبه إن كان قد أساء بها إلى نفسه أو إلى غيره. والحرية المطلقة التي يدعو إليها الشيطان، لها أخطار سلوكية وعقائدية: فالأخطار السلوكية نذكر كمثال لها الحرية التي أراد أن يسلك بها الهيبز hippies والبيتلز beatles وبعض الوجوديين الملحدين. بحيث لا مانع من أن يسيروا عراة في الطريق العام، أو أن يمارسوا الجنس بلا خجل، ويخدشوا حياء المجتمع...! ومثال لهذه الأخطاء أيضًا كل المناهج الإباحية، وكل العثرات التي يصادفها المجتمع، وتدفعه دفعًا إلى الفساد، ولا مانع عند الشيطان من ذلك، باسم الحرية. وفي الواقع هذا خداع. فهناك مفهوم سليم للحرية من الناحية الروحية... فالحرية الحقيقية هي أن يتحرر الإنسان من الداخل، من الأخطاء: يتحرر من الشهوات والرغبات الخاطئة، ومن العادات المسيطرة عليه التي تفقده حرية إرادته. أما إن حقق الإنسان رغباته ونزواته بكل ما فيها من انحراف، واستمر مستعبدًا لها، خاضعًا للجسد وللمادة التي تقوده، فماذا ستكون النتيجة إذن؟! حتمًا إن العالم المستعبد لنزواته سيصل إلى كراهية الله الذي يقف ضد هذه النزوات. وهذه هي خطة الشيطان الماكرة! أن يسعى إلى أن يكره الناس الله، ويعتبرونه عدوًا لهم، لأنه يضيع حرياتهم، ويلغى وجودهم، ويقف ضد رغباتهم...! وبدلًا من أن يصححوا رغباتهم ويصيروا أنقياء، فإنهم يتمسكون بهذه الرغبات ويعادون الله بسببها! |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
حرية الاعتقاد شيء، و الهرطقة شيء آخر والشيطان أيضًا ينشر حرية بلا قيد في الفهم اللاهوتي. بحيث أن كل إنسان يفسر الكتاب كما يشاء، ويفهم منه ما يشاء، وينشر ما يفهمه. وبهذا تتبلبل الأذهان وسط مفاهيم خاصة. وأمكن بهذه الحيلة أن توجد مئات المذاهب داخل المسيحية. سببها هذه الحرية الخاطئة التي يقولون فيها إن كل إنسان له حرية الاعتقاد دون الخضوع لسلطة دينية!! إن الكنيسة لها إيمان واحد. وليست هي مجموعة متناقضات. هذا الإيمان علم به الكتاب المقدس، فقال "رب واحد، إيمان واحد" (أف4: 5). ولجمهور المؤمنين "قلب واحد، ونفس واحدة" (أع4: 32). والكنيسة هي جسد واحد، مهما تعددت أعضاؤه، وهذا الجسد رأسه المسيح (أف5: 23). ومادام رأسها هو المسيح، فباستمرار لها فكر المسيح (1كو2: 16). وفكر المسيح واحد لا تناقض فيه. فماذا إذن عن حرية الاعتقاد؟ ما حدودها؟ نحن لا نعارض أن كل إنسان له حرية الاعتقاد. ومحال أن يعتقد شيئًا على الرغم منه. فالذي له اعتقاد الكنيسة يصير عضوًا في الكنيسة. ومن ليس له اعتقادها يبقى خارجًا عنها، بكامل حريته. ويبقى للكنيسة إيمانها الواحد. والكنيسة لا تتعدى على حرية أحد، ولا ترغمه على الأيمان. ولكن: ليس لأحد أن يدعى عضويته في كنيسة لا يؤمن بمعتقداتها. وهنا يكون دفاع الشيطان عن الحرية لا معنى له. فالحرية موجودة. ولكن كل من يقبل أن يكون عضوًا في كنيسة عليه أن يلتزم بعقائدها. وهذا أمر بديهي. فإن لم يلتزم بعقائدها، يكون قد خرج منها بإرادته. وينطبق عليه قول القديس يوحنا الحبيب "منا خرجوا،ولكنهم لم يكونوا منا. لأنهم لو كانوا منا، لبقوا معنا" (1يو2: 19). نقول هذا، لأنه باسم حرية الاعتقاد، نجد أنه في بعض كليات اللاهوت، في جهات كثيرة من العالم، يدرس المحاضرون ما يشاءون دون الالتزام بعقيدة الكنيسة التي ينتمون إليها، أو التي يدرسون عقائدها. فيدخل الأستاذ إلى المحاضرة، ويقول الذي يعجبه! وهكذا وجد في بعض الكليات أساتذة لاهوت ملحدون!! وأفلح الشيطان، باسم الحرية الزائفة، أن يضرب ضربته وينجح!! أما الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية، الملتزمة "بالإيمان المسلم لنا من القديسين" (ية3)، فلم تسمح بهذا مطلقًا، بل كانت تحكم بحرم المبتدعين والمنحرفين وإخراجهم، لكي تبقي الكنيسة بإيمان واحد، تسلمه سليمًا للأجيال المقبلة. وهكذا قال القديس بولس الرسول في قوة: "إن بشرناكم نحن، أو ملاك من السماء، بغير ما بشرناكم به، فليكن أناثيما" (غل1: 8). وقال القديس يوحنا الحبيب "إن كان أحد يأتيكم، ولا يجيء بهذا التعليم، فلا تقبلوه في البيت، ولا تقولوا له سلام. لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة" (2يو10، 11). إنه حزم شديد من أكثر الرسل حديثًا عن المحبة. لذلك كانت الكنيسة حريصة على الإيمان، تدافع عنه ضد أي انحراف. ولا تقبل مطلقًا أي انحراف إيماني يدخل إلى الكنيسة باسم الحرية! لينشر أفكارًا خاصة...! لذلك فإن الشيطان لا يقبل سلطان الكنيسة، ويحارب السلطان الكهنوتي. خذوها قاعدة ثابتة على مدي أجيال التاريخ: كل من ينحرف في عقيدته، إذا لم يتب، لابد أن يحارب السلطان الكهنوتي، أي يحارب القوة التي تحكم على انحرافه بسلطان من الله (متى18: 18، يو20: 23). ولما كان الشيطان ينشر أفكاره وانحرافاته في كل ميدان، وليس في محاربة الكنيسة وحدها، لذلك فقد لجأ الشيطان إلى حيلة معروفة وهي: الوقوف ضد السلطة عمومًا، في كل مجالاتها... ويقصد طبعًا أن يقف ضد كل سلطة سوف لا تقبل الانحراف أو الخطأ، بل تحاربه وتمنعه أو تعاقبه، وذلك لكي يستمر الخطأ... فهو يحارب سلطة الأب في الأسرة، دفاعًا عن شخصيته الأبناء! وهو يحارب سلطة المعلم في الكلية أو المدرسة، لخلق جيل قوي! وهو يحارب سلطة الدولة، باسم الديمقراطية وحقوق الشعب! وهو أيضًا يحارب سلطة الله، لكي يشعر الإنسان بوجوده هو! وبالتالي يحارب سلطة الإكليروس، كوكلاء لله على رعيته (تى1: 7). الشيطان لا يريد وجود رقيب يضبط الأخطاء ويقومها. بينما الله يقول "قد جعلتك رقيبًا... فاسمع الكلمة من فمي، وانذرهم من قبلي" (حز3: 17). يريد الشيطان أن تبقي كل الأمور، بلا ضابط، بلا رقيب، بحرية طائشة، كما يقول الكتاب عن عهد القضاة: ولم يكن ملك في إسرائيل في تلك الأيام. وكان كل واحد يفعل ما يحسن في عينيه" (قض17: 6)... كل واحد يعمل ما يعجبه، وينشر ما يعجبه من آراء ومعتقدات. وإن وقفت ضده سلطة يهاجمها، بل يهاجم مبدأ السلطة عمومًا!! وهذه خطة الشيطان... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الانقياد للتيار العام قد يكون التيار العام كله خاطئًا، يدعوك الشيطان أن تخضع لهذا التيار، وتكون مثله! وقد يهمس في أذنيك: الكل هكذا... لماذا تشذ أنت، ويكون لك أسلوب خاص؟! والجواب أننا نتبع الحق أيًا كان موقعه، في جانب الأغلبية أو الأقلية. فإن كانت أغلبية الناس في خطأ، فإننا لا نتبعها. وهكذا فعل أبونا نوح: كانت كل الناس في عهده أشرارًا، وكان هو وحده البار مع أسرته. ما أسهل أن تكون الغالبية كلها مخطئة، أو الجيل كله. الغالبية في وقت الصلب كانت مخطئة وصاحت أصلبه أصلبه (لو23: 21). بل الجيل كله، قال عنه السيد المسيح "جيل فاسق وشرير" (متى12: 39). وغالبية الناس أيام آخاب الملك، كانت تعبد الأصنام، إلا سبعة آلاف ركبة فقط من بين مئات الآلاف (1مل19: 18). وفي أيام موسى النبي، حكم الرب على الشعب كله بأنه متمرد وصلب الرقبة، ولم يدخل منه إلى أرض الموعد إلا اثنان فقط هما يشوع بن نون، وكالب بن يفنه (عد14: 20 - 30). وإن رجل الله الثابت في وصاياه، هو الذي ينشد قائلًا: سأطيع الله حتى لو أطعت الله وحدي ولكن الشيطان يدفع دفعًا في التيار العام بطرق شتى: أحيانًا يجعل الناس يجارون الخطأ من باب المجاملة، أو من باب الخجل، أو من باب التقليد، أو خوفًا من تهكم الناس ومن تعييرهم، أو نتيجة لضغط الظروف الخارجية وإلحاح الآخرين. أو أن يقول لهم الشيطان "هذه المرة فقط، ولن تتكرر"! ثم تتكرر طبعًا.. أو أن شخصًا قد يجاري التيار خضوعًا لسلطة أقوي منه أو خضوعًا لرئاسة... وقد يجاري التيار جهلًا. وقد يقول له الشيطان: هل من المعقول أن يكون كل الناس مخطئين: وأنت الوحيد المصيب؟! هل من المعقول أن كل هؤلاء يعرفون أين يوجد الخير والحق، وأنت الوحيد الذي تعرف؟! اتضع يا أخي... (ويتضع) الأخ! وينجرف في التيار. وقد يسير في التيار نتيجة لصداقة أو صحبه خاطئة استطاعت أن تؤثر عليه وتجذبه إلى طريقها، كما سار سليمان الحكيم في طريق نسائه (1مل11: 4). وقد يخضع الإنسان للتيار نتيجة لضعف شخصيته..، والعجيب أن أهل العالم يكونون أقوياء جدًا في دفاعهم عن طريقهم الخاطئ، وفي سخريتهم من أولاد الله الذين لا يجارونهم. ويظلون ينعونهم بشتى النعوت، حتى يضعف هؤلاء ويخضعون...! يا للأسف... إن أولاد الله يجب أن يكونوا أقوياء في مبادئهم، ثابتين راسخين، لا يتزعزعون أما تهكمات الأشرار. وليتذكروا قول الكتاب: "لا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة، بل بالحرى وبخوها" (أف5: 11). |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
لا تشاكلوا هذا الدهر فإن لم يستطيعوا أن يوبخوا أعمال الظلمة، فعلي الأقل لا يشتركون فيها.. وليكن لهم أسلوبهم المميز في الحياة، الذي قال عنه القديس يوحنا الحبيب "بهذا أولاد الله ظاهرون، وأولاد إبليس (ظاهرون) (1يو3: 10). وكما قيل "من ثمارهم تعرفونهم" (متى7: 16). وقيل أيضًا "لغتك تظهرك" (متى26: 73). وقد قال القديس بولس الرسول عن عدم الخضوع للتيار العام: "لا تشاكلوا هذا الدهر" (رو12: 2). أي لا تصيروا شكله. لا تصيروا مثله. لأن شكلكم معروف، فأنتم صورة الله ومثاله. وما أجمل قول الله في ذلك "نعمل الإنسان على صورتنا، كشبهنا" (تك1: 26). فكيف تتنزل عن صورتك الإلهية، لتصير كصورة عالم ساقط منحرف. إن دانيال والثلاثة فتية، كانوا أقوي من التيار العام. ليس فقط في انفرادهم عنه بعبادة إلههم، حتى لو أدي الأمر أن يلقي دانيال في جب الأسود، ويلقي الثلاثة فتية في أتون النار... بل حتى منذ بدء تعيينهم في قصر الملك، إذ رفضوا الطعام الملكي، ولم يأكلوا مع سائر الفتيان. وما أجمل قول الكتاب "أما دانيال فجعل في قلبه أن لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه" (دا: 8). صمم دانيال والثلاثة فتية على هذا الأمر، مع أنهم كانوا أسري حرب، وتحت سلطان، يخدمون وهم عبيد في قصر الملك. ولكن قلوبهم وأرواحهم كانت حرة طليقة، لا تخضع للتيار العام، بل لمشيئة الرب. لذلك كن شجاعًا، وصحاب مبدأ، قاوم التيار العام إذا أخطأ. لا تخضع للشيطان وكل نصائحه، بل وكل مخاوفه. وارفض الخطأ مهما رأيت كبارًا يسيرون فيه! وإن وجدت الذين يسيرون في طريق الحق قليلين، فلا يضعف قلبك، فهذه هي القلة المختارة. وقد قال الرب "ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة. وقليلون هم الذين يجدونه" (متى7: 14). واعلم أنه: لو وقعت الغالبية في الخطأ، فهذا لا يجعل الخطأ صوابًا. الخطأ هو الخطأ. ووقوع الأغلبية فيه لا يبرره. والمعروف أن الصواب طريقه صعب، وقد لا يستطيعه كل الناس، بل القلة المتميزة بمبادئها. فإن وجدت الشيطان قد ألقي الكل في الخوف، لا تخف أنت. وإن وجدت الغالبية تعلمت التملق والرياء، فلا تكن أنت كذلك. وإن وجدت الكل قد استعملوا أساليب العالم في لهوه وترفيهاته ورفاهيته وأزيائه، فلا تكن كذلك. وإن وجدت لغة الناس قد تغيرت، وأصبحت ليست كذي قبل، فلتكن أنت بنفس لغتك الأولي. وإن ضعفت مقاومتك للتيار، فقل مع المرتل في المزمور: نجنا يا رب من هذا الجيل، وإلى الأبد آمين" (مز12: 7). والرب قادر أن ينجيك من التيار العالم، فلا يجرفك. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الإغراءات منذ الخطية الأولي، والشيطان يقدم إغراءات ليسقط ضحاياه. وكان أول إغراء قدمه لأبوينا الأولين هو "تصيران مثل الله، عارفين الخير والشر" (تك 3: 5). واستمر يقدم إغراءات للبشر "شهوة الجسد، وشهوة العين، وتعظم المعيشة" (1يو2: 16). وقدم هذه كلها لسليمان الملك (جا2: 1 - 10). وعلى الجبل قدم للسيد المسيح ثلاثة إغراءات: الخبز، حمل الملائكة له على أجنحتها، وكل ممالك الأرض ومجدها (متى 4). ورفض السيد كل هذا، وأخزى الشيطان وطرده. إن إغراءات الشيطان لا تستلقط إلا قلبًا يميل إليها... أو يمكن أن يميل إليها... أما القلب القوى فإنه يرفض تلك الإغراءات، أو قل إنها لا تغريه. إن الملكة إيزابل أرادت أن تؤثر على ياهو الملك وتغريه، كما كان آخاب الملك تحت سيطرتها من قبل "فكحلت بالإثمد عينيها، وزينت رأسها" (2مل 9: 30) أما يا هو، فلم يغره هذا الجمال الزائف، بل احتقره وأمر بقتلها... والشيطان أحيانًا ينتقى إغراءاته، وأحيانًا يجس النبض... يجس النبض لكي يرى هل محاربه يضيف أمام هذا الإغراء أم لا. فإن وجده لا يهتم ولا يتأثر، يجرب إغراء آخر، كما فعل مع السيد المسيح، فوجده قويًا أمام كل إغراءاته. ومن خبرة الشيطان الطويلة، أنه ينتقى لكل نوع من الناس ما يرى أنه يناسبه... وقد يغرى بالشيء الذي يرى الشخص محتاجًا إلية. كما قدم للسيد المسيح تجربة الخبز، حينما قيل عنه إنه "جاع أخيرًا" (متى 4: 2، 3). وقدم تجربة العرافة لشاول الملك في الوقت الذي رآه فيه محتاجًا إلى مشورة ولم يجد (1صم 28: 4 - 7). وقدم تجربة العجل الذهبي لبنى إسرائيل في وقت رآه مناسبًا، وقد غاب عنهم موسى النبي، وغاب معه الإرشاد الروحي وهيبة النبوة (خر 32: 1 - 4). والشيطان يقدم الإغراء قويًا مؤثرًا، ليمنع التوبة والعمل الروحي. فإن وجد إنسانًا قد عزم على التوبة بكل عزم وقوة، يقدم له خطية كان يشتهيها منذ زمن، ويبحث عنها فلا يجدها. فيضعها أمامه فجأة تسعى بنفسها إليه من حيث لا يدرى، فيغريه بها ليسقط... وإن كان إنسان قد أبطل قراءة كتب معينة معثرة، لا مانع في هذا اليوم من أن يرسل إليه صديقًا، يهديه كتابًا كان هذا (الضحية). يشتهى شراءه شهورًا طويلة ولا يجده في السوق. فيجد نفسه أضعف من الإغراء، فيقرأ ويسقط. وإن تاب شاب عن الخطية الزنا، يجد خطية سعت إليه سعيًا. بحيث يظن المسكين أنها فرصة لا تعوض. ويقول له الشيطان: لا تترك هذه الفرصة، ويمكن أن تتوب بعدها...! وهكذا إن وجد الشيطان إنسانًا يبعد عن الخطية، يأتي إليه بأكبر إغراءات للخطية بالنسبة إليه. لأنه يعرف تمامًا أين يوجد الجرح الذي يدوس عليه فيؤلمه..فإن تبت ووجدت خطية تسعى إليك في إغراء عجيب... لا تقل هذه فرصة. بل قل: هذا بلا شك فعل الشيطان. ليس هذا شيئًا طبيعيًا، ولا هو أتى عن طريق الصدفة. بل هي خطة مدبرة محكمة من عمل الشيطان. ومبارك هو الرب الذي كشفها لي لأهرب منها... وكما قال الراهب القديس عبد المسيح الأثيوبي المتوحد ببرية شيهيت " فخ يا أباتي فخ"... نقطة أخرى بارزة في حرب الشيطان هي... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
التخدير حينما يكون الإنسان متيقظًا ومتنبهًا لخلاص نفسه، صاحيًا عقلًا وروحًا، فإنه من الصعب أن يسقط... ولذلك قال أحد القديسين. إن الخطية يسبقها إما الشهوة، أو الغفلة، أو النسيان. فحالة الغفلة والنسيان، هي تخدير من الشيطان للإنسان... فينساق إلى الخطية، كأنه ليس في وعيه! ولذلك حسنًا قيل في توبة الابن الضال إنه "رجع إلى نفسه" (لو15: 17). وكلمة (رجع) تعني أنه لم يكن في وعيه، أو على الأقل لم يكن في كامل وعيه، طوال فترة الخطية. ولهذا لما رجع إلى نفسه بدأ يفكر بأسلوب آخر، يختلف عن أسلوبه في الخطية. الشيطان يخدر الإنسان بحيث ينسي كل شيء، ما عدا الخطية. تكون كل حواسه وأفكاره ومشاعره ومركزة في الخطية وحدها. أما كل ما عداها فلا يحس به الإنسان إطلاقًا، وكأنه قد نسيه تمامًا تمامًا... ينسي أنه صورة الله. ينسى الوصية. ينسي نتائجها. ينسي وضعه الروحي. ينسي تداريبه الروحية. ينسي عبادته واحتراسه. ينسي وعوده لله وتعهداته ونذوره ينسي احتراسه. بل قد ينسي أنه صائم، أو أن هذه أيام مقدسة. وينسي عقوبات الله وإنذاراته... يكون كأنه مخدر تمامًا. والشيطان قد خدره بالخطية، بحيث أصبح لا يعي شيئًا غيرها... ولا يفيق إلا بعد السقوط، حينما يكون كل شيء قد انتهي. هكذا كان داود النبي مخدرًا، حينما أخطأ، وجرته الخطية إلى خطية. ولم يفق من هذا التخدير إلا على صوت ناثان يقول له "أنت هو الرجل" (2صم12: 7). حينئذ فقط أفاق، وأحس كم كانت أعماق خطيئته! لعل قايين كان أيضًا مخدرًا حينما قام أخيه وقتله. ولم يفق إلا على قول الرب له "أين هابيل أخوك؟" (تك4: 9). حينئذ فقط أفاق، وشعر ببشاعة ما قد فعل ونتائجه وقال "ذنبي أعظم من أن يحتمل" (تك4: 13). قد يفيق الإنسان بعد الخطية مباشرة، وربما بعد مدة طويلة. الابن الضال لم يفق من تخديره، إلا بعد أن أنفق كل ماله واعتاز، وشعر بسوء حالته (لو15: 16، 17)، الغني الذي عاصر لعازر المسكين لم يفق إلا في الجحيم ولكن هناك من يفيق بعد الخطية مباشرة، مثل القديس بطرس الذي بعد إنكاره بكي بكاء مرًا (متى26: 75). ويهوذا لم يفق إلا بعد فوات الفرصة. هناك من يفيق من تخديره فيتوب. وهناك من يفيق فييأس. الابن الضال، وداود النبي، وبطرس الرسول، لما أفاقوا تابوا. أما يهوذا فلما أفاق، أسلمه الشيطان إلى اليأس "فمضي وخنق نفسه" (متى27: 3 - 5). ومات في خطيئته فهلك... لذلك هناك نصيحتان أقدمها لك، إذا خدرك الشيطان: الأولي، أن تفيق بسرعة. كما قال المرتل "أنا أستيقظ مبكرًا" (مز57: 8). واحذر من أن تستمر مخدرًا بالخطية إلى أن تصبح عادة، أو يصير من الصعب عليك أن تفيق، أو أن تصحو من تخديرك بعد أن تكون قد وصلت إلى نتائج سيئة جدًا... النصيحة الثانية: هي أنك حينما تفيق، إنما تفيق إلى توبة حقيقية وسريعة، وليس إلى يأس أو صغر نفس... واستغل الندم والانسحاق لنفعك الروحي. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
تحويل الدين إلى فلسفة السيد المسيح أراد أن يكون الدين روحًا وحياة. ولذلك قال "الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يو6: 63). نفهم روح الكلمة. ونحولها إلى حياة فينا. وهكذا يصير الدين طريقًا لتنقية القلب، ومرشدًا إلى الالتصاق بالله، ولكي تكون للإنسان حياة أبدية. ولعل هذا ما أراده الرب بقوله "أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل" (يو10: 10). ولكن الشيطان يريد أن يحول الدين إلى جدل ومناقشات... يريد أن العقل يحل محل الروح، والجدل يحل محل الممارسة. وتصبح الحياة الدينية هي مجرد عقلانية. وكأن المسيحية هي فلسفة تدرس وتحلل، وتصبح مجرد منهج للتعليم، وليس حياة نحياها. والعقل لا يضر الشيطان في شيء إن بقي مجرد عقل لا تحركه الروح. وهذا ما يريده الشيطان... بودي أن أترجم لكم كتاب (ضد الأكاديميين) للقديس أوغسطينوس. اسم كتابه Contra Acadimos ليتني أستطيع أن أترجم لكم بعض فقرات منه كمثال. والمعروف عن القديس أوغسطينوس أن له منهجًا روحيًا عميقًا. والمنهج العقلي الذي يريده الشيطان، حاربه القديس بولس الرسول. وهذا واضح جدًا في الأصحاحين الأولين من رسالته الأولي إلى أهل كورنثوس، فهو يقول "أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة"، "وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة (الإنسانية) المقنع، بل ببرهان الروح والقوة" (1كو2: 1، 4)، "لا بحكمة كلام، لئلا يتعطل صليب المسيح" (1كو1: 17). فالتركيز على صليب المسيح عمل روحي، يعطله الانشغال بالفكر والجدل. إن الهرطقات كانت لعبة شيطانية عقلية لتعطيل العمل الروحي. العمق الروحي الذي عاشته الكنيسة في عصر الاستشهاد، طوال القرون الثلاثة الأولي، وفي أوائل القرن الرابع، والعمق الروحي إلى كان قد بدأ بالرهبنة منذ أواخر القرن الثالث، وازدهر في القرنين الرابع والخامس، بكل ذلك ما فيه من حب لله، وبكل ما فيه من الإرشاد الروحي من أقوال الآباء.. كل ذلك أثار حسد الشيطان، فأراد أن يشغل العالم بالجدل والنقاش على مدي قرنين طويلين... وهكذا ظهرت هرطقات أريوس، وأبوليناريوس، وسابيليوس، ومقدونيوس، ونسطور، وأطاخي، وغيرهم.. كل ذلك في فترة مركزة جدًا دوخت العالم فكريًا، وأصبح النقاش حول لاهوت الابن وطبيعته يدور في الشوارع حتى بين العامة. وألهم الشيطان مفاهيم للهراطقة وتفاسير لآيات الكتاب. وانشغل آباء الكنيسة فترة طويلة بالرد على البدع والهرطقات. والشيطان يتمني أن يشغلنا طول العمر بالحوار الفكري والردود... ومازالت هذه هي خطته، يرسل لنا في كل جيل من يحاول أن يحول الدين إلى نقاش وجدل وفكر وحوار وآراء وردود... مريدًا بهذا أن نعطل العمل الروحي من جهة، ويثير الانقسام والخصومات من جهة أخري، ولو باسم الدين، وباسم الدفاع عن العقيدة، وتصبح الكنيسة مذاهب وشيعًا، ويفرح الشيطان بهذا. من يسقطون في الهرطقات مكسب له، وم يتعبون من الشكوك مكسب آخر. ومن ينشغلون عن العمل الروحي بهذه السلبيات وإضاعة جهودهم في الردود، كل ذلك مكسب أيضًا. ونشكر الله أن الآباء الذين ردوا على الهرطقات كانوا روحيين. تقرأ مثلًا كتاب (تجسد الكلمة) للقديس أثناسيوس فتجده كتاب روح كما هو كتاب لاهوت وعقيدة... ولكن كثيرين انشغلوا بالفكر.. ونحن نشكر الله أيضًا أن حركة الهرطقات والرد عليها في القرنين الرابع والخامس، سارت معها جنبًا إلى جنب حركة الرهبنة وإرشادها الروحي. فأقامت توازنًا مع الدومات الفكرية. كان الرد على الهراطقة لازمًا جدًا لحفظ الإيمان، ولكن كان الانشغال بذلك تعطيلًا للكنيسة. ولكن الله حوله إلى ير بتعميق الإيمان في القلوب وبإزالة الشكوك. وحتى في الروحيات البحتة، يحاول الشيطان تحويلها إلى فلسفة. يمكن أن يجعل حتى الصلاة مثلًا منهجًا له قواعده العقلية. وكذلك يمكن أن يفعل ذلك بالرهبنة ويحولها إلى مدارس تتصارع فكريًا بين الوحدة والعمل، والتأمل والخدمة. ويتحول الأمر إلى نقاش وإلى صراع، يسر به الشيطان ويفرح! حتى صلاة "أبانا الذي" يحولها إلى صراع حول الترجمات. وإذا بالناس وهم يصلون يقول أحدهم "خبزنا كفافنا"ويصيح آخر بصوت عال "الذي للغد". وتتصارع الترجمات وتتبلبل الأفكار، وبدلًا من التأمل في الصلاة يدور الجدل والنقاش أية الترجمات أصح!! ونفس الوضع قد يدور في القداس الإلهي أيضًا: يريد الشيطان أن يقضي على التأمل والروحيات، فيثير حربًا من الترجمات. وفي داخل الكنيسة ما أسهل أن يثير أفكارًا جديدة... يجعل البعض يشغف بالجديد، فيقدم تفسيرًا جديدًا، أو معتقدًا مغايرًا للمفاهيم العامة. ويقول صاحبه وناشره إن كل من سبقوه قد أخطأوا. وبدلًا من استخدام الفكر الديني للحب ولنقاوة القلب، يحوله الشيطان إلى صراع وإلى حرب بين المتدينين بسبب الفكر والفهم الخاص، وادعاء كل فريق أنه يدافع ع العقيدة! وأنه الوحيد الصادق في إيمانه... أو على الأقل يعطل الروحيين عن عملهم بالانشغال بالسلبيات والرد عليها. وإن لم يفعلوا ذلك، يملأ الجو شكوكًا وبلبلة. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
فترة راحة من الخطية إنه لا يحارب باستمرار، إن وجد للحرب الدائمة أضرارًا... فهو قد يبطل الحرب فترة، ليس إشفاقًا منه على من يحاربه، وإنما لكي يجره إلى التهاون وعدم ثقة في القدرة على حياة البر، ويقنعه بأنه مهما تاب، لابد سيعود إلى الخطية مرة أخري. أو قد يبعد الخطية عنه فترة، ليشتاق إليها. ربما كثرة ممارسة الخطية تولد الملل منها وكراهيتها. فتكون خطة الشيطان أن يبعدها فترة. ثم بعيدها بعد حين بأسلوب أكثر تشويقًا، أو أكثر حدة، أو بأسلوب غير متوقع لكي يسهل السقوط فيها. وهكذا يستخدم أسلوب المنح والمنع في المحاربة بالخطية. إنه بهذا يلعب بمشاعر النفس البشرية.. ويجعلها باستمرار في حالة عدم استقرار، ما بين علو وهبوط. وأولاد الله يدفعهم ذلك إلى مزيد من الحرص والتدقيق، وإلى مزيد من الاتضاع. ولكن الشيطان يريد أن يجعلهم في جو من الخوف وعدم الثقة، والشعور بأن البر فوق مستواهم. ثم يتدرج من الهجوم الفكري إلى هجوم عام يقول فيه: إن المسيحية ديانة سمو وكمال. ولكنه سمو عير عملي، ليس في مستوي قدرة الإنسان أن يناله. ويخفي في كل ذلك الأمثلة التي قدمتها لنا سير الأبرار في كل زمان... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الفضائل الجسدية الظاهرة يغري الإنسان بالفضائل الظاهرة الجسدية، بدلًا من الفضائل الروحية الخفية. ونقصد بالظاهرة، الظاهرة لصاحبها، وليس فقط الظاهرة للآخرين. وهذه الفضائل الظاهرة يمكن أن يلقبه بها في الإعجاب بالنفس والغرور، أو يلقيه في احتقار الآخرين الذين لم يصلوا إلى نفس المستوي. وهذه الحرب يحارب بها الرهبان كما يحارب بها العلمانيين أيضًا. فإذا بدأ الراهب جهاده، يجعله الشيطان يهتم بالصوم، وبالمطانيات، والسهر، والصمت، والاعتكاف. وكلها أمور ظاهرة.. وفي نفس الوقت لا يهتم بفضائل القلب من الداخل مثل الفرح والسلام والنقاوة والوداعة والهدوء... إلخ. وفي الصوم يحارب بالأسلوب الجسداني ويترك الروحي. فيجعل كل اهتمام الصائم بفترة الانقطاع وكم نتكون، وبنوع الأكل ووجوب الامتناع عن بعض مشتهيات، والإقلال من كمية الماء التي يشربها. وكل هذه أمور جسدية، ولا يشغل نفسه أبدًا بالفضائل الروحية التي في الصوم مثل: انسحاق القلب، وسمو الروح، وضبط النفس في كل الأمور. والشيطان يعرف أن مثل هذا الصوم الجسدي قد لا يفيد الإنسان روحيًا. ويستغل هذا الأمر فيما بعد، لكي يبعده عن الصوم كلية. ونفس الوضع بالنسبة إلى المطانيات. المهم هو عددها، ونمو هذا العدد باستمرار. أما أن الإنسان فيما يسجد، تلصق بالتراب نفسه (مز119) كما تلصق رأسه بالتراب، فهذا ما لا يجعله يفكر فيه! كذلك لا يجعله يهتم بالمشاعر الروحية يهتم بالمشاعر الروحية التي تصحب المطانيات، وربما تصحبها أيضًا من صلوات... وكل ما يقصده هو أن تتحول هذه المطانيات - على الرغم من كثرة عددها - إلى عمل جسداني يمكن أن يرهقه دون أن يفيده، كما يلقيه به في المجد الباطل! والوحدة أيضًا يهتم بمظهرها وليس بروحياتها. كإنسان يحيا الوحدة كطقس، وليس كمنهج روحي يتميز بفضائل معينة، فيها يكون الفكر منفردًا بالله في حب، ويكون القلب قد مات كلية عن العالم، ولكن كثيرًا ما يجعل الشيطان هذا المتوحد يقنع بمجرد سكني المغارة والبعد عن الدير، ويملأ قلبه بالكبرياء والسخط على الدير ومن فيه، دون الاهتمام بالعمل الروحي داخل المغارة. وكما قال ماراسحق "يوجد إنسان قد يسكن في القلاية خمسين سنة وهو لا يعرف طريقة الجلوس في القلاية". وما ينطبق على الوحدة، ينطبق على الصمت أيضًا. فالمفروض أن هدف الصمت، وأن يريد الإنسان يبعد عن أخطاء اللسان، ويعطي نفسه فرصة للحديث مع الله. أما أن يقنع الإنسان بمجرد الصمت، فهذا عمل جسداني ظاهر. إذ أن كل الأخطاء التي يقع فيها بلسانه، يمكن أن يقع فيها بفكرة مثل الإدانة والغضب والشتيمة والحدة... إلخ. فإن كان قلبه خاليًا في نفس الوقت من الحديث مع الله. يكون صمته بعيدًا عن العمل الروحي. وبنفس الطريقة قد يقنع الإنسان باختيار البتولية. ويظن أن البتولية هي ذلك العمل الظاهر الذي هو عدم الزواج. وقد تكون نفسه غير بتوله، وأفكاره دنسة. والعنصر الإيجابي في البتولية الذي هو توجيه الحب كله نحو الله، قد لا يكون موجودًا أيضًا. وهكذا يكون قد أخذ من البتولية ظاهرها، دون روحها ودون فاعليتها داخل القلب... المفروض فينا أن نهتم بالعمل الروحي الداخلي، فهو الأهم. والرب قد قال "يا إبني أعطني قلبك" (أم23: 26). فيبدأ الإنسان بنقاوة القلب، وبمحبة الله، وبالفضائل الداخلية. ثم من القلب النقي تخرج الصلاة النقية والمطانيات الطاهرة، والصوم الروحاني، وكل فضيلة أخري... والعجيب أن المهتم بالفضائل الظاهرة، كثيرًا ما يصطدم بأب اعترافه، وربما يفكر في تغييره، بينما حياته هو من الداخل ليست نقية أمام الله! |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
العنف إنها حرب يوجهها الشيطان إلى الروحيين كما إلى الخطاة. يدرب الإنسان على العنف تجاه كل خطأ. وبالتالي يجعله عنيفًا في مقابلة كل من يخالفه في الرأي. وقد تختفي وراء هذا العنف كبرياء وقساوة قلب. وربما كثير من أهل العالم بالوداعة والهدوء، ينما نجد من المتدينين من يكونون عنفاء جدًا، باسم الدين، ساخطين على كل شيء، شاعرين أنهم هم وحدهم الذين يعرفون الله ويسيرون في طرقه. وبهذا العنف يسقطهم الشيطان في عديد من الأخطاء التي لم يقع فيها العلمانيون. وينسيهم فضائل الوداعة واللطف التي هي من ثمار الروح القدس (غل5: 22). |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
المعطلات كل عمل روحي معرض لمعطلات عديدة من الشيطان. فقد يعزم الإنسان من كل قلبه على عمل روحي. ويقف ضده الشيطان بكل قوة لكي يعطله عن تنفيذ ما يريد. وكما يقول الرسول "الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 7: 18). وهذه المعطلات إما أن تكون ظروفًا خارجية، أو من نسيان، أو من عدم توافر الوقت، أو من مقاومات من أعداء، أو من أخوة كذبة.. ثم يأتي الشيطان ليقول: قطعًا هذا العمل ليس من الله. وإلا كان قد سهل سبله! أو قد يقول للناس عن هذا الإنسان الخير: لو كان هذا الإنسان من الله، لكان الله قد وفقه في عمله. ويضرب عصفورين بحجر واحد. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الخجل الخجل فضيلة إن أحسن الإنسان استخدامها. ولكن الشيطان كثيرًا ما يستخدم الخجل بطريقة تساعد على السقوط.. كإنسان كان جالسًا وسط أناس يتكلمون كلامًا رديئًا من الناحية الخلقية، أو يتحدثون بالسوء في سيرة إنسان له مكانته ويشهرون به، أو يسردون قصصًا غير لائقة... وهذا الإنسان البار الجالس وسطهم، الذي لم يكن يتوقع كل هذا، يفكر أن يتركهم وينسحب... ولكن يأتيه شيطان الخجل، ويرغمه على البقاء... فيستمر جالسًا ويمتلئ عقله بأفكار ما كان مطلقًا أن تجول بذهنه. وعن طريق الخجل قد يوقع على تزكية لا يوافق عليها ضميره. أو يوقع على أي بيان أو قرار، هو في داخله غير راض عليه، أو يشترك في مديح إنسان لا يستحق ذلك... وإن حاول أن يمتنع يقف أمامه الخجل! وقد يجعل الشيطان فتاة تخجل الشيطان من ملابسها المحتشمة. وذلك إن كان التيار العام غير ذلك... أو يجعلها تخجل من تدينها بوجه عام. تخجل من الصلاة ومن الصوم، أو من معرفة ذلك عنها... بل قد تخجل من تدينها بوجه عام. تخجل من الصلاة ومن الصوم، أو من معرفة ذلك عنها... بل قد تخجل من تعليق صليب على صدرها. أو تخجل من رفض دعوة إلى حفل معين لا تستريح له روحياتها، وبالمثل قد يخجل شاب متدين من رفض سيجارة تقدم له من زميل أو من أستاذ... وكم من خطايا يقع فيها البعض بسبب شيطان الخجل! والمفروض أن يرفض المتدين هذا الخجل ويبعد عن مجالاته. أو يجد له سببًا يخرج به من الإحراج بلباقة. أو أن يكون قوي الشخصية، يستطيع أن يدافع عن موقفه الروحي بإقناع الآخرين... أو على الأقل يبعد عن الصحبة التي تحرجه وعن المناسبات التي يتعرض فيها لحرب الخجل. عجيب أن المتدينين يخجلون من تدينهم، بينما الخاطئون تكون لهم جرأة وجسارة في أخطائهم وفي انتقادهم للأعمال الروحية. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الوقت الضائع كما أن المؤمن قد يحارب أحيانًا من شيطان الخجل، كذلك يحاربه في أحيان أخري شيطان الوقت الضائع. حياة الإنسان هي وقت، يحاول الشيطان أن يضيعه. والوقت الضائع هو الوقت الذي يمر بك بلا أدني فائدة: لا فائدة روحية، ولا فائدة عقلية أو صحية، ولا فائدة للآخرين. لا يهم الشيطان أن يجعلك فيه ترتكب خطية... بل يكفيه أن هذا الوقت يضيع كجزء من حياتك بلا ثمر لك أو لغيرك. والأمثلة كثيرة لهذا الضياع، وهي متنوعة أيضًا. منها أحاديث قد تطول بالساعات في موضوعات لا فائدة منها، وتكون بلا نتيجة،ومجادلات ومناقشات لا جدوى منها سوي تعب الأعصاب وضياع الوقت. وزيارات وسهرات، وترفيهات زائدة عن الحد. ومسليات تأخذ كل الوقت وتعطل إيجابيات هامة في حياتك. ومثل جلوس البعض في المقاهي للعب والكلام، وقتل الوقت. إن الذي يقبل ضياع وقته، تكون حياته رخيصة في عينيه! |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان يستخدم أعوانًا إنه لا يعمل وحده. فله أعوان من جنده الشياطين، وأعوان من البشر أيضًا. وربما يكون هؤلاء من أحبائك أو أقربائك أو معارفك، أو من الغرباء عنك. لقد تكلم الشيطان على أفواه بعض الناس عند الصليب قائلًا للرب "إن كنت ابن الله، انزل من على الصليب" (مت27: 40). وقد يستخدم أقرباءك كما قيل "أعداء الإنسان أهل بيته" (متى10: 36). فيوحي إلى أحد الأحباء إليك جدًا بنصيحة تتلف حياتك. أو يجعلهم يقفون ضد عملك الروحي، أو ضد تكريسك، أو ضد عبادتك أو يستخدمهم للتهكم عليك... فكن محترسًا. وكل ما تسمعه من النصائح افحصه جيدًا، وتمسك بالحسن (1تس5: 21). ولكن احذر من أن تقول لأحد أقربائك (أنت من أعوان الشياطين). وقد يكون أعوان الشيطان بالنسبة إليك صحبه شريرة. وكما يقول الكتاب "المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة" (1كو15: 33). لذلك ضع أمامك باستمرار المزمور الأول. فلا تسلك في مشورة المنافقين، وفي طريق الخطاة لا تقف، وفي مجلس المستهزئين لا تجلس (مز1). إن كل هذه هي مجالس الشيطان، هو يقودها ويدبرها... لا تظن أن الشيطان يتراءى لك برؤى العين لكي يحاربك. فهذه درجة عالية جدًا من الحروب لا يسمح بها الله إلا للقديسين الذين يحتملونها. فإن أراد مثلًا أن يثيرك إليك من يثيرك. ويكون هذا الذي أثارك من أعوان الشيطان، على الأقل في هذه النقطة بالذات. وهكذا كل من يعثرك: كل من يقودك إلى الخطية، أو يساعدك عليها، أو يوقعك فيها... والأشرار عمومًا هم من أعوان الشياطين. كل أجهزة العبث وكل مسببات العثرات. وكل الفلاسفة الملحدين وكل دعاة الإلحاد،وكل ناشري الشكوك. وكل مسببي الشر... وعن هذا كان داود النبي ورجاله يصرخون قائلين: أبطل يا رب مشورة أخيتوفل (2صم15: 31). وكانت مشورة ضارة جدًا بداود ورجاله، قدمها أخيتوفل لأبشالوم في ثورته على أبيه داود... إن الشيطان إذا أراد مثلًا أن يوقع العالم في البعد والشكوك، فلا يعني هذا بالضرورة أن يفعل هذا بنفسه، إنما يقدم هذه البدع إلى العالم عن طريق أعوانه من البشر، ينشرونها ويشرحونها للناس، ويدعونهم إلى اعتناقها.. فعلينا أن نصلي كل حين، أن ينجينا الرب من أعوان الشياطين. وليس فقط من الشيطان وحده. بل من الشيطان وكل ملائكته وكل جنوده، وكل أنصاره وأعوانه، وكل منفذي مشيئته على الأرض.. كل قوات العدو... ملاحظة:أ - من جهة حروب المناظر المخيفة، وحروب الرؤى والأحلام والضلالات الشيطانية، فقد تحدثنا عنها في الفصل الثاني الخاص بصفات الشيطان وحروبه، تحت صفة (قاس) وصفة (كذاب). ب - وهذه النقاط التي ذكرناها ليست هي كل حيل الشيطان. ولا كل ما نعرفه عنها. فإن جعبة الشيطان لا تفرغ. وحيلة لا تنتهي: القديمة والحديثة، وما يمكن أن يخترعه الآن وفيما بعد. ولا شك أنه مجدد في حيلة، رحمنا الله منه ومنها. من أجل هذا، نحن نصلي كل يوم في تحليل الغروب: "نجنا من حيل المضاد. وأبطل سائر فخاخه المنصوبة لنا "آمين. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
كيفية الانتصار على حروب الشياطين كل ما ذكرناه قبلًا من صفات الشيطان وتنوع حيله، إنما كتبناه لكم، لا لكي تخافوا منه، إنما لكي تحترسوا منه. وعلى الرغم من عنف الشيطان ومكره، إلا أن الانتصار عليه ممكن جدًا، بل إنه سهل أيضًا.
|
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الانتصار ممكن إذا وضعت أمامك أن الانتصار في حروب الشيطان أمر صعب أو مستحيل، ستخور قواك وتضعف وتستسلم، وبالتالي ستسقط. أما أنت فإن حاربك الشيطان، تأكد تمامًا أنه في إمكانك أن تنتصر وإلا ما كان الله يسمح بحرب غير متكافئة... تأمل باستمرار في سير القديسين الذين انتصروا. ضع أمامك قصة يوسف الصديق الذي انتصر على الرغم صعوبة التجربة التي تعرض لها. أما داود وشمشون في سقوطهما، فخذ درسًا من قصة كل واحد منهما. اعرف ما هي أسباب سقوطه وتحاشاها. إن كل قصة سقوط أعطيت لنا، إنما لفائدتها، لكي نحترس ونتعلم... الكتاب والتاريخ قدما لنا العديد من قصص الانتصار. نعرف أن التوبة ممكنة جدًا، مهما كانت الحالة سيئة، وذلك من قصة توبة مريم القبطية، وبيلاجية، وبائيسة، وأوغسطينوس، موسى الأسود. وكذلك توبة سليمان الحكيم، وشمشون. لذلك إن حاربنا الشيطان باليأس من سؤ ما وصلنا إليه نتذكر كل هذا فنتعزى ونتشجع. ونعرف من قصة القديس الأنبا أنطونيوس، كيف يمكن الانتصار على الرغم من شدة الحروب وتنوعها وكثرتها. وكذلك من سير باقي القديسين. كذلك علينا أن نتذكر باستمرار كيف أن الله بارك طبيعتنا. إنه لما تجسد وأخذ هذه الطبيعة، باركها. ولذلك نقول له في القداس الغريغوري "وباركت طبيعتي فيك". وأصبحت هذه الطبيعة قادرة جدًا على قهر الشيطان. يكفى أننا صرنا هياكل للروح القدس، وروح الله يسكن فينا (1كو3: 16). كما صرنا أبناء لله، بطبيعة مولودة من فوق، من الماء والروح (يو3: 3، 5). وكما نتذكر القوة التي أعطيت لنا، نتذكر القوة الروحية المحيطة بنا. نتذكر أننا لسنا وحدنا في حرب الشيطان. فروع الله القدوس يعيننا، ويبكتنا على خطية (يو16: 8)، ويعلمنا كل شيء (1يو2: 27)، ويرشدنا إلى كل الحق (16: 13). فكيف يمكن أن ينتصر الشيطان علينا، ونحن لنا شركة الروح القدس (2كو13: 14). وكذلك نعمة ربنا يسوع المسيح معنا (116: 23). ولذلك نحيا، لا نحن، بل المسيح الذي يحيا فينا (غل 2: 20)... يضاف إلى هذا ملائكة كثيرون محيطون بنا، أرسلوا لخدمتنا لنرث الخلاص (عب 1: 14). كما أن سحابة من الشهود الذين انتصروا (من القديسين) محيطة بنا أيضًا "لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة" (عب 12: 1). ولنتذكر أيضًا وعود الله لنا، لكي نتشجع... إنه يقول "ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (متى28: 20). "وإن كان الله معنا فمن علينا" (رو8: 31). إنه يقول لكل منا "لا أهملك ولا أتركك... تشدد وتشجع. لا ترهب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب" (يش1: 5، 9)، "أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 10). ولنتذكر وعود الله للغالبين، لكي تحمسنا في جهادنا. لذلك اقرأ وعود الله مثلًا لرعاة الكنائس السبع التي في آسيا "من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي، كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبى في عرشه"، "وسيلبس ثيابًا بيضًا... وسأعترف باسمه أمام أبى وأمام ملائكته" (رؤ3: 21، 5)، "سأعطيه أن يأكل من المن المخفى"، "وأعطيه كوكب الصبح"، "وأعطية إكليل الحياة" (رؤ 2: 17، 28، 10)، حقا من أذنان للسمع فليسمع هذه الوعود التي تملأ اقلب القلب حماسًا وقوة.. كذلك فلنثق تمامًا أن الله هو الذي يحارب عنا. فهما كان الشيطان قويا، من هو أمام قوة الله التي لا تحد؟ وإن كان الشيطان كأسد يزأر، فإن الله يرسل ملاكه ليسد أفواه الأسود (دا 6: 22). حقا "إن الحرب للرب" (1صم 17: 47). هو "يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خر 14: 14). مادام الرب هو الذي يقاتل عنكم، إذن لا تخافوا مطلقا من الشيطان. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
لا تخافوا لا تخافوا مطلقا من الشيطان. فهو على الرغم من كل مواهبه وقوته وحيله، كائن ضعيف أمام أولاد الله. قال عنه الرب: "رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء" (لو 10: 18). لقد داسه الرب على الصليب، ولم يعد "رئيس هذا العالم "كما كان. بل قال عنه الرب قبيل الصليب "الآن دينونة هذا العالم. الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجًا" (يو 12: 31)، "رئيس هذا العالم قد دين" (يو 16: 11). لذلك قال الرب: "ها أنا أعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو" (لو 10: 19). إن وعد الرب لنا أن ندوس كل قوة العدو، هو وعد كله قوة وعزاء، ينزع الخوف من أي قلب.. ومن محبة الكنيسة لهذا الوعد الإلهي، وضعته لنا في آخر صلاة الشكر، نذكره فى صلواتنا كل قوة العدو. إذن ليس للشيطان سلطان علينا، بل لنا سلطان عليه. حتى الشياطين تخضع لنا باسم الرب (لو 10: 17). بل جعل الرب إخراج الشياطين في مقدمة الآيات التي تتبع المؤمنين (مر 16: 17). وطبعًا موهبة إخراج الشياطين لابد أن يسبقها الانتصار أولًا في حروب الشيطان صلبا، يبدأ أن يخافه. ويصير لهذا الإنسان سلطان عليه. هناك محاضرة جميلة للقديس أنطونيوس عن ضعف الشياطين.. سجلها القديس أثناسيوس الرسولي في كتابة عن حياة القديس أنطونيوس، يمكن أن تقرأوها، لكي تتقوى قلوبكم فلا تخافوا الشيطان. وكم من رهبان بسطاء، لم ينالوا من العلم كثيرا ولا قليلا، استطاعوا أن يحطموا الشيطان في البرية. ومنهم القديس بولس البسيط. كذلك فإن الشهداء والمعترفين استطاعوا أن يحطموا جميع إغراءاته وكل قوته وأسلحته. والشيطان لا يسيطر إلا على الذي يخضع نفسه له.. وعلى رأى المثل "إن العبيد هم الذين يخلقون السادة"، أي أن ما في العبيد من ذل وخضوع، هو الذي يساعد السادة على السيطرة والتعالي. وكذلك الحال مع الخاضعين للشيطان. أما الذين حررهم الابن، فبالحقيقة هم أحرار (يو 8: 36). أكثر شيء يحبه الشيطان، أن يجدك تخاف منه. لأنك في خوفك تضعف أمامه وتضطرب، وتظن أنك لا بد واقع في يديه، فتخور معنوياتك، وتستسلم له، عاجزًا عن المقاومة، وهذا عين ما يريده منك، لأن الخوف يعطيه سلطة عليك. ولكن السيد المسيح نصحنا ألا نخاف مطلقا، بقوله: أنا هو. لا تخافوا. لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع (متى 14: 27، يو 14: 27). لا تخف إذن. لأن قوة الله العاملة فيك، هي أعظم بما لا يقاس من قوة الشيطان الذي يجربك من الخارج. وثق أن خوفك في داخلك هو أكثر ضررا عليك من حرب الشيطان الخارجية. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الرب نوري وخلاصي ممكن أخاف؟! إن الذين خافوا من جليات الجبار، ضعفوا أمامه ولم يستطيعوا أن يقاوموه. أما داود الذي لم يخف، فقد تقدم إليه بجسارة قلب، معتمدًا على معونة الرب، وانتصر عليه. وقصة داود وجليات تصلح رمزًا لحروب الشياطين. ولعلك تسأل داود عن السر في عدم خوفه فيقول: "الرب نورى وخلاصي ممن أخاف ؟ الرب عاضد حياتي ممن ارتعب ؟ (مز 27: 1)، ويستطرد "إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي. وإن قام على قتال، ففي هذا أنا مطمئن". لذلك أدخل حروب الشياطين بقلب مطمئن، وحارب حروب الرب وأنت واثق أنك ستنتصر بمعونته. ما أصعب وما أخطر ما قيل في سفر الرؤيا عن الخوف: "وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة، فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت" (رؤ 21: 8). وهكذا وضع الخائفين قبل غير المؤمنين وقبل القتلة والزناة! ولعلك تسأل لماذا؟ ربما لأن الذي يخاف من الشيطان ويستسلم له، يقع في كل هذه الخطايا. أو لأن الذي يخاف من الشيطان ويخضع له، يكون خائفًا في اليوم هذه الخطايا. أو لأن الذي يخاف من الشيطان ويخضع له، يكون خائفًا في اليوم الأخير، لأنه لم يجاهد ويغلب مثل المؤمنين المختارين. ليتك تقرأ سير القديسين الذين لم يخافوا الشياطين. إقرأ عن القديس الأنبا أنطونيوس الذي كانت الشياطين تظهر له على هيئة أسود ونمور ووحوش مفترسة، تصبح بأصواتها المرعبة لتخفيفه فيترك البرية، ولكنه لم يخف، وكان يجيبها بهدوء. أو اقرأ عن القديس مقاريوس الكبير الذي الذي نام في مقبرة، قد وضع جمجمة تحت رأسه. فكلم الشياطين صاحبة هذه الجمجمة بصوت مسموع لكي تقوم معهم. فلم يضطرب القديس، بل رفع رأسه قليلًا عن الجمجمة، وقال لها "إن أردت، قومي واذهبي معهم إلى الجحيم".. أما انتم فلا تخافوا. لن تحاربكم الشياطين بهذه المخاوف التي حاربت بها القديسين. وهوذا الرسول يطمئنكم قائلا: الله أمين.. لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون (1كو 10: 13). إن الله لا يسمح للشيطان أن يجربكم بما هو فوق احتمالكم "بل سيجعل مع التجربة المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا" (1كو 10: 13)، لهذا لا تخافوا مطلقا من الشياطين وحروبهم، سواء كانت بمخاوف أو بخطايا. إن الشيطان قد يثير ضجة ليخيف، ولكنه لا يستطيع أن يعمل شيئا للمؤمن الصامد. إني أشبه ضجيج الشيطان بقصة الثعلب والطبلة. كانت هناك طبلة معلقة على شجرة، تعصف بها الريح فتحدث صوتًا مهولًا. ومر عليها ثعلب وراعه هذا الصوت الضخم فخاف أولًا. ثم تجرأ وهجم عليها، فرآها فارغة من الداخل، فضحك واحتقرها. يشبه ذلك أيضًا البالونة الكبيرة التي تبدو ضخمة. ولكن شكة دبوس صغير، تجعلها كلا شيء.. هكذا الشيطان في حروبه: ضجيج بلا قوة. يحاول أن يخيف، ولكنه لا يملك قوة. والشيطان ليس كائنا مطلق الحرية يفعل ما يشاء. هناك الله ضابط الكل، يمنع الشيطان حسبما يشاء. وفي قصة أيوب الصديق، ما كان الشيطان يتصرف حسب هواه، بل إنه لا يحارب إلا في النطاق الذي يسمح به الله (أى 1، 2). إنه ليس قوي الشكل الذي تخافه. بل مجرد علامة الصليب في إيمان، تجعله يهرب من أمامك. يريد الشيطان أن يوهمك بأنه قوى. ولكن لا تصدقه. و تذكر باستمرار انهزاماته المتكررة في قصص القديسين. وتذكر أولئك الذين كانت لهم قوة أن يخرجوه ممن صرعهم. وكيف كان يصيح في خوف أمام أولاد الله ويهرب. إن عرفتم ضعف الشيطان، قاوموه في شجاعة. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
قاوموه ما أجمل أن أن نتذكر قول القديس الرسول: "قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع 4: 7). وهنا عبارة "يهرب منكم "تدل على ضعف الشيطان. فالرسول لم يقل قاوموه فيترككم، إنما قال قاوموه فيهرب منكم.. إن الشيطان يحبس نبض الإنسان، ليعرف ما هو معدنه. فإن وجده من النوع الذي يخاف، يبدأ أن يتسلى به ويجعله لعبته. أما إن وجده قويا ويقاوم، ولا يقبل الهزيمة، حينئذ يخافه الشيطان ويهرب منه... لذلك قاوموه ولا تغركم قوته. فالقديس بطرس الرسول لما قال "إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو "قال بعدها مباشرة: "فقاوموه راسخين في الإيمان" (1بط 5: 9) أي أن زئيره كأسد لا يخيفكم، بل قاوموه. ليكن لكم قلب أسد أقوى منه. إن تذكرتم أن الشيطان يزار كأسد، تذكروا قول دانيال "ألهى أرسل ملاكه فسد أفواه الأسود" (دا 6: 22). قفوا أمام الشيطان إذن قوة وصمود، بكل مقاومة.. لا تستسلم، بل أصمد في الحرب، كجندي صالح للمسيح. حارب بكل قوتك، واطلب معونة الرب. وهنا يعجبني ما قيل في سفر النشيد "تخت سليمان حوله ستون جبارًا.. كلهم قابضون سيوفًا ومتعلمون الحرب. وكل رجل سيفه على فخذه من هول الليل" (نش 3: 8). وكن إذن متعلمًا الحرب من كل ما يثيره عليك الشيطان. وليكن سيفك على فخذك. بل كما يقول المرتل في المزمور "تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار.. استله وانجح واملك" (مز 45: 3، 4). إن حاربك الشيطان بفكر أو شعور، لا تستسلم بل قاوم. لا تقبل كل ما يعرضه عليك. لا تفتح له قلبك، ولا تفتح له عقلك، ولا تسلم له إرادتك، ولا تتساهل معه، بل قاومه بكل عنف، قاوم كل أفكاره وكل إغراءاته وكل شهواته وكل تجاربه. واحذر أن تتراخي، لئلا تسمع تأنيب الرسول: "لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية" (عب12: 4). حتى الدم... حتى لو أدي الأمر أن تستشهد في حربك ضده. كما يقال عن الضابط في الجيش إنه "يحارب إلى آخر طلقة وآخر رجل". وثق أنك لو فتحت للشيطان ولو ثقب إبره في فكرك أو في إرادتك، سيظل يتمادى، ويوسع نطاقه حتى يتعبك. لذلك قاومه واطرده عنك. ومهما أراد أن يتفاهم معك في شرح الخطية، فلا تقبل. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
لا تتجادل أو تتناقش مع فكر الشيطان لا تفاهم مع الشيطان في الخطية. ولا نقاش ولا جدال. وكما قال أحد القديسين "لا تأخذ وتعط مع إنسان يقاتلك به العدو". إن الشيطان عندما يعرض عليك الخطية، إنما يريد أن يتفاهم معك فيها، أي يريد بقائك في مجال الخطية أطول مدة لتتأثر بها. وفي هذا أنت الخاسر. لذلك قاومه من أول خطوة، حينما تكون إرادتك في يدك. لأنك إن تأخرت في مقاومته، سيزداد تأثيره عليك، وستقل إرادتك شيئًا فشيئًا. وكلما طالت المدة معه تضعف مقاومتك، مثلما حدث لشمشون مع دليلة، لأنه لما كثر إلحاحها عليه ضاقت نفسه وأخبرها بسره (قض13: 15 - 17). لا تقل أنتظر على هذا الفكر حتى أعرف نهايته! صدقني، أنت تعرف تمامًا ما هي نهايته. فلا تخدع نفسك. مجرد فتح أبواب فكرك للشيطان هي خيانة للرب لذلك أبعد كل البعد عن الشيطان وكل طرقه وكل جنده، ولا تتساهل مع حيلة، ولا تتأخر. بل أرفضه بحزم وقل له "أذهب يا شيطان" (متى4: 10). فيعرف الشيطان أنك جاد في رفضك له. وبرفضك الحازم لكل أفكاره، تصير لك هيبة عند الشيطان. الشيطان يدرك تمامًا بذكائه ما هي المقاومة الجادة، وما هو التعريج بين الفرقتين (1مل18: 21). يعرف من هو الذي يرفضه بقلب نقي، ومن هو الذي يرفض من الخارج بينما قلبه متجاوب مع الشيطان يمكنه أن يستنتج من الذي سيقاومه حتى الموت ومن الذي إذا ضغط عليه قليلًا يستسلم. فقاوم بجذبة، وبكل قوة ومن قلبك. لست أحب أن يقول عنك الشيطان أنك إنسان طيب. لا أريد أن يقول عنك: إنه إنسان طيب، يثور على جدًا في أول الأمر. ومع ذلك فإن قلبه أبيض سرعان ما يتصافي. ومع أنه يعارض كثيرًا، إلا أن الأمر ينتهي أخيرًا بالموافقة والرضي، مثل كل مرة...! والمقاومة هي رفض الخطية بكل صورها، ورفض التنازل عن الكمال. والإصرار القلبي على السير في الطريق الروحي، ورفض كل مقترحات الشيطان، بل ومراقبة كل أفكاره من بعيد، وعدم التفاوض مع شيء منها، بل طردها من أول وهلة،وغلق كل أبواب النفس والفكر والقلب أمامها. وعدم التساهل في شيء، وبحجة أن هذا الأمر بسيط، أو أن هذه العثرة لا تؤثر في! المقاومة لازمة ولكن كيف؟ يقول الرسول: قاوموه راسخين في الإيمان. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
تنتصر بالإيمان أنت تغلب الشيطان بالإيمان. ولكن أي إيمان؟ إنه: الإيمان بعمل الله معك. الإيمان بأن الله يستطيع أن يبطل قوة العدو وكل فخاخه المنصوبة لنا. الإيمان بأن الله "يترك لا عصا الخطاة تستقر على نصيب الصديقين" (مز125: 3). الإيمان بأن الله أقوي من كل حيل العدو. وهو الذي يحارب عنا. الحرب للرب (1صم17: 47)، الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون (خر14: 14). تؤمن أن الحرب للرب. فلست أنت الذي تحارب الشيطان، بل الله هو الذي يحاربه فيك ومعك. هو الذي يعطيك القوة التي تحارب به، والسلاح الذي تستخدمه، وهو الذي يعطيك الخبرة في مقاتلة الشياطين، كما قال داود النبي: "مبارك الرب... الذي يعلم يدي القتال وأصابعي الحرب" (مز144: 1). فهل أنت أدخلت الله معك في حروبك وفي تجاربك ومشاكلك؟ إن كنت مهزومًا، فربما لأنك لم تدخل الله معك. والله قادر تمامًا أن يغلب بك ويتمجد فيك، مهما كانت قوتك ضئيلة ومقاومتك لا شيء. فالكتاب يقول: "ليس للرب مانع أن يخلص بالكثير أو بالقليل" (1صم14: 6). إن حزقيا الملك لما وصله خطاب تهديد من ملك سنحاريب بجيشه الجبار، وضع الخطاب أمام الله في بيت الرب. وسكب نفسه أمام الله لكي يتصرف. وتدخل الله وأرسل ملاكه فضرب جيش سنحاريب (2مل19: 35). ونلاحظ كيف أن داود النبي كان ينتصر بالإيمان في حروبه. إنه يقول "لولا أن الرب كان معنا حين قام الناس علينا، لابتلعونا ونحن أحياء... نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين... عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض " (مز124)، "عيوننا إليك يا رب... إحفظني من الفخ الذي نصبوه لي ومن شكوك فاعلي الإثم" (مز141: 9)، "، ضاع المهرب مني، وليس من يسأل عن نفسي. فصرخت إليك يا رب. وقلت أنت هو رجائي وحظي في أرض الأحياء" (مز142: 4، 5). بهذا الإيمان انتصر داود في حروبه كما انتصر على جليات. مهما كان عدوك قويًا، آمن أن سيخلصك منه. رتل مع داود النبي وقل: صوت الرب يقطع لهيب النار. صوت الرب يزلزل القفر" (مز29: 7، 8). وفي إيمان قوي، قاوم الشيطان مرددًا قول بولس الرسول: "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (فى4: 13). وكن راسخًا في هذا الإيمان، واثقًا تمامًا أن الله سيقف إلى جوارك وينصرك في كل حروب الشيطان، وأنه لن يتخلي عنك. وكما كان مع آبائنا وقادهم في موكب نصرته، سيكون معك أيضًا، ولن يسمح أن يقع بك أحد ليؤذيك (أع18: 10). هذا الإيمان سيعطيك قوة قلب في الداخل، وقوة على الشيطان في الخارج. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
البسوا سلاح الله الكامل ولذلك نري أن الرسول حينما يتكلم عن قتالنا مع الشيطان يقول "أخيرًا يا أخوتي، تقووا في الرب وفي شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس" (أف6: 10، 11). إذن الأمر لا تصلح له قوتنا الشخصية، بل "تقووا في الرب". ولا تصلح له أسلحتنا البشرية، بل علينا أن نلبس سلاح الله الكامل. ونشعر بقوة الله العاملة معنا. وبهذه القوة، لا تكون لنا روح الفشل ولا روح الاستسلام. ولا تكون لنا روح التخاذل، ولا روح اليأس، لأن الله الذي نعتمد عليه قادر أن يحمينا في ككل حروب الشياطين. بهذه القوة استطاع القديس بولس الرسول أن يقول "حاربت وحوشًا في أفسس" (1كو15: 32). وبهذه القوة استطاع أن يقول "إن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة" (2تي1: 7). لذلك أولاد الله لا يضعفون أبدًا في حروبهم. إنهم جبابرة بأس، لا يقوي عليهم الشيطان ولا الخطية. ما أجمل التقرير الذي كتبه القديس يوحنا الرسول عن أولاد الله "كل من ولد من الله لا تخطئ، بل المولود من الله يحفظ نفسه، والشرير لا يمسه" (1يو5: 18). كلهم لهم روح الغلبة ونيل المواعيد كما شرح الرب في سفر الرؤيا (رؤ2: 3). أنظروا إلى أيوب الصديق وشهادة الرب عنه "ليس مثله في الأرض، إنه رجل كامل ومستقيم، يتقي الله ويحيد عن الشر. وإلى الآن هو متمسك بكماله" (أي2: 3). هل مثل هذا يقدر عليه الشيطان؟! كلا، بل إن الله تحدي به الشيطان. دائمًا في الحرب ضع أمامك الانتصار وليس الفشل. قل: أنا لا يمكن أن أفشل، مادمت ألجأ إلى الله، وهو يحارب عني،أنا لا أخاف الشيطان، بل أقول للرب "إن سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شرًا، لأنك أنت معي" (مز23). إنني في يمين الرب، نقشني على كفه (أش49: 16). وقال عن خرافه "أنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يحفظها أحد من يدي... ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي" (يو10: 28، 29). بهذا الإيمان يمكن أن تنتصر. كذلك تنتصر بالاتضاع. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الاتضاع ينصرك كان القديس الأنبا أنطونيوس يغلب الشياطين بالاتضاع: فحينما كانوا يتكاثرون عليه، كان يقول لهم باتضاع "أيها الأقوياء، ماذا تريدون منى أنا الضعيف؟! "وكان يصلي قائلًا "أنقذني يا رب من هؤلاء الذين يظنون أنني شيء، مع أنني أضعف من أن أقاتل أصغرهم". ولما كان الشياطين يسمعونه وهو يصلي هذه الصلاة المملوءة اتضاعًا، ما كانوا يحتملون، بل كانوا ينقشعون كالدخان. والقديس مقاريوس الكبير كان يغلب الشيطان أيضًا بالاتضاع. في إحدى المرات ظهر الشيطان للقديس مقاريوس وقال له "ويلاه منك يا مقاره! أي شيء أنت تعمله ونحن ما نعمله؟! أنت تصوم ونحن لا نأكل. أنت تسهر ونحن لا ننام. أنت تسكن البراري والقفار ونحن كذلك بشيء واحد تغلبنا "فسأله القديس ما هو؟ فأجاب: باتضاعك تغلبنا. الاتضاع يغلب الشيطان لأسباب كثيرة منها: أولًا: لأن الشيطان غير متضع،والاتضاع يذكره بكبريائه التي أسقطته. ثانيًا: لأن الاتضاع يذكره بصورة المسيح الذي أخلي ذاته وأخذ شكل العبد، لكي يخلص البشرية. ومجرد هذه الذكري تتعبه، فيذهب. ثالثًا: لأن المتضع إذ هو معترف بضعفه يستعين بقوة الله لتعينه في حروب الشيطان. وهذا أخوف ما يخافه الشيطان. ولهذا كتبت مرة في مذكرتي العبارة الآتية: قال الشيطان لله: أترك لي الأقوياء فإنني كفيل بهم. أما الضعفاء فإنني لا أقوي عليهم. فإذ يرون أنه ليست لهم قوة، يحاربونني بقوتك. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
إخراج الشياطين بالاتضاع إن قصة أنبا صرابامون أبي طرحه تثبت إخراج الشياطين بالاتضاع. كانت زهرة ابنة الحاكم عليها شيطان، فجاءوا إلى البابا ليصلي عليها ليخرج. فقال لهم البابا في اتضاع "أنا ليست لي هذه الموهبة. اذهبوا إلى الأنبا صرابامون أبي طرحه". فذهبوا إليه. فقال لهم في اتضاع "صلاتي لأجلها لا تكفي". وطلب صليب البابا ليرشمها به، قائلًا إنه "ببركة هذا الصليب تشفي". وكان يريد بهذا أن ينسب شفاءها إلى البابا وليس إلى نفسه. وهكذا شفيت، لأن الشيطان لم يحتمل هذا الاتضاع. تحدثنا عن أهمية الاتضاع في حروب الشيطان، مع بعض قصص من سير القديسين. وبقي أن نعرض لسؤال هام وهو: ما هو الأثر العملي للاتضاع للانتصار في حروب الشياطين؟ 1 - المتضع يعترف دائمًا ويطلب من الله المعونة فتأتيه بقوتها، وهكذا ينتصر لأنه لم يعتمد على ذراعه البشري، بل على معونة الله. 2 - المتضع يحترس من أقل الخطايا، ويخاف السقوط فيبعد عن جميع العثرات. وبالتالي لا يلقي نفسه في تجربة ولا يتهاون، وبهذا الحرص الناتج عن الاتضاع ينتصر على الشياطين. 3 - المتضع يكشف حروبه وضعفاته. فيمكن علاجها. وبهذا ينتصر. 4 - المتضع دائمًا يصلي. بل إن أصغر خطية يجعلها موضوعًا لصلاته. وهكذا يدخل الله معه في حروبه. وبهذا ينتصر. 5 - نفس الاتضاع: فضيلة لا يحتملها الشياطين فيهربون. وكما ينتصر الإنسان على الشياطين بالاتضاع، ينتصر أيضًا بالحكمة والإفراز. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
النصرة بالحكمة والإفراز إن أتاك فكر، لابد أن تفحصه جيدًا: هل هو من حروب الشياطين؟ وأين الحق فيه، وأين الباطل؟ وهكذا تفعل مع الرؤى والأحلام، ومع نصائح الآخرين... ومع كل ضلالات الشياطين... ومن أجل هذه المعرفة أو التمييز أو الإفراز، ينبهنا الرسول بقوله: "لا تصدقوا كل روح. بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله؟..." (1يو4: 1). فما هي مصادر الحكمة هذه والمعرفة والإفراز؟ هناك إنسان حكيم بطبيعته. خلقه الله هكذا، ومنحه الذكاء والحكمة والمعرفة، ويستطيع أن يكشف حرب الشيطان ويميزها، ويفرزها عن الفكر الروحي. وهناك من يقتني الحكمة عن طريق القراءة في الكتاب المقدس وفي الكتب الروحية وسير القديسين. ونوع ثالث يقتني الحكمة بالخبرة. وفي كل سقوط يأخذ درسًا ويعرف حيلة العدو، فلا يسقط مرة أخري، وفي ذلك قال أحد القديسين: لا أتذكر أن الشياطين أطغوني في خطية واحدة مرتين. وقد يقتني الإنسان الحكمة عن طريق المشورة والاسترشاد والتعليم. وإذ يميز حرب الشيطان ويكشفها، يبعد عنها، فلا يخدعه العدو. نقول هذا عن الذي يريد أن ينتصر. لأنه هناك إنسانًا يعرف أن هذه حرب من حروب العدو، ومع ذلك يستمر فيها لأسباب داخل نفسه، أو لانحراف، أو لأنه غير قادر على المقاومة... والحكمة كما تكشف حيل الشياطين، تعطي أيضًا وسيلة للتصرف. فالإنسان الحكيم يعرف كيف يفلت من حيل الشيطان: كيف يهرب من فخاخه، وكيف يقوم إذا سقط. وكيف يبعد عن كل سبل الخطية. وإذا لم يعرف، تدعوه الحكمة أن يستشير... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
النصرة بالمشورة والاعتراف الإرشاد الروحي يكشف حيل الشياطين، ويشرح كيفيه النجاة منها. كما أن المرشد يصلي من أجل النفس التي تكشف أفكارها لتنجو. وفي هذا قال القديس بولس الرسول "أطيعوا مرشديكم واخضعوا. لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حسابًا. لكي يفعلوا ذلك بفرح..." (عب13: 17). ولهذا فإن الذي يسلك في الطريق الروحي بهواه، يمكن أن يسقط في فخاخ الشياطين. وقد قيل: الذين بلا مرشد يسقطون مثل أوراق الشجر. من أجل هذا كانت أهمية أب الاعتراف في الكنيسة. تكشف له ما في قلبك وتخجل وتنسحق نفسك أمام الله في حضرته. ويرشك إلى ما ينبغي أن تفعله. والاعتراف يكشف حروبًا ربما المبتدئون لا ينتهبون لها. وكثير من الخطايا منها المعترف بسبب فضيلة الاعتراف. شياطينها لا تحتمل انسحاق المعترف في مذلة فتهرب. كما أن الشياطين تحب أن تعمل في الظلمة، والاعتراف يكشفها. كذلك الإرشاد يكسر فخاخها. والتحليل يضيع تعبها. وهكذا نري أن الإنسان المعترف بخطاياه والمطيع للإرشاد، يسلك في طريق التوبة، وينجو من حروب الشياطين. وحتى إن لم تتركه الخطية تمامًا، فإن قوتها تضعف في مهاجمته. لهذا يحاول الشيطان أن يمنع الاعتراف، ويشكك في أب الاعتراف. يدخل هنا شيطان الخجل ليمنع الاعتراف. ويدخل شيطان الشهوة ليقول "ما الفائدة إن كنت سأعود إليك؟!". ويدخل شيطان الفكر والجدل ليناقش موضوع الاعتراف حمله. ويدخل شيطان الشك ليشك في الاعتراف وأب الاعتراف. أما أنت فكن ثابتًا. واعترف بكل هذا أيضًا. فلا يجد الشيطان حيلة فيك، ويعتبرك خصمًا متعبًا، فيتركك... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
النصرة بالسهر والحرص لا يكفي أن تعترف وتكشف نفسك وتطلب الإرشاد، إنما ينبغي أن تكون ساهرًا على خلاص نفسك. وهوذا الرسول يقول: اصحوا واسهروا، لأن إبليس خصمكم مثل أسد زائر..." (1بط5: 8). اسهروا لأن عدوكم متيقظ وقوي، لئلا يأخذكم في ساعة غفلة أو تهاون أو تراخي، أو في ساعة فتور، أو في حالة نسيان لواجباتكم الروحية وعدم اهتمام بخلاصكم. والكنيسة توجد لنا مناسبات عديدة تنادينا أن نتيقظ: هناك أصوام لنا اصحوا واستعدوا. وهناك قداسات لنا تعالوا تناولوا باستحقاق. وعظات وقراءات واجتماعات كلها تنادينا أن نهتم بأبديتنا، ونحارب حروب الرب بكل اهتمام. لذلك علينا أن نتيقظ لأن الكنيسة تدعونا أن نقول للرب في بدء صلاة نصف الليل "انزع من عقولنا نوم الغفلة، وأعطنا يا رب يقظة...". الشيطان يحب أن يكون (فريسته) متهاونًا ليسهل القضاء عليه. إن المتهاون في واجباته الروحية من السهل أن يسقط، إذ لا يكون محصنًا باستعداد روحي، ولا بالمشاعر الروحية التي تغرسها وسائط النعمة في القلب. لذلك في بعض الأوقات إذا أراد الشيطان إسقاط إنسان، يبدأ معه بسلاح التهاون، فيكسل في صلواته وقراءاته واجتماعاته الروحية واعترافه وتناوله. وإذ لا يكون منتبهًا لنفسه يضربه الشيطان فيسقط. أما الهتم بواجباته الروحية، فإن الله يكون دائمًا أمام عينيه، فيستحي من السقوط، كما أن الله يعينه في حروبه. هناك نوع لا يصحو لنفسه إلا بعد السقوط. مثال ذلك الابن الضال، الذي لم يستيقظ إلا بعد الضياع والاستمرار فيد مدة وكذلك داود النبي حينما سقط لم يكن صاحبًا لنفسه. إنما صحا حينما قال له ناثان "أنت هو الرجل "! وكذلك سليمان الحكيم لم يكن في حكمته حينما سقط. ولم يشعر أن الكل باطل وقبض الريح، إلا بعد أن أغوته النساء...! أما أنت فمادام عدوك يزأر، أعلن حالة التعبئة العامة. قل للشيطان قف عند الحدود لا تتعداها، وجهز أنت كل أسلحتك من صوم وصلاة، وسهر ويقظة قلب، وتوبة قلب، وتوبة واحتراس، وتمسك بالرب. وكن منتبهًا لكل حركة من العدو، لكل رغبة، لكل فكر، لكل حركة من الحواس. وكما يقول الرسول "مستأسرين كل فكر لطاعة المسيح" (2كو10: 5). وفي سهرك الروحي، استمع إلى قول الرسول: "البسوا سلاح الله الكامل، لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس" (أف6: 11). كن ساهرًا "وسيفك على فخذك من هول الليل" (نش3: 8). نقصد سيف الروح، ودرع البر، وترس افيمان (أف6)، وكل الوسائط الروحية. وهذا الاحتراس، أو هذا الاستعداد، يكون معك مدي الحياة. احترس حتى الموت. وكن صاحيًا إلى آخر لحظة "لئلا يأتي بغتة فيجدك نائمًا" (مر13: 36). السيد المسيح حورب حتى وهو على الصليب، حتى قيل له "إن كنت إبن الله إنزل من على الصليب"... فكن إذن مستعدًا باستمرار. ولا تقل ق كبرت، أو قد خلصت! واحترس من الشيطان الذي يحارب باللاهوتيات. لئلا تقول "ارحمني يا رب"، فيأتيك الشيطان وينتهرك قائلًا: لا تقل ارحمني مطلقًا. فقد رحمك الرب منذ زمان حينما فداك على الصليب وخلصك. إذن ما معني كلمة "ارحمني "هذه؟! إنها هرطقة! قل له: لقد رحمني الرب وخلص نفسي. ولكنني لا أرحم نفسي، بل كل يوم أضيع خلاصها، لذلك أصرخ وأقول: ارحمني. اسهر إذن على خلاص نفسك. وفي سهرك أسلك بكل جدية وبكل تدقيق. وكن مينًا جدًا حتى في القليل. فإن أمانتك وتدقيقك وجديتك، تجعل الشيطان يهرب منك، شاعرًا أن حربه معك هي حرب خاسرة. وهناك سلاح هام للانتصار، وهو أهم سلاح، أعني الصلاة. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
النصرة بالصلاة والصوم لما عجز التلاميذ عن إخراج شيطان، قال لهم الرب: هذا الجنس لا يخرج بشيء، إلا بالصلاة والصوم (مر9: 29). وهكذا نري أهمية الصلاة والصوم في الانتصار على حروب الشياطين، أو بمعني آخر أهمية إدخال الله في حياتنا وحروبنا، صارخين إلى الله وقائلين "نجنا من حيل المضاد، وأبطل سائر فخاخه المنصوبة لنا". إننا نفشل في حروبنا إن واجهنا الشيطان وحدنا، بدون الله. إنما نحن نقول لله: عدونا هذا القوي الذي يجول كأسد يزأر، عدونا هذا الماكر الواسع الحيلة، نحن يا رب لا نقدر عليه بمهارتنا وذكائنا، إنما النجاة هي من عندك أنت. نحن على قدر إمكاننا نميز الأرواح، ونعرف الفكر الذي من عنده ونحترس منه. ولكن القوة تأتي من عندك. بقدر إمكاننا نجاهد. ولكن أنت إلى تقودنا في موكب نصرتك. في كل خطية كبيرة أو صغيرة، لا نريد أن نقف وحدنا تجاه الشيطان، إنما لابد أن يقف الله معنا، ولذلك نقول له في بدء صلاة باكر "نسألك أن تحفظنا في هذا اليوم بغير خطية"، ونقول له في ختام هذه الصلاة "هب لنا في هذا اليوم الحار أن نرضيك فيه، واحرسنا من كل شيء رديء، من كل خطية، ومن كل قوة مضادة"، "أحطنا بملائكتك القديسين، لكي نكون بمعسكرهم محفوظين ومرشدين"... والمفروض أن نطلب معونة الله من أول الطريق. كثيرون لا يلجأون إلى الله إلا بعد أن تضيق بهم السبل جدًا، كالذي لا يلجأ إلى الطبيب إلا بعد أن يشتد عليه المرض ويصل إلى حالة سيئة للغاية. أما نحن، فإن الكنيسة تعلمنا أن نصلي من أجل النجاة قبل أن تأتي الحروب... وهكذا تكون صلاة وقائية، قبل اللجوء إلى الصلاة العلاجية. إننا نطلب من الله أن يبطل كل فخاخ الشيطان المنصوبة لنا. ولا ننتظر حتى نقع في تلك الفخاخ، ثم نطلب من الله أن يخرجنا منها! وهكذا في صلاة الشكر نطلب من الله أن يبعد عنا "كل تجربة، وكل فعل الشيطان... وقيام الأعداء الخفيين والظاهرين"... يبعدها عنا قبل أن تجئ... "ولا تدخلنا في تجربة". نحن لا نضطرب أمام حروب العدو، إنما نطلب معونة الله. هذا الشيطان الذي له خبرة 7000 سنة في محاربة البشر، أنا لا أقدر عليه. أما أنت يا رب فأزلي، كائن قبل أن يكون هذا الشيطان. هو صنعه يديك من قبل أن يسقط. وتعرف كل حيلة. وتستطيع أن تربطه وتقيده وتضع له حدودًا، بل وتطرده طردًا. لذلك نجني منه. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
الله يسمع صراخ المساكين هكذا ألجأ إلى الصلاة. لأنك بدونها لا تخلص. وإن فشلت في محاربة العدو، اعرف أنك فاشل في صلواتك. ولو كانت لك صلاة قوية، لانتصرت حتمًا. وتأكد أن الله إن سمع صراخ المساكين، لابد أن يستجيب. إنه نفسه يقول "من أجل صراخ المساكين وتنهد البائسين، الآن أقوم -يقول الرب- أصنع الخلاص علانية" (مز12: 5). لذلك قل له: "قم أيها الرب الإله، وليتبدد جميع أعدائك، وليهرب جميع أعدائك، وليهرب من قدام وجهك كل مبغضي اسمك القدوس" (عد10: 35). قم يا رب "فإن البار قد فني، وقلت الأمانة من بني البشر" (مز12: 1). قم اصنع الخلاص علانية "استل سيفك على فخدك أيها الجبار. استله وانجح واملك" (مز45: 3، 4). إن الشياطين هم أعداؤك يا رب، قبل أن يكونوا أعدائي. إنهم يحاربون ملكوتك في وفي غيري، فحاربهم عني وعن الجميع. ولا تتركنا وحدنا في حروب الشياطين، لأننا بدونك لا نستطيع أن نفعل شيئًا (يو15: 5). إن داود الذي اختبر نصرة الرب في حروبه قال في المزمور: "يمين الرب صنعت قوة. يمين الرب رفعتني" (مز118: 5، 6). فهل جربت يمين الرب في حياتك؟ هل جربت خلاص الرب، الذي قال عنه موسى النبي "قفوا وانظروا خلاص الرب... الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خر14: 13، 14). لو أنك اختبرت هذا، لاستطعت أن تقول أن تقول مع داود النبي "الرب لي معين وأنا أري بأعدائي" (مز118)، يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمينك ربوات، وإليك لا يقتربون" (مز91: 7). إنك جربت تفكيرك وذكاءك وعزيمتك وتداريبك، ومعونات الناس لك، ولكن هل جربت خلاص الرب؟ هل جربت الصلاة القوية الممسكة بقرون المذبح؟ ليتك تفعل... لا تكن كإنسان يقول للرب: أتركني يا رب أن أعمل. وإن وقعت ولم أقدر أن أقوم، سأطلبك. ولماذا تنتظر إلى أن تقع ولا تقدر. أطلبه من الآن، تجد قوته إلى جوارك لكي لا تقع، طبعً أن وقعت وطلبت الله سيقيمك، لكنك ستقوم وأنت مجروح ومكسور! الجأ إلى اليد الحصينة التي تحميك، واصرخ إلى الرب قائلًا "نحنا من حيل المضاد، وأبطل سائر فخاخه المنصوبة لنا"، وحينئذ يتدخل الله لإنقاذك. وحينئذ تغني مع المرتل: "الفخ انكسر ونحن نجونا. عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض" (مز124: 7، 8). أطلب من الرب إذن أن ينصرك كما نصر المجاهدين قبلك، وأن يعطيك قوة كما أعطاهم، وأن يعطيك قوة كما أعطاهم، وأن يعطيك نعمته وفعل روحه القدوس، لكي تكون محصنًا بقوته الإلهية... واطلب إليه أن ينتهر الشيطان كما انتهره من قبل، ويقول له "اذهب يا شيطان" (متى4: 10). |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
اذهب يا شيطان عبارة (اذهب يا شيطان) التي بها انتهر الرب الشيطان، لم تكن للتجربة على الجبل فقط، إنما أيضًا لكل حروب الشيطان مع البشر... فليتك تختبر قوة هذه العبارة في حياتك، حينما يتدخل الرب ويطرد الشيطان، فلا يشتد في حربه عليك، أو على الأقل يفعل كما فعل في التجربة على الجبل ويتركك إلى حين (لو4: 13). فإن وجدت أن الحرب قد رفعت عنك، ووجدت أن الأفكار والشهوات لا تتعبك كما كان يحدث قبلًا. وإن فارقك الفتور وأشرق عليك نور جديد، فأعرف أن الرب قد انتهر الشيطان وطرده... ليذهب بعيدًا عنك. إن الله لا يسمح أن نكون محاربين باستمرار من الشيطان. ولا يسمح أن يمسكنا الشيطان بقبضته. وإن كان الله يترك الشيطان أحيانًا ليجربنا، فذلك لكي ننال الفوائد الروحية التي في هذه الحروب. وعندما يضغطنا الشيطان باليأس أو بالاضطراب، ينتهره الله قائلًا: اذهب يا شيطان. قد تمر على الإنسان أوقات راحة من حروب الشيطان. ويجد نفسه طليقًا في مجال الله، فرحًا بعشرته، بل يتعجب كيف كان يخطئ قبلًا ويسقط. وفي وسط هذا الجو الروحي والجو المريح، يشعر أن المسيح له المجد الذي جرب حروب الشيطان، قد انتهر الشيطان من أجله... وكأنه يقول للشيطان: أنا قد أعطيتك حرية التجربة والاختيار، ولكن ليس إلى هذا الحد. فأذهب يا شيطان... صدقوني يا أخوتي إن الخطايا التي نقع فيها هي شيء قليل من حروب الشياطين التي كان يمكن أن تضغط علينا بعنف. ولكن الله منعها عنا قبل أن تصل إلينا. ولم يسمح للشيطان أن يجربنا بها. أما الحروب التي سمح بها، فهي التي تقدر أن تقاومها. ولو سمح بالأخرى ما كنت تحتمل، وقد تتعرض أحيانًا لحرب قاسية، وتكون على وشك السقوط... ثم تجد أنك نجوت من هذه الحرب بدون أن تشعر. وذلك لأن الله قد تدخل. وقال للشيطان اذهب... إنك ضغطت على هذا الإنسان بعنف... ويذكرنا هذا بأن الله كان يضع للشيطان حدودًا في حربه مع أيوب الصديق: مرة لا يمد يده إليه (أي1: 12)، ومرة لا يمد يده إلى نفسه (أى2: 6). إن عبارة "اذهب يا شيطان "فيها عزاء كبير لنا. تشعرنا أن حروب الشيطان محدودة، وأنه ليست له حرية مطلقة حتى يفعل بنا ما يشاء، ويمنعه ويضع له حدودًا وسدودًا وقيودًا... بل ويطرده. فلنطمئن إذن أن الحروب إذن أن الحروب التي نتعرض لها هي في حدود قوتنا وطاقتنا ومقاومتنا، وانه بإمكاننا أن ننتصر عليها، إن أردنا. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
النصرة على الشيطان إن الله أعطانا سلطانًا على الشيطان، نقول له اذهب فيذهب. ولكننا في أحيان كثيرة لا نشاء أن نقول له: اذهب. أحيانًا نتراخى في حربه، ونعطيه فرصة فينا ومجالًا. وأحيانًا نرضخ ونتراخى ونؤجل طرده. وأحيانًا نفاوضه ونهادنه ولا نكون حازمين معه. بل أحيانًا نستسلم له، أو نتعاون معه... ولا نشاء مطلقًا أن نقول له: اذهب... بل أخشى أن البعض يفتح له قلبه وحواسه، ويرحب به! كثيرون لا يستطيعون أن يطردوا الشيطان بكلمة اذهب يا شيطان. لأن بينهم وبين الشيطان صداقات ومحبة وعشرة. وهناك قيود تربطهم به وتخضعهم لإرادته. بل لو انتهره الرب وذهب عنهم، قد يسعون هم إليه، ويتوسلون إليه قائلين: أرجع إلينا وأعنا...! هم لا يريدون أن يبتعد الشيطان عنهم! إن القلب النقي هو الذي ينتهر الشيطان ويقول له: اذهب. ويفرح بانتهار الرب له. ولكن البعض له حاجة عند الشيطان يستبقيه من أجلها، بل ويدافع عنه! تمامًا مثلما فعل أهل أفسس في دفاعها عن آلهتهم أرطاميس وتمثالها (أع19: 28). لذلك فإن الرب كان أحيانًا - قبل أن يشفي إنسانًا - يسأله أولًا: أتريد أن تبرأ (يو5: 6). فإن شاء الرب أن يطرد الشيطان عنك، استجب له... فلتتحد إرادتك مع إرادة الله في طرد الشيطان من حياتك، مهما كان ذلك سيكلفك، ومهما (أتعبك) ذهاب الشيطان بعيدًا عنك. لأن الكتاب يقول "أمينة هي جراح المحب. وغاشة هي قبلات العدو" (أم27: 6). فقد يقبلك الشيطان متظاهرًا بالحب، موهمًا إياك أنه يسعدك ويحقق شهواتك ورغباتك، لكي لا تطرده من حياتك، بينما هو يعد لك فخاخًا لهلاكك! فلا تصدقه. أدخل إلى أعماق قلبك وفكرك، وقل: اذهب يا شيطان. وحينما ينتهر الرب هذا الشيطان، انتهره معه بكل صدق وبكل حزم وحسم، مع إلغاء كل ما سبق من علاقات بينك وبينه. ولا تحاول أن تجمع بين الله والشيطان في حياتك. لنه "لا شركة بين النور والظلمة" (2كو6: 14). لا تصادق عدوًا لله، ولا تشترك معه في أي عمل. واطرد كل متعلقاته في حياتك وفي بيتك وفي مكتبتك، كل صوره، وكل كتبه ومجلاته، وكل ملاهيه وأغانيه وقصصه، وكل أجهزته، وكل أعوانه. قل له: اذهب يا شيطان، ومعك كل ما ينتمي إليك. واقفل أمامه جميع الأبواب حتى لا يعود إليك. وليكن طردًا، بكل جدية، طردًا نهائيًا، بتصميم... لا طردًا متذبذبًا، مترددًا، قلقًا... كما يقول المثل العامي "عين في الجنة، وعين في النار"! وتأكد تمامًا أن بقاء الشيطان بكل حيلة خسارة لك. واحترس من أن تقبل ريحًا عن طريقه - لأن هذا (الربح) يكون ثمنًا لحياتك وأبديتك... |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
مقابلة الخطية بالوصية احفظ عددًا من الآيات في مواجهة الخطايا التي تحاربك. فمثلًا إن حاربك الشيطان بالغضب قل له "إن غضب الإنسان لا يصنع بر الله" (يع1 "20). أو قول أحد القديسين "ولو أقام الغضوب أمواتًا، فما هو مقبول عند الله، ولا يقبله أحد من الناس". وإن حاربك العدو بنظر شريرة، ضع أمامه قول الرب "من نظر إلى امرأة واشتهتاها، فقد زنى في قلبه" (متى5: 28). وإن حاربك بالزنا، تذكر قول الرسول "ألستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس" (1كو6: 19)، "ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح، أفآخذ أعضاء المسيح، اجعلها أعضاء زانية؟! حاشا" (1كو6: 15). وإن حاربك الشيطان بأخطاء اللسان، ضع أمامك آيات الكتاب "كثرة الكلام لا تخلو من معصية" (أم10: 19)، "ليكن كل إنسان مسرعًا إلى الاستماع، مبطئًا في التكلم" (يع1: 20)، وأيضًا قل "ضع يا رب حافظًا لفمي، وبابًا حصينًا لشفتي" (مز141: 3). وإن حاربك الشيطان بمحبة العالم الحاضر، وما فيه من مغريات، ضع أمام ذلك قول الكتاب "محبة العالم عداوة لله" (يع4: 4). وأيضًا "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب" (1يو2: 15)، "العالم يمضي وشهوته معه" (1يو2: 17)،وأيضًا تذكر كل ما ورد في سفر الجامعة عن هذا الموضوع، وبخاصة قول الكتاب "باطل الأباطيل. الكل باطل وقبض الريح. ولا منفعة تحت الشمس" (جا1: 2، 14، 2: 11). وإن حاربك الشيطان بالكبرياء، تذكر قول الكتاب "قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم16: 18). وأيضًا "يقاوم الله المستكبرين. أما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (يع4: 6، 1بط5: 5). إن أسلوب مواجهة الخطية بالوصية، من نصائح القديس مار أوغريس. وهو موجود بأسلوب واسع جدًا في ميامره عن (حرب الأفكار)، تستطيع أن تقرأها في مخطوطات الأديرة. ومع ذلك فأنت تستطيع أن تستخرج لنفسك من الكتاب مجموعة من الآيات تستخدمها في حروبك، وتحفظها جيدًا في ذاكرتك. إن كلمة الله حية وفعالة (يع4: 12) ولها تأثيرها. وثق أنك حينما تتذكرها لابد سيكون لها عمل رادع داخل نفسك. وهكذا قال الرب "كلمتي التي تخرج من فمي لا ترجع إلى فارغة. بل تعمل ما سررت به، وتنجح في ما أرسلتها له" (أش55: 11). جرب إذن قوة كلمة الرب في حروب الشياطين. |
رد: كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
فوائد الحروب الروحية https://images.chjoy.com//uploads/im...913bce2554.jpg ----------------------- إن الله لا يمنع عنا حروب الشيطان. ولكنه يقف معنا فيها، وأيضًا يجعلها لفائدتنا الروحية. ومن أجل هذا، فإن القديس الأنبا أنطونيوس، بعد أن عاش معه القديس بولس البسيط فترة محتميًا تحت ظل صلواته، طلب منه الأنبا أنطونيوس أن يسكن وحده، لكي يستطيع في الوحدة أن يجرب حروب الشياطين، ويقتني منها فائدة لنفسه. فما هي الفوائد الروحية التي تقتني من حروب الشياطين؟ والتي مارسها المتوحدون في البراري والقفار حتى تفرغوا لمحبة الله، وبالتالي لقتال العدو؟ 1 - الفائدة الأولي هي الاتضاع: ================== كلما تشتد حروب الشياطين على إنسان في قوة وعنف، يشعر بضعفه أمامها فيزول عنه انتفاخه، وينسحق قلبه من الداخل، ويري أنه معرض للسقوط، وأن إرادته ليست معصومة من الخطأ. ويعرف أن الخطية "طرحت كثيرين جرحي، وكل قتلاها أقوياء" (أم7: 26). 2 - الصلاة والتمسك بالله وطلب معونته: ======================= الإنسان وهو مستريح، قد لا يطلب المعونة الإلهية، وقد لا يشعر انه في مسيس الإحتياج إليها. ولكنه إذا اشتدت عليه الحرب، يصرخ إلى الله لينصره على عدو قاس وهكذا إذ يشعر بضعفه يتمسك بالرب في صلاة عميقة، وفي صلات قوية، هذا الذي قال "أدعني في وقت الضيق، أنقذك فتمجدني" (مز50: 15). 3 - الحروب الروحية تدعو إلى الإشفاق على المخطئين: ================================= الذي لم تحاربه الشياطين، قد يقسو على المخطئين ويدينهم في سقوطهم. أما الذي حورب. وقد جرب عنف العدو، فإنه يشفق على كل خاطئ ويصلي لأجله. وكما قال القديس بولس الرسول "أذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم. واذكروا المذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد (عب13: 3)، وقال عن رب المجد "لأنه فيما هو قد تألم مجربًا، يقدر أن يعين المجربين" (عب2: 18). 4 - والحروب الروحية تعطي الإنسان خبرة: ========================= فيتمرس بالقتال، ويتعلم الحرب، ويعرف حيل العدو وفنونه، ويأخذ خبرة سواء من قيامة أو سقوطه. والمعروف أن كل ارتقاء درجة يسبقه امتحان، من يجتازه يرتفع هذه الدرجة كما يحدث لطلاب العلم. وبهذا نري أن الذين قد دخلوا في حروب العدو اكتسبوا خبرة. والخبرات الروحية هذه هي مدرسة تخرج مرشدين روحيين، قادرين على معونة غيرهم وتشجيعم وكشف حيل العدو لهم. 5- والحروب بركة ننال بها أكاليل: =================== وكما قال أحد القديسين: لا يكلل إلا الذي انتصر. ولا ينتصر إلا الذي حارب. وفي احتمالنا لحرب العدو، وصمودنا فيها، ومجاهدتنا ومقاومتنا، في كل ذلك تظهر محبتنا للرب، وننال على ذلك أكاليل. وكما قال أحد الآباء: ليس الجنود المنتصرون هم فقط الذين ينالون أكاليل في الحرب، وإنما أيضًا الذين جرحوا وأصيبوا، ما داموا لم يستسلموا للعدو وقاتلوه. 6- والحروب تعطينا باستمرار روح الصحو والاستعداد: ============================== وكما قال الرب "لتكن أحقاؤكم ممنطقة، ومصابيحكم موقدة" (لو12: 35). شعور الإنسان بأنه في حرب، يجعله باستمرار مستعدًا للقتال، يستخدم كل الوسائط الروحية من صلاة وصوم وإتضاع ومشورة روحية، لكي ينتصر. بينما ربما لو خفت الحروب، لقاده ذلك إلى الفتور الروحي. أما الحرب فتجعله في حالة تأهب مستمر، وفي حالة حرص وتدقيق. والخوف من السقوط يجعله يستعد بأكثر قوة حتى ينتصر. 7- والحروب الروحية تجعلنا أقوياء لا نخاف: ======================== إنما يخاف الحرب، الشخص الذي لم يدخلها ولم يقاتل. أما الذي يجرب الحروب، فإن ذلك يعطيه شجاعة وجسارة قلب. وما يأخذه من أكاليل يشجعه على دخول حروب أخرى، ولا يخشى الفشل في الحرب. هل يستطيع تلميذ أن يقول إنني من خوف السقوط لا أدخل الامتحان، بل ولا أدرس ولا أدخل مدارس؟! كلا. بل هو يدخل الامتحانات في شجاعة قلب، ويقول: سأنتصر على كل مصاعب العلم وامتحاناته. 8- والحروب الروحية هي مدرسة للإيمان: ======================== نرى فيها يد الله كيف تتدخل، وكيف تعين وتنصر، وكيف تنتهر العدو، وكيف تعطي داود الصغير القوة لينتصر على جليات الجبار. وهكذا تعمق إيماننا في محبة الله ورعايته وعمله لأجلنا. 9- والحروب الروحية هي مبدأ تكافؤ فرص للشيطان: ============================== أخذ الفرصة التي يقاتل فيها، وبكل قوته. لئلا يحتج الشيطان على أولاد الله ويقول: لماذا يكافئهم الرب؟ إنني لو أخذت فرصة لأسقطتهم، كما اشتكى أيام أيوب، وأخذ فرصته، وبقي أيوم محتفظًا بكماله (أي 2). فالله يسمح للشيطان بأن يحارب المؤمنين، ويعطي المؤمنين قوة على الإنتصار، ويخرج الشيطان في خزي. 10- وأخيرًا فالحروب الروحية تفتح أبواب الملكوت لنا، وتحدد درجتنا فيه: ========================================= وكل إنسان ينال أجرته بحسب تعبه، وبحسب جهاده. وبهذا نرى المؤمنين يبذلون كل جهدهم لكي يعبروا لله عن حبهم. لأنه كيف يظهر حبهم دون أن يُختبر بالحروب الروحية. وكيف تتحدد درجتهم في الملكوت بدون هذا الاختبار الروحي. فليكن الرب معنا في كل حروبنا الروحية، يقودنا في موكب نصرته. |
الساعة الآن 04:47 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025