منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كتب البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=245822)

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:07 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الشهوة

هناك شهوات للجسد والنفس والروح.
شهوة الجسد هي الخطية كشهوة الحواس، شهوة الزنى، وشهود البطن.
وشهوة النفس أحيانًا تكون نوعًا من حب الذات وحب النفس. ولنضرب مثالًا في كل ذلك بسليمان الحكيم:
لقد سلك في هذه الشهوات فقال "مهما إشتهته عيناى، لم أمنعه عنهما" (جا 2: 1)،وشرح تفاصيل ذلك فقال "بنيت لنفسى بيوتًا. غرست لنفسى كرومًا. عملت لنفسى جنات وفراديس، وغرست فيها اشجارًا من كل نوع ثمر. عملت لنفسى برك مياه. قنيت عبيدًا وجوارى.. جمعت لنفسى فضة وذهبًا.. اتخذت لنفسى مغنين ومغنيات وتنعمات بنى البشر سيدة وسيدات" (جا 2: 4 – 8).
هنا شهوة الجسد، وشهوة العيون، وشهوات باقى الحواس.. هذه هي شهوة الجسد، ووجدها باطلة وقبض الريح.
وماذا إذن عن شهوات النفس؟ يقول "لم أمنع قلبى من كل فرح. لأن قلبى فرح بكل تعبى. وهذا كان نصيبى من كل تعبى..".. وهنا نقول:
فرح سليمان بكل غناه وشهوات جسده كان فرحًا نفسانيا.
ولم يكن فرحًا روحيًا على الاطلاق. فما هو الفرح الروحي؟

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:10 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الفرح


الفرح النفسانى، هو فرح بشهوات الجسد، كما فرح سليمان بكل متعه وغناه أما فرح الروح فهو الذي يقول عنه الكتاب: "افرحوا في الرب كل حين.." (فى 4: 4).
تقرأ عن فرح سليمان في (جا2). فلا تجد إسم الرب إطلاقًا..! إنه فرح بالجنات والفراديس، والشجر، والبقر، والذهب، والفضة، والسيدات والمغنيات.. وليس بروحه وصلة روحه بالله. إنه مجرد فرح نفسانى، باطل وقبض الريح.. لهذا نحن نفرق في أمور الفرح بين تعبيرات عديدة مثل اللذة (وهى خاصة بالجسد والحواس)، والسرور، والفرح (وبعضها خاص بالنفس والآخر بالروح).
الفرح بالرب هو فرح روحانى:
تفرح لأنك عرفت الله، تفرح لأن لك صلة بالله وعشرة، تفرح بسكنى روح الله فيك وارشاده لك. تفرح لأنك نلت مذاقة الملكوت، تفرح لانتصار روحك التي حررها الله (يو 8: 36). تفرح لأنك استطعت أن توصل الناس إلى الله.


تلاميذ المسيح وقعوا أحيانًا في الفرح النفسانى.
إنه فرح من نوع فرح سليمان، بل هو نوع أرقى منه، ولكنه مرفوض ايضًا. رجع السبعون إلى الرب فرحين، بعد إرساليتهم التبشيرية، وقالوا له "حتى الشياطين يا رب تخضع لنا باسمك" (لو 10: 17) فوبخهم الرب على هذا الفرح النفسانى، وقال لهم "لا تفرحوا بهذا، إن الأرواح تخضع لكم. بل افرحوا بالحرى أن اسماؤكم قد كتبت في السموات" (لو 10: 20). وهكذا فرق الرب بين نوعين من الفرح: نوع وبخ عليه، ونوع دعا إليه.
مثال آخر وهو فرح البعض بموهبة الألسن وما يشابهها.
إنه فرح بشئ يمجده أمام الناس ويرفع شأنه!! يريد أن يتعظم على حساب مواهب الله.. وكان الفضل أن يهتم بنقاوة قلبه وامتلاء القلب بثمار الروح،وفي ذلك قال الرسول "لو كنت اتكلم بألألسنة الناس والملائكة، وليس له محبة، فقد صرت نحاسًا يطن وصنجًا يرن" (1كو 13).
إذن افرح بثمار الروح، أكثر تفرح بالمواهب.
ثمار الروح التي هي "محبة وفرح وسلام، وطول أناة ولطف وصلاح وإيمان ووداعة وتعفف" (غل 5: 22، 23). وهذه توصلك إلى الملكوت بينما المواهب والآيات والرؤى ربما لا توصل..! يقول السيد الرب:
"كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم "يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ أصرح لهم: إنى لم أعرفكم قط. اذهبوا عنى با فاعلى الإثم" (متى 7: 22، 23).
قيل عن القديس يوحنا المعمدان، إنه لم يصنع آية واحدة (يو 10: 41). ومع ذلك شهد له الرب إنه أعظم من ولدته النساء (يو 11: 11). وفي التبشير بمولده قيل عنه إنه "من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" (لو 1: 15). فلا تفرح إذن بالآيات.
القديس بولس الرسول خاف من كثرة الرؤى والاستعلانات.
لأنها خطيرة، ربما ترفع قلبه. ولذلك قال "وائلا ارتفع بفرط الإعلانات، أعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمنى لئلا ارتفع" (2كو 12: 7). وصلى ثلاث مرات أن يرفع الله عنه هذه الضربة، ولم تقبل صلاته في ذلك..
أم يعقوب ويوحنا الرسولين وقعت في الفرح النفساني الباطل.
فجاءت إلى السيد الرب تطلب إليه أن يجلس أحد إبنيها عن يمينه، والآخر عن يساره في ملكوته (متى 20: 20، 21). ولكن الرب لم يشأ أن يكون لها فرح بالعظمة، بل أن يكون لإبنيها فرح بالألم. فقال لهما "لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربًا الكأس التي أشربها، وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها" (متى 20: 22)0
حقًا إن الفرح بالألم هو جزء من الفرح الروحي.
ولذلك بعدما سجنوا التلاميذ وجلدوهم، يقول الكتاب عنهم "وأما هم فذهبوا فرحين، لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه" (أع 5: 41). ويقول القديس بولس الرسول "لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهاده لأجل المسيح" (2كو 12: 10).. وهكذا كان سرور الشهداء والمعترفين القديسين بملاقاة العذابات والموت. إنه فرح روحانى.
إن الذي يفرح بأن ينال موهبة المعجزات والآيات، هو ما يزال في مستوى الفرح النفسانى. أما الفرح الروحانى، فهو الفرح بالرب وليس بمواهبه، وما تجلبه المواهب من عظمة..
* ولعل من الأمثلة البارزة تلك القديسة العظيمة التي ذبحوا أبناءها الخمسة على حجرها وهى تشجعهم على الاستشهاد، لكي يفرحوا مع الرب في ملكوته. وهى أيضًا فرحت باستشهادهم..

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:11 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الإنسان الروحي من صفاته: ضبط النفس

من ضمن الصفات الأساسية التي يتصف بها الإنسان الروحي "ضبط النفس". فهو لا يترك نفسه تخضع لرغبات الجسد وشهواته بل كلما اشتهت نفسه شهوة خاطئة، يخضعها بكل حزم لقيادة الروح. وكما يقول الكتاب: "مالك روحه خير ممن يملك مدينة" (أم 16: 32).
يملك نفسه أو يضبطها، أي لا يعطيها كل ما تريد. بل يقف ضدها، عملًا بقول السيد الرب "من يحب نفسه يهلكها. ومن يبعض نفسه في هذا العالم، يحفظها إلى حياة أبدية" (يو 12: 25).
إن ضبط النفس يشمل بلا شك عناصر كثيرة:
1- ضبط اللسان.
2- ضبط الفكر.
3- ضبط القلب، يضبط الرغبات والشهوات.
4- ضبط الأعصاب. ضبط البطن من جهة الأكل.
والذي يحكم نفسه، يجعلها خاضعة لقيم ومبادئ، وأنظمة وقوانين. لأن الذي لا يحكم نفسه، إنما يسلمها في الواقع إلى الضياع..
والذي يضبط نفسه، يحبها المحبة الحقيقية..
لأن الذي يدلل نفسه، يضيعها ويضيع غيرها معها،أما الذي يكون حازمًا مع نفسه، فإنه بهذا الحزم ينقذها، وينقذ غيرها منها، ويحفظها في علاقة طيبة مع الله وينظم اهتماماته وعلاقاته هكذا: الله، الناس ثانيًا، نفسه أخيرًا..

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:14 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
ضبط اللسان

الإنسان الروحي لا يتكلم بكل ما يأتى على فكره من كلام وأفكار. بل يزن كل كلمة قبل أن يقولها وميزانه لا يقتصر فقط على كنه الكلمة هل هي في حد ذاتها خطأ أم صواب..
إنما يهمه أيضًا تأثير الكلمة على الآخرين، ودود فعلها، ونتائج ذلك..
فالذى يعرف نتائج أخطاء اللسان، وأى نار يحرق، وكيف يدنس الجسم كله (يع 3: 5، 6)،هذا الإنسان يحترس جدًا قبل أن يتكلم، ويقول: "ضع يا رب حافظًا لفمى، وبابا حصينا لشفتى" (مز 141: 3).
إنه يعرف أن الكلمة التي تخرج من فمه، لا يمكن أن ترجع مرة أخرى، لأنها قد وصلت إلى آذان السامعين وحسبت عليه، مهما حاول أن يسحبها أو يعتذر عنها أو يحاول إصلاح نتائجها..! بل أصبحت سببًا للدنيونة، حسب قول الرب إنه "بكلامك تتبرر، وبكلامك تدان" (مت 12: 37).

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:14 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
ضبط الفكر

الإنسان الروحي، كما يضبط لسانه، يضبط فكره أيضًا. فلا يترك عقله يسرح في أي فكر، ولا يقبل أي فكر خاطئ يأتى إليه، بل يطرده بسرعة، ولا يتساهل أبدًا معه..
كذلك لا يقبل الأفكار التي تبدو بسيطة في أولها، ثم تتدرج إلى ما لا يليق.. إنه يكون حازمًا مع هذه الأفكار التي تلبس ثياب الحملان وهى ذئاب خاطفة.. ويقول في داخله عن الشيطان، مثلما قال الرسول "نحن لا نجهل أفكاره" (2كو 2: 11).
وإن خدعه فكر ثم اكتشفه، يوقفه بسرعة.
لأن التمشى مع الفكر الخاطئ خيانة للرب، وإعطاء الفكر لأن يثبت أقدامه، ويكبر ويتطور، إلى أن يؤثر على القلب، ويتحول إلى شهوة فيه. فالأفضل التخلص منه من بادئ الأمر.
والإنسان الروحي لا يكتفى يضبط الفكر ومنعه من الخطأ، إنما بالأكثر يشغل عقله بأفكار روحية نقية،حتى إذا جاء الشيطان ليحاربه بفكر ردئ، يجد عقله منشغلًا بتأمل روحى وغير متفرغ له.. ويستطيع الجو الروحي الذي في عقله، أن يمنع أي الفكر خاطئ من لاقتراب إليه.. كحصن حصين..

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:16 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
ضبط الحواس

لما كانت الحواس هي أبواب للفكر.. لذلك فالإنسان الروحي يضبط حواسه. لكي يضبط فكره فهو يحفظ عينيه، ويحفظ سمعه. وإن وصل إلى حواسه شيء يجلب الفكر يخليه خارجًا بسرعة.
يلجأ إلى سياسة الإحلال. فيضع فكرًا بدلًا من فكر.
كما كان القديس الأنبا يوحنا القصير يفعل، إن سمع شيئًا غريبًا.. أو كما قال الأنبا أور لتلميذه "أنظر يا أبنى، لا تدخل هذه القلاية كلمة غريبة"..

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:16 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
ضبط الأكل والشرب

كثيرون يهتمون بضبط أنفسهم فيما يختص بالأكل بما اصطلح على تسميته بالريجيم، لتخفيف الوزن إما للعلاج من السكر، أو من الكلوسترول، أو بسبب مرض القلب، أو لتحاشى السمنة.. إلخ.
أما الإنسان الروحي فيضبط نفسه في الأكل والشرب لأسباب روحية، يدخل فيها النسك والصوم. ويتخذ من ضبطه لنفسه وسيلة لإخضاع الجسد، لكيما يعطى فرصة للروح..
إن أمنا حواء لم تضبط نفسها من جهة الأكل، فخالفت وصية الرب وأكلت من الشجرة المحرمة، وهكذا فعل أبونا آدم أيضًا، وكانت الخطيئة الأولى..
وسبق ذلك السقوط عدم ضبط الحواس، سواء في السماع للحية، أو في النظر إلى الشجرة، فإذا هي "جيدة للأكل، وبهجة للعيون، وشهية للنظر" (تك 3: 6).. حقًا إن خطيئة يمكن أن تقود إلى خطيئة أخرى.. فتنتقل من الحواس، إلى الفكر، إلى القلب، إلى العمل.

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:18 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
من جهة الغضب

أو ما يمكن أن نسميه "ضبط الأعصاب".
الإنسان الروحي يحاول أن يبعد عن الغضب، عملًا بقول الكتاب "إن غضب الإنسان لا يصنع بر الله" (يع 1: 20).
وإن وجد الغضب تحرك في قلبه، لا يتركه يسيطر على لسانه وعلى أعصابه
وهكذا يبذل جهده في السيطرة على الألفاظ في وقت الغضب. إما أن يصمت، أو يتحكم في كلامه، أو بالأكثر يصرف الغضب من داخل قلبه.. وبكافة الطرق يحاول أن يهدئ نفسه، فلا يثور، ولا يرتفع صوته، ولا يحتد.. كما يحاول أن يهدئ ملامحه أيضًا.. ويعمل يقول الرسول "ليكن كل إنسان مبطئًا في التكلم، مبطئًا في الغضب" (يع 1: 19). فالذي يسرع إلى الغضب، يقع في التهور، ويسقط في خطايا كثيرة. وقد يتصرف تصرفات يندم عليها جدًا حينما يهدأ. ويشعر أنه في غضبه قد فقد صورته الإلهية، وصار عثرة لكثيرين..
والإنسان الروحي لا يكتب خطابًا في ساعة غضب. ولا يتخذ قرارًا في ساعة غضب.
ولو كتب خطابًا في وقت غضبه، لا يسرع بإرساله، إنما يتركه يومًا أو يومين، ثم يعود إلى قراءته وتنقيحه، أو يمزقه ويكتب غيره، حتى لا يصبح وثيقة خطية ضده، وتكون له نتائجه غير المرضية،وبالمثل بالنسبة إلى القرارات التي يتخذها إنسان في ساعة غضب، وتسمى قرارات انفعالية، غالبتها مخطئة وغير حكيمة. ويقول الكتاب إن "الغضب يستقر في حضن الجهال" (جا 7: 9).

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:19 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
في العقيدة والتعليم

والإنسان الروحي يضبط نفسه أيضًا من جهة العقيدة والتعليم:
فلا يسرع بنشر أي فكر يدخل إلى ذهنه، نتيجة للقراءة مثلًا.. فيعلم به، أو يكتبه في مقال، أو يصدره في كتاب، أو يلقيه في دروس.. فكثير من الأفكار تحتاج إلى فترة حضانة طويلة، يأخذ فيها الإنسان مع الفكر ويعطى، ويناقش الفكر داخل ذهنه، قبل أن يصدره إلى أذهان الناس..
الفكر داخل ذهنك هو تحت سيطرتك. فإذا نشرته، أصبح تحت سيطرة الناس.
أخرج من نطاقك إلى نطاق أوسع، يحكم فيه عليه وعليك،وما أصدق القديس مقاريوس الكبير حينما قال "احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك "ولعله أخذ هذه العبارة من القديس بولس الرسول "لأننا لو حكمنا على أنفسنا، لما حكم علينا" (1كو 11: 31).. لذلك فالإنسان الروحي يضبط نفسه، فهذا خير من أن يضبطه غيره..

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:19 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
في الطاعة والالتزام

وهو يضبط نفسه أيضًا من جهة الالتزام، ومن جهة الطاعة والخضوع
لأن هناك نوعًا من الناس، باسم الحرية، وباسم الكرامة الشخصية أو الاعتداد بالنفس، يفعل كل ما يريد، ولا يبالى بنظام، أو تقاليد، أو قواعد معينة..! حقًا إننا نؤمن بديمقراطية من ضبطه.
وما أجمل مثال النهر، يجرى في مجراه ولكن يحده شاطئان. لا يعتديان على حريته في مجراه، وإنما يضبطانه. فلا يفيض ويتحول إلى مستنقعات..
الإنسان الروحي هو إنسان ملتزم. يحترم النظام والقواعد المرعية، ويحترم غيره أيضًا.
ويطيع الرسول حينما يقول "اعطوا الجميع حقوقهم.. الإكرام لمن له الإكرام، والخوف لمن له الخوف" (رو 13: 7)، أما الذي يسير على هواه، ولا يخضع لأحد، لا يخضع لكبير ولا لنظام، بل لفكره فقط.. فهذا ليس إنسانًا روحيًا، وهو أيضًا لا يطيع تعليم الكتاب، ولا يلتزم بشيء..
الإنسان الروحي يضبط نفسه من جهة الطاعة..
طاعة الوالدين، طاعة أب الاعتراف، وطاعة النظام، وطاعة المواعيد، وطاعة الله قبل الكل.. ولا يرى في الخضوع أي إنقاص من كرامته إطلاقًا. فالخضوع دليل على الاتضاع، والاتضاع فضيلة. والإنسان الذي لا يخضع لأحد، هو بالضرورة خاضع لكبريائه، أو خاضع لنزواته.

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:20 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
في الطموح والرفعة

الإنسان الروحي يضبط نفسه من جهة الطموح وحب العظمة والارتفاع.
كلما يجد ذاته حكيمًا في عينى نفسه، أو بارًا في عينى نفسه، يحاول أن يضبط نفسه حتى لا يرتئى فوق ما ينبغى (رو 12: 3). ولا يرتفع نفسه فوق ما قسم له الله (رو 12: 3).
إن الشيطان لم يستطع أن يضبط نفسه من جهة محبة الارتفاع، ففيما اراد أن يرتفع فوق كواكب الله (أش 14: 14) سقط وكان سقوطه عظيمًا..
الإنسان الروحي يضبط نفسه ليس فقط من جهة محبة الارتفاع، إنما حتى من جهة المواهب.
أو أن الله نفسه يقيم له ضابطًا حتى لا يرتفع. انظر إلى بولس الرسول وهو يقول "ولئلا ارتفع من فرط الإعلانات، أعطيت شوكة في الجسد. ملاك الشيطان ليلطمني لكيلا ارتفع" (2كو 12: 7)
كلما يرتفع فكرك يا أخى، اضبطه،ولا تظن في نفسك أكثر من حقيقتك. وضع حدودًا لطموحاته التي قد تدفعك إلى مقارنة نفسك بغيرك. فتجد أنك أعلى وأكبر، فتفقد الطاعة، وتفقد الاتضاع، وتفقد الالتزام، وتفقد احترامك لغيرك.. بل ضع أمامك باستمرار قول الكتاب "وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم 16: 18).

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:21 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
في الحياة كلها

إن ضبط النفس يشمل الحياة كلها..

فالإنسان الروحي يضبط نفسه من جهة محبة الراحة أو المتعة. يضبط نفسه من جهة الوقت وحسن توزيعه على المسئوليات، واحترام المواعيد.. يضبط نفسه من جهة الانتقام لنفسه إذا لحقته إهانة أو إساءة. يضبط نفسه من النواحي المالية، ومن جهة أخذه وعطائه. يضبط نفسه في علاقاته مع الآخرين، وإلى أي حد تكون.. يضبط مشاعر قلبه وأحاسيسه، فلا تنحرف يمنه ولا يسره.. وحتى من جهة العبادة، ومن جهة الخدمة، وفي إشرافه على الغير، وفى جميع مسئولياته، يضع لنفسه ضوابط.
وأخيرًا أن أقول ملاحظة هامة وهى:
الذى لا يضبط نفسه، قد يأتيه الضبط اللازم من الخارج:
إن لم ينضبط داخليًا، يأتيه الانضباط على الرغم من إرادته: من المجتمع الذي يرقب تصرفاته ويحاسبه، من عيون الناس التي ترى، وآذانهم التي تسمع.. يضبطه الخوف أو الخجل، أو تضبطه القوانين والعقوبات، أو يضبطه القوانين والعقوبات، أو يضبطه التأديب من سلطة أعلى.
أو يضبطه المرشدون الروحيون. أو تضبطه مقاومة خارجية توقفه عند حده، وتمنعه من أي تصرف خاطئ.،عجيب أن داود النبي، لما لم يستطع أن يضبط نفسه ويمنع نفسه من الانتقام لذاته، اتاه الانضباط من الخارج، من توبيخ أبيجايل له، في حكمة وأدب (1صم 25).
خير للإنسان أن يضبط نفسه روحيًا، وينال أجرًا إلهيًا على ذلك، من أن يضطر إلى الانضباط بقوة خارجية، أو أن ينضبط بغير إرادته..
أما الإنسان الروحي، فإنه يضبط نفسه من الداخل. وإن وجد مقاومة، يلجأ إلى التغصب وإلى التداريب الروحية، ساعيًا باستمرار إلى نقاوة القلب، وإلى قداسة التصرف..

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:23 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الأشياء التي ترى

المادة من الأشياء التي ترى، لذلك فهى وقتية، لا تدوم إلى الأبد. وإن لم نفارقها نحن، فلابد أنها هي ستفارقنا. لذلك قال الله للغنى الغبى من جهة كل أمواله، ومخازنه "هذا الذي أعددته، لمن يكون؟!".
لذلك سعيد من يكنز له كنوزًا من السماء، في نطاق ما لا يرى.. فتتحول كنوزه من أشياء مرئية، إلى أشياء غير مرئية.. تتحول إلى روحيات..
العالم أيضًا من الأشياء التي لا ترى، من الأشياء الوقتية.
لذلك قال الرب إن السماء والأرض تزولان. وقال يوحنا الرائى "أبصرت سماءًا جديدة، وأرضًا جديدة. لأن جديدة. لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا، والبحر لا يوجد فيما بعد" (رؤ 21: 1).
كلها أمور زائلة، لأنها من المرئيات لهذا فإن الكنيسة تردد على آذاننا في كل قداس قول الرسول:
"لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. لأن العالم يبيد، وشهواته معه" (1يو 2: 15، 17)
من هنا وجدنا أن آباءنا القديسين قد بدأوا حياتهم الروحية بالموت عن العالم. وفترة حياتهم في العالم، قضوها فيه كغرباء وليست لهم هنا مدينة باقية، بل يبتغون وطنًا أفضل سماويًا" (عب 11: 13، 16). غير ناظرين المرئيات.

ولعل البعض يسأل: ماذا أفعل عمليًا؟ كيف أترك العالم والمادة، وأنا أحيا فيهما؟ إن الرسول يجيب على هذا بقوله "يكون الذين يستعملون العالم كأنهم لا يستعملونه، لأن هيئة هذا العالم تزول" (1كو 7: 31).
إذن عش في العالم، لكن لا تجعل العالم يعيش فيك. يمكنك أن تملك المادة ولكن لا تجعل المادة تملكت.
العالم مكانه في الخارج ولا يدخل إلى داخل قلبك أو فكرك أو مشاعرك تستعمل ما فيه من مادة، وأنت متحرر في الداخل من سيطرتها ومن محبتها.
وكل ما تفقده من أمور العالم، لا تحزن عليه، لأنه لا يصحبك في اليوم الأخير وبالتالى لا تشتهى أن تقتنى من العالم شيئًا، فقد قال الرب:
"ماذا ينتفع الإنسان، لو ربح العالم كله، وخسر نفسه" (مت 16: 26).
وعبارة "غير ناظرين "تعنى عدم الاهتمام، وعدم الانشغال، بشئ من أمور المادة والعالم، لأن الفكر منشغل بشئ آخر روحى من الأمور التي لا ترى. وكما قال الرسول "أريد أن تكونوا بلا هم" (1كو 7: 32).
والإنسان الذي لا يهتم بشئ من المرئيات، يعيش بلا شك سعيدًا، ويتحرر من الشهوة ومن الخوف..
وفى ذلك قال القديس أوغسطينوس جلست على قمة العالم حينما أحسست في نفسى أنى لا أشتهى شيئًا ولا أخاف شيئًا.
إن الإنسان الذي ارتفع فوق مستوى الماديات، هو حصن منيع لا ينهدم، هو فوق العالم، وهو فوق الجسد أيضًا.
فهذا الجسد المادى هو أيضًا من الأمور الوقتية الزائلة، لأنه خاضع للحواس. وسيأتى وقت ننطلق فيه منه، حينما نخلعه، ونلبس جسدًا آخر روحانيًا نورانيًا غير قابل للفساد هو جسد القيامة الممجد
أما هذا الجسد فسيأكله الدود، ويتحول إلى تراب، وحينما يقوم سوف يقام جسدًا روحانيًا قد تخلص من سيطرة المادة ومتطلباتها وضعفاتها.
أنت على صورة الله ومثاله والله روح. عش إذن في الروح.
والروح من الأشياء التي لا ترى. وفي حياة الروح، تخلص من شهوة الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة وتمسك بالأشياء التي تبقى معك في الأبدية. أما الأمور المرئية فلا تهتم بها، ولا تجعلها تسبب لك همًا..
كان السيد المسيح على الجبل، مع الاب، منشغلًا بالأمور التي ترى فماذا كانت تجربة الشيطان له، في صورها الثلاثة المتحدة في الهدف؟
كانت التجربة هي محاولة جذبه مما لا يرى، إلى عالم المرئيات..
جذبه إلى الحجارة التي يصيرها خبزًا لطعام الجسد.. إلى المناظر التي تستهوى الحواس، إلى ممالك الأرض ومجدها.
أما السيد المسيح، فتمسك بالأشياء التي لا ترى.. بالروح التي تتغذى بكل كلمة تخرج من فم الله لذلك رفض كل تلك الماديات، ولم تترك في نفسه أثرًا.
إن الإغراء الذي تعرض له أبوانا الأولان كان هو المرئيات..
إنه الشجرة، والثمرة، التي كانت أمامهما "شهية للنظر وبهجة للعيون" (تك 3: 6)،وبنفس الوضع كانت سادوم بالنسبة إلى لوط، أرضًا معشبة، صالحة للمرعى "كجنة الله، كأرض مصر" (13: 10).
أنظروا إلى قصة يوسف وإمرأة فوطيفار، كانت هي ناظرة إلى الأمور التي ترى، إلى جمال الجسد وشهوته. أما يوسف فكان ناظرًا إلى الرب "كيف أخطئ إلى الله؟!" (تك 39: 9). ولم ينظر مطلقًا إلى الأشياء التي ترى، الوقتية.. لذلك خلص يوسف، وسقطت المرأة..
وبنفس الوضع سقط سليمان:
إن مأساه سقوطه كان سببها قوله "مهما أشتهته عيناى، لم أمنعه عنهما" (جا 2: 10).
لذلك قال "بنيت لنفسى بيوتًا. غرست لنفسى كرومًا. عملت النفسى جنات وفراديس.. جمعت لنفسى أيضًا فضة وذهبًا.. أتخذت مغنين ومغنيات، وتنعمات بنى البشر سيدة وسيدات.." (جا 2: 4 – 10). وماذا كانت النتيجة؟ قادته كلها إلى البعد عن الله (1مل 11).
واكتشف أخيرًا أن كل هذه المرئيات هي "باطل الأباطيل. الكل باطل وقبض الريح، ولا منفعة تحت الشمس". (جا 2: 11).
ولكنه أكشف هذه الحقيقة متأخرًا بعد أن أثرت على روحه، وبردت نفسه وأسقطته فيما لا يسقط فيه الحكماء!
إن الغنى قد أتلف سليمان، وأوقعه في شهوات متعددة، وأمال قلبه إلى النساء. والغنى أيضًا أبعد الشاب الغنى عن المسيح، فمضى حزينًا..
ولكن بعض الأغنياء احتفوا بمحبتهم لله، لأنهم لم يحبوا المال، ولم ينشغلوا بجمعه وتكويمه وخزنه، وإنما باعوا كل أموالهم أعطوها للفقراء، كما فعل القديس أنطونيوس الكبير والقديسة ميلانيا، وكما كان يفعل أيضًا أيوب الصديق.
العيب إذن ليس في المال ذاته، إنما في النظر إليه، في محبته، وفي الاتكال عليه، وفي الكبرياء بسببه. كل هذا عن الأشياء إلى ترى.
بالنظر إلى ما لايرى عاش الرهبان والنساك والسواح.
نظروا إلى كل ما يرى، فإذا هو زائل وفان، لا يستحق اهتمامهم. فارتفعوا فوق مستواه وفوق كل رغبة فيه. وماتوا عن العالم، عن المرئيات، ناظرين إلى ما لا يرى، من فرط محبتهم للملك المسيح.
وبالمثل عاش آباؤنا، الذين حسبوا أنفسهم غرباء على الأرض.
ناظرين إلى المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله (عب 11: 13، 10). كانت نظرتهم مركزة في الأبدية التي وعدهم الرب بها. لم يروها بالعين، ولم ينالوا المواعيد، لكنهم نظروها من بعيد وصدقوها. وهكذا كان داود النبي يقول "غريب أنا على الأرض"، "ونزيل مثل جميع آبائى" (مز 39: 12) (مز 119)..
كذلك موسى النبي، الذي كان أميرًا في القصر الملكى. ولكنه لما كبر لم ينظر إلى هذه العظمة المرئية، حاسبًا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر.. (عب 11: 26).
نفس الوضع بالنسبة إلى الشهداء والمعترفين.
تقدموا إلى الموت، غير ناظرين إلى العالم وكل ما فيه. ورافضين الاغراءات التي عرضت عليهم، لأنهم كانوا مركزين نظرهم في ما لا يرى، في الحياة الأبدية التي لا ترى، في ما لم تره عين.. (1كو2: 9).. ماذا نقول إذن عن الذين لا يدفعون العشور، لأنهم ينظرون إلى ما يرى. ولا يلتفتون التي لا ترى.
السيد المسيح كان مثالًا في النظر إلى ما لا يرى.
في معجزة الخمس خبزات والسمكتين، لم ينظر المسيح إلى الخبز الذي يرى، إنما رفع نظره إلى فوق، وبارك. وفى حديثه مع السامرية، لم يهتم بهذا الماء الذي يرى، إنما إلى الماء الحى الذي لا يرى.. وهكذا في السجود، لا أورشليم التي ترى، أو ذلك الجبل، إنما الروح والحق وهما أمور لا ترى.. وفي الملكوت لم يهتم بالملكوت الأرضى الذي لا يرى، بل بالملكوت الروحي.
إن النظر إلى ما لا يرى، ينجى العالم من المذاهب المادية، ومن الإباحية واللاأخلاقية، ومن ومن الوجودية التي تهتم فقط فقط بالوجود في هذا العالم الأرضى.

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:25 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
أهمية التكامل

الإنسان الروحي إنسان يجمع بين الفضائل حتى التي تبدو متضادة.
الفضائل عنده لا تناقض فيها ولا تناقص، بل تكامل.
لا يقتصر على فضيلة واحدة، بل يجاهد لأجل اكتساب الكل، حسب قول الرب "كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5: 48).
والإنسان الروحي لا يكتسب فضيلة على حساب ضياع فضيلة أخرى.
فضائله لا يهدم بعضها بعضًا، بل يتمشى الكل معًا.
الله تبارك اسمه، فيه كل الفضائل، تتمشى معًا،وقد اظهر لنا ربنا يسوع المسيح هذا المثال الكامل. ففي شخصيته نرى الحب والحزم، الرحمة والعدل، الوداعة والشجاعة، البساطة والحكمة، الطيبة والقوة، الخدمة والتأمل.. إلخ. وسنبدأ الحديث الآن عن التكامل بين الفضائل.

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:26 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
البساطة والحكمة

من الأخطاء الواضحة أن إنسان قد يوصف بالبساطة، ولا تكون له حكمة، بل تكون بساطته لونًا من السذاجة.. وتؤخذ عليه بعض التصرفات. ويحاول الناس أن يعذروه. قائلين أنه بسيط..
ليست هذه البساطة الحقيقية، فالإنسان الروحي يكون بسيطًا وحكيمًا، كما دعانا الرب قائلا كونوا بسطاء وحكماء" (مت 10: 16) ولا تناقض.

فالبساطة هي عدم التعقيد، وليست عدم الحكمة.
البساطة المسيحية بساطة حكيمة. والحكمة المسيحية حكمة بسيطة. ومن الجائز أن يقول إنسان كلامًا حكيمًا جدًا، وبأسلوب بسيط.
تكون له حكمة في عقله، وبساطة في قلبه..
يتصرف في عمق الحكمة، وبكل بساطة، حكمة ليس فيها تعقيد الفلاسفة وإنما في بساطة يمكن أن يفهمها الكل.
كذلك ليست البساطة أن تصدق كل شيء بلا تفكير، أو تعطى مجالًا للبعض أن يخدعك أو يلهو بك. إنما مع بساطتك مع الناس تكون مفتوح العينين حاضر الذهن. تستطيع أن تميز الذئاب التي تلبس ثياب الحملان..
وفى حكمته لا يعيش في جو من الشك والحذر والظنون.
إنه لا يخلط الأوراق، ولكن يرتبها..
عبارة "المحبة تصدق كل شئ" (1كو 13: 7) يفهمها من جهة الله، ففى محبته لله،يصدق كل وعوده وكل معجزاته. ويصدق أن التجارب التي يسمح بها للخير. أما من جهة الناس، فإلى جوار "المحبة تصدق كل شيء "يضع قول الرسول "لا تصدقوا كل روح، بل ميزوا الأرواح هل هي من الله.." (1يو4: 1) وأيضًا "امتحنوا كل شيء، وتمسكوا بالحسن" (اتس 5: 21).
ببساطة يطيع. ولكن أيضًا يخلط الطاعة بالحكمة.
كما قال الرسول "اطيعوا والديكم في الرب" (أف 6: 1). وأيضًا "ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 29).
الشخصية المتكاملة لا تقاد بفضيلة واحدة.
بل كل فضيلة يمزجها بالحكمة والمحبة والاتضاع.

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:27 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الطيبة والقوة

كان السيد المسيح طيب القلب جدًا. لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (مت 12: 19، 20). وفي نفس الوقت كان في منتهى القوة. شخصيته قوية. كان قويًا في كلامه، إقناعه، في محبته، في تأثيره على الآخرين..
كان طيب القلب، يحب الأطفال ويحتضنهم ويحنو عليهم، ويتكئ تلميذه يوحنا في صدره، ويدافع عن المرأة الخاطئة. وفى نفس الوقت لم تفارقه هيبته.
سمح للشيطان أن يجربه. ولما زاد عن حده، انتهره فمضى (مت 4).
سمح للجند أن يقبضوا عليه. وفى نفس الوقت لما قال لهم "أنا هو" سقطوا على الأرض من هيبته (يو 18: 6)،المفروض في الآباء والمدرسين أن يكون في طبعهم الحنو، وتكون لهم أيضًا الهيبة.
وليس من الصالح أن حنوهم يفقدهم هيبتهم.
الهيبة لازمة لحفظ النظام وحفظ القيم. والحنو لازم حتى يطيع الناس بدافع من الحب، وليس بدافع من الرعب.

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:28 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الحب والحزم

قد يقال عن راهب أنه إنسان طيب، يصلح أن يكون أسقفًا، لأنه تنقصه الإدارة، وضميره يتعبه إن أخذ موقفًا حازمًا!!
كأنما الإدارة ضد الروحيات.
الإنسان الروحي يمكن أن يجمع الأمرين معًا: الحنو والحزم، والطيبة والإدارة، والأبوة والرئاسة..

يوسف الصديق كان حازمًا جدًا، حتى أن أخوته خافوه وارتعبوا منه، لما قال لهم "أنا يوسف. أحى أبى بعد؟" (تك 45: 3). ومع ذلك لم يستطع أن يضبط نفسه لما عرف أخوته بنفسه، وأطلق صوته للبكاء (تك 45: 1، 2).
وصفة الطيبة مع القوة، والحب مع الحزم، تظهر في السيد المسيح. وقيل عنه في تطهيره للهيكل:
يا قويا ممسكًا بالسوط فيكفه والحب يدمى مدمعك
هذا هو التكامل في الشخصية الذي يلزم للسير في الفضائل.
السيد المسيح كان يحب تلاميذه، وكان ينتهرهم أحيانًا.
قيل إنه "أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم حتى المنتهى" (يو 13: 1)،ومع ذلك لما أراد بطرس أن يمنعه عن الصلب، قال له "أذهب عن يا شيطان. أنت معثرة لى" (مت 16: 23). هنا نجد الحزم واضحًا. وبنفس الحزم وبخ الرب تلميذيه لما قالا له "أتشاء أن تنزل نار من السماء وتحرق هذه المدينة" (لو 9: 55).
من الأشياء الغريبة في محيط الأسرة أن الوالدين يوزعان أحيانًا الحب والحزم فيما بينهما، فيكون للأم الحب وللأب الحزم!! بينما الحب والحزم ينبغى أن تكونًا لكل منهما..
فإذا أخطأ الابن، أو حاول أن يخطئ تقول له الأم".. لئلا يغضب أبوك ويعاقبك" (دون أن تقول له إنها هي أيضًا لا ترضى عن هذا الأمر!! ويختلط الأمر على الابن، ولا يعرف أين الحق. كل ما في الأمر أنه يتقى غضب الأب
يحدث أحيانا أن كاهنًا يريد أن يكسب محبة شعبه، أو رئيس يحب أن يكسب محبة مرؤوسيه.. من أجل هذا الحب يتهاون في حقوق العمل وفي وصية الله، وويفقد الحزم. وربما تكون لذلك نتائج سيئة جدًا..

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:29 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الوداعة والشجاعة

كان السيد المسيح وديعًا جدًا، حتى قال "تعلموا منى لأني وديع ومتواضع القلب" (مت 11: 29). ومع ذلك كان في منتهى القوة والشجاعة. وقد وقف ضد الكتبة والفريسيين وأظهر رياءهم ووقف ضد الصدوقيين وأخجلهم وضد الشيوخ ووبخهم.
داود النبي كان وديعًا، وكان شجاعًا.
كان شجاعًا إذ وقف ضد جليات الجبار وهزمه، في وقت كان فيه فيه كل الجيش خائفًا" (1صم 17). وكان وديعًا إذ يقال عنه في المزمور "اذكر يا رب داود وكل دعته" (مز 131: 1).

وموسى النبي كان وديعًا وشجاعًا وقويًا.
وديعًا إذ قيل عنه "وكان الرجل موسى حليمًا جدًا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (عد 12: 3). وكان شجاعًا وقويًا إذ وقف ضد الشعب كله لما عبد العجل الذهبى، الذي صنعوه، وأحرقه النار، وطحنه حتى صار ناعما، وذراه على وجه الماء" (خر 32: 20).
وابراهيم أبو الآباء كان وديعًا وشجاعًا.
وديعًا إذ سجد أمام بنى حث لما أشترى منهم مغارة المكفيلة لتكون قبرًا لسارة (تك 23: 12). ومع ذلك تظهر شجاعته، إذ أنه "لما سمع أن أخاه لوط قد سبى، جمع رجاله المدربين" (تك 14: 14). وقام ضد أربعة ملوك وهزمهم ورد سبى لوط وسادوم، ولما أراد ملك سادوم أن يعطيه من الغنائم، قال له في عزة نفس "لا آخذن خيطًا ولا شراك نعل.. فلا تقول أنا أغنيت أبرآم" (تك 14: 23).
كان الرهبان ودعاء، وكانوا شجعانًا في الدفاع عن الإيمان.
من الخطأ أن تظن أن صفة الوداعة تمنعك من الشجاعة، وتحولك إلى جثة هامدة لا نخوة فيها ولا شهامة ولا حياة..! إنما اكتسب الفضائل،وضع أمامك قول الكتاب:
"الكل شيء زمان. ولكل أمر تحت السماوات وقت" (جا 3: 1).
تستخدم الوداعة حين تحسن الوداعة. وتستخدم الشجاعة حين تلزم الشجاعة كلاهما فيك. ويظهر كل منهما في الحين الحسن المناسب لها..
الوداعة ليس معناها الضعف. والقوة ليس معناها العنف.
والوداعة والقوة تمتزج كل منهما بالحكمة والفهم. الإنسان الضعيف لا يمكن أن يكون صورة الله مثاله. ولكن لكي قويًا لا ينحرف إلى التهور، ولا يفقد وداعته وأدبه.
والوداعة لا تدفع إلى الخمول والطيبة لا تدفع غيرك إلى اللعب بك.
فإن كان إنسان طيبًا، ليس معنى هذا أن يلعب به الناس، ويفقد كرامته وحقوقه وهيبته.
وإلا فإن البعض سيكرهون الطيبة، ويرون أن الناس سيستغلونها ضدهم. المشكلة ليست في الطيبة، إنما في إساءة فهمها، وفي عدم مزجها بالحكمة وقوة الشخصية..
كل فضيلة تزنها بميزان دقيق. ولا تمارسها منفردة عن باقي الفضائل. وإن رأيت من نتائجها سلبيات..
اعرف أن السلبيات ليست نتيجة للفضيلة، إنما لسوء فهمها، أو لسوء استخدامها، أو لنقص الحكمة فيها.
يمكن أن تكون طيب القلب ولكن ليس معنى الطيبة أن تسلم قيادتك لغيرك. أو أن تشرك يضعف شخصية في أخطاء الآخرين. أو أنك خوفًا من أن تغضب غيرك، تشترك معه في خطأ، أو تجامله في ذنب واضح..

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:30 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
المحبة والمخافة

نحن نحب الله. ولكن محبتنا له لا تمنع فضيلة المخافة، ومعاملتنا لجلاله الأقدس بكل ما يستحق من مهابة وتوقير.
نحبه ونسجد له. ندخل إلى الكنيسة بحب وفرح. وفي نفس الوقت للرب "أما أنا فبكثرة رحمتك، أدخل إلى بيتك، وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك".
نحب كتابه المقدس ووصاياه ونقول له فرحت بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة (مز 119). ومع ذلك يصيح الشماس قبل قراءة الإنجيل "قفوا بخوف من الله، وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس".
نعامل الله كأب، ولكن في السموات.
تمتزج المحبة والمخافة.. وتتحول إلى حب بمهابة.
لأن هناك كثيرين في إيمانهم بمحبة الله، يفقدون مخافتهم له، وبالتدريج يتحولون إلى الاستهتار والاستهانة، حتى ألأنهم يتحدثون مع الآباء بغير توقير..
ما أكثر الآيات عن مخافة الله. إن نسيناها يقول لنا الرب: "تضلون إذ لا تعرفون الكتب" (مت 22: 29).
أما عبارة "المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج" (1يو 4: 18)،الخوف هنا أي الرعب. ولكنه ليس الخوف بمعنى المهابة. فنحن في صلاة الشكر في كل يوم نقول "أمنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس وكل أيام حياتنا بكل سلام مع مخافتك"..

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:31 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الخدمة والتأمل

هناك أشخاص من اهتمامهم بالخدمة وانشغالهم الكثير بها، يفقدون أهمية الصلاة والتأمل في حياتهم، ويهملون هذه الروحيات. ولاشك أن هذا ضد التكامل في حياة الروح.
إن السيد المسيح كان يطوف المدن والقرى يكرز ببشارة الملكوت، ومع ذلك كان بقضى الليل كله في الصلاة، وكانت له خلواته في جبل الزيتون (يو 8: 1). وفي بستان جثسيمانى.
ويوحنا المعمدان كانت له خدمته الناجحة جدًا التي بها أعد الطريق أمام الرب، ومع ذلك قضى 30 سنة من حياته في البرية حتى ظهر لإسرائيل.
وإيليا النبى كانت له خدمته التي قضى بها على أنبياء البعل والسوارى، ووبخ فيها آخاب الملك. وكانت له في نفس الوقت خلواته على جبل الكرمل.
بولس الرسول كانت له حياة التأمل التي صعد بها إلى السماء الثالثة (2كو 12: 2)،ومع ذلك كانت له خدمته القوية التي بشر بها فس آسيا وأوروبا، وكتب 14 رسالة، بل كتب رسائل حتى وهو في السجن.
الإنسان المتكامل يجمع بين الحياتين. لا تكون الخدمة على حساب التأمل. ولا يكون التأمل على حساب الخدمة.

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:33 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الكلام والصمت

قد يتكلم إنسان كثيرًا، فيفقد فضائل الصمت والتفكير والتأمل. وقد يصمت إنسان، فيفقد فائدة كلمة المنفعة، وكلمة التعزية، وكلمة النصح، كما يفقد الشهادة للحق. أما أما الإنسان المتكامل فيعرف متى يصمت ومتى يتكلم.
لا يصمت حين يحسن الكلام ولا يتكلم حين يحسن الصمت.
إذا صمت فعن حكمة، وإن تكلم فعن فائدة. إنه يستطيع الأمرين معًا، ويستخدم كلًا منهما في حينه الحسن.

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:33 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الدموع والبشاشة

قد يحاول إنسان أن يكتسب فضيلة الدموع، فلا تراه إلا باكيًا كثيرًا، مما يعطى صورة مشوهة عن التدين بينما الإنسان المتكامل، للدموع عنده وقتها، غالبيتها أمام الله، في مخدعه وفي خلوته، أو أمام مذبح الله. ومع ذلك تجده في حياته مع الناس بشوشًا لطيفًا، يكسب محبة الكل. يضع أمامه القاعدين معًا.
افرحوا في الرب كل حين (فى 4: 4). وأيضًا بكآبة الوجه يصلح القلب" (جا 7: 3).
يستخدم كلا منهما في الحين المناسب، وبالأسلوب الروحي.

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:35 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الرحمة والعدل

هاتان الفضيلتان تلاقيتا على الصليب. كان الرب عادلًا ورحيمًا. عادلًا دفع ثمن الخطية، ورحيما اشفق على البشرية المحكوم عليها بالموت، فمات عنها ولا تناقض إطلاقًا بين عدل الله ورحمته.
رحمته مملوءة عدلًا، وعد له الله ورحمته. هو عادل في رحمته، ورحيم في عدله.
إنها فضائل تتكامل ولا تتناقض. بغير بعض بنى البشر. يتحول عدل البعض إلى قسوة في غير رحمة. أو تتحول رحمته إلى استهانة بحقوق العدل، ولتشجيع الآخر على الخطأ، ولو عن غير قصد.
في هذا التكامل الذي شرحنا بعض صوره، نلاحظ أمرًا هامًا وهو:

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:36 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
خطورة الفضيلة الواحدة

كما نلاحظ خطورة استخدام الآية الواحدة في أمور اللاهوت والعقيدة، كذلك خطورة الفضيلة الواحدة في الروحيات..
فقد يسلك إنسان في الاتضاع بغير حكمة، فتتعب نفسه من معاملات الناس له، ومن ضياع كرامته وفقدانه لاحترام الغير.. ولا يكون السبب هو فضيلة التواضع! وإنما عدم ارتباطها بالإفراز والفهم السليم.
كذلك إنسان مسئول عن عمل وإدارة، قد يسلك في فضيلة التسامح والعفو عن المخطئين، بأسلوب تضيع به إدارة العمل، ويسوده التسيب واللامبالاة. ذلك لأنه فقد فضيلة العدل، والحزم، وظن أن المعاقبة خطية..
والأمثلة على خطورة الفضيلة الواحدة عديدة جدًا.. والإنسان الروحي ينبغي أن يكون متكاملًا في فضائله.
يعرف كيف يستخدم كل فضيلة في الوقت المناسب لها،وكيف يستخدم الفضيلة الأخرى في مناسبة أخرى.. بغير تناقص.. بل بتكامل..
يعرف متى يعفو، ومتى يعاقب. ويكون روحيًا في كلا الحالين.
يعرف متى يختلط بالناس ويخدمهم ويبتسم ف وجوهم، ومتى يهدأ إلى نفسه في وحدة وخلوة لا يقابل أحدًا..
يعرف متى يعظ. ومتى يقول للخاطئة اذهبى بسلام. يعمل العمل المناسب، في الوقت المناسب، والسبب الداعي إليه.

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:38 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
أهمية النجاح وصفاته

كل نجاح هو سبب فرح، لكثيرين.
فرح للشخص الناجح، وفرح لأسرته وأحبائه، وفرح للكنيسة كلها وربما للمجتمع بوجه عام، وفرح للملائكة وأرواح القديسين، ولله نفسه.
القديس يوحنا الرسول يرسل إلى تلميذه غايس، فيقول له "أروم أن تكون ناجحًا وصحيحًا، كما أن نفسك ناجحة (3يو 2).
والنحاج صفة من صفات الإنسان الروحي
هذا الذي يقال عنه في المزمور الأول "يكون كشجرة مغروسة على مجارى المياه، تعطى ثمرها في حينه، ورقها لا ينتثر. وكل ما يعمله ينجح فيه" (مز 1: 3). وقد قيل عن يوسف الصديق "وكان الرب مع يوسف، وكان رجلًا ناجحًا"، "وكل ما يصنع كان الرب ينجحه بيده" (تك 39: 2، 3)
نلاحظ هنا أنه نجاح في كل شيء.
"كل ما يعمله ينجح فيه".. "كل ما يصنعه كان الرب ينجحه".. نعمة الرب لا تتخلى عنه في أي عمل، فتكون كل أعماله ناجحة. كذلك فإن مقومات النجاح في شخصيته، لا تفارقه في كل ما يُمارِسُهُ من أعمال. فيكون ناجحًا في كل شيء. سواء في حياته الروحية، أو عمله، أو في حياته العائلية، أو في كافة معلوماته. ونضرب مثالًا لذلك:
يوسف الصديق: كان ناجحًا ومحبوبًا، في كل عمل:
في أسرته كان محبوبًا من والديه، حتى اعطاه والده قميصًا ملونًا. وكان ناجحًا في افتقاد أخوته. وكخادم في بيت فوطيفار كان ناجحًا جدًا، ومحبوبًا منه "فوكله على كل بيته، ودفع إلى يده كل ما كان له" (تك 39: 4). ولما ألقى في السجن، كان أنجح سجين، فأحبّه رئيس بيت السجن "ودفع إلى يده جميع الأسرى.. ولم يكن رئيس بيت السجن ينظر شيئًا البتة مما في يده.. ومهما صنع كان الرب ينجحه" (تك 39: 22، 23). حتى أن المسجونين أيضًا كانوا يستشيرونه في أمورهم، كما فعل رئيس السقاة ورئيس الخبازين (تك 40)
ولما صار وزير تموين لمصر، كان ناجحًا جدًا، فأنقذ مصر من المجاعة، وأنقذ معها كل البلاد المحيطة،وكان محبوبًا من فرعون، فترك له كل شيء وصيره الثانى في المملكه (تك 41: 40 – 44).
والنجاح يقدمه الكتاب باعتباره لونًا من البركة.
وهكذا في (تث 28) اصحاح البركة واللعنة، نجد النجاح بركة من الله، كما نرى الفشل من العناية وعقوباته..
ويقدم لنا الكتاب أمثلة من الناجحين:
داود مثلا، كان وهو فتى إنسانًا ناجحًا، أمكنه أن ينتصر على جليات الجبار. وكان ناجحًا في طرد الروح الشرير عن شاول الملك (1صم 16: 32). وقيل عنه إنه حيثما يخرج كان يفلح (1صم 18: 5).
ونفس النجاح كان حليف دانيال في أرض السبي، فأعطاه داريوس الملك سلطانًا على كل أصحاب السلطة في مملكته. ونجح دانيال في ملك داريوس (دا 6: 28).
ونحميا نجح مع ارتحشستا الملك، ونجح في بناء سور أورشليم. وكذلك زميله عزرا الكاتب. أيضًا زربابل الذي قال عنه الوحى الإلهي في سفر زكريا النبي "من أنت أيها الجبل العظيم؟! أمام زربابل تصير سهلًا" (زك 4: 7).
وبولس الرسول مثلًا من أعظم الذين نجحوا في الخدمة. وهنا يسأل البعض سؤالًا عكسيًا:
ألا يوجد بعض من أولاد الله كانوا محطمين في حياتهم، ولم ينجحوا؟!
أقول لك إن أولاد الله كثيرًا ما تحيطهم المشاكل والضيقات والضعفات من الخارج (2كو 6: 5) ولكنهم مع ذلك يكونون ناجحين في مقابلة الضيقات. لا تهزهم من الداخل ولا تعصرهم ولا ينهار أمامها. بل كما قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زملائه في الخدمة "كحزانى، ونحن دائمًا فرحون.. كأن لا شيء لنا، ونحن نملك كل شئ" (2كو 6: 10).

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:38 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
البداية والنهاية

وهنا أحب أن أضع قاعدة هامة في النجاح وهى:
لا تهتموا بالبداية، إن بدت فاشلة. فالمهم أن تكون النهاية هي النجاح.
* يوسف الصديق مثلًا، كانت تبدو بداية حياته ضائعة باستمرار: من إلقائه في بئر جاف، إلى بيعه عبدًا، إلى تهمة ظالمة دبرت ضده ألقت به في السجن.. ولكن المهم أن النهاية كانت طيبة إلى أبعد الحدود.. فلا نحكم إذن بالبدايات..
* القديس اثناسيوس الرسولى كانت بدايات حبريته متعبة جدًا فيها قويت شوكة الأريوسيين، واستطاعوا أن يدبروا مكائد ضده، ويحاكموه وينفوه بالاتفاق مع السلطة الحاكمة. وعزل عن كرسيه أربع مرات.. ومع ذلك انتهت حياته كبطل عظيم من أبطال الإيمان، استطاع أن يقف ضد العالم كله وينتصر.
* داود النبي: بدأ حياته، وبعد المسحة المقدسة وبعد انتصاره على جليات، مضطهدًا من شاول الملك، مشردًا من برية إلى أخرى، حتى ظن أنه لابد سيقع في يد شاول في يوم.. ولكن كل تلك البدايات المتعبة انتهت، وأنتصر داود أخيرًا.

* السيد المسيح نفسه، في فترة تجسده على الأرض: كيف كانت البداية: ضيقات كثيرة منها قتل هيرودس للأطفال، والهرب إلى مصر. وبدأت خدمته بمضايقات من زعماء اليهود ومؤامرات وصلت إلى صلبه.. المهم في النهاية: القيامة والصعود، والجلوس عن يمين الآب، وانتشار والإيمان..
* موسى مع فرعون: كانت البداية قد أتت بنتيجة عكسية. فاشتد فرعون بالأكثر. وتضايق الشعب وتذمروا على موسى وهرون، وقالوا لهما "ينظر الرب إليكما ويقضى، لأنكما أنتنتما رائحتنا في عينى فرعون.." (خر 5: 7). وعشر ضربات يستخدمها الرب ضد فرعون، والرجل في نفس قسوته لايلين.. وحتى الشعب، تذمر لما خرج فرعون وراءهم. وقالوا لموسى "هل لأنه ليست قبور في مصر، أخذتنا لنموت في البرية؟!" (خر 14: 11).. ومع كل تلك البدايات المتعبة لم يضعف إيمان موسى مطلقًا.. ونجح أخيرًا في انقاذه من عبودية فرعون..
لهذا كله لا تتعبوا مطلقًا، إن لم تحصلوا على النجاح في بداية الطريق. واذكروا باستمرار قول الكتاب: "بصبركم اقتنوا أنفسكم" (لو 21: 19).
إن النجاح يحتاج إلى صبر وإلى مثابرة. والإنسان الذي يدركه الملل الضجر والضيق ولا يستمر.. هذا لا يستطيع أن ينجح.. انتظر الرب حتى يجئ لمعونتك، ولو في الهزيع الأخير من الليل.. كل عمل تعمله لا تقلق على نتيجته.. انتظر الثمرة حتى تنضج، وحينئذ تجدها في يديك، بغير صعوبة..
أهم صفة للإنسان الناجح، أن يكون ناجحًا من الداخل.
ناجحًا في قلبه، وفي عقله، وفى أعصابه، وفي إرادته. وقبل كل شيء ناجحًا في صلته بالله.. يكون ذا نفسية قوية، لا تتزعزع ولا تضطرب ولا تخاف. يسير في طريقه، كسهم نحو هدف.
مهما هاجت الأمواج على سفينته، حتى أن انقلبت الجبال في وسط البحار، هو لا يضعف، ولا يفشل من الداخل،ولا يفقد إيمانه في إمكانية النجاح على الرغم من كل العراقيل، التي تحاول أن تسد الطريق قدامه.
الإنسان الناجح، ينجح، ينجح مهما كانت العقبات بنعمة من الله، ونجاحه على الرغم من الصعاب، تكون له لذة أكبر، ويعطى خبرة روحية عميقة في عمل يد الله معه..
مرقس الرسول كانت أمامه صعاب لا تحصى في كرازتهلمصر: لم تكن فيها كنيسة، ولا شعب مؤمن بالمسيحية. وكانت هناك ديانات عديدة: الديانات الفرعونية واليونانية والرومانية والشرقية، والديانة اليهودية، والفلسفة الوثنية.. إلى جوار السلطة الحاكمة الرومانية بكل بطشها.. وعلى الرغم من كل هذا، نجح مرقس الرسول في نشر الإيمان بالمسيح في مصر.

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:39 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
مشكلة نجاح الأشرار

لعل البعض تتعبه هذه المشكلة التي أزعجت إرميا النبى في وقت ما، فعاتب الله قائلا "أبر أنت يا رب من أن أخاصمك. ولكنى أكلمك من جهة أحكامك: لماذا تنجح طريق الأشرار. اطمأن كل الغادرين غدرًا" (أر 12: 1).
نجاح الأشرار هو نجاح زائف، مؤقت، وبطرق شريرة.
* هيرودس الملك ظن أنه نجح لما قتل كل أطفال بيت لحم. ولكنه كان نجاحًا زائفًا. فالشخص الوحيد الذي اراد قتله، كان حيا لا يموت. كما أن وسيلة هيرودس كانت خاطئة.

*هيرودس الذي أتى بعده، قتل يوحنا المعمدان. فهل نجحت هيروديا وسالومى وهيرودس بقتل يوحنا، أم كان نجاحًا زائفًا، ظل بعده هيرودس منزعجًا من يوحنا حتى بعد قتله (مت 14: 1، 2)..
*آخاب استطاع أن يقضى على نابوت اليزرعيلى ويدبر له مؤامرة ويقتله ويستولى على حقله (1مل 21). وكان نجاحًا مؤقتًا ورائفًا وأثيما. وبعده أتى غضب الله على آخاب وكان كلام الرب: "فى المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت اليزرعيلى، تلحس دمك" (1مل 21: 19).
*اليهود ظنوا أنهم تخلصوا من المسيح بصلبه، ونجحت مؤامراتهم وأتت بنتيجتها وصلبوا المسيح. وكان نجاحًا زائفًا ومؤقتًا، انتهى بمجد القيامة..
*هامان ظن أنه قد قضى على مردخاي، ودبر له المؤامرة، وأعد له صليبًا. وكاد أن يقضى لا على مردخاي وحده، إنما على الشعب كله. وتدخل الله أخيرًا بعد الصوم الذي أمرت به أستير الملكة. وتحول الموقف إلى العكس تمامًا. وصلب هامان على النفس الصليب الذي أعده لمردخاى (إس 7: 10).
* القديس أوغسطينوس قال إن الأشرار كالدخان الذي يرتفع وتتسع رقعته، وفي كل ذلك يتبدد.
أما النار فتبقى تحت، لا تعلو مثل الدخان. ولكنها تظل في قوتها وحرارتها وفاعليتها، لا تتبدد مثله في ارتفاعه..
كذلك فإن نجاحهم في أمور مادية عالمية، ليس نجاحًا بالحقيقة. قارن في ذلك مع قصة الغنى ولعازر (لو 16). ومع قصة الغنى الذي اتسعت كورته، فقال "أهدم مخازني وأبنى أعظم منها.. وأقول لنفسي استريحي وكلى وأشربي.." (لو 12: 16-20).
إن النجاح الحقيقي هو النجاح الروحي. إن كان الماديات، يكون بأسلوب روحي.
لذلك لا تغر من الأشرار إذا نجحوا. وبخاصة إلى كانت وسائل نجاحهم بعيدة عن الله. كمن يلجأ إلى الكذب والمكر والحيلة.. أو إلى الغش.. أو إلى الرشوة.. أو إلى التملق والنفاق والرياء والمحسوبية.. أو التاجر الذي يحتكر الأسواق. ويبالغ في الأرباح. وينجح ماليًا، ويفشل روحيًا. هؤلاء ينطبق عليهم قول الرسول:
"مَجْدُهُمْ فِي خِزْيِهِمِ، الَّذِينَ يَفْتَكِرُونَ فِي الأَرْضِيَّاتِ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 3: 19).
وقال عنهم أيضًا نهايتهم الهلاك:
ومن أكبر الأمثلة على النجاح الزائف: الشيطان وجنوده.
* الشيطان حينما يحل من سجنه، سيخرج "ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض" (رؤ20: 7)،ويحاول أن يضل لو أمكن المختارين أيضًا" (مت 24: 24). فهل نجح الشيطان؟!
* وقيل عن الوحش أنه "أعطى أن حربًا مع القديسين، ويغلبهم" (رؤ 13: 7). فهل نجح الوحش بعد هذه الغلبة المؤقتة.
لقد حسم الكتاب هذا الأمر فقال "وإبليس الذي كان يضلهم، طرح في بحيرة النار، حيث الوحش والنبي الكذاب، وسيعذبون نهارًا وليلًا إلى أبد الآبدين" (رؤ 10: 20).
* كذلك ضد المسيح "المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلهًا"، "الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم في الهالكين "الذي سيتسبب في ارتداد الكثيرين (2تس 3-10). ونجاحه أيضًا مؤقت وزائف شرير. وسوف يبيده الرب بنفخه فمه (2تس 2:8).

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:41 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
مقومات النجاح

*أول شيء هو بركة وطاعة الوصية.
كما قيل عن يوسف الصديق في نجاحه "وكان الرب معه، فكان رجلًا ناجحا" (تك 39: 2). وكل ما كان يصنعه، كان الرب ينجحه" (تك 39: 3).
ابحث عن النجاح الذي يأتيك من الله، من شركة الله معك في عملك، أو من هبة الله لك، أو من مكافأة الله لك على طاعتك لوصاياه..
وتذكر قول الله ليشوع بن نون "لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك، بل تلهج فيه النهار والليل.. لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه، لأنك حينئذ تصلح طريقك، وحينئذ تفلح" (يش 1: 8).
*اهتم قبل كل شيء بالنجاح الروحي.
نجاحك في حروبك ضد الشياطين، وفى انتصارك على نفسك من الداخل. ونجاحك في التخلص من عاداتك الرديئة، ومن كل ضعفاتك ونقائصك وسقطاتك.. كذلك نجاحك في عدم مقابلة الشر بالشر، إنما كما قال الكتاب "لا يغبنك الشر بل اغلب اللشر بالخير" (رو 12: 21)..

نجاحك في ضبط لسانك، في ضبط مشاعرك، في ضبط أعصابك.. هذا هو النجاح الحقيقى.
*النجاح أيضًا يحتاج إلى قلب قوى. يحتاج إلى شخصية غير ضعيفة – إلى إنسان لا تهزمه المشاكل، بل هو الذي ينتصر عليها. ولا ينزعج أمامها ولا يخاف. كما قال داود النبي "إن يحاربنى جيش فلن يخاف قلبى. وإن قام على قتال، ففى هذا أنا مطمئن" (مز 26).. الفكر الهادئ الأعصاب الهادئة، والنفس الهادئة.. كل هذه من مقومات النجاح..
*النجاح أيضًا يحتاج إلى حكمة وذكاء.
فكثيرون يفشلون في حياتهم الروحية أو المادية أو العائلية أو معاملاتهم، بسبب نقص في الحكمة وحسن التصرف، أو بسبب عدم إفراز في السلوك الروحي،أمثال هؤلاء يحتاجون إلى إرشاد، وخضوع لأبوة واعية حكيمة. ويحتاجون إلى لكي يرشدهم الرب في طرقه، ويمنحهم حكمة من فوق من عند أبى الأنوار..
*و النجاح أيضًا يرتبط بعدل إلهي يقول:
الذي يرزعه الإنسان، إياه يحصد أيضًا (غل 7: 7).
*النجاح أيضًا يحتاج إلى إيمان وصلاة.
وهكذا كما قال الرب "كل شيء مستطاع للمؤمن" (مر 9: 23). وكما قال القديس بولس الرسول "استطيع كل شيء في المسيح الذي يقوينى" (فى 4: 13) لذلك التصق بالرب، وكن معه، ليكون هو أيضًا معك، ويمنحك بركة من عنده. ومن بركاته النجاح..
اطلب معونة الرب باستمرار، وهو يساعدك على النجاح..
*لكى تكون ناجحًا، أصمد حتى النهاية.
وإن فاتتك فرصة فالتمس غيرها. وإن هاج عليك الشيطان، وكل جنده،، ودبروا كل مكائدهم لكي تفشل.. لا تخف، وقل مع المرتل في المزمور "لولا أن الرب كان معنا، حين قام الناس علينا، لابتلعونا ونحن أحياء.. مبارك الرب الذي لم يسلمنا فريسة لأسنانهم.
الإنسان الناجح لا ييأس أبدًا، حتى إن فشل في الخطوات الأولى، فإنه يعود ويقوم.. كما قيل عن الصديق إنه يسقط سبع مرات ويقوم (أم 24: 31). أي مهما سقط يقوم.
* لكي تنجح، ضع أمامك دائمًا سير الناجحين.
وذلك لكي يكونوا مثلا عليًا أمامك تقتدى بهم، ولكي تعرف وسائل نجاحهم في الحياة، وأسلوب ذلك النجاح ومظاهره..
سواء فىذلك أمثلة النجاح في كل نواحى الحياة: الروحية، والإجتماعية، والعائلية، والحياة الخاصة.. ولا تنس تأثير سير القديسين.
تذكر أنك صورة الله. والذي على صورة الله يكون ناجحًا.
ولذلك فالإنسان الفاشل، أو الساقط أو الراسب، ليس هو على صورة الله، الذي على صورة الله، يكون "كالشجرة المغروسة على مجارى المياه، تعطى ثمرها في حينه وكل ما يفعله ينجح فيه. هكذا قيل عن يوسف الصديق "وكان الرب مع يوسف فكان رجلًا ناجحًا" (تك 39: 2).
قل لنفسك: إذا لم أنجح في حياتى، فلا شك أكون فاقدًا لصورتى الإلهية، بل أفقد أيضًا الكمال الذي طلبه منا الرب قائلًا "كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5: 48).
هذا من الناحية الإيجابية. أما من الناحية السلبية، فلا تنس أنك إذا تكن ناجحًا في حياتك، فبالتالي ستكون عشرة في كل وسط تعيش فيه، سواء في وسط العائلة، أو في الكنيسة، أو في الخدمة، أو في محيط العمل. ستعثر الناس الذين سوف يتساءلون متعجبين: أهكذا يكون أولاد الله؟!

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:42 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الإنسان الروحي يحيا بمبدأ: إن عشنا، فللرب نعيش

كتب القديس بولس الرسول إلى أهل رومية يقول "إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت. فإن عشنا أو متنا، فللرب نحن" (رو 14: 8)
ليس المهم إذن أن نحيا أو نموت، إنما المهم أن نكون للرب في حياتنا وفي موتنًا.

إن كلنا، فللرب نأكل، لكي نأخذ طاقة للجسد نستطيع بها أن نعمل ما يرضيه، وإن صمنا، فللرب نصوم، لكي تقوى الروح،وتكون في صلة قوية بالله إذن طاقة الجسد من أجله، وقوة الروح من أجله. تمامًا كما قال الرسول "فمجدوا الله في أجسادكم، وفي أرواحكم التي هي الله" (1كو 6: 20).
كذلك إن تكلمنا، فللرب نتكلم. وإن صمتنا فللرب نصمت.
من أجله نتكلم، ومن أجله نصمت. ومن أجله نتكلم، فنشهد للحق وللإيمان وللملكوت، ونعلن وصاياه للناس، ونعزى الآخرين ونقويهم، وننطق بكلام الحكمة النافع للبنيان.. وكما قال الكتاب "فم الصديق ينبوع حياة" (أم 10: 11). ومن أجل الله نصمت، عاملين بقول الكتاب "كثرة الكلام لا تخلو من معصية. أما الضابط شفتيه فعاقل" (أم 10: 19) نتكلم حينما يفتح الله شفاهنا، فتنطق أفواهنا بتسبحته (مز 50)،ونصمت حينما نخشى الخطأ ونقول "ضع يا رب حارسًا لفمي، احفظ باب شفتي" (مز 141: 3).
كل عمل نعمله، ومن أجل الله نعمله.. نعمله له، ومعه وبه..
نعمله له، لأجل ملكوته، ولمجد اسمه. ونعمله معه، في شركة الروح القدس الذي يشترك معنا في العمل، ونعمله به، أي بنعمته وقوته ومعونته، وهكذا لا يكون أي عمل من أعمالنا مستقلًا عن الله.. ذلك لأننا للرب نعيش. لا لأنفسنا، ولا للعالم ولا لأهداف خاطئة كما يحدث للبعض

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:43 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
أهداف خاطئة

هناك أشخاص يعيشون لذواتهم فقط، وبطريقة خاطئة: كل ما يريده في الحياة، هو أن يبنى ذاته وليته يفعل ذلك بطريقة روحية وإنما بأسلوب مادى أو عالمى أو جسدى! وفي سبيل ذلك قد يضيع الآخرين، إذ يزيحهم من طريقة ليبقى هو.. والأعجب من ذلك، أنه فيما يحاول أن يبنى نفسه، يضيعها ويهلكها. كما قال السيد له المجد
"من وجد حياته يضيعها. ومن أضاع حياته من أجلى يجدها" (متى 10: 39).
وهكذا تحدث السيد الرب عن إنكار الذات (تى 16: 24)، وعن بذل الذات "يو10: 11) (يو 15: 13). إن مشكلة الغنى الغبى هو أنه أراد أن يمتع ذاته على الأرض "بخيرات كثيرة" (لو 12: 19). ومشكلة غنى لعازر أنه كان "يتنعم كل يوم مترفها" (لو 16: 19). وسليمان الحكيم جرب كل متع العالم، فإذا الكل باطل وقبض الريح (جا 2: 11).. إن الذي يعيش لنفسه فقط، هو شخص أنانى. وقد صدق المثل القائل:
ما عاش قط، من عاش لنفسه فقط.
ينبغى أن توضع الذات في آخر القائمى، حينما نرتب الأولويات. فنقول الله أولا. ثم الآخرين. ثم الذات. على أن هذا الترتيب لايكون سليمًا، إن كانت فيه انفصالية. فالعمل لأجل الآخرين، والعمل لأجل الذات، ينبغى أن يكون كلاهما داخل الحياة لأجل الله، وليسا منفصلين عنه. وهكذا يكون الله هو الكل في الكل (1كو 15: 28).
وقد يقول إنسان: أنا أعيش لأجل أولادى.

من أجلهم يعمل ويتعب ويشفى. ومن أجلهم يكنز مالًا، ليترك لهم ميراثًا. والعناية بالأولاد واجب مقدس. ولكن الخطأ هو أن يركز الإنسان على أولاده، ويهمل واجباته تجاه لله ‍ فيهمل نصيب الله في ماله، ونصيب الفقراء أيضًا، ويجعل الكل لأولاده، يقول سليمان الحكيم "فكرهت كل تعبى الذي تعبت فيه تحت الشمس. حيث اتركه للإنسان الذي يكون بعدى. ومن يعلك هل يكون حكيمًا أو جاهلًا ‍ ويستولى على كل تعبى الذي تعبت فيه وأظهرت فيه حكمتى.. هذا أيضًا باطل (جا 2: 18، 19)
إن الخير الذي يحسب لك عند الله، هو الخير الذي تفعله أنت، وليس الذي يفعله أولادك..
إذن أهتم بأولادك، واهتم بباقي الناس أيضًا،عش لأولادك.. وعش للمجتمع كله.. بحيث تحب أولادك، وتعطيهم من تعبك وكدك. وتحب المجتمع كله، وتخدمه، وتبذل لأجله، وتحب الكنيسة وتخدمها وتكون محبتك للكل هي داخل محبتك لله.
ولا تكن لك محبة خاطئة، خارج محبة الله، ولا محبة طاهرة أزيد من محبتك لله.
فهوذا الرب يقول "من أحب أبًا وأمًا أكثر منى، فلا يستحقنى. ومن أحب إبنا أو ابنة أكثر منى، فلا يستحقنى" (مت 10: 37) وهكذا يكون الحب كله لله، والقلب كله الله، ومحبة الأولاد والناس داخل محبة الله. وتكون محبتك الأولى لأولادك، هي أن تجعلهم يعرفون الله ويحبونه، حتى تستطيع أن تقول له كما قال السيد "عرفتهم إسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتنى به "الكلام الذي أعطيتنى قد أعطيتهم" (يو 17: 26، 8).
لا تجعل لله منافسًا في قلبك، سواء كان المنافس شخصًا أو شيئًا.
لهذا نرى الرب قد شبه القديسين بخمس عذارى حكيمات (متى 25). ذلك لأن العذراء ليس لها تعلق بإنسان آخر. وعذراوية القلب تعنى أنه ليس له تعلق بشهوة أخرى غير الإلتصاق بالرب. وهكذا قال القديس بولس الرسول "خطبتك لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2كو 11: 2). أنظروا إلى داود النبي والملك -على الرغم مما يحيط به من كل عظمة الملك ورفاهيته – نراه يقول:
"أما أنا فخير لي الإلتصاق بالرب" (مز 73: 28).
ويقول للرب "معك لا أريد شيئًا على الأرض" (مز 73: 25). إنه يهذا يصل إلى فضيلة "الاكتفاء بالله "فيقول "ولا يعوزنى شئ" (مز 23: 1). وحينما عبرعن الرغبة التي تشبع قلبه، لم يلتفت إلى رفاهية الملك، وإنما قال "واحدة طلبت من الرب وأتفرس في هيكله" (مز 27: 4). ولذلك قال "طلبت وجهك، ولوجهك يا رب ألتمس. لا تحجب وجهك عنى" (مز 27: 8، 9). كانت هذه هي الطلبة الوحيدة التي للملك العظيم داود..
الذى يعيش للرب، لا تهمه الأوضاع الخارجية، بل يعيش للرب في أي وضع، وفي كل موضع.
ولعل من الأمثلة الواضحة في هذا الأمر: يوسف الصديق كان يعيش للرب وهو إبن في اسر. فتغير وضعه إلى عبد في بيت رجل ثرى، فظل يعيش للرب في وضعه الجديد تغير وضعه أيضًا إلى سجين، ثم إلى وزير. ولكن الأوضاع الخارجية لم تؤثر على علاقته بالرب إطلاقًا. إنه يعيش للرب كإبن، أو كعبد، أو كسجين، أو كوزير. إنه هو هو. يتغير الوضع والموضع. أما هدفه الوحيد أن يعيش للرب، فهو هدف لا يتغير.
نقول هذا لأن أناسًا يرفضون أن يعيشوا للرب، إلا إذا كان لهم وضع معين..
إنا أن يكون لهم في الكنيسة مركز خاص، وإلا فإنهم يغضبون وينعزلون ويرفضوا أن يعملوا.. إما أن يعاملهم الله معاملة خاصة، ويدللهم باسلوب معين، وإلا يتخذون من الله موقفًا مضادًا.. وهكذا يشترطون شروطًا للمعيشة مع الله! وإلا يتركونه.. ما هذا يا أخى؟! ما هذا يا أخى؟! لنفرض حتى أنهم طردوك من الكنيسة، أترفض لهذا السبب أن تعيش مع الله؟!
ينبغى أن تكون للحياة مع الله أهمية كبرى في قلبك، لا تتخلى عنها مهما كانت الأسباب والدوافع والظروف المحيطة.

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:45 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
لماذا نعيش للرب؟

http://im12.gulfup.com/2012-07-31/1343758287981.gif

أولًا: لأننا خليقته. هو الذي منحنا هذه الحياة:

وهكذا أصبحنا له. وهذه الحياة هي أيضًا له. كان يمكن أن لا نوجد، ولكنه أوجدنًا. ومنحنا هذا الوجود، فصرنا له.. إن عشنا فللرب نعيش.. وبخاصة لأنه خلقنا، كشبهه، وعلى صورته ومثاله (تك 1: 26).. ولا يمكن أن نحتفظ بهذه الصورة، إلا إذا عشنا له ومعه.

ثانيًا: لأنه فدانا، واشترانا بثمن، فصرنا له.



وفى هذا يقول الرسول "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدوس الذي فيكم، الذي لكم من الله. وأنكم لستم لأنفسكم، لأنكم قد اشتريتم بثمن. فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله" (1كو 6: 19، 20).

ثالثًا: لأننا أولاده.. دعى علينا اسمه..


فينبغى أن نعيش له، لأنه بهذا "أولاد الله ظاهرون" (1يو 3: 10). يعيشون له، وبهذا لا يخطئون. لأن "كل من هو مولود من لله لا يخطئ"، "لا يستطيع أن يخطئ، لأنه مولود من الله" (1يو3: 9)، ك . إن لم نعش له، وعشنا لأنفسنا أو العالم أو الجسد أو للمادة، حينئذ سنخطئ، ولا نصير أولادًا لله.. فنحن نعيش لله، لكي نحتفظ ببنوتنا له، ولكي نحتفظ بصورته. فالإبن الضال قال له "لست مستحقًا مستحقًا أن أدعى لك إبنا" (لو 15: 19).

رابعًا: نعيش للرب، لأن هذه هي الحياة الحقيقية.


الله هو الحياة (يو 11: 25) (يو 14: 6). من يلتصق به، يلتصق بالحياة، ويكون حيًا بالحقيقة. ومن ينفصل عنه يعتبر ميتًا، مهما كانت له حياة بالحقيقة.. وقد قيل عن الابن الضال أنه –فى حالة خطيته – "كان ميتًا" (يو 15: 24). وقال الرب لراعى كنيسة ساردس "أن لك أسمًا أنك حى، وأنت ميت" (رؤ 3: 1). المفروض إذن أن نفهم المعنى الحقيقى للحياة، وأنه هو أن نعيش للرب. في هذا أتذكر أننى وأنا شاب صغير متبت مرة قصيدة عنوانها "حقًا نحن أحياء"؟


ليتنا إذن نذوق الحياة مع الرب..

كما قال المرتل في المزمور "ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب" (مز 34: 8). الذي يذوق هذه الحياة، يشعر بلذتها، ويرى أنه حينما يعيش للرب، إنما يحيا الحياة الطيبة المثلى المشتهاة، وأن ذاك أفضل جدًا (فى 1: 23). بل أن هذه الحياة مع الرب هي عربون الحياة الأبدية السعيدة.

نعيش للرب هنا، لكي نستحق أن نعيش معه في الأبدية السعيدة.


Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:46 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
الأشياء التي لا ترى

فما هي إذن الأشياء التي لا ترى؟ نذكر منها الأبدية!
الذى يفكر في أبديته إنما يفكر ما لا يرى، لأنه لا يرى هذه الأبدية بعينيه. ولأن هذه الأبدية كما قال بولس الرسول هي "ما لم تره عين، وما لم يسمع به أذن، وما لم يخطر على قلب بشر".
والذي ينظر إلى أبديته، لاشك أنه سوف لا يهتم بهذا العالم الحاضر، بل يزهده ولا يتمسك به.
وفى الأبدية ننظر الله بالروح.
الله الذي قال عنه الكتاب "الله لم يره أحد قط. الإبن الوحيد الذي في حضن الاب، هو خبر" (يو 1: 18).
والمتعة بالله شيء لا يدخل تحت نطاق الحواس، لذلك فهى أبدية. هي فرح لا ينطق به وعجيب، ولا يستطيع أحد أن ينزعه منا..
ليتنا ننشغل بالله، المحيط بنا، الحال في وسطنا، القارع على أبوابنا، الذي قال لنا "ها أنا معكم كل اليام وإلى انقضاء الدهر "والذى قال "إذا اجتمع إثنان أو ثلاثة بإسمى فهناك أكون في وسطهم" (مت 18: 20).
هو إذن معنا وفي وسطنا، إن كنا لا نراه، ولكننا نحس وجوده. وفي الأبدية سنراه "وجها لوجه "كما قال الرسول (1كو 13: 12).

سنراه ونرى ملائكته وأرواح قديسيه، الذين لا نراهم الآن.
ملائكة الرب حالة حول خائفيه وتنجيهم، وتملأ الكنيسة، وكلهم "أرواح خادمة، مرسلة للخدمة، لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14)،ومع ذلك فنحن لا نراهم بهذه العيون المادية، ولكننا سنراهم في الأبدية، وكذلك أرواح القديسين.
أما الآن، فنحن ننظر إلى هؤلاء بالروح ونراهم بالإيمان، ونستحي من حضرتهم معنا إن فعلنا خطية.
الروح من الأشياء التي لا يرى.
أما الجسد فإنه من المرئيات..
لذلك فالشخص الروحي المحب لله، لا يعيش ناظرًا إلى الجسد وطلباته، إنما إلى الروح التي لا ترى. بهتم بها وبغذائها الروحي، وبمصيرها الأبدي وبكل ما يريطها بالله الذي لا يرى، ويجعلها ملتصقة به..
والذي ينظر إلى ما لا يرى، يهتم بالمعنويات وبالإيمان والخير.
فالإيمان هو "الثقة بما يرجى، الإيقان بأمور لا ترى" (عب 11: 1).
والإنسان الروحي الذي يعيش في الإيمان، إنما يعيش ناظرًا دائمًا إلى ما لا يرى، لأن الأمور التي لا ترى هي خاصة بالعيان وليس بالإيمان. وقد قال الرسول "لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان" (2كو 5: 7).
وبالروح نعيش في المعنويات التي لا ترى، السلام الذي نحسه ولا نراه، الخير الذي نتبعه ولا نراه.. وكذلك كل الفضائل غير المرئية.
وفى كل أمورنا، ننظر إلى قوة الله غير المنظورة العاملة معنا.
ولا ننظر إلى ضعفنا الظاهر.. وإلى المشاكل التي أمامنا.. وإنما ننظر إلى معونة الله، كما صلى أليشع النبى من أجل تلميذه جيحزي "إفتح يا رب عينى الغلام ليرى أن الذين معنا أكثر من الذين علينا". وأهم شيء معنا هو قوة الله، التي نراها بالإيمان عاملة في الكون. وبهذه القوة نفرح ونغنى مع الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني"..
فما هي هذه الأشياء التي ترى، التي ينبغى على الإنسان الروحي ألا ينظر إليها.

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:47 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
كيف نعيش للرب؟
https://st-takla.org/Pix/People-Chris...c-Monks-01.jpg


ليس معنى ذلك حياة التكريس الكامل.

مثل حياة الرهبان والراهبات، ورجال الكهنوت، وكل المكرسين والمكرسات.. فليس الجميع مكرسين للرب، بينما هذه الآية "إن عشنا فللرب نعيش "هى للجميع، لكل مؤمن، لكل عضو في مدينة الله، لكل مؤهل للملكوت.

وأيضًا لا نعيش للرب، بالعبادة الشكلية..

فكثيرون يواطبون على الصلاة والصوم والقراءة والإجتماعات الدينية.. ولهم علاقة بالكنيسة، ولكن ليست لهم علاقة بالله. لا يعيشون معه ولا يعيشون له.. وكأن كل عبادتهم مجرد مظاهر خارجية لا ترقى إلى مستوى المعيشة مع الله. وعن هؤلاء قال الرب "هذا الشعب يكرمنى بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عنى بعيدًا" (متى 15: 8) (اش 29: 13). عليك إذن أن تعيش للرب، بالقلب والعمل، وبالروح والحق (يو 4: 23). فتشعر في عبادتك بوجود الله في حياتك، وبوجودك في حضرته، وصلتك به..

إن الذي يعيش للرب، يظهر ذلك في فضائل كثيرة يحياها، أو تتميز به حياته:

إنه يحيا حياة التسليم وحياة الطاعة. لأنه معيشته للرب، يسلم له حياته ومشيئته. وبالتالى يحيا حياة الطهارة والنقاوة، وحياة الحب التي ينفذ فيها وصايا الرب عن حب لا عن تغصب. فيقول للرب مع المرتل "فرحت بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة" (مز 117) "فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب نذهب" (مز 122: 1). وهكذا يعيش في حياة الفرح بالله.

والذي يعيش للرب، يحيا في العالم كغريب.

إنه "ليس من هذا العالم" (يو 15: 15). يضع أمامه قول الرسول: (.. والذين يستعملون العالم كأنهم لا يستعملونه، لأن هيئة العالم تزول" (1كو 7: 31)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهكذا عاش آباؤنا "أقروا بأنهم غرباء ونزلاء على الأرض" (عب 11: 13).. إنهم يعيشون للرب. أما العالم فيبيد وشهوت معه (1يو 2: 17). ما شأنهم إذن به؟! قال أحد الآباء:

خير الناس من لا يبالى بالدنيا في يد من كانت.

وهكذا فإن الذي يعيش للرب، سيصل بالضرورة إلى الزهد في الدنيا (1يو 2: 15، 16). والناس في هذا الزهد على درجات متفاوتة.. والذي يعيش للرب لا يهتم ويضطرب لأجل أمور كثيرة، كما كانت تفعل مرثا (لو 10: 41). متيقنًا أن الحاجة إلى واحد وهو الله. والبعض الذي يختار هذا النصيب الصالح، قد يصل إلى حياة التكريس.


والذي يعيش للرب، لا يخاف الموت، بل يقابله بفرح:
وهذا النقطة تنقلنا إلى الجزء الثاني من الآية وهو "وإن متنا، فللرب نموت"..

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:50 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
ما معنى: للرب نموت؟
https://st-takla.org/Gallery/var/albu...-People-01.gif



نموت له، لكي نلتقى به، و"ونكون كل حين مع الرب" (1تس 4: 17)..

لذلك فالذى يعيش للرب، يسر أن يخلع هذا الجسد، ويلبس عدم الفساد، يلبس الجسد الروحاني السماوي (1كو 15: 44، 49). ويكون كل حين مع الرب. وهذا هو الذي اشتهاء القديس بولس الرسول حينما قال "لى اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا" (في 1: 23).. نكون معه في الفردوس، وفي أورشليم السمائية، في الملكوت، حسب وعده الصادق "حيث أكون أنا، تكونو أنتم أيضًا" (يو 14: 3).

نموت له، لكي نراه وجها لوجه (1كو 13: 12).

وكما قال الرسول "إننا ننظر الآن في مرآة في الغز، ولكن حينئذ وجها لوجه. الآن اعرف بعض المعرفة، لكن حينئذ سأعرف كما عرفت" (1كو 12: 12).

نموت له، تعنى أيضًا أن نموت من أجله.

كما مات الشهداء وكل المدافعين عن الإيمان. وأيضًا كما قال الرسول "لأننا نحن الأحياء نسلم دائما للموت من أجل يسوع، لكي تظهر حياة يسوع أيضًا في جسدنا المائت. إذن الموت يعمل فينا" (2كو 4: 11، 12)،ى. أو كما قال الكتاب "لتمت نفسى موت الأبرار. ولتكن آخرتى كآخرتهم" (عد 23: 10).


أخيرًا، ليتنا نجرب أن نعيش للرب، لكي نموت أيضًا له.

نجرب أن نعيش للرب، ولو يومًا كتداريب (اليوم المثالى) الذي كان يعطى لنا ونحن شباب. وإن نجحنا في هذا التدريب نكثر منه. ولنتأمل مثال اللص اليمين. إنها ساعات عاشها مع الرب. ثم مات معه، ونال الفردوس. كذلك مثال القديسة بائيسة. لعلها ساعات أو أقل عاشتها معه في توبتها، ونالت الحياة. فلنبدأ إذن أن نعيش للرب.

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:51 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
حياة الغلبة والانتصار

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...Apostle-01.jpg

نحن أعضاء الكنيسة المجاهدة على الأرض، نجتاز هنا فترة اختبار نتعرض فيها لحروب روحية كثيرة، شرحها القديس بولس الرسول فقال "إن مصارعتنا ليست مع لحم ودم، بل.. مع أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف 6: 12).. وقال إنها حرب تحتاج إلى "سلاح الله الكامل، لكي نقدر أن نثبت ضد مكايد إبليس" (أف 6: 11).

إن الله يريدنا أن ننتصر في هذه الحرب. والسماء كلها ترقب جهادنا، وتفرح إذ ترانًا غالبين.

الملائكة وأرواح القديسين في السماء، يصلون لأجلنا لكي ننتصر، "ويكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب" (لو 15: 7). كذلك نعمة الله تعيننا لكي ننتصر، وروح الله يعمل فينا لكي نغلب.. أما إن سقطنا وانهزمنا، فإننا بهذا نحزن روح الله القدوس الذي ختمنا به" (أف 4: 30).
الإنسان الروحي هو إنسان منتصر.

لأن روحه قد انتصرت على شهوات الجسد، وقد انتصرت في حروب الشياطين. وقد غلبت العالم والمادة. روحه تزفها الملائكة بتهليل إلى السماء، حينما تأتى ساعته.

ةالإنسان الروحي ينتصر، لأنه إنسان قوى، يعمل فيه روح الله بقوة. وقد صارت إرادته في تسليم كامل لإرادة الله.

الإنسان الروحي لا يحاول أن ينتصر على غيره.

لأنه يحب غيره، ويقدمه على نفسه في الكرامة (رو 12: 10)، بينما يأخذ هو المتكأ الأخير (لو 14: 10). إنه يحب أن ينتصر على الشر، وليس على الأشرار. يحب أن ينتصر على نفسه، وليس على الآخرين. وهو لا يحب أن ينتصر على الضعفاء والمخطئين، بل بالأكثر أن يحتملهم. كما قال الرسول "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات" (رو 15: 1).هناك مجالات كثيرة ينتصر فيها الإنسان الروحي:

*إنه ينتصر أولًا على نفسه.

ينتصر في الداخل أولا، لأن أنتصاره الداخلى هو الذي يساعده في الأنتصار على الحروب الخارجية.

الابن الضال (لو 15) لم يستطع أن يرجع إلى أبيه، إلا بعد أن انتصر من الداخلى، ولم تعد له شهوة في الكورة البعيدة، بل شعر فيها بسوء حالته..

ومن أعظم الأمثلة على الانتصار الداخلى، يوسف الصديق. لقد كانت الاغراءات من الخارج قوية جدًا، وكانت تلح عليه كل (تك 39: 10). كانت الخطية هي التي تسعى إليه. ومع ذلك رفض كل تلك الإغراءات، لأن كان منتصرًا من الداخل، فاستطاع في نقاوة قلبه أن يقول "كيف افعل هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله" (تك 39: 9). صدق القديس ذهبي الفم حينما قال:

لا يستطيع أحد أن يضر إنسانًا، ما لم يضر هذا الإنسان نفسه.

أى أن العوامل الخارجية لا تهزمه إلا إذا كان مهزومًا من الداخل أولًا. ولهذا يقول الرب "فوق كل تحفظ احفظ قلبك، لأن منه مخازج الحياة" (أم 4: 23).

إن القديس أوغسطينوس كان يعيش في الخطية حينما كان مغلوبًا منها، أي حينما كان يشتهيها. ولكنه حينما انتصر على نفسه من الداخل، حينئذ قال عبارته الجميلة "جلست على قمة العالم، حينما أحسست في نفسى إنى لا أشتهى شيئًا ولا أخاف شيئًا".
فإن تعبت يا أخى يومًا، تأكد أنك متعب من الداخل. هناك ثقب في نفسك تدخل منه المتاعب الخارجية. لذلك قال الرب عن الإنسان الروحي المنتصر إنه "جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نش 4: 12).

الخطية الخارجية، تبحث عن خطية داخلك، لكي تتحد معها، وتفتح لها أبواب القلب وأبواب الفكر.

والإنسان الروحي الذي يود داخله روح الله، هذا لا تجد الخطية التي في الخارج مكانًا لها في داخله. تطرق على بابه فلا يفتح لها، فتتركه وترحل.. عدو مثلًا يريد أن يثيرك لكي تخطئ، فيجدك غير قابل للاستثارة لأنك قوى في الداخل. ماذا يفعل إذن؟ أما أن يخجل ويتركك، أو أن يعتذر لك، أو يكف عن استخدام هذا الأسلوب معك..
*الإنسان الروحي ينتصر على الخطية والشيطان..

مادام قد انتصر على شهوة القلب من الداخل، فلابد أن ينتصر على الخطية من الخارج، على كل حروبها وكل أفكارها. ولا تخدعه مطلقًا حيل الشيطان نبل كما قال القديس بولس الرسول عنه: لا يطمع فينا الشيطان، لأنن لا نجهل أفكاره (2 كو 2: 11).

والإنسان الروحي إن حاربته الخطية، يقاومها بكل قوة.
مستفيدًا بذلك من توبيخ القديس بولس الرسول للعبرانيين "لم تقاوموا بعد حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية" (عب 12: 4). ومستمعًا إلى قول القديس بطرس الرسول "اصحوا واسهروا، لأن إبليس خصمكم كأسد زائر.. فقاوموه راسخين في الإيمان"،. إن الإنسان الأول انخدع من حديث الحية (تك 3)، وفقد صورته الإلهية، منهزمًا أمام الخطية. أما الإنسان الروحي فليس كذلك. إنه يحب أن ينتصر، مستفيدًا من دروس الماضي.

إن أسوأ ما في هزيمة الأشرار، افتخارهم بخطاياهم:

هؤلاء الذين قال عنهم القديس بولس "والآن أذكرهم أيضًا باكيًا، وهم أعداء صليب المسيح، الذين نهايتهم الهلاك.. ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات" (فى 3: 18، 19).

أما الإنسان الروحي، فإن مجده في الآلام التي يتحملها لأجل الرب، منتصرًا على ذلك الخزي الذي يفرح به الخطاة.
* الإنسان الروحي ينتصر على العوائق التي تقف في طريق حياته الروحية. وينتصر أيضًا على العوائق التي تعترض نموه الروحي. إنه لا يسمح لشئ أن يعطله لغيره انظروا ماذا قال القديس بولس: "من سيفصلنا عن محبة المسيح؟! أشدة أم ضيق أم اضطهاد، أم جوع أم عرى، أم خطر أم سيف؟! ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى أحبنا. فإنى متيقن أنه لا موت، ولا حياة، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا علو ولا عمق، ولا خليقة أخرى، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا" (رو 8: 35-39).
الإنسان الروحي لا يقدم أعذارًا إذا لم ينتصر. بل يقدم اعترافا بالخطأ وتوبة.

إن الأعذار لا تبرر الهزيمة أمام العدو. لقد لجأ كل من آدم وحواء إلى تقديم الأعذار، فلم تكن مقبولة منهم الله. فالله قد وضع أمامنا كل وسائل النصرة وهو مستعد أن يقودنا في موكب نصرته" (2كو2: 14).. العيب إذن إرادتنا. وكل محاولة لتبرير هزيمتنا في حروبنا الروحية، هي خطية أخرى تضاف إلى هذه الهزيمة..
الإنسان الروحي ينتصر أيضًا على الضيقات والمشاكل

المشكلة لا تهزه، ولا تهزمه، ولا تضعف معنوناته، ولا تعكر نفسيته، ولا يستطيع أن تلقيه في دوامات القلق والاضطراب والشك. إنما هو ينتصر على المشكلة ولا يضيق قلبه به، ولا يفقد سلامه بسببها.

إنه ينتصر على المشاكل بالإيمان وبالصلاة والصبر.

ولعل من الأمثلة البارزة في هذا المجال: أيوب الصديق. كانت المشاكل التي حلت عليه، أصعب من أن يحتملها قلب إنسان عادى. من ذا الذي يستطيع أن يحتمل فقد كل بنيه وبناته في يوم احد؟ ويفقد معهم كل ثروته وغناه؟! ولكن هذا الإنسان الروحي لما سمع هذه الأخبار المحزنة قال "الرب أعطى، الر أخذ فليكن اسم الرب مباركًا"، "عريانًا خرجت من بطن أمى وعريانًا أعود إلى هناك" (أى 1: 21). لذلك حسنًا قال الله عنه إنه "ليس مثله في الأرض. رجل كامل ومستقيم" (أى 2: 3).
الإنسان الروحي، لا ينتصر فقط على الضيقة، بالاحتمال، بل أكثر من هذا يفرح بها.

كما قال القديس يعقوب الرسول "احسبوه كل فرح يا أخوتى، حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع 1: 2). كما قال القديس بولس الرسول "بكل سرور أفتخر بالحرى في ضعفاتى، لكي تحل على قوة المسيح. لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح.." (2كو 12: 9، 10).

وما أجمل ما قيل عن الآباء الرسل بعد أن سجنوهم، ثم جلدوهم وأطلقوهم.. قيل "وأما فذهبوا فرحين.. لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه" (أع 5: 41).

الإنسان الروحي إذا حلت به ضيقة، يقول في إيمان: إنها للخير:

متذكرًا قول الرسول "كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله" (رو 8: 28). لذلك فالضيقة لا تهزه، بل تقوى إيمانه، لأنه يعرف تمامًا أن الطريق الموصل إلى الله، هو طريق ضيق (مت 7: 14). فهو يتوقع إذن هذا الضيق، ويسر به لأنه دليل على أنه سائر في طريق الله. ثم هو بالإيمان ينتظر تدخل الله لإخراجه من الضيقة. وعلى أية الحالات فإنها تحمل له أكليلًا.. وبهذه المشاعر كلها ينتصر على الضيقة...

*و الإنسان الروحي لا يجد لذته في العالم، بل يفرح بالانتصار على العالم وما فيه من المادة والشهوات..

وما أجمل ما قاله أحد الأدباء "افرحوا لا لشهوة ونلتموها، بل لشهوة أذللتموها". وبالانتصار على الشهوات يثبت الإنسان الروحي إنه ابن لله، لأن "كل الذين ينقادون بروح الله، أولئك هم أولاد الله" (رو 8: 14). إذا ينقادون بروح الله ينتصرون على الخطية ويفعلون البر، "المولود من الله لا يخطئ" (1يو 4، 5).

وحياة الإنتصار مفرحة، لأن الإنسان الروحي يصبح بها قدرة لغيره.

ويقدم للناس مثالًا على إمكانية حياة البر، وعلى أن حياة الانتصار هي واقع عملي يلمسونه أمامهم. كما يعطى مثالًا عن قوة أولاد الله التي ساعدتهم على الانتصار، كما قال القديس يوحنا للشباب "كتبت إليكم أيهًا الشباب "كتبت إليكم أيها الشباب، لأنكم أقوياء، وكلمة الله ثابتة فيكم، وقد غلبتم الشرير" (1يو 2: 1). وكرر أيضًا تلك العبارة "وقد غلبتم الشرير" (1يو 2: 13).

*وحياة الانتصار مفرحة من أجل الوعود التي أعطاها الرب للغالبين.

وقد سجلت في الرسائل التي أرسلها الرب إلى الكنائس السبع التي في آسيا (رؤ2، 3).

فقال لملاك كنيسة أفسس "من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله" (رؤ2: 7). وقال لملاك كنيسة سميرنا "من يغلب فلا يؤذيه الموت الثانى (رؤ2: 11). والمعروف أن الموت الأول هو مفارقة الروح للجسد. أما الموت الثانى فهو الموت الأبدى، أو هو الحرمان من الله، والإلقاء في الظلمة الخارجية حيث البكاء وصرير الأسنان (مت 13: 42).

وقال لملاك كنيسة برغامس "من يغلب فسأعطيه أن يأكل من المن المخفى.. وأعطيه اسما جديًا" (رؤ 2: 17).

وقال لملاك كنيسة ثياترا "من يغلب ويحفظ أعمالى إلى النهاية، فسأعطيه سلطانًا على الأمم.. آخذت أنا أيضًا من عند أبى، وأعطيه كوكب الصبح" (رؤ 2: 26 – 28).

وقال لملاك كنيسة ساردس "وم يغلب سيلبس ثيابًا بيضًا، ولن أمحو اسمه من من سفر الحياة، وسأعترف باسمه أمام أبى وأمام ملائكته" (رؤ 3: 5).

وقال لملاك كنيسة فيلادلفيا "من يغلب فسأجعله عمودًا، في هيكل إلهى" (رؤ 3: 12).

وقال لملاك كنيسة لاوديكية "من يغلب فسأعطيه أن يجلس معى في عرش، كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبى في عرشه" (رؤ 3: 21).

ما أجمل هذا.. السيد المسيح يريدك أن تغلب، وأن تجلس معه في عرشه، في الملكوت الأبدى.

وإن كنت من الغالبين، تأكل من شجرة الحياة، ومن المن المخفى، وتلبس ثيابًا بيضًا، وتصير عمودًا في هيكل الله ويصبح لك سلطان، وأسمك في سفر الحياة، بل يكون لك اسم جديد..

وإن غلبت تسكن في مدينة الله، في أورشليم السمائية مع الله والملائكة والقديسين (رؤ21)، وترث الملك المعد للأبرار منذ تاسيس العالم (مت 25: 34)، وحيث يكون المسيح، تكون المسيح، تكون أنت أيضًا (يو 14: 3)، وتتمتع بما لم تره عين، ولم تسمع به إذن، ولم يخطر على قلب بشر (1كو 2: 9). ولا يقوى عليك الموت الثانى، بل تقوم في مجد، بجسد سماوى روحانى (1كو15: 43، 44، 49). كل هذه الأمجاد للغالبين

Mary Naeem 18 - 01 - 2014 04:55 PM

رد: كتاب الإنسان الروحي - البابا شنوده الثالث
 
حياة النصرة.. والحرب للرب

موكب المنتصرين


لقد قدم لنا السيد المسيح في تجسده الصورة المثالية لحياة الغلبة والانتصار إذ كان منتصرا في كل شيء:
لقد انتصر في كل كل حروب الشيطان، كما في التجربة على الجبل (مت 4) وانتصر في كل حوار له مع الكتبة والفريسيين والصدوقيين وكل قيادات اليهود (مت 21-23). وانتصر وهو على الصليب، إذ أمكنه أن يقدم فداء وخلاصًا للعالم كله، وداس على الموت بموته ((عب 2: 14، 15). كما انتصر على الموت بقيامته. وانتصر على العالم، إذ قال:
"ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو 16: 33) ومن جهة البر كان منتصرًا، فقد شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية (عب 4: 15). وقد تحدى اليهود قائلًا "من منكم يبكتنى على خطية؟!" (يو8: 46). وانتصر في كسب محبة الناس، فقيل عنه "هوذا العالم قد ذهب وراءه" (يو 12: 19). ودخل أورشليم منتصرًا كملك، وارتجت المدينة كلها (يو 21: 10). وقيل عن مجمل انتصاراته:
"هوذا قد غلب السد الذي من سبط يهوذا" (رؤ 5: 5).
وقيل أنه يغلب كل الموك الذين يحاربونه "لأنه رب الأرباب وملك الملوك (رؤ 17: 14). وإذ قد انتصر باستمرار وعدنا الكتاب أنه "يقودنا في موكب نصرته" (يه 114) "بقوة ومجد كثير" (مت 24: 30).
وكما قدم لنا الكتاب مثالية انتصارات ربنا يسوع المسيح، كذلك قدم لنا الكتاب وتاريخ الكنيسة أمثلة لانتصار القديسين:
نذكر في مقدمة هؤلاء المنتصرين أبا الآباء إبراهيم:


لقد انتصر انتصارًا عميقًا وعجيبًا، حينما أخذ ابنه وحيده إسحق ليقدمه محرقة لله (تك 22). انتصر على مشاعر الأبوة، وعلى آماله في نجوم السماء ورمل البحر (تك 15: 5). و(تك 13: 16). بل انتصر من جهة الإيمان أيضًا "إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات" (عب 11: 17 – 19).
وانتصر إبراهيم أيضًا على مشاعر القرابة والوطن، حينما قال له الله "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك" (تك 12: 1). فأطاع "وخرج وهو لا يعلم إلى أين يذهب" (عب 11: 8).
نذكر مثالًا آخر في الأنتصار هو أبونا يعقوب:
أنتصار من نوع آخر، هو الصراع مع الله، إذ أمسك به، وصارعه حتى الفجر، وقال له "لا أطلقك إن لم تباركنى" (تك 32: 26) ونال البركة فعلًا، وقال له الرب "لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت" (تك 32: 28).
كان يعقوب خائفًا من أخيه عيسو. ولكنه لم يعتبر أن الصراع قائم بينه وبين عيسو. وإنما صارع مع الله، مؤمنًا أنه إذا انتصر في صراعه مع الله، ونال منه البركة والوعد والقوة، حينئذ لابد سينتصر في علاقته مع أخيه، وقد كان..
كان في صراعه مع الله، قد أخذ الإيمان الذي يقابل به عيسو. إنه درس لنا في الصراع مع الله، حتى ننال منه وعده "يحاربونك ولا يقدرون عليك، لأنى أنا معك –يقول الرب – لأنقذك" (أر 1: 19).
مثال ثالث في النصرة، هو أبطال الإيمال.
بولس الرسول الذي قال "جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعى، حفظت الإيمان. وأخيرًا وضع لي أكليل البر" (2تى 4: 7). بولس الذي وقف أمام ولاة وملوك، وخرج منتصرًا (أع 21: 28).
أثناسيوس الرسولى الذي بكل قوة انتصر على أريوس والأريوسية، ورد على كل هرطقاتهم. وقيل له "العالم كله ضدك يا أثناسيوس "فقال "وأنا ضد العالم".
مثال رابع للانتصار، هو الشهداء والمعترفون:
انتصروا على كل التهديدات، وعلى السجون، وعلى العذابات التي تفوق احتمال البشر. وثبتوا على الإيمان، وقابلوا الموت ببسالة عجيبة. وكانوا مثالًا رائعًا جذب الكثيرين إلىالإيمان. لذلك تكرمهم الكنيسة تكريمًا عظيمًا، ونقول إن دماء الشهداء هي بذار الإيمان.
مثال خامس في النصرة، هو قديسو الرهبنة والنسّاك.
القديس الأنبا ألأنطونيوس مثلًا، كيف انتصر على محبة المال، ووزع كل أمواله على الفقراء. وانتصر في حروب الشكوك وفي كل المخاوف والمفزعات التي وضعها الشيطان في طريقه. وانتصر في احتمال الوحدة والفقر والنسك، وفي بقائه في البرية بلا مرشد أو أنيس لعشرات السنوات. وانتصر أيضًا في قيادته لكثيرين في هذا الطريق الملائكى، حتى أصبح نورًا للعالم
ونضع مع القديس انطونيوس في موكب المنتصرين، كل آباء الرهبنة الكبار، والنساك والمتوحدين والسواح والعموديين. وكل صفوف هؤلاء "الملائكة الأرضيين أو البشر السمائيين" كما سماهم التاريخ.. هؤلاء الذين انتصروا ثابتين في حياة الوحدة والصلاة والتأمل والموت عن العالم، والبعد عن المناصب والشهرة..
كيف ننتصر


كل هذه وغيرها أمثلة من نوعيات عاشت حياة الغلبة والنصرة، وتركوا لنا مثالًا لنتبع خطواتهم. بقى علينا أن نسأل: كيف يمكننا نحن أيضًا أن نغلب وننتصر.
لا يمكننا إطلاقًا أن ننتصر، إلا إذا حارب الرب عنا..
إذا اعتمدنا على مجرد إرادتنا، وقوتنا، وخبرتنا، وذكائنا فلا يمكن أن ننتصر، لأن العدو أكثر قوة وخبرة وحيلة، والرب نفسه قال "بدونى لا تقدرون أن تعملوا شيئًا" (يو 15: 5).
إذن لا بد أن يحارب عنا، هو الذي يدافع عنا وينتصر. وكما قال الكتاب "الحرب للرب.. والرب قادر أن يغلب بالكثير وبالقليل" (1صم 14: 6). وأما النصرة فهى من الرب (أم 21: 31).
أما أنتصار فكقول الرسول "يعظم انتصارنا بالذى أحبنا" (رو 8: 37).
الرب ينتصر فيها، حينما نسلمه إرادتنا، نسلمه تدبير أمورنا، وحينئذ "يقودنا في موكب نصرته" (2كو 2: 14).
قال السيد المسيح "في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم". لم يقل "ثقوا أنكم ستغلبون "وإنما "أنا قد غلبت "فما فما بمعنى هذا؟ معناه إنى أنا الذي سأغلب (فيكم) هذا العالم مرة أخرى إن سكنت فيكم. كما قال بولس الرسول "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فى" (.. غل 2: 20).
إذن إن أردت أن تنتصر، التصق بالمسيح، اجعله يحارب عنك خذ منه القوة التي بها غلب العالم، فتغلب..
(بدونى لا تقدورن أن تعلموا شيئًا) بدونى لا تنتصرون (يو 12:5).
إذن تمسك بالرب، بكل قوتك. قل له: لا تتركنى ولا تتخل عنى. أنا بدونك لا أستطيع أن أقاتل اصغرهم، كما قال القديس انطونيوس، ولكننى بك أقول مع القديس بولس الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوينى".
إذن الغلبة الحقيقية هي التصاقك بالرب كل حين.
مشكلتنا الكبرى، هي أننا نريد أن ننتصر بقوتنا الخاصة، بارادتنا بخبرتنا، بذكائنا، دون أن ندخل ربنا في المعركة..
وفى كل ذلك ننسى قول الرسول "شكرًا الله، الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح" (1كو 15: 57). نعم، هذا هو سر الغلبة، ربنا يسوع المسيح، إن قاتل معك، ولهذا يقول بولس أيضًا "يعظم انتصارنا بالذى أحبنا" (رو 8: 37).
ما أجمل قول الكتاب "الحرب للرب، والرب قادر أن يغلب بالقليل وبالكثير" (1صم 14: 6).
مادامت الحرب للرب، إذن هو الذي سيقابل وليس أنت. يجب إذن أن تسلمه قيادة المعركة في قتالاتك مع العدو، مع العالم، مع الخطية، مع ذاتك..
عبارة رائعة قيلت في حروب موسى "للرب حرب مع عماليق" (خر 17: 16)،إذن موسى لم يكن هو الذي يحارب عماليق، ولا يشوع، بل الرب.. لا تقل: أتركنى يا رب أحارب عماليق، كلا. بل قل تواضع، أنا لا أستطيع فحاربه أنت..
نفس الوضع رأيناه واضحًا في الحرب بين داود وجليات..
قال داود لذلك الجبار "اليوم يحبسك الرب في يدى" (1صم 17: 46). لست أنا الذي يغلبك، وإنما الرب. الرب هو الذي سيحبسك في يدى. وعندئذ أستطيع أن أجعل لحمك طعامًا لطيور ال السماء.. هذه هي الغلبة..
"أنت تأتينى بسيف ورمح، وأنا آتيك باسم رب الجنود" (1صم 17: 45). لقد فهم داود السر، فأدخل الله إلى ميدان المعركة.
قبل مجئ داود، كان الناس يتحدثون عن "الرجل الصاعد "عن الجبار وقوته، ومكافأة من يغلبه. فلما وصل داود، بدأ يتحدث عن الرب ويدخل الرب إلى ميدان القتال...
هل انتصر داود إذن لأن يده كانت ماهر في القتال، أم لأن الرب حبس جليات في يد داود؟ السر كله في الرب نفسه. لذلك ما أجمل قول داود في كل حروبه "مبارك الرب الذي علم يدى القتال، وأصابعى الحرب" (مز 144: 1).
وأنت يا أخى، هل تحارب وحدك، أم الله يحارب عنك؟
مسكين أنت، إن حاربت وحدك. لأن الشيطان أكثر منك خبرة. له أكثر من سبعة آلاف سنة يحارب البشر. وهو أيضًا أكثر منك حيلة ومعرفة وقوة، فحذار أن تجاربه بمفردك.
خذ معك إذن سلاح الله الكامل، الذي تستطيع به أن ترد كل سهام العدو الملتهبة (أف 6: 13، 16). وإن كان قائد الجيش لم يستطع أن يخرج للحرب وحده، دون أن تخرج معه دبورة النبية (قض 4: 8). فأنت لا تخرج للحرب بدون الله معك..
وقبل أن تحارب، أطلب من الرب أن يدربك، أن يعلم يديك القتال، وأصابعك الحرب.. تتلمذ على الرب، فيستطيع مقلاعك أن يفعل الأعاجيب. وبحصاة واحدة تكسب الحرب. وفي كل حروبك، استمع إلى قول نبى بطل كموسى:
قفوا وانظروا خلاص الرب. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون (خر 14: 14).
الرب يقاتل عنك في كل حروبك: في الحروب الذي هي داخل القلب، وداخل القلب، وداخل الفكر، وفي الحروب الخارجية أيضًا.. والروح يشفع فيك بأنات لا ينطق بها. الله يرسل ملاكه إليك في كل جب، فيسد أفواه الأسود.
الإنسان الروحي الذي يختبر الصلاة القوية، لا يعرف الهزيمة إطلاقًا..
لأنه بالصلاة يأتى بالرب، ويدخله الميدان، ويسلمه المعركة. لهذا قال داود "جعلت الرب أمامى في كل حين، لأنه عن يمينى فلا أتزعزع.. لا أتزعزع طالما الرب عن يمينى..
كان في كل معاركه يصرخ إلى الرب: إلى متى يا رب تنسانى؟ يا رب لماذا كثر الذين يحزنونى؟ أسرع وأعنى.. (مز 3: 69). أنك تتعب إن قمت بمفردك، تحارب عدوك بقوتك..
ولكنك تغلب إن قلت (الله يغلبه لا الإنسان) (أى 32: 13).
كذلك نرى خبرة روحية عميقة في قصة أبينا القديس أنطونيوس الذي حاربته الشياطين بقوة وعنف، وزلزلت المقبرة التي كان يعيش فيها في بدء نسكه. فقال لهم القديس "إن كان الله قد أعطاكم سلطانًا على، فمن أنا حتى أقاوم الله؟ وإن لم يكن الرب قد أعطاكم سلطانًا، فلن يستطيع أحد منكم أن يغلبنى"..
إذن الحرب ليست بينك وبين الأعداء، وإنما هي أولا وقبل كل شيء مع الله. إن صارعته حتى الفجر، وأخذت منه القوة، فلن يستطيع عدو أن يغلبك..
الحرب أولًا في قلبك. هل أنت واثق أن الله واقف معك، يحارب ويقاتل أعداءك إن وثقت بهذا تقول مع داود النبي "إن يحاربنى جيش فلن يخاف قلبى، وإن قام على قتال، ففى هذا أنا مطمئن" (مز 26).
الله يحارب عنك، هذا حق –ولكن ينبغى أن تجاهد.
عمل الله معك، ليس معناه أن تكسل. بل جاهد بكل قوتك. قاوم كل شهوة وكل رغبة خاطئة. كما قال الرسول "قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع 4: 7) وأيضًا "قاوموه راسخين في الإيمان" (1بط 5: 9). إن مقاومتك تدل على رفضك للخطية. وبذلك تستحق معونة النعمة..
قاوم نقط الضعف التي فيك ولا تستسلم لها.. واثبت في الجهاد، إلى أن تنتشلك يد الله.
ولا تيأس أبدًا في جهادك، مهما بذت الحرب صعبة، ومهما كثرت الفخاخ من حولك. وثق أن السماء ترقب جهادك، وملائكة وقديسون كثيرون يشفعون فيك..
وليكن جهادك مسنودًا بالإيمان بيد الله القوية وذراعه الحصينة، التي تغنى بها داود قائلًا:
"دفعت لأسقط والرب عضدنى. قوتى وتسبحتى هو الرب وقد الرب وقد صار لي خلاصًا"، "يمين الرب صنعت قوة. يمين الرب رفعتنى".
جاهد إذن مع الله، وجاهد مع نفسك، وجاهد الشيطان. وكن قوى القلب. وتذكر أن الله كان يختار جبابرة البأس لحروبه، مثلما استخدام جدعون (قض 6: 12) وداود (1صم 16: 18). وكما قال عن الكنيسة في سفر النشيد إنها "مرهبة كجيش بألوية" (نش 6: 10)، وهكذا النفس البشرية أيضًا..
واستخدام أيضًا كل وسائط النعمة:
التصق باستمرار بمزاميرك، بصلواتك، وبقراءاتك الروحية وتأملاتك، بالترانيم والتسابيح، والتداريب ومحاسبة النفس واليقظة الروحية. التصق بالكنيسة، بأب الاعتراف، بالتناول، بالاجتماعات الروحية. فإن هذه كلها توقد الحرارة في قلبك، وتعمق محبة الله فيك، وتمنحك قوة للانتصار. أما إن بعدت عن هذه الوسائط الروحية، فما أسهل أن تفتر، ويجد العدو مدخلًا إليك.. ‍!
ثق أن كلمة الله سلاح قوى يساعدك على الغلبة.
وما أصدق وأعمق قول داود النبي في اختباراته: "لو لم تكن شريعتك هي تلاوتى، لهكت حينئذ في مذلتى"، "لأن قولك أحيانى" (مز 119). تذكر أن السيد في تجربته علىالجبل، كان يرد على الشيطان بآيات من الكتاب، فأرانا أم كلمات الكتاب تصلح سلاحًا للرد على افكار العدو. وكما قال داود النبي "كلمة الرب مضيئة تنير العينين من بعد" (مز 19).
ردد المزامير والآيات التي تشجعك وتقويك.
مثل المزمور التسعين، ومزمور الراعى (23) وتغنى مع الرسول في قوله "يعظم أنتصارنا بالذى أحبنا" (رو 8: 37). وتذكر وعود الله وتشجيعه لأولاده، وقوله لزربابل "من أنت أيها الجبل العظيم؟! أما زربابل تصير سهلًا" (زك 4: 7)، وقوله للقديس بولس "لا تخف.. لأنى أنا معك، ولا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 9، 10). وقوله من قبل لأرميا "يحاربونك ولا يقدرون عليك، لأنى أنا معك، يقول الرب، لأنقذك" (أر 1: 19). وقوله كذلك ليشوع "لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك" (يش 1:5)..
عش في محبة الله، فتنتصر. وعلى الأقل عش في وخافته.
واستعن في جهادك بالصبر والصمود. وإن اخافك عدو الخير، تذكر قول بولس الرسول "أستطيع كل شيء في المسيح. الذي يقوينى" (فى 4: 13).
وثق أنك كلما نلت خبرة في حروبك الروحية، سوف تزداد قوة وإيمانًا بالانتصار. وحاول أن نعيش باستمرار في جو روحى، وأن تبعد عن الأجواء التي تبرد محبة الله في قلبك. بهذا سوف تحتفظ بحراراتك الروحية، وتقوى على محاربات العدو. وليكن الرب معك.


الساعة الآن 11:36 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025