منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كتب البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=244325)

Mary Naeem 14 - 01 - 2014 04:33 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
أجساد القديسين
هؤلاء القديسون الذين مجدوا الله في أجسادهم، مجد الله أجسادهم كذلك.
مثال ذلك جسد العذراء الذي أصعده الله إلى السماء.
وكذلك الكرامة التي كانت تمنح لهذه الأجساد، حتى أن عظام أليشع النبي كان لها البركة التي لمسها ميت فقام (2مل21:13).
وقد مجد الله أجساد القديسين حتى في حياتهم.
مثل وجه موسى الذي أضاء بنور بعد مقابلة للرب على الجبل، حتى أن الشعب لم يستطع النظر إليه، فوضع على وجهه برقعًا، ليمكنهم النظر إليه(خر30:34-35).
ومثل وجه اسطفانوس الشماس الذي أثناء محاكمته "شخص إليه جميع الجالسين في المجمع، ورأوا وجهه كأنه وجه ملاك" (أع15:6).
ومن أمثلة ذلك المناديل والعصائب التي كانوا يأخذونها من على أجساد الرسل، فتشفي الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة (أع12:19).

Mary Naeem 14 - 01 - 2014 04:34 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
أهمية القلب ودخوله في كل عمل

لعل من أبرز الأمثلة على أهمية القلب، هي قول الكتاب في سفر الأمثال:
"فوق كل تحفظ أحفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة" (أم23:4).
ذلك لأنه من القلب يصدر كل شيء، وهو الذي يعبر عن حقيقة الإنسان، وعن خفاياه ونواياه. والله يعرف كل ما في قلب الإنسان. لذلك قيل عنه إنه "وازن القلوب" (أم2:21) وأنه "فاحص القلوب" (مز9:7) (رؤ23:3).
القلب هو مركز المشاعر، ومركز العواطف، ومركز الحب. والرب يريد هذه المشاعر والعواطف القلبية، لذلك قال: "يا ابني، أعطني قلبك" (أم26:23).
وإن أعطيتني قلبك، كنتيجة طبيعية: سوف "تلاحظ عيناك طرقي".
والحياة الروحية ليست مجرد ممارسات في العبادة، أو فضائل ظاهرية، إنما هي حياة قلبية، حياة قلب يرتبط بالله بعلاقة الحب، وكل فضائله وعباداته وممارساته، تكون نابعة من هذا القلب، ومزينة بعلامة الحب.
هي ليست مجرد ممارسات من الخارج يمارسها الإنسان.. ولا مجرد ناموس، أي وصايا تنفذ حرفيًا.. أنما الحياة الروحية -قبل كل شيء- هي حياة القلب مع الله.
وما أجمل قول المزمور في مثل هذا المعنى:
"كل مجد ابنة الملك من داخل" (مز44).
مع أنها "مشتملة بأطراف موشاة بالذهب، ومتزينة بأنواع كثيرة "إلا أن كل مجدها من الداخل، في قلبها في روحها..
وسنرى الآن علاقة القلب بالمشاعر وباللسان والفكر والإرادة، وبالتوبة والعبادة وكل الحياة مع الله.

Mary Naeem 14 - 01 - 2014 04:35 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
القلب مصدر المشاعر

فيه الحنو والطيبة، أوفيه القسوة والشدة.
فيه الإيمان والثقة، أو فيه الشك وفقدان السلام.
فيه التواضع والوداعة، كما قيل عن السيد المسيح إنه وديع ومتواضع القلب (مت29:11).
لا تظن أن الاتضاع هو أن يقول إنسان كلام أتضاع. مثل أن يقول "أنا خاطئ. أنا لا استحق شيئًا". فقد يقول هذا، ولا يحتمل مطلقًا أن يقول له أحد: أنت خاطئ أو أنت مخطئ!!
التواضع الحقيقي هو تواضع القلب. والكبرياء هي ارتفاع القلب.

أول خطية في العالم، كانت خطية قلب، خطية كبرياء.
بها سقط الشيطان، إذ ارتفع قلبه. وعلى ذلك وبخه الرب قائلًا:
"وأنت قلت في قلبك: أصعد إلى السموات، أرفع كرسي فوق كواكب الله.. أصير مثل العلي" (أش13:14، 14).
وعن الكبرياء يقول الكتاب "قبل الكسر والكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم18:16).هي أذن خطية في داخل الإنسان، في قلبه قبل أن تأخذ مظهرًا خارجيًا.
القلب أيضًا فيه الخوف، كما فيه الاطمئنان.
أمر واحد يحدث لاثنين: أحدهما يخاف ويرتعش ويتخيل له نتائج مرعبة. بينما الآخر يقابله بكل سلام واطمئنان.
ويفكر في هدوء كيف يتلافى نتائجه السيئة.. حسب قلب كل واحد، تكون مشاعره،لذلك يقول الكتاب "تقو وليتشدد قلبك" (مز14:27).
إن القلب يشمل كل شيء فيك ومنك.
كل الفضائل مصدرها القلب. وكل الخطايا مصدرها القلب.
كلمات لسانك راجعة إلى قلبك. لأن الكتاب يقول "من فضلة القلب يتكلم الفم" (مت34:12). وكذلك الفكر أيضًا "الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح، يخرج الصالحات. والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر" (لو45:6).
إن كان في قلبك حب، يظهر الحب في معاملاتك. وإن كانت في قلبك عداوة أو كراهية، يظهر كل ذلك في تصرفاتك. بل يبدو في لهجة صوتك وفى نظرات عينيك. ومصدر ذلك هو القلب.. إلا لو كان هناك رياء وأظهر الإنسان غير ما يبطن. وذلك أيضًا ينكشف..

Mary Naeem 14 - 01 - 2014 04:36 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
القلب والفكر

القلب والفكر يعملان معًا. كل منهما سبب ونتيجة.
مشاعر القلب تسبب أفكارًا في العقل. والأفكار تسبب مشاعر في القلب. إن اشتهيت خطية، تجد هذه الشهوة تجلب لك أفكارًا من نوعها. وإن فكرت في الخطية، يجلب لك القلب شهواتها.
إن أردت صلاحًا لقلبك، أصْلِح إذن أفكارك. وابعد عن مصادر الفكر الخاطئة.
أبعد عن الأفكار التي تأتيك من الكتب، أو من الحواس، أو من المعاشرات الردية، أو من مصادر أخرى.. حينئذ لا تضغط الأفكار على قلبك، وتصل إلى استقامة القلب وصلاحه.
الوجوديون الذين رفضوا الله بقلوبهم: دخلت أفكار الإلحاد إلى أذهانهم. الإلحاد إذن قد يكون من الفكر والقلب معًا.
ربما تكون بينك وبين إنسان محبة.. ويأتي ثالث فيغير فكرك من نحوه، تجد قلبك قد تغير أيضًا من نحوه. ومع تغير قلبك تتغير ملامحك ومعاملاتك..!
تقول "أريد أن أعطى قلبي لله".
أقول لك: أعطه فكرك أيضًا..
حسبما يكون قلبك، يكون فكرك. وحسبما يكون فكرك، يكون قلبك. لذلك حسنًا قال الكتاب "تحب الرب إلهك من كل قلبك.. ومن كل فكرك" (مت37:22).
وتجديد الذهن يجلب تجديد القلب.
وهكذا يقول الرسول "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو2:12)،فإن دخلت إلى ذلك أفكار جديدة، اقتنعت بها وآمنت بها، ستجد نفسك قد تغيرت تبعًا لها، شكلًا وقلبًا. وتجد ضميرك قد أخذ نوعية جديدة يقود بها قلبك.
وهذا هو عمل العظات في تجديد الفكر والقلب.
وبتغير الفكر والقلب، يتغير أسلوب اللسان أيضًا.
وكل هذا لابد أن يؤثر على الإرادة.

Mary Naeem 14 - 01 - 2014 04:36 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
القلب والإرادة

إذ ملأت محبة الله قلب إنسان، فإنه لا يستطيع أن يخطئ، لأن محبته لله هي التي تسيطر على تصرفاته. وهكذا تتجه إرادته نحو الله بالكلية..
أما إذا كان القلب غير كامل في محبته لله، فإن إرادته تكون متزعزعة.
تتصرف حسب التأثيرات الخارجية عليها إن خيرًا، وإن شرًا. ولذلك حسنًا قال الكتاب "تحب الرب إلهك من كل قلبك "وعبارة "كل" هنا لها أهميتها..
فإن كان كل القلب لله، تكون كل الإرادة لله.
أيضًا إن كان القلب يتميز بالجدية والتدقيق، والالتزام بالقيم والمبادئ، فإنه على حسب تمسكه بكل هذا، تكون إرادة الإنسان قوية.
والقلب المتقلب، تكون إرادته متقلبة.
هناك ارتباط إذن بين القلب والفكر، وبين القلب واللسان، وبين القلب والإرادة، وبين القلب والفضيلة..

Mary Naeem 14 - 01 - 2014 04:38 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
القلب واللسان

كل ما تتكلم به، يصدر عن قلبك، لذلك يقول الكتاب:
"من فضلة القلب يتكلم الفم" (مت34:12).

ويشرع الرب ذلك فيقول "الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر" (لو45:6).
إلا لو كان الكلام رياء، وليس من القلب.
أي أن يتكلم الإنسان بغير ما في قلبه، أو العكس ما في قلبه. وفى هذه الحالة إن قلت كلمة طيبة بفمك، وقلبك بعكس هذا، فإن الله يحاسبك على ما في قلبك، وليس على ما قلته بلسانك. بل تضاف إلى خطية الرياء..
الله الذي يحاسبك في اليوم الآخر، هو فاحص القلوب (أر20:11).
الكتبة والفريسيون المراءون، كانوا يتكلمون بالصالحات وهم أشرار.
ولم ينفعهم كلامهم بشيء، بل أدانهم الله، وصب عليهم الويلات (مت23). وقال عنهم "إنهم ينقون خارج الكأس والصحفة، وهما من داخل مملوآن اختطافًا ودعارة" وأنهم "يشبهون قبورًا مبيضة: تظهر من الخارج جميلة، وهي من الداخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة" (مت25:23،27).
المهم إذن في الداخل، في القلب، لذلك يقول المزمور:
"كل مجد أبنه الملك من داخل" (مز13:45).
على الرغم من أنها "مشتملة بأطراف موشاة بالذهب، ومزينة بأنواع كثيرة "فالكلام اللين وحده لا يأتي بنتيجة، وأن لم يكن صادرًا عن مشاعر حقيقية في القلب،.وإلا فإنه ينطبق عليه قول المزمور "كلماته ألين من الزيت، وهي سيوف مسلولة" (مز21:55).
إنسان تعتذر إليه فلا يقبل اعتذارك.
لأنه يحس تمامًا أن كلماتك ليست صادرة من قلبك، وأنها مجرد كلام.. تقول "أخطأت"، ونبرات صوتك ذاتها لا تعبر عن أسفك وندمك، لأنها غير مختلطة بمشاعر قلبك. فتبدو رخيصة غير مقبولة..
الإنسان اللماح الحساس يستطيع أن يكتشف حقيقة الكلام، وهل هو صادر من القلب..
سواء أكان كلام مديح، أو كلام اعتذار، أو كلام نصح.. فالصوت يكشفه، وملامح الوجه تكشفه، وما هو داخل القلب يمكن إدراكه وكشفه، ولا يمكن للألفاظ أن تخفيه.. ما أعمق أهمية القلب في العلاقة مع الله ومع الناس.

Mary Naeem 14 - 01 - 2014 04:38 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
الحياة مع الله

تبدأ حياتك مع الله من قلبك..
تبدأ بالإيمان، وبالإيمان من عمل القلب..
وبالإيمان تثق بوجود الله عمومًا، وبوجوده في حياتك بصفة خاصة. وفى حياتك معه تتكل عليه، كما يقول الحكيم "توكل على الرب من كل قلبك، وعلى فهمك لا تعتمد" (أم5:3). وفى اتكالك عليه، تسلمه حياتك، وتثق بقيادته لها.. وكل هذه مشاعر قلب.. وفى حياتك معه تقول له كل حين:
"مستعد قلبي يا الله، مستعد قلبي" (مز7:57).

ونحن نرتل هذه العبارة في ثاني مزمور من مزامير صلاة الساعة السادسة.. نحن مستعدون لعمل الله فينا مستعدون لعمل الله فينا، مستعدون للشركة مع الروح القدس الحال في قلوبنا، مستعدون لطاعة وصاياه.. وعن هذه الوصايا يقول الرب "ليحفظ قلبك وصاياي" (أم 1:3).
ويقول المرتل في المزمور:
"خبأت كلامك في قلبي، لكيلا أخطئ إليك" (مز119).
إذن وصايا الله لابد أن تكون في القلب، في عمل المشاعر في مركز العاطفة، وهكذا لا نخطئ إليه..
لذلك قال الله للشعب،حينما سلمه الوصايا"ولتكن هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك.." (تث6:6).. وهكذا إذا كانت كلمات الرب في قلب الإنسان يستطيع أن يلهج بها نهارًا وليلًا، كما أمر الرب عبده يشوع (يش8:1)،وكما قيل في المزمور الأول عن الرجل البار.
"لكن في ناموس الرب أصبحت مسرته، وفى ناموسه يلهج نهارًا وليلًا".
ما دامت كلمات الرب أصبحت مسرته، فمعناها أنها صارت موضع محبته، ودخلت إلى قلبه. وعن هذه المحبة يتحدث داود النبي كثيرًا وترددت في صلواته عبارة "أحببت وصياك"، "وجدت كلامك كالشهد فأكلته"، "فرحت بوصاياك كمن وجد غنائم كثيرة".. وهكذا يتغنى بوصاياه..
إن وصية الله تصبح صعبة علينا، إن تركناها خارج قلوبنا.
إن لم نمزجها بعواطفنا، ونشعر بجمالها ونحبها..

Mary Naeem 14 - 01 - 2014 04:39 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
قلبك هو السبب

تقول "فلان قد أضاعني" أقول لك "لم يضيعك سوى قلبك".
لو كنت قويًا غير قابل للضياع، ما استطاع أن يضيعك.. ثم إن فلان هذا لا يستطيع أن يحاربك إلا من الخارج. فإن كان الداخل سليمًا، فلن يضرك في شيء..
إن البيت المبنى على الصخر، لم تستطع الأمطار والأنهار والرياح أن تسقطه، لأنه كان مؤسسًا على الصخر (مت35:7). والفلك أحاطت به المياه غزيرة جدًا، ولم تستطيع أن تغرقه، لأنه لم يكن فيه ثقب تدخل منه المياه
كما كان الله في داخله..
صدق القديس يوحنا ذهبي الفم، حينما قال:
"لا يستطيع أحد أن يؤذي إنسان، ما لم يؤذ هذا الإنسان نفسه".

تقول: الكلام الذي سمعته غير أفكاري وشككني!
أقول لك هو قلبك القابل للتشكك. لو كنت ثابتًا في قلبك، ما كان الشك يدخل إليه، مهما سمعت من كلام..
لصان أحاطا بالمصلوب. أحدهما جدف عليه، والآخر آمن به ربًا وملكًا، واعترف بذلك ودخل الفردوس (لو39:23-43).. بينما المصلوب هو نفس المصلوب، والظروف الخارجية واحدة بالنسبة إلى اللصين. ولكن قلب أحدهما كان غير قلب الآخر..
هل كان الشك في كلام توما أم في قلبه؟
قطعًا كان الشك في قلبه. ولم يكن في لسانه، ولا في إصبعه الذي أراد أن يضعه مكان الجروح!
أتقول: الضيقات زعزعتني؟! أقول لك: لو كان قلبك قويًا ما كان يتزعزع..
لقد قلت لكم من قبل: إن الضيقة سميت ضيقة، لآن القلب ضاق بها ولم يتسع لها. أما القلب الواسع فإنه لا يتضيق بشيء،كما قال القديس بولس لأهل كورنثوس "فمنا مفتوح لكم أيها الكورنثيون، قلبنا متسع، لستم متضيقين فينا، لكنكم متضيقون في أنفسكم.. لذلك أقول كما لأولادي: كونوا أنتم أيضًا متسعين" (2كو11:6-13).
القلب الواسع يتناول المشكلة ويحللها، ويأخذ بركتها ويحيلها إلى الله ليحلها..

Mary Naeem 14 - 01 - 2014 04:40 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
صفات القلب الروحية

أولًا هو القلب النقي. ولذلك يقول الرب في تطويباته "طوبى لأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله" (مت8:5). يذكر الرسول القلب الطاهر، فيقول" وأما غاية الوصية، فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح" (1تى5:1). كما يذكر أيضًا القلب الصادق (عب26:10)، وبساطة القلب (كو2:3). ويتحدث المزمور عن القلب الثابت المتكل على الله (مز7:112).
ويذكر أيضًا القلب المتخشع (المنكسر) والمتواضع، الذي لا يرذله الله (مز50).
والذي هو أفضل من الذبائح. وقيل عن السيد المسيح إنه "وديع ومتواضع القلب" (مت29:11).
وحذر الكتاب من قساوة القلب (مت8:19) (حز7:3). وكذلك من القلب الملتوي (أم20:17).
وإن كنا نهتم بنقاوة القلب، فلابد أن نذكر علاقة القلب بالتوبة.
يعوزني الوقت إذن أن أحدثك عن علاقة القلب بالتوبة، وأيضًا بالعمل الإيجابي في الحياة الروحية، وعلاقته بالصلاة والعبادة..

Mary Naeem 14 - 01 - 2014 04:41 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 


القلب والتوبة
العمل الإيجابي للقلب
القلب والعبادة
القلب والصلاة

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:06 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
القلب والتوبة

التوبة الحقيقية هي التوبة الصادرة من القلب.
وليست الصادرة من مجرد الإرادة.. لأن الإرادة قد تقوى حينًا، وتضعف في حين آخر. وقد تقوى الإرادة فتمتنع عن عمل الخطية. ولكن مع عدم ارتكابها، تبقى محبتها في القلب، ولا تكون توبة حقيقية. فالتوبة الكاملة هي كراهية الخطية. وهذا يكون عمل القلب. يقول الرب "أرجعوا إلى، أرجع إليكم" (ملا7:3) ويقول:
"أرجعوا إلى بكل قلوبكم" (يو12:2).
هذا هو الرجوع الحقيقي، لأنه مادامت توجد في القلب خطية محبوبة، لا يكون قد تاب توبة صادقة حقيقية.. وهكذا في التوبة يتحدث الكتاب عن القلب الجديد، الذي تجدد بالتوبة، ويقول الرب في ذلك:
"أعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحي في داخلكم" (حز26:36).
وعبارة "أعطيكم قلبًا جديدًا" تعنى قلبًا جديدًا في مشاعره وفى رغباته، وفى اتجاهه نحو الله بشهوات جديدة ونيات جديدة، ومفاهيم جديدة.. هذه هي التوبة الحقيقية، التي يقول عنها المرنم في المزمور:
"من كل قلبي طلبتك" (مز119).

والتي يقول عنها الرب في سفر يوئيل "مزقوا قلوبكم لا ثيابكم، وارجعوا إلى الرب إلهكم" (يوء13:2).
ويقول توبوا عن كل معاصيكم، وأعملوا لأنفسكم قلبًا جديدًا" (حز31:18). ويقول أيضًا "وأعطيهم قلبًا ليعرفوني" (أر7:24). وفى مزمور التوبة، يقول داود وهو شاعر بأهمية القلب في التوبة:
" قلبًا نقيًا اخلق في يا الله" (مز50).
إن التوبة ترتبط ارتباطا وثيقًا بنقاوة القلب. والتوبة معناها رجوع القلب إلى الله.. وإذا رجع القلب إلى الله، تصبح الإرادة قوية، قادرة على التخلص من الخطية. أما مشكلة البقاء في الخطية، على الرغم من محاولة تركها، فسببها إن الإرادة وحدها تحاول أن تصل إلى التوبة، بينما القلب لا يريد.
التوبة التي من القلب، هي التي تستمر.
أما التوبة التي هي مجرد وعود من اللسان، فلا تبقى طويلًا، مادام القلب في الداخل لم تدخله محبة الله، ولم يكره الخطية بعد.. لذلك فإن البعد عن التوبة، يعتبره الكتاب قساوة قلب. وفى ذلك يقول القديس بولس الرسول:
"إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم" (عب7:3،8).
وتتكرر هذه العبارة ثلاث مرات في نفس المناسبة، كما في (عب15:3) (عب7:4).. ذلك لأن القلب القاسي الخالي من مشاعر الحب نحو الله، لا تكون فيه أية استعدادات لقبول عمل الله فيه، ولا أية استجابة لشركة الروح.
إنه قلب قاس لا يلين، كما كان قلب فرعون الذي لم تؤثر فيه كل المعجزات والعجائب والضربات..
فالذي لا يستمع إلى صوت الرب، هو إنسان قاسي القلب.
التوبة ليست كلمات نقولها بألسنتنا. إنما هي تغيير في قلوبنا،لهذا يقول الرب في سفر حزقيال النبي:
التوبة الحقيقية هي تغيير في القلب، وتغيير في شهوات الإنسان الداخلية.
بحيث يشتهى الخير، بدلًا من اشتهاء الخطية.. وليست التوبة الحقيقية مجرد امتناع خارجي عن الخطية، بينما القلب يشتهيها في الداخل!! لذلك يقول الرب عن التوبة:
"أرجعوا إلى بكل قلوبكم" (يوء12:2).
فى حياة التوبة، ضع أمامك هذه الحقيقة.
إن انتصرت في الداخل، في القلب، انتصرت في الخارج أيضًا.
أتقول في الخارج عثرات مغريات حروب، ليكن. وليكن قلبك منتصرًا في الداخل، لا يمكن أن تؤثر عليه كل هذه يوسف الصديق المنتصر في داخله، لم تقو عليه العثرات والمغريات والحروب.
أتقول "فلان نرفزني (أغضبني)"؟! كان الأولى أن تقول إن فلانًا أظهر لي الخطأ الموجود في قلبي. لأنه لو كان قلبي قويًا، ما كنت أقع في النرفزة..
إن الخطية تتكرر لأن القلب متمسك بها.
والكلام الروحي عن التوبة لا يأتي بنتيجة، لأن القلب لا يريده، أو لأن القلب يرفضه بسبب تعلقه بمحبة خاطئة.
العثرات الخارجية تؤثر وتقود إلى الخطية، إن كان القلب يستجيب لها. إما إن كان يرفضها، فهذه العثرات لا تعثره هو.. قد تعثر غيره، إن وجدت في قلب ذلك الغير قبولًا لها.. إذن إصلاح الناس يأتي من الداخل..
إن الانتصار على الخطية يأتي من الداخل.
فتاة تقول لها: لبسك، زينتك، شكلك، مكياجك.. أو شاب تقول له: شعرك الطويل بنطلونك الجينز، منظرك.. وتحاول أن تضغط من الخارج، أو تؤنب وتوبخ.. تاركًا القلب كما هو!! اعرف تمامًا أن هذا الأسلوب لا يجدي. المهم هو القلب من الداخل.. الاقتناع القلبي والفكري. هوذا القديس بولس الرسول يقول:
"تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو2:12).
إذن التغير الخارجي، المفروض أن يأتي بالتجديد الداخلي، بذهن يفكر بطريقة جديدة، روحانية، ينفعل بها القلب ومشاعره.. إننا نريد في الوعظ أن نتفاهم مع قلوب الناس، وليس مع آذانهم فقط.. إنما فقط.. إنما يتغير معه القلب أيضًا..
العجيب أن غالبية الناس في اعترافاتهم يعترفون بالخطأ الظاهري فقط، وليس بحالة القلب!
إنسان يغضب ويثور ويحتد ويشتم ويدين. ثم يعترف بهذه الخطايا فقط، ويندر أن يعترف بما في داخل القلب من عدم محبة، وعدم احتمال. وبأن القلب خال من الوداعة والتواضع واللطف.. وينقصه احترام الآخرين، ومراعاة مشاعرهم..
هل ننسى خطايا القلب، ونركز على خطايا اللسان؟!
بينما خطايا اللسان سببها أخطاء القلب الداخلية، لأنه من فيض القلب يتكلم الفم (لو45:6).. والعجيب أن إنسانا يخطئ هكذا فيقول البعض عنه "حقًا إن كلامه خطأ، ولكن قلبه أبيض"!! كلا يا أخوتي فالقلب الأبيض، ألفاظه بيضاء، والعكس صحيح..
إننا في أحيان أخرى نركز على خطايا الحواس، أو خطايا العمل، وننسى خطية القلب!!
نقول باستمرار إن خطية أمنا حواء، إنها خالفت الرب، وقطفت من الشجرة، وأكلت، وأعطت رجلها فأكل معها
وننسى خطية القلب التي أدت إلى كل هذا.. القلب الذي دخلته الشهوة، بعدما استمع إلى كلام الحية.. ولما تغير القلب، تغيرت نظرة الحواس.ونظرت المرأة بقلب فقد بساطته ونقاوته، فإذا الشجرة"جيدة للأكل،وبهجة للعيون، وشهية للنظر" (تك6:3).. بينما الشجرة كانت أمامهم كل يوم ولم ينظروا إليها هكذا من قبل
ولكن النظرة تغيرت، لما تغير القلب..
لما دخلت الشهوة إلى القلب، بدأت الحواس تشتهى.
فخطية الحواس خطية ثانية، أما الأولى فهي خطية القلب.
استمعوا إلى الرب يقول في عظته على الجبل عن الزنى:
"من نظر إلى امرأة واشتهاها، فقد زنى بها في قلبه" (مت28:5).
الزنى إذن قد كان في القلب، قبل أن يصل إلى الحواس. شهوة القلب الرديئة هي التي نجست النظر.. هل نعتبر هذه إذن خطية نظر، أم خطية قلب؟ إنها خطية قلب أدت إلى خطية نظر.. ولو كان القلب نقيًا، ما كانت هناك شهوة تالية للنظر..
أول خطية دخلت العالم، كانت خطية قلب.
أنها خطية الشيطان التي أرتفع قلبه. قال في قلبه" أصعد إلى السموات، أرفع كرسي فوق كواكب الله.. أصير مثل العلي" (أش13:14،14).. نذكر بهذا أيضًا خطية نبو خذ نصر إذ "ارتفع قلبه" (دا20:5).

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:06 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
العمل الإيجابي للقلب

تكلمنا عن الخطأ في مشاعر القلب ويعوزنا أن نتكلم عن عمله الإيجابي في الفضيلة..
وكمثال: القلب وما فيه من حماس وغيرة مقدسة.
هذا هو مصدر كل خدمة ناجحة. الناس قد يتكلمون عن مظاهر هذه الخدمة ونتائجها. ولكن المهم هو حالة القلب الداخلية. هي السبب. وهذا هو الفرق بين الخدمة النارية الملتهبة، والخدمة الروتينية.. إنها مشاعر القلب من الداخل، ومدى اقتناعه بأهمية خلاص النفس، والتزامه بالعمل على نشر الملكوت..
كذلك باقي ثمار الروح في القلب (غل22:5، 23).
وأولها المحبة كما يذكر الرسول، وأهمية محبة القلب لله وللناس، هذه المحبة التي يتعلق بها الناموس كله والأنبياء، كما قال السيد المسيح له المجد (مت40:22). والمحبة هي عمل من أعمال القلب، وهي مصدر كل خير. يقول الكتاب:
"تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك" (مت37:22) (تث5:6).
إذا وصلت إلى هذا الحب، تكون قد وصلت إلى القمة، ولم تعد تحت ناموس، ويزول من القلب كل خوف "لآن المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى الخارج" (1يو18:4).
أترانا نتكلم عن التنفيذ الظاهري للوصايا، وننسى محبة الرب؟!
كلا، فالمحبة هي الأساس،وكل طاعة للوصايا -بدون محبة- ليست شيئًا أمام الله. وهكذا يعلمنا الرسول (1كو13).. هذه هي المحبة التي يرتفع بها الإنسان عن مستوى العالم والمادة والجسد، ويتعلق بالله وحده، كما قال الشيخ الروحاني "محبة الله غربتني عن البشر والبشريات"..
وهذه هي أعماق الحياة الرهبانية.
ليست مجرد الرسامة، أو الملابس السوداء، أو الشكل.. إنما هي قبل كل شيء موت القلب عن العالم، أو موت العالم داخل القلب.. وبهذا الشعور وصل القديسون إلى الاستشهاد.
الاستشهاد كان داخل القلب، قبل تعذيب الجسد أو قتله من الخارج..

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:07 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
القلب والعبادة

ولأن الله ينظر إلى القلب ويهمه القلب، لذلك قال:
"يا ابني أعطني قلبك" (أم26:23).
وإن أعطيتني قلبك، سوف "تلاحظ عيناك طرقي"..
لأن هناك من لهم العبادة الشكلية، يظهرون من الخارج أنهم يلاحظون طرق الرب، بينما لم يعطوه قلوبهم. مثال ذلك الكتبة. والفريسيون الذين يبدون مدققين في تنفيذ الوصية، بينما قلوبهم بعيدة عن الله!! وعن هؤلاء وأمثالهم قال الرب:
"هذا الشعب يكرمني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عنى بعيداُ" (مر6:7).

لهذا قال يقبل الله مثل هذه العبادة. وقال عن الذين يحفظون الشعائر الخارجية بينما قلوبهم ملوثة من الداخل: "لا تعودوا تأتون بتقدمه باطلة.. رؤوس شهوركم وأعيادكم أبغضتها نفسي،صارت على ثقلًا، مللت حملها. فحين تبسطون أيديكم، أستر وجهي عنكم وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع، أيديكم ملآنة دمًا" (أش13:1-15).
أحيانا تضع لنفسك جدولًا روحيًا تحاسب به نفسك على ممارساتك الروحية من صلاة وصوم وقراءات ومطانيات وتأمل..الخ.
فهل تحاسب نفسك على الممارسات أم على القلب؟!
من الجائز أن تضع علامة على قراءة الكتاب، وقلبك لم يشترك في تلك القراءة، أو الصلاة وقلبك لم يشترك فيها، أو الصوم ولم يكن من قلبك، ولم يصم أثناءه قلبك عن الشهوات.. أتراه كان جدولًا لحياتك الروحية بالحقيقة، بينما لم يدخل فيه حساب لقلبك؟!
الصلاة المقبولة هي الصلاة التي من القلب.
وليست هي مجرد ألفاظ نرددها أمام الله.. لذلك فإننا نقول في التسبحة "قلبي ولساني يسبحان القدوس" وليس مجرد اللسان وحده.
كذلك الذهاب إلى الكنيسة أيضًا: هل أنت تأتى إلى الكنيسة بقدميك، أم بقلبك؟
استمع إلى المرتل وهل يقول: فرحت بالقائلين إلى بيت الرب نذهب (مز1:122).
والفرح هو بلا شك من مشاعر القلب..
كذلك قراءة الكتاب: حينما تكون بالقلب، تقول مع المرتل "فرحت بكلامك،كمن وجد غنائم كثيرة" (مز119).
وهنا لا تجعل كلمات الله في ذهنك فقط، بل تدخل إلى داخل قلبك، كما قال داود في المزمور:
"خبأت كلامك في قلبي، لكيلا لا أخطئ إليك" (مز119).
وهذا الذي أوصنا به الرب حينما أعطانا الوصايا إذ قال: "ولتكن هذه الكلمات التي أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس في بيتك" (تث6:6، 7)،في الأول تكون على قلبك، وليس في مجرد أذنيك، أو حتى في مجرد ذهنك..

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:08 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
القلب والصلاة

الصلاة ليست مجرد كلام نتلوه أمام الله، وليست مجرد حديث مع الله، إنما هي مشاعر قلب ينسكب أمام الله، حتى من غير كلام، لذلك يقول المرتل:
"باسمك أرفع يدي، فتشبع نفسي كما من شحم ودسم" (مز119).
مجرد رفع اليدين، حتى من غير كلام. فكم بالأولى كلامه!
في صلاة كل من الفريسي والعشار: الفريسي تكلم كلامًا كثيرًا، ولم يكن قلبه مع الله، فلم يقبل الله صلاته. أما العشار فقال عبارة واحدة، بقلب منسحق "فرجع إلى بيته مبررًا دون ذاك" (لو14:18). وبالمثل العبارة الواحدة التي قالها اللص اليمين من أعماقه فورث بها الفردوس (لو42:23،43).

ليس المهم في صلاتك كلماتها، بل مشاعرها..
هل هي صلاة بعاطفة،بحرارة، بفهم، بإيمان..؟ هل هي صلاة بانسحاق قلب، باتضاع؟ هل هي صلاة فيها مشاعر الحب والشوق إلى الله؟ هل فيها العمق والتأمل؟ أم هي مجرد ألفاظ وكلماتك تعدها أمام الله، صادرة من شفتيك وليس من قلبك؟!
الصلاة إذن هي رفع القلب إلى الله.
وليست مجرد رفع اليدين، أو رفع العينين إلى فوق.. إنها رفع القلب عن كل الماديات والأرضيات لكي يتجه إلى الله بكل عواطفه.. اسمع قول الرب وهو يوبخ اليهود:
هذا الشعب يكرمني بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عنى بعيدًا (مت8:15) (مر6:7) (أش13:29).
على ضوء هذه العبارة افحص صلاتك.. وحاول أن تشعر بعمق الصلة بينك وبين الله..
حتى صلوات الآخرين،تستطيع أن تميزها..
هل هي ابتهال من العمق، وحديث روحي مع الله، أم هي مجرد تلاوة، أو ضبط نغمات في لحن..؟! وتراك تتأثر من الشخص الذي يصلى من قلبه، وكأنه يقول مع المرتل في المزمور:
"من كل قلبي طلبتك" (مز10:119).
وهذا هو ما يريده الرب نفسه "تطلبونني فتجدونني، إذ تطلبونني بكل قلبكم" (أر13:29)،إذن صلاة الشفتين فقط، ليست صلاة بالحقيقة. ولهذا نقول في صلوات التسبحة "قلبي ولساني، يسبحان القدوس".. قلبي أولًا، ثم يشترك معه لساني.

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:09 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
الفكر

الفكر هو عمل عقلي، يمكن أن يكون خيرًا أو شرًا، حسب حالة الإنسان.
فالتأمل -مثلًا- هو لون من التفكير الخير..
كذلك الأفكار الخاصة بمحبة الله، مثلما قال الكتاب "تحب الرب إلهك من كل قلبك.. ومن كل فكرك" (مت37:22).
ومن الأفكار الصالحة أيضًا، ما قاله القديس بولس الرسول".. وأما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو16:2).
أما عن الخطأ في الفكر، فذلك مثل ما قال عنه الكتاب:
"فكر الحماقة خطية" (أم9:24).
وأيضًا "مكرهة الرب أفكار شريرة" (أم26:15).
ونريد في هذا المقال، أن نبحث معًا موضوع الأفكار.

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:10 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
الفكر والقلب

الفكر يتعلق بالقلب، يأخذ منه ويعطى.
خطية الفكر قد تكون في نفس الوقت خطية قلب، إن كانت نابعة منه، حسب قول السيد الرب "الإنسان الصالح، من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح. والإنسان الشرير، من كنز قلبه الشرير يخرج الشر" (لو45:6). وهكذا قيل في قصة الطوفان:"ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما شرير كل يوم" (تك5:6).

عبارة "أفكار قلبه" هنا، تعنى الأفكار النابعة من قلبه.
فلا يمكن منطقيًا أن قلبًا طاهرًا تخرج منه أفكار شريرة. لأنه"من ثمارهم تعرفونهم.. كل شجرة جيدة تصنع ثمارًا جيدة. وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارًا ردية" (مت16:7، 17). وهكذا قال الكتاب "تحب الرب إلهك من كل قلبك" قبل أن يقول "ومن كل فكرك" (مت37:22). فالقلب أولً. ولهذا قال الكتاب:
"فوق كل تحفظ أحفظ قلبك، لأنه منه مخارج الحياة" (أم23:4).
المطلوب منك أذن، أن تحفظ قلبك، وتحفظ فكرك، وتحفظ الخط الواصل بين القلب والفكر. فما معنى هذا الخط الواصل؟
من الجائز أن تأتيك الأفكار من الخارج، من مصادر أخرى سنشرحها، فإذا ما قبلت الفكر في أعماقك،يصل حينئذ إلى قلبك.
وحينئذ يتحول الفكر إلى مشاعر في القلب وإلى انفعالات.
فكر الزنا يتحول إلى شهوة زنا. وفكر الغضب يتحول إلى انفعال غضب،وفكر الحقد يتحول إلى مشاعر حقد.. فالفكر الخاطئ يوصل الخطأ إذن إلى القلب. كما أن مشاعر القلب تتحول إلى أفكار.. والاثنان يتبادلان المواقع. ويصير كل منهما سببًا أو نتيجة..
خرج الأفكار الخاطئة من العقل إلى القلب، إذا ما تساهلت مع الفكر. وتخرج الأفكار الخاطئة من القلب إلى العقل، إذا كان القلب غير نقى.
هناك مصدر آخر للفكر هو الحواس.

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:10 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
الحواس

الحواس هي أبواب للفكر، يدخل منها إلى العقل، فما تراه بعينيك، تفكر فيه، وما تسمعه بأذنيك، تفكر فيه. كذلك ما تلمسه وما تشمه، وربما ما تذوقه أيضًا.. تفكر فيه..
أن أردت أن تضبط أفكارك، اضبط حواسك أيضًا.
لا تتركها سائبة. إنما احترس. لأنه كما يحدث تبادل المواقع بين القلب والفكر، كذلك يحدث ما بين الفكر والحواس. فربما أفكارك الخاطئة تدعوك إلى النظر والسمع واللمس. وبنفس القياس حواسك الخاطئة تجلب لك الأفكار.
مصدر آخر من مصادر الفكر، هو البيئة والصداقة.

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:11 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
البيئة والصداقة

إن الذين تعاشرهم من الناس، يجلبون لك أفكارًا جيدة أو رديئة.. سواء كانوا أصدقاء أو معارف أو جيران، أو زملاء في العمل، أو أقرباءك في بيتك. وعلى رأى ذلك الأديب الذي قال:
قل لي من هم أصدقاءك، أقول لك من أنت؟

ما أكثر الأفكار التي تأتى من (الزن في الآذان). كلمة تقال لك اليوم بمحاولة إقناع، فلا تصدقها، فإن سمعتها باكر بإقناع، قد تشك، وإن ضغطت عليك الإقناعات، بعد باكر، قد تقبلها. وإن استمر الضغط، قد تؤمن بها وتنشرها، وتنفعل بها. وهذا جزء مما يسمونه "غسيل المخ".
وغسيل المخ يأتي من وضع العقل تحت تأثير فكرى متتابع وضاغط، لمدة طويلة، مع إبعاده عن أي مجال فكرى مضاد للرد أو للحوار، إلى أن يتغير فكر الإنسان تمامًا..
يأتي الفكر أيضًا من البيئة: من الرأي العام، والصحافة، والإعلام، والمطبوعات..
بواسطة القراءات صار البعض شيوعيين في أفكارهم،قراءات أخرى تجلب أفكارًا شهوانية. قراءات ثالثة تجلب أفكارًا فلسفية. وقراءات من نوع آخر تجلب أفكارًا روحانية أو نسكية، أو تحمسك للخدمة.. أو تحمسك للعقيدة..
ومثل القراءات أيضًا: الراديو والتليفزيون والفيديو والكاسيتات.. هل أنت وحدك في العالم؟! إن كل ما حولك يؤثر عليك.
هذه كلها تأتى للعقل بأفكار من الخارج، وليس من القلب..أما دور القلب هنا، فهو قبوله لاستخدام هذه الوسائط.
مصدر آخر من الفكر، هو توالد الأفكار..

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:13 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
توالد الأفكار

الفكر يلد فكرًا، ويلد شكوكًا ظنونًا، ويلد أيضًا أحلامًا..
لا يوجد فكر عقيم ولا فكر عاقر، وبخاصة مع العقل الخصيب. فقد يأتيك فكر من أي مصدر، فتأخذ مع الفكر وتعطى. فيلد لك أفكارًا أخرى كثيرة. وترسخ هذه في العقل الباطن. والعقل الباطن هو مصدر آخر للأفكار.

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:13 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
العقل الباطن

والعقل الباطن تخزن فيه الأفكار والصور الأحداث والرغبات والمشاعر، ويصبح مصدر لأفكار وأحلام وظنون.
أضرب لك مثلًا بالريكوردر أو الكمبيوتر، حيث حيث تخزن فيه معلومات تسترجعها متى تشاء.. عقلك أصعب من هذا الكومبيوتر، لأن المعلومات التي فيه قد تخرج منه دون أن تشاء، كأفكار أو أحلام، وهنا أتذكر سؤالًا وجهه البعض إلى:
هل الأحلام الخاطئة تعتبر خطية، بينما هي بغير إرادتي؟
وكانت الإجابة: قد تكون الأحلام الخاطئة بغير إرادتك وقت خروجها من العقل الباطن. ولكنها لم تكن بغير إرادتك، فستجد أنك تقاومها وترفضها في الحلم، وربما تستيقظ،كشيء مزعج لم تحتمله..
فابحث هل أحلامك من رواسب قديمة ترسب في عقلك نتيجة لشهوات أو صور أو أفكار؟ لهذا نقول عن هذه الأحلام أنها "شبه إرادية"،لأنها ليست نتيجة إرادة حاضرة، إنما نتيجة لإدارة سابقة. ومع ذلك لو كانت الإرادة الحاضرة ترفضها تمامًا، فستجد أنك تقاومها في الحلم.

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:14 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
أسباب نفسية من مصادر الفكر

إنسان مثلًا في طبعه القلق أو الاضطراب، تجده -بدون أي سبب خارجي- خاضعًا لأفكار القلق والاضطراب النابعة من نوعية نفسيته. كذلك إن كان إنسان في نفسيته طبع الخوف، تجد أن أفكار الخوف تطارده.. وبالمثل إذا كان شخص شكاكًا بطبيعته، تجد أفكار الشك تراوده وتتعبه، بدون أي سبب واقعي..

لمعالجة كل هذه الأفكار، لابد من معالجة النفسية.
فإذا صلحت النفس، صلحت الأفكار أيضًا.
لذلك تجد الشخص البسيط، لا يراوده الشك. والإنسان الوديع الهادئ، لا تحاربه أفكار القلق ولا الخوف..
إنسان يسمع خبرًا، فيقول لك هذا الخبر خطير. وقد لا يكون خطيرًا على الإطلاق.
ولكن نفسيته صورته له هكذا. وحسب نفسيته ستكون أفكاره.. بينما شخص أخر يتلقى نفس الخبر بكل هدوء، ولا تنزعج أفكاره بسببه.
إنسان حسب نوع نفسيته تأتيه أفكار يأس، فينسحب من مشروع معين. بينما زميل له في نفس المشروع، لا ييأس ولا ينسحب، بل يستمر وفى قلبه أمل ورجاء..
ثلاثة يرون شخصًا واقفًا في الظلام، فيقول أحدهم أنه لص أو قاتل، ويقول الثاني: لعله في موعد مع امرأة. بينما يفكر الثالث أنه واقف يصلى. حسب نفسية كل منهما تكون أفكاره. مصدر آخر للأفكار هو حروب الشياطين.

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:15 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
حروب الشيطان كمصدر للأفكار

ربما لا تكون الأفكار نابعة من قلب الإنسان أو من نوع نفسيته، ولا هي بسبب البيئة والتأثيرات الخارجية.
إنما قد تكون أفكارًا من الشيطان يلقيها في العقل.
متى تعتبر هذه قد وصلت إلى مرحلة الخطية، ومتى لا تكون خطية؟ وما موقف الإنسان منها؟

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:16 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
الفكر ومحارباته

فى العقل طبقتان: طبقة سطحية، وطبقة عميقة.
الأمور التي تأخذها بطريقة سطحية، إي لا تهتم بها اهتماما كبيرًا،هذه لا تتعمق في ذهنك، وسرعان ما تنساها. مثلها مثل كثير من الأخبار والأحاديث التافهة والعارضة في حياة الإنسان اليومية. هذه لا تثبت في الذاكرة، ولا في القلب والمشاعر. بل كبخار تظهر قليلًا ثم تضمحل..
أما الأمور التي تأخذها بعمق، سواء من الناحية الفكرية أو النفسية، وتظل تأخذ معها وتعطى في فكرك، ويستمر عقلك يفكر فيها فترة طويلة.. فهذه تدخل إلى أعماقك، وتترسب في عقلك الباطن. وتلد لك أفكارًا أخرى، أو تظهر ثمارها في أحلام وظنون ومشاعر.
الأمر إذن يتوقف على طريقتك في التفكير. ليس فيما يحدث لك أو معك، إنما في تجاربك مع الفكر، أي في الـResponse.
خذ مثلًا الصلاة والسرحان فيها، وعلاقة ذلك بالطبقتين السطحية والعميقة في عقلك.
وهنا نسأل:
لماذا يسرح الإنسان أحيانًا في صلاته؟ وفى أي شيء يسرح؟ ولماذا؟ ومتى؟
أنه يسرح حينما يأخذ بعض الأمور في عمق، وتظل معه في فكره أثناء الصلاة. أو أنه يتذكر أمورًا أخذها من قبل بعمق، وتصاحبه في صلاته. وحينئذ يكون في عقله فكران يتمشيان معًا: فكر الصلاة وفكر السرحان. وقد يتبادلان الموضع. فيكون أحدهما في المنطقة السطحية، والآخر في المنطقة العميقة، حسب درجة جهاده وتركيزه في ألفاظ ومعاني الصلاة، أو استسلامه لفكر السرحان. فإن كان يصلى بغير فهم أو بغير عمق، حينئذ يدخل إلى أعماقه فكر السرحان. ويصبح وكأنه لا يصلى!!
أما الذي يصلى في عمق فكره ومن عمق قلبه: إن أتاه فكر سرحان، فإن هذا الفكر يمضى بسرعة إذ لا يجد له مكانًا فيه.
لذلك تقول للذين تحاربهم أفكار السرحان في صلواتهم:

لا تأخذوا كل الأمور العالمية بعمق، ولا تشغلوا أفكاركم بكل ما تجمعه الحواس مما تسمعونه وترونه.. ولا تجعلوا كل ذلك يرتبط بعقولكم ومشاعركم وأعصابكم. وإلا فإن العقل سوف يخزنه ثم يقدمه لكم أثناء الصلاة: أولًا في المنطقة السطحية. فإن وجد استجابة منكم، يدخله إلى المنطقة العميقة.
وحبذا لو رتبتم فترة روحية تمهيدية تسبق الصلاة.
ينتقل فيها الفكر من العالميات إلى الروحيات. لأنه صعب على العقل أن ينتقل فجأة من الانشغال المادي إلى الفكر الروحي الصافي..
وهكذا من الأفضل أن يسبق الصلاة وقت للترتيل أو القراءة الروحية، أو التأمل أو التعمق في فكرة روحية معينة
أو بعض المطانيات مصحوبة بابتهالات سريعة.. ثم يقف الإنسان بعد ذلك ليصلى، وقد ابتعد فكره عن أمور العالم ومشغولياته. ويكون هذا التمهيد الروحي، مثل رفع البخور على المذبح قبل تقديم الذبيحة المقدسة عليه..
يذكرنا هذا بقصة القديس يوحنا القصير، الذي رآه تلميذه يلف حول قلايته ثلاث مرات قبل أن يدخلها. فسأله عن سبب ذلك، فأجابه القديس: كنت وسط مجموعة من الأخوة. وقد أخذوا يتناقشون، فتركتهم وجئت. ولكن صوت المناقشة كان لا يزال في أذني، فرأيت أن أدور حول قلايتي، لأطرد صوت المناقشة من أذني قبل أن أدخل القلاية.. إلى هذا الحد كان القديس محترسًا من جهة نقاوة فكره.
يتعب الإنسان أيضًا، إذا أخذ كل الأمور بحساسية.
أي أنه يتأثر بكل شيء، وفى عمق: هذه الحساسية تجعل كل ما يتأثر به، يترسب في داخله، ويجلب له أفكارًا تضغط عليه وتتعبه.
وهنا يختلف طبع كل شخص عن الآخر، ويختلف فكره.
فإن صادفتك مشكلة، حاول أن تحلها وتنتهي منها وإن وجدت أنها صعبة الحل، أتركها إلى حين، ولا تنشغل بها. أعطها مدى زمنيًا تحل فبه، تاركًا الأمر إلى الله حلال المشاكل.
ولكن سيطرة الأفكار، تأتي لإنسان يفكر بعمق وبغير حل،أو أنه بفكر في متاعب المشكلة، دون أن يفكر في حل المشكلة.
وهذا هو السبب الذي يجعل البعض -إن صادفته مشكلة- تسيطر على عقله ومشاعره وأحاسيسه وانفعالاته.
فلا يفكر إلا فيها،ولا يتكلم إلا عنها. هي معه في صحوه وفى نومه، في تفكيره، وفى أحاديثه. أدخلها إلى أعماقه. ولم يعد قادرًا على الخروج من مجالها، عقله يسلم المشكلة إلى قلبه. وقلبه يسلمها إلى فكره. وفكره وقلبه يسلمانها إلى أعصابه. وأعصابه تسلمها إلى انفعالاته وإلى لسانه أيضًا، فيظل يتحدث بها مع كل من يتحدث يقابله.. وقد يستمر معه التفكير في المشكلة أيامًا أو أسابيعًا. ينشغل بها نهارًا، وقد يحلم بها ليلًا.
وربما يجلب له هذا التفكير ألوانًا من الأمراض الجسدية: من ضغط دم، وسكر، وقرحة في المعدة، وتعب في الأعصاب. إلى جوار التعب النفسي.. كل ذلك، لأنه تعامل مع الفكر بحساسية زائدة، فسيطر الفكر عليه..
أما الإنسان الروحي فإنه يسيطر على الفكر. ولا يجعل الفكر يسيطر عليه.
على أن هناك نوعان من الناس، لا يحب أن تسيطر عليه الأفكار. فيقول: الأفضل أن أصرف الفكر. ولكنه للأسف يصرفه بطريقة خاطئة!!
فان أساء إليه إنسان وغضب، يقول لا أكبت الغضب في قلبي، وإنما لابد أن أصرفه. أنا سأرد على هذا الشخص، الكلمة بكلمتين. وأصفى حسابي معه. أقول له.. وإن قال أقول.. وهكذا يظل الفكر منشغلًا.. ولا يكون قد تخلص من الفكر، بل زادت سيطرة الفكر عليه..
حسن أن تصرف الفكر. ولكن بطريقة روحية وعملية، وبلا كبت..
وإن اشتعل الفكر داخلك،لا تلقى عليه كل حين وقودًا.
وتصفية الأفكار تأتى أولًا من الداخل، من طريقة تعامل القلب معها. بالإضافة إلى التخلص من الأسباب التي تجلبها من الخارج، كما ينبغي عدم التساهل مع الفكر، وعدم إعطائه فرصة يأخذ فيها سلطانًا على العقل.

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:17 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
محاربة الفكر

هنا ويسأل البعض سؤالًا طالما يتكرر:
هل كل فكر خاطئ يأتينا، يعتبر خطية؟
والجواب على ذلك هو: من الجائز أن يكون الفكر محاربة من الشيطان، أو هو قادم إليك من الخارج، من مصدر خارج عنك، أو من الناس الأشرار.. أما إن كان صادرًا من قلبك، من رغباتك الداخلية، ومن شهواتك، فهو حينئذ يكون خطية 100%.
فإن كان الفكر الخاطئ صادرًا من الخارج، فإن الحكم عليه يتوقف عليك: هل تقبله أو لا تقبله.
إنه لا يعتبر خطية، إن كنت لم تقبله، تضايقت منه وطردته، حتى لو ألح عليك وأنت رافض له بكل قلبك. بل قد تصلى أثناءه وتقول:"يا رب نجني من هذا الفكر".. حتى هذه المرحلة يعتبر الفكر محاربة خارجية.. إذن متى يعتبر الفكر الخاطئ خطية؟
إن الخطية تبدأ من بدء استسلامك للفكر.
وتزيد أن انفعلت بها، وقبلتها، وخضعت الإرادة لها. حينئذ يكون العقل قد فتح لها بابه، بإرادته، واستمر معها، وبدأ يتعامل معها، ويأخذ ويعطى. بل ربما يكون قد تجاوب معها وخلطها بمشاعره، وأسكنها داخله..

لذلك حسنًا قيل في سفر النشيد".. أختي العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نش11:4). أي مغلقة ومقفلة أمام كل أفكار الشيطان وحيله. وعن نفس الأمر قيل في المزمور "سبحي الرب يا أورشليم.. لأنه قوى مغاليق أبوابك" (مز147).
واعلم يا أخي إن فكر المحاربة حينما يأتيك يكون في أوله ضعيفًا، وفى الطبقة السطحية من عقلك.
ذلك لأنه من الخارج، ومن السهل عليك أن تطرده. فإن قبلته، يدخل إلى العمق شيئًا فشيئًا. فإن انفعلت به، يزداد تعمقه، ويرتبط بإرادتك،فإن وصل إلى القلب، يختلط بمشاعرك. وحينئذ تصبح المحاربة من الداخل وليس من الخارج. ومن هنا تبدأ سطوة الفكر وصعوبة طرده.
حقًا،ما أسهل أن تدخل الأفكار، وما أصعب أن تخرجها.
ما أسهل أن تقبل الفكر، وما أصعب أن تطرده.
فكر الشك مثلًا، من الجائز أن يدخل إلى العقل بسهولة. ولكن من الصعب أن يخرج. وهكذا فكر الشهوة، وفكر الانتقام، وفكر العظمة والمجد الباطل. احترس إذن من دخول الأفكار إليك.
ليس كل فكر يقرع على بابك، تقول له: مرحبًا بك. تفضل وادخل.
بل الفكر الشرير تقول له "اذهب يا شيطان" (مت10:4). وترشم نفسك بعلامة الصليب، وتطرد الفكر. لأنك إن فتحت له أبواب فكرك، تكون خائنًا لله. وإن فتحت له أبواب قلبك، تكون أكثر خيانة. وتكون كمن يطرد الروح القدس الساكن فيك (1كو16:3). وأعلم أنه حينما يحاربك الفكر من الخارج، تكون إرادتك أقوى وتقدر أن تطرده. وكلما زحف الفكر إلى داخلك، تضعف إرادتك، ويقوى الشيطان في محاربته لك. ويقول هوذا قد فتح باب التفاوض معنا. نستطيع الآن أن نتفاهم معه،ونضمه إلينا بالتمام!! يكون كمن يعرض رشوة على شخص ما، فإن
وجده لينا معه، يستمر في التفاوض، وتتم العملية. أما إن كان حازمًا ويصده من البدء، فإنه لا يجرؤ.. عليك إذن أن تصد الفكر من البدء. ولا تخدع نفسك وتقول: أريد أن أختبر الفكر ورأى إلى أين ينتهي!! فأنت تعلم تمامًا إلى أين ينتهي..
إذن اطرد الفكر بسرعة قبل أن يتوغل فيك. أطرده وهو في مرحلة طفولته، قبل أن ينضج ويكبر ويقوى عليك.
وهنا نذكر قول المزمور "يا بنت بابل الشقية.. طوبى لمن يمسك أطفالك ويدفنهم عند الصخرة" (مز9:137). فالفكر -وهو طفل- تستطيع أن تدفنه عند الصخرة "والصخرة كانت المسيح" (1كو4:10). أما إن تركته إلى أن يكبر، فقد لا تقوى عليه. وحسنًا قال الآباء "أدبوا الأحداث قبل أن يؤدبوكم". فإن أدبت الطفل، لا يجرؤ عليك عندما يكبر. كذلك إن أدبت فكر الخطية وهو طفل، تستطيع أن تطرده قبل أن يكبر..
إن سيطرة الأفكار قد يكون سببها أيضًا شهوة خاطئة في القلب، وليس مجرد محاربة من الخارج.
وفى هذه الحالة تصدر الأفكار من القلب، وتشعلها الشهوات، وتلح على الفكر إلحاحًا لا يستطيع منه فكاكًا، تريد أن تحول الفكر إلى فعل..
فالخطية قد ملكت القلب وكل مشاعره، وبالتالي ملكت الفكر. وأصبح, من كنز قلبه الشرير يخرج الشرور، (لو45:6).
والأمر يحتاج بلا شك إلى توبة، تنقذ القلب من شهواته، فلا يعود مصدرًا لأفكار شريرة.. ويحتاج الأمر إلى تجديد الذهن، كما قال الرسول "تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم" (رو2:12).
وتجديد الذهن يحتاج إلى عمل إيجابي، فلا يقتصر الأمر على مجرد الجهاد السلبي في مقاومة الأفكار.

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:18 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
محاربات الفكر

محاربات الفكر كما قلنا إما تأتي من الداخل أو من الخارج.
المحاربات التي من الخارج، هي مثل ما حدث لأمنا حواء:
إنسانة بسيطة وهادئة وبريئة، وأتاها الفكر من الخارج، من الحية. أفكار شك مثل:
"أحقًا قال لكما الله أن لا تأكلا..؟ "كلا، لن تموتا"، "يوم تأكلان من الشجرة، تصيران مثل الله، عارفين الخير والشر".. (تك3).
هذا الفكر الذي أتى إلى حواء من الخارج، أتعبها، وذلك لأنها قبلته.
وانتقل الفكر إلى الحواس، ثم إلى القلب.
انتقل إلى الحواس فنظرت إلى الشجرة، بنظرة ليست كما كانت تراها من قبل. فوجدت أن الشجرة "جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وشهية للنظر" (تك1:2).
القلب تغير من الداخل، وكذلك الحواس من الخارج. ولفكر فقد نقاوته، ودفع الإرادة بعيدًا عن الله.
أما أنت: فإن أتاك فكر خاطئ، قاومه.
وكل فكر خاطئ، يوجد أسلوب تقاومه به. فهناك فكر ترد عليه بآية أو بضع آيات، فيهرب منك. وفكر آخر ترد عليه بمشاعر معينة، فلا يثبت أمامك..

ولنأخذ فكر الكبرياء أو المجد الباطل، كمثال:
هذا الفكر يمكن أن تقاومه بأن تتذكر خطاياك، فيخجل من تذكارها فكر الكبرياء. أو أن تتذكر الدرجات العليا التي وصل إليها القديسون، فتشعر أنك لا شيء إلى جوارها. أو أن تقول لنفسك: لو أنني سرت في هذا الفكر، لتخلت عنى النعمة وفارقتني، وحينئذ أسقط في خطايا كثيرة، كما قال الكتاب "قبل الكسر الكبرياء. وقبل السقوط تشامخ الروح (أم18:16) أو انك تقول لفكر الكبرياء: هذا الذي أفتخر به، لم أعمله أنا، إنما عمله الله بواسطتي،فإن نسيته إلى نفسي، فسوف لا يعمل الله معي، لئلا يقودني ذلك إلى الافتخار وبهذا أفشل في أداء أي عمل صالح!! وليس هذا من صالحي.. وهكذا تجد إن تذكرك لعمل النعمة فيك، يبعد عنك فكر الكبرياء. وبهذه الطرق وغيرها تتخلص منه..
هناك قديسون تخصصوا في التعامل مع الأفكار..
وكانوا مرشدين في أساليب محاربتها. ومن بين هؤلاء القديس مار أوغريس الذي له ميامر (مقالات) عن حرب الأفكار والرد عليها.
ومن وسائل ذلك الرد على كل فكر بآية من الكتاب.
فإن حاربتك أفكار الغضب مثلًا، تضع أمامها قول الكتاب".. لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله" (يع20:1).
وإن حاربتك أفكار الزنا، تقول كما قال يوسف الصديق "كيف أصنع هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله؟!" (تك9:39). أو تتذكر قول القديس بولس الرسول "لا تضلوا.لا زناة، ولا عبدة أوثان، ولا فاسقون ولا مأبونون، ولا مضاجعو ذكور، ولا سارقون.. يرثون ملكوت الله" (1كو9:6، 10). وأن حوربت بمحبة العالم، تذكر قول القديس يعقوب الرسول"..لأن محبة العالم عداوة لله" (يع4:4)، وكذلك قول القديس يوحنا الرسول:
"لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم.. إن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الأب" (1يو15:2).
وهكذا تضع أمام كل فكر آية تطرده. لذلك عليك أن تحفظ آيات ترد بها على الأفكار التي تحاربك، فتصدها بها.
آباؤنا القديسون كانت لهم خبرة في محاربة الأفكار.
ليتنا نتذكر تلك الخبرة في قراءتنا لسيرهم، ونستفيد بذلك.. أما أنت فعلى الأقل: لا تقبل أي فكر رديَ، بل أطرده بسرعة. ولتكن أبوابك مغلقة دونه، حسب تعليم الكتاب.. كما يجب أن ترد عليه بحزم. وتذكر كيف إن أيوب الصديق، لما عرضت عليه زوجته فكرًا خاطئًا، رد عليها في حزم. وانتهرها قائلًا "تتكلمين كلامًا كإحدى الجاهلات" (أى10:2). فأسكتها بسلطان، ولم يدعها تتمادى في الكلام. وهكذا أنت أيضًا: إن راودتك نفسك بأي فكر خاطئ، أسكتها، ولا تجعلها تتمادى في الفكر. بل قل لها في حزم:"تتكلمين كلامًا كإحدى الجاهلات"..
هناك طريقتان تتخلص بهما من حروب الأفكار، وهما: تنقية القلب والفكر. وأيضًا انشغال القلب والفكر.

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:19 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
انشغال الفكر

إنه أسلوب وقائي وإيجابي تتخلص به من الأفكار، من قبل أن تجئ.
لأنه إن انشغل فكرنا بالله، نصل إلى محبة الله. وإن تعمقت محبة الله في قلوبنا، تصير طبيعتنا غير قابلة لأفكار العدو.
مثل إنسان قوى في صحته. إذا حاربه ميكروب، لا يستطيع أن يقوى عليه. أو شخص محصن ضد مرض معين، فذلك المرض لا يجد له مجالًا عنده. أنه لا يترك نفسه حتى تصيبه الأمراض ثم يعالجها!! بل يتخذ الوسائل التي تمنع أصابته بالمرض.
فالإنسان الروحي يحصن نفسه ضد الأفكار الشريرة، بأن يملأ قلبه وعقله بمحبة الله ومحبة الخير.
لذلك نقول له:
أشغل عقلك، قبل أن يأتي الشيطان ليشغله.
أشغل عقلك بالفكر الصالح، بالتأملات والقراءات الروحية، قبل أن يأتي عدو الخير، ويقدم لك أفكارًا من عنده.
لأنه إن كان لإنسان سكن. وتركه فارغًا، قد يأتي أناس أشرار ويحتلونه ويسكنونه. وإخراجهم منه ربما يحتاج إلى تعب وجهد. أما إن كان في هذا المسكن نور وأثاث وكراسي مثلًا في شرفاته، فإنه لا يجرؤ أحد أن يدخله عنوة، إذ يخاف من ساكنيه. ويرى أنه إن أقدم على ذلك سيتعرض للمخاطرة..
هكذا إن كنت منشغل الفكر، يعرف الشيطان أنك لست متفرغًا له، فيتركك ولو إلى حين..
فإن كنت منشغلًا باستمرار، يحتار كيف يدخل إليك.. ليس فقط بسبب الانشغال الروحي، بل حتى الانشغال العلمي أيضًا، والانشغال بالعمل، وبالأنشطة المتعددة، وحتى الانشغال بالرياضة أو الفن، أو العمل اليدوي.

لذلك فإن الطلبة المجتهدين، الذين يشغلوا عقولهم دائمًا بدراستهم، يكونون غير متفرغين لأفكار الخطية. كما يقول المثل:
عقل الكسلان معمل للشيطان.
وبالتالي فإن الطلبة المهملين لدراستهم، يكونون أكثر تعرضًا لأفكار الخطية. لأن عقولهم غير منشغلة، فيأتي الشيطان ويعشش فيها..
اشغل عقلك أذن بشيء مفيد، سواء كان مفيدًا لروحياتك وأبديتك، أو مفيدًا لمعرفتك وثقافتك، أو مفيدًا لخدمتك.
اشغل عقلك بقراءات وتأملات، بفكر نافع لك..
لكن أن كنت في فراغ، وعقلك في فراغ، ما أسهل أن يقول لك الشيطان: اسمح لي أن أجلس معك وأسليك..
أحكي لك حكاية، أقدم لك فكرة من عندي، مادمت لا تجد شيئًا تفكر فيه.. وهكذا يسرح بك من موضوع إلى موضوع، حتى يدخلك بالتمام إلى مجاله، ويسيطر على تفكيرك. أو على الأقل يضيع وقتك في ما لا يفيد..
إن آباءنا القديسين الذين كانوا يتدربون على الصلاة الدائمة، أو يرددون صلاة "يا رب يسوع" مئات أو آلاف المرات، كان عقلهم ينشغل بهذه الصلاة، بحيث يرددها تلقائيًا.. فإن سكت الواحد منهم، يظل عقله منشغلًا بهذه الصلاة، بدون جهد منه، وبدون أن يدفعه لتردادها.
هكذا أيضًا من يشل عقله بآيات يرددها،أو بموضوع روحي يتأمله، أو بقصة من الكتاب المقدس أو من سير القديسين..
لذلك في خروجك من بيتك، لا تترك نفسك للطريق يرتب لك ما تفكر فيه.
لا تترك عقلك سائبًا، دون فكر معين يربطه وينشغل به. لا تتركه للقاءات وللمناظر وللأحاديث، ترسم له مسار تفكيره، وتقدم له الفكر الذي يشغله والوقود الذي يشعله.. ما أسهل عندما تخرج من بيتك أن تأخذ معك آية أو مزمورًا، أو موضوعًا روحيًا، أو في الصباح اقرأ فصلًا من الكتاب، وتخيَّر لك معنى من معانيه يصحبك في الطريق أو مزمورًا تحفظه،وليكن ذلك موضوعًا لتفكيرك. وهكذا أن هاجمك فكر، يجدك مشغولًا، وأبوابك مغلقة أمامه.
والعقل لا يستطيع أن يفكر في موضوعين في وقت واحد، وينشغل بهما بنفس العمق..
فإن أعطيت عمق فكرك لشيء مفيد. سيطفو أي فكر آخر على سطح عقلك، وينقشع بسرعة.لأنك غير مهتم به وغير متفرغ له.. فإن أردت أن تقي نفسك من حروب الأفكار، عليك بالآتي:
قدم لعقلك طعامًا روحيًا، قبل أن يقدم له العالم طعامًا رديًا.
كذلك ينفعك أن يكون لك مذكرة روحية، تسجل فيها بعض أفكار تركت في نفسك أثرًا طيبًا.
تفتح هذه المذكرة بين الحين والآخر، لتقرأ ما قد خزنته فيها، وتجتره كما يجتر الجمل غذاء سبق له تخزينه من جوفه. وتسرح في تلك الأفكار الجميلة. وتضيف إليها أفكارًا أخرى نافعة.
أما إن كانت في عقلك أفكار خاطئة مترسبة من زمن قديم، فحاول أن تطهر عقلك منها بعد الاستعمال، وبإحلال غيرها مكانها..
كذلك لا تشغل عقلك بأفكار تافهة، لا هي خير ولا شر. ولكنها قد تتطور ولا تستطيع ضبطها..
وحاول أن تنقى قلبك من الداخل، لأن القلب النقي لا تخرج منه أفكار خاطئة.
وقد قال السيد الرب في ذلك "لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع ثمارًا ردية، ولا شجرة ردية أن تصنع أثمارًا جيدة" (مت18:7).

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:20 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
روح الإنسان وعلاقتها بالروح القدس

إذا تكلمنا عن الحياة الروحية، أو الحياة بالروح، لابد أن نتعرض لأمرين هامين
وهما: الروح الإنسانية، وروح الله القدوس من حيث عمله في روح الإنسان.
الروح الإنسانية
شركة الروح القدس
الروح وكيفية الاهتمام بها
غذاء الروح
زينة الروح
كنت في الروح
شركة الروح
هيبة الروح
أرواح كبيرة
الروح.. وليس الحرف
الصوم
المطانيات
الصلاة
القبلة
العطاء
الخدمة
السبت
الطقوس
العقيدة
الرموز

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:22 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
الروح الإنسانية
يقول القديس بولس الرسول في رسالته إلى روميه:
إذن لا شيء من الدينونة الآن على الذين في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد، بل حسب الروح" (رو1:8).
إنه يدقق هنا على السلوك حسب الروح.
والذي يسلك حسب الروح،لابد أن يقوى روحه، حتى يمكنها أن تنتصر على الجسد،وعلى المادة والخطية والعالم...
وهكذا يقول في نفس الإصحاح "فإن الذين هم حسب الجسد، فبما للجسد يهتمون. ولكن الذين حسب الروح، فبما للروح (يهتمون). لأن اهتمام الجسد هو موت. ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام" (رو5:8،6).
قوة الروح تظهر حتى في الشخص غير المؤمن. الهندوس مثلًا لهم تداريب روحية عميقة يقوون بها أرواحهم البشرية، فتكون أرواحهم أرواحًا قوية.
انظروا إلى جماعات اليوجا، بتداريبهم تصبح أرواحهم قوية، بغض النظر عن عمل الروح القدس وهكذا يمكن لكثيرين من غير المسيحيين الذي لا يؤمنون بالروح القدس، ولم يمسحوا بمسحة الميرون المقدس أن تكون لهم أرواح بشرية قوية، ويمكنهم أن يسلكوا في حياة صالحة، ويبعدوا عن شهوات العالم الردية، بغض النظر عن ناحية الإيمان، أما المؤمن فعليه أمران: تقوية روحه الإنسانية، وأيضًا الشركة مع الروح القدس. ولا شك أن هذا يكون في مستوى روحي أعلى بكثير من غير المؤمن.

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:23 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
شركة الروح القدس
https://st-takla.org/Gallery/var/resi...s-Heart-01.jpg


حينما تشترك الروح الإنسانية مع الروح القدس، يكون عليها واجبان: أحدهما إيجابي والآخر سلبي.

أما الجانب السلبي، فهو أن تبتعد عن إطفاء الروح، وأحزان الروح، ومقاومة الروح، والتجديف على الروح.

وعن هذا يقول الكتاب "لا تطفئوا الروح" (1تس19:5)، "لا تحزنوا روح الله الذي به ختمتم.." (أف18:5). وتكلم الكتاب أيضا عن مقاومة الروح، في قول القديس اسطفانوس أول الشمامسة لليهود "يا قساة الرقاب.. أنتم دائمًا تقاومون الروح القدس، كما كان آباؤكم، كذلك أنتم" (أع51:7). والتجديف على الروح القدس، ذكره السيد الرب (مت31:12).

أما العلاقة الإيجابية بالروح القدس، فتبدأ بالميلاد من الروح.

وهكذا قال الرب "المولود من الروح، روح هو" (يو6:3). وقال "أن كان أحد لا يولد من الماء والروح، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله" (يو5:3). وهكذا يولد الإنسان من الروح في المعمودية.

ثانى علاقة بالروح هى في مسحة الروح القدس.

هذه التي ذكرها القديس يوحنا الرسول في (1يو20:1،27) فقال "وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس.." إنها المسحة المقدسة في سر الميرون المقدس.

وهكذا بالمسحة يصير جسد الإنسان هيكلًا للروح القدس.

وعن ذلك قال القديس بولس الرسول "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم.." (1كو16:3).

النقطة الثالثة في العلاقة بالروح القدس هى الشركة مع الروح.

وفى هذا يقول القديس بولس الرسول في البركة الختامية "نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله، وشركة الروح القدس، تكون مع جميعكم (2كو14:13). إنها شركة لروح الله مع روح الإنسان.

شركة في العمل. فيها روح الله معك، وفيك، وبك.

المهم في هذا أن تستجيب روح الإنسان لعمل الروح القدس فيها.

وبهذا تكون في شركة معه، أما التجديف على الروح، فهو رفض عمل الروح، رفضًا كاملًا، مدى الحياة، وبهذا لا يتوب الإنسان، لأنه لا يستطيع التوبة بدون عمل الروح فيه. وإذ لا يتوب، لا تغفر له خطاياه.

رابعًا: أما الشركة مع الروح، فيظل الإنسان ينمو فيها، حتى يصل إلى إتمام الوصية القائلة:

"امتلئوا بالروح" (أف18:5).

أو على حسب ترجمة أخرى "اجعلوا روح الله يملؤكم"..

خامسًا: وبالشركة مع الروح، والامتلاء بالروح، يصل الإنسان إلى نتيجة هامة، وهى ثمار الروح، التي ذكرها القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية (غل22:5،23). وثمار الروح تأتى كنتيجة لعمل روح الله في الإنسان، ونتيجة لاستجابة روح الإنسان لعمل روح الله، واشتراكها معه.

أية نتيجة للأمرين معًا.. وهذا هو المنهج الروحي المتكامل، بالنسبة لسلوك الإنسان في حياة الروح. وإذا سارت روح الإنسان في شركة مستمرة مع روح الله، فلآبد أن تصل إلى نتيجة واضحة، وهى:

سادسًا: حرارة الروح، كما قال الرسول"حارين في الروح" (رو11:12).

مادام قد قيل عن الرب "إلهنا نار آكلة" (عب29:12).. إذن فمن الطبيعي أنه إذا اشترك روح الإنسان مع روح الله،لابد أن يصبح هذا الإنسان حارًا في الروح... وكلما ابتعد عن الله،تفتر روحه.

ليس غريبًا إذن أنه عندما حل روح الله على التلاميذ في اليوم الخمسين حل بألسنة "كأنها من نار" (أع3:2).

وهكذا لآن الملائكة أشخاص روحيون، أو لأنهم أرواح، لذلك قيل عنهم في المزمور "الذى خلق ملائكته أرواحًا وخدامه نارًا تلتهب" (مز4:104).

فالإنسان الذي يكون في حالة روحية، تعرف رو حياته من حرارته:

يكون حارًا في الروح: إذا صلى، تكون صلاته حارة جدًا، ملتهبة بالحب الإلهى،. والصلاة بالروح تظهر حرارتها في الدموع. أو في الانسحاق، أو في الإيمان القوى. أو ربما تكون حرارتها في ألفاظها وتعبيراتها.

ومن أمثلة الصلاة الروحية، صلاة المؤمنين من أجل الرسل، التي زعزعت المكان (أع31:4).

أيضًا الإنسان المشتعل بالروح، تظهر روحياته في حرارة خدمته.

خدمة ملتهبة، فيها الغيرة النارية التي يقول فيها "غيرة بيتك أكلتني" (مز119). فيها حماس الخدمة، وقوة الخدمة، بعكس الخدمة غير الروحية الخاملة الذابلة، التي هى مجرد روتين وبلا تأثير.

الحياة الروحية الملتهبة تظهر أيضًا في حياة الإنسان الخاصة:

كما يقول القديس يوحنا الحبيب في بدء رؤياه "كنت في الروح، في يوم الرب" (رؤ10:1)، أي في حالة روحية معينة...

وقد تبدو حياة الروح في المحبة الإلهية القوية.

لأن المحبة وصفت بالنار، كما قيل في سفر النشيد "مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، والسيول لا تغمرها" (نش7:8). فالمحبة كالنار، سواء كانت محبة لله، أو للناس أو للكنيسة والخدمة.

عمل الروح في الإنسان يعطيه حرارة، على أن البعض ربما يفهم الوداعة فهمًا خاطئًا، كما لو كان الوديع بلا حرارة ولا حيوية..!

سابعًا: إذا سلك الإنسان حسب الروح، وتمتع بسكنى روح الله فيه، فإنه سوف يتمتع بما يسمى: سلطان الروح، أو قوة الروح.

يكون لروحه سلطان على جسده، ويكون لروحه سلطان على الشياطين. كما قيل عن التلاميذ إن الرب "أعطاهم سلطانًا على أرواح نجسة حتى يخرجوها" (مت10: 1). وقال لهم" ها أنا أعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو" (لو 10: 19).

ويكون للروح سلطان في تأثيرها حتى على الناس.

وهذا هو الذي يعطى للكلمة قوة، ويكون لها سلطان أن تدخل إلى العقل والقلب، وأن تحدث تأثيرًا في الناس.

الشخص الذي يشعر بهيبة أبيه ويخافه، هناك سلطان من روح أبيه عليه، وسلطان من الشريعة والوصية والطبيعة. أما الإنسان الذي لا تزال هناك معركة بين جسده وروحه "ويقاوم أحدهما الآخر" (غل 17:5)، وتقف الروح أحيانًا في موقف المنهزم، فهذا قد فقد سلطان روحه. أما إذا انتصرت روحه، فحينئذ يكون لها سلطان.

هذا السلطان كان يجعل الشياطين ترتعب أمام بعض القديسين.

ثامنًا: الإنسان الذي يحيا بالروح، هو إنسان قوى، ولا يخاف.

عنده قوة داخلية، لا تخشى شيئًا من الخارج. أما الذين يخافون، فأرواحهم ليست لها قوة. وهكذا فإن الخائفين وضعهم سفر الرؤيا في قمة الهالكين. إذ كتب "وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة، فنصيبهم في البحيرة المتقدمة بنار وكبريت.." (رؤ8:21). عجيب أن الخائفين هم بعيدون عن روح الله الذي هو مصدر القوة.

هذا الذي قال عنه الرب "ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودًا" (أع8:1).

أما الذي أخذت روحه قوة من روح الله فإنه إن خدم يخدم بقوة. وإن تكلم، يتكلم بقوة، وهكذا كانت الكنيسة الأولى قوية. وقيل عن خدمتها إن ملكوت الله قد أتى بقوة.

أما عيب الخدام، فهو أنهم يخدمون كثيرًا، ولكن ليس بقوة.. يخدمون بنشاط كبير، ولكن ليس بقوة الروح!!

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:24 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
الروح وكيفية الاهتمام بها


يقول القديس بولس الرسول "الذين هم حسب الجسد، فبالجسد يهتمون. والذين هم حسب الروح، فبالروح يهتمون "لأن اهتمام الجسد هو موت. ولكن اهتمام الروح هو حياة" (رو8).
إن كان الأمر هكذا، فكيف يكون الاهتمام بالروح؟
أنظر كيف تهتم بجسدك. وقارن هل بنفس الدرجة تهتم بالروح؟
  • غذاء الروح
  • زينة الروح
  • كنت في الروح
  • شركة الروح
  • هيبة الروح
  • أرواح كبيرة
  • الروح.. وليس الحرف

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:25 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
غذاء الروح
https://st-takla.org/Gallery/var/resi...-Fathy-003.jpg


*أنت تعطى جسدك غذاءه، كل يوم. بل ثلاث مرات كل يوم. وتعطيه الغذاء بكميات كافية حسبما يلزمه.

فهل أنت تعطى روحك غذاءها، كل يوم؟

وأنت تعطى الجسد غذاءه من كل العناصر والأصناف اللازمة: تعطيه الكلسيوم لبناء العظام، والحديد لبناء الدم، والبروتين لبناء الأنسجة. وتعطيه ألوانًا متعددة من الفيتامينات والعناصر.. فهل أنت تعطى الروح كل ما يلزمها من أصناف الغذاء.
الروح تحتاج في غذائها إلى القراءات الروحية، وإلى التأمل الروحي، وإلى القداسات والاجتماعات الروحية، وإلى الألحان والتراتيل، وإلى الفكر الروحي والتأثير الروحي، والمعاشرات الروحية...

فهل أنت تقدم لها كل هذا الغذاء. لمنفعتها وتقويتها؟

* وأنت تعطى الجسد راحته. والروح تحتاج إلى الهدوء والخلوة الروحية.. فهل تقدم لها ذلك؟ وهل تريحها أيضًا بالإيمان والسلام القلبي؟

* الجسد أيضًا إذا مرض، تعرضه على أطباء. وحسبما أمروا تنفذ، وتأخذ الدواء اللازم والعلاج. والروح أيضًا في مرضها تحتاج إلى أطباء روحيين، هم الآباء الروحيون، المرشدون الروحيون الذين يلزمك أن تأخذ ما يصفونه لك من علاج.

وإن كان في الطب الجسدي، الوقاية خير من العلاج.

ففي الطب الروحي كذلك أيضًا: تبعد عن كل ما يضعف روحك، عن كل أسباب الخطية. تبعد عن"المعاشرات الردية التي تفسد الأخلاق الجيدة" (1كو33:15). لأنه "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفى طريق الخطاة لم يقف، وفى مجلس المستهزئين لم يجلس" (مز1).

وهكذا تقوى الروح بالبعد عن الأجواء التي تضعف الروح أو تحطمها...

كل هذه تقويات عادية. فكم بالأكثر يكون حال الروح، إن كان روح الله يعمل فيها ويتولى قيادتها.

وهنا نرى للروح مسحة من الجمال بما يسمى (زينة الروح).

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:27 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
زينة الروح

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...10-Pray-02.jpg


عجيب أن الإنسان -قبل أن يخرج من بيته- يقف أمام المرآة يتأمل نفسه، ليطمئن على أناقته وزينته وحسن مظهره، بينما لا تهمه روحه ومنظرها وحسن زينتها. فما هى زينة الروح إذن؟

الروح تتزين بالفضائل. مثال ذلك قول القديس بطرس الرسول: زينة الروح الوديع الهادئ" (1بط4:3).

إن أورشليم السمائية، التي تمثل الكنيسة في العالم الآخر، قيل عنها في سفر الرؤيا "مهيأة كعروس مزينة لعريسها" (رؤ2:21).

وقيل في سفر النشيد عن الكنيسة بالإجمال، أو عن الروح البشرية بصفة خاصة إنها "معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر" (نش6:3)...

أمام الله تكون هكذا، وأمام الناس أيضًا، يرونها مزينة بالوداعة والرقة والاتضاع واللطف. فهل تطمئن على روحك هكذا -قبل أن تخرج من بيتك، وقبل أن تتقابل مع الناس- حتى لا تعثر أحدًا. بل على العكس -في زينتك الروحية- يرى الناس أعمالك الحسنة. فيمجدوا أباك الذي في السموات" (مت16:5).

عن هذه الزينة الروحية نغنى نحن في التسبحة ونقول:

"زينت نفوسنا يا موسى النبي. بكرامة القبة، التي زينتها".

وبهذه الزينة تتجمل الروح في مقابلتها للرب في السماء. يترك الإنسان جسده على فراش الموت

وتخرج الروح صاعدة إلى الله، لها رائحة المسيح الزكية، كذبيحة مقدسة يتنسم منها الله رائحة الرضا (تك8)...

إن الروح المزينة بالفضائل هى حقًا صورة الله على الأرض.

لقد خلقنا الله في البدء، بهذه الصورة الجميلة، بروح رأيناها في آدم وحواء، مزينة بالبراءة والبساطة، لا تعرف شرًا على الإطلاق. كما يقول عنها سفر النشيد "مشرقة كالشمس، جميلة كالقمر.."

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:27 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
كنت في الروح
https://st-takla.org/Gallery/var/resi...ahmy-Eshak.jpg

هكذا قال في سفر الرؤيا "كنت في الروح، في يوم الرب".

فما هو معنى "كنت في الروح"، لو أتيح لنا أن نتأمله؟ إنها حالة روحية تذكرنا بقول القديس بولس الرسول في صعوده إلى السماء الثالثة" كنت في الجسد، أم خارج الجسد، لست أعلم، الله يعلم" (2كو2:12).

إنها حالة إنسان كان في الروح. الروح وحدها تعمل، والجسد معطل تمامًا عن العمل معها وهى في رؤياها. ليست حواس الجسد هى التي ترى، بل حواس الروح. ولا هو الذي يسمع، بل هى حواس الروح، تسمع أشياء لا ينطق بها (2كو4:12). لأن النطق الجسداني خارج عن هذا النطاق. هذا النطق الجسدي لا يعرف هنا أن يدخل في غير اختصاصه..! كذلك من جهة النظر..

إنها حالة "رجل مفتوح العينين، يرى رؤى القدير" (عد3:24-5).

تذكرنا بصلاة أليشع النبي من أجل تلميذه جيحزي: افتح يا رب عيني الغلام فيرى (2مل6)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. أو بقول السيد الرب لتلاميذه القديسين".. أما أنتم فطوبى لعيونكم لأنها تبصر.." (مت16:13). إنه بلا شك لا يتحدث هنا عن عيون الجسد، بل عن بصيرة الروح. وبنفس المعنى نفهم قوله لهم".. ولآذانكم لأنها تسمع"..

فى الأبدية نرى ما لا تره عين، ولم تسمع به أذن (1كو9:2). لأنه أسمى من حواس الجسد، وأعلى من مستواها في الإدراك.. نراه في الروح، وبالروح...

متى يعطينا الرب هذه البصيرة الروحية، ويصبح كل منا إنسانًا مفتوح العينين؟ ليتنا على الأقل نعطى لروح الله فرصة ليعمل فينا، وندخل في شركة الروح..

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:29 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
شركة الروح

ونقصد أن تحيا أرواحنا في شركة دائمة مع روح الله. هذه التي قال عنها معلمنا بولس الرسول ".. وشركة الروح القدس تكون مع جميعكم" (2كو14:13). إذ نسلم ذواتنا لروح الله يعمل فينا وتشترك أرواحنا مع روح الله في العمل. فتصبح حياتنا كلها حياة روحية. يصبح كلامنا كلامًا روحيًا، ومحبتنا للناس محبة روحية، وتصرفاتنا تصرفات روحية. وحينما نسلك بحكمة، تكون حكمة روحية، نازلة من فوق من عند أبى الأنوار. وحينئذ ينطبق علينا قول الرسول:
"لا دينونة الآن على الذين هم في المسيح، السالكين ليس حسب الجسد، بل حسب الروح" (رو1:8)

الذين هم في المسيح يسوع، هم الذين بدونه لا يقدرون أن يعملوا شيئًا (يو5:15). هؤلاء الذين قال عنهم الرب".. وأكون أنا فيهم" (يو26:17)... وكلما نموا في الروح، يستطيعون أخيرًا أن يقولوا مع القديس بولس الرسول "أحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فى" (غل20:2).
ما دام المسيح هو الذي يحيا في، إذن لا دينونة على الذين هم في المسيح يسوع، الذي يعمل هو فيهم، مادام يحيا فيهم.. وكأنك -وأنت في هذا الوضع- تقول للرب:
عن أي شيء يا رب تدينني؟! وأنا من ذاتي لم أعمل شيئًا!! لآن كل شيء بك كان، وبغيرك لم يكن شيء مما كان...
هذه العبارة قيلت في البدء عن الخليقة،ولكنها يمكن أن تقال أيضًا بالمثل عن حياتك الروحية، في شركتك مع الله وروحه. لأن الذي في المسيح، هو خليقة جديدة" (2كو17:5).
وهذه الحياة التي لا دينونة عليها، هى حياة التسليم الكامل الدائم لروح الله.
لا نعنى بها شركة مؤقتة مع الروح القدس، إنما شركة شاملة معه، بحيث يشترك روح الله في كل عمل من أعمالك، في كل كلمة تنطق بها: كما قال الرب "لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم السماوي هو المتكلم فيكم(مت20:10)...
ما أجمل هذا أن يشترك معك روح الله في كل شيء. لا ينفصل عنك، ولا تنفصل أنت عنه. بل يسكن فيك، وتصبح هيكلًا له (1كو16:3).. وهكذا تكون أيضًا أداة في يديه يعمل بها ما يريد هو أن يعمله.
إن صرت هكذا، تكون لك أيضًا هيبة الروح.

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:30 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
هيبة الروح

إن روحك تفقد هيبتها، حينما تخضع للشيطان وتعطيه مجالًا أن يعمل فيها ويوجهها. أما الروح التي تصمد في قوة أمام الشيطان، مستندة على الرب حبيبها (نش3).. فإن هذه تصبح لها هيبة أمام الشيطان. إنها روح الإنسان الذي وعده الله قائلًا "يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمينك ربوات. وأما أنت فلا يقتربون إليك.." (مز7:91).
هؤلاء تصرخ الشياطين أمامهم خوفًا أو عجزًا.
حاولوا أن يجسبوا نبضهم، ليجدوا مدخلًا إليهم، فلم يستطيعوا. فأصبحوا لذلك يخافون، ولا يجسرون على الاقتراب منهم. يخيفهم أن يروا فيهم صورة الله.
هيبة أرواحهم ليست عن عظمة أو كبرياء، بل بسبب تواضعهم.
كما اعترف الشيطان قائلًا للقديس مقاريوس الكبير "بل بتواضعك تغلبنا".. لأن الإنسان المتواضع يرى فيه الشيطان صورة الله المتواضع، الذي في تجسده "أخلى ذاته، وأخذ شكل العبد" (فى7:2)،. لأن التواضع هو حلة اللاهوت التي لبسها، لما تجسد لخلاصنا...
إن الأرواح التي تهابها الشياطين، هي أيضًا الأرواح التي جاهدت وغلبت.
إنها الرواح التي لا تستطيع الشياطين أن تغويها أو تغريها، ولا حتى بصعوبة.. إنها أرواح لا تستسلم لعدو الخير، ولا في الهفوات التي تبدو بسيطة. بل هي أرواح مخلصة لخالقها، لا تخونه في شيء، بل تسلك بتدقيق (اف15:5)... هي أرواح لم تطلب من الشيطان شيئًا، وليست لها شهوة على الإطلاق يحققها لها الشيطان. إنما أرواح كبيرة.

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:31 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
أرواح كبيرة

كبيرة في محبتها، وكبيرة في عفتها، وكبيرة في قوتها واستطاعتها...
إنها أروح كبيرة في مستواها الروحي. لم تقف عند حدود التوبة والجهاد، وإنما ظلت تنمو في حياة البر، حتى وصلت إلى القداسة، وظلت تنمو في القداسة ساعية نحو الكمال،حسب وصية الرب "كونوا أنتم أيضًا كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت48:5).
أرواح لا تسعى فقط لخلاص ذاتها، بل لخلاص الذين يسمعونها أيضًا (1تى16:4). إنها أرواح تبنى الملكوت.
هناك أرواح كبيرة، لم يقتصر عملها على خدمة الله هنا على الأرض، بل حينما تترك الجسد وتصعد إلى السماء، ينتدبها الله أيضًا لبعض خدمات على الأرض.
ينتدبها لإنقاذ بعض أولاده في العالم، أو لأداء رسالة معينة، كما يحدث مثلاً لروح مثل مارجرجس، أو روح مارمينا، وبعض الشهداء والقديسين الذين نطلب شفاعتهم. ولم تنته حياتهم بالموت، بل مازالوا يعملون...
هذه الأرواح الكبيرة غير الأرواح الصغيرة الضعيفة، التي لا تزال تكافح ضد الجسد. والتي إن تابت بضعة أيام، تعود مرة أخرى إلى خطاياها وإلى عاداتها المسيطرة في ضعف أو في عجز.
الأرواح الكبيرة هى أيضًا كبيرة في معرفتها، لها روح الحكمة والإفراز.
وهبها الله الفهم والإدراك، وأصبحت لها قدرة على إرشاد الآخرين وقيادتهم،وهذه الحكمة التي يسلكون بها ليست عملًا بشريًا، إنما هي من مواهب الروح (1كو12).
وفى تنفيذ وصايا الله، تسلك هذه الرواح بالروح لا بالحرف (2كو6:3).

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:32 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 

يركز القديس بولس الرسول على عبارتين: السلوك حسب الروح، والاهتمام بالروح (رو1:8،6).

ولا شك أن المتهمين بالروح، يهتمون بالروح في سلوكهم بروح الوصية، وليس بحرفيتها.

وذلك لآن "الحرف يقتل، ولكن الروح يحيى" (2كو6:3). وهكذا يقول الرسول في نفس الآية:

"جعلنا خدام عهد جديد: لا الحرف، بل الروح".

الذي يسلك بالحرف، هو إنسان فريسي أو ناموسى..

مثل اليهود في موقفهم في وصية حفظ السبت!

الفريسيون كانوا يتمسكون بالحرف، كما فعلوا مع الرب في وصية السبت مثلًا. حتى أنه حينما منح البصر للمولود أعمى، وكان ذلك في يوم سبت، قالوا "هذا الإنسان ليس من الله، لأنه يحفظ السبت" (يو16:9)،. وقالوا للمولود أعمى "أعط مجدًا لله. نحن نعلم أن هذا الإنسان خاطئ" (يو24:9).

ولما شفى السيد مريض بيت حسدا، بعد مرضه 38 عامًا، يقول الكتاب إن اليهود "كانوا يطلبون أن يقتلوه، لأنه فعل ذلك في يوم السبت" (يو16:5).

إنه الحرف الذي يقتل، لأنه يدل على عدم فهم لروحانية الوصية.

كيف يسلك بالروح إذن؟

هنا ونود أن نتأمل السلوك في بعض الفضائل:

1- الصوم مثلًا، وكيف يكون بالروح؟

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 01:34 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
الصوم

كثيرون يصومون، ويظنون أن الصوم هو فقط الطعام النباتي. ويحاولون أن يجهزوا لأنفسهم أطعمة نباتية شهية جدًا في أكلها، ومغذية جدًا فيما يضيفونه عليها من ألوان الطعام النادرة والغالية الثمن، والشكيولاتة النباتي. وينسون قول دانيال النبي عن صومه:
"كنت نائحًا ثلاثة أسابيع أيام. لم آكل طعامًا شهيًا، ولم يدخل فمي لحم ولا خمر. ولم أدهن" (دا2:10،3)...

وأحب أن أركز هنا على عبارة "لم آكل طعامًا شهيًا".. لأنه حيث يأكل الإنسان أطعمة شهية أثناء صومه، كيف يمكنه أن يسيطر على رغبات الجسد، وهو يعطيه ما يشتهيه من الطعام؟!
كيف تشترك الروح إذن مع الجسد في الصوم؟
حتى لا يكون صومنا مجرد صوم جسداني، بطريقة حرفية بعيدة عن الروح! أما الصوم الروحي ففيه تكون الروح زاهدة، ومرتفعة عن مستوى المادة، وعن مستوى طعام الجسد. كذلك أثناء الصوم نعطى الروح طعامها الروحي. ونعطيها الفرصة أن تسيطر على الجسد

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 02:00 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
المطانيات

المطانيات هى السجود. فما المقصود بهذا السجود.
ليس السجود هو مجرد انحناء الجسد. إنما أيضًا: انحناء الروح مع الجسد.
لذلك يقول المرتل في المزمور "أنا فبكثرة رحمتك ادخل بيتك، وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك"..
وعبارة (مخافتك) تدل على خشوع الروح أثناء السجود. وعبارة "بكثرة رحمتك أدخل إلى بيتك" تعنى الشعور بعدم الاستحقاق. وهكذا يصيح الشماس أثناء القداس:
"أسجدوا لله بخوف ورعدة..".
هنا المشاعر الروحية تصحب حركة الجسد.
أحيانًا تعتذر لإنسان وتضرب له مطانية، فلا يقبلها منك. إذ يشعر أنها عمل جسداني لا روح فيه.
وقد تقول بعد ذلك: ماذا أفعل له أكثر من هذا؟ لقد ضربت له مطانية، وانحنيت برأسي إلى الأرض!!
يا أخي، المهم أن تنحني روحك،لا تتمسك بحرفية المطانية دون روحها. ولذلك نسمع داود النبي يقول: "لصقت بالتراب نفسي" (مز25:119).
ولم يقل "لصقت بالتراب رأسي"...

Mary Naeem 15 - 01 - 2014 02:02 PM

رد: كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث
 
الصلاة
الصلاة حرفيًا هي الحديث مع الله.
وهى روحيًا: اتصال روح الإنسان بروح الله.
وقد يصلى إنسان، أو يظن أنه يصلى، بينما لا توجد هذه الصلة بينه وبين الله!!
لذلك وبخ الله اليهود بقوله"هذا الشعب يكرمني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (أش13:39) (مت8:15). إنها صلاة غير مقبولة، لأن الله يريد القلب...
أتظن أنك تصلى، لأنك تحرك شفتيك أمام الله؟!
وقد يكون ذلك بلا فهم، وبلا روح، وبلا مشاعر: بلا حب، بلا خشوع، بلا اتضاع..!! أتريد أن ترضى ضميرك من جهة الصلاة؟! حتى لو كانت هكذا!! أم تصلى بروحك، وتصلى بذهنك، تقصد كل كلمة تقولها في صلاتك...
صدق مار أسحق عندما قال عن مثل هذه الصلاة:
قل لنفسك: أنا ما وقفت أمام الله لكي أعد ألفاظًا.
ذلك لأن كثيرين يهمهم أن يطيلوا الصلاة بغير فهم، أو أنهم يتلون عددًا كبيرًا من المزامير، بسرعة لا تأمل فيها، ولا يتابعون معنى الألفاظ أثناء صلاتهم!!
والمزامير كلها روحانية، لكنهم يقتصرون على الحرف.
وبالمثل من يرددون كلمات التسبحة في الأبصلمودية بسرعة عجيبة، لا يتابعون فيها المعنى.. وكذلك بالنسبة إلى كثير من الألحان.. المهم أمامهم هو الحرف وليس الروح،والشعور بأن إنسان أدى (قانونه) في الصلاة، واستراح ضميره بذلك، بينما لم تصعد هذه الصلاة إلى الله، لأنه لم تكن هناك صلة، ولم تشترك الروح فيها ولا القلب.. ما أجمل قول القديس بولس الرسول:
"أصلي بالروح، وأصلي بالذهن أيضًا" (1كو15:4).
"أرتل بالروح، وأرتل بالذهن أيضًا".


الساعة الآن 09:04 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025