![]() |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
أنواع من العثرات ليست كلها في الأمور الشبابية كما يظن البعض. فهناك عثرات في الدين، كهراطقة، والذين ينشرون الشكوك في الدين، أو الذين ينشرون الإلحاد والذين ينكرون القيامةوالمعجزات. وهناك عثرات في الفلسفة والفكر.. وزعزعة الفكر في كثير من المبادئ والقيم كأصحاب البدع الذين يأتون بشيء جديد لتحطيم ما تسلمه الناس من قبل ويقدمون ذلك باسم العلم والتجديد. إن الأريوسيين كانوا أكثر خطرا من أريوس، وأكثر إيذاء لأثناسيوس.. لذلك حسنا قال معلمنا يعقوب الرسول: لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتي، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم (يع 3: 1). لماذا؟ (لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا) إنها العثرة في التعليم.. يعثر نفسه إذ يظن أنه على حق، ويكون (حكيما في عيني نفسه) (أم 3: 7) وأيضا يعثر غيره بنشر تعليمه الخاطئ. لذلك لا تقبلوا كل فكر جديد يحطم ما تسلمتموه.ويكون لكم عثرة.. ذلك لأن البعض يحاولون أن يقدموا شيئا جديدا، يلفون به المسلمات القديمة، ليثبتوا أنهم أكثر علما (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ومنهم بعض المشتغلين بالنقد الكتابي Biblical Criticism وهم في الجامعات الأجنبية من رجال الدين ومن أساتذة اللاهوت، ولكنهم عثرة، وحسب قول الرسول يأخذون دينونة أعظم.. دينونة بسبب أخطائهم، ودينونة بسبب نشرها. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
القدوة السيئة هي أيضًا عثرة، إذ يقع الغير في أخطاء بسبب تقليدهم لتلك القدوة. وهؤلاء المخطئون -إن كانوا من القادة أو الرؤساء أو الزملاء- لم يقصدوا أن يجعلوا غيرهم يخطئون. ولكنهم كانوا سببا في ذلك فقد يعلمونهم الروتين، أو الحضور متأخرين إلى مكان العمل، أو محاولة تبرير كل خطأ، أو سوء معاملة الناس وتعطيل مصالحهم، أو يعلموهم قلة الإنتاج، أو كتابة تقارير وهمية أو مزورة.. إلخ. فالإنسان في المجتمع يمتص منه أشياء كثيرة: يمتص عادات وعثرات. ويدخل في هذا المجال أيضًا: الآباء والأمهات بالنسبة إلى أبنائهم.. فالأبناء ينظرون إلى آبائهم وأمهاتهم كقدوة ويقلدونهم. ويدخل في مجال العثرة أيضًا ما يتعرض له البسطاء الذين ليست لديهم القدرة على تحليل تصرفات من هم أكثر منهم خبرة وعلما ومركزا. فيعثرون بهم -ليس من جهة انتقادهم- إنما من جهة تقليدهم. كذلك الموظف الأدنى مركزًا، إذا توقى إلى مركز أعلى، قد يسير على نفس نهج من سبقه، ويكون ذلك له عثرة. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
الثقافة والإعلام كل أجهزة الوسائل السمعية والبصرية قد تكون عثرة، إذا قدمت برامج معثرة للسامعين أو المشاهدين فلها تأثير على شخصياتهم، من حيث تفكيرهم وأساليبهم، وما تتركه في نفوسهم من مشاعر وأحاسيس. وبالمثل كل مصادر الفكر من كتب ومجلات وجرائد ونبذات ومنشورات، هي أيضًا قد تكون عثرة، إن أثرت على أفكار الناس ومشاعرهم وتصرفاتهم تأثيرا خاطئا وقادتهم في طريق يضرهم أو يضر المجتمع. قال أحد المفكرين: قل لي ماذا تقرأ، لأقول لك من أنت. وأريد أن أضيف إلى ذلك: ليس الأمر يقتصر فقط على ما تقرأ، وإنما أيضًا ماذا ترى وماذا تسمع فالكاسيتات، وأجهزة التليفزيون و الفيديو، لها خطورتها في التأثير على الناس، وكذلك الأفلام السينمائية والمسرحية. وكثير من هذه كلها قد تكون عثرة.. وعلينا أن نكون حريصين في كل ذلك. بالنسبة إلى أنفسنا وإلى أولادنا. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
الكبير والصغير على الكبير أن يكون حريصا جدا، في أقواله وتصرفاته، حتى لا يعثر الصغير، أو الضعيف. وهكذا يقول الرسول: (أنظروا لئلا يصير.. هذا معثرة للضعفاء) (1كو 8: 9) ويكرر عبارة (الأخ الضعيف الذي مات المسيح لأجله) (1كو 8: 11) ثم يقول أخيرا (إن كان طعام يعثر أخي، فلن آكل لحما إلى الأبد، لئلا أعثر أخي) (1كو 8: 13) وهو من جهة العثرة يقول عن الضمير (ليس ضميرك أنت بل ضمير الآخر.. غير طالب ما يوافق نفسي، بل الكثيرين لكي يخلصوا) (1كو 10: 29 – 33) والسيد المسيح – من جهة العثرة – اهتم بالصغار. فقال (من أعثر أحد هؤلاء الصغار) (مت 18: 6). إن أسباب العثرة قد يقاومها القوى. ولكن ما ذنب الضعيف؟ ونقصد بالقوى، القوى في روحياته، والقوى في إرادته، والناضج في تفكيره. هذا القوى يمكنه أن يدرك الخطأ ويقدر على مقاومته. ولو أنه من الجائز أن يقع في إدانة صاحبه.. ولكن المشكلة في عثرة الضعيف أو البسيط.. والضعيف أيضًا قد يقول: إن الكبار هكذا يسقطون، فماذا أفعل أنا الضعيف؟! وقد يستسلم للخطأ، أو يقع فيه يأسا، أو انقيادا. وربما من عثرة الضعيف أن تسقط المثل العليا أمامه. وهكذا فإن القديس بولس الرسول لما وبخ القديس بطرس الرسول، قال له قدام الجميع (إن كنت وأنت يهودي، تعيش أمميًا لا يهوديًا، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا؟! ) (غل 2: 14) قال ذلك لأنه وجد (أن برنابا أيضًا انقاد إلى ريائهم) (غل 2: 13) أي أعثر منهم.. فليحترس الكبار إذن في تصرفاتهم. ونقصد الأبوين في محيط الأسرة، والمدرسين بالنسبة إلى التلاميذ، والخدام بالنسبة إلى مخدوميهم والكهنة بالنسبة إلى شعبهم والمرشدين بالنسبة إلى من يسترشد بهم.. يحرصون ألا يكونوا عثرة في كلامهم وتصرفاتهم وحركاتهم وملامحهم.. وكذلك في حفظهم للنظام، وفي طاعتهم للقانون، وفي حفظهم للوصية فإذا كان الشمامسة مثلًا لا يتكلمون في الكنيسة، يحرصون على احترام الهيكل والصلوات قد يقتدي بهم الشعب. وإن أخطأوا قد يكونون عثرة للشعب، الذي قد يفعل المثل.. والذي يتكلم أثناء الصلاة في الكنيسة يقع في عدة أخطاء: أولا: عدم احترام الكنيسة، وعدم احترام الصلاة، وعدم وجود مخافة الله في قلبه. والخطية الثانية: يكون عثرة لغيره: إما في أن يفعلوا مثله، أو أن يقعوا في إدانته. وبالمثل الذي يداوم النظر إلى ساعته، أثناء الاجتماع أو العظة. وكذلك الذي يخرج من الكنيسة قبل البركة أو التسريح. على الشخص أن يتنافى العثرة، حتى لو لم يكن في تصرفه خطأ. إن السيد المسيح عندما طلبت منه الجزية، وكان يعرف أن الجزية لا تطلب من بنى البلد بل من الغرباء، قال لبطرس: (ولكن لئلا نُعثِرَهم، اذهب إلى البحر وألق صنارة) (مت 17: 27). ولكي لا يعثرهم أيضًا، تقدم إلى معمودية يوحنا التي للتوبة، مع أنه غير محتاج إلى توبة.. وإن السيد المسيح أطاع الناموس في أمور كثيرة لا تلزمه، وكذلك القديسة العذراء، لكي لا يعثرهم أحد. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
الضمير يوجد ضمير ضيق يتشكك في كل شيء، ويظن الخطأ حيث لا يوجد خطأ وضمير واسع يبرر تصرفات كثيرة. وموضوع الضمير يدخل في موضوع العثرة. والأمثلة كثيرة: ·هل الجمال مثلا يعثر؟ فتاة جميلة. ينظر إليها البعض ويشتهونها. فهل هي عثرة لهؤلاء؟ وما ذنبها؟ كلا، إنها ليست عثرة. العثرة هي في قلوب الذين يشتهونها. الخطأ فيهم وليس فيها. القديسة يوستينا مثلا كانت جميلة جدا وقد اشتهاها شخص لدرجة أنه لجأ إلى السحر ليحصل عليها. فهل كانت هذه القديسة عثرة؟ كلا، وإنما العثرة في قلب ذلك الإنسان غير النقي. ما رأيكم في ملاكين اشتهاهما أهل سادوم؟! هل الملاكان كانا سبب عثرة؟! حاشا. إنما الخطأ في انحراف ذلك الشعب الشاذ، لذلك ضربهم الملاكان بالعمى عقابا لهم عل شهوتهم النجسة (تك 19: 4-11). · الكتبة والفريسيون انتقدوا السيد المسيح، لأنه صنع معجزات في يوم سبت – فهل كان السيد المسيح عثرة لهم؟! بل عدم فهمهم أو عدم نقاوة قلوبهم كان هو السبب. العثرة أتتهم من داخلهم، وليس من سبب خارجي. · وما أكثر القديسين الذين اتهموا من الناس ظلما، مثل القديس مكاريوس الكبير، والقديسة مارينا والقديس افرام السرياني، ولم يكونوا عثرة، وأظهر الله براءتهم. وهنا ليتنا نتأمل قول الرسول: (كل شيء طاهر للطاهرين) (تى 1: 15). غير الطاهرين إذن، تكون كثير من الأمور عثرة لهم، بسبب عدم طهارتهم إذ يفكرون بطريقة فيها دنس.أما الطاهرون فيفكرون بنقاوة. لذلك لا تعثرهم أشياء تعثر غيرهم. الأمر إذن يحتاج إلى ضمير نقى يحكم بعدل. ·لقد أمرنا السيد الرب أن نخفى فضائلنا. فهل إذا خفينا صلواتنا وأصوامنا وصدقاتنا حسب أمر الرب (مت 6) أيعثر الناس فينا ويظنوننا لا نصلى ولا نصوم؟!أم نطهر فضائلنا لكي لا يعثروا ونخالف وصية الرب؟! المسألة إذن مسألة ضمير.. المهم أننا نقدم مادة للعثرة. أما إن أعثر غيرنا لسبب فيه، ولا قصد منا في إعثاره، فالذنب ذنبه. ·هل كان داود النبي سبب عثرة لشاول الملك، حينما انتصر على جليات؟! كلا، بلا شك. وما كان بإمكان داود أن يترك جليات يعير صفوف الرب وداود نفسه نسب الانتصار للرب. وقال لجليات (اليوم يحسبك الرب في يدي..) (لأن الحرب للرب، وهو يدفعكم ليدنا). (1صم 17: 46، 47) ولكن الذي أعثر شاول هو الغيرة التي في قلبه، وتعبه من قول النساء (ضرب شاول ألوفه، وداود ربواته) (1صم 18: 7). داود النبي قال أيضًا في المزمور: (أكثر من شعر رأسي الذين يبغضوني بلا سبب) (مز 69: 4). فهل هو أعثرهم حتى أبغضوه؟! كلا، بل هم أبغضوه بلا سبب منه. إنما السبب هو حقد قلوبهم، وغيرتهم من تقواه وانتصاراته، أو شهواتهم في أن يغتصبوا سلطانه كما فعل أبشالوم.. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
8) مفهوم الوداعة: أهمية الوداعة من أبرز الآيات عن أهمية الوداعة قول السيد المسيح له المجد (تعلموا منى لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم) (مت 11: 29) كل الكمالات موجودة فيه، ولكنه ركز على الوداعة أولا. وجعلها سببا لراحة النفس. والقديس بولس الرسول وضع الوداعة ضمن ثمار الروح (غل 5: 23). ويقول القديس يعقوب الرسول (من هو حكيم وعالم بينكم، فلير أعماله بالتصرف الحسن في وداعة الحكمة) (يع 3: 13). وحينما ذكر الرب التطوبيات، جعل الوداعة في أوائلها. فقال:(طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض) (مت 5: 5). ويوجد تطويب كثير للوداعة في سفر المزامير، إذ يقول (يسمع الودعاء في الحق) (مز 25: 9) وعندما تكلم القديس بطرس الرسول عن زينة النساء، قال (زينة الوديع الهادئ الذي هو قدام الله كثير الثمن (1بط 3: 4). إن كانت الوداعة بهذا المقدار، يقف أمامنا سؤال مهم: ما هي الوداعة إذن؟ وما هي صفات الوديع؟ |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
ما هي الوداعة؟ الإنسان الوديع هو إنسان هادئ طيب، ومسالم، وبشوش.. هو إنسان هادئ، لا يغضب ولا يثور، ولا ينفعل بسرعة. لا يحتد في كلامه، بل الصوت المنخفض الخفيف.. هو بعيد عن النرفزة أعصابه هادئة.. قيل عن السيد المسيح في وداعته، إنه (لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ) (مت 12: 19، 20)، (أش 42: 2، 3). هدوء الوديع، هدوء من الداخل ومن الخارج. يملك السلام على قلبه في الداخل، فلا يقلق ولا يضطرب. ومن الخارج هو مسالم لجميع. لا يهاجم أحدًا، ولا يجرح شعور أحد. هو بعيد عن العنف. حتى إذا هوجم، لا ينتقم لنفسه. إنه لا يتدخل في شئون الناس، ولا يقيم لنفسه رقيبا على أعمالهم، وبالتالي لا يدين أحدًا. وإن تدخل في إصلاح غيره، يكون ذلك في هدوء، حسبما قال الرسول: "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنِ انْسَبَقَ إِنْسَانٌ فَأُخِذَ فِي زَلَّةٍ مَا، فَأَصْلِحُوا أَنْتُمُ الرُّوحَانِيِّينَ مِثْلَ هذَا بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ، نَاظِرًا إِلَى نَفْسِكَ لِئَلاَّ تُجَرَّبَ أَنْتَ أَيْضًا" (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 6: 1). يصلحه بالإقناع بالهدوء، وبالاتضاع ناظرًا إلى نفسه لئلا يجرب هو أيضًا.. الإنسان الوديع يحتمل الآخرين، بطول الروح. بطول بال. يضع أمامه قول الكتاب (الجواب اللين يصرف الغضب) (أم 15: 1) هو على صورة الله الذي يحتمل الخطاة، ويطيل أنته عليهم . الإنسان الوديع بعيد عن التذمر سواء في علاقته مع الله أو الناس. بل بالعكس يكون على الدوام بشوشا مبتسمًا. والوديع غالبا ما يكون خجولا. يتميز بشيء من الحياء. بل كما قال أحد الآباء (لا يملأ عينيه من وجه إنسان) لا يفحص ملامح الناس، ولا يغوص في أعماقهم، ليعرف ما في داخلهم. لا يحلل الناس ومشاعرهم. إنما نظراته بسيطة. هو إنسان حيى. لا يفارقه حياؤه. الوديع شخص سهل التعامل. بسيط، ليس عنده دهاء ولا مكر ولا خبث. واضح في تعامله، يبطن غير ما يظهر، ولا يعقد الأمور. يتعامل في وضوح، بلا لف ولا دوران، ولا يدبر خططا. يمكنك أن تستريح إليه، لأنه واضح، صريح، ومريح.. إنه رقيق، لطيف، حلو الطبع. لذلك تجده محبوبا من الكل. لأنه إنسان طيب. حتى لو ظلمه البعض، تجد الكثيرين يدافعون عنه ويقولون لمن ظلمه (ألم تجد سوى هذا الإنسان الطيب، لكي تظلمه؟!) حتى الذي ظلمه، يأتي إليه بعد حين ويعتذر له.. والكل يدافع عنه، لأنه لا يؤذى أحدا ولأجل محبة الناس للوداعة، يقول الرب طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض) (مت 5: 5) هذا بالإضافة إلى السماء.. ونعمة الله باستمرار تكون عليه. والإنسان الوديع، إنسان (مهاود). يميل إلى إراحة الناس، وعدم العناد معهم. لا يكثر من الجدل والنقاش. والملاججة والتحقيق. إنما الخير الذي يستطيع أن يعمله، يعمله بهدوء وسرعة وبدون تأجيل مناقشة. إنه لا يتشبث برأيه في كل شيء، كما يفعل البعض. إنما يمرر الأمور مادامت لا تكسر وصية. ولذلك فإنه لا يتحزب، إنما يحب الكل.. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
فَقْد الوداعة الإنسان الوديع يحتفظ بوداعته باستمرار. لا يفقد وداعته إن نال مركزا كبيرًا، أو تمتع بسلطة. فمهما كان مركزه عاليًا، تستمر وداعته كما هي. ولا يرتفع قلبه في أمر ونهى. والوديع أيضًا لا يفقد وداعته بسبب إصلاح الآخرين. فإن كان في وضع يسمح بهذا، لا يصلح الناس بالعنف أو بالشدة، أو بحدة الصوت أو حدة التصرف. إنه لا يفقد وداعته أيضًا، إن دافع عن الحق.. إنما يدافع عنه في هدوء، دون أن يجرح شعور أحد.. كذلك إن تكلم بصراحة، لا تكون صراحته جارحة. وإنما يعبر عما يريد قوله بأسلوب رقيق (اقرأ مقالًا آخراُ عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وفي هذه المناسبة نذكر أسلوب السيد المسيح مع المرأة السامرية. كشف لها كل شيء، بغير أن يخدش حياءها، أو يجرح شعورها (يو4). والوديع الحقيقي لا يفقد وداعته بحجة الحزم أو الشجاعة، أو بالفهم الخاطئ للقوة وللكرامة الشخصية. ولا يحتج أحد بفقد الوداعة بحجة أنه مولود بالطابِع الناري. فموسى الأسود كان من هذا النوع، ولكنه اكتسب الوداعة بحياة التوبة، على الرغم من أنه بدأ حياته شديدًا. ولكنه درب نفسه حتى تحول إلى إنسان طيب القلب جدًا. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
الوداعة والشجاعة البعض يخطئ في فهم الوداعة، فيتصور الوديع كشخصية خاملة، بلا تأثير ولا فاعلية ويظن الوداعة رخاوة في الطبع!! كأن يتحول الوديع -بسبب طبيعته- إلى أضحوكة وسط الناس، يلهون به ويدوسون على كرامته. أو أنه بسبب احتماله للآخرين وعدم تذمره، يصبح مهزأة. أو أيضًا بسبب عدم إدانته للناس، لا يفعل شيئا متى رأى الشر مسيطرًا على الخير! كلا فليست هذه هي الوداعة. إنما المفهوم الصحيح للوداعة، لا يمنع مطلقا من أن ترتبط بالرجولة والنخوة والشجاعة والشهامة فنحن نتحدث عن الوداعة بأسلوب الحقائق! ونقول إن الوديع هو إنسان طيب ومسالم ومهاود، ونتغافل أن يكون ذا شجاعة ونخوة وشهامة.. وأيضا هناك كلمة عميقة قيلت في سفر الجامعة، تنطبق على تصرف الوديع في مختلف المواقف والأحداث، وهى: (لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السموات وقت.. للسكوت وقت وللتكلم وقت) (جا 3: 1، 7). فنع أن الطيبة هي الطابع العام في حياة الوديع، إلا أنه للشجاعة في حياته وقت وللشهامة وقت، ولكن في غير عنف. أمثلة: ·السيد المسيح في وداعته وحزمه: هذا المثل الأعلى الذي قيل عنه (لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته) نراه حازما قويا في تطهيره للهيكل، حينما طرد الباعة، وقال لهم (مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص) (مت 12: 12، 13). وكان قويا وحازما أيضًا في توبيخه للكتبة والفريسيين) (مت 23). وكان حازما في شرح شريعة السبت وفعل الخير فيه، على الرغم من كل المعارضة التي لاقاها.. ·مثال موسى النبي المشهور بحلمه العجيب. حتى أنه قيل عنه (وكان الرجل موسى حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض). (عد 12: 3) موسى هذا الذي نزل من الجليل ومعه لوحا الشريعة، ووجد الشعب يعبد عجلًا ذهبيًا ويغني ويرقص . لم يقف موقفًا سلبيًا باسم الحلم والوداعة، بل حمى غضبه وطرح لوحي الشريعة من يديه وكسرهما. ثم أخذ العجل الذي صنعوه، وأحرقه بالنار، وطحنه حتى صار ناعمًا وذراه على وجه الماء (سفر الخروج 32: 19، 20) وانتهر هرون رئيس هرون رئيس الكهنة، حتى اضطرب بين يديه. · مثال آخر هو داود النبي. هذا الذي قيل عنه في المزمور (اذكر يا رب داود وكل دعته) (مز 132: 1) كان موقفه جريئًا وشجاعًا، لما رأى جليات يعير صفوف الله الحي، بينما كان كل الجيش واقفا في خوف أمام ذلك الجبار.. أما داود الوديع فقال من هو هذا الأغلف حتى يعير شعب الله؟! وظل يكلم الناس بشأنه، ولم يهمه استهزاء أخيه الأكبر به. وأخيرا قال لشاول الملك (لا يسقط قلب أحد بسببه) (1صم 17: 32) وذهب وحاربه ولم يخف منه، بل قال له (أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس، وأنا آتى باسم رب الجنود.. اليوم يحبسك الرب في يدي.. (1صم 17: 45، 46). هذا هو داود الشاب الهادئ الأشقر، صاحب المزماروالقيثار، وفي نفس الوقت صاحب الغيرة، ورجل الحرب جبار البأس.. ·مثال ثالث هو بولس الرسول. إنه إنسان طيب هادئ، يقول لأهل كورنثوس في توبيخه لهم (أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمه، أنا نفسي بولس الذي هو في الحضرة ذليل بينكم، وأما في الغيبة فمتجاسر عليكم) (2كو 10: 1). ويقول لشيوخ أفسس (متذكرين أنى ثلاث سنين ليلًا ونهارًا، لم افتر أن أنذر بدموع كل أحد) (أع 20: 31) إنه رسول، من حقه أن ينذر، ولكنه بوداعة ينذر، ولكنه بوداعة ينذر بدموع. بولس هذا في الكرازة والتبشير، كان أسدا.. إنه حينما يتكلم عن البر والدينونة والتعفف أمام فيلكس الوالي، يقول الكتاب (ارتعد فيلكس. وقال له اذهب الآن، ومتى حصلت على وقت أستدعيك) (أع 24: 25) ولما وقف أمام اغريباس الملك، قال له الملك (بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا) (أع 26: 28). وبولس هذا الوديع، لم يمتنع عن توبيخ بطرس الرسول. وقال (لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل، قلت لبطرس قدام الجميع: إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميًا لا يهوديًا، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا) (غل 2: 14). · مثال رابع هو أليهو بن برخئيل : كان الرابع بين أصدقاء أيوب. ومن وداعته ظل صامتا بينما كان يتكلم أصحاب أيوب الثلاثة معه على مدى 28 إصحاحا. ولم يفتح أليهو فمه من فرط وداعته، لأنهم كانوا أكبر منه سنا.. وأخيرا لم يستطع أن يصبر هذا الوديع أكثر من هذا، لما رأى أن الجميع قد أخطأوا. وفي ذلك يقول الكتاب (فحمى غضب أليهو بن برخئيل البوزي من عشيرة رام. على أيوب حمى غضبه، لأنه حسب نفسه أبر من الله. وعلى أصحابه الثلاثة حمى غضبه، لأنهم لم يجدوا كلاما واستذنبوا وأيوب.. فقال لهم (أنا صغير في الأيام، وأنتم شيوخ، لأجل ذلك خفت وخشيت أن أبدى لكم رأيي..) (أى 32: 2-7) ثم بدأ رسالته في التوبيخ.. حقا لكل شيء تحت السموات وقت. لسكوت الوديع وقت، ولكلامه وقت. لطيبته وقت، ولحزمه وقت.. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
ملاحظات 1- هل تجد أحد أقربائك على وشك أن يتزوج مطلقة، أو أية إنسانة لم تأخذ تصريحا من الكنيسة، أو زيجة بقرابة خاطئة لا يجوز فيها الزواج.. هي ترى كل هذا، وتسكت باسم الوداعة والهدوء، دون أن تحذر قريبك ليبعد عن الزيجة الخاطئة؟ كلا، ليست هذه وداعة. إنما يجب أن تحذره من الموقف الخاطئ، وتشرح له في هدوء خطأ موقفه.. ولا تكون ضد الوداعة في موقفك، لأنك وضحت الموقف دون أن تشتم أو تجرح أو تخطئ. إنما عبارة القديس يوحنا المعمدان على فمك (لا يحل لك أن تأخذ (هذه) زوجة لك). 2- أو تجد أحد معارفك يريد أن يتزوج امرأة زواجًا عرفيًا، وتقف صامتا باسم الوداعة؟! كلا. قل له إن هذا أمر خاطئ لا يباركه الله، يقودك إلى حياة خاطئة. وليس في هذا ضد الوداعة. إننا لا نقول لك لا نقول لك أن تثور وتضج وتملأ الدنيا صياحا بل أن تنذر في هدوء.. 3- إن الله يحب الحق، ويحب أن يرى من يدافع عنه، بأسلوب لا يخطئ فيه. وفي ذلك يقول الرب في سفر أرميا النبي (طوفوا في شوارع أورشليم، وفتشوا في ساحاتها، هل تجدون إنسانا أو يوجد عامل بالعدل، طالب الحق، فاصفح عنه) (أر 5:1). إذن الدفاع عن الحق فضيلة يطلبها الله. إن سلكت فيها تسلك في الحق ولا يتنافى هذا مع الوداعة ما دام الأسلوب سليما. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
9) مفهوم الحق والعدل: الصدق أول مفهوم أنه الصدق Truth: وكثيرا ما كان السيد المسيح يبدأ كلامه بقوله (الحق أقول لكم) (مت 5: 18) (مت 8: 10). وأحيانا كان يكرر كلمة الحق، فيقول (الحق الحق أقول لكم) (يو 5: 19، 24، 25) (يو 8: 34، 51، 58). وفى المحاكم يقسم الشاهد قائلًا: (أقول الحق، كل الحق، ولا شيء غير الحق)، ذلك لأن هناك قاعدة هامة وهى: (أنصاف الحقائق ليست كلها حقائق). |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
خطورة أنصاف الحقائق أو كما يقال (أنصاف الحقائق ليست إنصافًا للحقائق). فقد تأتى امرأة تشكو زوجها، وتشرح أنه ضربها أو أهانها.. وتترك النصف الآخر من الحقيقة وهو إغاظتها له بطريقة أثارته، فخرج عن وعيه أو فقد أعصابه، فضربها.. وهكذا تذكر ما حدث لها كأنه تصرف من الزوج، وليس مجرد رد فعل لتصرفها. أو يذكر إنسان أن الكنيسة قد عاقبته، أو أن إدارة عمله قد فصلته، دون أن يذكر السبب الذي من أجله قد عوقب أو فصل. المهم أن كلامه لا يعطى صورة حقيقية عما حدث. لذلك في القضايا يحدث تحقيق. والمقصود به الوصول إلى الحقيقة. وتتكامل الحقيقة حينما يبحث الأمر من جميع جوانبه. ويسمع الرأي، والرأي الآخر. ويبحث السبب والنتيجة. وأيهما الفعل وأيهما رد الفعل.. أما الذي يسمع من جانب واحد، فلا تتضح له الصورة الحقيقية. ولهذا يلجأ المحقق إلى مواجهة، أي يقف كل جانب في مواجهة الآخر. في كل قضية تعرض عليك، يمكنك أن تسأل: لماذا؟ وعلى رأى المثل (إذا عرف السبب، بطل العجب) فإن قال لك شخص مثلًا (أب اعترافي منعني أن أكلم فلانا) فلا تقل في نفسك عجبا، هل أب الاعتراف يدعو إلى الخصام؟!) ربما لو أدركت السبب لعرفت مثلا أن هذا الشخص عثرة له وسبب خطيئة، أو أنه كل مرة يلتقي به يحدثه عن أمور تتعب ضميره، وتسبب له أفكار متعبة.. أو أن يثيره ويغضبه، وخلاصة القول إنه ينطبق عليه عبارة (المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة) (1كو 15: 33) أو تنطبق عليه عبارة (اعزلوا الخبيث من وسطكم) (1كو 5: 13) أو طوبى للرجل الذي.. طريق الخطاة لا يقف. وفي مجلس المستهزئين لا يجلس) (مز 1). أنصاف الحقائق التي ليست هي حقائق، تنطبق أيضًا في اللاهوتيات: مثال ذلك من يستخدم آية واحدة، ويترك باقي الآيات المتعلقة بالموضوع. والتي بها يتكامل فهم العقيدة. كأن يتكلم إنسان على الإيمان وحده فيقول لك: مكتوب (آمن بالرب يسوع، فتخلص أنت وأهل بيتك) (أع 16: 13) مثل هذا نقول له: ضع إلى جوارها قول الرب (من آمن واعتمد خلص) (مر 16: 16) (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وأيضا قول القديس بطرس الرسول لليهود الذين في يوم الخمسين (توبوا، وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس) (أع 2: 38). نعم، إن قال لك أحد: مكتوب، قل له (مكتوب أيضا). فهكذا فعل السيد المسيح في التجربة على الجبل، مقدما الطريقة المُثلى للحوار وللرد على الأفكار وهكذا يكون الحق معناه الحقيقة كاملة. فإخفاء شيء منها قد يعطى فهما خاطئًا. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
حقوق الناس معنى الحق أيضًا هو حقوق الإنسان rights: ومن هنا جاء المثل (أعط لكل ذي حق حقه) ومن هنا جاءت أيضًا عبارة (حقوق الإنسان human rights) وهكذا كانت وزارة العدل تسمى قديما (وزارة الحقانية) وكلية القانون تسمى (كلية الحقوق) أي تدرس فيها القوانين الخاصة بحقوق الناس، ما لهم وما عليهم هنا كلمة حق ليست بمعنى صدق. وليس عكسها الكذب أو شهادة الزور، إنما عكسها هنا الظلم الذي تضيع فيه الحقوق. ولعل من اشتقاقها هنا عبارة يستحق أو لا يستحق. أى من حقه كذا، أو ليس من حقه. وبنفس المعنى وبخ اللص اليمين عل الصليب زميله اللص الآخر قائلا: (أما نحن فبعدل جوزينا، لأننا ننال استحقاق ما فعلنا) (لو 23: 41). ومن هنا أيضًا تأتى عبارة (يتناول باستحقاق من الأسرار المقدسة) أو يتناول بغير استحقاق (1كو 11: 27) أي ليس من حقه أن يتناول، فمناولة الأسرار تأخذ حقها من التوبةونقاوة القلب. لعله بنفس المعنى قال الابن الضال لأبيه (لست مستحقا أن أدعى لك ابنًا) (لو 15: 21) وقيل أيضًا (الفاعل مستحق أجرته) (مت 10: 10) (لو 10: 7). |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
الحق ضد الباطل معنى آخر للحق، وهو أنه ضد الزيف أو ضد الباطل. فالذهب الحقيقي غير الذهب الزائف. والزواج الحقيقي (أي الشرعي) عكس الزواج الباطل أي غير الشرعي. وهكذا يقال عن السيد المسيح إنه (النور الحقيقي) (يو 1: 9) وقيل عن يوحنا المعمدان (لم يكن هو النور، بل ليشهد للنور) (يو 1: 8). قال السيد المسيح عن نفسه (أنا هو نور العالم. من يتبعني لا يسلك في الظلمة) (يو 8: 12) وقال لنا (أنتم نور العالم) (مت 5: 14) ولكنه هو النور الحقيقي، لأنه نور في ذاته. أما نحن فلسنا كذلك، وإنما بنوره نعاين النور. نور الشمس نور حقيقي. أما نور القمر فليس كذلك، بل هو مجرد انعكاس نور الشمس عليه، وبدون نورها يصبح مظلمًا. هنا كلمة حق أو حقيقي بمعنى True أو Genuine تدخل في أمور عديدة: قد يقول شخص إنه ابن في الاعتراف لكاهن معين، ولا يكون ابنًا بالحقيقة لأنه لا يطيعه ولا يستشيره. وقد يقول شخص إنه قد تاب، ولا يكون تائبا بالحقيقة لأنه في كل مرة يترك الخطية، يرجع إليها مرة أخرى. وقد يقول شخص إنه يصلى، وهو ليس مصليا بالحقيقة لأنه يكلم الرب بشفتيه، وقلبه مبتعد عنى بعيدًا. وقد يقول شخص إنه صائم، وليس هو صائم بالحقيقة، إنما هو مجرد إنسان نباتي، يتناول الأطعمة النباتية ويحرص أن تكون شهية. وليس له ضبط نفس أثناء الصوم، ولا ينطبق عليه قواعده الروحية. هكذا بالنسبة إلى الله، هو الإله الحقيقي وحده (يو 17: 3). لأن كثيرين دعوا آلهة، كمجرد لقب، ولم يكونوا آلهة بالحقيقة. كما ورد في المزمور (الله قائم في مجمع الله. في وسط الآلهة يقضى) (مز 82: 1) (ألم أقل أنكم آلهة، وبنى العلى تدعون ولكنكم مثل البشر تموتون، وكأحد الرؤساء تسقطون) (مز 82: 6، 7). قال الرب لموسى (جعلتك إلها لفرعون) خر 7: 1) ولكن بمعنى (سيد) وليس بمعنى خالق، أو كلى القدرة أو موجود في كل مكان. وقيل أيضًا أن آلهة الأمم شياطين (أو أصنام) (مز 96: 5) هنا الفرق بين الحق والزيف. وبنفس الوضع تكلم بولس الرسول عن الأرامل: فقال (ولا يثقل على الكنيسة، لكي تساعد هي اللواتي هن بالحقيقة أرامل) (1تى 5: 16). وبنفس الوضع أيضًا يمكن التكلم عن المؤمن الحقيقي، وأبناء الله بالحقيقة. كثيرون لهم اسم أبناء الله، ويصلون قائلين (أبانا الذي في السموات) ولكنهم ليسوا أبناء بالحقيقة، ولا ينطبق عليهم قول القديس يوحنا الرسول (المولود من الله لا يخطئ، والشرير لا يمسه. ولا يستطيع أن يخطئ، لأنه مولود من الله) (1يو 3: 9) (1يو 5: 8 1) ولا ينطبق عليه قول الرسول عن الرب (إن علمتم أنه باتر هو فأعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه) (1يو 2: 29). كذلك من يقول إنه مؤمن، ولا يبرهن على إنه بأعماله. يقول القديس يعقوب عنه (هل تريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل أن الإيمان بدون أعمال ميت) (يع 2: 20). بل أن القديس بولس الرسول يقول عبارة خطيرة هي (جربوا أنفسكم هل أنتم في الإيمان. امتحنوا أنفسكم) (2كو 13: 5) بل ما أصعب تلك العبارة التي قالها الرب لملاك كنيسة ساردس: (إن لك اسمًا أنك حي، وأنت ميت) (رؤ 3: 1). كلمة حي هنا ليست اسمًا حقيقيا يستحقه ذلك الراعي. لأنه ليس حيا بالحقيقة، إنما هو ميت روحيًا. إنما يبدأ الحق بالقيم التي يراعيها الإنسان في حياته. كل ما يتمشى مع القيم الروحية هو حق. وكل ما يتفق والعقائد اللاهوتية السليمة هو حق وغير ذلك زائف وزائل. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
ضياع الحق والحق أيضًا ضد الرياء، ذلك لأن الرياء ضد الحقيقة. لأن فيه زيفًا، إذ أن الداخل عكس الظاهر من الخارج. ولهذا السبب وبخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين المرائين، لأنهم كانوا مثل القبور المبيضة من الخارج وفي الداخل عظام نتنه (مت 23: 27). فالمرائي يتظاهر بما ليس فيه. يعطى صورة جميلة عن نفسه، وحقيقته غير ذلك تماما. النفاق أيضًا ضد الحق: لأنه مديح باطل للغير، أو دفاع عنه. بينما الحقيقة غير ذلك. وما يعتقده وما يوجد في قلبه عكس ما يقوله بلسانه. ويضيع الحق أيضًا تحت ستار المجاملة أو (الحب)، أو تحت ستار الحب الزائف. وقد يدعى أنه صديق لشخص آخر، بينما يجره معه إلى الهاوية، أو يشجعه على الخطأ، ويكون هذا التشجيع ضد الحق، يجعله يستمر فيما هو فيه من خطأ. وقد يدعى أنه يحبه، بينما هو بهذا (الحب) الزائف يضيعه تماما. كالأم التي تظن أنها تحب ابنها، فتدللـه تدليلًا يفسده. ولا يكون حبها له حبا حقيقيا له القيم الحقيقية للحب وقد يدعى شاب أنه يحب فتاة، بينما تكون علاقته بها شهوة وليست حبا. وتحت ستار ما يسميه (حبًا) يضيع أخلاقها وسمعتها ومستقبلها ( ولا يمكن أن يكون ما بينهما حبا بالمعنى الحقيقي للحب مادام قد خلا من القيم. وفى هذا المجال، نذكر أيضًا من يدافعون دفاعًا باطلًا عن المخطئين، وينسون قول الكتاب: مبرئ المذنب، ومذنب البريء، كلاهما مكرهة للرب (أم 17: 15). لماذا؟ لأن كليهما ضد الحق. وقد ينفر البعض من عبارة (مذنب البريء) إذ يرى فيها ظلمًا. ولكن ما أكثر ما يوجد مبرئ المذنب، ظانًا أن هذا لونا من الإشفاق والرحمة ولكن هذا الإشفاق ضد الحق من جهة. ومن جهة أخرى لأنه ليس إشفاقًا حقيقيًا. فالمشفق الحقيقي هو الذي يقود المذنب إلى التوبة، ومن شروط التوبة الاعتراف بالذنب، والإقلاع عنه. أما تبرئة المذنب فإنها تشعره بأنه لم يفعل خطأ، فسيتمر فيما هو فيه، ويفقد الندم وانسحاق القلب. ويكون من برأه قد أضر به.. وقد يبرئ إنسان شخصا مذنبا، ويكون ذلك عن جهل. ويكون هو أيضًا مكرهة للرب، لأنه لم يبحث عن الحقيقة، أو على الأقل فعل ما هو ضد الحقيقة ولو عن جهل وربما فيما يكون مبرئا لشخص مذنب، يكون مذنبا لشخص آخر برئ، يكون قد ظلمه بهذا وأساء إليه. وفي كل الحالات هو بعيد عن الحق، أو ظالم للحقيقة.. ونصيحتي لمثل هؤلاء دافع عن الحق، بدلا من أن تدافع عن شخص. وقد يكون دفاعك عنه ضد الحق. ولكي تدافع عن الحق، ينبغي أن تعرف الحق. وكثيرون ليست لهم هذه المعرفة وقد يسيرون في جو من الشائعات. وقد يتلقون المعلومات عن أشخاص هم أيضًا ليست لهم المعرفة الحقيقية. وما أكثر ما نجد أشخاصا يقول الواحد منهم (أنا أدافع عن الحق، بينما يكون ما يدافع عنه بعيدا عن الحق تمامًا.. أو قد يوجد إنسان يدافع عن الحق، أو عما يظنه حقا، بأسلوب بعيد عن الحق تمامًا. أو يتجاوز حقه في الكلام، أو يقول كلاما ليس من حقه أن يقوله، أو يلجأ إلى طرق التشهير والإدانة والإيذاء وجرح شعور الآخرين، أو نشر المعلومات خاطئة. ويكون بذلك قد أساء إلى غيره إساءة كبيرة، ووقع في أخطاء عديدة يدينه الله عليها. ويبدو أنه يدافع عن (الحق ) بطريقة غير قانونية! ويمكن أن يسأله البعض (وهل من حقك أن تفعل هكذا؟!) ويكون الحق قد ضاع في دفاعه عن (الحق) أو عما يظنه أنه حقًا. إّذا أردتم أن تتمسكوا بالحق، ابعدوا عن الشائعات، ولا تصدقوا كل خبر يصل إليكم وتذكروا أن الذي ضد الحق، هو ضد الله نفسه. فلماذا؟ لأن الله هو الحق. هو الحق المطلق. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
الحق هو الله قال السيد المسيح له المجد (تعرفون الحق، والحق يحرركم) (يو 8: 32) وقال أيضًا (أنا هو الطريق والحق والحياة) (يو 14: 6). فالذي يبعد عن الحق، إنما يبعد عن الله. وهنا الخطورة. والإنسان الحقاني هو إنسان عادل. وإنسان له قيم في الحياة يسير بموجبها. والإنسان الحقاني فيه روح الله، لأنه روح الحق (يو 14: 17) (يو 15: 26). إذن البعيد عن الحق، بعيد عن روح الله. الذي ينفصل عن الحق، ينفصل عن الله. كذلك الإنسان الحقاني لا يكيل بكيلين: لمحبيه بكيل، ولغيرهم بكيل آخر. ويكون في ذلك قد انفصل أيضًا عن الحق. لما انفصل الشيطان عن عشرة الله، قال عنه الرب (إنه كذاب وأب لكل كذاب) (يو 8: 44) وقال عنه (ذاك كان قتالا للناس منذ البدء، ولم يثبت في الحق، وليس فيه الحق) (يو 8: 44). انظروا أية عقوبة عوقب بها حنانيا وسفيرا لأنهما لم يقولا الحق. وقال القديس بطرس لحنانيا (أنت لم تكذب على الناس، بل على الله) أع 5: 4) |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
10) مفهوم المعرفة: المعرفة لقد أعطانا الرب عقلا يمكنه أن يعرف: ولكنه أراد لنا أن نعرف ما يفيدنا وينفعنا. وأيضا ما يفيد وينفع الآخرين، أفرادا كانوا أو جماعات. غير أن المشكلة التي قابلت الإنسان منذ البدء، هي أنه أراد أن يعرف وحسب، ولو أن يعرف الشر كان الإنسان الأول يعرف الخير فقط. ولكنه أكل من شجرة معرفة الخير والشر.. فصار يعرف الشر أيضًا. وبهذا أضر نفسه. تأكد من سلامة كل معرفة تصل إليك. وتأكد من فائدتها قبل أن تقبلها. واعرف أن المعرفة ليست غاية في ذاتها، وإنما هي وسيلة لمنفعتك. اختر إذن هذا اللون من المعرفة النافعة. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
أنواع من المعرفة هناك معرفة حسية تأتى عن طريق الحواس، يعرفها الناس بالنظر، أو باللمس، أو بالشم، أو بالسمع. وهناك معرفة تأتى عن طريق العقل، يعرفها بالدراسة أو الاستنتاج. وهناك معرفة هي نوع من الكشف الإلهي أو الإعلان الإلهي: يكشف بها الرب لقديسيه ما يريد لهم أن يعرفوه. وذلك بواسطة الروح القدس الذي قيل عنه في سفر إشعياء النبي (روح الحكمة والفهم.. روح المعرفة) (أش 11: 2) وهى التي كان يطلبها المرتل في صلواته قائلا (عرفني طرقك فهمني سبلك). إنها أعظم معرفة، هذه التي نقول عنها في القداس الغريغورى (أعطيتني علم معرفتك) هذه أيضًا التي قال عنها السيد المسيح في مناجاته للآب (هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك..) (يو 17: 3) وقال أيضًا "أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك، أما أنا فقد عرفتك" (يو 17: 25) وقال عن تلاميذه في منحه لهم لهذه المعرفة الإلهية (عرفتهم اسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم) (يو 17: 26) إذن هي المعرفة التي تقود إلى محبة الله، وإلى سكناه فينا. العالم شغوف أن يبحث عن المعرفة التي تعطيه فكرة عن القمر والكواكب، بسفن الفضاء التي تكلفه أموالا طائلة جدا . ولكن ليس بنفس الشوق إطلاقا إلى معرفة الله.. إنه يسعد جدا أن أحضر بعض حجارة من القمر، أو بعض صور، لأنها تعطيه بعض المعرفة عن الطبيعة التي من خلق الله دون أن يسعد بمعرفة الله ذاته.. ونفس الكلام يقال عن كثير من الاكتشاف التي يقوم بها الإنسان.. وهناك معرفة تأتى من الآخرين. عن طريق الكتب، أو صحف، أو الأفلام، أو وسائل الإعلام المتعددة.. ومعرفة تأتى عن طريق الأصدقاء أو الزملاء.. وهناك معرفة تأتى عن طريق الشيطان. إما يلقيها إلى أذهان الناس، كما فعل مع حواء. وقد يلقى الشيطان معرفة ما عن طريق فكر أو حلم أو بواسطة أحد جنوده.. وقد تكون معرفة كاذبة. أو قد تكون صحيحة، ولكنه لم يستغلها من أجل غرض سيء.. وربما يسعى الإنسان بنفسه ليحصل على معرفة من الشيطان عن طريق السحر، أو استشارة الموتى أو الأرواح، أو بطرق عديدة.. هذا الذي نهى عنه الوحي الإلهي بقوله (لا يكن فيك من يعرف عرافة، ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر، ولا من يسأل جانا أو تابعة، ولا من يستشير الموتى. لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب) (تث 18: 10، 11) ومن أمثلة من وقعوا في هذا الأمر شاول الملك، حينما طلب المعرفة عن طريق صاحبة جان كانت عرافة في عين دور (1صم 28: 7) ومن أمثلة هؤلاء أيضا: من يلجئون إلى المنجمين، وإلى قارئي الكف والفنجان، وإلى ضاربي الرمل، وإلى استشارة الأرواح عن طريق التنويم المغناطيسي أو البندول، وما أشبه.. من الأمور التي وصفها الرب بأنها رجس الأمم (تث 18: 9، 12). ما الذي تعرفه من يقينية هذه الأخبار، أو مدى استخدامها للضلالة..؟! اعرف جيدا أن الشيطان إن أعطاك معرفة ما، لا يعطيها لك مجانا، أو بدون مقابل. ولا يعطيها بدون هدف شيطاني يريد الوصول إليه للإضرار بك، أو لجعلك تحت سلطانة أو تحت إرشاده.. نوع آخر من المعرفة هو أن تعرف نفسك. هذه الحكمة التي دعا إليها سقراط الفيلسوف: (اعرف نفسك). وما أعظم الفوائد التي تحصل عليها من معرفة النفس. تعرف أنك تراب ورماد، لكي تتضع. وتعرف خطاياك لكي تندم وتتوب وتنسحق. وتعرف طبيعتك وحروبك، لكي تنجو منها. بل تعرف مواهبك، لكي تستخدمها لتمجيد الله. معرفة أخرى هي أن تعرف كتاب الله وصاياه كما قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس (وأنت منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص بالإيمان) (2تى 3: 15) هذا الكتاب الذي هو (نافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر) (2تى 3: 16) وهو الذي بمعرفته تعرف طريق الرب، وتعرف كيف سار فيه القديسون. وبهذه المعرفة تدخل إلى الحكمة والتمييز. وتعرف ما هو الخير لك، وتميز طريق الله وضلالة الشياطين وحيلهم. بل إن عرفت هذا (تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا) (1تى 4: 16). وبهذه المعرفة تميز بين الأرواح. كما قال القديس يوحنا الرسول (لا تصدقوا كل روح. بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله. لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم) (1يو 4: 1). أيضا أعرف غيرك، لكي تعرف كيف تتعامل معه. وهذا كما ينطبق في محيط الصداقة، وفي محيط العمل والحياة الاجتماعية، ينطبق أيضًا في محيط الأسرة. حيث يعرف كل من الزوجين طبيعة شريكه في الحياة وكيفية التعامل معه. بل ويعرف نفسية الطفل وكيف يعامله. وفي الحياة الاجتماعية يعرف نفسية المعاق، ونفسية العاقر، ونفسية المراهق، وكيف يتعامل مع كل هؤلاء.. اعرف الله. واعرف أنه يراك حيثما كنت. ويعرف أفكارك ونياتك وشهواتك وخطاياك، لكي يدركك الخجل من كل فكر شرير ومن كل شهوة بطالة. بل ضع أمامك العبارة التي كررها الرب في كل رسائله إلى ملائكة الكنائس السبع التي في آسيا: (أنا عارف أعمالك) (رؤ 2، 3) وبهذه المعرفة تدخل إلى قلبك مخافة الله.. اهتم بمعرفة الحق. وإن عرفته اتبعه. وما أجمل قول داود النبي في المزمور الكبير (اكشف عن عيني، لئلا تعاينا الأباطيل) (مز 119) وحاول أن تعرف أيضًا احتياجات الناس، لكي تدبرها لهم. وأن تعرف طريق الخلاص، لكي تمشى فيه، وتقود الناس إليه. واحترس من المعارف التي فوق مستواك. التى قال عنها أيوب النبي (قد نطقت بما لم أفهم. بعجائب فوقى لم أعرفها) (أى 42: 3) فكثير من الناس يبحثون في الإلهيات فوق مستواهم فيضلون.. وكثيرون يبحثون في أمور خاصة بعالم الأرواح فتضل أفكارهم.. أما أنت فتواضع.. وابحث عن الأمور التي توصلك إلى خلاص نفسك. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
المعرفة الضارة هناك معرفة ضارة جدا، مثل التي وقع فيها أبونا آدم وأمنا حواء. وكانت النتيجة أنهما فقدا البراءة والبساطة التي كانت لهما. وعاشا في ثنائية الخير والشر، الحق والباطل، الحرام والحلال، هذه الثنائية التي عاش فيها أولادهما إلى يومنا الحاضر. ولذلك ما أصدق قول الحكيم في سفر الجامعة: "الذي يزداد علمًا، يزداد غمًا" (جا 1: 18). ويقصد طبعا معرفة الإنسان بأمور تضره، ليست من صالحه. ويجمع في فكره أشياء تؤذيه. وللأسف يدعى أن معرفة تلك الأمور الضارة لونا من الثقافة العامة!! لذلك قال أحد الآباء الروحيين كلمة لطيفة جدا وهى: أحيانا نجهد أنفسنا في معرفة أمور، لسنا نلام في يوم الدين على جهلنا إياها. فإن كنا لا نلام على معرفة هذه الأمور، فكم وكم يحاسبنا الله على معرفة الأمور التي تضرنا، ونتائجها السيئة علينا. ضع في ذهنك مدى نتائج تلك المعرفة الضارة. ما يدخل في ذهنك من معارف، يؤثر على حواسك ومشاعرك، وقد يؤثر على علاقتك بالآخرين. بل بالأكثر من هذا يخزن في عقلك الباطن.. ثم يخرج من عقلك الباطن، على هيئة ظنون أو أفكار أو أحلام.. وإذا بهذه المعرفة التي أخذتها قد امتدت في داخلك وخارجك إلى نطاق واسع، وقد لا تستطيع أن تحد انتشارها ومدى أضرارها علينا إذن أن نستخدم قدرة عقلنا في المعرفة، في ما ينفعنا وينفع غيرنا. كم من أناس بكوا بدموع بسبب معارف خزنوها في أذهانهم. وقالوا يا ليتنا ما كنا عرفنا، سواء بالقراءة أو الحواس.. ويحتارون كيف يمكنهم إخراج ما في ذهنهم من معلومات رسخت فيه.. مثلهم في ذلك مثل الذين وقعوا في إدمان نوع من المخدرات Drugs، وأصبحوا عاجزين عن الخروج من سيطرة ما قد أدمنوا عليه.. هناك ألوان من المعرفة تغير نظرة الإنسان إلى كثير من الأمور، وتغير نظرتهم أيضًا إلى بعض الناس. أمنا حواء: بعد أن أخذت من الحية معرفة ضارة خداعة، تغيرت نظرة حواء إلى شجرة معرفة الخير والشر، التي كانت في وسط الجنة، وربما كانت تراها كل يوم.. بعد ما دخل ذهن حواء من معرفة (رأت أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر) (تك 3: 6) وبعد أن تغيرت نظرتها هذه إلى الشجرة، دخلت شهوة الأكل منها إلى قلبها (فأخذت من ثمرها، وأكلت وأعطت رجلها معها فأكل). مثال آخر للمعرفة وهو الشك. وكما قال أحد العلماء: سهل أن يدخل الشك إلى عقل إنسان. ولكن ما أصعب خروج هذا الشك من عقله. فإن أملت أذنك لمن يلقى في قلبك شكا من جهة إنسان بإثباتات معينة قد تكون زائفة.. أو إن سمحت لنفسك أن تقرأ قراءات خطرة تشكك في الإيمان أو في الكتاب.. قد تبذل جهدا كبيرا للخروج من هذا الشك.. وقد يبقى معك فترة طويلة، إلى أن تفتقدك النعمة، فتريحك منه.. لذلك يلزم أن يدقق كل إنسان في اختيار مصادر معرفته. احتفظ بنقاوة فكرك، ولا تلوثه بمعرفة ضارة. وينبغي أن تدقق كثيرا في كل ما نقرأه، وكل ما تسمعه، وكل ما تراه. وتدقق أيضًا في اختبار الأصدقاء الذين يصبون معلومات في أذنيك، أو ينقلون خبرة أمور ضارة، أو أخبارا ضارة، أو أفكارا متعبة.. ولا تسمح لكل تلك المعرفة أن تثبت في ذهنك، إلا بعد أن تتحقق منها تماما، وتعرف الحق فيها من الباطل والزيف.. ولا تظن أن الأفكار عواقر، بل ما أكثر ما تلد أفكارا أخرى كثيرة. بل ربما كلمة واحدة تصل إلى ذهنك، فتلد حكاية أو حكايات. وأعرف أن الوقاية من الفكر، خير بكثير من قبوله ثم محاولة التخلص منه.. واحترس جدا من نقل المعرفة والأفكار.. ربما تصل إليك معرفة تضرك. وتنقلها أنت بدورك إلى غيرك فتضره. ثم بعد أن تقاسى من تلك المعرفة، تحاول أن تتخلص منها. وربما تتخلص بنعمة من الرب. ولكن ما نقلته إلى الغير لا يزال ثابتا فيه، تضره معرفته.. وتكون أنت مدانا عن ضرر غيرك، لأنك كنت السبب فيه. وحينئذ لا تتعبك خطيئتك في معرفتك، بل تتعبك خطيئتك في نقل تلك المعرفة الضارة إلى غيرك. إنه ماضيك الذي يطاردك: المعرفة الضارة التي نشرتها. سواء نقلتها بالكلام، أو بالكتابة، أو بطرق حسية كثيرة.. ومن ذلك فإن الذين يقعون في التشهير بالغير، الذين ينقلون أخبارًا سيئة عن أخطاء الغير، أو ما يظنونها أخطاء، أو ما يخترعونها.. ويل لهم إذا استيقظت ضمائرهم، وبدأت تلومهم على ما كانوا يقولونه من قبل. ويدخل في هذا النطاق الذين يطلقون الشائعات أو ينشرونها، سواء بقصد الإيذاء أو لمجرد التسلية الخاطئة بالتحدث عن أسرار الآخرين، التي يلذ لهم الحديث عنها إما كما هي، أو بإضافة استنتاجات من خيالهم.. |
رد: كتاب عشرة مفاهيم
معرفة التافِهات إن عقلك مثل كومبيوتر، له طاقة معينة في جميع المعلومات. فلا تشغل جزءا كبيرا فيه بأمور تافهة، تعطله عن تسجيل ما ينفعه.. وهكذا لا تخزن فيه إلا ما تحتاج إليه وما يلزمك في حياتك بحيث تخرج منه تلك المعرفة في الوقت المناسب، لهدف نافع.. واعلم أن تخزنه في عقلك لابد سيخرج منه أردت أو لم ترد.. وربما معلومات قد خزنتها في عقلك الباطن منذ سنوات، تجدها تخرج من ذاكرتك في موعد لا تتوقعه، أو في مناسبة ما كنت تدريها. البعض يستخدم عقله في جميع معارف فانية وباطلة. قد لا تكون في حد ذاتها خطية ولكنها أمور تافهة تشغل عقله، وتعطل هذا العقل عن الانشغال بالروحيات والإلهيات، أي أنها تعطل العمل الإيجابي في بناء حياتهم الروحية، وفي تعطيل ذهنهم عن التأمل النافع وقد ينقلون هذه المعرفة التافهة إلى الآخرين. في أحاديثهم التي تشغل آذان الناس وأذهانهم، وبالتالي تشغل أفكارهم أيضًا، دون أية فائدة من ذلك كله إلا ضياع الوقت الذي يمكن استخدامه فيما ينفع. يا ليت عقلك لا تشغله إلا المعرفة التي تبنيه، وتكون سببا في تقوية شخصيته، والسمو بإنسانيته ونموه الروحي.. وفي نفع الإنسانية أو المجتمع الذي تعيش فيه.. |
الساعة الآن 09:31 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025