منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كتب البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   كتاب المحبة قمة الفضائل (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=237654)

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:50 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
محبة الخير

الذي يحب الله، بالضرورة يحب الخير ويحب حياة القداسة.
محبة الإنسان لله توصل إلى محبة الفضيلة. كما أن محبة الفضيلة توصل أيضًا إلى محبة الله، وتجعله يرتفع عن مستوى الصراع مع الخطية، لأنه ما عاد يحبها، بل أصبح يشمئز منها. لأنه ثبت في الله، ولله نور، والخطية ظلمة، ولا شركة للنور مع الظلمة..
الذي يحب الله، يصبح هيكلًا للروح القدس، والروح القدس يسكن فيه، ويعمل به ومعه. وهو لا يمكن أن يسمح لنفسه بأن يخزن روح الله الذي فيه بخطية من الخطايا، لذلك لا يخطئ..
وهو يعرف تمامًا أنه لو أخطأ، يقول له الرب كما قال لملاك كنيسة أفسس (عندي عليك أنك تركت محبتك الأولي) (رؤ2).
ولكن الإنسان المحب لله حقًا، هو ثابت في محبته، وثابت في حياة القداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب.
وفي محبته للخير، لا يجاهد للوصول إلى التوبة لأنه قد اجتاز هذه المرحلة، إنما كل جهاده هو للنمو في حياة البر وعمل الخير. إنه جهاد إيجابي، وليس جهادًا سلبيًا. هو انتقال في حياة القداسة من درجة إلى درجة أعلي،. إنه جهاد لذيذ بلا تعب داخلي.
فهو في محبته للرب، قد دخل إلى راحة الرب، واسترحت روحه فيه. دخل إلى سبته الروحي الذي لا ينتهي، يتدرج فيه خير إلى خير أكبر بلا تغضب، بل في متعة روحية، يفعل الخير تلقائيًا بلا غضب..
هذا الذي يحب الخير لا يحتاج إلى الوصية التي تدعوا إلى الخير. بل يصنع الخير بطبيعته الخيرة، إذ صار الخير من مكونات طبيعية كصورة الله.
الذي يحب الله ويحب الخير، يفعل الخير كشيء عادي طبيعي، كالنفس الذي يتنفسه، دون أن يستشعر في داخله أنه يعمل شيئًا زائدًا أو عجيبًا، دون أن يأخذه الزهو بما عل. ولهذا فهو لا يفتخر مطلقًا بشيء من فضائله، لأنه يراها شيئًا عاديًا وثانيًا لأنه من محبته لله، ينسب كل شيء حسن يعمله إلى عمل الله. كما قال بولس الرسول (لا أنا بل نعمة الله العاملة معي) (1كو15).

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:51 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
لماذا نحب الله؟
من
كتاب المحبة قمة الفضائل - البابا شنوده الثالث

https://3.bp.blogspot.com/-8uSZx63HUK...400/pope1.jpeg

فلنأخذ سفر النشيد الذي يعطينا مثالًا عم محبة النفس لله. فلماذا كانت تحبه؟

1* أول كل شيء، هو أن حب الله متعتها ولذتها:

نقول له (حبك أطيب من الخمر) (نش2:1). إنها محبة تسكر. تنتشي بها النفس. بل تقول (أني مريضه حبًا) (نش5:2). أي أن محبة الله قد دغدغت جسمها، فلم تعد تحتمل تلك الطاقة الجبارة من الحب الإلهي.

جسدها أضعف من طاقات الروح. فلم تعد طاقة الجسد تحتمل الحب الإلهي، فأصبحت مريضة حبًا..

إنسان ترتفع درجة حرارة جسده، إذ هو مريض جسديًا. وإنسان آخر ترتفع بالحب درجة حرارة روحه، فإذا هو مريض حبًا.. (مدروخ) من الحب الإلهي. مثلما قيل لبولس الرسول (كثرة الكتب حولتك إلى الهذيان يا بولس) (أع26: 24).

هذا الهذيان البولسي المقدس، نشتهي نحن جميعًا أن نصاب به.

إنسان من فرط الحب الإلهي الذي فيه، يتكلم كلامًا لا يفهمه الناس، ويشعر بشعور لا يدركه الناس، فيحسبونه يهذي!


مشكلة أهل العالم، أن محبة العالم تتصارع فيهم مع محبة الله. فالجسد يشتهي ضد الروح التي تشتهي الله (غل5: 17).

فهم يتلذذون بالعالم، فيما يريدون أن يحبوا الله!! وهكذا يجود في حياتهم شيء من التضاد ومن التناقض، ومن الصراع، بغير استقرار.


أما الإنسان الذي يحب الله حقًا، ومحبة الله هي متعته، فليس فيه صراع ولا تضاد. ولا يتعب في تنفيذ وصيه الله، لأنه لذته..

أنه يتغني بوصايا الله، كما تغني بها داود في مزاميره (وصاياك هي لهجي) (سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي) (محبوب هو أسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي) (مز119). أو كما تقول عذراء النشيد (أسمك دهن مهراق) ونترجمها في القداس الإلهي (طيب مسكوب هو أسمك القدوس).

(طيب مسكوب هو أسمك، لذلك أحبتك العذارى) (نش1: 3) ونعني بالعذارى النفوس التي لم تعطي ذاتها لأخر، إذ أحبت الرب من كل القلب. سواء أكانت هذه النفوس من البتوليين، أو المتزوجين. لذلك فإن الكتاب لقب كل اللذين يخلصون بخمس عذارى حكيمات.


2* النفس تحب الله، لأنها لا تجد له شبيهًا.

كما نغني له في التسبحة ونقول (من في الآلهة، يشبهك يا رب؟! أنت الإله الحقيقي، صانع العجائب).

أن اله، إذا قارنا محبته بكل مشتهيات العالم، وكل آلهته، نجده يفوقها جميعًا، لذلك تقول عذراء النشيد:

( حبيبي أبيض واحمر، معلم بين ربوه) ( نش5: 10).

أبيض في نقاوة قلبه، وفي أنه النور الحقيقي.. وأحمر في الدم المسفوك لأجلنا ولأجل خلاصنا.. وهو مميز بين ربوة، أي أن وضعت حبيبي بين عشرة آلاف، ا جده مميز بينهم.. متى إذن يتميز الله في قلبك عن كل مشتهيات الدنيا وكل سكانها وتجده يفوقهم جميعًا..؟

كل شهوات العالم زائلة، تنتهي بعد حين، أما محبة الله، فتبقي إلى الأبد. شهوات العالم سطحية، أما محبة الله فلها عمق ولها قدسية. وترفع مستوى الإنسان.

في حين أن شهوات العالم تهبط بمستواه..

كلما أحبك يا رب، ترفعني إليك لأعيش في السماوات. أما إن أحببت العالم، فإنه يهبطني معه إلى الأرض، إلى التراب والأرضيات..


3* نحن أيضاَ نحب الله من أجل بهائه.

إنه (أبرع جمالًا من بني البشر) (مز45: 2).

تناديه عذراء النشيد فتقول (ها أنت جميل يا حبيبي) (نش 1: 16). فهل حقًا نري الله كذلك؟

ربما إنسان يسير في طريق الله، فيجد أن الباب ضيق، والطريق كرب (مت7: 14). ويجد أن الوصية ثقيلة، ولولا خوف الأبدية ما كان يستمر. فيقول للرب: من أول معرفتي لك، عرفت التجارب والضيقات (يو33:16). وعرفت الصليب وهكذا لا يري الحياة مع الله جميلة!!

أما الذي يحب الله، فكل شيء في عينيه: الله وصليبه، وتجاربه ووصاياه.

ويري الطريق حلوًا، مهما كان ضيقًا.. يكفي أنه يوصل إلى الملكوت.. ولا تحزنه التجارب، إذ يري فيها بركاتها، فيغني مع يعقوب الرسول (احسبوه كل فرح يا إخوتي، حينما تقعون في تجارب متنوعة) (يع1: 2)، . وينشد مع بولس الرسول (افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضًا افرحوا) (في 4:4)

ومن أجل محبته لوصايا الله، يقول مع يوحنا الرسول إن (وصاياه ليست ثقيلة) (1يو3:5).

عذراء النشيد تغني بجمال الرب فتقول.

(حلقة حلاوة. كله مشتهيات) (نش16:5) (فتي كالأرز، طلعته كلبنان) (نش15:5).. وتشرح باقي صفاته. حقا إن الوجود مع الله، هو شهوده نشتهيها. وكما قال الآباء إن القداسة هي استبدال شهوة بشهوة، إذ نترك شهوة العالم، لنحظى بشهوة التمتع بعشرة الله.. نشتهي الله وكل ما يتعلق به، وكل ما يوصلنا إليه. ونجد فيه لذتنا وفرحنا ومعه لا يعوزنا شيء..

ما أجمل التأمل في صفات الله. إنها تغرس محبته في القلب.

الله المحب، الطويل الروح، والكثير الرحمة، الجزيل التحنن، الذي لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا (مز103). الله الكلي القداسة، الكلي الحكمة، الكلي القدرة، المخبأة فيه كل كنوز الحكمة والعلم (كو2:3)..

الله الذي نتغنى بصفاته في القداس الغريغوري وفي تحليل آخر كل ساعة، وفي صلوات المزامير.


4* (نحب الله، لأنه أحبنا قبلًا) 1يو19:4).

هو الذي أحبنا وفدانا. لأنه (هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية) (يو16:3).. هذه هي المحبة. ليس أننا نحن أحببنا الله. بل أنه هو أحبنا، وأرسل ابنه كفارة لخطايانا) (1يو4: 10).

نحبه لأنه نقشنا علي كفه (أش49: 16). ووعدنا بأن (كل آلة صورت ضدنا لا تنجح) (اش45: 17)، وأن أبواب الجحيم لن تقوي علينا (مت 16: 18). ما أكثر وعوده المعزية..


5* نحب الله، لأنه أبونا، وراعي نفوسنا.

هو الذي تغنى داود برعايته فقال (الرب يرعاني فلا يعوزني شيء. في مراع خضر يربضني. إلى ماء الراحة يوردني. يرد نفسي إلى سبل البر) (مز 23).

هو الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف (يو 10: 11، 14). وهو الذي قال (أنا أرعى غنمي وأربضها.. وأطلب الضال، واسترد المطرود، واجبر الكسير، واعصب الجريح) (خر 16:34).

وعذراء النشيد تسميه (الراعي بين السوسن) (نش2:16) هو الأب الحاني علي أولاده، الذين يعطيهم خيراته بكل سخاء، ويهتم بهم ويغدق عليهم من عطاياه، حتى أن داود النبي يقول في المزمور (باركي يا نفسي الرب، ولا تنسي كل إحساناته، الذي يغفر جميع ذنوبك، الذي يشفي كل أمراضك، الذي يفدي من الحفرة حياتك، الذي يكللك بالرحمة والرأفة، الذي يشبع بالخير عمرك، فيتجدد مثل النسر شبابك) (مز103:1-5).

6* إننا نحب الله، لأنه قوي، يحرس ويسند.

تشعر النفس المحبة لهم، انه في حمايته، محاطة بقوة عجيبة ينقذها بذراع قوي، وبيد حصينة. فلا تخشي من خوف الليل، ولا من سهم يطير بالنهار. فهو يعزيها بقوله (إليك لا يقتربون، بلا بعينيك تنظر وتري مجازة الأشرار) لذلك فهي تغنى قائلة (الساكن في ستر العلي، وفي ظل القدير يبيت) (مز91:1-8) (إن لم يحرس الرب المدينة، فبطلًا يسهر الحارس) (مز127:1).


7* إننا نحب الله لأسباب عديدة لا تحصي.

إذ انه بمحبة الله، يعيش الإنسان في فرح دائم: يفرح بأرب الذي يقوده في موكب نصرته (2قو2:14).. وينقله من خير إلي خير. ويفرح لتمتعه بالرب، ولأن الخطية لا مكان لها في قلبه ولا مكانة. ولأن محبة الله طردتها. حقًا قد تحدث له حروب ومقاومات من الشيطان، ولكنه مقاومات من الخارج فقط، أما قلبه من الداخل فيملك عليه السلام. وهكذا تجتمع في قلبه الفرح والمحبة والسلام، والتي هي أولى ثمار الروح (غل5:22).

نحن نحب الله، لأن محبته تطرد الخوف من خارج قلوبنا (1يو4:18). فلو ملكت المحبة علي قلوبنا، لا نعود نخاف الله ولا الدينونة، ولا نخاف الناس، ولا الخطية ولا الشيطان..

نحب الله، لأنمه بمقدار محبتنا له سيكون فرحنا به في الأبدية وستكون سعادتنا.

لأن في الأبدية (نجمًا يمتاز عن نجم في المجد) (1كو15: 41). وهذا الامتياز تحدده المحبة. فحسب مقدار محبتنا يكون امتياز درجتنا ومتعتنا في الأبدية.

يا أخوتي. أريدكم أن تدربوا أنفسكم علي محبة الله. أخرجوا من مظاهر الحياة الروحية، وأدخلوا إلى عمق الحب.

وأعلموا أن محبتكم لله، هي التي تعطي روحياتكم عمقًا..

لقد أنكر بطرس سيده ومعلمه، وسب ولعن وقال لا أعرف الرجل (مت 26: 7- 74). ولكن الرب لما عاتبة بعد القيامة، لم يذكر له موضوع الإنكار، وإنما سأله قائلًا (يا سمعان بن يونا، أتحبني أكثر من هؤلاء؟) (يو 21: 15).

فأجاب بطرس (أنت تعلم يا رب كل شيء. أنت تعلم أني أحبك)..وبهذه المحبة نال المغفرة، ورجع إلى رتبته الرسولية..

أن كانت محبة الله لها كل هذه الأهمية فلعلنا نسال: ما الذي يعوق محبتنا لله؟

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:54 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
عوائق المحبة

أول عائق ضد محبة الله هو الذات.
كثير من الناس يحبون ذواتهم أكثر من محبتهم لله!! ذاتهم هي الصنم الذي يتعبدون له فيبحثون باستمرار عن رغبات هذه الذات وشهواتها، ورفعة الذات ومجدها، وكرامة الذات وانتقامها لنفسها، ومجد هذه الذات ومديح الناس لها، وشهرة الذات وعظمتها وظهورها.. وفي سبيل ذلك ما أكثر الخطايا التي يقترفونها، ويبعدون بها عن الله وعن محبته
ولذلك قال الرب..
( من أراد أن يتبعني، فلينكر ذاته..) ( مت16: 24).
وقال أيضًا (من وجد ذاته يضيعها. ومن أضاع حياته من أجلي يجدها) (مت16: 39) (مر8: 34، 35). ودعانا أن نبغض حتى أنفسنا من أجل محبته.. أي نبغض انحرافاتها التي تبعدنا عنه.. وليس فقط الذات ومحبتها وإنما أيضًا:
أسال نفسك: هل هناك محبة أخرى تنافس الله في قلبك؟

حاول أن تطرد من قلبك كل محبة أخرى ضد محبة الله، أو تزيد علي محبة الله.. لقد أحب شمشون دليله أكثر من محبة لله. ومن أجلها فقد نذره (قض16). وأحب لوط الأرض العشبة في سادوم، أكثر من عشرة آبرام ومذبح الله، فوقع في سبى سادوم. (وكان البار بالنظر والسمع.. يعذب يومًا فيومًا نفسه البارة بالأفعال الأثيمة) (2بط2: 8).
حتى المحبة المقدسة الطبيعية للأقرباء لا تجعلها تزيد عن محبتك لله،وفي ذلك قال الرب (من أحب أبًا أو أمًا فلا يستحقني، ومن أحب أبنًا أو ابنه أكثر مني فلا يستحقني) (مت 37:10). فكثيرًا ما يكون (أعداء الإنسان أهل بيته) (مت 36:10)، أن كانوا يمنعونه عن محبة الله، أو تكريس نفسه له، أو يقودونه في طرق مخالفة..
يمنعنًا عن محبة الله أيضًا: محبة العالم والجسد والمادة.
وصدق الكتاب حينما قال (محبة العالم عداوة لله) (يع4:4). (لا يحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. أن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب) (1يو15:2). لذلك هرب آباؤنا من العالم ليتمتعوا بمحبة الله.. فأن كنت أنت تعيش في العالم، فعلي الأقل تتذكر قول الرسول (ويكون الذين يستعملون العالم كأنهم لا يستعملونه،لأن هيئة هذا العالم تزول) (1كو31:17).
وما أكثر ما تقف المادة ضد محبة الله، كالمال مثلًا.
وقد أمرنا الرب بان نبعد عنه كمنافس لله، فقال (لا تقدرون أن تخدموا الله والمال) (مت6:24). وفي قصة الشاب الغني، نري أنه مضيء حزينًا، لأنه كان ذا أموال كثيرة (مت19:22). فإن كنت تملك مالًا، فلا تجعل المال يملكك. أنفقه في محبه الله والناس، فيكون لك كنز في السماء (مت19:21).
بقي الجسد، الذي تقف شهواته عقبة ضد محبة الله.
وهكذا يقول الرسول (إن اهتمام الجسد هو موت. ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام. لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله) (رو8:6،7). ويقول أيضًا (لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون. ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون) (رو8:13).
ابحث إذن هل جسدك يعوقك عن محبة الله؟
ليس فقط شهوات الجسد في الزني، وفي شهوة الطعام والشراب، وإنما أيضًا في محبة الراحة التي قد تعطلك عن الصلاة وعن الخدمة وإعانة الآخرين..
قد تعوقك عن محبة الله أيضًا: المشغوليات.
التي تستولي علي كل وقتك وكل اهتمامك، وتشغل فكرك وعواطفك، ولا تبقي لك وقتًا تقضية في الصلاة أو التأمل، أو قراءة كلمة الله، أو حضور الاجتماعات الروحية.. وهكذا تبعدك المشغوليات عن الوسائط الروحية التي تعمق محبة الله في قلبك..
نصيحتي لك أن تمسك بميزان دقيق، وتجعل لكل مشغولياتك حدًا لا تتعداه، فلا تطغي كفتها علي حياتك الروحية، لأن الرب يقول (ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه) (مر8:36).
واهتم بمحبة الله والوسائط التي تؤدي إليها، ولتكن لها المكانة الأولي في قلبك وقل مع داود النبي:
(وأما أنا فخير لي الالتصاق بالرب) (مز73:28).
لقد حدثتك عن محبة الله وأهميتها ودوافعها وموانعها. وبقي أن أتكلم معك بتفصيل عن كيف نحب الله؟ وكيف نصل إلي محبته؟..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:55 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
لن تستغني عن الله

كل إنسان متدين، يهمه بالضرورة أن يرقي إلي محبة الله. ولعل الكل يسألون: كيف يمكننا أن نصل إلي محبة الله؟ وسنضع أمامنا هنا بعض الوسائل.
لن تستغني عنه

· أنه ينبغي أولًا تتأكد من هذه الحقيقة:
إن الله هو الكائن الوحيد الذي لا يمكنك أن تستغني عنه..
سواء في هذه الحياة، أو في الحياة الأخرى..
كل خطوة من خطواتك تحتاج إلي حفظ الله وعنايته. كل طريق تسلك فيه يحتاج إلي معونة إلهية، وما أكثر ما تحتاج إلي إرشاد إلهي، وبخاصة حينما تري الطرق قد تشعبت أمامك، والأمور قد تعقدت. هنا تذكر قول الرب في الإنجيل (بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا) (يو15:5).
إن الحياة مع الله، تغرس سلامًا في القلب، وتبعد الإنسان عن الخوف، وتمنحه ثقة في وجوده.
فإن كنت لا تستغني عن الله، وهو لازم لك ولحياتك، فلتكن لك إذن علاقة معه.
وإن وصلت هذه العلاقة إلي درجة الحب، ستكون لك دالة أمامه حين تطلبه. وحتى دون أن تطلب، ستجده يدبر أموك حسب مشيئته الصالحة. وأنت نفسك ستكون مطمئنًا جدًا في تسليم حياتك بين يديه.
لا تظن في يوم ما أنك تستطيع أن تستقل بنفسك، مستغنيًا عن الله، مكتفيًا بعقليتك وما وصلت عليه من معرفة وخبرة وقوة!! فإن هذا سيقطع الصلة بينك وبين الله. وربما تشعر أيضاَ في تلك الحالة أنك لست في حاجة إلي الصلاة.
ويأتي وقت وتقع في ضيقة، فتستيقظ..
وتعود إلي الله وتقول له: لست أستطيع يا رب أن أستغني عنك. أنني محتاج إليك في مشاكلي. بل أنا محتاج أولًا إلي الصلح معك، وإلي عودة علاقتي بك، أو إلي تكوين علاقة جديدة معك.. ويسمع الرب ويتحنن ويستجيب، لكي يقودك إلي محبته.. أتراك إذن في حاجة إلي ضيقات وتجارب لكي توصلك إلي محبه الله؟!

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:57 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
اترك المحبة المضادة

* للوصول إلي محبة الله، ينبغي أن تبعد عن كل محبة مضادة، وبالتالي تبعد عن شهوات العالم..
وقد ركز الرسول محبة العالم في (شهوة الجسد، شهوة العين، تعظم المعيشة) (1يو2:6). وقال (أن أحب احد العالم، فليس فيه محبة الآب.. والعالم يبيد وشهوته معه..) (1يو15:17). ومن أجل أهمية هذا الأمر، فإن الكنيسة في كل قداس بعد قراءة الكاثوليكون، تردد علي أسماعنا قول الرسول. (لا تحبه العالم ولا الأشياء التي في العالم)
(1يو2: 15). وقد قال القديس يعقوب الرسول (إن محبة العالم عداوة لله) (يع4:4).
إنك لا تستطيع إن تعبد ربين، أو تخدم سيدين (مت6:24). فإما محبة الله، أو محبة العالم.
كلما ازدادت محبة العالم قلبك، فإن محبتك لله تقل. وكلما ازدادت محبتك لله، فعلي نفس القياس تقل محبتك للعالم وكل ما فيه، وتصبح كل شهواته تافهة في نظرك، كما قال القديس بولس الرسول (خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية، لكي أربح المسيح، وأوجد فيه) (في3: 8، 9).
أن الكنيسة بلغت قمة محبتها لله في عصر الاستشهاد، وارتبط ذلك أيضًا بقمة زهدها في العالم.
فالذي يشتهي شيئًا في العالم، لأبد أن يشتهي أيضًا البقاء فيه. أما الذي يزهد العالم وشهواته، فإنه يشتهي الانطلاق منه ليكون مع المسيح، فذاك أفضل جدًا (في1: 23).. وهكذا من أجل محبة الله، كان يشتهون الاستشهاد.. وكانت أصوات التسابيح والصلوات تملأ سجونهم، كما حدث مع بولس وسيلا وهما في سجن فيلبي (أع16: 25).

ونسمع في قصة استشهاد القديس أغناطيوس الأنطاكى، أن حينما أرسله الحكام إلى رومه لإلقائه إلى الأسود الجائعة، واراد أهل رومه المسيحيون أن ينقذوه من الموت، أرسل إليهم القديس أغناطيوس رسالة يقول لهم فيها
(أخشى أن محبتكم تسبب لي ضررًا..).
كانت في قلبه شهوة الموت، للالتقاء بالله..
أما الذي شهواته تكون في العالم، فإنه يقول مع الغني الغبي (أهدم مخازني وأبني أعظم منها، وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي. وأقول لنفسي: يا نفسي، لكي خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة. فاستريحي وكلي وأشربي وأفرحي) (لو12:18،19)..
ولم يفكر ذلك الغني في الله، ولم يرد أسمه علي لسانه ولا في فكره، لأن قلبه متعلق بماله ومخازنه وخيراته الأرضية.
حقًا كما قال الرب: حيث يكون كنزك، هناك يكون قلبك أيضًا (مت6:21) (لو12:34).
فأين هو كنزك يا أخي؟ هل هو علي الأرض حيث يفسد السوس والصدأ، وينقب السارقون ويسرقون (مت6:19)؟ هل كل كنوزك هي شهوات العالم وألقابه وأمجاده وألوان المتع التي فيه،.وهناك قلبك أيضًا!! إذن فقلبك خالي من الله. والمحبة التي في قلبك، قد تحولت إلي العالم، ولم يعد لله فيها نصيب..
أتراك تستطيع أن تستمتع بالعالم، كما فعل سليمان؟!
الذي كانت له جنات وفراديس، وعبيد وجواري، ومغنين ومغنيات، وخصوصيات الملوك، ومئات من النساء. ومهما اشتهته عيناه لم يمسكه عنهما (جا2:4-10). وفي كل ذلك ابتعد عن الله (ولم يكن كاملًا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه) (1مل11:4).. بل أنه استحق منه العقوبة التي استمرت مع نسله.
وكل ما تمتع به سليمان من متع العالم، قال عنه أخيرا (ثم التفت أنا إلي كل أعمالي التي عملتها يداي، وإلي التعب الذي تعبته في عمله، فإذا الكل باطل قبض الريح، ولا منفعة تحت الشمس) (جا2:11).
إذن، لا تجعل قلبك في شهوات العالم، فإن الباب الواسع لا يوصل إلي الملكوت (مت7:13).
متع العالم لن توصلك إلى الله، بل هي تبعدك عنه.. وان دخلت محبة العالم إلى قلبك، فسوف تري أن أفكارك ومثلك بدأت تهتز.. وحينئذ ستناقش المثاليات التي كنت تؤمن بها، وقول: وما المانع أن أفعل كذا وكذا؟! وما الخطأ وما الحرام في أن أتمتع بكذا وكذا. وتبدأ في سلسلة مساومات مع المبادئ والقيم!! والسبب في كل هذه الأسئلة والمساومات والمناقشات، هو أن محبتك لله قد قلت..
أن بدأت محبة العالم تدخل إلى قلبك، فبالضرورة محبتك لله ستقل..
فهذه هي مأساة ديماس، التي سجلها بولس الرسول بقوله (ديماس تركني، لأنه أحب العالم الحاضر) (2تي4: 9).
وهذه هي أيضًا مأساة كثيرين كان يذكرهم القديس بولس في رسائله، ثم تحدث عنهم في رسالته إلى فيلبى وهو باك وقال الذين نهايتهم الهلاك، ومجدهم في خزيهم، اللذين يفتكرون في الأرضيات) (في 3: 18- 19).
لعلك تقول: ولكني أعيش في العالم..
نعم، أنت تعيش في العالم، ولكن لا تجعل العالم يعيش فيك. كما قال القديس بولس (والذين يستعملون هذا العالم، كأنهم لا يستعملون، لأن هيئة هذا العالم تزول) (1كو7: 31).. عش في العالم كغريب عنه كما عاش آباؤنا القديسون الذين (أقروا أنهم غرباء ونزلاء علي الأرض.. يبتغون وطنًا أفضل أي سماويًا) (عب11: 13، 16).
كان بعضهم يملكون المال، ولكن المال لم يكن يملكهم لأن قلبهم كان كله لله.
ينبغي إذن أن تشعر بأن الله هو الوحيد الذي يملأ قلبك.
هو الذي يسكن في أعماقك. في أعماق الفكر والقلب. أما باقي ألوان المحبة فهي سطحية أو عابرة. ويكون لها عمق، كلما تكون نابعة بمحبة الله، وليست متعارضة معه. إذن تحب كل ما يزيدك محبة الله وكل ما يقربك إليه. وأن كنت تريد محبة الله حقًا، كن حريصًا علي كل المشاعر التي تسكن غلي قلبك، كرقيب عليها، تختبرها جيدًا هل متفقة مع محبة الله أم لا.. ولا تحاول أن تخدع نفسك أو أن تغير موازينك.
ناقش إذن مدي علاقتك بالماديات والجسدانيات.
فمحبتك لله تتناسب عكسيًا مع هذه الأمور جميعها. وتذكر أن خطية الإنسان الأول، بدأت حينما اشتهي شهوة أخري تتعارض مع محبة الله ووصيته.
ناقش أيضًا في داخلك، ما هي المحبات الأخرى التي تنافس محبة الله في قلبك؟ وكيف يمكنك التخلص منها؟ وهنا لابد أن يواجهنا سؤال هام وهو:
هل نحارب المحبات الأخرى، لتدخل محبة الله إلى قلوبنا؟ أم نبدأ بمحبة الله وهي التي تطرد المحبات الأخرى.
أتسأل بأيها تبدأ؟ ابدأ بأيها. وثق أن كلا من الطريقين يوصل إلي الآخر.
إن شعرت أن كل محبة تتعارض مع محبة الله، هي محبة زائلة وخاطئة وشريرة ولا تملأ قلبك، فحينئذ ستزهدها، وتملك محبة الله علي قلبك.. وإن بدأت نعمة الله معك، وانسكبت محبته في قلبك بالروح القدس (ور5:5)، فستجد أن محبة الله قد طردت من قلبك كل محبة معارضة..
تذكر عبارة (تحب الله من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك) (تث5:6).
وأسأل نفسك: هل حقًا كل قلبي لله؟ أم أن جزءًا بعيدًا عنه؟ وضع في نفسك أنك لا تستطيع أن تجمع بين محبتين متعارضتين، لأنه كما قال الكتاب: (أية خلطة للبر والإثم؟! وأية شركة للنور مع الظلمة)؟! (2كو14:6).
ليتك إذن تشعر ببطلان العالم وزواله وتفاهته. ونصيحتي لك أن تركز علي قراءة سفر الجامعة بعمق وفهم. وليكن الله معك..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:58 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
نحب الله بتذكار إحساناته إلينا وإلي غيرنا



من الأشياء التي تملأ قلبك بمحبة الله. أن تذكر باستمرار إحساناته إليك. وهذا أمر طبيعي جدًا. فأنك إن تذكرت جمايل إنسان عليك، أو إنقاذه لك، أو وقوفه إلي جوارك في ضيفاتك، لابد ستحبه. فكم بالأولى الله الذي إحساناته لا تعد؟!
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
هذا الأمر عرفه واختبره داود النبي فقال:
(باركي يا نفس الرب، وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس. باركي يا نفس الرب ولا تنسي كل إحساناته).
ويدخل في تفاصيل هذه الإحسانات فيقول لنفسه: (الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل أمراضك، الذي يفدي من الحفرة حياتك، الذي يكللك بالرحمة والرأفة، الذي يشبع بالخير عمرك، فيتجدد مثل النسر شبابك) (مز103: 1-5).
ويستمر في تذكر إحسانات الله فيقول:





"لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا.. كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا. كما يتراءف الآب علي البنين، يتراءف الرب علي خائفيه..).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
لذلك اجلس إلي نفسك، وتذكر إحسانات الله إليك، منذ ولادتك وإلي الآن..
اذكر ستره عليك من خطايا لو عرفها الناس، ما كانوا يقبلون أن يسلموا عليك ولا يدخلوا بيتك، ولا يدخلوك إلي بيوتهم، ولا يتعاملون معك علي الإطلاق.. ولكن الله يغرف خطاياك كلها، التي لا يعرفها أحد غيره.. ومع ذلك يستر، بل ويغفر. ويجعل الناس يحبونك، علي الرغم من كل تلك الخطايا التي سترها، وربما يطلبون صلواتك، ويمدحونك..!!
والله نفسه يدعوك ابنًا له، ويجعلك تقول له في الصلاة (أبانا الذي في السموات)..
تذكر إلي جوار ستره، إنقاذه من مشاكل عديدة:
تذكر إنقاذه لك من أمراض أصبت بها، ومن أمراض أبعدها عنك، كان يمكن أن تصاب بها،.. إنقاذه لك من مشاكل ومن ضيقات، ومن أناس أشرار ومؤامرات دبروها ضدك.. اذكر كل هذه الأمور في مطانيات شكر أمام الله. وقل له: أنا يا رب لا أستحق كل ما قدمته من معونة وحب. ليتني احبك كما أحببتني.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
اذكر أيضًا عطايا لك ومواهبه..
إن كان لك عقل أو ذكاء أو حكمة، أو جمال وجه أو جمال صوت، أو مواهب فنية أو حتى جمال خط.. مع مواهب أخري روحية.. أو موهبة في الخدمة وما أعطاك إياه من نعمة في أعين الناس، ومحبة في قلوب الآخرين.. وقل له: كم أحبك يا رب من أجل كل تلك النعم، أو كم ينبغي أن أحبك؟!
بل أيضًا تحبه من أجل إحساناته إلى أحبائك.
سواء من اقر إبائك بالجسد، أو أصدقائك أو زملائك، بل من أجل إحسانات الله إلي الكنيسة وإلي وطننا وبلادنا.. من العجيب إننا في الكوارث، نذكر من حلت بهم المصائب فنحزن ونتضايق. وفي نفس الوقت لا نذكر أحباءنا ومعارفنا الذين أنقذهم الرب وخلصهم، بوسائل تكاد تكون ضمن المعجزات!
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
إذا أردت أن تملئ قلبك بمحبة الله، لا تنسب إحساناته إلي غيره. لا تنسبها إلي الناس أو إلي نفسك.
كثيرا ما أنجح الله عملك، فكنت تنسب النجاح إلي ذكائك وقدراتك، وتنسى الله الذي ساعدك وأعانك. وتفقد سببًا يقربك إلي محبته.. وكثيراُ ينقذك، فتنسب كل الفصل إلي الإنسان، وتنسي الله الذي أرسله إليك..!
تمرض وتحتاج إلي عملية جراحية خطيرة ويجريها لم أحد الأطباء المشهورين، وتنجح العملية وتشفي. وتعزو نجاحك إلي الطبيب وعقله الجبار، وتنسى الله شافيك، وتنسى أن الله هو الذي وهب الطبيب من نبوغ وعقل جبار.. وفي نسيانك لله وعمله، تفقد الشعور بإحسانه إليك، وتفقد سببًا تحبه به..!
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
يكفى أننا لا نزال أحياء حتى هذه الساعة..
ومن محبة الله لنا،أنه أبقانا حتى الآن.. ألا نشكره ونحبه لأجل هذا الأمر.. كم اجتاحت العالم أوبئة وأمراض، ونحن نجونا ولا نزال أحياء.. كم كانت البلاد مهددة بجفاف، والرب أرسل المطر ونجي. لا يزال الله يعطينا فرصة لنعمل عملًا من أجل أبديتنًا.
يجب أن نحب الله، لأنه لم يأخذك من العالم، وأنت في حالة غفلة، أو أنت متلبس بخطية!!
إذن لكنت قد هلكت في هذا العالم، وفي العالم الآتي، واتاك الموت بدون توبة، كما حدث لحنانيا وسفيرا (أع5). ولهيرودس الملك (أع12) ولآخرين ماتوا في خطاياهم، دون أن يتوبوا..! ويطيل باله، لعل طول أناته تقودك إلي التوبة (رو2: 4).
قل له: أنا أحبك يا الله، من أجل طول أناتك علي، وصبرك وإحساناتك، علي الرغم من كثرة إساءاتي إليك.. حقًا إنك تستحق كل حب. لأن كثيرين من البشر الذين هم مثلي تراب ورماد، لم يحتملوا مني ولو إساءة واحدة بسيطة. أما أنت فحنون ومحب..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
والعجيب أننا فيما ننسب إلي غير الله الخير الذي نناله، فإننا ننسب مشاكلنا إلي الله!!
كيف نصل إلي محبة الله إن كانت كل مصيبة تصيبنا ننسبها إلي الله، ونعاتب الله عليها، ونهدده بالانفصال عن بسببها. ونظل نشكو لكل واحد من (قسوة) الله علينا، ومن إهماله) لنا ونقول: لماذا يا رب تفعل كل هذا؟! أين رحمتك التي نسمع عنها؟!
وقد تكون المشكلة بسبب الناس الأشرار، ولكننا ننسبها إلي عدم الله؟! وقد تكون بسبب إهمالنا نحن أو أخطائنا ننسبها أيضًا إلي الله!! وبهذا كله نبعد عن محبته..!
أما أنت، فكل بركة تأتيك، أنسبها غلي الله، لا إلي الناس أو نفسك. وكل مشكلة تصيبك أرجعها إلي أسبابها الطبيعية الحقيقية.
لأن الله هو مصدر كل خير، ولا يأتي شر من جهة إطلاقًا.. بهذا تصل إلي محبة الله.
والعجيب أن الله هو هو.. فعلي الرغم من أننا ننسب إحساناته إلي غيره لا يزال يحسن إلينا، وكأننا لم ننكر جميله ولم ننس إحساناته..!! أليس هذا وحده سببًا يدعونا إلي محبة الله؟..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
هناك حقيقة ليس من صالحنا أن ننساها، وهي:
كل من ينسى إحسانات الله، ويقسى قلبه كناكر للجميل.
مثل فرعون الذي كان يقسي قلبه، إذ ينسي كيف أن الله استجاب له ورفع عنه ضربات وضربات.. ومثل دليلة التي تقسي قلبها علي شمشون، فخانته إذ نسيت كل محبته لها، وسلمته إلي أعدائه (قض16). ومثل سليمان الذي نسي كل إحسانات الله إليه، وكل ما وهبه الله من ملك وجلال وحكمة، وأحب نساءه أكثر من الله، ولم يكن قلبه كاملًا أمام الله (1مل11).
أما المرأة الخاطئة، التائبة، فقد أحبت الله كثيرًا،، إذ تذكرت غفر لها الكثير..
(والذي يغفر له قليل، يحب قليلًا) (لو47:7).
ويقصد الرب بهذه العبارة أن الذي يشعر أن الذي غفر له قليل، أو يظن أن الذي غفر له هو قليل.. أما أنت فلا تكن هكذا وإنما تذكر كل خطاياك، واذكر أن الله. من فرط إحساناته إليك - قد غفر الكثير فبهذا ستحب كثيرًا واذكر أن عطاياه لك كثيرة جدًا، فنحب كثيرًا..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
لا شك أن الله قد عمل لأجلك الكثير، ولكنك أنت تنسي!! لذلك نبه داود نفسه في علاقتها مع الله قائلًا:
( لا تنسى كل إحساناته) ( مز2:103).
إنك تنسى إحسانات الله، لأنك مشغول بإحسانات أخري تطلبها، غير واضع في ذاكرتك كل الإحسانات السابقة. حياتك كلها طلب لا شكر.
أن حياة الشكر ترتبط بحياة الحب. فاقرأ عنها، وعش فيها، تجد قلبك قد امتلأ بمحبة الله.. وثق ان حياتك كبها لا تكفي لشكر الله علي رعايته لك وعنايته بك طول عمرك منذ ولادتك.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
بل إن إحسانات الله سبقت ولادتك أيضًا.
كان من الممكن أنك لا تولد، ولا تأتي إلي عالم الوجود، لأي سبب تعلق بأبيك أو بأمك. وكان ممكنًا أن ترث وأنت جنين بعض الأمراض، أو بعض النقائص، ولكن الله حفظك منها جميعًا، ومنحك أن تولد إنسانًا سويا جسدًا وعقلًا ونفسًا..
أيجوز لك أن تنسى كل هذا؟! إنك لو ذكرت جميل الله عليك في تلك الفترة، لازدادت حبًا له.
أذكر حفظ الله لك أيضًا أثناء طفولتك.
كما قال المزمور (حافظ الأطفال هو الرب). إن أي إهمال للطفل في غذائه أو علاجه أو حراسته، يمكن أن يضيعه أو يصيبه.. كذلك الإهمال في تربيته من كل قلبي، لأنك حفظت طفولتي وأتيت بي إلي هذه الساعة، وأعطيتني أن أقرأ عن محبتك..
علي إني أريد أن أضع ملاحظة هامة وهي:
كثيرون يقابلون إحسانات الله إليهم بالفرح والبهجة. ويكتفون بهذا، دون أن يجعلوها سببًا لمحبة الله!
هم يفرحون بالخير الذي يأتيهم من عند الله: يفرحون باستجابة الله لصلواتهم، ويفرحون بعطاياه ونعمه ومواهبه، ويفرحون بستره ولإنقاذه. ويتهللون وقد يقف الأمر عند حدود الفرح والتهليل. وربما إلي عبارة شكر قصيرة، أو صلاة شكر وعرفان بالجميل، وكفى..
أما الروحيون فيحولون عرفانهم بجميل الله إلي حب. يذكرونه ويخلطونه بمشاعرهم، ويحولونه إلي حب.
إحسانات الله لهم، دليل علي محبته لهم. إذن يجب أن يبادلوه حبًا بحب.
ليس الأمر مجرد فرح وشكر. فهذه مشاعر خاصة بك. ولكن يجب أن تعمقها في داخلك لتكوين علاقة حب بينك وبين الله. حاول أنك لا تنسى بل تتذكرها مرتبطة بمشاعر الحب، والشعور الداخلي بأبوة الله لك ومحبته ورعايته.
وأنت كابن محب، تقابل حبه بحب..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:59 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
التفكير في الله
https://st-takla.org/Gallery/var/albu...ations-018.jpg


لكي تحب الله، ينبغي أن تنشغل به كثيرًا، وان تفكر فيه كثيرًا. لأنه هكذا أيضًا علاقتنا مع كل أحد.

كما تفكر فيه تحبه. وكما تحبه تفكر فيه.

الفكر والعاطفة يتمشيان معًا، يقوي أحدهما الأخر. وهذا هو شاننا مع كل شيء:

إن أحببنا العالم، نفكر فيه باستمرار. كلما يزداد تفكيرنا فيه، يزداد حبنا له. ومن يحب هواية، يفكر فيها. وباستمرار تفكيره فيها، يزداد حبه لها.. ولهذا ليس غريبا قول الكتاب:

( تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل فكرك) (مت37:22).. القلب والفكر معًا..


الذي يشتهي شيئًا، تراه دائمًا يفكر فيه، ودائما ينشغل به. والعكس صحيح: إن بردت محبته له، قل تفكيره فيه..

لذلك اجعل الرب في فكرك باستمرار. وعلامة حبك له، أن يكون الله دوامًا في فكرك. ونذكر داود النبي. وكيف أنه. علي الرغم من كثرة مشغولياته كملك وقائد.. نراه يقول:

( محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي) ( مز11).

ونحن نقول للرب في التسبحة (اسمك حلو ومبارك، في أفواه قديسيك).. فأسال نفسك ما هو مركز الله في فكرك؟ وما مقدار انشغالك به؟ هل العالم جرفك بعيدًا عن الانشغال بالله؟.. إن كان الله لا يخطر علي فكرك طول النهار، ولا يأتي ذكره علي لسانك وفي حديثك مع غيرك، فإنك تخدع نفسك إن قلت إنك تحبه..!

ألست تري أنك إذا أحببت شخصًا، تكون دائم التحدث عنه؟ فما مدي تحدثك عن الله؟

ما أكثر حديث عذراء النشيد عن حبيبها وعن صفاته.. (أنا لحبيبي، وحبيبي لي الراعي بين السوسن) (نش3:6)، (نش16:2) (حبيبي ابيض وأحمر، معلم بين ربوة.. حلقه حلاوة وكله مشتهيات) (نش5: 10،6).. (شبهتك يا حبيبي بفرس في مركبات فرعون) (نش1: 9).




ليكن الله في فكرك وأنت تتكلم مع الناس، وأنت تتعامل معهم.

كان الرب في فكر يوسف الصديق، حينما حورب من أمرأة سيده، فقال لها (كيف اصنع هذا الشر العظيم، واخطىء إلى الله) (تك9:39)؟! إذا كان الله في فكره وعلي لسانه، لما حاربته الخطية. ولذلك كانت محبة الله في قلبه، لتنزع محبة الخطية، وتمنعها من الدخول إلي فكره وإلي قلبه..

إن كان الله في فكر إنسان، فسينقي هذا الفكر.

ويقدسه، ويحل فيه، ويمنحه محبته - ولا نقصد أن يخطر الله علي فكر إنسان، إنما أن ينشغل هذا الفكر بالله، ويلتصق به، ويجد لذته فيه. وبهذا يكون قد ارتبط بالحب الإلهي. فيقدس الله هذا الفكر، ولا يسمح بأية خطية تدخل إليه. لأن الفكر يكون في سمو لا يقبلها. ويكون قد ارتبط بمحبة الله..



ومحبة الله كلما تزداد، لا تسمح للعقل أن يفكر في شيء آخر.

أو علي الأقل لا يجد لذته في فكر آخر. بل تكون كل الأفكار العالمية غريبة عليه لا يقبلها كما أنبا أور لتلميذه (انظر يا ابني لا تدخل هذه القلاية كلمة غريبة)..

هكذا عاش آباؤنا القديسون في البراري، وقد ارتبط عقلهم بالله. يفكرون فيه باستمرار. وينقون أذهانهم من كل فكر آخر، لكي يصبح الله في فكرهم هو الكل في الكل.

لأنهم من فرط محبتهم له، لم يقبلوا أن يفكروا في غيره.

واستطاعوا عمليًا أن ينفذوا تلك الوصية العجيبة: (تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل فكرك..) وانشغلوا بالله كل الوقت وكل الحياة، من فرط محبتهم له..



إن الذي يجعل الله في فكره دائمًا، يصل إلي تكريس الفكر لله.

يصبح فكره ملكًا كاملًا للرب، ويمتلئ قلبه بمحبة الله، وينجو من كل أخطاء الفكر والقلب.

هناك تدريب سلك فيه القديس مكاريوس الأسكندراني وهو صلب الفكر، بحيث استمر ثلاثة أيام في البرية الجوانية، وقد سمر فكره في الله لا ينزل من عنده.. ولم يكن هذا الأمر سهلًا.

والذي يكرس فكره لله، يصل إلي الصلاة الدائمة، أو علي الأقل إلي التأمل الدائم في الله.

يشغل الله فكره، ويثبت في عقله الباطن. حتى إذا نام، يحلم به في أحلام مقدسة،
. أو يقول مع عذراء النشيد (أنا نائمة وقلبي مستيقظ) (نش2:5). أي قلبي معك، منصت إليك..



انشغال الفكر علي الدوام بالله، سندركه حتمًا في الأبدية. أما الآن فأمامنا بعض التداريب:

* لا تجعل ساعة تمر عليك، بدون أن يكون الله في فكرك، ولو في صلاة قصيرة، أو تأمل.

* كلما تعرض لك خطية ما تذكر الله، واشعر أنه أمامك يري كل تصرف تعمله ويسمع كل كلمة تقولها، ويلاحظ حواسك أيضًا.

* في أحاديثك مع الناس، احرص أن يأتي اسم الله أو وصاياه ضمن الحديث بطريقة غير مصطنعة. أو علي الأقل تذكر أن الله يسمع هذا الحديث.

* في كل عمل تعمله، قل لنفسك: هل إلهنا الصالح مشترك فيه؟ أو علي الأقل هل هو موافق عليه.

* يمكن أن تدرب نفسك علي صلاة يا رب يسوع، أو علي ترديد أية صلاة قصيرة تناسبك في مرات عديدة حتى تلصق تمامًا في عقلك الباطن، فيرددها دون أن تقصد..


ولكي تحب الله، وتجعله دوامًا في فكرك، حاول أن تجعل كل شيء يذكرك بالله.

فإن نظرت إلي السماء، وتقول في فكرك (السموات تحدث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه) (مز1:19).

وإن نزل نظرك من السماء إلي الأرض، تقول (السماء هي عرش الله والأرض هي موطئ قدميه) (مت5: 24،25). وتقول للرب (السماء والأرض تزولان، وحرف واحد من كلامك لا يزول) (مت18:5) (وأنت يا رب في البدء أسست الأرض، والسموات هي عمل يديك، هي تبيد ولكن أنت تبقي. وكلها تبلي.. ولكن أنت أنت، وسنوك لن تفني) (عب1: 10،12).

وأن رأيت الطيور في الجو أو علي الأشجار، تقول (أنها لا تزرع ولا تحصد، ولا تجمع إلي مخازن. وأبي السماوي يقوتها) (مت26:6).. ما أحن هذا الأب السماوي.. وإن نظرت إلي الطبيعة الجميلة، تقول في فكرك: إن كانت الطبيعة هكذا جميلة، فكم وكم يكون خالقها الذي منحها هذا الجمال..!

ولكي يستقيم فكرك في محبة الله، لتكن علاقتك به تدخلها العاطفة ولا تكون مجرد علاقة عقل..


وهنا نري إلي جوار التفكير فيه، والتأمل في صفاته الجميلة.. فهل هكذا تفعل مع الله؟

هوذا الأب الكاهن يطمئن علي هذه النقطة بالذات في بداية القداس الإلهي فيسأل الشعب قائلًا (أين هي قلوبكم؟) فيجيبون (هي عند الرب).. فهل هم حقًا كما يقولون أم هم يقولون ما ينبغي أن يكون؟..

كثيرون يقولون إنهم يحبون الله، ومع ذلك فهم لا يعطونه من وقتهم ولا من فكرهم!! فكيف إذن ينفذون وصية (من كل فكرك) (مت22: 37)؟!



البعض ينشغلون بالخدمة، وأيضًا لا يكون الله في فكرهم!!

فكرهم في العظات وفي الدروس، أو في النشاط، أو في عمارة الكنيسة. أو في ترتيبات وإداريات.. وما أشبه.. ولكن فكرهم في الله!! وقد يقضون ساعات في أمور الخدمة، دون أن تأتي اسم الله علي ألسنتهم! إنهم يذكرونني بعتاب ذلك الأديب الذي قال:

"قضيت عمرك في خدمة بيت الرب. فمتي تخدم رب البيت؟!"

لذلك تجد هؤلاء الأشخاص وأمثالهم في منتهى النشاط، وفي منتهى الحيوية، وفي عمل دائم في الخدمة،، ولهم فيها إنتاج وإنجازات.. ولكن بعيدًا عن الله!! الله ليس في مركز الخدمة! ليس هو هدفها، ولا سببها، ولا وسيلتها! وكثيرًا ما تكسر في الخدمة وصاياه!! لذلك يا أخي، ضع في خدمتك نصب عينيك، قول داود النبي:

"جعلت الرب أمامي في كل حين.." (أع25:2).

أو ضع أمامك قول إيليا النبي (حي هو رب الجنود، الذي أنا واقف قدامه) (1مل15:18).

أشعر إذن بوجودك في حضرة الله، وأنك وافق قدامه في كل حين، لكي يكون الله في فكرك..

لا تجعل فكرك يغيب عنه، لئلا يتيهك العالم، وتبرد محبة الله في قلبك..



Mary Naeem 23 - 12 - 2013 05:59 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
اقرأ عن الله




ولكي يكون الله في فكرك، اقر‎أ عنه كثيرًا..
اقرأ عنه لكي تعرفه. لأنك كيف تحبه وأنت تجهله؟!
اقرأ عنه لا بأسلوب علمي أو فلسفي، ولا لكي تكتب عنه بحثًا، أو تلتقي عنه درسًا.. إنما لكي تدخل إلي أعماقه، لكي تدخله إلي أعماقك.. اقرأ عنه لكي تعرف صفاته المحببة إلي النفس، التي تجعل عقلك يتعلق به، وقلبك يرتبط بمحبته، اقرأ عنه معاملاته: عن علاقته بمحبيه، وموقفه من أعدائه. اقرأ عنه القراءة التي تدرك بها أنه (أبرع جمالًا من بني البشر) (مو2:45). اقرأ لكي تذوق وتنظر ما أطيب الرب (مز8:34).. ولتكن قراءتك غذاء لقلبك وليس لمجرد المعرفة.
إن قرأت عن الله كثيرًا، ستجد كل الكمالات فيه. وستحبه، وتقول مع النشيد (كله مشتهيات).
وإن أحببته، ستداوم القراءة عنه فالذي يحب شخصًا، يحب أن يقرًا عنه ويتقص أخباره، ويتشوق أن يعرف قصة من قصصه، كما يفعل محبو الأطفال في كل ميدان.. اقرأ عنه سواء في الكتاب المقدس أو في أقوال الآباء أو في تاريخ الكنيسة والقديسين. وحاول أن تلمس يد الله في الأحداث، وستجد انك تحبه. في حكمته، وفي قوته في حنانه..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:00 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
عاشر الله


ولكي تعرف الله وتحبه، ينبغي أن تعاشره.

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...f-Jesus-02.jpg


مجرد القراءة وحدها لا تكفي. فعملها هو أن تفتح الباب، فتدخل أنت وتعيش مع الرب، وتختبر بنفسك حلاوة العشرة مع الله. لذلك جرب الحياة مع الله، جرب العمل مع الله، وأن تشركه معك في شيء. جرب كيف تتخذه لك صديقًا، وتشرح له أسرارك وأفكارك وكل أمورك، وتري ماذا يعمل ولأجلك. اختبر أيضًا كيف تعتمد عليه، أكثر مما تعتمد علي فكرك ومواهبك..
لا تأخذ من الله موقفًا سلبيًا أو منعزلًا.
لأن هذا لا يمكن أن يوصلك إليه وإلي محبته.. ولا يمكن أن تذوق الرب وحلاوته بهذه السلبية.. تقدم إذن إلي الرب وكون معه علاقة , حاول أن تعمق هذه العلاقة يومًا بعد يومًا.
إن كنت لم تجرب بعد عشرة الله ومحبته علي هذه الأرض، فكيف ستعيش معه إذن في الأبدية؟!
محبتك لله هنا، هي مذاقه الملكوت.. فإن ذقت ما أطيب الرب، ستشتاق إلي الحياة الأبدية، التي يقول عنها الرسول (نكون كل حين مع الرب) (1تس4: 17). بل إن الرب يقول (آتي وآخذكم إلي، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا) (يو3:14)،فكيف تكون كل حين مع الرب، إن لم تحبه همنا وتجرب عشرته؟! فتشتاق إلي الوجود الدائم معه في الأبدية..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ولتكن علاقة مباشرة معه لأجل ذاته هو..
فإن أخطأت، احجل منه أكثر مما تخجل من أب الاعتراف، وقل له (لك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت) (مز50). اشعر أنك أخطأت إليه قبل أن تخطئ إلي الناس. حاول أن تكون علاقة مع الله نفسه، وليست فقط علاقة وصاياه.
ليكن لك الشركة معه (1يو6:1). وهذه الشركة تقودنا إلي حفظ وصاياه فنحفظها عن حب، إذ أن الله يملأ كل فكرنا. ولهذا نضم صوتنا إلي صوت الرسول ونقول (وأما فلنا فكر المسيح) (1كو16:2)..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:01 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
اتخذ الله لك صديقًا

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...-People-01.gif


*إن أردت أن تحب الله، اتخذه لك صديقًا.

بل ليكن صديقك الأول، الذي تهرع إليه قبل كل أحد. تكشف له أسرارك، وتحكى له كل شيء، وتشعر بعمق الراحة في الوجود معه. تحكى له كل أفكارك، وتكشف له أعماقك، بكل صراحة، وبكل صدق، وبكل ثقة. بقلب مفتوح. ولا تسأم من الحديث إليه. بل تقول:

عندي كلام كثير يا رب لأقوله لك..

أنا يا رب أثق بمحبتك لي، وبأنك تريد لي الخير، وتقدر على ذلك. لماذا لا أحكي لك كما أحكى لأحبائي من البشر!!

أتراني أجد لذة وفي نفس الوقت أبعد عنك أنت يا خالق الكل؟! وكلما تدعوني أليك، انشغل بأمور أخرى، واحتج بضيق الوقت..!!

لاشك أننا بالحديث مع الله ننفس عن أنفسنا.

ونجد راحة، إذ نلقى عليه كل همومنا، كأب محب لنا، نبادله الحب، ولا نخفى عليه شيئًا (بل نجعله يشترك معنا في كل ما نفعل. وفي حب نسلمه أفكارنا ليقودها. ويصحح مسارها إن كان في مسلكها خطأ..

حاول أيضًا أن تشرك الرب معك في كل عمل..

فمثلا، إن كنت ذاهبا إلى عملك، أو إلى مكان دراستك، أو حيثما أردت أن تذهب، قل له -قبل أن تخرج من بيتك- أنا يا رب ذاهب إلى هذا المكان، فكن معي فيه وسأقابل فلانا من الناس، وفقني في لقائه وفي الكلام معه، وضع في فمي الكلام الذي سأقوله، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. وهكذا تتحدث مع الله خلال اليوم..

أو قبل أن تخرج من منزلك، قل له: أنا تارك يا رب هذا البيت في رعايتك.. وتمشى في الطريق وأنت شاعر أن الرب إلى جوارك. وقبل أن تبدأ العمل، مهما كنت ذكيا وصاحب خبرة، قل له: يا رب، اشترك في العمل معي. فأنا بدونك لا اقدر أن أعمل شيئًا (يو 15: 5). وإن نجحت في عملك، قل له: لقد كانت يدك معي في العمل. فأشكرك واطلب دوام معونتك..

وإن أجريا لك أو لأحد أحبائك عمليه جراحية ونجحت، قل له: لقد كانت يدك مع الطبيب ومع المستشفى.. وهكذا ظهرت محبتك لنا. ونحن نحبك كما أحببتنا.


Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:01 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
اجعل الرب أمامك باستمرار


https://st-takla.org/Gallery/var/albu...alatians-5.gif

وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول اناة لطف صلاح ايمان وداعة تعفف - غلاطية 5: 22-23)

ولكي تحب الله، اجعل الرب أمامك باستمرار..
مثلما كان يقول داود النبي "جعلت الرب أمامي في كل حين. لأنه عن يميني فلا أتزعزع" (مز 16: 8) (أع 2: 25).
لا شك أن هذا الشعور يمنح القلب إيمانًا وثقه وسلامًا. ولهذا يقول داود بعد هذه العبارة "من أجل هذا، فرح قلبي وابتهجت روحي.." أو أجعل الرب أمامك، وكما كان يقول إيليا النبي:
"حي هو رب الجنود الذي أنا وأقف أمامه" (1 مل 18: 15).
وهكذا يملأ الرب حواسك، وبالتالي يملأ فكرك وقلبك، وتجد نفسك تحترس وتفعل كل ما يرضيه. بل أيضًا تشعر بصحبته لك. ليس فقط ليعرف أعمالك (رؤ 2: 2-9) بل بالحري ليشترك معك فيها، أو يدعوك لأن تشترك معه فيما يريده لأجلك أو لا جل ملكوته.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
وشعورك بوجود الله أمامك يمنحك قوة فلا تخطئ..
ومثال ذلك يوسف الصديق، الذي قال "كيف أصنع هذا العظيم وأخطئ إلى الله" (تك 39: 9).. لقد كان يرى الله أمامه في ذلك الوقت، ولم يغب الله عن ذهنه لحظة واحدة. ومن محبته لله، لم يقل كيف أخطئ أمامه" وإنما قال "كيف أخطئ إليه"؟!
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
إنك تضع صورا كثيرة في بيتك، تراها أمامك..
فلماذا لا تضع الله أمامك، مثل باقي الصور، بل قبلها؟
تراه أمامك في كل حين: حين تمشى في الطريق، وحين لا تكون في بيتك، وحين تجلس مع الناس، لا شك أن أن بطرس الرسول حينما أنكر الرب، لم تكن صورة الرب أمامه. ولكنه حينما صاحب الديك، وتذكر الرب وما سبق أن قال له. حينذاك خرج إلى خارج وبكى بكاءً مرًا (مت 26: 75).
انك في محبتك لله، لست فقط ترى الله أمامك، بل بالأكثر ترى نفسك في حضنه.
وتقول كما في سفر النشيد "شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقني" (نش 2: 6) إنك ابنه الذي أحبك، ومن أجلك فعل الكثير. وإن تذكرت كل حبه لك، لابد ستبادله الحب ولا يمكن أن تخطئ، بل تغنى له كل يوم تسبيحًا جديدًا. وتقول مع عذراء النشيد "حبيبي لي، وأنا له، الراعي بين السوسن" (نش 6: 3) "تحت ظله اشتهيت أن أجلس، وثمرته حلوة لحلقي" (نش 2: 3).

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:03 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
الله معك وأنت معه


ما أجمل أن تشعر أن الله معك، وأنه ممسك بيدك، وهو أمامك، وعن يمينك، ومحيط بك..
أنت في يده اليمنى (رؤ 2: 1). وقد نقشك على كفه (أش 39: 16). ولا يستطيع أحد أن يخطف من يده شيئًا (يو 10: 28). بل حتى جميع شعور رأسك محصاة (لو 12: 7). إن تذكرت هذا الإله المحب لك، وجعلته أمامك، فإنك لا بد ستحبه وتشعر بالأمان والاطمئنان لوجودك في حضرته.
أتستطيع أن تحبه، وأنت لا تشعر بوجوده معك ؟!
تحبه غيابيا، وأنت لا تشعر بوجوده؟! ليس هذا الأمر معقولًا.. إننا يا أخي لسنا نحب إلها مجهولا. بل هوذا الرسول يقول "الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا" (1يو 1: 1). فإن كان الرسل قد رأوه عيانا، فإننا نراه بالإيمان، مثلما قال داود النبي".. الرب أمامي في كل حين" (مز 16: 8).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
إذن ما هو مركز الله عمليا في حياتك، لكيما تحبه؟
هل تجعله أمامك في كل حين؟ هل ترى عمله في حياتك باستمرار؟ أم تمر عليك أيام، لا يأتي فيها ذكر اله على قلبك وذهنك، إلى أن يذكرك به يوم الرب حين تدخل الكنيسة!! أم تراك تنسى أن يوم الأحد هو يوم الرب، وتسميه الـWeek End!!
حاول إذن أن تشعر باستمرار بوجودك في حضرة الله. وأن الله موجود معك، ويعمل معك ولأجلك..

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...Love-To-Us.gif

محبة يسوع لنا، محبتنا لله - من الفن القبطي رسم تاسوني سوسن


على أن القديس أوغسطينوس، وهو يرى حياته في فترة ما قبل التوبة، يقول للرب عن تلك الفترة:
كنت يا رب معي. ولكنني من فرط شقاوتي لم أكن معك!
كما ظهر لتلميذى عمواس بعد القيامة، وتكلم معهما ولم يعرفاه (لو 24). وكما ظهر لمريم المجدلية ولم تعرفه وظنته البستاني (يو 20). ليتك إذن تشعر بوجودك في حضرته. وتشعر أن عيني الرب ناظرتان إليك باستمرار. وأن يده تمسك بك، وأنه يرعاك بحيث لا يعوزك شيء (مز 23: 1). هذه المشاعر تغرس الحب في قلبك.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
*وليس فقط تجعل الله أمامك أو معك، بل يكون الله فيك وأنت فيه..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
تكون فيه، كما يكون الغصن ثابتا في الكرمة، لكيما يستطيع أن يأتي بثمر (يو 15: 4، 5) وهو فيك، لأنك هيكل الله، وروح الله ساكن فيك (1كو 3: 16). وكما قال الرب "إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبى. وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلا" (يو 14: 23).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
اسأل نفسك: هل مازلت تحتفظ بالله داخلك؟
هل الله في قلبك، وفي ذهنك، وعلى لسانك، وفي حياتك كلها.. في بيتك وفي عملك. تحس وجوده معك، ويشترك معك في كل شيء؟ أم أنت قد ابتعدت عنه، وأحزنت روح الله القدوس، أو قد انفصلت عن الله بأنواع وطرق شتى؟!
حينما تكون امرأة حبلى، وتشعر بأن داخلها جنينا حيا يتحرك، ويمتص حياته من دمها ويتغذى، فإنها تشعر خاص، وبكل حب تقول "أتغذى لكي أغذية"، وأنت في داخلك جنين روحي، ولد فيك من الروح القدس حينما عرفت الله.. فهل تتغذى لكي تغذية؟ وغذاؤه هو الحب الإلهي، وبه يحيا ويتحرك..
كما يقول المرتل للرب في المزمور "باسمك ارفع يدي، فتشبع نفسي كما من شحم ودسم" (مز 63: 4، 5)
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
إن كنا نتغذى بمحبته، نقول أيضًا لغيرنا "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز 34: 8). كذلك حينما نتغذى بكل كلمة تخرج من فم الله (مت 4: 4)، وتكون لنا حياة بتناولنا من سر الافخارستيا. ونشعر بحياته فينا، فنقول مع القديس بولس الرسول:
"لي الحياة هي المسيح.." (فى 1: 21) "فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في" (غل 2: 20)
أتراك تشعر بحياة المسيح فيك، وبنصرته فيك، وبمجده في حياتك؟ وهل تشعر بشركة الروح القدس (2كو 13: 14) في كل عمل تعمله؟ هل أنت لا تدخل مكانًا، أو لا تعمل عملًا، إلا إذا كان يمجد اسم الله.

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:06 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
أنت حامل الله

وهل أنت تحمل اسم الله وعمله في كل مكان تحل فيه؟
حينما دخل داود إلى ميدان الجيش وقت تهديدات جليات، ادخل اسم الله معه. فقال "الحرب للرب وهو يدفعكم ليدنا" (1صم 17: 47). وقال لجليات الجبار: أنت تأتى إلى بسيف ورمح. وأنا آتى إليك باسم رب الجنود.. في هذا اليوم يحبسك الرب في يدي.." (1صم 17: 45، 46). وهكذا كان اسم الرب على فم داود وكانت قوة الرب في ذراع داود. وكان اسم الرب سبب اطمئنان ونصر وفرح لكل الجيش.

يعجبني أن القديس أغناطيوس الأنطاكى، كان لقبه (الثيئوفورس) أي حامل الله.
فإن كنت تحب الله، فلابد أنك ستحمل اسم الله معك إلى كل شخص يقابلك، وإلى كل مكان تذهب إليه. حينما تحمل اسم الله، يعمل الله معك، فينجح عملك، ويفرح قلبك بهذا النجاح، وتحب الله الذي أنجح طريقك. كما قيل عن يوسف الصديق إن "الرب معه" وأن كل ما كان يصنعه، كان الرب ينجحه بيده" (تك 39: 3).
إن الله يمكنه أن يعمل كل شيء وحده، فكل شيء به كان (يو1) ولكنه يحب أن يعمل بنا، كأدوات في يديه. لكي نفرح بعمل الرب فينا، ونحبه لأنه قد اختارنا لعمله. فهل أنت تعمل الر ب. وهل تقول له:
في كل مكان أذهب إليه، وسأوجد لك يا رب موضعا تسند فيه رأسك (لو 9: 58).
وهكذا يكون الحب متبادلا بينك وبين الله: هو يعمل فيك، وأنت تعمل لأجله. هو من فرط حبه لك، يرسلك لتعمل في كرمه. وأنت في حبك له تقول "ينبغي أن ذاك يزيد، وأنى أنا أنقص" (يو 3: 30). ولكن اله لا يريدك أبدًا أن تنقص، بل بمحبته يجعلك منارة تنير لكل من في البيت (مت 5: 15). ويقول لك "أباركك وتكون بركة" (تك 12: 2).
أما أنت ففي محبتك لله تقول مع المرتل في المزمور "ليس لنا يا رب ليس لنا، لكن لاسمك القدوس أعط مجدًا" (مز 105: 1).
الذي يحب الله، يختفي ويظهر الله.
كما كان يفعل يوحنا المعمدان في كل كرازته، . لذلك أنكر ذاتك، تصل إلى محبه الله. لأنك إن كنت تركز على محبة ذاتك، فسوف تنشغل بها وليس بالله. أما إذا أنكرت ذاتك، فسوف يكون الله هو شغلك الشاغل، وهو الذي يملأ القلب والفكر، فتصل إلى محبته.

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:07 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
صفات الله الجميلة


أحيانا تحب إنسانًا لأن صفة معينة فيه تجذبك إليه. كأن يكون إنسانًا شهمًا، أو خفيف الظل مرحًا، أو يكون إنسانًا خدومًا أو قوى الشخصية، أو ذكيًا.. إنها صفة واحدة تجذبك..
فكم بالأولى الله تجتمع فيه كل الصفات الجميلة، وعلى درجة غير محدودة من الكمال..!!
لاشك أنك كلما تأملت صفة من صفات الله الفائقة الوصف، ستجد نفسك تحبه.. ولست أقصد صفات الله التي يتميز بها وحده، ولا يشترك فيها معه أي كائن آخر.. مثل أنه أزلي، وخالق، وواجب الوجود، وحاضر في كل مكان، وفوق مستوى الزمن، وغير محدود، وغير مدرك، وعارف بالخفيات، وفاحص القلوب والأفكار.. وما إلى ذلك من الصفات التي يختص بها جوهر اللاهوت..
أنما أقصد حتى الصفات التي يتصف بها بعض البشر أيضًا، ولكنها عند الله كاملة وغير محدودة..


https://st-takla.org/Gallery/var/resi...s-Heart-02.jpg

السيد المسيح يفتح ذراعيه وأحضانه للجميع، محبة الله لنا، قلب - رسم أمجد وديع


مثل جمال الله، قوته، وحكمته، ومحبته ورجمته، طول أناته.. فقد يتصف بعض البشر بالجمال والقوة والحكمة والمحبة وطول الأناة. ولكن هذه الصفات عند الله مطلقة، وفوق مستوى ما ندركه..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ولهذا فإن الكنيسة في صلوتها تعلمنا التأمل في صفات الله..
تجد هذا كثيرا في صلوات القداس الإلهي، وبخاصة القداس الغريغوري مثل "أيها الكائن الذي كان الدائم إلى الأبد.. غير المرئي، غير المرئي، غير المحوى، غير المبتدئ الأبدي.. الذي لا يحد.. الذي يسبحك غير المرئيين، والذي يسجد لك الظاهرون ألوف ألوف وقوف قدامك، وربوات ربوات يقدمون لك الخدمة.
التأمل في عظمة الله، يجعلك تمجده، وحينما تتأمل كيف أنه على الرغم من كل مجده، وينظر إليك، ويوليك اهتمامًا خاصًا.. حينئذ تحبه.
ونرى التأمل في صفات الله، وفي المزامير والأجبية
كأن يقول المرن في المزمور "الرب رحيم رؤوف، طويل الروح وكثير الرحمة"، "الرب مجرى العدل والقضاء لجميع المظلومين" (مز103: 8، 6)،وما أكثر التأملات في صفات الله وأعماله، التي غنى بها داود في مزاميره، وأخذناها نحن عنه في التسبحة.. نسبح الرب في كل صباح، فتزداد حبًا له.
وفي الأجبية نقول في ختام كل ساعة من ساعات الصلوات السبع".. يا من في كل وقت وفي كل ساعة، في السماء وعلى الأرض مسجود له وممجد. المسيح إلهنا الصالح، الطويل الروح الكثير الرحمة، الجزيل التحنن. الذي يحب الصديقين، ويرحم الخطأة الذين أولهم أنا. الذي لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا " ونجد نفس التأمل في صفات الله عنصرًا بارزًا في صلوات الآباء والأنبياء التي وردت في الكتاب المقدس، ولنترك هذا الأمر لقراءتك الخاصة..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:07 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
مغفرة الله


أما أنت فخذ أية صفة من صفات الله -بالتتابع- واجعلها مجالًا لتأملك..
خذ مغفرة الله مثلا، وستره للخطايا.. كيف أنه على الرغم من العقوبة التي أراد أن يوقعها بأهل نينوى، ما أن صاموا وتابوا حتى غفر لهم.. بل قال ليونان "أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم" (يون 4: 11). وعجيب أنه في محبته ومغفرته دعاها مدينة عظيمة، مع أن أهلها لا يعرفون يمينهم من شمالهم. وقد سبق فأمر النبي أن ينادى عليها بالهلاك (يون 3: 4).
إنك ستحب الله، إن تأملت قلبه المحب الذي يغفر.

https://st-takla.org/Gallery/var/resi...of-nineveh.jpg

خراب نينوى: تهيج المركبات في الازقة تتراكض في الساحات منظرها كمصابيح تجري كالبروق - رسم الفنان ويليم بايجيه - ناحوم 2: 4


الذى في لحظات بسيطة، غفر للمرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها (لو 7: 47). كما غفر أيضًا للمرأة التي ضبطوها في ذات الفعل (يو 8: 11). وقال لها " ولا أنا أيضًا أدينك". وكذلك غفر للمرأة السامرية التي كان لها خمسة أزواج (يو 4: 18)، ومدحها وقال لها " حسنا قلت.. هذا قلت بالصدق".. وغفر لزكا العشار، بل دخل بيته ولم يبال بتذمر الجمع على أنه دخل ليبت عند رجل خاطئ بل دافع عنه وقال "اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضًا ابن لابراهيم" (لو 19: 5 - 10).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن مغفرة الله في التاريخ.
مغفرته مثلا لأوغسطينوس، موسى الأسود، مريم القبطية، وبيلاجية، ومرثا، ويستينوس الساحر، وأريانوس وإلى وإلى أنصنا. والجندي الذي طعنه بالحربة.
ولم بكتف الرب بمغفرته لكل هؤلاء وغيرهم، بل رفع من ذكرهم جدًا. وجعل أو غسطينوس أسقفًا جليلًا، وعالمًا في اللاهوت والتفسير، ورجل تأملات. وجعل موسى الأسود قديسًا عظيماً، وكاهنًا وأبًا للرهبان. وكذلك جعل مريم القبطية سائحة طلب بركتها القس سوزيما. وجعل يوستينوس الساحر أسقفًا عظيمًا. وجعل أريانوس مضطهد المسيحية شهيدًا
ألا نحبه إذن، ونحب أسلوبه في المغفرة؟!
إذ يقول عن الخطايا التي غفرها: أمحوها، لا أعود أذكرها، لا تحسب عليهم.. انظر ما أسرع مغفرته للص اليمين التائب.. وكيف قال له "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43). ومغفرته لشاول الطرسوسى، ودعوته له أن يكون إناء مختارًا ورسولًا للأمم (أع 9)..
وكذلك قوله في مغفرة الخطايا: "أصفح عن إثمهم، ولا أعود أذكر خطيتهم بعد" (أر 31: 34) ويقول عن الإنسان الخاطئ التائب "كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه" (حز 18: 22). ويتغنى المرنم بهذا في المزمور ويقول "طوبى للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم. طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية" (مز 32: 1، 2) (رو 4: 7، 8).
هنا نرى الرب يستر على خطية، ويغفرها، ولا يحسبها على الإنسان التائب،كلما يغفر له الرب أكثر يحب الرب أكثر (لو 7: 47). فهل هناك أكثر من هذا في معاملة الرب للخاطئ وعدم حسبانه أو تذكره لخطاياه؟ نعم هناك ما يقوله الكتاب "توبوا وارجعوا فتمحي خطاياكم" (أع 3: 19). وهذا ما يقوله المرتل في مزمور التوبة "ومثل كثرة رأفاتك تمحو إثمي" (مز 51: 1).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
نعم من محبة الله العظيمة أنه يمحو خطية التائب.
يمحوها، كأن لم تكن، كأن لم تحدث. وهكذا يحيا في بهجة الخلاص، الخلاص من الخطية ومن عقوبتها. ويشعر التائب بهذا فيفرح بالرب جدًا، لأنه محا عنه هذا العار، بل أكثر من هذا أيضًا منحه أن يقول "تغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مز51).. حقًا ما أعجب هذا الأمر الذي يجعل التائب يذوب حبًا لله الذي عامله هذه المعاملة..
حقًا، أنه يستحق كل الحب، هذا الإله الحنون الغفور.
الذي نسئ إليه، فيمحوا إساءاتنا، ولا يعود يذكرها. بل يغسلها فنبيض أكثر من الثلج. هذا الذي في رأفاته "كبعد المشرق عن المغرب، ابعد عنا معاصينا" (مز 103: 12). بل حملها بدلا عنا، ودفع ثمنها (أش 53: 6).. إنه إله طيب يستحق كل حب "لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا" (مز 103: 10). إنه لا يحسب علينا الماضي الأثيم كله، من أجل حاضر مستقيم..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:08 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
دفاع الرب عن أولاده


وعجيب في هذا الأمر أيضًا دفاع الرب عن أولاده.
* لقد أخطأ أبونا إبراهيم. ومن خوفه قال عن سارة أنها أخته، وأخفي أنها زوجته، فأخذها أبيمالك ملك جرار. وإذا بالرب يتدخل ليدافع عن إبراهيم وسارة، ويقول لأبيمالك في حلم " ها أنت ميت من أجل المرأة التي أخذتها، لأنها متزوجة ببعل.. والآن، رد امرأة الرجل. فإنه نبي، فيصلى لأجلك فتحيا" (تك 20: 2 - 7).
يخطئ إبراهيم، الرب يدافع عنه، ويطلب من الملك أن يرد امرأة، ويصلى إبراهيم عنه لكي يحيا..!
ولعلك تسأل الرب في هذا، فيقول: إبراهيم هذا حبيبي. لقد أخطأ عن ضعف وليس عن انحراف. أنا واثق من نقاوة قلبه. لذلك أدافع عنه.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
* ويخطئ داود، ويعاقبه الرب. ولكن بنفس الحب تظل ثقته فيع في حياته. وحتى بعد موته، نراه يقول لسليمان عندما عاقبه وقرر تمزيق مملكته: "إلا أنى لا أفعل ذلك في أيامك، من أجل داود أبيك.. على أنى لا أمزق منك المملكة كلها، بل أعطى سبطا واحدًا لابنك، لأجل داود عبدي" (1 مل 11: 12، 13). وهكذا حفظ كرامة لداود بعد موته.

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...hildren-22.jpg

يسوع يلعب مع الاطفال الصغار


*وبنفس الأسلوب دافع عن أيوب.. على الرغم من كلام أيوب السابق الذي. وبخه عليه أليهو، والذي وبخه فيه الرب قائلًا له "من هذا الذي يظلم القضاء بكلام بلا معرفة؟!" (أي 38: 1، 2). إلا أنه حينما اتضع أيوب في التراب والرماد (أي 42: 6)، نرى الله يدافع عنه، وينذر أصحاب أيوب الثلاثة الذين جرحوا مشاعره، ويقول لهم " لم تقولوا في الصواب كعبدي أيوب.. اذهبوا إلى عبدي أيوب.. اذهبوا إلى عبدي أيوب، وأصعدوا محرقة لأجل أنفسكم. وعبدي أيوب يصلى عنكم، لأني أرفع وجهه. لئلا أصنع معكم حسب حماقتكم" (أى 42: 7، 8).
*كما دافع الرب عن إبراهيم وداود وأيوب، دافع أيضًا عن موسى لما تزوج بامرأة كوشية.
لقد تقول عليه هرون ومريم. فإذا بالرب ينتهرهما ويظهر لهما كرامة موسى عنده، فيقول لهما "إن كان فيكم نبي، فبالرؤيا استعلن له، في الحلم أكلمة. أما موسى فليس هكذا. بل هو أمين في كل بيتي. فما إلى فم وعيانا أتكلم معه.. فلماذا لا تنشيان أن تتكلما على عبدي موسى" (عد 12: 1- 8). وضرب الرب الرب مريم بالبرص عقابا لها. فأخرجوها خارج المحلة..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
*ولم يدافع الرب فقط عن هؤلاء الأنبياء، بل أيضًا عن المرأة التي سكبت الطيب على رأسه.
فلما اغتاظ التلاميذ قائلين "لماذا هذا إلا تلاف؟!"، قال لهم الرب "لماذا تزعجون المرأة، فإنها قد عملت بي عملًا حسنًا.. لأجل تكفيني. الحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل في العالم كله، يخبر أيضًا بما فعلته هذه تذكارًا لها" (مت 26: 7 - 13)
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
كان الرب يدافع عن الذين ليس لهم أحد يدافع عنهم.
لقد دافع عن زكا العشار (لو 19) وعن كثير من العشارين والخطاة. ودافع عن السامريين، ذكر مثل السامري الصالح (لو 10). وأظهر في مثل آخر أن العشار أفضل من الفريسي (لو 18: 14). ودافع الرب عن الأطفال في يوم أحد الشعانين،وقال "لو سكت هؤلاء، فالحجارة تنطق".. ولا ننسى أيضًا أنه دافع عن صالبيه (لو 23: 34).. وبعد، أتراني استطيع في مقال كهذا، أن أذكر صفات الله الجميلة والتأمل فيها؟!
إنما ذكرنا ما ذكرناه كمجرد مثال..
وأنت أيها القارئ العزيز تناول هذا المنهج. وتأمل على التتابع صفات الله الجميلة، وخذها غذاء لروحك، وسببا يوصلك إلى محبة الله.. وليرشد الله تأملاتك.

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:09 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
تأمل سير القديسين الذين أحبهم الله وأحبوه


إذا تأملت حياة القديسين الذين أحبوا الله، لابد ستحبه مثلهم. وبخاصة إذا تأملت الدالة العجيبة التي كانت بينهم وبين الله، وكيف منحهم الرب مكانة سامية، واعتبرهم كأصدقاء الله، ويأتمنهم حتى على أسراره.
سير القديسين ترفع القارئ إلى مستوى روحي عال.
مستوى أعلى من المادة ومن العالم، واسمي من الجسد ومن الخطية. فتطرح العالم خارج القلب، لكي يسكن الله فيه. وهى غذاء روحي النفس، كما قال ماراسحق "شهية هي أخبار القديسين، مثل المياه للغروس الجُدُد".
تؤثر سير القديسين في النفس، وتدعو إلى التمثل بهم.


صور قديسين وشهداء كثيرين في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية


إن سيرة القديس الأنبا أنطونيوس التي كتبها القديس أثناسيوس لأهل رومه، تركت تأثيرًا عميقًا جدًا، لدرجة أن كثيرين زهدوا العالم، وأحبوا أن يعيشوا في حياة الوحدة مع الله. بل أن هذه السيرة كان لها تأثير عجيب جدًا في حياة أوغسطينوس، إذ قادته إلى التوبة والزهد، وحولته إلى قديس عظيم، أحب الله جدًا، ظهرت هذه المحبة في تأملاته التي تناقلها حيل بعد جيل.
كذلك فإن سير قديسي البرية التي كتبها السائحون الذين زاروا رهبان مصر في القرن الرابع وبداية الخامس، ما أعظم الذي تركته في النفوس، حتى قادت عشرات الآلاف إلى حياة الرهبنة، متفرغين لمناجاة الله في صلواتهم، حيث عاشوا في البرية، بلا أنيس، بلا معز، تكفيهم متعتهم الروحية بعشرة الله ومحبته.
تأملوا أيضًا ما قيل عن القديسين: "العالم لم يكن مستحقا لهم" (عب 11: 38).
قيل إن الأرض لم تكن مستحقة أن يدوسوها بأقدامهم ومن أجل صلواتهم كان الله ينزل المطر على الأرض..
كانوا صورة لله على الأرض، أو أنهم عادوا إلى الصورة الإلهية التي خلق بها الإنسان الأول،
فكان كل من يراهم، يحب أن يبقى معهم، لكي يتمتع بنفوسهم الشفافة التي تظهر حياة الله داخلهم (غل 12: 20).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
فنتأمل سير أولئك القديسين، ونرى كيف أحبوه..
من أجله فضل دانيال أن يلقى في جب الأسود، عن أن ينكره. وبهذا دخل في اختبار عجيب قال فيه "إلى أرسل ملاكه، فسد أفواه الأسود" (دا 6: 22).
والثلاثة فتية، من أجله فضلوا أن يلقوا في أتون النار الملتهبة، عن أن ينكروه فتمتعوا بأمرين عجيبين جدًا: ابن الله يسير معهم وسط النار، والنار لم تؤذهم بشيء وشعرة من رؤوسهم لم تحترق" (دا 3: 24-28) وأبونا إبراهيم، من أجل إيمانه بالرب وطاعته له، رفع يده بالسكين ليقدم ابنه وحيده محرقة للرب، لأن محبته للرب كانت أعمق بما لا يقاس من محبة الابن الوحيد، لذلك تمتع ببركة الرب، وبأن نسله كنجوم السماء ورمل البحر في الكثرة، ويتبارك في نسله جميع أمم الأرض (تك 22: 16 - 18).
ويعوزنا الوقت أن تحدثنا عن قصص الشهداء والمعترفين والكارزين وكل محبي الرب، وبركة الرب لهم، وما وهبهم من من معجزات وظهورات وشفاعات سواء في حياتهم أو بعد وفاتهم

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:10 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
عيون القديسون المفتوحة


https://st-takla.org/Pix/Saints/02-Co...-Simple-01.jpg

القديس الأنبا بولس البسيط


هؤلاء القديسين وهبهم الله عيونا مفتوحة، ترى ما لا يرى.
كما طوب السيد المسيح تلاميذه قائلًا "طوبى أعينكم لأنها تبصر" (مت 13: 16 9. وهكذا كان اليشع النبي يرى ما لا استطيع تلميذه أن يراه. وهكذا صلى لكي يفتح الرب عيني الغلام لكي يرى (2مل 6: 17) فرأى قوات الرب محيطة بالمدينة لتنقذها..
حقًا ما أعجب عيني يوحنا الحبيب اللتين رأتا كل ما سجله في سفر الرؤيا.
ما أجمل قوله "نظرت وإذا باب مفتوح في السماء" (رؤ4: 1). ثم يقول "وللوقت صرت في الروح. وإذا عرش موضوع في الروح. وإذا عرش موضوع في السماء، وعلى العرش جالس " ثم شرح ما رآه من القوات السمائية، وعلاقتها بالله، وتسبيحها، ومنظرها، وكرامتها..
وماذا نقول أيضًا عن بولس الرسول، وصعوده إلى السماء الثالثة، حيث سمع أمورًا لا ينطق بها (2كو12: 2، 4).
وماذا عن الرؤى التي رآها قديسو الله عبر العصور، سواء ما سجلها الكتاب مثل رؤى دانيال وحزقيال، أو ما وردت في تاريخ الكنيسة وهى لا تدخل تحت حصر، يعلن بها الرب إرادته لمحبيه، ويكشف لهم عن أمور مستقبلة، ويقويهم بها ويعزيهم اسأل عن ذلك أيها القارئ العزيز: القديس الأنبا أنطونيوس، والقديس الأنبا بيشوي، والقديس الأنبا بولس البسيط، وغيرهم كثير..
حينما تقرأ عن كل هذا، ألا تشتاق أن يعلن لك الله مثلهم؟ وكيف يعلن لك إن لم تحبه في نقاوة القلب،وحينئذ لا ترى فقط رؤى، إنما كما يقول الرب في التطوبيات:
"يعاينون الله "؟! هذا مجد عظيم يا رب لا نستحقه.. ليتك إذن تمنحنا نقاوة القلب.. هذه، مثلما منحتها لمحبيك..
يوحنا الحبيب أبصر في شيء من مجده، والأنبا بيشوي رآه وغسل قدميه. وكثيرون رأوه في رؤى أو في أحلام، وسمعوه صوته.. ولا أريد هنا أن أتحدث عن قديسي العهد القديم الذين رأوه، وسلمهم رسائل ورسالات ليبلغوها للناس..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:11 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
دالة القديسين عند الله


هؤلاء القديسون كانت لهم دالة عند الله..
اعتبرهم الله أصدقاء له. ويكشف لهم خططه ومشيئته، ويأخذ رأيهم، ويسمح لهم أن يناقشوه فيما يقول
كما حدث مع أبينا إبراهيم قبل حرق سادوم، إذ قال الله "هل أخفى عن إبراهيم، ما أنا فاعلة؟!" (تك 48: 17). وكشف له الرب الأمر. ودخل إبراهيم في حوار معه. بل إن إبراهيم في دالته مع الرب قال له "أفتهلك البار مع الأثيم..؟! حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر، أن تميت البار مع الأثيم! حاشا لك. أديان كل الأرض لا يصنع عدلًا..". وظل في حوار مع الله، حتى قال الله، حتى قال الله له إن وجد في المدينة عشرة من الأبرار "لا أهلك من أجل العشرة" (تك 18: 23 - 32).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
وبالمثل حدث مع موسى النبي، لما أراد الرب إهلاك الشعب بعد عبادتهم للعجل الذهبي..
لم يشأ الرب أن يفعل ذلك دون يخبر عبده موسى أولا. فقال الرب لموسى "رأيت هذا الشعب، وإذا هو شعب صلب الرقبة. فالآن أتركني ليحمى غضبى عليهم وأفنيهم" (خر 32: 9). ولكن موسى لم يتركه يفعل هكذا. بل قال له في دالة "لماذا يا رب يحمى غضبك على شعبك.. ارجع يا رب عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك. اذكر إبراهيم وإسحق وإسرائيل الذين حلفت لهم..". ويسمع الرب لكلام موسى، ويقول الكتاب "فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه" (خر 32: 14).




صور قديسين وشهداء كثيرين في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية


إن قرأت كل هذا، ألا يتأثر قلبك بهذه الدالة، وتحب أن يكون لك شيء منها في محبة متبادلة بينك وبين الله.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
على أن هؤلاء القديسين كانت لهم دالة مع الله ومكانة عنده، حتى بعد وفاتهم.
فنرى أن الله لم يعاقب سليمان في حياته وابقي العقوبة إلى أيام ابنه أيام ابنه رحبعام. وقال تعليلا ذلك "من أجل داود عبدي" (1مل 11: 13). وظل الرب يحتفظ بهذه المكانة لعبده داود، حتى أن المرتل يقول للرب في المزمور "من أجل داود عبدك، لا ترد وجهك عن مسيحك"، "اذكر يا رب داود وكل دعته" (مز 131)
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
بل أكثر من هذا، تسمى الرب بأسماء أحبائه.
فقال لموسى لما ظهر له في العليقة "أنا.. إله إبراهيم واله إسحق واله يعقوب" (خر 3: 6). واستخدام الرب هذه الآية في الرد على الصدوقيين من جهة القيامة (مت 22: 32). ومن جهة الشريعة - مع أنها شريعة الله. إلا أنه ينسبها لموسى،فيقول "اذكروا شريعة موسى عبدي التي أمرته بها في حوريب" (ملا 4: 4). ويقال عن العذراء "ولما تمت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى مرارًا، كما في (1مل 2: 3) (نح 8: 1) (دا 9: 11) وكذلك أيضًا عبارة "ناموس موسى" (يو 7: 23) (أع 13: 39) (أع 15: 5) (عب 10: 28).
وبالمثل أسفار الكتاب، تسمت أيضًا بأسماء محبيه. كما نقرأ سفر صموئيل، وسفر نحميا، وسفر أستير.
كل هذه الكرامة التي يمنحها الرب لأولاده، ألا تؤثر فيك لكي تحيا معه، وتنال بركته؟
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
أولاده أيضًا منحهم مفاتيح السموات والأرض (مت 26: 19).
"ما يربطونه على الأرض، يكون مربوطًا في السماء. وما يحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء" (مت 18: 18). ويقول لهم "من غفرتم خطاياه غفرت له. ومن أمسكتموها عليه أمسكت" (يو 20: 23). أي سلطان هذا..؟! وهكذا أيضًا في العطايا، وفي صنع المعجزات. بل قال لهم عبارة عجيبة مذهلة وهى: "من يؤمن بي، فالأعمال التي أعملها يعملها هو أيضًا، ويعمل أعظم منها" (يو 14: 12).. إلى هذه الدرجة يا رب؟! من ذا الذي لا يحبك؟!
لقد أستأمن الرب أولاده على مخازنه.
يعطون منها كما يشاءون. وتوافق مشيئتهم مشيئة..
ما أجمل قول الرب عن موسى النبي "وأما عبدي موسى.. فهو أمين على كل بيتي. فمًا إلى فم وعيانًا أتكلم معه.. وشبه الرب يعاين" (عد12: 7، 8).. بل ما أعجب قوله لذلك الابن " يا ابني، أنت معي في كل حين. وكل مالي فهو لك" (لو15: 31)!! بل يقول الرب عن تلاميذه لله الآب "وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني.." (يو17: 22).
إنني أقف في حيرة، مبهوتًا أمام هذه العبارات الثلاث، أوعذ في أعماقها، لعلني أفهمها كما ينبغي..
"أمين على كل بيتي".. "كل مالي فهو لك".. "أعطيهم المجد الذي أعطيتني".
حقًا ما أعمق محبة الله الفائقة الوصف! وما أعجب كرمه وجوده حينما يعطى! ليس فقط لبنيه ولتلاميذه، بل حتى لذلك الابن الذي كان في موقف جحود (لو15).
ألا نحبه من أعماقنا، وهو بهذا الحب والخلود؟!

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:11 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
كيف انتقل القديسين من عالمنا الفاني

وجميل أن نتذكر هنا كيف انتقل كثير من هؤلاء القديسين من عالمنا الفاني، وما كان بعد ذلك..
لنترك إلى حين قصة صعود إيليا إلى السماء (2مل2: 11)، وقصة أخنوخ وكيف أخذه الرب إليه (تك5: 24)، وقصه نياحة السيدة العذراء مريم وصعود جسدها فهذه كلها حالات نادرة جدا لمستويات عالية.. ولنستمع إلى قول الكتاب "لتمت نفسي موت الأبرار، ولتكن آخرتي كآخرتهم" (عد23: 10).. ولننظر:

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...lection-01.jpg
صور قديسين وشهداء كثيرين في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية

روج الأنبا آمون، وكيف رآها القديس الأنبا أنطونيوس، والملائكة تحملها في تهليل.. ولنقرأ عن القديس الأنبا كاراس السائح وكيف حضر قديسون لاستقبال روحه. وأنشد له داود مزموره "ارجعي يا نفسي إلى موضع راحتك، فإن الرب قد أحسن إلى" (مز114).. كذلك القديس اسطفانوس أول الشمامسة كيف في وقت استشهاده رأى السموات مفتوحة، وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله" (أع7: 55، 56). وكان وجهه " كأنه وجه ملاك" (أع6: 15).
وماذا عن الذين فارقوا العالم في أيامنا. وكأن الحجرة وقت وفاتهم، وقد أضاء فيها نور، واشتم الناس رائحة بخور أو الذين كانوا يرون رؤى معزية وقت انتقالهم. ويرقدون والابتسامة على وجوههم والفرح في قلوبهم..
كل أولئك أحبو الله، فجعل ساعة وفاتهم ساعة فرح. وبعضهم أخبره الرب بوقت انتقاله.. ومن أمثلة ذلك بعض الآباء السواح كما في قصة آبا نفر، والقديس سيداروس المتوحد وآخرين. كذلك قصة القديسة مريم القبطية.
وما أكثر الذين ظهروا بعد وفاتهم لآخرين.
مثل القديس أغناطيوس الأنطاكي الشهيد، الذي بعد أن ألقوه للأسود الجائعة فافترسوه، ظهر لزملائه في السجن المؤمنين وعزاهم وشجعهم. وظهورات القديسين لا تدخل تحت حصر..
والبعض كانت تحث معجزات أثناء تعذيبهم أو استشهادهم، مما يجعل غير المؤمنين يؤمنون، كما في قصة مارجرجس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. أو تفشل الطرق التي أرادوا قتلهم بها، مثلما حدث مع القديس يوحنا الحبيب، والقديس بوليكاربوس، والسم الذي أعدوه لمارجرجس..
أيضًا تأملنا في صفات القديسين الجميلة، تجعلنا نحبهم، ونحب صفاتهم، ونحب الله الساكن فيهم.
ألست ترى معي أن الموضوع طويل إن استرسلنا في الحديث.. لذلك اعتبر ما ذكرته مجرد مثال، وأترك الباقي لتأملك الخاص.

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:12 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
كيف تصلي لتصل إلى محبة الله

بالمداومة على الصلاة، تصل إلى محبه الله.
إن أحببت الله ستصلى. وأن صليت كثيرًا، ستجد أن محبتك لله سوف تزداد وتتعمق يومًا يعد يوم. وهذا طبيعي لأنك إن أحببت شخصًا، فسوف تحب أن تتكلم معه. والكلام مع الله هو الصلاة.
وبالصلاة سوف تتعلم الصلاة، أعنى تتعلم كيف تتحدث إلى الله، حديثًا يقودك إلى محبته..
بالمداومة على الصلاة، سوف تصل إلى عمق كل كلمة تقولها في صلاتك وستجد أنك ترتبط بالله أكثر فأكثر، وتجد دالة في الحديث معه، وشهوة للحديث معه. وهكذا تعلمك الصلاة محبة الله.
كلم الرب في صلاتك بهذا الأسلوب، ومن هنا يتعود لسانك الحديث معه..
كإنسان يريد أن يتعلم إحدى اللغات، لابد أن يتكلم بها، حتى لو كان لا يعرف، أو يخطئ في الحديث. إلا أنه بكثرة الكلام يتعود لسانه، ويسهل عليه الأمر إلى أن يجيد الحديث بها..
هكذا أنت، كلما تكلمت مع الله، يتعود لسانك الحديث معه. وتتعود أن تحدثه بعاطفة وحب.

https://st-takla.org/Gallery/var/resi...s-Heart-02.jpg
السيد المسيح يفتح ذراعيه وأحضانه للجميع، محبة الله لنا، قلب - رسم أمجد وديع
ولكنك في بداية تدربك، قد لا تبدأ الصلاة بمشاعر الحب.
لذلك أبدأ الصلاة، ولو بالتغصب، وحاول أن تتأمل أو على الأقل تفهم كل كلمة فيها.. والقديسون لم يصلوا إلى صلاة الحب من بادئ الأمر. إنما تدرجوا في عمق الصلاة وعاطفية الصلاة، إلى أن وصلوا فيها إلى درجات من الكمال، حسبما منحتهم النعمة، وحسبما كانت لهم من مشاعر، ومن استعداد..
لذلك حاول أن تصلى بعاطفة وبفهم..
لأنك لو صليت بطريقة روتينيه، فلن توصلك إلى محبه الله. والقديس بولس الرسول إنه يفضل أن يقول خمس كلمات بفهم أفضل من عشرة آلاف بغير فهم (1كو14: 19). ولذلك فإن كل كلمة تقولها في صلاتك، قلها بفهم وبعاطفة، من أعماق قلبك، كحبيب يكلم حبيبه، وكصديق يكلم صديقه. وإن لم يكن في قلبك هذا الحب وهذه المشاعر:
قل له: أعطني يا رب أن أحبك..
فهذه هي الصلاة التي كان ينصح بها الشيخ الروحاني.
قل له: علمني يا رب كيف أحبك. دربني على محبتك، ودرجتي في محبتك. اسكب محبتك في قلبك بالروح القدس.
قل له: انزع يا رب من قلبي كل محبه أخرى تتعارض مع محبتك، حتى يصير القلب كله لك وحدك. لا تسمح أن أحب أي شيء أو أي أحد أكثر منك، ولا أن أحب أي أحد أو أي شيء، أو شهوة أو أي رغبة، لا تتفق مع محبتك أنت. لا تسمح يا رب أن يوجد في قلبى من ينافسك، أو ما ينافسك.. أو يسئ إلى محبتك.
اجعل محبتك هي التي تشغلني وتملك قلبي.
وهلا التي تقود كل تصرفاتي، وتمتزج تمامًا بكل تصرفاتي وبكل أقوالي، وبكل مشاعري..
أعطني يا رب أن اشتهى الجلوس معك والحديث إليك، وأن أجد لذة في الصلاة والمداومة عليها.
وإن فترت محبتك، اطلب منه أن يعيدها بحرارتها.
قل له: أنت يا رب تقول "عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى" (رؤ2: 4). فكيف أعود يا رب إلى محبتي الأولى إلا بك؟! أنت الذي تعيدني إلى محبتك. أنت يا رب الذي تتوبني فأتوب (أر31: 18). أنت الذي تمنحني حرارة الروح، لأنك أنت يا رب نار آكله (عب12: 29). لذلك أرجعني يا رب إلى محبتي الأولى، بل وإلى كثر منها..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ومن أجمل الأمثلة لصلوات الحب: صلاة التسبيح.
التي تحدث فيها الله متأملا في صفاته، مثل صلاة "يا ربى يسوع المسيح، مخلصي الصالح"، بكل ما تحويه من تفاصيل علاقة النفس بالله.. ومثل صلاة الثلاث تقديسات، وكثير من صلوات القداس الغريغوري..
قل له: أنت يا رب الحنون وطيب. أنت طويل الأناة. كم أطلت أناتك على، وأنا مبتعد عنك..
وكم منحتني فرصا لكي أرجع إليك. وكم غفرت لي أيها الغفور المحب، ولم تصنع معي حسب خطاياي..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
كلم الرب بصراحة كاملة، وافتح له قلبك.
قل له: أنا يا رب أريد أن أحبك. ولكن الخطية الفلانية تعوق طريقي إليك،وتسيطر على قلبي ومحبتي. وأنا يا رب حاولت أن اتركها ولم استطع. أعطني القوة أن أتركها، لأنه بدونك لا استطيع ذلك (يو 15: 5). نجنى يا رب من هذه الخطية، لا لكي أنجو من العقوبة، إنما لكي يزول العائق الذي يمنعني من محبتك.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
تحدث مع الله بمحبته، كما كان يحدثه داود في مزاميره.
كأن تقول له: اشتاقت نفسي إليك. عطشت نفسي إليك. كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه، كذلك اشتاقت نفسي إليك يا الله "متى أقف وأتراءى أمام الله" (مز 42: 1، 2) "باسمك أرفع يدي، فتشبع نفسي كما من لحم ودسم (مز 63) "محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" (مز 119)
استخدام في صلواتك عبارات الحب، ومشاعر الحب، وتدرب على ذلك حتى يتعوده قلبك، كما يتعوده لسانك. وتقول كما في التسبحة "قلبي ولساني يسبحان القدوس"..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
بالإضافة إلى صلوات المزامير والأجبية، لتكن لك صلواتك الخاصة التي تقولها من كل قلبك.
التي تفتح فيها قلبك لله، وتحدثه عن كل أمورك: عن كل مشاعرك وأفكارك، وعن حروبك وضعفاتك، وعن مشاكلك وسقطاتك. وتسأله المشورة والمعونة.. وتطلب منه القوة والبركة.. كل ذلك دون أن تتصنع أفكارًا أو كلمات أو مشاعر.. إنما تتكلم مع الله كما أنت. مثلما جاءه الابن الضال بنفس ملابسه القذرة التي عمل بها في رعى الخنازير.. واطلب منه أن يهبك محبته كعطية مجانية من عنده.. وقل له: لا تحرمني يا رب من محبتك

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:16 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
كيف صلى القديسون

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...y-Cross-08.gif

وتأمل كيف كان القديسون يصلون؟ وكيف كانت محبتهم لله تظهر في صلواتهم.

اولئك الذين كانوا يكلمون الله بقلوبهم، ولو صمتت ألسنتهم.. وكما قال الشيخ الروحانى: سكت لسانك، لكي يتكلم قلبك. وسكت قلبك لكي يتكلم الله. ومن هنا يبدو أن صلواتهم كانت حديثا متبادلا مع الله: يحدثونه بقلوبهم، ويتحدث هو في قلوبهم. وفيما يتكلمون مع الله، يستمعون إلى صوته في قلوبهم.

وكل كلمة يقولونها في في صلواتهم، كانوا يتعمقون في معناها جدا، ويلتذون بها، حتى قثيل عنهم:

"ومن حلاوة اللفظة في أفواهم، ما كانوا يشاءون أن يتركوها ليقولوا لفظة أخرى".

كانت كلمات الصلاة حلوة في افواههم، ولها عمق وتأثير على نفوسهم، حتى كان يعز عليهم أن يتركوها إلى غيرها.. أن يتركوها إلى غيرها.. أين هذا، من الذين يصلون، وهم لا يدركون معنى ما يقولون! أو يصلون بسرعة حتى ينتهوا من الصلاة ويعودا إلى مشاغلهم!! أما القديسون فمن حلاوة صلتهم بالله في صلواتهم، ما كانوا يريدون أن يختموا الصلاة، ويكتفوا بهاذ الحديث الجميل بينهم وبين الله وأثره العميق في نفوسهم.

كانت الصلاة لهم وقت متعة روحية، تسبح فيها الروح خارج نطاق الجسد والماديات..


كانت لذتهم في الصلاة، أو بمعنى أدق: لذتهم في العشرة الإلهية أثناء الصلاة ومن أجل هذه المتعة الروحية، تركوا العالم وكل ما فيه، لكي يتفرغوا لعمل الصلاة، حيث يتمتعون باللقاء مع الله، ويشعرون بوجودهم معه، أو بوجوده معهم.

وكثيرًا ما كانوا ينسون أنفسهم وكل ما يحيط بهم. مثلما حدث مع القديس يوحنا القصير الذي طرق الجمال بابه ليحمل عمل يديه من القفف ليبيعها. فكان في كل مرة يدخل قلايته ليحضر القفف له، يختطف عقله في الصلاة فينسى..

وكثيرًا ما كان الله ينعم على هؤلاء القديسين بحالة روحية أثناء الصلاة فلا يدرون هم في الجسد أم خارج الجسد.

كما حدث للقديس بولس الرسول (2كو12: 2، 3).

أحيانًا يتمتعون برؤى روحية، أو يدخلون في حالات من الدهش. أو يجدون عقلهم منشغلًا بكلام الصلاة. دون أية حركة إراداية منهم، بحيث لا يستطيعون ايقافه عن الصلاة، ولا يريدون. ولعل هذا بعض ما قصده الشيخ الروحانى بقوله "ليتكلم قلبك"..

ويتمتعون أثناء صلواتهم بسيل من المعانى الروحية يتوارد على اذهانهم، وما كان يخطر على بالهم من قبل. وربما العبارة الواحدة تأخذ معنى جديدًا في كل صلاة، حتى ليقولوا مع داود النبي "اكشف يا رب عن عينى، لأرى عجائب من شريعتك" (مز119).

تتحول صلاتهم إلى حب. ويتحول حبهم إلى مناجاة، وتتحول مناجتهم إلى متهة روحية..

وفي هذه المتعة، يتمنون لو بقوا هكذا قائلين مع التلاميذ عند جبل التجلى "جيد يا رب أن نكون ههنا" (مر5:9)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. وهذا يحدث حينما يكون المصلى في حالة روحية معينة، فيها الحب والعاطفة والفهم والتركيز، والانشغال الكلى بالله، والموت الحسى والعقلى عن كل ما حوله. ويذكرنا هذا بالقديس يوحنا الاسيوطى حينما سألوه "ما هى الصلاة الروحية؟" فأجاب "هى الموت عن العالم"..

من أجل اختطاف عقلهم أحيانًا أثناء الصلاة، كانوا يصلون وهم وحدهم في مكان خلوتهم.

فلا يرى أحد مشاعرهم أثناء الصلاة، ولا ما يشغل عقلهم وقتذاك، أو ما يحدث لهم من رؤى أو من دهش.. أو كيف يدغدغ حب الله حواسهم حتى ينطبق عليهم قول عذراء النشيد " فإنى مريضة حبًا" (نش5:2).

أما أنت يا أخى إن كنت لم تصل بعد إلى شيء من هذا:

فنصيحتى لك أن تلتصق بالرب على قدر ما تستطيع أثناء الصلاة، وتبعد نفسك عن طياشة الفكر، وتركز ذهنك في كلمات الصلاة، وتصحبها بكل عواطفك ومشاعرك. وكلما حان انتهاء الصلاة، حاول أن تستمر، وأن تقول للرب "امكث معي يا سيدي" (مت 29:24)..

وحاول في بعض الاوقات أن ترتفع عن مستوى الطلب.

وتدرب في صلاة الحب، أن يكون طلبك الوحيد هو الله وليس غيره.

كما قال داود النبي "طلبت وجهك، ولوجهك يا رب ألتمس. لا تحجب وجهك عنى" (مز9:27).. مثل هذه الصلاة تعبر عن الحب.

اتخذ الله صديقًا لك، وحبيبًا، وراعيًا وحافظًا ومرشدًا. وافهم في قلبك تمامًا أنك لا تستطيع الاستغناء عن محبته لحظة واحدة وطرفة عين. حينئذ تجد المحبة التي في قلبك قد ظهرت في صلاتك.


Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:16 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 

آية "رأس الحكمة مخافة الله" (سفر يشوع بن سيراخ 1: 16)


هناك وسائل أخرى كثيرة نصل بها إلى محبة الله. وسنتكلم عنها بشيء من الإيجاز، ومنها:
مخافة الله. محبة الخير. محبة الناس، وبالتالي الخدمة. وسائط النعمة. تذكار الموت والدينونة.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
المخافة هي بداية الطريق إلى المحبة.
يقول الكتاب المقدس في سفر الأمثال "بدء الحكمة مخافة الرب" (أم 9: 10)، ويقول المرتل في المزمور "رأس الحكمة مخافة الرب" (مز 111: 10). فكيف ذلك؟ وما العلاقة بين المخافة والمحبة؟ بينما يقول القديس يوحنا الرسول: "لا خوف في المحبة. بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج" (1يو 4: 18).
حينما تبدأ بالمخافة، سوف تطيع الله وتنفذ وصاياه:
على الأقل ستخاف من عقوبته، ومن يوم الدينونة الرهيب، ومن العذاب الأبدي،وبطاعة الوصايا سوف تجد فيها لذة، وتجدها نافعة جدا لحياتك، كما كان داود النبي يتغنى بوصايا الله، وبشريعته وناموسه، في مزاميره. ويقول "وصية الرب مضيئة تنير العينين من بعد"، "وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب"، "تصير الجاهل حكيما"، "اشتهى من الذهب والأبريز الكثير. وأحلة من العسل وقطر الشهاد" (مز 19). ويقول أيضًا في المزمور الكبير "اذكر لعبدك كلامك الذي جعلتني عليه أتكل، هذا الذي عزاني في مذلتي" بكل قلبي احفظ وصاياك"، "بشريعتك أتلذذ " الكل كمال وجدت منتهى. أما وصاياك فواسعة جدًا "كم أحببت شريعتك. اليوم كله هي لهجي" (مز 119).
وبمحبة وصايا الله، نحب الخير. وبمحبة الخير، نصل إلى محبة الله.

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:17 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
المحبة للخير


ربما في بادئ الأمر نغصب أنفسنا على محبة الخير، ولكننا بتوالي ممارسته نعمله بكامل إرادتنا، بل وبرغبة قلوبنا. ولا نستطيع أن نخطئ (1يو 3: 9).
وأنا أقول محبة الخير، وليس مجرد عمل الخير، فقد يفعل الإنسان الفضيلة خوفًا، أو خجلًا من انتقاد، أو الناس، أو اتقاء للعقوبة، أو حفظا لسمعته، أو مجاملة، أو مجاراة للمجتمع، أو رياء بينما يحب الخطية في أعماقه. ليست هذه المظاهر هي التي توصل إلى محبة الله.
فالمقصود ليس هو عمل الخير بل محبة الخير
إن الله لا يهمه الخير الذي نعمله مضطرين، أو مجبرين. كما لا قيمة للخير الذي نبغي من ورائه مديحًا أو مجدًا من الناس أو إعجابًا.. لأننا في هذه الحالة، يكون حبنا هو للمديح والإعجاب وليس للخير، كما إننا أجر ما فعلناه هنا على الأرض (مت 6: 2، 5) إنما الخير الحقيقي، هو الذي نعمله حبا للخير ذاته، وحبا لمن نصنع معهم الخير، وحبا لله نفسه..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
وعندما نحب الفضيلة والخير، سنحب الله تلقائيا. لأن الله هو الخير المطلق.
وهكذا يمكن للإنسان البار أن يحب الله بعكس الخاطئ الذي يحب الخطية، ولا يستطيع أن يحب الله معها في نفس الوقت، لأنه لا شركة بين النور والظلمة، ولا خلطة للبر والإثم (2كو 6: 14).. وكالوجوديين الذين يظنون أن الله يعطل ممارستهم لشهواتهم، فينكرون وجود الله الذي يدعو إلى الخير، ويعاقب على تلك الشهوات.

https://st-takla.org/Gallery/var/resi...ee-of-Life.jpg


صورة فن الفيكتور: شجرة الحياة، النمو


أما أنت إذا أحببت البر والخير، فستجد أن الله هو مثلك الأعلى فيما تحب، فتحبه..
وإذا أحببت الخير، ستجد أنك قد ارتفعت فوق مستوى الصراع مع الخطية. إن عبارة الجسد يشتهى ضد الروح. بل روح البار هي التي تقود جسده. وروح الله يقود هذه الروح البشرية (رو 8: 14).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
إذا أحببت الخير، وصار جسدك هكذا مقدسا، سيكون فعلا هيكلا للروح وروح الله يسكن فيه (1كو 3: 16).
وتدخل في شركة الروح القدس (2كو 13: 14). وروح الله هو الذي يسكب محبة الله في قلبك.
لأنه هكذا قال الرسول"..محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو 5: 5).
إذن احتفظ بسكنى الروح القدس فيك، وبشركتك مع الروح القدس في الفكر والعمل، لكي تحتفظ أيضًا بمحبة الله في قلبك. ولا تحزن روح الله بأي عمل يضاد مشيئة الرب. وهكذا تعيش باستمرار في محبة الله.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
الذى يحب الخير ويحب الله، جهاده الروحي هو جهاد لذيذ وبلا تعب، جهاد للنمو في الخير ومحبة الله..
إنه لا يجاهد ضد نفسه ليغصبها على حياة الفضيلة. فمادام يحب الفضيلة، طبيعي أنه لا يغصب نفسه عليها، بل يمارسها بفرح وبشوق، ويجد لذته فيها. وهكذا يحب الصلاة، ويحب الله الذي يكلمه في صلاته. ويحب الكتاب المقدس، ويحب الله الذي أرسل إليه هذه الكلمات التي تشبع نفسه. ويحب الكنيسة وكل أسرارها المقدسة. ويجد فيها نبعا روحيا يرويه وينميه. ويفعل كل ذلك بلا تغصب. لماذا؟
لأنه دخل إلى راحة الرب، دخل سبته الذي لا ينتهي، الذي يتدرج فيه من خير إلى خير أكبر.
ويرتبط الخير عنده بمحبة الله ارتباطًا وثيقا وعجيبا،فالخير يقوده إلى محبة الله ومحبة الله تقوده إلى الخير. وتصبح كل منهما سببا ونتيجة بالنسبة إلى الأخرى.
الذي يحب الخير، لا يرى وصية الله ثقيلة كما الرسول (1يو 5: 3)، ذلك لأنه يحبها بل إن الذي يحب الرب ويحب البر، قد ارتفع فوق مطالب الناموس، إذ قد دخل في الحب
إنه يفعل الخير بلا وصية. بل بطبيعته الخيرة. ليس هو محتاجًا إلى وصية تدعوه إلى الخير.
في محبته للخير، عاد كما كان صورة الله. وأصبح الخير من عناصر نفسه، يفعله كشيء عادى طبعي، لا يبذل فيه جهدًا. يصير الخير في حياته، كالنفس الذي يتنفسه، دون أن يشعر في داخله أنه يفعل شيئًا زائدًا أو عجيبا، دون أن يحاول ذلك.. ولذلك فهو أيضًا لا يفتخر أبدًا الخير، باعتبار أنه أنه شيء عادى..
إنه يحب الله، ويحب فيه الخير الذي يشتهيه. ويصبح الله هو شهوته ولذته.
ويجد في الله مثالياته التي يفقدها العالم. لذلك يزهد العالم، ويجب دائما أن يلتصق بالرب، كما قال داود النبي "أما أنا فخير، وعاشرة وعاش معه. واختبر معه لذة الحياة الروحية، لذلك يقول مع عذراء النشيد "أمسكته ولم أرخه" (نش 3: 4).

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:18 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
محبة الناس



https://st-takla.org/Gallery/var/albu...ne-Another.jpg


أحبوا بعضكم بعضًا: لنحب بعضنا بعضًا، لأن المحبة هي من الله: يوحنا الأولى 4: 7


الذي يحب الخير، يحب الناس، لذلك يصنع معه خيرًا. ومحبة الناس توصله إلى محبة الله. وكما قال الرسول: "إن قال احد أنى أحب الله، وهو يبغض أخاه، فهو كاذب".
لأن من يحب أخاه الذي أبصره، كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره؟! (1يوحنا 4: 20).
إن أردت أن تحب الله، ابدأ أولًا بمحبه الناس. أخدم الناس، ساعدهم، احترمهم، ابذل نفسك عنهم. وعندئذ تجد أن محبه الله قد دخلت تلقائيًا إلى قلبك. أعط من قلبك حبًا لكل المحتاجين إلى الحب. أعط حبًا للأطفال، للعجزة والمسنين، للأيتام، للمحتاجين إلى الحب. أعط حبًا للأطفال، للعجزة والمسنين، للأيتام، للمحتاجين والفقراء، للمعوقين، للذين ليس لهم أحذ يذكرهم أخدمهم جميعًا، وستجد أن محبة الله قد دخلت قلبك بقوة. وستجد أيضًا أنك ترفع قلبك إلى الله ليساعدك على خدمتهم. وأنك تشكره إذ قدم لك احتياجاتهم..
تحبهم، لأنهم أولاد وشعبه. وتحبه لأنه يحبهم ويساعدك على محبتهم.
وتجد أن محبة الله في قلبك ترتبط أيضًا بمحبة الناس. إن أحببته تحبهم. وإن أحببتهم تحبه.. لذلك فإن السيد المسيح حينما قال إن الوصية الأولى هي محبه الله، قال "والثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك" (مت22: 39). تأمل في كلمة (مثلها) وكلمة (كنفسك)..
لذلك فإن الخدمة توصل إلى محبه الله.
الخدمة توصلك إلى محبة الله، ومحبة الله ترسلك إلى الخدمة،بشرط أنها لا تكون خدمة روتينية ولا مجرد نشاط. إنما خدمة ممتزجة بالحب. الحب هو الذي يدفع إليها، والحب يكون من نتائجها. فأنت تخدم الناس لأنك تحب ملكوت الله، وتحب لهم أن يدخلوا هذا الملكوت، وأن يحبوا الله الذي تحبه والذي يحبك.
انظر ماذا قال السيد المسيح عن تلاميذه للآب "عرفهم اسمك، وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم" (يو17: 26).

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:18 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 

مما يربطك بمحبة الله أيضًا: وسائط النعمة:
إن الله قد دبر لنا وسائط كثيرة تساعدنا على محبته، منها الصلاة، وقراءة الكتاب المقدس، واجتماعات الكنيسة وألحانها وطقوسها وأسرارها المقدسة، وبخاصة الاعتراف والتناول. وكذلك القراءة الروحية، والتأمل، وزيارة الأماكن المقدسة، والإرشاد الروحي.
فلكي تصل إلى محبة الله، عليك أن تهتم بكل هذه الوسائط، لأن بعدك عنها يسبب لك الفتور، لا يعود الله يشغل فكرك. ولقد أصدرت لك كتابًا عن (الوسائط الروحية) موجود هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت أرجو أن يفيدك في هذا المجال.

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:19 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
ذكر الموت والدينونة
https://encrypted-tbn2.gstatic.com/i...e2wDtw2tBZ1K7w

مما يقودك إلى محبة الله أيضًا: التفكير في الأبدية.
لأن الإنسان إذا شعر بفناء هذا العالم، وبأنه سوف يبيد وشهوته معه (1يو 2: 17)، وأنه كله باطل وقبض الريح (جا 1). ولا بد للإنسان أن يقف يوما للدينونة أمام كرسي الله العادل، الذي سيجازى كل واحد حسب أعماله (مت 16: 27)، وحسب كل ما فعله بالجسد خيرا كان أم شرًا (2كو 5: 10).. فحينئذ يستيقظ ضمير الإنسان، يبدأ أن يستعد لملاقاة الله. ويحاول أن يكون علاقة مع الله، واعتذر عن خطاياه، ويدخل في محبة الله مادام سيلاقيه في الأبدية، وبأي وجه سيلقاه؟
لذلك فالكنيسة المقدسة ذكرتنا بالدينونة والمجيء الثاني في صلوات الغروب والنوم ونصف الليل.
لكنه نستعد للقاء الله، بالتوبة والندم على خطايانا، وبمخافة الله التي توصلنا إلى محبة الله ليتك تصلى هذه الصلوات، وبخاصة التحاليل. وثق أنها ستعمل في قلبك عملًا. وما أكثر القديسين الذين كان تذكار الموت والدينونة ويقودهم إلى الالتصاق بالله بالأكثر.

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:19 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
علامات محبتنا لله


تحدثنا كثيرا عن كيف تحب الله، وبقى أن نذكر ما هي علامات هذه المحبة، وما نتائجها في حياتك؟
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
العلامة الكبرى هي أن محبة الله في قلبك، تنسيك كل شيء، فلا تشعر بلذة شيء سواه. كل ملاذ العالم تبدو بلا طعم لمن ذاق محبة الله.
يبدو كل شيء تافها وضئيلا، كما قال سليمان الحكيم "الكل باطل وقبض الريح" (جا 1: 14). وهكذا كلما تنمو في محبة الله، على هذا القدر تزهد مغريات العالم كلها، وتردد مع القديس بولس الرسول "خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية، لكي أربح المسيح، وأوجد فيه" (في 3: 8، 9).
تصوروا إنسانا نال درجة الدكتوراه في الرياضيات، أتراه يجد لذة في مراجعة مبادئ علم حساب والجمع والطرح؟! أم هذه الأمور تبدو تافهة جدا في نظره، لا يفكر فيها! هكذا أمور العالم بالنسبة إلى من امتلأ بمحبة الله
بل الإنسان الذي انشغل بمحبة الله، ينسى حتى نفسه في هذه المحبة --- لا يشعر بوجودها، بل بوجود الله فيه..


https://st-takla.org/Gallery/var/albu...on-King-01.jpg

النبي سليمان الملك


وهكذا يقول مع القديس بولس الرسول "أحيا لا أنا، بل المسيح يحيا في" (غل 2: 20). عجيبة حقا هذه العبارة "لا أنا..". هنا إنكار الذات في أعمق صورة.. هناك من ينكر ذاته في تعامله مع الناس. ولكن الأعمق هو إنكار الذات في محبة الله..
وإن وجد ذاته، يجدها في الله، مثل الغصن الذي في الكرمة. إنه يحيا طالما هو ثابت في الكرمة، تسرى فيه عصارتها (يو 15).
وهنا بالمحبة يصل إلى الثبات في الله..
كما قال الرب نفسه "أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذي يثبت في وأنا فيه، هذا يأتي بثمر كثير" (يو 15: 5). وكيف نثبت فيه؟ لقد شرح ذلك بقوله "اثبتوا في محبتي" (يو 15: 9). وعلامة ثباتنا في محبته، أن نثبت في كلامه، في وصاياه. وقد قال في ذلك "إن حفظتم وصاياي، تثبتون في محبتي" (يو 15: 10)
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
على أن الثبات في الله، له معنى آخر أعمق.
الغصن حينما يثبت في الكرمة، يشعر أنه أحد أعضاء هذه الكرمة. هكذا أنت إن كنت ثابتًا في الرب، تشعر أنك عضو في جسد المسيح.. حقا إن هذا السر عظيم (أف 5: 32).
لماذا إذن تشعر بالغربة عن الله.. وتقول مثل عذراء النشيد في وقت بعدها عنه " لماذا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك" (نش 1: 7).
إنك يا أخي، لست غريبا عن الله. وليس الله غريبا عنك.
أنت في قلبه، وهو في قلبك، أنت فيه، وهو فيك، أنت فيه، كالغصن في الكرمة. وهو فيك لأنك هيكل لروحه القدوس، وروحه القدوس يسكن فيك (1كو 3: 16). وقد قال أيضًا عن سكناه هو والآب فيك "إن أحبني أحد، يحفظ كلامي. ويحبه أبى. وإليه تأتى وعنده نصنع منزلًا" (يو 14: 3)،إنه يعبرنا إخوته، ويعتبرنا كشخصه ولذلك حينما اضطهدت الكنيسة من شاول الطرسوسي، قال له الرب "لماذا تضطهدني؟!" (أع 9: 4).. معتبرًا اضطهاد الكنيسة اضطهادا له هو. وقال في مناسبة أخرى " مهما فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم" (مت 15: 40)
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
من علامات محبتنا لله التصاق نفوسنا به.
وفي ذلك يقول داود النبي في المزمور "وأما أنا فخير لي الالتصاق بالرب.." (مز 73: 28). وقال أيضًا "التصقت نفسي بك. تعضدني" (مز 63: 8)
إن التصقنا بالله، نبعد تلقائيا عن الخطية، بل نكرهها، ولا تتفق مع طبيعتنا، لأنه "لا شركة للنور مع الظلمة" (2كو 6: 14). والذي يلتصق بالله، لا يمل من الحديث معه. بل يقول له مع داود "التحقت نفسي وراءك"، "عطشت نفسي إليك" (مز 63: 1). إنه يفرح بالوجود في حضرة الله، كما قالت عذراء النشيد "نبتهج ونفرح بك.. بالحق يحبونك"، "لأن حبك أطيب من الخمر" (نش 1: 4، 2).
ومن أجل الفرح بالوجود مع الله، ترك آباؤنا الرهبان كل شيء، لكي ينفردوا في البرية مع الله الذي أحبوه.
أما أنت، إن كنت تسأم من الصلاة بسرعة، وتحب أن تختمها، فاعلم أنك لم تصل إلى محبة الله بعد..
آباؤنا الشهداء القديسون، في وقت استشهادهم: كانت مشاعر حبهم لله هي التي تملك على قلوبهم، أكثر بكثير من شعورهم بالألم. لذلك احتملوا العذابات، بل أحبوها لأنها ستقربهم إلى الوجود الدائم مع الله.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
محبة الله، ليست مجرد مشاعر مبهمة، بلا ثمر. إنما تظهر محبتنا لله بحفظنا لوصاياه.
وعن هذا الأمر يتحدث القديس يوحنا الحبيب بوضوح تام فيقول "بهذا نعرف أننا قد عرفناه، إن حفظنا وصاياه، من قال قد عرفته، وهو لا يحفظ وصاياه، فهو كاذب وليس الحق فيه. وأما من حفظ كلمته، فحقا في هذا قد تكلمت محبة الله" (1يو 2: 3-5). إلى أن يقول "فإن هذه هي محبة الله، أن نحفظ وصاياه" (1يو 5: 3).
وهذا واضح جدًا، لأن الذي يكسر وصاياه، لا يكون محبًا له. إنما هو إنسان متمرد عليه، أو شخص يخون الله، وينضم إلى مقاوميه. فحفظ الوصايا علامة أساسية لمن يحبون الله، كما أن الابن الذي الذي يحب أباه بالجسد، يطيع وصاياه.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
من علامات المحبة لله أيضًا، أن الذي يحب الله يحب كل ما يتعلق بالله..
يحب كنيسته ويقول "مساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات تشتاق وتذوب نفسي للدخول إلى ديار الرب" (مز 84:1). "واحدة طلبت من الرب وإياها ألتمس، أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي، لكي انظر إلى جمال الرب، وأتفرس في هيكله" (مز 127: 4). "طوبى لكل السكان في بيتك، يباركونك إلى الأبد" (مز 84: 4).
يحب كلام الله، شريعته، ناموسه، وصاياه. ويقول:
"وجدت كلامك كالشهد فأكلته" بل هو "أحلى من العسل والشهد في فمي" (119) "ناموسك هو تلاوتي"، "شريعتك هي لهجي، هي لذتي" فرحت بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة " "سراج لرجلي كلامك، ونور لسبيلي" (مز 119)0 الذي يحب الله، يحب أيضًا سماءه وقديسيه وملكوته.
الذي يحب لله، تقوده العاطفة في كل ممارساته الروحية.
هو من أجل الله يقرأ. ومن أجل المتعة به يصلى. من أجل الله يخدم. بل من أجل اللقاء به والتمتع بأسراره المحيية، يدخل إلى الكنيسة. ومن أجله يحضر الاجتماعات الروحية. ومن أجله يجلس مع الناس. من أجله يتكلم لكي يحدث الناس عنه. ومن أجله يصمت ليتأمل صفاته الجميلة. بل من أجله يحيا لكي يخدمه وينشر اسمه. ومن أجله يموت لكي يلتقي به في الفردوس ثم في الملكوت.. قائلا في كل ذلك مع بولس الرسول "إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت. إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت. وإن عشنا أو متنا فللرب نحن" (رو 14: 8).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
الذي يحب الله، قد ارتفع عن المصارعة ضد الخطية.
إن عبارة "الجسد يشتهى ضد الروح، والروح ضد الجسد. وهذان أحدهما الآخر" (غل 5: 17)، إنما هي عبارة للمبتدئين، الذين لم يصلوا إلى حب الله بعد، وما زالت أجسادهم تشتهى أشياء تبعدهم عن الله..
أما الذي يحب الله، فإنه يمجد الله بجسده وبروحه (1كو 6:20). وهو "لا يستطيع أن يخطئ" (1يو 3: 9)، "والشرير لا يمسه" (1يو 5: 18). لأن محبة الله ثابته فيه. وكلما تقترب إليه خطية لتحاربه، يقول "كيف أصنع هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله ؟" (تك 39: 9).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
الذي يحب الله، ويتعلق به فكره، يجعل كل شيء يذكره بالله يحبه.
فهو إن رأى السموات، لا يتأمل فقط نجومها وكواكبها، ونور الشمس والقمر، إنما يقول مع داود النبي في المزمور "السموات تحدث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه" (مز 19). ويقول أيضًا "السماء هي كرسي الله، والأرض موضع قدميه" (مت 5: 34، 35). ويقول إن السماء هي مسكن الله مع الناس (رؤ 21). ويتذكر أبانا الذي السموات. ويقول هذه السماء التي أراها ليست شيئا، فهناك السماء الثالثة التي اختطف إليها القديس بولس الرسول (2كو 12: 2). وهناك سماء السموات التي قال عنها الرب "ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء" (يو 3: 13).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
وإن رأى الطبيعة الجميلة، لا ينشغل فقط بجمالها، بل يمجد الله الذي خلقها بهذا الجمال.
إذ لا يليق أن عطايا الله لنا، تغلنا عن الله الذي أعطاها. بل كل هذه تعطينا فكرة عن حبه وكرمه وقدرته.
وهكذا إذا رأى زنابق الحقل، التي "ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها" يقول في نفسه: ما أعجب قدرة الله الذي "ألبسها هكذا" (مت 6: 28-30). ونفس الوضع بالنسبة إلى الفراشات في ألوانها، والطيور في تغريدها، والنحلة في صنعها للشهد، والنملة في عملها ونشاطها.. كيف أن الله وهب كل هذه المخلوقات ما لها من مواهب تثير العجب وإعجاب..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
بل حتى إن رأى قطة يطاردها كلب، يعجز عن إمساكها:
يقول في نفسه: عجبا كيف أن الله في حنوه، أعطى المخلوقات الضعيفة وسيلة تهرب بها من التي هي أقوى منها. فالقطة تستطيع في هربها أن تتسلق شجرة بحيث لا يستطيع الكلب أن يدركها..
والأسد وإن كان أقوى بمراحل من الغزال، إلا أن الله وهب الغزال قوة على الجري بحيث يكون أسرع من السد، ويمكنه أن يهرب منه.. وهكذا يمجد الله في محبته، كلما رأى أسدًا وغزالا.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
كذلك يتذكر محبة الله، كلما رأى شجرة تتفض ورقها في الشتاء، وتكسى بالورق في الصيف.
مثل الكرمة على التكعيبة: تنفض ورقها في الشتاء، فتعطيك فرصة أن تتمتع بدفء الشمس وأنت جالس تحتها. وتكتسي الورق صيفًا، فتعطيك فرصة أن تستظل بورقها حين تشتد الحرارة.. ونفس الحال مع أنواع أشجار كثيرة.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ما أجمل أن تحول الماديات إلى روحيات، أو تأخذ دروسا روحية من أمور مادية..
فتعجب كيف أن الله يكسو الدب القطبي أو الثعلب القطبي بفراء جميل يمنحه الدفء في تلك المناطق الجليدية، بينما لا يثقل الجمل أو الحصان بفراء يتعبه في سكنى المناطق الحارة.
هناك أمور عديدة تذكرنا بعمل الله. ولكننا لا نتذكر، لأن محبتنا الله لم تصل إلى مستوى هذا التأمل!
أما القلوب المحبة له، فكل شيء يذكرها به.. ولها "الحواس المدربة" على ذلك (عب 5: 14).
أستأذنك أيها القارئ العزيز في الاكتفاء بهذا القدر عن محبتنا لله، وننتقل إن شاء الله إلى الحديث عن محبة الناس.

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:20 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
محبتنا للناس
https://st-takla.org/Gallery/var/albu...ers-of-Men.jpg

عندما تحدث عن الوصية العظمى، أعني المحبة، ذكر أنها تشمل فضيلتين هامتين: الأولى أن تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل فكرك.. ثم قال "والثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء" (مت 22: 36-40). وأود هنا أن أترك عبارة (و الثانية مثلها) مجالا لتأملك الخاص. وأتحدث معك عن محبة القريب.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ومحبة القريب، هي محبة لكل الناس. لأن البشر كلهم أقرباؤك. كلهم أبناء آدم وحواء.
لقد خلق الله العالم كله من أب واحد وأم واحدة، ليكونوا جميعا أسرة واحدة تربطهم رابطة الدم، وبالتالي رابطه الحب. وحتى هذه الأم الواحدة، أخذها من أحد أضلاع الرجل الأول، لكيما يحبها، ويقول "هذه الآن عظم من عظامي، ولحم من لحمى" (تك 2: 23).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
لهذا كله كان عدم الحب بين البشر أمرًا غير طبيعي.
وهو في نفس الوقت لا يتفق مع الصالح العام، كما لا يتفق مع مشيئة الله. والعجيب أن أول إيذاء حدثنا عنه الكتاب المقدس، كان من إنسان ضد إنسان، ولم يكن من وحش افترس إنسانًا!! لقد قام على هابيل أخيه وقتله. وبدأت البغضة والقسوة بين الناس. ولم تستطع البشرية أن تحتفظ بالحب بين أفراد الأسرة الواحدة.. فيوسف الصديق، قام عليه أخوته وألقوه في البئر، ثم باعوه كعبد (تك 37: 37). ودبت الغيرة ودب التنافس بين ليئة وأختها راحيل حول إنجاب البنين (تك 30: 8). وعيسو نافس أخاه يعقوب على نوال البركة وقال "أقتل يعقوب أخي" (تك 27: 41). وأبشالوم قام على أبيه داود وحاربه (2صم 15).
وتتابعت مأساة فقدان الحب في تاريخ البشرية:




وكثرت قصص العداوة والبغضاء، وقصص الحسد وتصادم الأغراض، والنزاعات والحروب، والتنافس على الرزق وعلى السلطة والمناصب. واكتست الأرض بدماء بريئة ودماء غير بريئة. وأصبح الأخ يعتدي على أخيه، والأخ يخاف أخاه. حتى قال أحد الشعراء:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوَّت إنسان، فكدت أطير

https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
وكان لابد من وصايا إلهية لتعالج الحال..
وكان لابد من إعادة المحبة بين الناس، وتقديم القدوة في ذلك، ومعالجة الأسباب التي أوصلت البشرية إلى التخاصم والعداوة والقسوة. مع العمل على ترميم بناء المحبة المنهدم. فتدخل الله لوضع أسس قوية للتعامل بين الناس.
واستلزم الإصلاح أساسين: أحدهما إيجابي، والآخر سلبي:
أما الأساسي الإيجابي، فهو مشاعر الود والتعاطف والتعاون. وأما العنصر السلبي فهو الكف عن الكراهية والاعتداء. لأن الكراهية هي المشاعر الكامنة داخل القلب. والاعتداء هو التعبير الظاهر عن تلك المشاعر الداخلية. والمطلوب هو الارتقاء بكل مشاعر الإنسان، للوصول بها إلى مستوى الحب.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
والحب هو القمة التي تصل إليها المشاعر البشرية.
والله في يوم الدينونة العظيم، سيفحص كل أعمالنا وعواطفنا، ويستخلص ما فيها من حب، ليكافئنا عليه. وكل خير نفعله، ولا يكون فيه حب، لا يعتبره الله خيرًا على الإطلاق. على أن هذا الحب وقواعد ينبغي أن نعرفها، لكيما يكون حبنا سليمًا ومقبولًا.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
فأولًا ينبغي أن تكون محبتنا للناس داخل محبتنا لله. لا تكون ضدها، ولا تزيد عليها..
فلا تحب أحدًا عن طريق كسر وصية من وصايا الله. فالأم التي تحب ابنها بأن تدلله يفسده، أو أن تغطى على أخطائه بحيث لا يعرفها أبوه، لا تكون محبتها حقيقية ولا نافعة. بل لا نسميها حبا وإنما تدليلا..
والصديق الذي يحب صديقه، بحيث يجامله في كل خطأ، ويخشى أن يقدم له نصيحة مخلصه لئلا يجرح شعوره.. هذا لا يحبه بالحقيقة.. لذلك أيضًا فالأب الذي يحب ابنه يؤدبه (عب 12: 6).
وقد قال الرب "من أحب أبا أو أما أكثر منى، فلا يستحقني. ومن أحب ابنا أو ابنه أكثر منى، فلا يستحقني.." (مت 10: 37).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
شرط آخر، هو أن يكون الحب عمليا.
يقول القديس يوحنا الرسول في هذا "يا أولادي، لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (1يو 3: 18)،.وهكذا قال عن محبتنا للناس تظهر عمليا في معاملاتنا لهم.
في إخلاصنا لهم، ومشاركتنا الوجدانية، ووقوفنا معهم في وقت الشدة، وتخليصنا لهم من ضيقاتهم. ومحبتنا للفقراء في عطفنا عليهم، وإعطائهم ما يلزمهم، وليست مجرد كلام العطف أو الدعاء..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
وهكذا ارتبط الحب عمومًا بالعطاء وبالبذل.
وقيل عن محبة الله لنا "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16)
بنفس الوضع ينبغي أن نحب بعضنا البعض، حبا باذلا. ويصل البذل إلى قمته ببذل الذات. وبالعطاء من الأعواز (مر 12: 44). وبالاستعداد للتضحية والفداء كما قال القديس بولس الرسول عن أكيلا وبريسكلا "الذين وضعا عنقيهما من أجل حياتي" (رو 16: 4).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ومن شروط المحبة أيضًا أن تكون طاهرة.
فليست محبة حقيقية. أن شابا يحب فتاة لكي يفسد عفتها، ويضيع أبديتها، ويفقدها سمعتها في المجتمع الذي تعيش فيه..! مثل هذا الشاب إنما يهتم بنفسه وإشباع شهواته، ولا يهتم بالفتاة صالحها وأبديتها. وقد قلت من قبل في الفارق بين المحبة والشهوة "إن المحبة تريد دائما أن تعطى. وبينما الشهوة تريد دائما أن تأخذ..".
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ومن شروط المحبة الحقيقية أن تكون للجميع.. وإلا صارت تحيزًا أو لونا من القبلية..
هي محبة للكل، لا تفضيل بسبب الجنس أو اللون أو الدين. محبة بلا تحيز ولا انحياز. إن يعقوب أبا الآباء لما ميز ابنه يوسف عن باقي أخوته، وأعطاه قميصا ملونا، تسبب ذلك في حسدهم له، وجر عليه الكثير من الضيقات. ولما أحب راحيل أكثر من ليئة، تسبب ذلك في تنازع هاتين الشقيقتين وتنافسهما في صراع طويل..
لهذا أيضًا ينبغي أن تكون المحبة عادلة، وتكون المكافأة ملتزمة بالحق وبالموضوعية.
وينبغي أن تكون المحبة أيضًا صادقة وروحانية.
وكما قال الكتاب "المحبة فلتكن بلا رياء" (رو 12: 9). فالرياء تدل على أنها ليست محبة صادقة. ويدخل في ذلك كلام الملق والمديح الكاذب، مثلما قال الشعب لهيرودس إن صوته إلى، فضربه ملاك الرب، فمات (أع 12: 21، 23). ومثل ملق الشعب لرحبعام، بأن خنصره أغلظ من متني أبيه!! فأضاعوا منه الشعب وغالبية المملكة (1مل 12: 8 - 16).
ومن جهة الروحانية، لم تكن محبة إيزابل لزوجها الملك آخاب محبة روحانية، حينما ساعدته على تنفيذ رغبته الآثمة في امتلاك حقل نابوت اليزرعيلى باتهامه كذبا وقتله (1مل 21) مما أدى إلى هلاكها وهلاكه كذلك لم تكن محبة أخيتوفللأبشالوم محبة روحانية، حينما أشار عليه مشورة لإهلاك أبيه داود (1صم 17)
إن الذي يحب شخصا محبة روحانية، يحب أن يسعى باستمرار على أبديته وخلاص نفسه، ولا يشاركه في خطأ، ولا يوافقه عليه، ولا ينصحه به..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
القلب المحب لا يعرف البغضة مطلقا. والقلب الذي تسكنه البغضة، لا يسكنه الله لأن الله محبة
ولهذا يقول الكتاب "كل من يبغض أخاه، فهو قاتل نفس. وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس، ليست له حياة أبدية ثابتة فيه" (1يو 3: 15).. ذلك لأنه قاتل لذلك الإنسان في قلبه. وينبغي معالجة قلبه أولا. ويقول الكتاب في ذلك "لا يفرح بسقوط عدوك. ولا يبتهج قلبك إذا عثر" (أم 24: 17).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
والقلب المحب لا ينتقم لنفسه.
فالانتقام لون من الكراهية والعداوة. ويدخل في (محبة) الذات لا في محبة الغير والكتاب يقول "لا تجاوزا أحدًا عن شر بشر"، "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء" بل "إن جاع عدوك فأطعمه، وإن عطش فاسقة" (رو 12: 17، 19، 20).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ومحبة الناس لها مجالات عديدة.
منها محبة الأبوة والأمومة، ومحبة البنوة والأخوة. ومحبة الأزواج، ومحبة الأصدقاء، ومحبة العشيرة، ومحبة الكنيسة، ومحبة الخدام والمخدومين، ومحبة المجتمع عموما.. وتوجد المحبة العامة التي تشمل العالم أجمع. وما أكثر ما نقرأ عن الهيئات العالمية التي تعمل في نطاق الخير والإغاثة والإنقاذ لأي شعب على وجه الأرض.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
وفى ذلك تظهر أيضًا محبة الغرباء.
وقد أوصى الله كثيرا الغرباء. فقال: "أحبوا الغريب، لأنكم الغريب، لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر." (تث 10: 19). وقال أيضًا "عاكفين على إضافة الغرباء" (رو 12: 13). وأيضًا " لا تنسوا إضافة الغرباء، لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون" (عب 13: 2).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ترتفع المحبة إلى أعلى قممها، فتصل على محبة الأعداء.
وقال الرب في ذلك "سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" (مت 5: 43، 44). وعلل ذلك بقوله "لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم، فأي أجر لكم ؟ أليس العشارون أيضًا يفعلون ذلك!"
قد يقول البعض " من الصعب على أن أحب عدوى فماذا أفعل؟" أقول لك: على الأقل لا تبغضه.. على الأقل اغفر له في قلبك، وانس إساءته إليك "تدرج في الفضيلة إلى أن تصلى من أجله أن يصلحه الله، ويقوده إلى التوبة، ويغفر له.. وهكذا تصل إلى محبته.

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:21 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
لزوم المحبة العملية
أختيار راعوث الحكيم بالبقاء مع حماتها نعمي: "شعبك شعبي وإلهك إلهي" - راعوث 1: 16

كثيرون يدعون أنهم يحبون الناس. وتكون عبارة الحب مجرد لفظة من ألسنتهم، وليست مشاعر في قلوبهم، كما لا يظهر هذا الحب أيضًا في معاملاتهم!! وقد يقولون أيضًا أنهم يحبون الله، بينما يسكرون وصاياه كل يوم!! لذلك كله قال القديس يوحنا الحبيب:
"يا أولادي، لا نحب بالكلام ولا باللسان، بل بالعمل والحق" (1يو 3: 18).
هذه المحبة العملية هي التي يريدها الله منا في تعاملنا معه ومع الناس. وليس في كلامنا..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
لقد اختبر بطرس الرسول في هذا الأمر في ليلة الخميس الكبير. قال للسيد الرب "وإن شك فيك الجميع، فأنا لا أشك أبدًا.. إن اضطررت أن أموت معك، لا أنكرك" (مت 26: 33، 35)، "إني مستعد أن أمضى معك، حتى إلى السجن وإلى الموت" (22: 33).. أما ما حدث عمليا، فهو أن بطرس أنكر سيده ومعلمة ثلاث مرات، وأمام جارية.. لذلك قال له الرب بعد القيامة "يا سمعان بن يونا، أتحبني أكثر من هؤلاء؟!" (يو 21: 15، 16).. وكان يقصد المحبة العملية، وليست محبة الكلام واللسان..
ولكن بطرس الذي أنكر، اثبت محبته العملية فيما بعد..
حينما احتمل السجن والجلد من أجل إيمانه وكرازته، وهو وباقي الرسل، وكانوا "فرحين لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه" (أع 5: 41). وبرهن بطرس أيضًا على محبته العملية للرب، حينما رفض تهديد رئيس كهنة اليهود، وقال في جرأة "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 19) بل برهن على محبته العملية للرب، حينما ختم كرازته بقبوله أن يموت من أجله مصلوبا ومنكس الرأس..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
وتظهر المحبة العملية في الحياة الاجتماعية.
مثال ذلك راعوث التي رفضت أن تذهب حماتها وحدها بعد موت ابنها، بل قالت لها: "لا أتركك. حيثما ذهبت اذهب. وحيثما مت أموت. شعبك شعبي، وإلهك إلى. وإنما الموت هو الذي يفصل بيني وبينك" (را: 16، 17). وهكذا فعلت، ولم تترك حماتها وحدها..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:22 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
البذل والعطاء


وهنا امتزج الحب بالطاعة، وبالتضحية والبذل..
المحبة العملية هي المحبة الباذلة، التي فيها يعطى الإنسان: يبذل وقته وجهده وماله، وكل شيء ويقدمه لأجل الذي يحبه.. وعندما تنمو المحبة وتصل إلى كمالها، يبذل ذاته أيضًا، كما قال السيد الرب: "ليس لأحد حب أعظم من هذا، أن يضع نفسه لأجل أحبائه" (يو 15: 13). وبهذا كان حب الشهداء لله، هو أعظم ألوان الحب، لأن فيه بذل للذات..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
وفي مقدمة هذا الحب، بذل السيد المسيح ذاته عنا..
وهكذا بين محبته لنا " ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا" (رو 5: 8).. مات البار لأجل الأثمة والفجار. وكان على الصليب ذبيحة حب. لأنه "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16). ويقول الرب في هذا أيضًا، إن الراعي يبذل نفسه عن الخراف (يو 10: 11).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
هذا هو مقاييس المحبة: البذل والعطاء.
يبذل الإنسان كل شيء. ويعتبر كل شيء رخيصا في سبيل من يحبه.. كشعور الأم من جهة رضيعها. هي تعطيه كل ما تستطيع، وفوق ما تستطيع. وتجد لذة في إعطائه، في بذل راحتها، وصحتها لأجل صحته. إنها مثال للحب الذي يعطى. لذلك ضرب الله هذا المثل في محبته لنا: حتى وإن نسيت الأم رضيعها، هو لا ينسانا" (أش 49: 15).


https://st-takla.org/Gallery/var/albu...ers-of-Men.jpg


هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس (متى 4: 19) - دعوة التلاميذ بطرس سمعان و أندراوس الرسول أخيه


ويعطينا القديس بطرس الرسول مثالا آخر في محبة الرب، إذ قال له:
"تركنا كل شيء وتبعناك" (مت 19: 27).
من أجل محبتهم له، تركوا البيت والأهل والعمل. وساروا وراءه، وهم لا يعلمون إلى أين يذهبون..
متى الرسول، لما دعاه الرب وهو في مكان الجباية، عبر عن محبته بأن ترك مكان الجباية وتبعه (مت 9: 9)، وتاركا الوظيفة والمال والمسئولية.. وكذلك تلاميذه المرأة السامرية، تركت جرتها وذهبت إلى المدينة لتبشر به (يو 4: 28). وكذلك تلاميذه الصيادون: يعقوب ويوحنا، وبطرس وأندراوس: تركوا الشباك، وتركوا السفينة وتبعوه (مت 4: 18 - 22). والقديس بولس الرسول يقول في ذلك:
"خسرت كل الأشياء وأنا احسبها نفاية، لكي أربح المسيح، واوجد فيه" (في 3: 8، 9).
خسر كل شيء، ولم يندم عليه، بل حسبه نفاية.. ويقول أكثر من هذا: "ما كان لي ربحا، فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة. بل إني أحسب كل شيء أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربى" (عب 11: 24 - 26)
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
نفس الوضع بالنسبة إلى موسى النبي.
كان أميرا ً في القصر "ابن ابنه فرعون" محاطا بكل مظاهر الرفاهية والعظمة،ولكنه من أجل محبة الشعب، ومن أجل خدمة الله، ترك كل شيء. وهكذا "لما كبر، أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون، مفصلا بالأحرى أن يذل مع شعب، ومن أجل خدمة الله، ترك كل شيء. وهكذا "لما كبر، أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون، مفضلا بالأحرى أن يذل مع شعب الله.. حاسبا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر.." (عب 11: 24-26).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
كذلك أيضًا كان آباء البرية الرهبان والنساك.
تركوا كل شيء. وسكنوا في الجبال والقفار، وفي المغائر وشقوق الأرض، من أجل عظم محبتهم للملك المسيح. فقد كل شيء قيمته في نظرهم، العالم وكل ما فيه..
عندما تدخل محبة الله في قلب إنسان، يحدث أن يكون في القلب شيء أو أشياء من أدران هذا العالم. ولكن كلما تزداد محبة الله في القلب، تتناقص بنفس القياس هذه الأدران، وتطرد محبة الله الله كل ما في القلب من أمور العالم، حتى تنتهي جميعًا، ويبقى الله وحده. وتنطبق وصية "تحب الرب من كل قلبك" (مت 22: 37).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
إذن من علامات المحبة العملية، زوال محبة العالم من القلب.
وفي ذلك قال معلمنا يوحنا الرسول {لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب} {1يو15:2}.
هل تظنها محبة، حقيقية، أن يدعي أحد بأنه يحب الله، بينما يقبض يده عن دفع العشور والبكور؟!.. أو يقف قلبه مترددًا بين محبة الله ومحبة المال!! إن المحبة العملية نحو الله والناس هي أن يشرك المحتاجين في ماله، حتى لو تعب بعض الشيء في تدبير أموره المادية..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
وتظهر المحبة العملية في قصة أرونة اليبوسى:
حدث لما أراد داود النبي أن يشتري بيدر أرونة اليبوسي، لكي يقيم فيه مذبحًا للرب، {قال أرونة لداود: فلتأخذ سيدي الملك.. انظر البقرة للمحرقة. والنوارج وأدوات البقر حطبًا. الكل دفعه أرونة المالك للملك} {2صم24: 21-23}. أراد أن يتبرع بالكل من أجل حبه لله وللمذبح وللملك داود. ولكن داود النبي قال لأرونة في حكمة {لا، بل أشتري منك بثمن ولا أصعد للرب إلهي محرقات مجانية..} {2صم24:24}.

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:22 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
احتمال التعب


إن المحبة العملية تحتمل التعب لأجل من تحبه..


https://st-takla.org/Gallery/var/resi...im-01-Fire.jpg


قول: إذا انطفأت شعلة الحب التي تلهبك، فإن كثيرين حولك سيهلكون بردًا - القديس سيرافيم ساروفيسكي، ساروفيم ساروف


وهكذا نري السيد المسيح يقول لملاك كنيسة أفسس: {أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك.. وقد احتملت، ولك صبر، وتعب من أجل اسمي، ولم تكل} {رؤ2: 2،3}.
حقًا، إن كل الذين أحبوا الله، وتعبوا من أجله، ووجدوا لذة في هذا التعب. ويقول القديس بولس الرسول {كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه} {1كو8:3}. ويقول أيضًا في رسالته إلي العبرانيين {إن الله ليس بظالم حتى ينس عملكم وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه، إذ قد خدمتم القديسين وتخدمونهم} {عب10:6}. لذلك فإن الرسول يشجع على بذل المزيد من التعب في العمل، لأجل الرب قائلًا {إذن يا أخوتي الأحباء، كونوا راسخين غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب في كل حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب} {1كو58:15}.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
وأيضًا تظهر محبتنا للناس، بتعبنا لأجلهم.
يعقوب أبو الآباء، تعب كثيرًا من أجل محبته لراحيل. خدم لأجلها سنوات طويلة، قال عنها {كنت في النهار يأكلني الحر وفي الليل الجليد، وطار النوم من عيني} {تك40:31}. ويقول الكتاب عن تلك السنوات {فخدم يعقوب براحيل سبع سنين. وكانت في عينيه كأيام قليلة بسبب محبته لها} {تك20:29}.

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:23 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
المحبة في مجال الخدمة


كذلك المحبة الروحية تظهر عمليًا في مجالات الخدمة.
تظهر في تعب الرعاية والافتقاد والتعليم في الأسفار والسهر وحل مشاكل الناس والتعب في الإقناع، وفي الصبر، أما الذي لا يحتمل كل هذا، فلا تكون محبته عملية.
انظر إلي بولس الرسول ومحبته لملكوت الله، كيف يقول: {بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله، في صبر كثير، في شدائد في ضرورات في ضيقات، في ضربات في سجون في اضطرابات، في أتعاب في أسهار في أصوام.. في محبة بلا رياء.. بمجد وهوان، بصيت دري وصيت حسن..} {2كو6: 4-8}.. وهكذا كانت محبته لله وملكوته عملية.. ولم يكتف بأن يصلي {ليأت ملكوتك}...
إننا -كتعليم الكتاب- ننادي بالإيمان والأعمال معًا.


https://st-takla.org/Gallery/var/resi...-to-Church.jpg

خادم مدارس أحد يأخذ بعض الأطفال للكنيسة


فالإيمان بدون أعمال ميت {يع2: 17،20}. وأما الإيمان المقبول عند الله، فهو الإيمان العامل بالمحبة {غل6:5}.
والمحبة شجرة ضخمة، لها ثمارها الشهية، ومن ثمارها تعرفونها {مت20:7}.

فما هو ثمر المحبة يظهر في حياتنا العملية، من نحو علاقتنا بالله والناس؟
ما هي محبتنا العملية نحو الخطاة، ونحو المحتاجين؟
هل نحتقر هؤلاء الخطاة ونبعد عنهم، أم نوبخهم وننتهرهم؟ أم نقودهم بوداعة إلى التوبة، حسبما قال الرسول "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، إِنِ انْسَبَقَ إِنْسَانٌ فَأُخِذَ فِي زَلَّةٍ مَا، فَأَصْلِحُوا أَنْتُمُ الرُّوحَانِيِّينَ مِثْلَ هذَا بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ، نَاظِرًا إِلَى نَفْسِكَ لِئَلاَّ تُجَرَّبَ أَنْتَ أَيْضًا، اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 6: 1). وهكذا في محبة شفع إبراهيم في سادوم (تك 18) وشفع موسى في الشعب (خر 32).
لابد من جهاد لأجل الساقطين، لكي يعودوا إلى الله، كما قال داود النبي في المزمور "لا أدخل إلى مسكن بيتي، ولا أصعد على سرير فراشي، ولا أعطى لعيني نومًا، ولا لأجفاني نعاسًا، ولا راحة لصدغي، إلى أن أجد موضعا للرب ومسكنا لإله يعقوب" (مز 132).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
لتكن محبتنا أيضًا للفقراء محبة عملية.
فلا نكتفي بمجرد مشاعر الإشفاق، أو بإلقاء العظات وكتابة المقالات عن ذلك، وإنما نعطى حتى من أعوازنا (لو 21: 4). ولعل من أبرز الأمثلة القديس سرابيون الذي باع إنجيله وأعطى ثمنه لفقير. ورأى فقيرا آخر عريانا فأعطاه ثوبه. وعاد إلى قلايته بلا إنجيل ولا ثوب. فلما سأله تلميذه أين إنجيله؟ أجابه القديس قائلا: لقد كان الإنجيل يقول لي "بع كل مالك وأعطه للفقراء" (مت 19: 21). ولما لم يكن عندي شيء أملكه سوى الإنجيل، فقد بعته وأعطيت ثمنه للفقير..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:24 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
تصور إستشهاد القديس أغناطيوس الأنطاكي الثيوفوروس

لا شك أن المحبة هي الفضيلة الأولى في المسيحية. وقد جعلها السيد المسيح علامة للمسيحيين فقال "بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي، عن كان لكم حب بعضكم نحو بعض" (يو 13: 35). والقديس بولس فضل المحبة على الإيمان والرجاء فقال "هذه الثلاثة، ولكن أعظمهن المحبة" قال "إن المحبة لا تسقط أبدا" (1كو 13: 13، 8).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ومع ذلك فقد توجد محبة ضارة. ويذكرنا هذا بقصة استشهاد القديس أغناطيوس الأنطاكى، حين أحضروه إلى رومية، لكي يلقى إلى الأسود الجائعة فتأكله. فلما عرف ذلك المسيحيون في رومية، أرادوا أن يخطفوه لينقذوه من الموت، فأرسل لهم القديس أغناطيوس رسالة روحية مؤثرة، منعهم من ذلك قائلا:
"أخشى أن محبتكم تسبب لي ضررًا".
لقد وصل إلى نهاية المطاف في غربته في هذا العالم، وعما قليل سينال إكليل الشهادة ويصل إلى الفردوس ولكنهم بخطفهم له -ولو بعامل المحبة- سيعطلون مسيرته عن الوصول إلى تلك المتعة الروحية، التي تنتظره بعد الاستشهاد.. فتكون محبتهم له ضارة روحيا.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ولعل من أسباب المحبة الضارة، أن تكون بغير حكمة، أو بعيدة عن الروح، أو تتصف بالذاتية، أو متعارضة مع محبة الله.

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:24 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
الأسلوب الخاطئ في المحبة


https://st-takla.org/Gallery/var/resi...birthright.jpg


فاحتقر عيسو البكورية - تكوين 25: 34


لا يستطيع أحد منا أن ينكر محبة الأم، حتى أنه يضرب بها المثل في الحنان وفي العمق. ومع ذلك يمكن أن أما تحب ابنها بطريقة ضارة!
لقد أحبت رفقة ابنها يعقوب بطريقة ضارة.
كانت تريده ينال بركة أبيه إسحق قبل أن يموت. والمفروض أن عيسو كان البكر الذي ينال البركة. فدبرت رفقة حيلة يخدع بها يعقوب أباه إسحق (الضرير وقتذاك) مدعيا أنه عيسو! ولما أدرك يعقوب خطورة هذا الخداع، وخاف أن يكشف الأمر فخدعه، فقال لأمه في خوف "فأجلب على نفسي لعنة لا بركة". أجابت أمه "لعنتك على يا ابني. اسمع لقولي" (تك 27: 6 - 13).. وسمع لقولها، وخدع أباه، فماذا كانت النتيجة؟!
لقد أضرته أمه بمحبتها. وكما خدع أباه، دخلت الخديعة إلى حياته!!
فخدعه خاله لابان، وزوجته ليئة بدلًا من راحيل (تك 29: 25). واضطر أن يتزوج الاثنتين وقاسى من تنافسهما وغيرتهما الواحدة من الأخرى. وخدعه خاله أيضًا فغير أجرته عشر مرات (تك 31: 41)،.وخدعه أولاده. قالوا له إن وحشا افترس ابنه يوسف، وأروه قميص يوسف بعد أن غمسوه في الدم. فناح عليه وبكى "ورفض أن يتعزى" (تك 37: 31-35). وأخيرًا لخص يعقوب حياته بقوله لفرعون "أيام سنى غربتي.. قليلة وردية" (تك 47: 9).
ونال يعقوب جزاء طاعته لمحبة أمه الضارة.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
* لعل من أساليب المحبة الضارة بأسلوب الطريق الخاطئ:

الأخطاء الخاصة بالتزويج: إما الإسراع بالتزويج قبل النضوج، أو قبل التوافق.. أو اختيار زوج تطن فيه الم بكل الحب أنه صالح لابنتها، فتدفعها إلى الزواج به دفعا. ويكون في ذلك ضرر لها كل الحياة..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:25 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
المديح الضار


لقد أعجب الشعب بالفتى داود في انتصاره على جليات الجبار. وهتف النسوة قائلات في إعجاب "ضرب شاول ألوفه، وداود ربواته". وكان هذا المديح سبب غيرة سبب غيرة شاول الملك وحسده وحقده على داود. وفي ذلك يقول الكتاب "فاحتمى شاول جدًا، وساء هذا الكلام في عينيه. وقال: أعطين داود ربوات، وأما أنا فأعطينني الألوف. وبعد فقط تبقى له المملكة" (1صم 18: 7، 8).

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...Tarcaniota.jpg


وكان مديح النساء لداود سب تعب لداود سبب تعب لداود، إذ عمل شاول الملك على قتله..
طارده من برية على برية إلى برية. وعاش داود مشردا مستهدفا طول فترة حياة شاول كلها. لأن المديح الذي مدحته به النساء لم يكن بحكمة، وصادف مشاعر رديئة عند الملك.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
مثال آخر: مديح الشعب لهيرودس.
لبس هيرودس الحلة الملوكية، وجلس على عرشه يخاط الشعب. فصرخ الشعب هذا صوت إله لا صوت إنسان" (أع 12: 22). وصادف هذا الهتاف كبرياء دفينة في قلب الملك، فلم يعتف منه. لذلك ضربه ملاك الرب في الحال، لأنه لم يعط مجدًا لله، فأكله الدود ومات..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ويماثل المديح الخاطئ في ضرره، الدفاع عن الأخطاء.
إنسان تدافع عن أخطائه -بدافع من الحب الخاطئ له- يجعله ذلك يثبت في أخطائه. وقد يؤدى ذلك إلى هلاكه..!
وقد يحدث هذا في جو الأسرة والأصدقاء، أو في تملق الملوك والزعماء. كما حدث أيضًا في المجال الديني من أتباع الهراطقة والمبتدعين.
لولا دفاع الهراطقة عنهم، والتفافهم حولهم ن ما نما خطرهم وهلكوا..
ويحدث هذا مع اتباع أي شخص، حينما يؤلهونه أو يعصمونه من الخطأ، ويدافعون عنه بكل قوة، . فيستمر في الخطأ ويهلك.
إنها محبة خاطئة، بل محبة ضارة. سواء كانت عن ثقة واقتناع، أو عن تملق رخيص.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
إن الأنبياء الكذبة لما تملقوا آخاب ملك إسرائيل، تسببوا في موته.
كان خارجا للحرب ضد الأراميين. وكان يسأل الأنبياء: هل سيكون الله معه وينتصر أم لا؟ وميخا النبي تنبأ له بالصدق إنه إن حارب سينهزم. بينما الأنبياء الكذبة مدحوا الملك وبشروه بالانتصار "وَعَمِلَ صِدْقِيَّا بْنُ كَنْعَنَةَ لِنَفْسِهِ قَرْنَيْ حَدِيدٍ وَقَالَ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: بِهذِهِ تَنْطَحُ الأَرَامِيِّينَ حَتَّى يَفْنَوْا»" (سفر الملوك الأول 22: 11). وأطاع ملك إسرائيل كلام أولئك المادحين، وخرج للحرب. وانهزم ومات (1مل 22: 37 - 39).

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:25 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
تسهيل الشر


https://st-takla.org/Gallery/var/albu...Half-Heart.gif
!

في يوم من الأيام رجع الملك آخاب حزينًا إلى بيته، إذ كان له شهوة في الاستيلاء على حقل نابوت اليزرعيلى، فساعدته زوجته الملكة إيزابل على تحقيق رغبته الخاطئة.
شرحت له كيف يدبر مؤامرة يتهم فيها نابوت ظلما بأنه جدف على الله، ويحكم عليه بالرجم، ثم يرث حقله.
وتمت المؤامرة بشهود زور. وورث آخاب الحقل.. وحققت إيزابل وعدها لآخاب: "أنا أعطيك كرم نابوت اليزرعيلى" (1مل 21: 7)..
وكانت محبة ضارة تسببت في هلاك آخاب.
وأرسل الله إليه إيليا النبي قائلًا "هل قتلت وورثت أيضًا؟.. في المكان الذي لحست فيه الكلام دم نابوت، تلحس الكلاب دمك أيضًا" (1مل 21: 19).
ومثل هذه المحبة الضارة تسهيل كل إجراء غير شرعي:
مثل تسهيل زواج غير شرعي، أو طلاق خاطئ، أو تزويج مطلقين ضد تعليم الكتاب..
ومثله أيضًا طالب يغشش زميله في الامتحان بدافع من الشفقة والمحبة!! أو يكتب شهادة مرضية وهمية.. أو صديق يشهد شهادة زور تأييدا لصديقه.. أو محاسب يساعد ممولا على اختلاس حقوق الدولة في الضرائب.. أو أستاذ باسم الرحمة أو المحبة يخفض المقرر لتلاميذه، ويقدم لهم في الامتحان أسئلة تافهة، لكي ينجحوا ولم ينالوا من العلم شيئا. ويكون قد أضر بهم علميا، وأعطاهم ما لا يستحقون..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:26 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
النصح الخاطئ


باسم المحبة ما أكثر ما تقدم نصيحة لشخص، غرضها الظاهري مساعدته أو رفع شأنه، بينما هي تضره كل الضرر.
مثال ذلك نصيحة الشباب لرحبعام.
أتى رجال إسرائيل إلى رحبعام بعد موت أبيه الملك سليمان، وقالوا له: "إن أباك قسى نيرنا، وأما أنت فخفف من عبودية أبيك القاسية". فاستشار الشيوخ فقالوا "إن صرت اليوم عبدًا لهذا الشعب، وخدمتهم وأحببتهم وكلمتهم كلاما حسنا يكون لك عبيدًا كل الأيام" (1مل 12: 7).
أما الشباب فبحبتهم لسليمان، أرادوا رفع قدره، وتثبيت هيبته وقوته أمام الشعب فنصحوه بأن يتشدد ويقول لهم "إن خنصري أغلظ من متني أبى.. أبى.. أبى أدبكم بالسياط، وأنا أؤدبكم بالعقارب" (1مل 12: 10، 11). ونفذ هذه الوصية، فضاع..
وكانت محبة ضارة، قسمت المملكة، وضيعته.
فانشق عليه أسباط، وكونوا مملكة مستقلة عنه. وأضرته محبة الشباب له، إذ كانت محبة خالية من الحكمة، فيها عدم اتضاع، وعدم محبة للشعب..


https://st-takla.org/Gallery/var/albu...thophel-01.jpg



وبالمثل كانت نصيحة أخيتوفل لأبشالوم.
قال لأبشالوم "ادخل إلى سراري أبيك اللواتي تركهن لحفظ البيت. فيسمع كل إسرائيل أنك قد صرت مكروهًا من أبيك، فتتشدد أبدى جميع الذين معك" (2صم 16: 21). ففعل هكذا. وكانت نصيحة ضارة به روحيًا، وضارة بعلاقته بأبيه..
ثم قدم له نصيحة أخرى، تقضى على أبيه حربيًا.. ولكن كانت هناك صلوات داود مرفوعة إلى الله "حمِّق يا رب مشورة أخيتوفل" (2صم 15: 21). فلم يأخذ أبشالوم بتلك المشورة..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
كم من أصدقاء لهم نصائح ضارة، يقدمونها باسم المحبة!!
لست اقصد فقط أصدقاء السوء، إنما حتى أصدقاء قديسون يقدمون نصائح ضارة ولعل من بينهم القديس بطرس أحد الاثني عشر، الذي لما سمع السيد المسيح يتكلم عن صلبه وقيامته "أخذه بطرس إليه، وابتدأ ينتهره قائلا: حاشاك يا رب. لا يكون لك هذا"،كأنما بهذا يمنعه عن الصليب والفداء. فأجابه الرب قائلًا "اذهب عنى يا شيطان. أنت معثرة لي" (مت 16: 21-23).
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ومن المحبة الخاطئة أيضًا قطع بطرس الرسول لأذن العبد.
فعل ذلك باسم المحبة، دفاعا عن السيد المسيح وقت القبض عليه. استل سيفه، وضرب عبد رئيس الكهنة، فقطع أذنه اليمنى (لو 22:47-50). فانتهره الرب، ولمس إذن العبد فأبرأها. وقال لبطرس "رد سيفك إلى غمده، لأن كل الذين يأخذون بالسيف، بالسيف يهلكون" (مت 26: 52).

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:27 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
المحبة غير العادلة

https://st-takla.org/Gallery/var/resi...-n-Leah-01.jpg
صورة لوحة يعقوب يقابل راحيل و ليئة، الفنان رافاييل سانزيو

مثالها مشكلة قميص يوسف الملون
لقد أحب أبونا يعقوب ابنه يوسف "أكثر من سائر بنيه، لأنه ابن شيخوخته فصنع له قميصًا ملونًا" (تك 37: 3). فماذا كانت نتيجة هذه المحبة غير العادلة؟ يقول الكتاب "فلما رأى أخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع أخوته، أبغضوه ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام" (تك 37: 4) ومعروف ما أصاب يوسف من ضرر على أيدي أخوته..
كذلك من أمثلة المحبة الضارة، محبة يعقوبلراحيل أكثر من ليئة.
وهكذا دخلت هاتان الأختان في صراع حول محبة الزوج وإنجاب البنين، حتى قالت ليئة في بعض الأوقات "مصارعات الله قد صارعت أختي" (تك 30: 8). بل إنها في إنجاب بنيها، قالت عبارات تدل على حالتها النفسية مثل "إن الرب قد نظر إلى مذلتي إنه الآن يحبني رجلي"، "إن الرب قد سمع إني مكروهة، فأعطاني هذا أيضًا"، "الآن هذه المرة يقترن بي رجلي" (تك 29: 31-34).
محبة ضارة أخرى، وهى محبة الاستحواذ.

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:28 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
محبة الاستحواذ


وهى المحبة التي تحبس محبوبها في حيزها الخاص.
كالأم التي تمنع ابنها من سفر بعيد يفيده جدًا، لأنها تريده إلى جوارها وبهذا تضره وتضيع مستقبله بسبب محبتها الضارة. هذا من الناحية العلمانية، ومن الناحية العلمانية، ومن الناحية الروحية قد تقف بشدة في طريق تكريسه.
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
وكذلك قد تفعل الزوجة أيضًا، لأنها تريده لها وحدها.
وما أكثر ما تحدث أمثال هذه المشاكل في محيط الزوجية، أو الحياة العائلية بصفة عامة.. وهنا تتصف (المحبة) الضارة بالأنانية الواضحة..


https://st-takla.org/Gallery/var/resi...ir-Dar-063.jpg



مثل الزوج الذي تدعوه أنانيته في محبته إلى التضييق على زوجته، في الدخول والخروج، وفي الكلام وفي الابتسام، في الزيارات وفي اللقاءات.
كمن يحبس عصفورًا في قفص، ويمنعه من الطيران، ليصير له وحده..
يتأمله وحده، ويغنى العصفور له وحده! ولا تهمه حرية العصفور في شيء ويحدث أن مثل هذه المحبة الضارة تتصف بالعصبية وربما بالعنف كذلك. ويجمع الرجل بين نقيضين: الحب والقسوة!!
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ومحبة الاستحواذ قد توجد عند المرأة، وتصيبها بالخوف والشك والقلق..
وفي نفس الوقت تضر الرجل بمحبتها، فتضيق عليه الخناق أيضًا، وتكثر من أسئلتها وتحقيقاتها حول مواعيده ومقابلاته وعلاقاته، بطريقة تصيبه بالضجر والضيق النفسي،وكل ذلك باسم الحب.
وكما يضغط الرجل على المرأة بالعنف في محبته الضارة، قد تضغط المرأة على الرجل (زوجا كان أو ابنًا) بالدموع والمرض والحزن المتواتر..
https://st-takla.org/Pix/Priests/divider-3.jpg
ومحبة الاستحواذ قد توجد أيضًا في محيط الأصدقاء.
فيضيع الشخص وقت من يحبه. وبسبب المحبة يشغل وقته. وكثيرًا ما يؤثر ذلك على دراسته أو عمله، فيضره بمحبته.. أو باسم المحبة يريده أن يتحيز له، فيصادق من يصادقه، ويعادى من يعاديه. وهكذا يضره من جهة علاقاته ومن جهة روحياته كذلك..


الساعة الآن 07:09 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025