![]() |
رد: الله الحقيقي من يكون ؟
ليس الإيمان بالثالوث الأقدس عقيدة نظريّة أو فلسفيّة أو عقليّة مجرّدة، بل هو عقيدة قائمة على الكشف الإلهيّ الذي تمّ بتجسّد كلمة الله في التاريخ واكتمال سرّ التدبير الخلاصيّ بموت المسيح على الصليب وقيامته. لقد عرفت الكنيسة منذ نشأتها الإيمان بالثالوث الأقدس المؤسَّس على الكتاب المقدّس
فالأناجيل وكتاب أعمال الرسل ورسائل القدّيس بولس تضمّ تعابير وتسابيح ثالوثيّة كانت تُستخدم في العبادة الجماعيّة. لم تدوّن الكنيسة العقيدة في دستور للإيمان إلاّ بسبب انتشار البدع والهرطقات التي شوّهت صورة الثالوث فأنقصت من ألوهة السيّد المسيح والروح القدس. لهذا وجدت الكنيسة نفسها مضطرة إلى إيضاح التعليم الحقيقيّ المسلَّم إليها من الرسل، ما دفعها إلى عقد المجامع المحلّيّة والمسكونيّة، فوضعت في المجمع المسكونيّ الأوّل دستوراً للإيمان هو صيغة موحّدة للإيمان الإنجيليّ الرسوليّ بلغة تناسب العصر الذي وضعت فيه. المجامع لم تخترع شيئاً جديداً ولم تضِف إلى الإيمان عقائد غير معروفة أو غير مبنيّة على ما سبقها، بل هي صاغت الإيمان الذي وصلها بواسطة الرسل والشهداء والآباء والمعلّمين والمؤمنين... القدّيس ثيوفيلُس أسقف أنطاكية هو أوّل من استعمل تعبير "الثالوث" للإشارة إلى "الله وكلمته وحكمته". قبله كان الكتّاب الكنسيّون يتحدّثون عن الآب والابن والروح القدس كإله واحد من دون إطلاق لقب "الثالوث" عليهم. فالقدّيس الشهيد أغناطيوس الأنطاكيّ يقول: "اثبتوا إذاً على تعليم الربّ والرسل، لتنجحوا فيما تعملون... في الابن والآب والروح، في البداية والنهاية". ما يلفت النظر في هذا المقطع هو ذكر الابن قبل الآب، وهذا دليل على أنّ الكاتب يؤمن بالمساواة بين الآب والابن. والقدّيس الشهيد بوليكاربُس أسقف إزمير يحمد الله ويمجدّه متوجّهاً إليه بالقول "بابنك الحبيب، الذي له المجد معك ومع الروح القدس تشهد أقدم العبادات أيضاً للإيمان بالثالوث كحقيقة إيمانيّة خلاصيّة، وهنا نذكر النشيد الذي يرتَّل في صلاة الغروب "يا نوراً بهيّاً"، ويعود تأليفه إلى القرن الثاني. يرد في هذا النشيد: "نسبّح الآب والابن والروح القدس الإله"، ويطلق فيه على المسيح لقب "ابن الله المعطي الحياة". ومَن يعطي الحياة سوى الله؟ أمّا القدّيس يوستينُس الفيلسوف الشهيد فيعلن: "نحن نكرّم الآب ونعبده مع الابن الذي جاء من عنده والروح النبويّ". هذا النصّ واضح في تأكيده على أنّ العبادة تليق بالابن والروح القدس كما بالآب. |
رد: الله الحقيقي من يكون ؟
وأكّد أثيناغوراس الفيلسوف في دفاعه عن المسيحيّين بأنّهم ليسوا مشركين بل هم يؤمنون بوحدانيّة الثالوث: "إنّ ابن الآب هو عقل الآب وكلمته. إنّه وُلد من الآب لا بمعنى أنه صُنع. فالله منذ البدء هو عقل أزليّ وبما أنّه عاقل منذ الأزل كان معه كلمته". هنا إشارة إلى أزليّة الكلمة كون الله ناطقاً منذ الأزل، ولم يكن ثمّة وقت لم يكن فيه الله متكلّماً. في ذهن المسيحيّين إذاً الله واحد، وإنْ كان آباً وابناً وروحاً قدساً. من أهمّ آباء الكنيسة ما قبل المجمع المسكونيّ الأوّل، يأتي القدّيس إيريناوس أسقف ليون في طليعة الذين كتبوا ضدّ الهرطقات الشائعة آنذاك، فيؤكّد على وحدانيّة الآب والابن والروح القدس مبعداً عن المؤمنين صفة الشرك وتعدّد الآلهة: "فمع الله على الدوام الكلمة والحكمة، الابن والروح، بهما وفيهما خلق كلّ الأشياء حرّة، ولهما يقول: "لنخلق الإنسان على صورتنا ومثالنا" (تكوين 1" 26)". أمّا القدّيس اكليمنضُس الإسكندريّ، وهو من أوائل من استخدم الفلسفة في سبيل دعم الإيمان، فيجيب على التساؤل كيف يمكن أن يكون الواحد ثلاثة؟ بالقول إنّ الله فوق الأرقام، وحينما نقول إنّه واحد لا نخضعه لقواعد حسابيّة بشريّة، فإنّ "الله واحد، ويتعدّى الواحد، وفوق الوحدانيّة ذاتها". وقد تصدّى الآباء لهذه المعضلة فأوضحوا أنّ "الواحد" لا يعني رقماً حسابيّاً بل "وحدة" لا يُنطق بها يتبع |
رد: الله الحقيقي من يكون ؟
1- الثالوث الأقدس في سرّي المعمودية والافخارستيّا تتّضح لنا عقيدة الكنيسة الأولى في الثالوث الأقدس ليس فقط في تعاليم الآباء بل في ممارسة الأسرار المقدسة، ولا سيّمَا سرَّي المعمودية والإفخارستيّا. إنّ إيمان الكنيسة الأولى بالثالوث الأقدس قد انطلق من خبرة الرسل الذين عاشوا مع المسيح ابن الله واختبروا عمل الروح القدس في المسيح وفيهم من بعد قيامه المسيح. وهذا الاختبار هو الذي نقلوه إلى جميع المؤمنين بالمسيح عبر الأسرار المقدّسة، ولا سيّمَا سرَّي المعمودية والافخارستيّا. فمَا آمنوا به عبّروا عنه في الأسرار. لذلك نجد علاقة وثيقة بين كرازة الإيمان وممارسة الأسرار. وتلك العلاقة واضحة في وصية يسوع لتلاميذه بعد قيامته: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" متى 28: 19- 20). فالتعليم يسبق المعمودية، والمعموديّة تعبّر عن قبول التعليم وصدق الإيمان. والعلاقة ذاتها نجدها في إنجيل مرقس: "إذهبوا في العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، فمن آمن واعتمد يخلص" (مر 16: 15- 16). وهنا أيضاً التعليم والإيمان يسبقان المعمودية أ) المعمودية لذلك ينطلق تعليم الكنيسة الأولى في عقيدة الثالوث الأقدس من الكرازة التي كانت تهيّئ الموعوظين لتقبّل سرّ المعمودية. ففي تلك الكرازة كانت تفسّر لطالبي العماد معاني هذا السر وأبعاده ومضمون الإيمان الجديد الذي سوف يعتنقونه. وقبل المعمودية وفي طريقة منح السر ذاتها، كان يُطلب من المعتمدين إعلان إيمانهم. نقرأ في "العقليد الرسولي" لهيبوليتوس الروماني، الذي كُتب سنة 215، أنّ الأسقف، أو الكاهن، يقف بجوار الماء، بينما ينزل الشماس في الماء مع طالب العماد. ويضع الأسقف يده على رأس المعتمد، ويسأله: - "هل تؤمن باله الآب القدير؟"، فيجيبه المعتمد: "إنّي أومن به"، فيغطسه إِذّاك في الماء مرة أولى. ثم يضع من جديد يده على رأسه ويسأله ثانية: - "هل تؤمن يسوع المسيح ابن الله، الذي وُلد بفعل الروح القدس من مريم العذراء، ومات وقبر وقام من بين الأموات في اليوم الثالث، وجلس عن يمين الآب، وسوف يأتي ليدين الأحياء والأموات؟"، فيجيبه المعتمد: "إنّي أومن به"، عندئذ يغطسه في الماء مرة ثانية. ثم يسأله ثالثة: - "هل تؤمن بالروح القدس، وبالكنيسة المقدسة، وبقيامة الجسد؟"، فيجيب المعتمد: "إنّي أومن". وإذّاك يغطسه مرة ثالثة. ثم يخرج المعتمد من الماء. وتلك العادة كانت منتشرة في معظم الكنائس المسيحية، كما تشير إلى ذلك مؤلفات يوستينوس، وديونيسيوس الاسكندريِّ، وترتوليانوس، وكبريانوس، وسِيَر الشهداء التي تعود إلى القرن الثالث. إن إعلان الإيمان هذا، في أثناء رتبة المعمودية، هو شهادة لموجز العقيدة المسيحية، و"قانون الإيمان" الكنيسة الأولى. ويبدو لنا الاعتراف بالثالوث الأقدس، الآب والابن والروح القدس، الركن الأساسي في تلك العقيدة. |
رد: الله الحقيقي من يكون ؟
ب) الافخارستيا في الافخارستيا، سرّ الشكر، تحتفل الكنيسة بعظائم الله وتشكر له كلّ ما صنعه لأجلنا، ولا سيّمَا إرساله إلينا ابنه يسوع المسيح وروحه القدوس. لذلك يرد ذكر الأقانيم الإلهية الثلاثة في إقامة. كل افخارستيا، لدى تقدمة القرابين وتقديسها (ما يُدعى باليونانية الأنافورا). يروي هيبوليتوس الروماني في التقليد الرسولي كيف كانت الكنيسة الأولى تحتفل بهذا السر: "يقدّم الشمامسة القرابين إلى الأسقف، فيضع يده عليها، ويتلو عليها الصلاة التالية: "نرفع لك الشكر، يا الله، بابنك الحبيب يسوع المسيح، الذي أرسلته إلينا في تمَام الأزمنة مخلّصاً وفاديًا ومبلغًا إيانا ارادتك". وبعد ذكر كلام الرب على الخبز والخمر، يتابع قائلاً: "نطلب إليك أن ترسل روحك القدوس على تقدمة الكنيسة المقدّسة، وأن تجمع النفوس لتوطيد الإيمان في الحق". ويختم بالتمجيد: "ولذا نريد أن نسبّحك ونمجّدك بابنك يسوع المسيح، الذي به نرفع إليك التمجيد والإكرام، أيها الآب والابن والروح القدس، في الكنيسة المقدّسة، الآن وإلى دهر الداهرين. آمين". على هذا المثال كانت تُتلى كل صلاة افخارستيّة: فالصلاة تتوجّه إلى الآب، الذي أرسل ابنه المخلّص، وتطلب إليه الآن أن يرسل روحه القدوس على القرابين ليكرّسها ويجعلها جسد المسيح ودمه، وكل الشعب كله ليقدّسه ويوطده في الإيمان ويجمعه في الوحدة. يتبع |
رد: الله الحقيقي من يكون ؟
2- الثالوث الأقدس في تعليم الآباء لم يكتف الآباء في تعليمهم بترداد. أقوال العهد الجديد في الثالوث الأقدس، بل حاولوا توضيح علاقة الأقانيم بعضها ببعض، وذلك في تفسير العقيدة المسيحية للمسيحيين، والدفاع عنها إمّا ضد الوثنيين وإمّا ضد الغنوصيين يؤكد هؤلاء الآباء الوهية الابن والروح، اذ يميّزون بين "صنع الخلائق"، وولادة الابن، ووحدة الجوهر الإلهي بهن الآب والابن والروح القدس. يقول اثيناغوراس: "إنّ ابن الله هو كلمة الآب بالفكر والقدرة. اذ فيه وبه كوّن كل شيء، لأن الآب والابن هما واحد فالابن هو في الآب، والآب هو في الابن في وحدة الروح وقدرته. إنّ ابن الله هو عقل الآب وكلمته. واذا أردتكم، بحكمتكم السامية، أن تعرفرا ما معنى "الابن"، سأقوله لكم ببضع كلمات: إنه وُلد من الآب، لا بمعنى أنه صُنع. فالله، منذ البدء، هو عقل أزلي، وبمَا أنه عاقل منذ الأزل، كان معه كلمته (الذي هو عقل الله)". القديس إيريناوس، أسقف ليون (140- 202 توسّع ايريناوس في عقيدة الثالوث الأقدس في كتابيه: "ضد الهراطقة"، و"تبيين الكرازة الرسولية". فالكتاب الأوّل موجّه ضد الغنوصيين الذين كانوا يفرّقون بين الإله الأسمى البعيد عن الكون والذي لا علاقة له بأيّ من الكائنات، والإله الأدنى الذي انبثق عن الإله الأسمى، وسقط بالتالي من جوهر الالوهة، وبه خلق الإله الأسمى الكون. فالخالق هو إذًا، في نظرهم، الإله الأدنى. والكتاب الثاني هو عرض بسيط شعبي للعقيدة المسيحية وتبيين أسسها الرسولية. معرفة الله: يؤكد إيريناوس أنّ الإله الأسمى هو نفسه الإله الخالق، وأنه لا وجود لآلهة أدنين سقطوا من جوهر الالوهة. فالإله واحد، وهذا الإله قد عرّف ذاته لجميع الناس معرفة أولى بواسطة الخلق. ثم أوحى ذاته تدريجيًّا بواسطة الأنبياء، وأخيرًا بواسطة ابنه وكلمته يسوع المسيح. |
رد: الله الحقيقي من يكون ؟
أما بشأن إمكانية توصّل الناس إلى معرفة الله، فكان الغنوصيون يقسمون الناس إلى ثلاث فئات: المادّيين، أبناء الشيطان، الذين لا يمكنهم الوصول إلى معرفة الله، والنفسيين، أبناء الإله الأدنى، الذين يرتفعون بالمعرفة ثم يسقطون عنها، وأخيرًا الروحيين، أبناء الله، الذين يعرفون الله منذ الآن معرفة ثابتة بحَدْسهم الطبيعي. وهؤلاء فقط يمكنهم القول أنهم يعرفون الله معرفة كاملة. جوابًا على هذه النظرة يؤكّد إيريناوس أنّ جميع الناس متساوون إزاء سر الله، الذي لا يمكن كشفه كشفًا تامًا بواسطة العقل، بل بواسطة الوحي الذي أتانا به ابن الله. والكلمة، اذ يظهر الله للناس، لا يظهره بشكل يتيح لهم رؤيته رؤية مباشرة، وذلك لئلاّ يصل الإنسان إلى احتقار الله، وليكون دومًا أمامه هدف يحثّه على التقدّم" (ضد الهراطقة 4: 20، 7). وحتى في السماء لن يزول هذا التقدّم في معرفة الله. يقول إيريناوس: "ان كانت هناك، حتى في عالمنا المخلوق، أمور يحتفظ بها الله وأمور يستطيع علمُنا البلوغ إليها، فهل من الغريب أن نجد في الكتاب المقدس الذي هو روحي بمجمله، مسائل يمكننا حلّها بنعمة الله، ومسائل أخرى يحتفظ بها الله لنفسه، ليس في هذا العالم وحسب، بل أيضاً في العالم الآخر، وذلك لكي يبقى الله دوما يعلَمنا، ويظلّ الإنسان على الدوام يتعلّم على يد الله" (ضد الهراطقة 2: 28، 2- 3). * المعمودية باسم الآب والابن والروح القدس يؤكّد ايريناوس أنّ معرفة الله لدى المسيحيين تبدأ بالمعمودية التي ينالونها على اسم الآب والابن والروح القدس. يقول في "تبيين الكرازة الرسولية": "إليكم ما يؤكده لنا الإيمان، كما سلّمنا إياه الكهنة، تلاميذ الرسل. انه يذكّرنا أوّلاً أننا نلنا المعمودية لمغفرة الخطايا باسم الله الآب، وباسم يسوع المسيح ابن الله الذي تجسّد ومات وقام، وفي روح الله القدوس.. عندما نولد من جديد بالمعمودية التي تُعطى لنا باسم هذه الاقانيم الثلاثة، نغتني في هذه الولادة الجديدة من الخيرات التي في الله الآب بواسطة ابنه، مع الروح القدس. فالذين يعتمدون ينالون روح الله، الذي يعطيهم للكلمة، أي للابن، والابن يأخذهم ويقدّمهم للآب، والآب يمنحهم عدم الفساد. وهكذا بدون الروح، علينا رؤية كلمة الله، وبدون الابن لا يستطيع أحد الوصول إلى الآب. فان معرفة الآب هي الابن، ومعرفة ابن الله نحصل عليها بواسطة الروح القدس. ولكن الابن هو الذكي من شأنه توزيع الروح، حسب مسرّة الآب، على الذين يريدهم الآب، وعلى النحو الذي يريد" (الكرازة الرسولية 3 و7). |
رد: الله الحقيقي من يكون ؟
الإيمان بالثالوث الأقدس أساس خلاصنا يتّضح لنا من خلال النص السابق أنّ الإيمان بالثالوث الأقدس لا يمكننا البلوغ إليه إلاّ انطلاقًا من تدبير الله الخلاصي. لذلك يعتبر هذا الإيمان أساس خلاصنا وركن بنائه. يقول في كتابه ضد الهراطقة: "هوذا تعليم إيماننا المنهجي وأساس خلاصنا وركن بنائه: إنّه الله الآب الذي لم يُخلق ولم يولد ولا يرى، الإله الأوحد، خالق كل شيء، هذا هو البند الأول من إيماننا. أما البند الثاني فهو التالي: إنّه كلمة الله، وابن الله، ربنا يسوع المسيح، الذي ظهر للأنبياء في الشكل الذي وصفوه به في نبؤاتهم ووفق تدبير الآب الخاصّ، الكلمة الذي كوّن كلّ شيء، والذي في ملء الأزمنة، صار إنسانًا ليعيد كلَ شيء ويضبطه، فوُلد من البشر، وسار منظورًا وملموسًا ليبيد الموت ويظهر الحياة، ويعيد الوحدة بين الله والإنسان. أما البند الثالث فهو الروح القدس الذي نطق بالأنبياء، وعلّم آباءنا الأمور الإلهية، وقاد الصديقين في طريق البر. وهو الذي، في ملء الأزمنة، أفيض بشكل جديد على البشرية، فيمَا كان الله يجدّد الإنسان على الأرض كلّها" (الكرازة الرسولية 3 و6) وهذا الإيمان هو إيمان الكنيسة الجامعة منذ الرسل: "إن الكنيسة، وان تكن منتشرة في المسكونة كلّها حتى أقاصي الأرض، قد تسلّمت من الرسل وتلاميذهم الإيمان بإله واحد، آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض والبحار وكل ما فيها؛ وبيسوع المسيح الواحد، ابن الله، الذي تجسّد لأجل خلاصنا؛ وبروح قدس واحد نطق بالأنبياء معلنًا تدابير ربنا الحبيب يسوع المسيح، ومجيئه وميلاده البتولي وآلامه وقيامته من بين الأموات، وصعوده بالجسد إلى السماوات، ومجيئه الثاني عندما سيظهر من السماوات، عن يمين الآب، ليعيد كلّ شيء ويقيم كلّ جسد من جميع البشر، لكي تجثو أمام ربنا يسوع المسبح وإلهنا ومخلّصنا وملكنا، وفق إرادة الآب الذي لا يُرى، كل ركبة ممّا في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض، ويعترف به كلّ لسان.. هذه هي الكرازة التي تسلّمتها الكنيسة. وهذا هو إيمانها، على ما قلنا، ومع أنها منتشرة في العالم أجمع، فهي تحافظ على تلك الكرازة باعتناء، كما لو كانت تقيم في منزل واحد، وتؤمن بها باتّفاق، كما لو كان لها نفس واحدة وقلب واحد. وبوحدة رأي تكرز بها وتعلّمها وتسلّمها، كما لو كان لها فم واحد" (فقد الهراطقة 1: 10، 2). ويعلن ايريناوس ضد الغنوصيين، الساعين وراء معرفة الله جديد يكتشفون سرّه بتنظيرهم العقليّ، أن لا الله إلاّ الإله الذي ظهر لنا في المسيح وفي الروح القدس: "عندما سيبلغ كل شيء كماله في السماء، لن نرى آبا آخر غير الآب الذي نودّ أن نراه..، ولن نشاهد مسيحًا آخر ابن الله غير ذاك الذي ولد من مريم العذراء، وتألم، الذي به نؤمن وإيّاه نحب..، ولن نحصل على روح قدسٍ آخر غير ذاك الذي معنا والذي يصرخ فينا: "أبّا أيّها الآب. فبهم سنواصل السعي والتقدم، متمتعين بمواهب الله، ليس بعد من خلال الرموز وكما في مرآة، بل وجهًا إلى وجه" (ضد الهراطقة 4: 9، 2). |
رد: الله الحقيقي من يكون ؟
وحدة الجوهر الإلهي والطبيعة الإلهية لا يكتفي إيريناوس بذكر الأقانيم الثلاثة، بل يوضح وحدتها في الألوهة. فيقول عن الآب والابن: "الآب ربّ، والابن ربّ، الآب إله والابن إله، لأن الذي ولد من الله هو إله. وهكذا، وإن كان هناك، حسب تدبير فدائنا، ابن وآب، نبيّن أن ليس إلاّ إله واحد، في جوهر كيانه بالذات وطبيعة هذا الكيان" (الكرازة الرسولية، 47). ويؤكّد ألوهيّة الابن: "إنّ الابن، الذي هو موجود دومًا مع الآب، يوحي الآب منذ البدء للملائكة ورؤساء الملائكة والقوات ولكل من يريد الله أن يوحي له ذاته" (ضد الهراطقة 3: 9)، "لقد بيّنّا بوضوح أن الكلمة موجود منذ البدء لدى الله.. وهكذا أرغمنا على الصمت أولئك الذين يقولون: بمَا أن المسيح ولد، فهذا يعني أنّه لم يكن قبلاً. فقد برهنّا أن وجوده لم يبدأ بولادته، بمَا أنه موجود دائمًا لدى الآب" (3: 18، 1). لا يتكلم كثيرًا إيريناوس عن ألوهيّة الروح القدس، لأن موضوع النقاش في الكنيسة الأولى لم يكن الروح القدس بل الابن. ومع ذلك بشير إلى ألوهية الروح القدس في ذكر وحدة العمل الإلهي بين الآب والابن والروح القدس: "الآب يسرّ ويأمر، والابن يعمل ويخلق، والروح يغذّي وينمي، والإنسان يتقدّم رويدًا ويرتقي إلى الكمال، أي إنه يتقرّب من الله غير الخلوق، لأنّ من هو غير مخلوق، فهو كامل، وهذا هو الله" (ضد الهراطقة 4: 38). ان الروح يغذّي الإنسان بغذاء الله وينميه في معرفة الابن والآب. فهو واحد مع الابن والآب. ويدعو إيريناوس الابن والروح "اليدين" اللتين بهما خلق الآب العالم ولا يزال يعمل بهما متابعًا عمل خلاص الإنسان ليصل به إلى ملء حياة الله: "إنّ الإنسان، الذي جبلته في البدء يدا الله، أي ابنه وروحه، يصير في كل وقت على مثال الله وصورته" (ضد الهراطقة 5: 28، 3). لقد رأى البعض في تشبيه "اليدين" انتقاصا لوحدانية الله، أو عدم مساواة بين الأقانيم الإلهية. إلاّ أن ايريناوس لا يرى في هذا التشبيه سوى صورة للتأكيد على وحدة الأقانيم الإلهية في الطبيعة الإلهية وفي عمل الله في الكون. وكذلك القول عن العبارات التالية التي توضح عمل الأقانيم الثلاثة في خلاص الإنسان: "إن الرب قد أفاض روح الآب على الإنسان ليوحّده بالله ويدخله في شركة معه، بمنحه الله للإنسان بالروح القدس" (ضد الهراطقة 5: 6، 6). "بالروح يرتقي التلاميذ إلى الابن، وبالابن إلى الآب، والابن يسلّم عمله إلى الآب" (ضد الهراطقة 5: 36، 8). "إن الذين يحملون في ذواتهم روح الله يُقادون إلى الكلمة، والابن يأخذهم ويقدّمهم إلى أبيه، والآب يمنحهم عدم الفساد" (الكرازة الرسولية، 7). لا نجد أروع من هذه التعابير لتفسير عمل الأقانيم الثلاثة في تاريخ الخلاص، بيد أن إيريناوس يقتصر في لاهوته في عقيدة الثالوث الأقدس على هذا العمل، دون الخوض في موضوع كيان الله في ذاته وعلاقة الأقانيم الثلاثة ضمن حياة الله الباطنيّة. |
رد: الله الحقيقي من يكون ؟
ترتوليانوس ترتوليانوس هو أوّل لاهوتيّ في الكنيسة الغربيّة توسّع في عقيدة الثالوث الأقدس، واستخدم للتعبير عنها ألفاظًا ستثبت حتى يومنا هذا، ولا سيّمَا لفظتي "جوهر"، وأقنوم أو شخص. لقد تأثّر ترتوليانوس بالفلسفة الرواقيّة الحلوليّة، التي كانت ترى في مبدإ الكون جوهرًا واحدًا حيًّا يجمع في ذاته بين الروحيّ والجسديّ، ويبرز خارج ذاته في تعدّد الخلائق، دون أن يفقد وحدته. لذلك ينطلق ترتوليانوس، في عرضه لسر الثالوث الأقدس، من الجوهر الإلهي الواحد الذي ظهر بثلاثة أقانيم في الخلق والخلاص. فالأقانيم الإلهية هي، في نظره، ثلاثة أنواع من العلاقات يرتبط من خلالها الإله الواحد بالعالم، وتتساوى في جوهر الالوهة، غير أنها تتفاوت في الظهور. فالآب هو منذ الأزل، و"هو الجوهر كلّه" (ضد براكسياس، 9). كذلك القول عن أزلية وجود الابن والروح جمع الآب. فهما أزليان مع الآب، ولكن ليس كأقنومين متميّزين عن أقنوم الآب، انما كصفتين في الذات الإلهية. ولم يتميّزا كأقنومين إلاّ في الزمن، أي لدى خلق الكون ولدى حلول الروح القدس على التلاميذ يوم العنصرة. يقول ترتوليانوس: "أن الله كان وحده.. ومع ذلك لم يكن، إذّاك، وحده بالمعنى الحقيقيّ. فقد كان معه العقل الذي فيه. إن الله عاقل، والعقل كان فيه منذ البدء، وبه كان كلّ شيء. هذا العقل يدعوه اليونانيون "لوغوس" (ضد براكسياس، 5). ويميّز ترتوليانوس، كما فعل يوستينوس قبله، بيت الكلمة الذي هو فكر الآب وعقله منذ البدء، والكلمة الذي نطق به الآب لدى خلق العالم: "إن الله لم ينطق بكلمته منذ البدء بيد أن كلمته كان فيه مع العقل ذاته وفي العقل ذاته، مفكراً في ما سوف يعبّر به بكلمته ومنظّمًا إيّاه" (ضد براكسياس، 5). إن العقل والكلمة الذي قبل الخلق هو صفة خاصّة بالله، ولكنّه ليس أقنوم الابن. فعندما قال الله "ليكن نور"، وُلد منه كلمته، إذّاك ظهر الابن الوحيد المولود من الآب، والمتميّز عنه. فالابن لم يظهر في الوجود متميّزًا عن الآب إلاّ لدى خلق العالم، والروح لم يظهر متميّزًا عن الآب والابن إلاّ لدى حلوله على التلاميذ. وكما أن الابن أخذ وجوده من الآب، كذلك الروح القدس أخذ وجوده من الابن الذي طلب إلى الله الآب بعد صعوده إلى السماء أن يرسل الروح القدس على التلاميذ. وهذا ما يعنيه ترتوليانوس بالتعبير الذي صار تقليديًّا في اللاهوت الغربي: "الروح ينبثق من الآب والابن". هكذا نلاحظ أن تعليم ترتوليانوس اللاهوتي في عقيدة الثالوث الأقدس، رغم عمقه وتأكيده على وجود "ثلاثة أقانيم في الألوهة الواحدة"، ينقصه التوازن والانسجام في الربط بين التثليث في الأقانيم والوحدة في جوهر الألوهة من جهة، ومن جهة أخرى بين ظهور الأقانيم الثلاثة ووجودها منذ الأزل في الإله الواحد. |
رد: الله الحقيقي من يكون ؟
القديس أثناسيوس الاسكندريّ
كان همّ أثناسيوس الأكبر، في عرض عقيدة الثالوث الأقدس، الدفاع عن الإيمان القويم ضدّ آريوس. لذلك ركّز على الوحدة في الجوهر بين الآب والابن، فصرّح أن الابن هو صورة من ذات جوهر الآب، وأن الروح القدس هو صورة الابن، كما أن الابن هو صورة الآب: "ففي الابن يمكننا رؤية الآب. وعندما نستنير بالروح، فالمسيح نفسه هو الذي ينيرنا به". "واحد هو التقديس الذي نحصل عليه من الآب بالابن في الروح. فكما أنّ الابن هو ابن وحيد، كذلك الروح، الذي يمنحه ويرسله الابن، هو واحد.. الآب يرسل الابن، والابن يرسل الروح.. الابن يمجّد الآب، والروح يمجّد الابن". يتبع |
الساعة الآن 11:17 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025