منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كلمة الله تتعامل مع مشاعرك (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=45)
-   -   وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=25)

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:00 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
عفة اللسان

لنيافة الأنبا مكاريوس
اللسان العفيف هو الذي لا ينطق بما هو جارح أو ساخر أو يخدش الأسماع

صاحبه مختون الشفتين، لا يتكلم إلاّ بما هو للبنيان كلامه مملّح بالروح القدس يقول أب لتلميذه

" انظر لا تدخل هذه القلاية كلمة غريبة"

ويقول القديس يوحنا الدرجي :



" فم العفيف بتكلم بالطيبات ويلذذ صاحبه ويفرح سامعيه".





إنها فضيلة أن ينتقي المتكلم كلامه أن يختار ما يقوله ألا ينطلق لسانه بكل ما هو درئ

وإذا اضطر إلي قول ما يعد غير تقليدي أو مضطر لاعادة قول كلمة قد تبدو أقل من المستوي المطلوب:

فهو يعتذر قبلا كثيراً هو يخشي أن يلوث مسامع من يسمعونه وكذلك لئلاّ يدنس شفتيه

وهناك فرق بين شخص يقول كلمة الحق بلطف وعفة

وآخر يقولها بقباحة شتم شخص راهباً بكلمة قبيحة فقال له

"ان كلمات النعمة علي شفتيك يا أخي " وتكرر الأمر مع آخر فقال:

" كنت قادراً أن أجاوبك بمثل ما يوافق كلامك ولكن ناموس إلهي يغلق فمي ".



هناك شخص تتمني ألاّ يكفّ عن الكلام بسبب حلاوة كلمات النعمة الخارجة من شفتيه، هو مشجع ملاطف ُمدافع، وآخر تتمني أن ينتهي سريعاً من كلامه

يقول عنه الكتاب: " سم الأصلال يرضع يقتله لسان الأفعى" (أي 20: 16).

إنسان تستزيده كلما حاول أن ينهي حديثه، وآخر تسعى في إنهاء اللقاء معه، إنه يتعبك بتأنيبه بإدانته للآخرين

حقاً يقول الكتاب "شفتاك ياعروس تقطران شهداً " (نش 4: 11).

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:05 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
في أنواع الفضيلة - القديس أفرام السرياني


إن في عقلي راسخ كل ساعة المنظر الذي حدثتني به أيها الأخ فلذلك جاهد أن تسير بما يكون موافقاً للدعوة العليا لأنني عارف نشاطك وغيرتك إلي اللـه
فلذلك أشير عليك إذ لك نية أن تخلص وليست لك خبرة بالسيرة ذات الفضيلة أن تقتفي آثار الآباء والأخوة التامين وتستفيد منهم كيف ينبغي لعبد اللـه أن يتصرف.

الأمر الذي كنت أقوله لك دائماً أن تعاين سيرة كل واحد منهم وتتشبه بتدبيره متفطناً في كل واحد منهم متدرع السلاح في الدين البهي منقاد إلي رأي الدعوة العليا، وتترقب بمبالغة من واحد أمانته الكاملة التي لا تتزعزع،
وآخر اتكاله علي اللـه، وآخر تقتبس منه المحبة المضاعفة بحب اللـه والقريب وكيف أحدهم بمخافة اللـه يقي نفسه محفوظاً من كل أمر خبيث ذي سيرة حية لا زلل ولا لوم فيها، وآخر ممدوح من الكل من أجل طهارة سيرته وفقدها العيب لأن كثيرين يوجدون مثل هؤلاء الذين عنهم كنت أقول لك أصغِ إلي أولئك لا إلي المتواني.

صر مغاير الذين هم بيننا كالنجوم لترى كيف أحدهم محارباً من الخبث بآلام متلونة فيهرب إلي اللـه بالصلاة ويلاصقه بالتخشع والشوق فيأخذ معونة النعمة ويغلب الأفكار القبيحة والنجسة،
وآخر يتوب عما عمله من الزلات ببكاء غزير وعبرات وزفرات نائحاً بإكتئاب علي خطاياه معترفاً للـه في الصلوات والأسهار يشقي بالصوم والتعب والاضطجاع علي الأرض والاغتمام مجتهداً أن يخلص نفسه بِهذه الأسلحة.

فجاهد أنت محارباً إلي الموت كجندي حقيقي لأن النسك يا ولدي ليس هو لعباً بل بتحرز كثير يقوم خلاص النفس.

فلذلك لم يبق واحدة من الفضائل لم أكتب لك عنها وأرسلها إليك لكي لا تقول أنني لست أعرف ما أعمل هكذا أجتهد إذاً أن تسير زمان حياتك بفطنة وبكل صنعة حسنة لترضي اللـه والناس، فإنك إن دبرت نفسك هكذا مراقباً زهد كل واحد من أخوتك الكامل وسيرته باللـه ذات فضيلة فسيمكنك بسهولة أن تصعد نفسك إلي علو الفضائل.

مشاهداً زهد أحدهم في القنية كيف قد أهمل كل الأشياء مجاهداً أن يوقف عقله من كل جهة بلا هم مثابراً علي الصلوات بلا اشتغال بال وليس له فكر ولا هم يقطعان صلاته ودموعه ومحبة اللـه الحارة الكاملة.

لأنك تعلم أيها الحبيب أن الإنسان إن صلي بشوق ودموع بقلب نقي يعاين الإله نفسه بذهنه فلذلك كل أحد يحصل بالمسكنة وبالفقر وبالضيقة الكثيرة لنفسه الخيرات الموعود بِها للصديقين لأن الباب ضيق والطريق حرج المؤدي إلي الحياة.

لذلك أريتك هذه الطريقة التي لم أسر فيها أنا، حتى إذا صغيت إلي ذاتك تماثل سيرة القديسين فتضاهي ورع أحدهم، وصناعة آخر، وتماثل صلوات آخر، وتتشبه بسجية آخر، وتشابه تواضع آخر، وتضاهي كرامة آخر، وتستفيد من آخر لومه لنفسه، ومن آخر احتقاره ذاته وتَهاونه بِها، ومن آخر صرامة سيرته، ومن آخر اهتمامه، ومن أخر سكوته،
ومن آخر وداعته، ومن آخر طول انانته، ومن آخر احتماله، ومن آخر مسالمته للكل، ومن آخر الصداقة، ومن آخر ألفته، ومن آخر اتفاقه، ومن آخر فهمه، ومن آخر عقله، ومن آخر تيقظه، ومن آخر حكمته،
ومن آخر حسن منطقه، ومن آخر إصابة الرأي، من آخر إفرازه، ومن آخر توسطه، ومن آخر بشاشته، ومن آخر فرحه، ومن آخر حسن تسليمه، ومن آخر سرعة انعطافه، ومن آخر مسامحته، ومن آخر شجاعته، ومن آخر ثقته، ومن آخر جهاده، ومن آخر طاعته، ومن آخر عملاً، ومن آخر مديحاً، ومن آخر نشاطاً، ومن آخر خدمته للأخوة، ومن آخر غيرة، ومن آخر حرارة، ومن آخر خضوعاً،
ومن آخر التبرؤ جملة من العالم واحتقاره العالم وأمانته كل يوم، ومن آخر صبراً، ومن آخر الثبات، ومن آخر الصدقة، ومن آخر مجاهرته، ومن آخر توبيخه، ومن آخر سيرته الواضحة للكل والمنيرة، ومن آخر تحفظه، ومن آخر شكراً، ومن آخر أدباً، ومن آخر عفة، ومن آخر قداسة، ومن آخر طهارة، ومن آخر بتولية، ومن آخر نقاوة،
ومن آخر عزماً روحانياً، وتراصد أحدهم صدقته، وآخر انتظاره، وآخر خيريته، وآخر صلاحه، وآخر حسن مجازاته، وآخر مساواته، وآخر عدل حكمه، وآخر عفوه، وآخر دعته، وآخر رثاءَه، وآخر إحسانه، وآخر محبته للغرباء، وآخر أحتياجه، وآخر عدمه الشر، وآخر وداعته، وآخر قناعته، ومن آخر تحفظه، ومن آخر شكره،
ومن آخر بساطته، ومن آخر تعزيته، ومن آخر تسليته، ومن آخر تعهده المرضى، ومن آخر استقامة ذهنه، ومن آخر حياة.

وتستفيد من جماعتهم الصلاة التي لا تنقص والترنم وذرف مجاري الدموع سواقي، وجملة تغني عن التفصيل من السيرة الإلهية فما دمت ساكناً وسط هذا الكنز فأحرص أن تستغني، وما دمت عائشاً مع العذارى الأحرار العاقلات فلا تعد مع العواق، ما دام لك هؤلاء النجوم يضيئون عينيك كل يوم وليلة فأسلك في ضيائهم وأقتفِ أثارهم لتدخل معهم إلي المساكن الأبدية.

أخطر في هذه الخطوات ليمكنك أن تستدرك قوماً منهم لأنني عالم إنك إن شئت فإنك تقدر، منطق حقويك وقد مصباح عدلك وأنتظر ربك لتوجد مستعداً لاستقباله، أنا لست أكفف عن مكاتبتك في هذا الأمر وأعلم إنك تسمع سماعاً مقسطاً فأصغِ إلي ذاتك وجاهد إلي الوفاة وتحرز محفوظاً لتلتقي الختن الذي لا يموت بدالة وسرور.

أكرم البتولية فإنْها تبلغ بك إلي الحجلة السماوية فلهذا قال الرسول: قد خطبتكم لرجل واحد لأقيمكم عروساً طاهرة للمسيح.

والآن ياحبيبي قد كتبت إليك فضائل القديسين وسأكتب لك مكامن المضاد لكي إذا نجيت من فخاخ ذلك تستطيع أن تخلص نفسك فلا ثقل لي إذاً أنني قد حصلت في الدير وقد لبست الإسكيم الملائكي فليس الناس فقط بل الإله نفسه لا يستبشر بالإسكيم الظاهر بل بثمار الأعمال الصالحة.

فأنتصب إذاً كشجرة حسنة نضارتَها حاملة أثمار الفضيلة، وأحذر أن تجئ دودة الكبرياء فتفسد أثمار تواضعك، لا يسرق الكذب صدقك، ولا يغش السبح الباطل تورعك، ولا يستل الغيظ وداعتك، لا يسلب الغضب طول أناتك، ولا تفسد الخصومة سلامتك، ولا تعوق المعاداة مصادقتك، ولا يقطع الحقد المحبة، ولا يبيد القرف الإكرام، ولا يوزع المحك الاتفاق،
ولا يطرد الاضطراب السكوت، ولا يعق شره البطن الصوم، ولا يقطع ألتذاذ الأكل الحمية، ولا يعرقل الونية الحرص، ولا يقطع النوم السهر، ولا يثقل الضجر النشاط، ولا يمنع العجز الخدمة، ولا يسحب التذمر الخضوع، ولا تختلس المعصية الطاعة، ولا يغلب الكلام الباطل الترنم والترتيل، ولا يقهر المزاح دراسة التمجيد،
ولا يتقوَّ ويستظهر الضحك علي النوح، ولا تعطل الفظاظة المسامحة، ولا يفسد الفسق العفة، ولا يبطل عدم الأمانة الأمانة، ولا تكرم محبة الفضة أكثر من هجر القنية، ولا تحب والديك أكثر من المسيح، ولا تستلذ وتستحل العالم أكثر من ملكوت السموات، ولا يغير الغنى عندك الفقر،
ولا تحرض لسانك الوقيعة، ولا تجعلك النميمة قاتل أخاك، ولا تدنس المشارة نفسك، ولا يحرقك الحسد للقريب، ولا ينجس الغش صفا قلبك، لا تعدمك المرآة الخيرات، لا يصنعك البغي دافعاً، لا تسبب لك شهادة الزور العذاب، لا تغربك السرقة من الملك، لا يغلق الظلم دونك الفردوس،
لا يبدد عظامك استرضاء الناس، لا تقطع مجاهرتك محاباة الوجوه، لا تسحبك محبة اللذة من محبة اللـه، لا تعمِ الشهوة تخشعك، لا تشوه اللذة شوقك إلى اللـه، لا تخسرك لذة الأطعمة نعيم الفردوس، لا ترفض إنساناً لئلا تسخط خالقه، لا تعيرن أحداً لأنك لا تعلم ماذا يصيبك من العوارض،
لا تترفع بقلبك لكي لا تسقط فتجلب لذاتك هواناً، لا تقطع دعتك الجسارة، لا يستأسر الجزع شهامتك، لا يبيد تقواك التهاون، لا يفصلك التنزه من الرفقة، لا يجرح نفسك النظر والتفرج، لا تفسد نفسك من السماع، لا تعاشرن الأشرار ولا تشاورهم لئلا يظلم شرهم ذهنك، لا يغلب الخبث صلاحك، ولا يقهر الحسد عدمك التألم، لا تصر متهجماً لئلا تمقت من الجماعة، لا يسبب لك التعاظم جلدات،
لا تمنح جسدك قط ألبتة نياحاً لئلا يصير ثقلاً لنفسك، لا يختلس الافتراء مديحك، لا يصد عنك الأياس التوبة، لا تستنز لك الجهالة من السموات، لا تسرق المفاخرة كنزك، لا تشهر فخامة الكلام خفياتك، لا يظلم الحسد عندك أحداً، لا يعمِ الجهل فهمك، لا تسود السفاهة حلمك، لا تستول الغباوة علي عقلك،
لا يغير عدم الإفراز أو تمييزك شئ آخر من الأشياء المحظورة يسلب عقلك أو يدخل قلبك ويسبيك من ملكوت السموات، بل تيقظ كما كتب وأتلِ شريعة الرب نَهاراً وليلاً وحيث أن العدو لا يكف مقاتلاً نَهاراً وليلاً فأحذر أن يجد عقلك متشاغلاً عن تلاوة وصايا اللـه فيزرع زوانه ويجعل الأواخر شراً من الأوائل،
أفقد الأشياء الأرضية لئلا تخسر الأمور السمائية فإن إنساناً يضع يده علي سيف الفدان، ويلتفت إلي ورائه لا يستحق ملك اللـه، ولا ينتظم أحد في الجندية فيشتبك بأمور العالم، فإذ قد خرجت من العالم وأتبعت المسيح فأسعَ هكذا مبادراً لتدرك،
لا تجنح يميناً ولا يساراً أي لا تجنح إلي الآلام السابق ذكرها لكي إذا سقطت إلي هوة الخطيئة تموت بالنفس بل بادر في طريق وصايا اللـه الملوكي مقوماً سعيك إلي الملك السمائي وصلِ عني أنا الخاطئ لكي ما إذا صرت أنا الغير مستحق مشاركاً للقديسين أؤهل معهم للتمتع بالخيرات الأبدية بيسوع المسيح ربنا.

هذه الأقوال كتبتها إليك يا حبيبي لا لأنني حفظت شيئاً منها بل لكي إذا ما حفظتها أنت ترضي اللـه لأن الرب قال: من يؤمن بي فالأعمال التي أعملها أنا يعملها وأكثر منها.
وأنا واثق أيها الحبيب أنك ستصنع أعظم من الأفعال التي صارت قبلك إن كنت تحفظ كما قد تسلمت، لا تصر إذاً قاضي الأعمال الأجنبية بل في كل ساعة أجتهد أن تقوم سيرتك وتُهذبَها فإن كل واحد منا سيعطي عن أعماله للـه جواباً.

ميز أنت كل ساعة أفكارك وقل في ذاتك أهل ترى لي ورع ؟ لي عفة ؟ لي تخشع وتواضع ؟
وباقي الفضائل التي تقدمنا فكتبناها فوق هذا، ثم ميز أيضاً وقل في ذاتك أتراني أهملت سيرتي متوانياً ؟ أتراني أتكلم باطلاً ؟ أتراني أغتاظ ؟
أتراني أشتهي شيئاً من الأمور الأرضية ؟ فهكذا ميز كل واحدة من المقدم ذكرها ماقتاً الأمر الخبيث ملتصقاً بالصالح فإن ليس صالحاً إلا اللـه وحدة المخلص الكل بنعمة يسوع المسيح ربنا،
يا ولدي أوصيك بيسوع المسيح أن تحفظ هذه الرسالة وتقرأها متواتراً وتضعها أيضاً وتأخذها إلي أن تتعلمها، لا تتركها لأنني بكل تدقيق كتبت إليك عن سائر الآلام لتتلوها تلاوة متتابعة وتحفظها حفظاً بليغاً لأنه بماذا يحفظ الشاب طريقه ويقومها إلا بأن يحفظ أقوال الرب ومع هذا قد كتبت إليك هذه الأقوال لتستطيع أن تحفظ منها بسهولة فإذا قومت هذه فسأوقف أيضاً عقلك في تحرز أكثر
وتعمق أوفر لتؤهل أن تصل إلي الحد الكامل بيسوع المسيح ربنا الذي له مع الآب والروح القدس الكرامة والتمجيد إلي جميع الدهور. آمـين.

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:07 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
نقاوة القلب ( "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يُعاينون الله")

هذه الآية تتميَّز بسرِّية أكثر من بقية تطويبات عظة المسيح على الجبل

إلاَّ أنها تبدو متناقضة مع قول الرب لموسى:

"لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خر 33: 20).

وحتى إنجيل يوحنا يقول: "الله لم يَرَه أحدٌ قط" (يو 1: 18)

ويقول القديس يوحنا في رسالته الأولى:

"الله لم ينظره أحدٌ قط. إن أحب بعضنا بعضاً، فالله يثبت فينا، ومحبته قد تكمَّلت فينا" (1يو 4: 12).

والرسول بولس يقول:

"الذي وحده له عدم الموت، ساكناً في نور لا يُدنَى منه، الذي لم يَرَه أحدٌ من الناس ولا يقدر أن يراه" (1تي 6: 16).

فكيف، إذن، يمكن تفسير "... لأنهم يُعاينون الله"؟
يقول القديس يوحنا ذهبي الفم عن هذه الآية:


[يُطلق الرب صفة "أنقياء" على الذين بلغوا كل فضيلة ولا يوجد في نيتهم أي شر

أو الذين يعيشون في اعتدال وضبط نفس

لأنه لا يوجد ما نحتاجه كثيراً لكي نرى الله أكثر من هذه الفضيلة الأخيرة.

ولذلك قال الرسول:

"اتبعوا السلام مع الجميع، والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب 12: 4)

فهو يتكلَّم هنا عن بصيرة يمكن أن يقتنيها الإنسان.](1)

وقد يفهم البعض هذه الآية على أنها تخص ملكوت المسيح الآتي،

ولكن العديد من الآباء يرون أن لها معنىً مزدوجاً:

لأول: أُخروي

والثاني: يشير إلى الحاضر.

ولكن هذا المعنى الثاني قد يُخالف بعض الآيات التي تشير إلى رؤية الله في الدهر الآتي.

فمثلاً يقول الرسول يوحنا: "الآن نحن أولاد الله، ولم يُظْهَر بعد ماذا سنكون.

ولكن نعلم أنه إذا أُظهِر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو." (1يو 3: 2)

ولكننا نجد في العهد القديم أمثلة لِمَن رأوا الله في هيئةٍ ما، فقد قال إشعياء النبي:

"ويلٌ لي إني هلكتُ، لأني إنسان نجس الشفتين... لأن عينيَّ قد رأتا الملك رب الجنود" (إش 6: 5).

وتُفسَّر هذه الظهورات عادةً بأن الله يكشف ذاته في هيئة محسوسة

بينما يُخفي جوهره الحقيقي غير القابل للإدراك بالحواس، ولا حتى بالتصوُّر الذهني.

بهذا المفهوم يمكننا أن نشرح كيف أمكن أن الله صارَع مع يعقوب (تك 32)،

ثم "دعا يعقوب اسم المكان "فنيئيل" (أي وجه الله)

قائلاً: لأني نظرتُ الله وجهاً لوجه، ونُجِّيـَت نفسي" (تك 32: 30)

رغم أنه من غير الواضح ما إذا كان يعقوب صارَع مع الله أم مع ملاك.

وهناك مثال آخر، هو عندما رأى منوح وزوجته ملاك الرب

وقال: "نموت موتاً، لأننا قد رأينا الله." (قض 13: 22)



هل يمكننا أن ننقِّي قلوبنا ونرى الله؟

ما معنى أن يكون الإنسان نقي القلب؟

الكلمة اليونانية kaqar?j تحمل معنى النقاوة من النجاسة أي العفة

وهذا في الحقيقة هو عمل الله كما يقول المزمور:

"قلباً نقياً اخلقه فيَّ يا الله" (مز 51: 10)

كما أنه يتوقَّف على جهادنا معه في الصلاة، فهو ينتج عن عمل مشترك

أي synergetic، بين الله والإنسان.

كما أن حصيلته النهائية هي أن يكون القلب موحَّد الهدف نحو الله وإرضائه.

فعندما تكون بصيرة النفس لها اتجاه واحد نحو الله يمكنها أن ترى الأمور كما هي عليه

أي على الحالة التي خلقها الله فيها، وهذه هي حالة نقاوة القلب.

وعندما نرى الأمور كما هي نرى الله ذاته

ولكن ليس في جوهره بل في صورته التي ختمها في الخليقة كلها، وبصفة خاصة وبأكثر كمال، في الإنسان.

فبجهادنا وبواسطة نعمة الله تتغيَّر رؤيتنا.

والقديس أوغسطينوس يرى أن رؤية الله هي بالقلب غير المنقسم، فيقول:

[كم هم أغبياء، أولئك الذين يبحثون عن الله بتلك العيون الخارجية طالما أنه يُرَى بالقلب! كما هو مكتوب:

"تَفكَّر في الرب بقلبٍ صالح، وببساطة القلب ابحث عنه" (الحكمة 1: 1 من أسفار الترجمة السبعينية).

فالقلب النقي يكون موحَّداً (أي غير منقسم ويهدف إلى تحقيق مشيئة الله وحدها).

وكما أن هذا النور (المحسوس) لا يمكن أن يُرَى إلاَّ بعيون نقية؛

هكذا فإن الله لا يُرَى إلاَّ إذا كان ما يمكن أن يُرَى به (أي القلب) نقياً.](2)

تظل تعاليم آبائنا ثابتة: وهي أن الله في جوهره يفوق طاقة رؤيتنا

إذ كيف يمكن لنظرنا المحدود أن يحوي في رؤيته غير المحدود؟

ومع ذلك فقد أمكن للإنسان أن يراه عندما تجسَّد

وعندما يتكلَّم الآباء عن رؤية الله أو معرفته، فهم يفرِّقون بين جوهر الله وقدرته الفعَّالة.

والظهورات الإلهية غير معتادة للبشر

وليست هي المقصودة بهذه الآية: "طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يُعاينون الله" (مت 5: 8).

وإذا كان المعيار هو نقاوة القلب، فما معنى ذلك؟

وكيف نبلغ إلى هذه النقاوة؟

وهل هذه النقاوة متاحة لجميع المسيحيين أم فقط للنسَّاك والرهبان والمتوحِّدين؟

مهما كانت المصاعب ومعوِّقات تنفيذ هذه الآية في هذه الأيام

فهي ليست مستحيلة، لأن كلام المسيح حي ويصلح لكل زمان ومكان

فيقول القديس غريغوريوس النيسي:

[إن الله لا يطلب من الذين لم يُزوَّدوا بأجنحة أن يصيروا طيوراً

ولا هو يأمر مخلوقات أعدَّها لتعيش على الأرض أن تعيش في الماء. فناموس الله متناسب مع قدرات الذين يقبلونه

ولا يُفرَض شيء بالقوة مما هو فوق الطبيعة.

فيمكن رؤية ذاك الذي صنع كل شيء بحكمة (مز 104: 24)

عن طريق الاستدلال بواسطة الحكمة الظاهرة في الكون

وذلك كما يُدرك المرء صانع العمل الفني، لأنه ترك بصمته على عمله؛

هكذا فإننا عندما ننظر إلى نظام الخليقة نكوِّن في ذهننا صورة (أو أيقونة)

ليس لجوهر الخالق، بل لحكمة ذاك الذي خلق كل الأشياء بحكمة].

كما أنه يقول:

[طالما أن المعاينة صارت معتمدة على نقاوة القلب

فإن عقلي يزداد تشويشاً حيث إنه ربما يستحيل تحقيق نقاوة القلب، لأنها تفوق طبيعتنا.

فما الذي نربحه من معرفة كيف نُعاين الله إن كنا نجد ذلك مستحيلاً؟

إن الرسول بولس يقول:

"ما أبعد... طرقه عن الاستقصاء" (رو 11: 33)

وهو يقصد بذلك أن الطريق الذي يقود إلى معرفة الجوهر يتعذَّر على الفكر أن يبلغه..

ومن جهة أخرى، فإن الله لا يُرَى بطبيعته

ولكنه يصير مرئياً في قدراته، لأنه يمكن التأمُّل في الأشياء التي تُنسَب إليه].

ويُشبِّه القديس غريغوريوس النيسي تنقية القلب بتنقية الحديد من الصدأ، فيقول:

[إذا أُزيل الصدأ من الحديد بحجر الشحذ

فإنه بعد أن كان أسود اللون نجده يشعُّ ويتلألأ في أشعة الشمس

هكذا أيضاً مع الإنسان الداخلي الذي يُسميه الرب "القلب"

فعندما يُنزع منه الوحل المشابه للصدأ الذي أوجدته الرطوبة الفاسدة

فإنه يستعيد هيئته الأصلية مرةً أخرى ويُصبح صالحاً].

وهو يستعمل مثالاً آخر في قوله:

[رغم أن الناس الذين يرون الشمس في مرآة لا يشخصون في السماء

إلاَّ أنهم يرون الشمس منعكسة في المرآة ليس بأقل مما إذا تطلَّعوا إليها في الفَلَك.

وهكذا الحال أيضاً معكم، فرغم أنكم أضعف من أن تدركوا النور الإلهي

ولكنكم إذا رجعتم إلى نعمة الصورة التي تشكَّلتم عليها منذ البدء يتحقَّق لكم كل ما تطلبونه في داخلكم، لأن اللاهوت إنما هو طهارة وحرية من الأوجاع وخلو من كل شر.

فإن كانت هذه الأمور فيكم يكون الله بالتأكيد فيكم، وتصبحون قادرين أن تُعاينوا ما هو غير منظور عند غير الأنقياء.

فالظلمة التي تسبِّبها الماديات تكون قد أُزيلت من عيون نفوسكم، وبذلك تُعاينون الرؤية المشعة المباركة في سماء قلوبكم النقية.

ولكن ما هي هذه الرؤية؟

إنها النقاوة والقداسة والبساطة والانعكاسات الأخرى المنيرة للطبيعة الإلهية التي يكون الله فيها موضع تأمُّل].

"ها ملكوت الله داخلكم":

الإنسان يعرف الله بمعرفته لنفسه، وبدخوله إلى أعماق نفسه يرى الله منعكساً في نقاوة قلبه

هكذا يقول مار إسحق السرياني:

[إن كنتَ نقياً، فالسماء تكون بداخلك، ففي داخل نفسك سترى الملائكة ورب الملائكة.](3)

جوهر الله يظل "ساكناً في نور لا يُدنَى منه"، أما قدراته فهي واضحة أمامنا

وهو بواسطة هذه القدرات يتصل بالإنسان بحبه المتدفِّق. ومن خلال أعماله يمكننا أن نعرفه ونراه ليس في قداسته الفائقة؛ بل في ظهوراته التي يستعلنها لنا، وذلك كما أن العمل الفني يُخبرنا بشيء عن الفنان

ولكنه لا يسمح لنا أن نعرف شيئاً عن جوهر حياته الشخصية الداخلية.

وينبغي أن توصف نقاوة القلب التي تؤدِّي إلى مُعاينة الله بأنها يمكن البلوغ إليها على درجات بقدر ما تتنقَّى قلوبنا، وذلك بدلاً من أن توصف بأنها أمر قد يوجد لدى المرء أو لا يوجد.

ولكننا يلزم أن نفهم أن إمكانية رؤية الله في حياتنا اليومية إنما هي عطية نحصل عليها بالجهاد. وإذا علمنا أن القلب هو محور ومركز كياننا، فإنه من خلال تنقية قلوبنا تتغيَّر رؤيتنا الداخلية.

هنا يقول القديس غريغوريوس النيسي:

[لا أظن أنه إذا تطهَّرت عينا نفس المرء يكون موعوداً برؤية مباشرة لله، ولكن ربما توحي الآية:

"طوبى للأنقياء القلب..." بما يُعبِّر عنه الرب بوضوح أكثر عندما قال:

"ها ملكوت الله داخلكم" (لو 17: 21).

بذلك ينبغي أن نتعلَّم أنه إذا تنقَّى قلب إنسان من كل خليقة وكل مشاعر جامحة، يُعاين صورة (أو أيقونة) الطبيعة الإلهية في جماله الباطني... توجد فيكم، أيها البشر، رغبة في التأمُّل في الصلاح الحقيقي. ولكن عندما تسمعون أن الجلال الإلهي يعلو فوق السموات، وأن مجده لا يُعبَّر عنه، وأن جماله يفوق الوصف، وأن طبيعته لا يُدنَى منها، فلا تيأسوا من مُعاينة ما ترغبون.

فيُمكنكم أن تبلغوا إليه إذ أنكم تملكون في داخلكم المعيار الذي به تدركون اللاهوت. لأن الذي خلقكم وهب لطبيعتكم في نفس الوقت هذه الخاصية العجيبة

لأن الله طبع عليها شبه أمجاد طبيعته، وكأنه يُشكِّل من الشيء المنحوت شمعاً. ولكن الشر المنسكب حول الطبيعة التي تحمل الصورة الإلهية جعلت هذا الأمر العجيب بلا نفع لك، إذ قد صار مُخْفَى خلف أحجبة رديئة. إذن، فإذا نظفتَ الظلمة التي علقت بقلبك، مثل اللزقة، بحياة صالحة؛ فإن الجمال الإلهي يشرق فيك مرةً أخرى].

مجد الله يظهر في الخليقة كلها، ولكن يمكننا أن نرى الخليقة كما هي بواسطة تطهير قلوبنا فقط حيث إن الخليقة تعكس صورة الله. وفي بعض الناس

ولا سيما القديسين، نرى أيضاً شبه الله. فالنقي القلب يرى في المخلوقات لا صورة الله فحسب، بل يرى في الإنسان أيضاً شبه الله بدرجات أكثر أو أقل.

والأنقياء القلب يُعاينون الله في كل مكان: في ذواتهم، في الآخرين، في كل واحد وكل شيء، إنهم يدركون أن: "السموات تُحدِّث بمجد الله، والفلك يُخبر بعمل يديه." (مز 19: 1)

وفي نفس الوقت يمكننا بتنقية القلب وبواسطة نعمة الله أن ننمو في شبه الله. النقي القلب يرى ما وراء ضعف الجنس البشري وميوله الخاطئة، ويلمح في الآخرين الصورة الإلهية التي تشوَّهت بالخطية

وهذا ما يجعل الإنسان لا يدين أحداً ولا يحقد على أحد حيث إن أخطاء الإنسان ليست منه بل من الشيطان.

أما بخصوص مُعاينة الله، فنحن لا نشير إلى خبرة عميقة في رؤية النور الإلهي كما حدث مع بعض القديسين

ولكن ذلك يكون في الواقع عبارة عن اكتساب العين الداخلية لإمكانية رؤية الله من خلال بصمته وصورته في الخليقة كلها. وهذه الرؤية متدرِّجة ولا تأتي عادةً مفاجئة.

ونحن كمسيحيين نُعِدُّ قلوبنا بالتنقية، ولكننا يجب أن ننتظر أولاً أن يفتح الله عيوننا أو بصيرتنا لأطول وقت يختاره هو.

في التجلِّي منح الرب لتلاميذه قوة رؤية مجده:

ولدينا مثال هام في تجلِّي ربنا الذي فسَّره الآباء أنه حدث لأن عيون تلاميذه قد انفتحت، وليس كأن الرب تغيَّرت هيئته بصورة مؤقتة. إن هيئته إلهية منذ الأزل

ولكنه عندما تجلَّى على الجبل منح لبصيرة تلاميذه قوة إلهية مكَّنتهم من رؤيته كما هو! لقد كشف لهم مجده لكي يروا ما هو مُخْفَى خلف جسده الذي اتخذه بتجسُّده.

إننا نرى هنا عملاً مشتركاً synergetic. فالتلاميذ خلعوا ميولهم الجسدية

والروح القدس منحهم تغييراً ونعمةً أمكنهم بهما أن يُعاينوا الرب الممجَّد. إنها مجهودات المؤمن مُكمَّلة بعمل الروح القدس.

لا ينبغي أن نشتاق لرؤية الله بهذه الطريقة:

لقد قرأنا عما حدث للأخ "موتوفيلوف" مع القديس سيرافيم ساروفسكي

إذ أنه رأى وجه القديس سيرافيم مُشعاً كالشمس، ثم اكتشف بعد ذلك أنه هو أيضاً قد تجلَّى(4). ونحن نرى في مثال الأخ "موتوفيلوف" أن عيني هذا العلماني قد انفتحت لتلك الرؤية

ولكننا لا نعرف ما إذا كانت هذه الخبرة قد تكررت مرةً أخرى أم لا. وسبب الرغبة في رؤية الله بمثل هذه الطريقة لا ينبغي أن تنشأ من رغبتنا في أن تتحقَّق لنا خبرة روحية. فإذا اشتقنا إلى ذلك نكون معرَّضين للخداع،

إذ يجب أن يكون اشتياقنا هو إلى معرفة الله، وأن نصير إلى ما خلقنا هو عليه. ولتحقيق ذلك يجب أن نتوقَّع أن تكون عيوننا الداخلية مفتوحة ولو لفترة قصيرة لنرى الخليقة كما هي عليه بالفعل

بل وأيضاً قد نكتشف ونتحقَّق من قول الرب لنا:

"ها ملكوت الله داخلكم" (لو 17: 21) إن كنا نرى من خلال عيون لم يعْمِها أي زيف أو خطية.

وهكذا نرى أن نقاوة القلب هي نتاج عمل مشترك بين الله والإنسان

فلا يمكن أن يهب الله القلبَ النقي للإنسان وهو متكاسل في جهاده وناقض لوصايا الرب

ولا يمكن لسعي الإنسان وجهاده فقط أن يُنقِّي قلبه بدون نعمة الله.

فالله "يخلق القلب النقي" (راجع مز 51: 10)

والإنسان عليه أن "يتبع القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (راجع عب 12: 14).

أما المحصلة النهائية لنقاوة القلب فهي أن يكون قلباً موحَّداً غير منقسمٍ على ذاته، هدفه هو معاينة الله والشركة معه، وغايته هو إرضاء الله.

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:11 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
جمال الحياة المسيحية

أولاً: ماهية الحياة الجماعية
رسالة القديس بولس إلى أهل غلاطية 2/20 تتحدث عن ماهية الحياة الجماعية: "لست أنا الحي بل المسيح هو الذي يحيا فيّ".
فيلبي 1/1: "الحياة لي هي المسيح".
قولسي 1/24: "أتم في جسدي ما نقص من آلام المسيح".
والقديس يوحنا الرسول في إنجيله 10/10 يقول: "أتيت لتكون لهم الحياة وتكون أوفر".
هذه الكلمات تؤكد لنا وجود حياة الهية تعبر عن علاقة حب وكمال (حياة إلهية) لأن السير في طريق الكمال هي نعمة مقدسة وحياة مشاركة في حياة المسيح بالذات.

أنا أشارك المسيح في حياتي وهذه المشاركة لها بعدين:
1- إستيعاب (إقتناء) المسيح. وبالتالي تؤدى إلى تطابق هوية مع المسيح ويصبح المسيح. عندما أقتني المسيح تصبح حياتي جزءاً من حياته. عندما نقول عن الكاهن بأنه مسيح آخر فهذا يعني أن الكاهن يسير في أقتناء المسيح لتصبح حياته جزءاً من حياة المسيح.
رو 8/ 29: "سبق أن قضى بأن يكونوا على مثال صورة ابنه... فالذين سبق أن قضى لهم بذلك دعاهم أيضاً، والذين دعاهم بررهم أيضاً، والذين بررهم مجدهم أيضاً".
2- الإقتداء بالمسيح. إتباع المسيح الفقير والمتواضع، لكي نشارك المسيح في المجد. هو المسيح المعلم والمثال أي الطريق. "لا أحد يمضى إلى الآب إلا بي" (يو 14/6). بولس الرسول يؤكد اهمية التشبه بالمسيح من خلال الصفح والغفران "اصفحوا بعضكم بعضا كما صفح لكم المسيح (قول 1/33). مت 16/ 24: "من أراد أن يتبعني فليزهد بنفسه ويحمل صليبه ويتبعني".

ثانياً: البعد التقوي للحياة المسيحية

فضيلة الديانة هي التى توجه حياتنا ونشاطنا إلى مجد الله، وهذا البعد يغير كل حياتنا. ويقول أحد اللاهوتين علينا أن نكون برشانة حية لتسبيح السيد المسيح. وهناك نشيد التسبيح الذي نشيده يومياً في القداس "بالمسيح ومع المسيح وفي المسيح نرفع إليك...". بهذه العبارة نرى بأن المسيح يمتلكني بكل حياتي. فهذا النشيد هو نشيد الحياة المسيحية.

ثالثاً: الدعوة إلى القداسة
إن الله يدعوني إلى طريق القداسة، "كما أن الذي دعاكم قدوس كونوا أنتم قديسين" (1بط 1/15-16). "كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل" (مت 5/48).
بمقدار ما أنت مدعو إلى التشبه بالمسيح، بمقدار سيرك نحو التشبه بابن الإنسان.في الفصل الخامس من الدستور عن الكنيسة تؤكد على الدعوة العامة المسيحية للقداسة (الكنيسة في عالم اليوم 32)

رابعاً: قداسة يومية متنامية
تعاسة الإنسان تكمن في عدم كونه قديس (( Boll)، القداسة تتم في الحياة اليومية لا من خلال تحقيق الامور العظيمة. السير في طريق الحياة اليومية يتطلب جهداً كبيراً وهذه هي طريق القداسة اليومية، عندما نغير ذواتنا نغير كل من يعيش حولنا.
تنمو الحياة الإلهية فينا من خلال الأعمال البسيطة المتكررة ذات المعنى والحماسة والحيوية (لا تصبح حياتنا اليومية روتين).

بدأنا نفقد الحياة الجميلة بسبب كل ما يدور حولنا من صعوبات وضغوطات وآلام وبالتالي نحن مدعوون للسير في حياة القداسة، فالأعمال الصغيرة اليومية هو طريق من طرق القداسة، لذلك يجب أن نقوم بالأعمال بصورة هادفة وفعالة وتقودك خطوة بعد خطوة لمجد الله.
حياتنا الأخلاقية لا تعتمد على مواقف محددة، فالاعمال التي نسقط بها علينا أن ننهض بعدها بقوة لنسير نحو الكمال، وعندما تصبح الأنا مركز حياة الشخص ويبدأ بالبحث عن مجده وراحته فإن التعاسة سوف تسيطر عليه.
رابعا: تنوير داخلي

هذه الحياة الإلهية هي واضحة علنياً للإنسان المسيحي وضمنياً لكل من لا يعرف المسيح. ولكنهم يعيشون على مثال المسيح من خلال قيم ديانتهم والإلهام الداخلي.

كثيرون من المسيحيين يخلصون بإيمانهم القويم، فقد قال القديس بولس في رسالته إلى تلميذه طيموتاوس: "لنحيا حياة سالمة مطمئنة بكل تقوى ورصانة... فإنه يريد أن يخلص جميع الناس" (1طيمو 2/2). وكذلك بالنسبة لغير المسيحيين فإنهم يخلصون من خلال الشريعة، وهذا ما قاله القديس بولس في رسالته إلى أهل رومة "فلذلك لن يبرر عنده أحد من البشر إذا عمل بحسب الشريعة، فما الشريعة إلا سبيل إلى معرفة الخطيئة" (رو 3/20).

خامسا: تتغذى حياة المسيحي من:
تتطور الحياة المسيحية من خلال الصلاة الليتورجية، فالمعمودية هي أن يحيا الإنسان موت وقيامة السيد المسيح، وبالقربان الأقدس يتغدى من هذه الحياة الإلهية، وبالغفران يطهر نفوسنا، ولغير المسيحيين تظهر وتتطور حياتهم من خلال الصلاة والأعمال الصالحة.

سادسا: تتغذى حياة غير المسيحي من:
من خلال الصلاة والاعمال الصالحة وكل القيم الصالحة في ديانتهز

هذه الحياة الإلهية تفقد بالخطيئة سواء للمسيحي أو لغير المسيحي. في كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 1811 يقول: "ليس من السهل على الإنسان الذي جرحته الخطيئة أن يحتفظ بالإتزان الأخلاقي. وعطية الخلاص بالمسيح تمنحنا النعمة الضرورية للثبات في السعي إلى الفضائل. على كل واحدٍ أن يلتمس دائماً نعمة النور والقوة هذه، وأن يلجأ إلى الأسرار، ويتعاون مع الروح القدس، وأن يلبّي دعواته إلى حب الخير والإحتراز من الشر".

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:11 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الفضائل الإلهية بشكل عام
القديس بولس يتحدث عن الحياة المسيحية البشرية ويصفها بالمثلث (الإيمان والرجاء والمحبة) وأعظمها المحبة. هذه الحياة تتحقق من خلال الفضاءل الثلاث (ا كور 13:13). هذه الفضائل الثلاث تكون جسدا واحدا وأساسها الإيمان ام المحبة فيه اعظمها (اكور 13:13)، وهذا ما ذكره القديس بولس في رسالته إلى أهل غلاطية "ففي المسيح يسوع لا قيمة للختان ولا للقلف، وإنما القيمة للإيمان العامل بالمحبة" (غلا 5/6).

في العهد القديم العناصر الثلاث لدعوة للشعب ترتكز على الفضائل فهم كشعب وكأعضاء:
1- مدعوون إلى الإيمان بالله الذي يكشف ذاته لهم.
2- مدعوون إلى الثقة بالله وبمعونته.
3- مدعوون إلى محبة الله بكل قلوبهم.

في العهد الجديد تعرض هذه الفضائل الإلهية الثلاثة، كجواب أساسي من الإنسان الى الله هو:
1- المسيح يدعو إلى الإيمان برسالته "حان الوقت واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالبشارة" (مر 1/15). التوبة لا تكفى وإنما التوبة بحاجة إلى الإيمان، فكل معجزات المسيح مبنية على الإيمان، وإن لم يتوفر الإيمان لم تتوفر المعجزة.
2- المسيح يدعو إلى الثقة بوعوده "لا تضطرب قلوبكم، إنكم تؤمنون بالله فآمنوا بي أيضاً" (يو 14/1). لا تحزنوا كمن لا رجاء لهم.
3- مدعوون إلى محبة المسيح "أحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك وكل قوتك" (مر 12/ 30).

في الكتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 1813 "الفضائل الإلهية هي في أساس الفعل الأخلاقي المسيحي، وهي تنعشه وتميزه. وهي التي تعطي الفضائل الأخلاقية صورتها وتحييها. ينفح الله بها نفس المؤمنين ليجعلهم قادرين على أن يسلكوا كأبنائه، وأن يستأهلوا الحياة الأبدية. إنها عربون حضور الروح وفعلهِ في قوى الكائن البشري. والفضائل الإلهية ثلاث: الإيمان والرجاء والمحبة".

الفضائل الإلهية تسمو بالإنسان المسيحي، وتدفعه إلى عمل أعمال تعزز الفضائل الأدبية. وحتى تجعل الإنسان قادر على التصرف كإبن لله وكوريث للحياة الابدية، وهي ضمان حضور الروح القدس في الحياة الإنسانية. فالفضيلة تذكر بالروح القدس، وهي تدفع وتدعم كل عمل بشري يقوم به الإنسان.

أصل وهدف وغاية الفضائل الإلهية

الأصل: هو الله نفسه، وهو منبع الفضائل ويمنحها للإنسان، وهذه الفضائل تمثل تحقيق الوحدة السامية بين الله والإنسان، فالله يعطي الفضائل للإنسان حتى يقيم وحدة بينه وبين الإنسان.
الفضائل تكشف من قبل الله "طوبى لك يا سمعان بن يونا، فليس اللحم والدم كشفا لك هذا، بل أبي الذي في السموات" (مت 16/17).
منبع الفضيلة من الله وهو مانحها، فهو الذي يقوينا بالإيمان، فبقدر إنفتاحنا على الله نكتشفها ونتعامل معها بصورة أسرع وأفضل. "الرجاء لا يخيب صاحبه، لأن محبة الله أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وهب لنا" (رو 5/5).

موضوعها (غايتها): الفضائل الإلهية موضوعها الله، فالله يعرف من خلال الإيمان، فالله يوثق به ويُحب من أجل ذاته. علينا أن نتوصل بأن تكون محبتنا لله بالذات، من خلال هذا الإيمان نحن نتوجه إلى الله الذي يكشف ذاته لنا. ومن خلال الرجاء إلى الله الذي يعدنا بالحياة الأبدية والسعادة. من خلال المحبة إلى الله الذي أحبنا هو أولاً.
الاتحاد مع الله ًهو Objet materiel.
وهدف التوجه نحو الله هو Objet formel.

الفضائل في علاقة متبادلة والمحبة هي التي تمثل حلقة الوصل. فالإيمان الذي تنقصه المحبة يعتبر ايمانا ناقصا، والرجاء الذي تنقصه المحبة يعتبر رجاءا ناقصا. إن أحببت الله يكون إيمانك كاملا، وإن خفته يصبح إيمانك ناقصا. الفضائل في علاقة متبادلة فيما بينها وتشكل المحبة حلقة الوصل والاساس. فالإنسان الذي ينال الخلاص عنده إيمان مع محبة، الشيطان أيضاً عنده إيمان بالله ولكن إيمانه ناقص لأن إيمانه لا يحتوى على محبة.
الإنسان الخاطىء يخاف من الله لأن إيمانه ناقص، فالمحبة ليست شكل خارجي للفضائل ولكن هي المحرك وغاية الفضائل.
الإيمان هو مهم لأنه يشكل Objet formel quo (كل الفضائل الأخرى تصبح فائقة الطبيعة من خلال الإيمان).

بدون إيمان تصبح محبتنا بشرية، فجذور الحياة المسيحية هي الإيمان، المحبة هي الأساس أما الجذور فهي الإيمان. الإنسان يريد في النهاية أن يتحد بالله.

ما الفرق بين الفضائل الإلهية والفضائل الأدبية؟
الفضائل الأدبية الفضائل الإلهية

موضوعها الخير البشري والشرف والنبل. موضوعها الله
تقدم لنا وسائل لتحقيق هدفها وموضوعها. توجهنا الى الله كغاية فائقة للطبيعة
ليس بالضرورة أن تكون مباشرة من الله أو الإيمان. مفاضة من الله
قادرة أن تصبح فائقة الطبيعة بقوة الفضائل الإلهية. فائقة الطبيعة
فيها إعتدال. لا يوجد فيها إعتدال بل نمو وتكامل

الحياة المسيحية المبنية على الفضيلة تشمل كل مجالات الحياة المسيحية وتضعها تحت تصرف الروح القدس.وتقودها الى درجات سامية في حياة الوحدة مع الله.

قال القديس بولس يا رب نحن نؤمن ولكن زدنا إيماناً وهذا ما عبر عنه القديس توما الأكويني عندما قال بأننا "لا نستطيع أن نكون قد آمنا أكثر مما يجب أن نكون".

العهد الجديد يحتوى على ثلاثة أناشيد تتكلم عن الفضائل الإلهية.
الإيمان (روما 10: 4-21)
غاية الشريعة للمؤمن هو المسيح، فالقديس بولس يغني رسالته إلى أهل رومة بنشيد عن فضيلة الإيمان، إذ يقول: "قد كتب موسى في البر الآتي من أحكام الشريعة: إن الإنسان الذي يتمها يحيا بها. وأما البر الآتي من الإيمان فيقول هذا الكلام: لا تقل في قلبك: من يصعد إلى السماء؟ (أي لينزل المسيح) أو: من ينزل إلى الهاوية؟ (أي ليصعد المسيح من بين الأموات) فماذا يقول إذا؟ إن الكلام بالقرب منك في فمك وفي قلبك، وهذا الكلام هو كلام الإيمان الذي نبشر به....." (رو 10/4- 21). لهذا يجب أن ننادي بالإيمان في شخص يسوع المسيح.

الرجاء ( روما 8: 19-30)
لقد تحدث القديس بولس الرسول عن الرجاء في رسالته إلى أهل رومة أيضاً إذ يقول: "الخليقة تنتظر بفارغ الصبر تجلي أبناء الله. فقد أخضعت للباطل، لا طوعاً منها، بل بسلطان الذي أخضعها، ومع ذلك لم تقطع الرجاء، لأنها هي أيضاً ستحرر من عبودية الفساد لتشارك أبناء الله في حريتهم ومجدهم، فإننا نعلم أن الخليقة..." (رو 8/19 - 30).

المحبة ( 1كور 13: 1-13، 8: 31-39)
يتحدث القديس بولس عن المحبة بصورة واضحة في رسالته إلى أهل قورنتس إذ يقول: "لو تكلمت بلغات العالم، ولم تكن لي المحبة، فما أنا إلا نحاس يطن أو صنج يرن. ولو كانت لي موهبة النبوءة وكنت عالماً بجميع الأسرار وبالمعرفة كلها، ولو كان لي الإيمان الكامل فأنقل الجبال، ولم تكن لي المحبة، فما أنا بشيء... فالآن تبقى هذه الأمور الثلاثة: الإيمان والرجاء والمحبة، ولكن أعظمها المحبة". (1 قور 13/1 - 13).

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:12 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
1- مفهوم الايمان
هناك تساءل كثيراً ما يطرح علينا، وهو: ما الفرق بين التصديق والإيمان؟
صدق: تصديق شيء من شخص إلى شخص آخر بطريقة مباشرة.
آمن: هي نتيجة شهادة شخص عن شخص آخر أو عن حدث. (المسيح أدى شهادة عن الآب من خلال أعماله وتصرفاته).

الإيمان يتطلب عدة نقاط:
1- يتطلب إعطاء موافقة إرادية
موافقة إرادية لشهادة شخص على آخر أو حدث وهذا يتطلب السلطة في الشخص الناقل، فربما تكون هذه السلطة بشرية (مثلاً: دكتور جامعي متخصص في الفيزياء يتحدث عن قانمون فيزيائي، علينا أن نؤمن به لأن عنده سلطة على ذلك). أما إذا كانت السلطة إلهية فعلينا أن نؤمن بها مباشرة. وإذا كان موضوعها فائق الطبيعة فإيماننا لاهوتي.
2- يتطلب الإيمان خضوع إرادي
خضوع إرادي للشخص الذي يقدم هذا الإيمان.

تعريف الإيمان: يتحدث المجمع الفاتيكاني في دستور الوحي الإلهي رقم 5 عن شمولية وكلية الإنسان إذ يقول: "إزاء الله الذي يوحي، يقوم واجب الإنسان بطاعة الإيمان. بهذه الطاعة يسلم الإنسان أمره كله لله، حراً من أي قسر، ويخضع عقله وإرادته لله الذي يوحي. ويصدق الوحي ويتقبل طوعاً ما جاء فيه. إيمان من هذا القبيل يتطلب نعمة من الله تتدارك الإنسان وتعضده، وعوناً داخلياً، صادراً عن الروح القدس..." (الوحي يوجب الإيمان).

العقل والإرادة هما مهمان للإيمان، فالكنيسة تطلب منا أن يكون ايماننا واعياً. فإيمان من هذا القبيل يتطلب نعمة الله، وهي التي تقوى الإنسان، فهي عون داخلي يوجه الإنسان ويحرك قلبه، لأن هذا الإيمان هو إيمان إلهي ولاهوتي. وهو ليس خضوع فكري لمجموعة من الحقائق وإنما هو خضوع شخصي يتوجه إلى شخص معروف. وتتم هناك علاقة بين المؤمن والمؤامن به. هذا الإيمان هو عطية من الله ذاته بالإضافة إلى العلاقة الشخصية وهو جواب شخصي على عطية الله هذه. يقدم بولس السادس في رسالته الحبرية الاولى Ecclesiam Suam الديانة المسيحية على انها حوار بين الله والانسان والتزام شخصي.
شدد المجمع الفاتيكاني الثاني على رفضه اهمال الاتجاه العقلاني وقبول الايمان بدون محتوى عقائدي. فالاثنين الايمان والعقل يجب ان يكونا معا. ولقد كان هم الدستور الراعوي ان يحافظ على توازن عميق بين الاثنين.
فكرة المجمع تأخذ خط وسط بين فكرتين غير كاملتين. الفكرة الاولى مبنية على ان الايمان ما هو الا خضوع له من دون أي عمق لاهوتي. اما الفكرة الثانية فمبنية على ان الايمان ما هو الا رضى وقبول للحقائق. لنتذكر بأن التركيز كان على الطابع الشخصي والحي للايمان: أي جواب من الانسان البشري الى الله الحي. وهذا الجواب يلزم الانسان بكامله التزاما كاملا.
في انجيل القديس يوحنا الفصل التاسع، يروي لنا قصة الاعمى منذ مولده، ويركز الحوار بين يسوع والاعمى بعد الشفاء على ان الموضوع ليس عقائد وانما التزام بشخص يسوع المسيح. فهنا نجد دعوة ونجد جواب على هذه الدعوة. هنا نحن شاهدين على لقاء شخصي في قلب الايمان الحي. والمبادرة لا يمكن، تأتي الا من الله ففي انجيل يوحنا "لا أحد يأتي الي الا اذا اجتذبه ابي" (يو 14: 6). والقديس توما يؤكد بان الله هو المسبب للايمان لدى المؤمن، فهو الذي يوجه ارادته، وينير عقله. اما الانسان فانه يلتقط اليد التي تمتد له ويعي انه لا يرمي نفسه في فراغ وانما في ايدي مستعدة لضمه.

الرسالة إلى العبرانيين(عبرانيين 11: 1) تتحدث عن الإيمان بقوله "الإيمان هو ضمان الخيرات المرجوة". وفي نفس الرسالة الفصل الحادي عشر يذكر القديس بولس بأن الإيمان هو قوام الأمور التي ترجى وبرهان الحقائق التي لا ترى وبفضله شهد للآخرين. فالفصل بأكمله يجعلنا متأكدين من موضوع الإيمان التي هيالسعادة الأبدية التى هي حاضرة في العالم وحصلنا على هذا العالم. فيصبح عندنا إقتناع في الحقائق التى تقود إلى الحقائق غير المرئية.

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:13 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
التسامح (المغفرة) والمصالحة
بقلم القمص ميخائيل جرجس صليب
علَّم المسـيح تلاميذه الصلاة الربانية وأهم نقطة فيها المغفرة قائلاً لهم
"اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا"(1)،ـ
ثم قال لهم "فإن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضاً أبوكم السماوى. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم فلا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم"(2).ـ
إذن هناك شرط لمغفرة الخطايا وهو أن نغفر نحن أولاً للناس زلاتهم أى نسامحهم على الإساءة التى بدرت منهم نحونا.
وحذرهم المسيح قائلاً لهم
"فإن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك. فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهـب أولاً اصطلح مـع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك"(3).ـ
أى لا تستطيع أن تتناول من الأسرار المقدسة إلا إذا كان قلبك نقياً مع كل أحد .. لكى لا تأخذ دينونة على نفسك وتتناول بدون استحقاق.
وبولس الرسول ينادى لأهل كورنثوس قائلاً لهم تصالحوا لأن المسيح صنع صلحاً بين الله والناس "إن الله كان فى المسيح مصالحاً لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة .. إذ نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا نطلب من المسيح تصالحوا مع الله.
لأنه جعل الذى لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه"(4).ـ
ويقول أيضاً لأهل كولوسى "وإذ كنتم أمواتاً فى الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه مسامحاً لكم بجميع الخطايا"(5).ـ
ولكى تكون متسامحاً للجميع ومصالحاً للكل حاول تطبيق التدريبات الآتية :
ـ1- تمثل بالسيد المسيح له المجد الذى طلب المغفرة لصالبيه وهو على الصليب قائلاً لهم
"يا أبتاه إغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون"(6).ـ
(1)- (مت6: 12). (2)- (مت6: 14، 15). (3)- (مت5: 23).
(4)- (2كو5: 18- 22). (5)- (كو2: 13). (6)- (لو23: 34). ـ
ـ2- قد تسأل سؤالاً قائلاً كم مرة أغفر لمن يسئ إلىّ ؟
هذا السؤال سأله القديس بطرس للسيد المسيح .. "حينئذ تقدم إليه بطرس

وقال يارب كم مرة يخطئ إلىّ أخى وأنا أغفر له. هل إلى سبع مرات، فقال له يسوع لا أقول لك إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات"(1).
والسيد المسيح قال لتلاميذه مرة أخرى
"احترزوا لأنفسكم إن أخطأ إليك أخوك فوبخه وإن تاب فاغفر له وإن أخطأ إليك سبع مرات فى اليوم ورجع إليك سبع مرات فى اليوم قائلاً أنا تائب فاغفر له"(2).ـ
ـ3- هناك صلة بين المحبة والغفران فالسيد المسيح له المجد ضرب مثلاً عن هذه العلاقة قائلاً
"وأجاب يسوع وقال له يا سمعان(3) عندى شئ أقوله لك فقال قل يا معلم.
كان لمداين مديونان على الواحد خمس مئة دينار وعلى الآخر خمسون. وإذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعاً فقل أيهما يكون أكثر حـباً له. فأجاب سمعان وقال أظن الذى سامحه بالأكثر فقال له بالصواب حكمت. ثم التفت إلى المرأة وقال لسمعان اتنظر هذه المرأة إنى دخلت بيتك ومـاء لأجـل رجلى لم تعط
وأما هى فقد غسلت رجلى بالدموع ومسحتهما بشعر رأسها. قبلة لم تقبلنى
وأما هى فمنذ دخلت لم تكف عن تقبيل رجلى. بزيت لم تدهن رأسـى وأما هى فقد دهنت بالطيب رجلى. من أجل ذلك أقول لكِ قـد غفرت خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيراً والذى يغفر له قليل يحب قليلاً"(4). ـ
ـ4- إذا أهنت من أحد وكانت الإهانة شديدة فلا ترد الإهانة بمثلها بل اترك الله هو الذى يدافع عنك، ويرد لك اعتبارك فقد قال فى الكتاب المقدس "لى النقمة والجزاء"(5).. ويقول أيضاً "الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون"(6)..ـ
فاترك عمل الله يأخذ مجراه الطبيعى ولو بعد حين فإخوة يوسف تذكروا خطيتهم ضد أخيهم يوسف بعد مرور 14 سنة من هـذه الحادثة "وقالوا بعضهم
(1)- (مت18: 21). (2)- (لو17: 3، 4). (3)- سمعان الفريسى.
(4)- (لو7: 40- 47). (5)- (تث32: 35). (6)- (خر14:14).
لبعض حقا إننا مذنبون إلى أخينا الذى رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع لذلك جاءت علينا هذه الضيقة. فأجابهم رأوبين قائلاً
ألم أكلمكم قائلاً لا تأثمـوا بالولد وأنتم لم تسمعوا فهوذا دمه يطلب"(1).ـ
ـ5- إذا أهانك أحد واستفزك فلا ترد عليه بل إعط وقتاً لتمر الأمور بسلام .. فكوب الماء المعكر عندما نتركه قليلاً بدون أن تحركه تجد الماء قد راق والرواسب نزلت إلى أسفل .. هكذا المعاملات بينك وبين الآخرين يجب أن تكون بهدوء .. بعد أن تهدأ الأعصاب وبالتالى قد تكون الاستجابة نحو التسامح والمغفرة.
ـ6- قد تكون الإهانة شديدة وتقول لا أستطيع أن أنسى هذه الإساءة أو أغفر له.. فالتدريب يكون بإعطاء وقت مع نفسك حتى تهدأ الأمور ويستحسن أن تذكر المسئ إليك فى صلاتك ولو تقول فى سرك [ يارب إهدى فلان ..] فالصلاة هنا لها فائدتين :ـ
الأولى : أن الله سيستجيب لصلاتك.ـ
الثانية : إن نفسك ستهدأ بمرور الوقت وبعد ذلك يمكنك أن تسامحه.ـ

ـ7- تذكر فى كل مرة أن اللـه صالحنا بدم صليبه، فيجب علينا أن تصالح بعضنا البعض
وبولس الرسول يقول "لإنه وإن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه فبالأولى كثيراً ونحن مصالحون نخلص بحياته وليس ذلك فقط بل نفتخر بالله بربنا يسوع المسيح الذى به نلنا به الآن المصالحة"(2).ـ

ـ8- هناك صلة قوية بين التسامح والتواضع فالإنسان المتواضع يرى فى نفسه أنه أقل الناس، وبالتالى إذا شُتم يقبل الشتيمة بدون تذمر.. فداود النبى وهو ملك شتمه شمعى بن جيرا،
"فقال إبيشاى ابن صروية للملك لماذا يسب هذا الكلب الميت سيدى الملك. دعنى أعبر فاقطع رأسه فقال الملك مالى ولك يا ابنى صروية دعوه يسب لأن الرب قال له سـب داود.. لعل الرب ينظر إلى مذلتى
(1)- (تك42: 21). (2)- (رو5: 10، 11).
ويكافئنى الرب خيراً عوض مسبته بهذا اليوم"(1).ـ
وهذا يذكر بالسيد المسيح له المجد الذى يقول عنه القديس بطرس الرسول الذى قال "فإن المسيح أيضاً تألم لأجلنا تاركاً لنا مثالاً لكى نتتبع خطواته الذى لم يفعل خطية ولا وُجد فى فمه مكر. الذى إذا شُتم لم يكن يشتم عوضاً وإذا تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضى بعدل"(2).ـ

ـ9- هناك صلة قوية بين المحبة والتسامح، فالإنسان الذى يحب إنساناً لا يمكن أن يهينه أو أن لا يتقبل إهانته فالمثل الشعبى يقول
[ حبيبك يبلع لك الظلط وعدوك يتمنى لك الغلط ].ـ
فالمعاملات الأسرية تحتاج منا أن نتغاضى عن الكلمات التى لا تعجبنا. وليس هناك كرامة بين الزوجين لأنهما جسداً واحداً فكرامتهما واحدة.
والقديس بولس الرسول يقول "فالبسوا كمختارى الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناة محتملين بعضكم بعضاً
ومسامحين بعضكم بعضاً وإن كان لأحد على أحد شكوى كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضاً. وعلى جميع هذه إلبسوا المحبة التى هى رباط الكمال"(3).ـ

ـ10- تمثل بالرب يسوع الذى قال "لا تدينوا لكى لا تدانوا لا تقضوا على أحد فلا يقضى عليك اغفروا يغفر لكم"(4).ـ
وأيضاً قول بولس الرسول "كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضاً فى المسيح"(5).ـ

(1)- (2صم16: 9- 12). (2)- (1بط 2: 21- 23). (3)- (كو3: ـ12- 14).ـ
(4)- (لو6: 37). (5)- (أف4: 32).

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:14 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الفضائل الفائقة الطبيعة

http://www.peregabriel.com/gm/albums...ormal_KING.JPG



أ- فضائل مُفاضة:

يفيض الله هذه الفضائل بوساطة النعمة المبررة. ويملك حتى الأطفال المعمّدون الفضائل الفائقة الطبيعة جميعها. إن الله هو مانح الفضائل الفائقة الطبيعة، إلا أنه يستخدم الوسائل، كالأسرار، لتبليغها. إن الفضائل الإلهية تغير قدرات الكائن البشري وترتقي بها فتجعلها قادرة على التصرف تصرفاً فائق الطبيعة، أي بطريقة تتناسب مع مصيرها الفائق للطبيعة. وتتأصل الفضائل الفائقة للطبيعة في المواهب البشرية مع تكثيف النعمة المبررة. وهذه الفضائل جميعها (باستثناء الإيمان والرجاء) تفقد عن طريق الخطيئة المميتة، ولكنها لا تقل أو تزول عن طريق الخطيئة العرضية. ولا يفقد الإيمان إلا عن طريق الخطيئة المميتة المعارضة لهذه الخطيئة مباشرة. ولا يفقد الرجاء إلا بارتكاب خطيئة مميتة تتعارض مباشرة مع هذه الفضيلة أو بوساطة خطيئة تزيل الإيمان.




ب- موضوع الفضيلة الفائقة للطبيعة:

الموضوع المادي (material object): وهو ما يتوجه إليه الإيمان. وهكذا فإن الموضوع المادي للإيمان (الذي ينظر إليه كفضيلة للعقل) هو الحقائق التي أوحاها الله.

الموضوع الصوري ( formal object): هو الدافع أو الحافز الذي يقود الإنسان إلى اتخاذ موقف إيمان. فالدافع للإيمان هو سلطة الله الذي يوحي. وتحرك هذه السلطة العقل لكي يقبل حقائق الوحي حتى وإن افتقرت إلى تلك البديهية التي تتطلّب عادة موافقة العقل.

أنواع مختلفة من الفضائل الفائقة للطبيعة

‌أ. الفضائل الإلهية: يتحدث القديس بولس عن ثلاث فضائل التي تلازم الحياة الحاضرة ولهذا فهي أعظم من المواهب الروحية العابرة.

وهذه الثلاث هي، الإيمان، والرجاء والمحبة، وأعظمها جميعاً هي المحبة (1قور 13:13). ويدعو علماء اللاهوت هذه الفضائل بالفضائل الإلهية أي (theological) نسبة إلى الكلمة اليونانية (Theos الله) لأنهم يفهمونها على أساس كون الله هدفها المباشر. الهدف من الإيمان هو الله الحقيقة العظمى.

الهدف من الرجاء هو الله كونه خيرنا الأعظم. الهدف من المحبة هو الله كونه صالحاً بنفسه.

‌ب.الفضائل الأدبية: بالإضافة إلى الفضائل الإلهية هناك فضائل أدبية وهي أيضاً مُفاضة من الله بالنعمة المبررة. وهي ترقي بالفضيلة الطبيعية المقابلة. وهي معنية بالوسائل التي نحقق بوساطتها مصيرنا الفائق للطبيعة في الله.

ولها الأسماء نفسها كالفضائل الطبيعية الأدبية، رغم أنها متميزة عنها تماماً. ولئن كانت الفضائل الطبيعية الأدبية يوجهها العقل، فإن الفضائل الفائقة للطبيعة الأدبية يوجهها الإيمان. فمع الفضائل الطبيعية تستقر الفضائل الفائقة للطبيعة في مواهب الشخص البشري.

‌ج. مواهب الروح القدس: بالإضافة إلى الفضائل الإلهية والفضائل الأدبية المُفاضة، هناك أيضاً مواهب الروح القدس. وهذه مُفاضة مع النعمة المُبرَرَة. فبمقتضى ما ذهب إليه الأكويني، فالمواهب هي استعدادات عادية يصبح معها انقيادنا سهلاً لتأثير الروح القدس. وهي متميزة عن الفضائل. فالفضائل مبادئ داخلية للنشاط بينما المواهب هي استعدادات تفتح قلوبنا للحافز الخارجي الذي يأتي من الروح القدس. وقد شبّه لويز بيلو (1846-1931) الفضائل بمحركات السفينة والمواهب بالأشرعة المنشورة لتلقي حركة الريح. ويتعرف المسيحيون بصورة عامة على سبع مواهب من الروح القدس هي: الحكمة، الفهم، المشورة، القوة، العلم، التقوى، ومخافة الله. وهذا التعداد مؤسس على سفر اشعيا (2:11) في ترجمة التوارة السبعينية. أما ثمار الروح القدس فهي الأفعال البشرية التي تنبعث من مواهب الروح القدس. وتدعى ثمار لأنها تأثيرات المواهب وتزودنا بفرح معين عندما نقوم بها، وثمرات الروح القدس الاثنتي عشرة هي: المحبة، الفرح، السلام، الصبر، اللطف، الفضيلة، المعاناة، الرفق، الإيمان، التواضع، كبح النفس والطهارة (انظر غل 22:5-23). والتطويبات هي من تأثيرات المواهب. ويعدد متى ثمان منها (متى 3:5-10)، ولوقا أربعاً (لو20:6-22). وتدعى تطويبات لأنها بطريقة خاصة تجلب لنا السعادة (ومعنى طوبى: السعادة) على الأرض وفي السماء كليهما.




التربية الخلقية

يحاول هذا النوع من التعليم تعليم الأطفال والمراهقين، والشباب والبالغين كيف يحيون حياة فاضلة. ويسعى لجعل الإيمان المسيحي قوة حية، وواعية، وفعالة في تفكيرهم وتصرفاتهم، لا بل الأساس لسلوكهم. كما ويجب على التعليم الذي يقدمه المربون أن يستند على الكتاب المقدس، والتقليد، والطقوس الدينية (الليتورجيا)، والسلطة التعليمية للكنيسة وحياتها. وبهذه الطريقة، تزودنا الكنيسة بالأساس المتين للحياة الفاضلة. وبالنسبة إلى السلطة التعليمية للكنيسة يعلمنا المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني أن على المسيحيين "أن يتبعوا دائماً ضميرهم، ذلك الضمير الذي يجب أن يطابق شريعة الله، وليظلوا خاضعين لسلطة الكنيسة التعليمية، التي يحق لها أن تشرح هذه الشريعة على نور الإنجيل" (الكنيسة في عالم اليوم-50). لكن يجب على المعلمين ألا يقتصر اهتمامهم على تزويد طلبتهم بالمعلومات والمعرفة في ما يخصّ التعليم الأخلاقي بل الاهتمام أيضاً بالأحاسيس والشعور والمواقف. وبعبارة أخرى يجب عليهم أن يسعوا لا إلى تنوير العقل وحسب بل إلى التأثير على القلب أيضاً.

وعلى أولئك المهتمين بالتعليم الأخلاقي للآخرين ألا ينسوا أن الإيمان هو جواب حرّ لنعمة الله الملهم. وسيساعدون طلبتهم على تكوين ضمائرهم بحق واستقامة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. ومن الواضح أن اختيار الوسائل والأساليب التربوية يجب أن ينسجم مع مقدرة الطلبة وأعمارهم وظروفهم. وقد لاحظ علماء النفس أهمية الحوافز للأفراد في المراحل المختلفة لتطورهم النفسي. ويجب تجاوز هذه المرحلة للعمل لا من أجل مكافأة بل انطلاقاً من قناعتهم. وعلى الأساتذة أن يحاولوا أن يزرعوا في النفوس الانعكاسات الاجتماعية للإنجيل. فنحن لا نستطيع أن نحيا حياة فاضلة إذا لم نفِ بالتزاماتنا الاجتماعية تجاه الآخرين، وخصوصاً الفقراء والمعوزين والمنبوذين والمضطهدين. وعلى الأساتذة أن يؤكدوا لطلبتهم أهمية متابعة التعليم الأخلاقي والديني طوال حياتهم.

صلاة لالتماس الفضائل للقديس توما الأكويني

"اللهم، يا قدير، يا عليم، يا مَن لا ابتداء له ولا انتهاء، يا مانح الفضائل وحافظها ومثبتها،

أقمني بجودك على أساس الإيمان المتين، وذد عني بدرع الرجاء الحصين، وزيّنني بوشاح المحبة الثمين،

مُنَّ عليّ بالعدل فأدين لك، وبالحكمة فأتقي حبائل إبليس، وبالقناعة فأثبت على النصف، وبالقوة فأصبر على المِحَن.

وامنحني أن أقاسم غيري ما هو لي راضياً، وأسأله ما ليس لي خاشعاً، وأن أعترف بذنب صنعت، وأحتمل شراً به أشقى، وألاّ أحسد غيري على خير ولا أنسى فضلك في خير.

وألاّ أتعدّى الحدّ في كسوتي ومشيتي وحركتي، وأن أضبط شفتيَّ عن الباطل، ورجليَّ عن الزيغ، وعينيَّ عن الشرود، وأذنيَّ عن الصخب،

وأن أجثو بجسمي أمامك وأسمو بقلبي إليك، وأن أزدري ما يزول ولا أسكن إلا إليك،

وأن أقمع جسدي، وأنقّي ضميري، وأن أكرّم القدّيسين وأحمدك بما يجب لك،

وأن أسير في سبيل الصلاح وأكلل سيرتي الصالحة بميتة بارّة.

يا ربّ، ازرع الفضائل في قلبي، فأتفانى فيما هو لك، وأقتصد في ما هو للدنيا، ولا أثقل على أحد في ما هو لجسدي.

ويا ربّ، امنحني من التوبة حرارتها، ومن الاعتراف شموله، ومن الكفارة تمامها، ورتب سرّي بحُسن السيرة، فلا أعمل إلا ما حُسن وكان لي فيه أجر ولغيري مثل.

وامنحني أن لا أندفع وراء عمل لا حكمة فيه، وأن لا أعدل عن عمل لا رغبة لي فيه، فلا أشتهي ولا أعاف ما عليَّ قبل أوانه، آمين".

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:16 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الـســـلام
بقلم القمص ميخائيل جرجس صليب

http://www.peregabriel.com/gm/albums...02/far0001.gif



طوَّب السيد المسيح صانعى السلام قائلاً


"طوبى لصانعى السلام لأنهم أولاد الله يدعون"(1).ـ

ورئيس الملائكة جبرائيل عندما بشر العذراء مريم بالحبل الإلهى قال لها


"سلام لك أيتها الممتلئة نعمة الرب معك"(2).ـ
والرعاة بشروا بالميلاد مع سماع أنشودة السلام من الملائكة الذين قالوا


"المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة"(3).ـ
والعذراء مريم عندما ذهبت إلى مدينة يهوذا ودخلت بيت زكريا وسلمت على أليصابات


"فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين فى بطنها وامتلات أليصابات من الروح القدس.

وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركـة أنت فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنك.


فمن أين لى هذا أن تأتى أم ربى إلى.


فهـوذا حين صار صوت سـلامك فى أذنى أرتكض الجنين بإبتهاج فى بطنى.


فطـوبى للتى آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب"(4).ـ



وقد تنبأ أشعياء النبى عن المسيح أنه رئيس السلام قائلاً


"لأنه يولد لنا ولد وتعطى إبناً وتكون الرياسـة على كتفه ويدعى إسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السـلام. لنمو رياسته وللسـلام لا نهاية على كرسى داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن إلى الأبد"(5).ـ

ويقول أشـعياء أيضاً


"ما أجمل على الجبال قدمى المبشر المخبر بالسـلام المبشر بالخير المخبر بالخلاص القائل لصهيون قد ملك إلهك"(6).ـ
وناحوم النبى يقول أيضاً


"هوذا على الجبال قدما مبشر مناد بالسلام عيدى يا يهوذا أعيادك أوفى نذورك فإنه لا يعود يعبر فيك أيضاً المُهلك .."(7).ـ
ويقول داود النبى أيضاً


"الرحمة والحق إلتقيا البر والسلام تلاثما. الحق من
(1)- (مت5: 9). (2)- (لو1: 5). (3)- (لو2: 14).
(4)- (لو1: 41- 45). (5)-(أش9: 6، 7). (6)- (أش52: 7).
(7)- (نا1: 15).
الأرض ينبت والبر من السماء يطلع"(1).ـ


ولكى تحيا حياة السلام حاول تطبيق التدريبات الآتية :

ـ1- تمثل بالسيد المسـيح له المجد الذى جاء إلى العالم ليصنع سلام .. سلام بين الله والناس

كقول بولس الرسول


"لأنه هو سلامنا الذى جعل الاثنين واحداً ونقض حائط السياج المتوسط. أى العداوة مبطلاً بجسـده ناموس الوصايـا فى فرائض لكى يخلـق الاثنين فى نفسه إنساناً واحـداً جديداً صانعاً سلاماً. ويصالح الاثنين فى جسد واحد مع الله بالصليب قاتلاً العداوة به"(2). ـ


ـ2- كن كارزاً للسلام فى أى مكان تدخله كما فعل المسيح له المجد


عندما أرسل تلاميذه ليكرزوا بالسلام قائلاً لهم

"وأى بيت دخلتموه فقولوا أولاً سلام لهذا البيت. فإن كان هناك ابن السلام يحل سلامكم عليه وإلا فيرجع إليكم"(3).ـ



وقال لهم أيضاً


"قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فىّ سلام فى العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم"(4).ـ




3- تأكد أن السلام الذى تكرز به هو سلام حقيقى وليس سلام زائف

لذلك قال السيد المسيح لتلاميذه

"سلامى أنا أترك لكم. سلامى أنا أعطيكم ليس كما يعطى العالم أعطيكم أنا لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب"(5)ـ.



والسلام الزائف يقول عنه الكتاب


"لسانهم سهم قتال يتكلم بالغش بفمه يكلم صاحبه بسلام وفى قلبه يصنع له كميناً أفما أعاقبهم على هذه يقول الرب"(6).ـ
والقديس يوحنا الرسول يقول عن هؤلاء الزائفين


"إن كان أحد يأتيكم ولا يجئ بهذا التعليم (أى تعليم المسيح) فلا تقبلوه فى البيت ولا تقولوا له سلام لأن من يسلم عليه يشترك فى أعماله الشريرة"(7).ـ
(1)- (مز85: 10). (2)- (أف2: 14- 16). (3)- (لو10: 5).
(4)- (يو16: 33). (5)- (يو14: 27). (6)- (أر9: 8، 9).
(7)- (2يو10).
ـ4- إبعد عن الشر بكل صوره وخصوصاً الغش، فسليمان الحكيم يقول "الغش فى قلب الذين يفكرون بالشر أما المشيرون بالسلام فلهم فرح"(1).ـ
وأعظم مثل على ذلك قبلة يهوذا الخائن الذى قال للمسيح كعلامة لتسليمه "السلام يا سيدى وقبلَّه"(2).ـ
وأشعياء النبى يقول "لا سلام قال الرب للأشرار"(3).ـ
وبولس الرسول يقول


"الجميع زاغوا وفسدوا معاً ليس من يعمل صلاحاً ولا واحد حنجرتهم قبر مفتوح بألسنتهم قد مكروا سم الأصلال تحت شفاهم وفمهم مملوء لعنة ومرارة أرجلهم سريعة إلى سفك الدم فى طرقهم اغتصاب وسحق وطريق السلام لم يعرفوه"(4).ـ
لذلك جاء المسيح إلى العالم "ليضئ على الجالسين فى الظلمة وظلال الموت لكى يهدى أقدامنا فى طريق السلام"(5).ـ




ـ5- إجعل قلبك مملوء بالإيمان والسلام كما فعلت المرأة الشونمية فى عهد أليشع النبى الذى سألها "أسلام لك. أسلام لزوجك. أسلام للولد. فقالت سلام ـ"(6).ـ مع أن ابنها قد مات، فاضجعته على سـرير النبى فى العليـة وذهبت تطلبه .. وعندما حضر صلى لها فقام الولد من الموت.


لذلك يقول سـليمان الحكيم


"طوبى للإنسان الذى يجد الحكمة وللرجل الذى يتأمل الفهم لأن تجارتها خير من تجارة الفضة وربحها خير من الذهب الخالص هى أثمن من اللآلئ وكل جواهرك لا تساويها فى يمينها طول أيام وفى يسارها الغنى والمجد طرقها طرق نعم وكل مسالكها سلام هى شجرة حياة لممسكيها والمتمسك بها مغبوط"(7).ـ


(1)- (أم12: 20). (2)- (مت26: 49). (3)- (أش48: 22، 57: 21).
(4)- (رو3: 12- 17). (5)-(لو1 : 79). (6)-(2مل4: 26).
(7)- (أم3: 13- 18).


المرأة الشونمية والسلام

ـ6- لا تكن سريع الغضب فتفقد سلامك الداخلى بسرعة، فسليمان الحكيم يقول

"لا تسرع بروحك إلى الغضب لأن الغضب يستقر فى حضن الجهال ـ"(1).ـ
ـ إعط عقلك فرصة للتفكير الهادئ وقل لنفسك .. هل هذا الأمر هام لدرجة إنه يفقد سلامى ؟
وما هى الأمور الهامة التى فى العالم التى تفقدنى سلامى ؟
إن الإنسان يضع الأولوية للأمور الهامة فى حياته نصب عينيه لكى لا يفقدها مثل خلاص نفسه أو مستقبله الأبدى .. أما باقى الأمور فهى تافهة نسبياً ولا تحتاج للإنسان أن يفقد سلامه من أجلها.


ـ7- احتفظ بالسلام داخل بيتك أيضاً فلا تفقده بالغضب والخصام والشجار فسليمان الحكيم يقول "الرجل الغضوب يهيج الخصام والرجل السخوط كثير المعاصى"(2)..

ويقول أيضاً

"لقمة يابسة ومعها سلامة خير من بيت ملآن ذبائح مع خصام"(3).ـ
وهناك قول جميل يجب أن تنفذه فى حياتك الأسرية "لا تغرب الشمس على غيظكم. ولا تعطوا إبليس مكاناً"(4).. أى إذا حدث خلاف بينك وبين زوجتك مثلاً وتطور الأمر إلى الخصام، فاسرع بالصلح معها ..


وقل لها [ أنا أخطأت .. حقك علىّ ].

كلمتان بسيطتان تصرفان الغضب قبل غروب الشمس هذا اليومولكن إذا صلبّت رأيك يدخل إبليس عدو الخير ويكّبر المسألة فتدخل الأمور فى موضوع الكرامة الباطلة ..إلخ.
وبالتالى تحفظ سلام البيت ولا تكسر روابط المحبة بينكما لأى سبب من الأسباب.


ـ8- احترس من الطمع فإنه يتسبب فى الخصام، والمسيح له المجد حذر من الطمع


"وقال لهم إنظروا وتحفظوا من الطمع فإنه متى كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله"(5).ـ
(1)- (جا7: 9). (2)- (أم29: 22). (3)- (أم17: 1).
(4)- (أف4: 26). (5)- (لو12: 15).
ويحدثنا تاريخ الكنيسة عن القديس الأنبا بولا فقد اختلف مع أخاه على الميراث وذهبا إلى القاضى،


وفى أثناء الطريق شاهد جنازة .. فقال فى نفسه ماذا أخذ هذا الميت معه ؟ ونظر إلى أخيه وقال له .. لقد تركت لك كل شئ وأنا ذاهب فى طريقى الذى يجعلنى لا أخسرك وأفقـد السـلام بينى وبينك .. وذهب وترهب فى الصحراء الشرقية.
ـ9- لا نخف من المحاربات الشيطانية التى تفقدك السلام القلبى فالقديس بولس الرسول يقول


"إله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعاً"(1)ـ.
والقديس يعقوب الرسول يقول


"وثمر البر يزرع فى سلام من الذين يفعلون السلام"(2).ـ
فلتتكل على الله فى كل شئ .. فى تصرفاتك وأعمالك، وقبل أن تتكلم أو تفعل أى شئ صلى صلاة قصيرة قائلاً [ إرشدنى يارب كيف أتكلم، وكيف أتصرف، ولتكن أنت قائدى فى مسيرة الحياة ].ـ
وبولس الرسول يقول لأهل تسالونيكى "وإله السلام يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجئ ربنا يسوع المسيح"(3).ـ


ـ10- "وأخيراً أيها الإخوة افرحوا أكملوا تعزوا اهتموا اهتماماً واحداً عيشوا بالسلام وإله المحبة والسلام سيكون معكم"(4).ـ

زيارة العذراء لأليصابات

(1)- (رو16: 20). (2)-(يع3: 18).
(3)- (1تس5: 23). (4)- (2كو13: 11).



Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:17 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الطاعة
القديس أفرام السرياني
مغبوط من أقتنى وملك الطاعة المحقة الفاقدة من الرياء فإنه يشابه معلمنا الصالح الذي صار مطواعاً إلي الموت، فبالحقيقة مغبوط من فيه الطاعة فإنه يتحد بالكل بالمحبة
ويضاهي الرب ويصبر نظيره في الموت، من فيه الطاعة فقد أقتني قنية جليلة وملك ثروة جسيمة، المطواع يرضي الكل وممدوح من الكل، يشرف من الكافة.

المطواع يستعلي سريعاً ويحصل في صنوف النجاح وشيكاً، المطيع يُنتهر فلا يجاوب، يُؤمر فلا يرجع، يُزجر فلا يسخط، معد لكل عمل صالح،
لا ينحدر إلي احتداد الغضب بسهولة، إن سمع كلاماً خارجاً لا ينزعج له، وفي الشتائم لا يضطرم غضبة، يسر بالأحزان، يشكر في الغموم، لا ينتقل من موضع إلي موضع، ولا يستبدل ديراً بدير.

إذا وعظ لا يحرد، يثبت في الموضع الذي دعي إليه، لا يمسك بالضجر، لا يحتقر الأب، ولا يستصغر الأخ، لا ينحني للتطواف حول صقع الدير، ولا يسر بالنياحات، ولا يلتذ بالأماكن،
ولا يطرب بالأهوية بل كما يأمر الرسول القديس الموضع الذي دعي إليه يثبت فيه، فثمار الطاعة كثيرة بالحقيقة فمغبوط من أقتناها.

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:19 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الـنـقـاوة
بقلم القمص ميخائيل جرجس صليب

http://www.peregabriel.com/gm/albums...ormal_0430.jpg



طوب السيد المسيح له المجد فى العظة على الجبل الأنقياء قائلاً


"طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله"(1).ـ

الموعظة على الجبل
وقد ذكر داود النبى أن شروط الوجود فى حضرة الرب أن يكون نقياً فقال


"من يصعد إلى جبل الرب ومن يقوم فى موضع قدسه الطاهر اليدين والنقى القلب


الذى لم يحمل نفسه إلى الباطل ولا حلف كذباً .."(2).ـ
لذلك طلب من الله أن يعطيه قلباً نقياً قائلاً


قلباً نقياً اخلق فىّ يا الله وروحاً مستقيماً جدده فى أحشائى"(3).ـ
وقد حذر رب المجد الكتبة والفريسيين من الرياء وطلب منهم تنقية قلوبهم قائلاً لهم


"أيها الفريسى الأعمى نق أولاً داخل الكأس والصفحة لكى يكون خارجهم نقياً.


أيها الكتبة والفريسـيون المراؤون لأنكم تشـبهون قبوراً مبيضة تظهر من خارج جميلة وهى من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة هكذا أنتم أيضاً


من خارج تظهرون للناس أبراراً ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثماً"(4).ـ
(1)- (مت5: 8). (2)- (مز24: 2، 3). (3)- (مز50: 10).
(4)- (مت23: 26- 28).
ويعقوب الرسول يقول "نقوا أيديكم أيها الخطاة وطهروا قلوبكم يا ذوى الرأيين اتضعوا قدام الرب فيرفعكم"(1).ـ
والنقاوة يجب أن تشمل الإنسان كله .. القلب والفكر والحواس.


وللتعود على حياة النقاوة حاول تطبيق التدريبات الآتية : ـ
ـ1- ينصح القديس بولس الرسول تلميذه تيموثاوس قائلاً


"أما الشهوات الشبابية فاهرب منها واتبع البر


والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقى"(2).ـ

ـ2- التصق بالرب يسوع واثبت فى وصاياه فقد قال بفمه الطاهر


"أنا الكرمة وأنتم الأغصان. الذى يثبت فىّ وأنا فيه

هذا يأتى بثمر كثير كما أن الغصن لا يقدر أن يأتى بثمر من ذاته إن لم يثبت فى الكرمة ..


أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذى كلمتكم به"(3).ـ
وسليمان الحكيم يقول


"كل كلمة من الله نقية ترس هو للمحتمين به"(4).ـ

ـ3ـ إن حاربتك الأفكار الشريرة بكل أنواعها لكى تدنس فكرك فارفع صلاة قصيرة لله قائلاً


(يارب ارحم) أو (يارب أطرد عنى هذه الأفكار الشريرة) باستمرار وبدون ملل حتى يهرب الفكر الشرير .. ولا تبقى هذه الأفكار لحظة واحدة بحجة التفاهم

فالتفاهم مع الشيطان شرك كبير لا تستطيع أن تنجو منه .. واذكر أن رئيس الملائكة ميخائيل


"لما خاصم إبليس محاجاً عن جسد موسى لم يجسر أن يورد حكم إفتراء بل قال لينتهرك الرب"(5).ـ



ـ4ـ ينصحنا القديس يعقوب الرسول قائلاً


"الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هى هذه

إفتقاد اليتامى والأرامل فى ضيقتهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم"(6).ـ

(1)- (يع4: 8- 10). (2)- (2تى2: 22). (3)-(يو15: 3- 5).
(4)- (أم30: 5). (5)- (يهوذا 9). (6)- (يع1: 27).
لذلك يقول القديس لوقا الرسول "أعطوا ما عنكم صدقة فهوذا كل شئ يكون نقياً"(1).ـ


ـ5ـ ويكتب القديس يوحنا الرسول إلى الأحداث قائلاً "كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء


وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير لا تحبوا العالم ولا الاشياء التى فى العالم

لأن كل ما فى العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة والعالم يمضى وشهوته وأما الذى يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد"(2).ـ

ـ6- ينصح القديس بولس تلميذه الأسقف تيطس قائلاً له


"مقدماً نفسك فى كل شئ قدوة للأعمال الحسنة


ومقدماً فى التعليم نقاوة ووقاراً وإخلاصاً وكلاماً صحيحاً


غير ملوم"(3).ـ

ـ7- لذلك الكاهن قبل أن يتقدم لخدمة القداس الإلهى يصلى لكى يعطيه الرب نقاوة فى كل شئ،

ويغسل يديه رمزاً لطهارة الجسد والقلب والفكر كله قائلاً

"أغسل يدىّ فى النقاوة فأطوف بمذبحك يارب"(4).ـ
ونقول فى صلاة الصلح [ وإذ سررت بنا نحن أيضاً الضعفاء الأرضيين أن نخدمك لا من أجل نقاوة أيدينا لأننا لم نفعل الصلاح على الأرض بل مريداً أن تعطينا نحن البائسين غير المستحقين من طهرك ](5).ـ



ـ8- وفى سفر الرؤيا يرينا منظر سمائى جميل فيه تظهر الكنيسة لابسة زياً نقياً بهياً حيث يقول

"لنفرح ونتهلل ونعطه المجد لأن

عرس الخروف قد جـاء وامرأته(6) هيأت نفسها وأعطيت أن تلبس بزاً نقياً بهياً


لأن البز هو تبررات القديسين"(7).ـ


(1)- (لو11: 41). (2)- (1يو2: 14- 17). (3)- (تى2: 7).
(4)- (مز26: 6). (5)- القداس الكيرلسى. (6)- أى الكنيسة.
(7)- (رؤ19: 7، 8).


9- ثم تكلم سفر الرؤيا أيضاً عن المدينة السمائية


"المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها.


وسمعت صوتاً من السماء قائلاً هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعباً والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم"(1).ـ

ـ10- واشترط أن المدينة لا يدخلها إلا الأنقياء


"ولن يدخلها شئ دنس ولا ما يصنع رجساً وكذباً إلا المكتوبين فى سفر حياة الخروف"(2).ـ

أورشليم السمائية
(1)- (رؤ21: 2، 3). (2)- (رؤ21: 17).



Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:20 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
التعليم الاجتماعي للكنيسة

إنّ اتّساع تعليم الكنيسة الاجتماعي الضخم منذ صدور "أم ومعلمة" يتناول تقريباً كل ناحية من نواحي الحياة الاجتماعية.
والخطر في أي تلخيص هو إغفال ناحية قيمة من هذا التعليم. وفي الواقع فلتقدير ثراء التعليم الاجتماعي للكنيسة ودقة تحليله للمعنى، يجدر بالمرء أن يقرأ النصوص مع التعليق عليها.
إلا أن هناك على كل حال ثلاثة مواضيع تعرض هنا للتعريف بديناميكية حرص الكنيسة على العدالة الاجتماعية. وهذه المواضيع هي الحاجة الملّحة للعدالة الاجتماعيّة، والسلطة المسؤولة، والحاجة إلى التطوّر والنمو.


1) الحاجة الملّحة للعدالة الاجتماعيّة:
لم يصبح سكان العالم بليون نسمة إلا عام 1840. وفي عام 1975 زاد سكان العالم عن أربعة بلايين نسمة. وتشير التقديرات المتحفظة إلى أنهم سيصبحون ستة بلايين نسمة عام 2000.

وفي الوقت نفسه مكّن التقدّم التكنولوجي بعض القطاعات في العالم من القيام بخطوات اقتصادية عملاقة، مكّنتها بدورها عن طريق القوة الاقتصادية والسياسية التحكّمَ في الأسواق واستهلاك الموارد المتوفرة بشكل متزايد. ومع ذلك فأغلبية الجنس البشري
"مجردة من جميع الإمكانات تقريباً في المبادرة الشخصية والمسؤولية، وكثيراً ما تكون ظروفه المعيشية وظروف العمل غير جديرة بلشخص البشري" (الكنيسة في عالم اليوم- 36).

ويشمل هذا "أولئك الناي الذين يسعون إلى الهرب من الجوع، والشقاء، والأمراض المستفحلة والجهل، وبالنسبة إلى أولئك الذين يفتشون عن نصيب أوفى من منافع الحضارة وتحسّن فعّال أكبر لمزاياهم الإنسانيّة" (ترقّي الشعوب-1).
إن هذه الحاجة إلى العدالة الاجتماعية ملّحة أيضاً، لا لكون أغلبيّة بني البشر يقاسون الآلام وحسب، بل لتزايد خطر المعاناة الناتج عن الحروب التي ضخّمتها التكنولوجيا من حيث هولها وفسادها. إن السبب الرئيسي للحرب هو مكافحة الناس ضد الظلم الذي يعانونه. ولهذا لا يمكن للسلام أن يكون مجرد غياب الحرب أو توازناً حذراً للقوة بين الأعداء. فيجب على السلام أن يكون عمل العدالة التي تبني يوماً بعد يوم في اتباع النظام الذي قصده الله، والذي يشمل شكلاً أكمل من العدالة بين الناس.
"لقد رغبنا في تذكير الناس جميعهم بخطر اللحظة الحالية وبإلحاح العمل الذي يجب القيام به. ودقّت ساعة العمل الآن. وبقاء الكثيرين من الأطفال الأبرياء معرّضين للخطر
كما أن الكثير من العائلات التي سادها الشقاء وحصولها على ظروف لائقة بالجنس البشري هي في خطر، كما أن السلام العالمي ومستقبل المدنية هما في خطر. وقد حان الأوان لجميع الشعوب أن تواجه مسؤولياتها" (ترّقي الشعوب- 80).

2) الحاجة إلى السلطة المسؤولة:
إن تعليم الكنيسة بخصوص الاستعمال المسؤول لثروات الأرض مرتكز على المساواة الأساسيّة للشعوب جميعها. وبذلك، فلا مبرر لأي كان أن يبقي لاستعماله الخاص ما لا يحتاجه، عندما يحتاج الآخرون إلى الضروريات. إن هذا التعليم الأساسي المتأصّل في الكتاب المقدس وآباء الكنيسة له نتائج متعددة في عالم اليوم.
وتشمل هذه النتائج الاعتماد المتزايد بين الشعوب، وانعدام التوازن المتزايد للخيرات، واستعمال الأموال، والعقار، والقوة، والبعد العالمي لخلقية العمل، والنتائج الاجتماعية للخطيئة.
وقد تحدّث المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني عن تزايد العلاقات بين الشعوب، ويحوي هذا الواقع حقوقاً وواجبات جديدة تعمل لصالح الخير العام. لقد أوضح ذلك لاهوتي أميركي معطياً هذا المثل: "في الولايات المتحدة قد جربنا بألم هذا التداخل بينما كنا ننتظر صفوفاً لدفع مبلغ أكبر لجالون من البنزين- كل ذلك لأن شخصاً ما في مكان ما من العالم رفع ثمن البنزين.
إن قلقنا العاجل قد يكون في تغيير طراز الحياة والحاجة إلى سياقة كيلومترات أقل في سيارة أصغر حجماً، ولكن، كما لاحظ آباء المجمع أن معضلات التداخل شديدة التعقيد. ففي حالة الوقود نحن الأمريكيين نستهلك نسبة كبيرة من وقود العالم رغم أننا لا نمثّل إلا نسبة صغيرة من سكان العالم. إن استهلاكنا يرفع من ثمن هذه السلعة ويحدد سعرها لأسواق البلدان الأكثر فقراً التي تحتاج إلى العملة الصعبة لشرائها. وهذه البلدان بدورها تعجز إلى درجة كبيرة في إدارة الآلات الضرورية للفلاحة، وللري، وشحن البضائع الضرورية.

كما أنها لا تستطيع أن تدفع ثمن الأسمدة البتروكيماوية الضرورية كثيراً للحصاد الكبير. لذا فإن طريقة السياقة عندنا تؤثر فعلياً على حياة الناس في جميع أنحاء العالم".
وما مشكلة الجوع إلا معضلة أكثر جدية، ذلك أن ثلث الجنس البشري يعاني من سوء التغذية، ويوجد نصف بليون إنسان يقاسون من نقص شديد في التغذية.

وبالإضافة إلى ذلك فقليل من الطعام هو الذي يختزن مما يؤدي إلى حالة من القحط الشديد وإلى مجاعة الملايين. ويوجد هنا ارتباط واضح بالعالم الصناعي. ففيما نصاب نحن بالتخمة، إلا أننا نفتقر إلى الإرادة لا التكنولوجيا للتخفيف كثيراً من الجوع. إن تعقيدات هذه المشكلة من الشمول بحيث تتعذّر معالجتها باقتضاب هنا.
إن الأساقفة من البلاد الفقيرة اقتصادياً، الذين يشاهدون المعاناة العظيمة بين شعوبهم، قلقون جداً من هذا العالم المترابط المحدود. وهم منزعجون من تزايد الأعداد الكبيرة من الشعوب "الهامشية"، السيئة التغذية، وذات المأوى غير الإنساني، والأمية والمجردة من الكرامة. وهم منزعجون أيضاً من تلوث دائم للبيئة من هواء وماء ولا سيما أن استمر المستوى العالي من الاستهلاك عند الأمم الغنية.
إلا أن حرصهم الرئيسي هو إهانة شعوبهم المتأتية عن كونها عاجزة تجاه القوة الجارفة والاقتصادية والسياسية للدول الصناعية. إن هذه الحالة من انعدام التوازن بجميع نتائجها هي محصلة للقرارات الإنسانية الحرة، وهي تدعي النتيجة الاجتماعية للخطيئة أو ببساطة الخطيئة الاجتماعية (الكنيسة في عالم اليوم- 25، 37-38).
ليس من وظيفة الكنيسة تقديم حلول معينة لمشكلات مادية. إلا أن الكنيسة حثّت أتباعها على المساهمة بشكل أكثر فعالية في السياسة كوسيلة لإصلاح المظالم.
ودعت الكنيسة إلى إحداث تغييرات، بدون تخصيص مفصّل، في العلاقات التجارية والممارسات الضريبية، ومساعدة الأقطار المختلفة، بما في ذلك "نسبة مئوية معينة للدخل السنوي للبلاد الغنية تخصص للدول النامية مع أسعار أكثر عدالة للمواد الخام". ولا غرابة في أن يُعاد التفكير في الملكية الخاصة بالنظر إلى التغييرات الاقتصادية، والسياسية والاجتماعية السريعة الحاصلة اليوم (العدالة في العالم- 66).
ولقد أوضحت الرسالة العامة "أم ومعلمة" التعليم التقليدي حول الحق الطبيعي للملكية الخاصة. ولم يسبق أن فهم هذا على أنه حق مطلق لأنه، كما قال بيوس الثاني عشر، تستطيع الدولة تنظيم استعمال الملكية الخاصة للصالح العام، وتستطيع حتى مصادرة المكية بعد دفع تعويض لائق (عدد 109).
ويتجنّب الدستور الراعوي "الكنيسة في عالم اليوم" الإشارة إلى الحق الطبيعي مركّزاً على مسؤولية الإنسان في التضامن ومستنداً على المبدأ المطلق أن ثروات العالم تخصّ جميع البشر.
"ولذلك لا يظن الإنسان باستعماله الخيرات أن ما يملكه بطريقة مشروعة لا يخصّ سواه ولكن فليعتبره مشتركاً: وهذا يعني ألا يعود بالنفع عليه فقط بل على الآخرين أيضاً" (عدد69). وبالإضافة إلى ذلك علمنا الدستور ذاته أن الحاجة للملكية الفردية كنوع من التأمين قد "تضاءلت أمام الأموال العامة والحقوق والخدمات التي يضمنها المجتمع" (عدد 71).
ولا تعالج الرسالة البابوية "في الذكرى الثمانين" الملكية الخاصة مباشرة، غير أنها تزوّد المسيحي بالإرشادات لكيفية استعمال الملكية الخاصة مرتكزة على مبدأ التضامن.
ويجب على من هم أيسر حالاً التخلّي عن بعض حقوقهم لوضع ثرواتهمخ بكرم أكبر لخدمة الآخرين. وفيما تدافع الكنيسة عن حق امتلاك عقار خاص من حيث المبدأ
إلا أنها شدّدت على الطبيعة الاجتماعية للعقار التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لوضع حدود على الملكية الخاصة.
لا يجوز لأخلاق العمل أن تظل معنية فقط بمطالب العدالة التبادلية ومتبعة لقوانين الدولة. فيجب أن يعني النشاط العملي بالتخفيف من عدم المساواة الفاضحة بين الأثرياء والفقراء. ويجب أن يحاول توطيد بنية جديدة مرتكزة على العدالة تسمح للشعوب جميعها أن تحرّر أنفسها من الحاجة والاعتماد على الآخرين.
ويجب الحرص على ألا تخلق الشركات المتعددة الجنسيات، والتي لا تخضع بصورة عامة إلى أي حكومة أو للصالح العام "نمطاً جديداً فاسداً للسيادة الاقتصادية على الصعيد الاجتماعي، والثقافي، وحتى السياسي" (في الذكرى الثمانين، 44).
وفوق كل ذلك يجب على النشاط العملي أن يدرك أن العمل الإنساني أرقى من العناصر الأخرى جميعها للحياة الاقتصادية. "إننا لنؤكد أن الإنسان، بما يقدم بعمله من إكرام لله، يشترك بعمل يسوع المسيح الفدائي الذي أضفى على العمل اليدوي كرامة سامية عندما اشتغل بيديه في الناصرة" (الكنيسة في عالم اليوم، 76).


Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:24 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الوداعة هى الطيبة واللطف والهدوء
ولكن المشكلة هى أن البعض قد يفهم الوداعة فهما خاطئاً وكأن الوديع يبقى بلا شخصية ولا فاعلية، وكأنه جثة هامدة لا تتحرك"
بل قد يصبح مثل هذا الوديع هزأة يلهو بها الناس"
ويتحول هذا ( الوديع )إلى إنسان خامل، لا يتدخل في شيء


كلا، فهذا فهم خاطيء للوداعة، لا يتفق مع تعليم الكتاب، ولا مع سير الآباء والانبياء... حقاً إن الانسان الوديع هو شخص طيب وهادىء.
ولكن هذه هى أنصاف الحقائق

النصف الاخر من الحقيقة أن الوداعة لا تتعارض مع الشهامة والشجاعة والنخوة. وإنما لكل شىء تحت السموات وقت (جا 1:3

نعم، هكذا قال الكتاب وقال أيضاً. للغرس وقت، ولقلع المغروس وقت.. للسكوت وقت، وللتكلم وقت.." المهم أن يعرف الوديع كيف يتصرف ومتى؟

لقد سئل القديس الأنبا أنطونيوس عن أهم الفضائل: هل هى الصلاة.. الصوم، الصمت.. ألخ . فأجاب عن أهم فضيلة هى الأفراز.
أى الحكمة فى التصرف. أو تمييز ما ينبغى أن يفعل

فالطيبة هى الطبع السائد عند الوديع، ولكن عندما يدعوه الموقف إلى الشهامة أو الشجاعة أو الشهادة للحق. فلا يجوز له أن يمتنع عن ذلك بحجة التمسك بالوداعة

لأنه لو فعل ذلك وامتنع عن التحرك نحو الموقف الشجاع لاتكون وداعته وداعة حقيقية، إنما تصير رخاوة فى الطبع وعدم فهم للوداعة .
وعدم فهم للروحانية بصفة عامة فالروحانية ليست تمسكا بفضيلة واحدة تلغى معها باقى الفضائل. إنما الروحانية هى كل الفضائل معاً متجانسة ومتعاونة فى جو من التكامل
وأمامنا مثلنا الأعلى السيد المسيح له المجد

كان وديعا ومتواضع القلب (مت 29:11)
قصبة مرضوضة لايقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفىء(مت 20:12).. ومع ذلك

فإنه لما رأى اليهود قد دنسوا الهيكل وهم يبيعون فيه ويشترون.. أخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون فى الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسى باعة الحمام. وقال لهم مكتوب بيتى بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص.(مت 21:12،13) (يو14:2-16)

أكان ممكنا للسيد المسيح ? بأسم الوداعة ? أن يتركهم يجعلون بيت الاب بيت تجارة أم أنه مزج الوداعة بالغيرة المقدسة كما فعل؟
فتذكر تلاميذه أنه مكتوب غيرة بيتك أكلتنى(يو2:16،17)0

وكما قام المسيح الوديع بتطهير الهيكل هكذا وبخ الكتبة والفريسيين.. حقا لكل أمر تحت السموات وقت.. للهدوء وقت.. وللغيرة وقت.. للسكوت وقت.. وللتعليم وقت. وقد كان الكتبة والفريسيون يضلون الناس بتعليمهم الخاطىء.
فكان على المعلم الأعظم أن يكشفهم للناس ولا يبقيهم جالسين على كرسى موسى فى المجتمع المسيحى الجديد.
فقال لهم ويل أيها الكتبة والفريسيون المراءون لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون.(مت 13:23)0

هل كان ممكنا باسم الوداعة أن يتركهم يغلقون أبواب الملكوت.؟

الوداعة فضيلة عظيمة ولكننا نراها هنا ترتبط بالغيرة المقدسة وترتبط بالشهادة للحق. ومثالنا هو المسيح نفسه

قول الله على لسان أرميا النبى فى العهد القديم

طوفوا فى شوارع أورشليم وانظروا واعرفوا وفتشوا فى ساحاتها:
هل تجدون انساناً أو يوجد عامل بالعدل طالب الحق، فأصفح عنها.(أر 5:1)

وقال الرب لتلاميذه،.. تكونوا لى شهودا، (اع 1:8)

فهل الوداعة تمنع الشهادة للحق؟! حاشا.
أمامنا بولس الرسول كمثال: نرى ذلك فى موقفه من القديس بطرس لما سلك فى الأكل مع الأمم مسلكا رآه بولس الرسول مسلكا ريائيا.. فقال القديس بولس فىذلك، قاومته مواجهة لأنه كان ملوماً..وقلت لبطرس قدام الجميع: إن كنت وأنت يهودى تعيش أممياً لا يهوديا. فلماذا تلزم الامم أن يتهودوا؟!(غل11:2-14)0

فعل هذا بولس الوديع الذى فى توبيخه لأهل كورنثوس قال لهم أطلب اليكم ? بوداعة المسيح وحلمه- أنا نفسى بولس الذى هو فى الحضرة ذليل بينكم وأما فى الغيبة فمتجاسر عليكم.(2كو1:10).
هذا الوديع الذى يقف أمام أبنائه الروحيين كذليل فى حضرتهم معتبرا توبيخة لهم تجاسرا عليهم!!..هذا نفسه يرى وقت الضرورة أن يوبخ بطرس الرسول الذى هو أقدم منه فى الرسولية وأكبر منه سناً
ولكنه هنا يمزج الوداعة بالشهادة للحق

ففضيلة الوداعة لا يجوز لها أن تعطل الفضائل الاخرى، أمامنا مثل آخر هو إبرام (ابراهيم) أبو الآباء فى مزج الوداعة بالشهامة والنخوة

لاشك أن أبا الآباء إبراهيم كان وديعا هذا الذى سجد لبنى حث حينما أخذ منهم أرضاً ليدفن فيها سارة. مع إنهم كانوا يبجلونه قائلين. أنت يا سيدى رئيس من الله بيننا فى أفضل قبورنا أدفن ميتك.(تك23:6،7).
ومع ذلك سجد لهم إبراهيم الوديع هذا لما أخبروه بسبى لوط ضمن سبى سادوم فى حرب أربعة ملوك ضد خمسة، يقول الكتاب فلما سمع ابرام أن أخاه (لوط)
قد سبى، جر غلمانه المتمرنين ولدان بيته ثلاثمائة وثمانية عشر: وتبعهم إلى دان... وكسرهم وتبعهم إلى حوبة.. واسترجع كل الأملاك. واسترجع لوط اخاه أيضاً واملاكه والنساء أيضاً والشعب.(تك14:14-16). أكانت شهامة ابراهيم ونخوته. ضد وداعته وطيبته؟! حاشا

أمامنا مثل آخر فى امتزاج الوداعة بالشجاعة والقوة وهو الصبى داود، فى محاربته لجليات الجبار

لاشك أن داود كان وديعا، يقول عنه المزمور..أذكر يا رب داود وكل دعته.(مز 1:132)...
داود راعى الغنم الهادىء صاحب المزمار. الذى يحسن الضرب على العود (اصم16:16-22).
داود المنظر، الأشقر مع حلاوة العينيين (اصم16:22).
داود هذا لما ذهب إلى ميدان الحرب يتفقد سلامة إخوته، وسمع جليات الجبار يغير الجيش كله ويتحداه .والكل ساكت وخائف.. تملكته الغيرة المقدسة. وبكل شجاعة وقوة وإيمان قال، لا يسقط قلب أحد بسببه.(اصم17:31).
وتطوع أن يذهب ليحاربه وتقدم نحوه وقال له اليوم حبسك الرب فى يدى..(اصم17:46)

هنا الوداعة ممزوجة بالقوة والشجاعة والإيمان.. وعلى الرغم من قوة داود وشجاعته فلم تفارقه وداعته بل قال لشاول الملك فيما بعد لما طارده، وراء من خرج ملك اسرائيل؟ وراء من أنت مطارد؟ وراء كلب ميت! وراء برغوث واحد!! (اصم24:14)0

نضرب مثلا آخر للإنسان الوديع الذى يغضب غضبة مقدسة للرب وينهر ويوبخ... هو موسى النبى

لا يستطيع أحد أن ينكر وداعة موسى النبى. هذا الذى قال عنه الكتاب وكان الرجل موسى حليماً جداً أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض(عد 12:3)

فماذا فعل موسى الوديع لما نزل من الجبل ووجد الشعب فى رقص وغناء حول العجل الذهبى الذى صنعوه وعبدوه؟
يقول الكتاب، فحمى غضب موسى وطرح اللوحين (لوحى الشريعة) من يديه وكسرهما فى أسفل الجبل. ثم أخذ العجل الذى صنعوه واحرقه بالنار، وطحنه حتى صار ناعما، وذراه على وجه الماء..(خر 32:19،20).
ووبخ موسى هارون أخاه رئيس الكهنة، حتى ارتبك أمامه هارون وخاف. وقال له لا يحم غضب سيدى. أنت تعرف الشعب أنه شر وقال فى خوفه وارتباكه عن الذهب الذى جمعه من الناس، طرحته فى النار فخرج هذا العجل!!(خر 32:22،24)0

إذن الوداعة لا تمنع قوة الشخصية ولا قوة التأثير، كان السيد المسيح وديعاً وفى نفس الوقت كان قوى الشخصية وكان قوياً فى تأثيره على غيره

ولكننى أريد هنا أن أضرب مثلاً فى مستوى البشر وهو القديس بولس الرسول، بولس الذى شرحنا من قبل وداعته

يقول سفر أعمال الرسل عن القديس بولس وهو أسير: وبينما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون. إرتعب فيلكس (الوالى). وأجاب أما الآن فأذهب ومتى حصلت على وقت استدعيك،(أع24:24،25)0

ولما وقف بولس الرسول- وهو أسير أيضاً- أمام اغريباس الملك قال له أيضاً بعد أن ترافع أمامه أتؤمن أيها الملك اغريباس بالأنبياء؟ أنا أعلم إنك تؤمن ، فقال أغريباس لبولس: بقليل تقنعنى أن أصير مسيحياً(أع 26:27،28).
وحينئذ فى قوة وعزة أجاب القديس بولس كنت أصلى إلى الله أنه بقليل وبكثير- ليس أنت فقط ? بل أيضاً جميع الذين يسمعوننى اليوم يصيرون هكذا كما أنا ماخلا هذه القيود (أع 26:29).. أترى تتعارص الوداعة مع هذه القوة؟! كلا بلا شك

ووقت الضرورة، لاتتنافى الوداعة مع الدفاع عن الحق ويتضح هذا الامر من قصة بولس الرسول مع الأمير كلوديوس ليسياس. لما أمر أن يفحصوه بضربات ليعلم لاى سبب كان اليهود يصرخون عليه. يقول الكتاب مدوه بالسياط، قال بولس لقائد المئة الواقف أيجوز لكم أن تجلدوا رجلاً رومانياً غير مقضى عليه؟!
وإذ سمع القائد هذا أخبر الامين، الذى جاء واستخبر من بولس عن الأمر وحينئذ تنحى عنه الذين كانوا مزمعين أن يجلدوه واختشى الأمير لما علم إنه رومانى(اع 22:24-29)

ما كان القديس بولس الرسول يهرب من الجلد فهو الذى قال "من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة ألا واحدة (2كو11:24). لكنه هنا دافع عن حق معين واظهر للأمير خطأ كان مزمعاً أن يقع فيه وما كان هذا يتنافى مع وداعة القديس بولس

وبنفس الوضع لما اراد فستوس الوالى أن يسلمه لليهود ليحاكم أمامهم وبهذا يقدم منه (أى جميلا) لهم فقال له بولس فى حزم- مدافعا عن حقه- أنا واقف لدى كرسى ولاية قيصر حيث ينبغى أن أحاكم أنا، لم أظلم اليهود بشىء..
فليس أ حد يستطيع أن يسلمنى لهم. إلى قيصر أنا رافع دعواى فأجابه الوالى. إلى قيصر رفعت دعواك إلى قيصر تذهب.(أع 25:9-12)0

لم يكم القديس بولس خائفا من اليهود ولكنه- فى حكمة- طلب هذا ليذهب إلى رومية ? حيث يوجد قيصر ? ويبشر هناك لأن الرب كان قد تراءى له قبل ذلك وقال له ثق يابولس لأنك كما شهدت بما لى فى أورشليم هكذا ينبغى أن تشهد فى رومية أيضاً(أع 23:11). وهكذا دافع عن حقه فى وداعة وحكمة ودون أن يخطىء فى شىء بل تكلم كلاماً قانونياً

الوداعة لا تمنع من أن تنبه خاطئاً لكى تنقذه من خطأ أو من خطر

كما قال يهوذا الرسول غير الاسخريوطى خلصوا البعض بالخوف، مختطفين من النار(يه23)0

هل إن رأيت صديقاً أو قريباً على وشك أن يتزوج زواجاً غير قانونى من قرابة ممنوعة أو بعد طلاق غير كنسى أو بتغيير المذهب والملة أو إنه مزعم أن يتزوج زواجاً مدنيا أو عرفياً... أو ماشاكل ذلك ..
هل تمتنع باسم الوداعة عن تنبيهه إلى أن ما ينوى عمله هو وضع خاطىء؟! كلا بل إن من واجبك أن تنصحه..
ولكن بإسلوب هادىء تنبهه ولكن فى غير كبرياء وفى غير تجريح أما أن تسكت فإن سكوتك سيكون هو الوضع الخاطىء ليست الوداعة أن تعيش كجثة هامدة فى المجتمع بل تتحرك وتكون لك شخصيتك، إنما فى أسلوب وديع... ولو بكلمة واحدة كقول المعمدان لا يحل لك (مت 4:14)0

أمامنا أيضا مثال القديس بولس الرسول اسهروا متذكرين إنى ثلاث سنين ليلاً ونهاراً لم افتر عن أن انذر بدموع كل واحد،(اع 31:20) ..
وداعته لم تمنعه من أن ينذر كل واحد، لكن أيلوبه الوديع، هو أنه كان ينذر بدموع حتى إن اضطر أن يقول كلمة شديدة

لقد اعتاد الناس على عدم سماع كلمة شديدة من إنسان وديع فإن سمعوه يوما يقول كلمة شديدة سيدركون داخل انفسهم أنه لابد أن سببا شديداً قد ألجأه إلى هذا. ويكون للكلمة وقعها وتأثيرها فى أنفسهم

هل تظنون أن الوديع قد أعفى من قول الرب لتلاميذه "أو تكونون لى شهوداً(أع 1:8). كلا بلا شك فحينما يلزم الأمر أن يشهد للحق لابد أن يفعل ذلك

هل إذا أتيحت فرصة له لكى ينقذ شخصاً معتدى عليه ألا يفعل ذلك بأسم الوداعة؟

هل من المعقول أن يقول وما شأنى بذلك؟!
أو يقول وأنا مالى خلينى فى حالى!! أم فى شهامة ينقذه وبإسلوب وديع؟! كما انقذ السيد المسيح من الرجم المرأة المضبوطة فى ذات الفعل وقال للراغبين فى رجمها من كان منكم بلا خطية فليرمها بأول حجر(يو7:8). وفعل ذلك بوداعة دون أن يعلن خطاياهم. بل كان يكتب على الأرض

لعل البعض يسأل هنا : هل يمكن للوديع أن يدين أحد؟ وهل هناك أمثلة فى الكتاب لذلك؟

أمامنا السيد المسيح(الوديع المتواضع القلب) {مت 29:11}
هذا الذى كان يقول لم يرسل الاب ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص العالم(يو3:17). وقد قال اليهود أنتم حسب الجسد تدينون أما أنا فلست ادين أحد (يو8:15) . ومع ذلك أكمل بعدها ، وأن كنت أنا أدين فدينونتى حق ، يسوع المسيح هذا الذى قال للمرأة المضبوطة فى ذات الفعل ولا أنا أدينك (يو8:11).
هو فى مناسبات عديدة، أدان كثيرين.. مثلما أدان الكتبة والفريسيين (مت 23). وأدان كهنة اليهود(مت 21:13) قائلاً لهم، أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تصنع اثماره، وادان تلميذه بطرس لما أ خطأ وقال له من جهة الصليب حاشاك يارب (مت 16:23)

كذلك فإن القديس بولس الرسول قال لتلميذه تيموثاوس، الذين يخطئون وبخهم أمام الجميع لكى يكون عند الباقين خوف (اتى5:20),
فإن قلت هذا هو المسيح يدين وذاك رسول وذاك أسقف أقول

هناك مواقف يجد فيها الوديع نفسه مضطرا لآن يتكلم ولا يستطيع أن يصمت مثلما فعل اليهو فى قصة أيوب الصديق واصحابه

كان هو الرابع من أصحاب أيوب وقد ظل صامتاً طوال 28 اصحاحا من النقاش بين أيوب الصديق وأصحابه الثلاثة إلى أن صمت هؤلاء إذ وجدوا أيوب باراً فى عينى نفسه (أى 32:1)
وحينئذ يقول الكتاب، فحمى غضب اليهو بن برخئيل البوزى من عشيرة رام على أيوب حمى غضبه لأنه حسب نفسه أبر من الله وعلى اصحابه الثلاثة حمى غضبه لأنهم لم يجدوا كلاماً واستذنبوا أيوب.(أى32:2،3). كان اليهو انسانا وديعا ظل صامتاً مدة طويلة فى نقاش بين اشخاص، أكثر منه أياماً ولكنه أخيراً لم يستطيع أن يصمت ورأى أنه لابد من كلمة حق ينبغى أن تقال فقال لهم

أنا صغير فى الأيام وأنتم شيوخ لأجل ذلك خفت وخشيت أن أبدى لكم رأيى قلت الأيام تتكلم وكثرة السنين تظهر حكمة ولما لم يجد فيهم حكمة تكلم ووبخ أيوب . وكانت كلمة الله على فمه وهو الوحيد ألذى لم يجادله أيوب (أى32إلى37)0

هناك أشخاص من حقهم ? بل من واجبهم- أن يدينوا

ولا تتعارض ادانتهم مع الوداعة مثل الوالدين، والآب الروحى والمدرس بالنسبة إلى التلاميذ، والرئيس بالنسبة لأى مرؤوسيه..
إن عالى الكاهن أدانه الله لأنه لم يحسن تربية أولاده ويدينهم(أصم3)0

هوذا الكتاب يقول لا تخالطوا الزناه،(اكو6:9). فهل تقول أنا لا أدين هؤلاء، إن عدم مخالطتهم وعدم مخالطة مجموعات أخرى من الخطاة (كو6:11). تحمل ضمنا ادانتهم كذلك بالنسبة إلى المنحرفين فى التعليم الدينى يقول الرسول إن كان أحد يأتيكم ولا يجىء بهذا التعليم فلا تقبلوه فى البيت ولا تقولوا له سلام لان من يسلم عليه يشترك فى أعماله الشريرة (2يو10،11). فهل باسم الوداعة تقبل هؤلاء؟

قال الرسول خطايا بعض الناس واضحة تتقدم إلى القضاء (اتى5:24). أنت لا تدينهم. وأنت بكل وداعة تبتعد عنهم

فقال لهم " ويل أيها الكتبة والفريسيون المراؤن



لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس. فلا تدخلون أنتم، ولا تدعون الداخلين يدخلون.(مت 23:13)

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:25 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
العطاء: أهميته - نوعيته - قمته



http://www.peregabriel.com/gm/albums...ormal_0535.jpg



إن حياة الإنسان تقاس أو تقيّم، بمقدار ما يقدّمه من عطاء.
لذلك فكل يوم يمّر عليك، دون أن تعطى فيه شيئاً لغيرك، لا تحسب هذا اليوم من أيام حياتك...
ومن جهة العطاء، وضع سليمان الحكيم وصيتين ذهبيتين هما:
"لا تمنع الخير عن أهله، حين يكون في طاقة يدك أن تفعله"
"لا تقل لصاحبك اذهب وعُدْ غداً فأعطيك، وموجود عندك"
الواجب اذن أن تعطى، ولا تؤجل العطاء إلى غدٍ.
فإن أنعم الله عليك ببعض الخيرات، فلا تظن أنها كلها لك وحدك!
بل الله - فيما يعطيك - إنما يختبرك: هل أنت بدورك سوف تعطى أيضاً؟ أم سوف تملكك الأنانية فتستأسر بكل شئ لذاتك دون غيرك!!
إن العطاء هو خروج من محبة الذات إلى محبة (الآخر).
والعطاء يحمل فضيلة البذل، وشيئاً من فضيلة التجرد، وبعداً عن الجمع والتكويم.
والذى يتصف بالعطاء، يدل على أن المال ليس هو الذي يملُكه
بل هو الذي يملُك المال وينفقه في خير الآخرين.
والعطاء على درجات كثيرة: أولها التدرب على العطاء، ثم النمو فيه.
+ تدرب أولاً على أن كل ما يصلك من خير، إعطِ منه للغير.
وثِق أن ما تعطيه منه، إنما يجعل البركة فيما تبقى، فيزداد... وأيضاً ما تحصل عليه من محبة ودعاء ممن أعطيتهم يكون أكثر بمراحل من العطية ذاتها. وتكسب بذلك أصدقاء يشفعون فيك أمام الله...
وهكذا يكون العطاء خيراً للمُعطي، ولمن يتقبل العطية.
ومثال ذلك الأم التي تُعطي من لبنها لرضيعها:
يسعد هذا الابن برضاعته، وتستريح الأم أيضاً وتسعد. وبنفس الوضع يسعد المُعطي حينما يرى فرح من يتقبل أيضاً عطاءه، فيفرح بفرحه.
إن الشجرة تنتعش حينما يرويها الفلاح. كما ينتعش الفلاح بذلك ويفرح بانتعاش الشجرة...
ويتقدم الإنسان في العطاء، فيصل إلى السخاء والكرم:
فيعطي بسخاء وليس بتقتير، ولا بحسابٍ دقيق! ليس فقط ما يكفى بالكاد حاجة غيره، وإنما بالأكثر ما يفيض.
ويُعطي ليس فقط ما يطلبه الناس، وإنما ما يحتاجون إليه حتى دون أن يطلبوا. كالأب الذي يعطى لإبنه ما يحتاجه، ولا ينتظر حتى يطلب...
وهكذا الله - تبارك اسمه - يعطينا دون أن نطلب، وفوق ما نطلب...
وهو بهذا يقدم لنا درساً في العطاء وكيف يكون. سواء كان ذلك بالنسبة إلى الأفراد، أو إلى المجتمع جملةً... إلى الذين يعرفون كيف يُعبّرون عن احتياجاتهم، والذين ليست لهم القدرة على ذلك أو الوسيلة...
ويرتقي العطاء، فيصل إلى أن يُعطي الإنسان أفضل ما عنده:
ليس فقط الأشياء البالية أو المرفوضة منه. فليس في هذا احترام للذي يأخذ. إنما يُعطي الأشياء التي يتشرف بها الآخذ. وإن كان المثل يقول "إن الهدايا على قدر مُهديها"، فهل نقول أيضاً إن العطايا على قدر مُعطيها، مع احترام من تُعطىَ إليه...
ومن النبل أيضاً: العطاء من العوز، أى تُعطي ما أنت محتاج إليه!
وهنا ننبّه إلى أن فضيلة العطاء، ليست هي فقط للأغنياء القادرين الذين يفيض المال عنهم. إنما يقوم بها أيضاً أهل الخير الذين يدفعون من أعوازهم
وبهذا يُفضّلون غيرهم على أنفسهم. ولا شك أن هؤلاء الذين يعطون رغم عوزهم، يكونون عند الله أكثر أجراً، كما يكونون عند الناس أكثر تقديراً...
والعطاء الحقيقي هو العطاء بفرح:

فلا يُعطي الإنسان نتيجة ضغط وإضطرار، أو وهو ساخط ومتذمر، أو خوفاً من إنتقاد الناس!! فمن يفعل ذلك، إنما يُعطي من جيبه، وليس من قلبه، ولا ينال من الله أجراً على ما يُعطيه...
أما الذي يُعطي عن حب وإشفاق، ويفرح للخير الذي يقدمه لغيره بعطائه، فهذا هو المقبول أمام الله والناس... مصدر المقال: موقع الأنبا تكلاهيمانوت.
قديماً كان الناس يعطون ما يسمى بالبكور:
أي أوائل الأشياء. فيُعطي الشخص أول نتاج زرعه أو غنمه. كما يُعطي أول ثمار شجره. وهكذا يبارك الله كل ما له في حقله.
على أن الأمر الآن لم يعد قاصراً على المجال الزراعي، بل إمتد إلى الوظائف والحرف. وأصبحت فضيلة البكور لها إتجاه آخر:
فيُمكن للموظف أن يقدّم أول مرتب له وأول علاوة له لعمل الخير. والمدرّس بالإضافة إلى المرتب يقدم ما يأخذه من أول درس خصوصي، وكذلك المحامي من أول أجر على قضية، والطبيب كذلك يدفع لأوجه الخير ما يصل إليه من أول كشف وأول عملية.. وهكذا الباقون...
وبهذا يبارك الله دخل كل هؤلاء، لأن أول إيراد لهم لم يكن لأنفسهم، بل كان عطاءً منهم لغيرهم...
ومن صفات العطاء أن يكون بمدامة:

لأن هناك من يدفع مرة أو مرتين، ثم يسأم ويملّ، ويرفض اذا طُلبَ منه أكثر... أما القلب الواسع فهو لا يملّ من طلبات المحتاجين، بل يُعطيهم مهما طلبوا، برضىّ مقدراً لإعوازهم...
كذلك لا يكون العطاء بكل تحقيق وتدقيق:
ولا بإهانة الطالبين، ووصفهم
والاحتيال. فإن كان البعض يطلب عن غير إستحقاق، فليس الكل كذلك.
ونحن في عصر، غالبية الناس فيه محتاجون: ليس فقط الذين يُقاسون من البطالة، بل أيضاً أصحاب الدخل المحدود، مهما كانت مرتباتهم.
وبخاصة إن وقع أحدهم في مشكلة مالية، تتعلق بمرض أو عملية جراحية، أو تكاليف زواج إبنه، أو احتياج إلى سكن، وما إلى ذلك...
هناك نوع آخر من العطاء هو العطاء المعنوي، غير المادي:

كمن يُعطي كلمة عزاء لإنسان حزين، أو يُعطي كلمة تشجيع لمن هو يائس أو واقع في صغر النفس، أو يُعطي عبارة حنان لطفل يتيم، أو كلمة منفعة لمن يحتاج إليها، ومثل ذلك من الأمور...
كذلك يوصف بالعطاء من قدموا للناس فكراً نافعاً، أو فناً مفيداً، أو علماً وكان له تأثيره في راحة الناس أو في علاجهم أو في تعمير الأرض. ولا أقصد العلم أو الفن الذي أسئ استخدامه. كل أولئك كان في حياتهم عنصر العطاء، كل في تخصصه.
على أن قمة العطاء تتمثل في من يُعطي نفسه لأجل غيره:

أي أنه يفدي غيره بذاته... مثال ذلك من يفدي وطنه بحياته، أو يبذل حياته من أجل دينه أو من أجل مبدأ من المبادئ السامية، أو من يقدم حياته لإنقاذ غريق، أو إنقاذ أسرة من الحريق. ولا يوجد حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه عن أحبائه...
إن الإنسان يبذل نفسه لأجل غيره، يذكّرنا بالشمعة التي تذوب لكي تنير للآخرين، ويذكّرنا أيضاً بحبة البخور التي تحترق تماماً لكي تُعطي بخوراَ عطراَ للغير... إنها أمثلة واضحة لبذل الذات كاملة..
بقى سؤال هام، وهو: ماذا عن الذين يريدون أن يعطوا وليس لهم؟

إنه عطاء بالنية، والله هو فاحص القلوب، والعارف بقدرة كل شخص أو عدم قدرته. ونحن نُصلّي من أجلهم في الكنيسة ونقول:
"أذكر يا رب الذين يريدون أن يقدموا لك وليس لهم.
عوّضهم عِوض الفانيات بالباقيات".

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:27 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الرحمة

بقلم القمص ميخائيل جرجس صليب

الـرحـمـة
بقلم القمص ميخائيل جرجس صليب
الرحمة صفة من صفات الله
وقد ذكرت هذه الصفة عن الله فى الكتاب المقدس عدة مرات
فقيل عنه فى سفر المزامير أنه
"حنان ورحيم وصديق
"(3)..ـ "الرب حنان ورحيم طويل الروح وكثير الرحمة.

الرب صالح للكل ومراحمه على كل أعماله"(4).ـ


وفى سفر نحميا يقول
"أنت إله غفور وحنان ورحيم وطويل الروح وكثير الرحمة"(5).
ـ لذلك قال المسيح فى عظته على الجبل
"كونوا رحماء كما أن أباكم أيضاً رحيم"(6)،
وطوّب الرحماء قائلاً لهم

"طوبى للرحماء لأنهم يرحمون"(7).
ـ وقد أعطى المسيح مثالاً لعمل الرحمة فقال
"لذلك يشـبه ملكوت السموات إنساناً ملكاً أراد أن يحاسب عبيده. فلما ابتدأ فى المحاسبة قدم إليه واحد مديون بعشرة آلاف وزنة.

وإذ لم يكن له ما يوفى أمر سـيده أن يباع هـو وامرأتـه وأولاده وكل ما له ويوفى الدين. فخر العبد وسجد له قائلا يا سيد تمهل علىَّ فأوفيك الجميع
. فتحنن سيد ذلك العبد وأطلقه وترك له الدين. ولما خرج ذلك العبد وجد واحداً من العبيد رفقائه كان مديوناً له بمئة دينار فأمسكه وأخذ يعنفه قائلاً أوفنى ما لى عليك.
فـخر العبد رفيقه على قـدميه وطلب إليه قائلاً تمهل على فأوفيك الجميع. فلم يرد بل مضى وألقاه فى سـجن حتى يوفى الدين. فلما رأى العبيد رفقاؤه ما كان حزنوا جداً وأتوا وقصوا على سـيدهم كل ما جرى.
فدعاه حينئذ سيده وقال له أيها العبد الشرير كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبت إلى. أفما كان ينبغى أنك أنت أيضاً ترحم العبد رفيقك كما رحمتك أنا.
وغضب سيده وسـلمه الى المعذبين حتى يوفى كل ما كان له عليه. فهكذا أبى السماوى
(1)- (مت13: 43). (2)- (مت25: 46). (3)- (مز112: 4).
(4)- (مز145: 8). (5)- (نح9: 17). (6)- (لو6: 16).
(7)- (مت5: 7).
العبد يسترحم سيده فى الدين الذى عليه
ولكنه لم يرحم زميله (العبد) فى الدين الذى عليه
يفعل بكم إن لم تتركوا من قلوبكم كل واحد لأخيه زلاته(1).


وإن أردت أن تقتنى فضيلة الرحمة حاول تطبيق التدريبات الآتية
ـ1- يجب أن ترحم الناس كما رحمنا الله

فالله قد رحمنا من الموت الأبدى بموته عنا كما يقول بولس الرسول
"بمقتضى رحمته خلصنا"(2).ـ
ـ2- عندما نطلب الرحمة من الله يجب أن نطلبها بقلب منسحق كما فعل العشار الذى يقول عنه الكتاب
"وقف من بعيد لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء بل قرع على صدره

قائلاً اللهم أرحمنى أنا الخاطئ"(3).ـ
بعكس الفريسى الذى قال بكبرياء

"أشكرك أنى لست مثل باقى الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل ذلك العشار.
أصوم مرتين فى الاسبوع وأعشر كل أقتنيه"(4).ـ
ويخبرنا الكتاب أن العشار

"نزل إلى بيته مبرراً دون ذاك"(5).ـ
ـ لأنه طلب الرحمة من الله بخشوع، أما الفريسى فلم يطلب الرحمة ..ـ
ـ3- لا تقسى قلبك بالخطية . كما يقول الكتاب
"إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم"(6).
لأن قساوة القلب تولد عدم الرحمة ..ـ
وسليمان الحكيم يقول

"أما مقسى قلبه فيسقط فى الشر"(7).ـ
ـ4- التمس العـذر للمخطئين إليك كما فعل المسيح لصالبيه، وطلب لهم الغفران قائلاً

"يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ـ"(8). ـ

وكما فعل استطفانوس رئيس الشمامسة براجميه قائلاً "يارب لا تقم لهم هـذه الخطية"(9).ـ
والتماس العذر يزيل العداوة مع الآخرين ويجعل قلوبنا رحيمة مع كل أحد.
(1)- (مت18: 23- 35). (2)- (تى3: 5). (3)- (لو18: 13).
(4)- (لو18: 11). (5)- (لو18: 14). (6)- (عب3: 7).
(7)- (أم28: 14). (8)- (لو23: 34). (9)- (أع7: 60).
الفريسى والعشار


ـ5ـ اهتم بالمساكين والمحتاجين لأن الرب طوّب من يتعطف عليهم ويرحمهم.
فيقول سفر المزامير
"طوبى لمن يتعطف على المسكين فى يوم الشر
ينجيه الرب الرب يحفظه ويحييه

ويجعله فى الأرض مغبوطاً"(1).ـ
ويقول سفر الأمثال

"من يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفه يجازيه "(2).

وقال أيضاً "من يرحم المسكين فطوبى له"(3).ـ
ويقول بولس الرسول "المعطى فبسخاء .. والراحم فبسرور"(4).ـ
ـ6ـ هناك صلة قوية بين المحبة والرحمة، لذلك إن الذى يحب الناس يرحمهم ويتشبه بالله، ولذلك يقول المزمور إن الله "حنان ورحيم"(5).ـ
ويقول أيضاً إن الله "رحيم ورؤوف"(6).ـ
ـ7ـ يقول سليمان الحكيم

"الرحيم يحسن إلى نفسه والقاسى يكدر لحمه"(7)

لأن الرحيم سيشعر بسلام داخلى دائماً أما القاسى فيشعر بضيق واضطراب لا حدود له.

ـ8ـ داود النبى كان يطلب الرحمة من الله دائماً لكى يتعلم الرحمة فيقول

"أيها الرب الإله أنت رؤوف ورحيم أنت طويل الروح وكثير الرحمة وصادق أنظر إلىّ وارحمنى"(8).ـ


ـ9ـ الكنيسة تردد دائماً صلوات الرحمة فى معظم صلواتها مستخدمة بعض المزامير مثل
"ارحمنى يا الله كعظيم رحمتك"(9)
وارحمنا يا الله ثم ارحمنا، ويارب ارحم 41 مرة، وهكذا.


ـ10ـ إن فعل الرحمة وصية إنجيلية، فرب المجد قال

"كونوا رحماء كما أن أباكم أيضاً رحيم"(10).ـ
(1)- (مز40: 1). (2)- (أم19: 17). (3)- (أم14: 21).
(4)- (رو12: 8). (5)-(نح9: 17). (6)-(مز103: 8).
(7)-(أم11: 17). (8)-(مز85: 20). (9)-(مز50).
(10)-(لو6: 36).

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:29 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
في الانتباه - القديس أفرام السرياني
أصغي إلى ذاتك أيتها الشبيبة المؤثرة النسك لئلا تعبر أيامك في التنزه، لا تقبلي الأفكار الخبيثة لئلا تضعف قوتك في حرب العدو، ليكن كل وقت في ذهنك السيد الحلو ليكلل سعي نسككِ.


حاضري جرياً أيتها الحداثة في جهاد نسككِ، قد حان اليوم وأقترب الوقت الذي فيه العاملون يكللون والمتوانون يندمون، أقتني الفضيلة ما دام لك زمان ؛ أقتني ورعاً في ناظركِ وصدقاً في مسامعكِ وكلمات حياة في لسانكِ.


تعهدي المرضى في قدميكِ ؛ وفي قلبكِ صورة ربكِ، في أعضائكِ تقويمات العفة ليفضل تكريمكِ بحضرة الملائكة والناس.


خشبة لا نفس لها تكرم إذا كان فيها صورة ملك مائت، فكم أحرى تكرم النفس الحاوية فيها اللـه في هذا الدهر والمستأنف.
أصغِ إلى ذاتك أيها الحبيب ؛ إن الشهوة مائتة فأما جسمك فهو حي ؛ وتأمل إذاً بمبالغة وأحذر ألا تمنح جسدك حياة المائت ؛ فإن أعطيته حياة يقتلك، فإن المائت إذا أحييته قتل من منحه الحياة.


فأعرف بمبالغة ما هي الشهوة، فالشهوة خلواً من الجسم مائتة ؛ فإذا اقترنت الشهوة بالجسم تعيش الشهوة ؛ ويدرس الذهن في حلاوتِها، ويوجد الجسد الحي مائتاً بإماتتها إياه.


فمن أجل هذا أحفظ ذاتك بتحرز من هذا المائت في توقد نار شهوته، أحضر إلى ذهنك النار التي لا تطفأ والدود الذي لا يموت ففي الحال يخمد التهاب الأعضاء،
لئلا تسترخي فتغلب وتندم وتستدرك كل النار، نار الندامة وتعتاد أن تخطئ وتندم.


أقتنِ صرامة منذ الابتداء مقابل كل شهوة ؛ ولا تنغلب لها ؛ ولا تعتاد على الهزيمة في الحرب ؛

لأن العادة طبيعة ثانية ؛ واعتياد الاسترخاء لا يقتني قط صرامة وشهامة لأنه كل حين يبني وينقض، كل وقت يخطئ ويندم.


أيها الحبيب إذا اعتدت أن تتراخى إذا قوتلت فستكون تسطير كتابة ندامتك ثابتة إلى أبد الدهر.


من قد أعتاد أن ينغلب لبعض الشهوات فضميره يصير له كل وقت موبخاً ؛ ويكون كل وقت حزيناً كئيباً، فيرى قدام الناظرين وجهه بورع وعافية ؛

وهو من داخل مقطب من أجل توبيخ ضميره إياه ؛ لأن الشهوة اعتادت أن تمنح الذين يعملونَها حزناً موجعاً.


فتحرز بكل نفسك ؛ وأحذر حاوياً في ذاتك المسيح كل وقت، لأن المسيح هو للنفس ختن لا يموت، لا تترك ختنك المحق لئلا يتركك ؛

وإذا تركك تحب الغريب العدو الغاش الذي يغش ؛ يحب وقتاً يسيراً ويترك لأنه هو زانية نجسة ؛ فإذا أفنى الإنسان قوته فيها يمقتها.


من لا يبكي لأن العدو إذا افنى قوتنا وزماننا في نجاساته وشهواته الدنسة ؛ يبتعد حينئذ عنا لأنه يمقتنا ولا يحبنا قط ؛ لكن يحبنا اللـه الآب والابن والروح القدس الذي له التمجيد إلى أبد الدهور.
آمـين

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:31 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الفضيلة هي محبة الخير
إنها ليست في مجرد عمل الخير, إنما بالأكثر في محبة الخير. ذلك لأن الفضيلة التي تمارس من الخارج فقط, وليست صادرة من القلب, قد تكون رياءً.
أو أن البعض يعملون الخير خوفاً من إنتقاد الناس, أو خوفاً من عقوبة المجتمع أو عقوبة القانون, أو يفعلون ذلك خجلاً, أو من أجل المنفعة, أو لمجرد كسب مديح الآخر وليست حباً في الخير ولا حباً في الغير, أو رغبة في نوال مكافأة
أومجارة لتيار معين, أو تقليداً لغيرهم. كل ذلك بغير اقتناع من الداخل, وبغير رغبة!
وربما يفعل الشخص ذلك وهو محرَج, لا يستطيع أن يمتنع أو يقول لا!! وعمل الخير لشئ من هذه الأسباب لا يمكن أن يُحسب فضيلة...
الفضيلة هي إذن حب الخير, حتى لو كان الإنسان لا يستطيع أن يفعله لسبب خارج عن إرادته, لوجود موانع تمنع التنفيذ عملياً..
ولكن إن وُجدت امكانية لعمل الخير, فلابد أن يعمله.
لأنه حينذاك تجتمع نية القلب مع العمل والإرادة, لأن النية وحدها لا تفيد الآخرين..
فالفضيلة تبدأ في داخل القلب, وتنبع منه, في المشاعر والنيات والأحاسيس.
ويكون عمل الخير هو التعبير عما في القلب من مشاعر طيبة..

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:32 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الفضيلة هي السلوك الفاضل
إنها تبدأ في الداخل, في القلب والفكر والروح. ولكنها تظهر في الخارج عن طريق الممارسة العملية.
فالحب مثلاً هو فضيلة في القلب, ولكن لابد أن يتحول إلى عمل محبة في الخارج.
فلا نحب بالكلام ولا باللسان, بل بالعمل والحق. هنا تظهر المحبة عن طريق العطاء والبذل والتضحية...
فضيلتك التي في فكرك لا يشعر بها أحد. ولكنك تعبر عنها بعملك. وكذلك محبتك لإبنك التي في داخل قلبك, تعبر عنها بالعطايا والاهتمام وبالحنو.
وأيضاً لا يكفى أن تقول إن محبتك لله هي في قلبك, بل تعبر عنها بطاعتك لوصاياه.
وبالمثل: خشوع العابد في داخل قلبه, يعبر عنه بخشوع الجسد من الخارج. بالسجود والركوع في الصلاة. وحفظ الجسد أثناءها من طياشة الفكر والحواس. وبهذا يشترك الجسد مع الروح. وتكون الفضيلة من الداخل والخارج معاً..
إن حياة الشجرة في داخلها. ولكنها تعبر عن وجود الحياة فيها بالخضرة وبالزهر والثمر. ونحن نريد الفضيلة المثمرة, بالعمل الصالح, بالكلمة الطيبة, بالسلوك الحسن, بالمحبة العملية, بالقدوة المؤثرة في الغير...

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:33 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الفضيلة هي في الشخصية المتكاملة
بحيث لا يوجد في من يمارسها أى نقص في سلوكه. وهذا واضح عملياً: فإن سلك في فضيلة ما, لابد ستقوده إلى فضائل أخرى كثيرة. كما أنه أذا فقد إحدى الفضائل
ما أسهل أن يجره السقوط إلى فضائل أخرى عديدة.
إنها سلسلة مترابطة إن إنفك عقد أحدها, إنفرط الباقى أيضاً.
فطالب العلم الذي يهمه مستقبله, يقوده هذا إلى الاجتهاد والعمل على التفوق.
وهذا الاجتهاد يحثه على البعد عن اللهو. والبعد عن اللهو يبعده أيضاً عن أصدقاء السوء.
والبعد عنهم ينجيه من القدوة السيئة. وهذا أيضاً يساعده على حياة الفضيلة.
وهكذا تتعاون الفضائل معاً, ويؤدى بعضها إلى البعض الآخر. وبالمثل فإن الخطية تجر إلى خطايا أخرى.

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:34 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الفضيلة وضع متوسط بين رذيلتين
أو هي وضع متكامل بين نقصين. ومن أمثلة ذلك:
الشجاعة هي الوضع المتوسط بين الخوف والتهور..
والتربية السليمة هي الوضع المتوسط بين التدليل والقسوة والتدبير الحسن لما تملكه هو الوضع المتوسط بين البخل والتبذير..
ويمكننا أن نذكر أمثلة عديدة لهذا الوضع المتوسط..
مستويات

* فيوجد نوعان من الفضيلة: وذلك من الناحية السلبية, والناحية الإيجابية. فالناحية السلبية هي مقاومة الخطيئة ورفضها. أما من جهة الناحية الإيجابية فهى عمل الخير.
وليست الفضيلة هي فقط البعد عن الخطيئة, إنما يجب الإرتفاع عن المستوى السلبى, وذلك إيجابياً بالسلوك في حياة البر:
لا يكفى فقط إنك لا تكره إنساناً, إنما يجب أن تحب الكل...
لا يكفى أن تمتنع عن اللفظ بأية كلمة خاطئة, إنما يجب أيضاً أن تقول كلاماً للبنيان ينفع الآخرين. مصدر المقال: موقع الأنبا تكلاهيمانوت.
ولذلك فإن الفضيلة ليست فقط أنك لا تضر الناس, إنما هي بالأكثر أن تعينهم بقدر إمكانك, وتعمل على راحتهم أو إسعادهم..
* ومستويات الفضيلة تشمل الحسّ، والفكر, والقلب, والعمل

فهناك المستوى الجسدى للفضيلة, والمستوى النفسى, والمستوى الروحى...
وعلى الإنسان أن يحفظ نفسه في كل مستوى, ويحترس من السقوط في غيره فمثلاً الحواس هي أبواب الفكر, وما تراه أو تسمعه أوتلمسه, قد يجلب لك أفكاراً.
فلكى تحفظ فكرك, أحفظ حواسك. وإن أخطأت بالحواس, لا تجعل الخطأ يتطور إلى فكرك. وإن وصل الخطأ إلى الفكر, اطرده بسرعة, وحذار أن تجعله يتحول إلى مشاعر في قلبك.
وإن تحوّل إلى مشاعر, لا تجعله يتطور إلى العمل بالضغط على ارادتك...
واعلم أن جميع المستويات تتجاوب مع بعضها البعض.
وقد يصير الواحد منها سبباً ونتيجة... فخطأ القلب يسبب خطأ الفكر.
كما أن خطأ الفكر يسبب مشاعر للقلب. وربما الأثنان يدفعان إلى العمل. وكذلك المشاعر والعمل يقودان إلى خطأ الحواس.
إنها دائرة متصلة. أية نقطة فيها توصل إلى باقى النقاط
وكما في الشر, كذلك في الخير: تتعاون كل المستويات معاً...
على أن أعلى مستوى في الفضيلة هو السعى إلى الكمال.
إن الذي يسلك في الفضيلة, يودى أن ينمو فيها.
ويستمر في النمو حتى يصل إلى الكمال الممكن له كإنسان. واعنى الكمال النسبى, نسبة إلى ما عنده من إمكانيات, وما يُوهب له من عمل النعمة فيه...
والسعى إلى الكمال يحتاج إلى التدرج.
والآباء الروحيون كثيراً ما كانوا يدربون أولادهم في نطاق هذا التدرج.
لأن الطفرات السريعة في الفضيلة قد تؤدى إلى ارتفاع القلب والكبرياء، وأحياناً تكون لها نتائج عكسية. لكن القادة الروحيين كانوا يعملون على تثبيت أبنائهم في كل خطوة يخطونها.
حتى إذا ما صارت شبه طبيعة عندهم, يتدرجون منها إلى خطوة أعلى, ولا يصبحون في خطر من أية نكسة ترجعهم إلى الوراء...
أما إذا أرادت نعمة الله أن ترفع الإنسان إلى فوق مرة واحدة, فهذه هبة إلهية غير عادية.
والسعى إلى الكمال يحتاج إلى جهاد:

لأنه كما أن نعمة الله تساعد الإنسان على الارتفاع إلى فوق, فإن قوى الشر لا تريد أن تتركه في راحة, إنما تحاول أن تجذبه إلى أسفل.
ومن هنا كانت محاولة الوصول إلى الكمال الروحى, هي صراع ضد الخطية وضد العقبات الروحية.

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:37 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الصدقة والعطاء
الذي يشعر بالجوع في الصوم. يشفق تلقائيا علي الجياع.
فيعطيهم.
والذي يمارس الحرمان الاختياري في الصوم. يشعر بحاجة المحرومين وعوزهم. فتدخل في قلبه مشاعر الرحمة نحو كل هؤلاء. لذلك يكثر في الصوم الإحسان إلي الفقراء.
ليس من جهة الطعام فقط. بل في كل احتياجاتهم. ويتأكد الصائم - حينما يعطي - انه لا يعطي من جيبه.
انما من حق الله عليه.. وما أجمل عبارة ذلك المرشد الروحي الذي قال:
"إذا لم يكن عندك ما تعطيه لهؤلاء المساكين. فصم وقدّم لهم طعامك"
هناك جزء من أموالك من المفروض ان تقدمه لله. وهذا تعطيه في فترة الصوم للفقراء. وتقول للرب الاله "من يدك أعطيناك"
وتشعر انك فيما تأكل. يأكل هؤلاء الفقراء معك.
الزهد

قد يمتنع الانسان عن الطعام. ولكنه يشتهيه. ولذلك لا يكون السمو في الامتناع عن الطعام.انما في الزهد فيه.
الارتفاع عن مستوي الاكل يوصل الي الزهد فيه والي النسك ايضا. فان لم تستطع الوصول الي هذا الزهد والنسك. فماذا تفعل؟
علي الاقل - من أجل ضبط النفس - لا تأكل وتشرب كل ما تشتهيه نفسك. وان لم تستطع.
خذ جزءا ولا تأكل الكل. اترك شيئا. ان دانيال النبي قال عن صومه: كنت صائما ثلاثة اسابيع اياماً.
لم آكل طعاما شهيا. ولم يدخل في فمي لحم ولا خمر.
ولم أدّهن.
هنا يبدو ضبط النفس: ان نفسك تريد.
وأنت ترفض أن تستجيب إلي رغبتها. وتنجح في رفضك.
فتكتسب قوة ارادة. ويمكن ان تنفذ هذا التدريب بالنسبة إلي رغبات أخري من رغبات النفس.
فتصير الرغبات خاضعة لارادتك.

ضبط النفس
جميل ولازم ان تضبط نفسك ضد كل رغبة خاطئة.
سواء أتتك من داخلك أو من حروب الشياطين. فان الذي يحكم نفسه. خير ممن يحكم مدينة. لذلك امسك زمام ارادتك في يدك.
وبخاصة في أيام الصوم. وكما يشتهي جسدك الأكل والشرب فتمنعه عنهما. وتنجح في منعك.
كذلك امنعه عن شهواته الخاطئة. بنفس قوة الارادة التي اكتسبتها من الصوم.
واضرب لك هنا بضعة أمثلة:
*
الامتناع عن التدخين في أثناء صومك. اجعله يمتد بعد ذلك. ولو بأسلوب من التدريج:
نصف ساعة ثم ساعة فأكثر. وكلما تشتهي ان تدخن. امنع نفسك علي قدر ما تستطيع. الي ان تبطل هذه العادة الرديئة التي تضيع صحتك ومالك وارادتك. بل تضيع أيضا صحة الذين حولك. من أسرتك أو من أصحابك.
*
الامتناع عن الصحبة الرديئة التي تقود إلي أخطاء عديدة. عالما ان المعاشرات الرديئة تفسد الاخلاق الجيدة - والمعروف ان كثيرا من الشباب قد تعود الادمان علي المخدرات عن طريق مجموعة من
الاصدقاء قادته الي ذلك. فتورط معهم. وتدرج حتي خضع للمخدر.
*
الامتناع عن قراءة المجلات الماجنة. والكتابات المفسدة للفكر. يبدأ هذا المنع في الصوم. ويستمر بعده.
وهكذا يستمر عامل المنع عندك بالنسبة الي كل شيء ضار. وتكتسب فضيلة ضبط النفس التي تنفعك في كل نواحي حياتك. ان قهر الجسد - بضبط النفس - هو وسيلة تأخذ به الروح حريتها. وضبط الجسد لازم. حتي لا ينحرف فيهلك الروح معه. وحينما يكون الجسد منضبطا. تمسك الروح بدفة الموقف. وتدبر مسيرة الحياة كلها.
والجسد حينذاك لا يقاومها. بل يخضع لقيادتها ويشترك معها في كل عمل صالح.
صوم اللسان والفكر قال أحد الآباء الروحيين في هذا المعني: صوم اللسان خير من صوم الفم عن الطعام.
وصوم القلب عن الشهوات الرديئة خير من صوم الاثنين "اللسان والفم". ومع صوم القلب عن الشهوات.
يصوم الفكر ايضا عنها.
وللاسفغالبية الناس أثناء الصوم. يهتمون فقط بصوم الفم عن الطعام. بينما القلب والفكر هما الأهم. وكذلك أخطاء اللسان ما أخطرها. لان اللسان يفضح ما في القلب من المشاعر والأحاسيس حتي التي يريد ان يخفيها. وصوم اللسان معناه ألا يأخذ حريته في الكلام بكل جيد ورديء.
بل كما قال داود النبي
"ضع يا رب حافظاً لفمي. باباً حصيناً لشفتيّ".
لذلك فالانسان الصالح لا يسرع بنطق أية كلمة تخطر علي عقله. بل انه يصوّم فمه عن الكلام الرديء.
ويضبطه فلا يلفظ إلا الكلام الصالح الذي للبنيان الذي يستفيد به كل من يسمعه.
كذلك صوم الفكر فلا يسمح الانسان لأية فكرة ان تجول بذهنه. ولا يتمشي معها ما دامت فكرة خاطئة. بل يصوم عنها ذهنه. ولا يعطي الذهن فرصة ليتغذي بمثل هذه الأفكار.
والأفكار تنبع من القلب. ثم تعود اليه وتصبح مشاعر ولذلك فان صوم الفكر وصوم القلب. يتبادلان المواقع معا. كسبب ونتيجة.
ان صوّمت قلبك عن الشهوات الرديئة. فسوف يصوم فكرك تلقائياً عنها. إذ لا يرد اليه من القلب ما يغذيه.. وبالمثل ما يرد إلي القلب من نيات. ان صوّم الانسان قلبه عنها. فلن تصل الي الارادة.
فتصوم الارادة حينذاك عن تنفيذ كل نية شريرة. لانها لم تصدر عن القلب الصائم. اذن المهم هو صوم القلب والفكر عن كل رغبة خاطئة.
أما صوم الجسد فهو أقل شيء.
الاعتكاف والصمت الاعتكاف والصمت لازمان للعمل الروحي خلال الصوم. ففي اعتكافه. يصمت الصائم.
وإذ لا يوجد من يتكلم معه.
فانه يكلم الله. أي يصلي. والمعروف ان الصائم - في حالة نسكه وجوعه - قد يكون في حالة من ضعف الجسد لا تساعده علي بذل مجهود في الحديث - لذلك يصمت ويصلي. أو يستغل وقته في قراءات روحية. فالاعتكاف له أليق وأنسب.
وفي صومه تكون روحه منشغلة بالتأمل في الالهيات. لذلك فاللقاءات والأحاديث تعطله عن العمل الروحي داخل قلبه..
وأيضا فان الزيارات - ان قام بها - تمنع تفرغه. حاول اذن ان تعتكف في صومك. لتنشغل بصلواتك وقراءاتك الروحية وتأملاتك. وان اضطررت إلي الخلطة. فليكن ذلك في أضيق الحدود.
وعليك اذن ان تتخلص من الوقت الضائع. لكي تقضيه مع الرب الهك

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:38 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الألفاظ الرقيقة



http://www.peregabriel.com/gm/albums...ine2BMercy.jpg





كتاب كلمة منفعة - البابا شنوده الثالث



* الانسان الروحى لا يستخدم الفاظا قاسية، انما الفاظا رقيقة
لانه من ثمار الروح القدس (لطف).
فهل انت تتميز باللطف فى كلامك ومعاملاتك؟..
* انظر الى السيد المسيح وهو يكلم المرأة السامرية وهى إمرأة خاطئة جدا
يقول لها " حسنا قلت انه ليس لك زوج، لانه كان لك خمسة ازواج والذى معك الآن ليس هو لك "، عبارة (ازواج) عبارة رقيقة جدا، لانهم لم يكونوا ازواجا ولكن الرب لم يستخدم العبارة الاخرى الشديدة. كما ان قوله "الذى معك ليس هو لك " هى ارق اسلوب، لم يضمنه اى لفظ جارح..
* بدلا من ان تجرح الناس، حاول ان تكسبهم..
* ان بولس الرسول لما دخل اثينا واحتدت روحه، اذ وجد المدينة مملوءة اصناما، قال لهم فى رقة، ايها الرجال الاثينيون، انى ارى على كل حال انكم متدينون كثيرا.. ".
* والسيد الرب حينما تكلم عن ايوب، امتدحه بكلمات رقيقة امام الشيطان بقوله انه
" ليس مثله رجل كامل ومستقيم، يفعل الخير ويحيد عن الشر "
بينما ليس احد كامل الا الله وحده..
* بل من ارق كلام الله فى حديثه عن نينوى، المدينة الخاطئة، الاممية، التى لا يعرف اهلها يمينهم من شمالهم
قال "افلا شفق انا على نينوى المدينة العظيمة".
اكانت نينوى عظيمة حقا، ام هى رقة الرب؟..
* ومن رقة الله فى الفاظه، الاسماء التى اطلقها على الناس
فقد سمى سمعان (بطرس) اى صخرة
وسمى ابرآم (إبراهيم) اى ابو جمهور.. كلها تحمل مديحا..
من اشهر القديسين الذين كانوا مشهورين بالكلمة الطيبة
القديس ديديموس الضرير، ناظر الاكليريكية فى القرن الرابع.
لم يكن هدفه ان يغلب الناس، انما ان يكسبهم، فلم يحاول ان يحطمهم، بل كان يقنعهم
* لقد ادان الرب الكلمات القاسية
فقال "من قال لاخيه (رقا)، يكون مستوجب المجمعاً. ومن قال يا احمق يكون مستوجب نار جهنم".
ان الالفاظ القاسية
لا يرضى عنها الله الوديع المحب، الذى كان حلقه حلاوة، وشفتاه تقطران شهدا.

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:43 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الشكر
https://images.chjoy.com//uploads/im...840c73326f.jpg

الشكر هو النهج الذي تتبعه الكنيسة في العلاقة مع الله، نبدأ به كافة صلواتنا، سواء الليتورجية منها (الجماعية) أو الفردية

ففي رفع البخور نبدأ بصلاة الشكر وفي القداس وفي الأسرار الكنسية، وفي صلوات السواعي وفي الرسامات وفي افتتاحيات المهرجانات أو المشروعات

وعند تبريك المنازل أو المحال. وفي الزيارات السريعة، وعند الاستعجال وضيق الوقت - إذا كان الاختصار مناسباً - في الصلاة، فستكون صلاة الشكر هي المُرجّحة والطبيعية في مثل هذه المناسبات

بل حتى الصلوات الإرتجالية نبدأها بالشكر، وأول عبارة نلقنها للأطفال كصلاة هي عبارة الشكر...

ذلك حتى يكون الشكر هو الخلفية التي سنتحدث عليها مع الله ونطلب منه، أو نعتذر إليه أو نشكو إليه أو حتى نسبّحه فنقدم تسابيح الشكر


" واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر " (كولوسى 4 : 2).


سواء استجاب لطلباتنا أم لا فنحن نشكره مسبقاً، نعرف أنه يحبنا وسوف يعمل ما فيه خيرنا ولذلك نشكره... ومع أننا نشكره مقدّماً، إلا أننا أيضا نطرح احتياجاتنا عند قدميه....




Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:44 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
معنى كلمة الشكر
https://images.chjoy.com//uploads/im...e05625c109.jpg
في القبطية تبدأ صلاة الشكر بعبارة "Maren]ep\mot ntotf mV: مارين شيب إهموت إنتوتف إم افنوتي"


وتفسيرها فى اللغة العربية نقبل نعمة يد الله، أي أن الشكر:

هو قبول ما يأتي من يد الله لنا، بغض الطرف عن شكل العطية، وهل توافق مشيئتنا وتحوز استحساننا أم لا.

هناك وجهان دائما ونظرتان لعطايا الله، أحدهما بشرية والاُخرى إلهية، فبينما يعطى الله الخير دائما للبشر، إلاّ أنهم قد يرون – في بعض مما يعطيه الله – عكس ذلك فيتذمرون

وهنا تصطدم مشيئتهم مع مشيئة الله فيحزنون ويتشككون في محبته، غير أن الله لا يشرح دائما (أو في كل مرة) تدبيره، لا سيّما متى كنّا متذمرين،



لذلك قال السيد المسيح لمعلمنا بطرس عندما رفض أن يغسل له قدميه:

" لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع ولكنكستفهم فيما بعد " (يوحنا 13: 7).

إن قبولنا لعطايا الله يجعل هذه العطايا تزداد فإنه

" ليست عطية بلا زيادة إلاٌ التي بلا شكر" (بحسب تعبير الآباء) والذين يقولون أن " شكر الذي يأخذ يحرّك الذي يعطى ليبذل المزيد".




Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:45 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
نشكر صانع الخيرات


تقول القصة التي دارت فصولها في الستينات، أن رجلا اُصيب في مصنع وفقد "عُقلة" من أحد أصابع يديه، وقد أثر ذلك على نفسيته كثيراً

فدخل في خصومة مع الله ناظراً إلى الأمر على أنه عدم حب وعدم رعاية من الله، وكان يسأل نفسه دائماً:


"لماذا أنا بالذات ولم يكن غيري أو لم تكن الواقعة أصلاً...."

وتوارى في بيته شهوراً قبل أن يخرج ثانية إلى العمل، محاولاً باستمرار مواراة يده التي بها الأصبع المبتور.

إلى أن جاء يوم مرٌ فيه من مكان مهجور، هناك كان جماعة من السحرة يظنون أنهم عثروا على كنز


وتقول كتب سحرهم أنه لن ُيفتح إلاّ بعد تقديم ذبيحة بشرية، وحالما أبصروا هذا الإنسان حتى انقضّوا عليه مثل النسور وشرعوا في الإعداد لذبحه ولكنهم توقّفوا فجأة عندما اكتشفوا الأصبع المبتور، فعدّلوا عن ذبحه إذْ كان هناك شرط سلامة المقدّم ذبيحة! وهكذا أنقذه الأصبع المبتور، فصارت له تلك الحادثة سبب استحياء لنفسه.

الله لا يعرف إلاّ الخير ولا يصنع إلاّ الخير، هو صانع العظائم والعجائب


"صانع الإحسان لألوف" (إرميا32: 18)


ونردد على طول الكتاب المقدس أنه صالح، ونسبّحه كل يوم ونشكره لأنه صالح " أشكروا الرب لأنه صالح ولأن إلى الأبد رحمته "

ومن المفيد هنا أن نعرف أن كلمة " أغاثون " والتي تعني في اليونانية صالح، هي نفسها تعني خيّر، فالصالح هو الخيّر.. والصلاح هو الخير..


" اذبح لك منتدباً احمد اسمك يارب لأنه صالح " (مزمور 54 : 6).


الرحوم الله:

قلب الله متحرك دائماً بالرحمة من نحو كل الخليقة، ليس الإنسان فحسب وإنما جميع الكائنات أيضاً:

الوحوش والحيوانات والطيور والزواحف والحياء المائية، يهبها طعامها في حينه، كما يضفي عليها جمالاً أخّاذاً وألواناً بديعةً، إن نظرة متفحّصة لجلد الثعبان أو ألوان الفراشات أو أسماك الزينة، ُتثير العجب والشكر لله المُبدِع، بل حتى زنابق الحقل (العشب) يشير إليه السيد المسيح قائلاً:

" فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غداً في التنـور(الفرن) يلبسه الله هكذا أفليس بالحري جداً يُلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان (مت6 : 30)


Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:46 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
يكسيها الله جمالاً أخاذاً
https://images.chjoy.com//uploads/im...c5e76c05e0.jpg

" تأملوا الزنابق كيف تنمو. لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم أنه ولا سليمان فى كل مجده كان يلبس كواحدة منها " (لوقا 12: 27).

هنا وأتعجّب كيف يحب الناس بعض المخلوقات دون البعض الآخر، يدللون نوعاً منها ويصطادون نوعا آخر ويقتلون نوعاً ثالثاً ويتجاهلون رابعاً وهكذا، في حين أن الله يحب الكل ويهتم بالكل...

وبينما يرحمنا الله نحن ويتغاضى عن ضعفاتنا ويغفر لنا متى ُتبنا، إلاّ أننا نحن فى المقابل:

قساة، لا نرحم بعضنا البعض، ولو كان أحدنا مكان الله لأحرق كل يوم مدناً بكاملها، وفي مثل المديونين نجد أنه وبينما ترك السيد للعبد المديون بعشرة ألاف وزنة

دينه بالكامل لأنه استعطفه واستمهله، فإن هذا في المقابل لم يرحم أخاه المديون له بمبلغ مئة دينار فقط (نسبة الدين 1: 60) بل أخذه ووضعه في السجن، فلما سمع السيد استحضر ذلك القاسي وبكّته قائلاً


" أيها العبد الشرير كل ذلك الدين تركته لك لأنك طلبتإلىٌ، أفما كان ينبغي أنك أنت أيضا ترحم العبد رفيقك كما رحمتك أنا " (متى 33,32:18).

وهكذا إن كنّا نرحم الآخرين فذلك لنحظى برحمة الرب، كما أن رحمة الرب لنا وطول أناته علينا هي التي تدفعنا بالأكثر إلى الإشفاق على الآخرين، إننا نترك القليل جداً لإخوتنا، من أجل الكثير الذي علينا تجاه الله، حقا يقول السيد المسيح

" كونوا رحماء كما أن أباكم أيضا رحيم " (لوقا 6: 36).

ليت قلبك يتحرك بالرحمة نحو كل الخليقة، مجرد حركة قلبية داخلية تشفق بها على الكل.. أحشاء رأفة.. قلب حاني رفيق، لا يحتمل مجرد رؤية القسوة أو الضعف أو الألم...

إن هناك أُناسا حركتهم الرحمة القلبية تجاه المرضى، فأسست فلورانس نايتنجل نظام التمريض، وآخرين أسسوا جمعيات الرفق بالحيوان، وآخرين أعلنوا مناصرتهم للبيئة والأحياء، وصنعوا المحميات الطبيعية..

"طوبى للرحماء لأنهم يرحمون" (متى 5 : 7).



Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:48 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الاحتمال وطول الأناة والصبر
بقلم القمص ميخائيل جرجس صليب
الاحتمال وطول الأناة أو طول الروح أو طول البال هى اصطلاحات واحدة تعّبر عن الصبر فى كل شئ
.
وقد تكلم السيد المسيح لتلاميذه قائلاً
"ها أنا أرسلكم كغنم فى وسط ذئاب فكونـوا حكـماء كالحـيات وبسـطاء كالحمام. ولكن إحذروا من الناس لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس وفى مجامعهم يجلدونكم. وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلى شهادة لهم وللأمم. فمتى أسـلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون لأنكم تعطون فى تلك الساعة ما تتكلمون به.
لأن لسـتم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذى يتكلم فيكم. وسيسلم الأخ أخاه إلى الموت والأب ولـده ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلونهم.
وتكونون مبغضين من الجـميع من أجل اسـمى ولكن الذى يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص"(1).ـ
وفى مرة أخرى قال لهم
"يلقون أيديهم عليكم ويطردونكم ويسلمونكم إلى مجامع وسجون لأجل اسمى ولكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك بصبركم اقتنوا أنفسكم"(2).ـ
والقديس يعقوب الرسول يضرب مثلاً بثمر الأرض فيقول "فتأنوا أيها الإخوة إلى مجئ الرب هوذا الفلاح ينتظر ثمر الأرض الثمـين متأنياً عليـه حتى ينال المطر المبكر والمتأخر. فتأنوا أنتم وثبتوا قلوبكم لأن مجئ الـرب قـد اقترب. لا يئن بعضكم على بعض أيها الإخوة لئلا تدانوا هوذا الديان واقف قدام الباب.
خذوا يا إخوتى مثالاً لاحتمال المشقات والأناة الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب.
ها نحن نطوب الصابرين قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب لأن الرب كثير الرحمة ورؤوف"(3).ـ
(1)- (مت10: 16- 22). (2)- (لو21: 12- 19).
(3)- (يع5: 7- 11).
والقديس بولس الرسول يقول "نفتخر بالضيقات عالمين أن الضيق ينشئ صبراً والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لايخزى لأن محبة الله إنسكبت فى قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا"(1).ـ
وسليمان الحكيم يقول "الرجل الكثير الاحتمال هو قوى فى الحكمة أما ذو القلب الضعيف فهو غبى جداً"(2).ـ
ويقول أيضاً "الرجل الصبور أفضل من القوى والذى يكبح غضبه أعظم من الذى يأخذ مدينة"(3).ـ
ولكى تقتنى الصــبر وطــول الأناة حاول تطبيق التدريبات الآتية :
ـ1- تشبه بالله الذى قيل عنه "الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة"(4).ـ
وداود النبى يقول "لأنى لك يارب صبرت أنت تستجيب يارب إلهى"(5).ـ
ويقول بولس الرسول "لذلك نحن أيضاً إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل .. ولنحاضر بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامنا ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذى من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزى فجلس فى يمين عرش الله فتفكروا فى الذى احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا وتخوروا فى نفوسكم"(6).ـ
ـ2- لابد أن تجاهد فى تحمل الآلام والضيقات لأن نهايتها الخلاص ..ـ
يقول يعقوب الرسول "طوبى للرجل الذى يحتمل التجربة لأنه إذا تزكى ينال إكليل الحياة الذى وعد به الرب للذين يحبونه"(7).ـ
والقديس بولس الرسـول يقول "صبرتم على مجاهـدة آلام كثيرة من جهة
(1)- (رو5: 3). (2)- (أم14: 39). (3)- (أم16: 32).
(4)- (مز103: 8). (5)- (مز38: 15). (6)- (عب12: 1- 3).
(7)- (يع1: 12).
مشـهودين بتعييرات وضيقات.. وقبلتم سـلب أموالـكم بفرح عالمين فى أنفسـكم أن لكم مالاً أفضـل فى السـموات وباقياً. فلا تطرحوا ثقتكم التى لها مجازاة عظيمة. لأنكم تحتاجون إلى الصبر حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد ـ"(1).ـ
ـ3- هناك صلة وثيقة بين المحبة والاحتمال، فالقديس بولس الرسول يقول عن المحبة أنها "تحتمل كل شئ وتصدق كل شئ وترجـو كل شئ وتصبر على كل شئ"(2).ـ
لذلك يقول بولس لأهل رومية "فيجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل أضعاف الضعفاء ولا نرضى أنفسنا. فليرض كل واحـد منا قريبه للخـير لأجل البنيان. لأن المسيح أيضاً لم يرض نفسـه بل كما هـو مكتوب تعييرات معيريك وقعت علىّ"(3).ـ
ويقول بولس الرسول أيضاً لتلميذه تيموثاوس "لأجل ذلك أنا أصبر على كل شئ لأجل المختارين لكى يحصلوا هم أيضاً على الخـلاص الذى فى المسـيح يسوع مع مجد أبدى. صادقة هى الكلمة أنه إن كنا قـد متنا معه فسنحيا أيضـاً معه"(4).ـ
ومن أجمل الكلمات التى نقولها فى مقدمة صلاة باكر هى "فأطلب إليكم أنا الأسير فى الرب أن تسلكوا كما يحق للدعوة التى دعيتم بها بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم بعضاً فى المحبة"(5).ـ
ـ4- هناك صلة كبيرة بين حياة الشكر وطول الأناة، فالإنسان الذى يشكر على الدوام وفى كل حال لا يتذمر من أى شئ بل يحتمل كل شئ شاكراً الله على كل شئ ..ـ
(1)-(عب10: 32- 36). (2)-(1كو13: 7).
(3)-(رو15: 1- 3). (4)-(2تى2: 10- 12).
ـ(5)-(أف4: 1، 2).
يقول بولس الرسول "شاكرين الآب الذى أهلنا لشركة ميراث القديسين فى النور الذى أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته"(1).ـ
ويقول أيضاً "أشكروا فى كل شئ لأن هذه هى مشيئة الله فى المسيح يسوع من جهتكم"(2). ـ
ـ5- إن حياة الجهاد الروحى يجب أن تتصف بطول البال، فعدو الخير إن وجد إنساناً ليس طويل الأناة ولا يجاهد حسناً قد يسرق منه إكليله ..ـ
ففى الرسالة "إلى ملاك الكنيسة التى فيلادلفيا. هذا يقول القدوس الحق الذى له مفتاح داود الذى يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح. أنا عارف أعمالك هنذا قد جعلت أمامك باباً مفتوحاً ولا يستطيع أحد أن يغلقه لأن لك قوة يسـيرة وقد حفظت كلمتى ولم تنكر اسمى. هنذا أجعل الـذين من مجمع الشـيطان من القائلين أنهم يهود وليسوا يهوداً بل يكذبون هنذا أصيرهم يأتون ويسـجدون أمام رجليك ويعرفون إنى أنا أحببتك. لأنك حفظت كلمة صبرى أنا أيضاً سـأحفظك من سـاعة التجربة العتيدة أن تأتى على العالـم كله لتجـرب السـاكنين على الأرض. ها أنا آتى سريعاً تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك"(3).ـ
ويذكر القديس بولس الرسول عن ديماس الذى ترك الخدمة، وذهب إلى العالم "لأن ديماس قد تركنى إذ أحب العالم الحاضر"(4).ـ
ـ6- تذكر أبطال الإيمان الذين جاهدوا جهاداً حسناً، فوصلوا إلى البر بأمان على رأسهم القديس بولس الرسول الذى قال "جاهت الجهاد الحسن أكملت السعى حفظت الإيمان وأخيراً قد وُضع لى إكليل البر الذى يهبه لى فى ذلك اليوم الرب الديان العادل. وليس لى فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً"(5).ـ
(1)- (كو1 : 13). (2)- (1تس5: 18).
(3)- (رؤ3: 7- 11). (4)- (2تى4: 10).
(5)- (2تى4: 7، 8).
لذلك يحذرنا القديس بولس الرسول قائلاً "لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية.. يا ابنى لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر إذا وبخك. لأن الذى يحبه الرب يؤدبـه .. إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين فأى إبن لا يؤدبه أبوه"(1).ـ
ـ7- اثبت فى الرب حتى لا تتزعزع لأن الحروب الشيطانية كثيرة ومتنوعة ولكن اثبت فى الكرمـة تستطيع أن تصـل إلى بر الأمان .. لذلك قال السيد المسيح له المجد "أنا الكرمة الحقيقية وأبى الكرام كل غصن فىّ لا يأتى بثمر ينزعه وكل ما يأتى بثمر ينقيه ليأتى بثمر أكثر.. اثبتوا فى وأنا فيكم كما أن الغصن لا يقدر أن يأتى بثمر من ذاتـه إن لم يثبت فى الكرمة.. لأنكم بدونـى لاتقدرون أن تفعلوا شيئاً. إن كان أحد لا يثبت فىّ يطرح خارجاً كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه فى النار فيحترق .. اثبتوا فى محبتى. إن حفظتم وصاياى تثبتون فى محبتى كما أنى أنا قد حفظت وصايا أبى وأثبت فى محبته ـ"(2). ـ
ـ8- لا تكن أنانياً فتفكر فى نفسك فقط بل إنكر ذاتك فتكسب الآخرين، فالسيد المسيح له المجد قال لتلاميذه "إن أراد أحـد أن يأتى ورائى فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى. فإن من أراد أن يخلص نفسـه يهلكها ومن يهـلك نفسـه من أجلى يجدها. لأنه ماذا ينتفع الأنسان لو ربح العالم كله وخسـر نفسـه أو ماذا يعطى الإنسان فداء عن نفسه"(3).ـ
فالإنسان الذى لا ينكر ذاته.. تكبر الـذات داخله، ولا يستطيع أن يحتمل أحداً .. وسليمان الحكيم يقول "طول الروح خير من تكبر الروح"(4).ـ
ـ9- الخدمة تحتاج إلى صبر كثير وجهاد روحى كبير، فبولس الرسول يقول "ولسنا نجعل عثرة فى شئ لئلا تلام الخدمة بل فى كل شئ نظهر أنفسنا كخدام الله فى صبر كثير فى شدائد فى ضرورات فى ضيقات. فى ضربات فى سجون
(1)- (عب12: 4- 7). (2)- (يو15: 1- 10).
(3)- (مت16: 24- 26). (4)- (جا7: 8).
فى اضطرابات فى أتعاب فى أسهار فى أصوام. فى طهارة فى علم فى أناة فى لطف فى الروح القدس فى محبة بلا رياء"(1).ـ
ويقول أيضاً لأهل رومية "لأن كل ما سبق فكتب كتب لأجل تعليمنا حتى بالصبر والتعزية بما فى الكتب يكون لنا رجاء. وليعطكم إله الصبر والتعزية أن تهتموا اهتماماً واحداً فيما بينكم بحسب المسيح يسوع. لكى تمجدوا الله أبا ربنـا يسوع المسيح بنفس واحدة وفم واحد. لذلك اقبلوا بعضكم بعضاً كما أن المسيح أيضا قبلنا لمجد الله"(2).ـ
ـ10- ليكن هدفك واضحاً حتى النفس الأخير .. وهـو أن تكون مع المسيح لكى ترث ملكوت السموات .. لذلك فطول الأناة ضرورى فى حياتك حتى تصل إلى هدفك، وبولس الرسول يمدح أهل تسالونيكى قائلاً لهم "ينبغى لنا أن نشكر الله كل حين من جهتكم أيها الإخوة كما يحق لأن إيمانكم ينمو كثيراً ومحبة كـل واحد منكم جميعاً بعضكم لبعض تزداد. حتى إننا نحن أنفسنا نفتخر بكم فى كل كنائس الله من أجل صبركم وإيمانكم فى جميع اضطهاداتكم والضيقـات التى تحتملونها. بينة على قضاء الله العـادل أنكم تؤهـلون لملكوت الله الذى لأجله تتألمون أيضاً"(3).ـ
ويقول يوحنا الرسول فى سفر الرؤيا "وسمعت صوتاً عظيماً قائلاً فى السماء الآن صار خلاص إلهنا وقدرته وملكه وسلطان مسيحه لأنه قد طرح المشـتكى على إخوتنا الذى كان يشتكى عليهم أمام إلهنا نهاراً وليلاً. وهـم غلبـوه بـدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت. من أجل هـذا إفرحى أيتها السموات والساكنون فيها"(4).ـ

(1)- (2كو6: 3- 6). (2)- (رو15: 4- 7).
(3)- (2تس1: 3- 5). (4)- (رؤ12: 10- 12).


Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:50 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
التسامح
لنيافة الأنبا مكاريوس
بينما يعد التسامح من أكثر الفضائل التي تناولها السيد المسيح ومن بعده الآباء
إلا أن الكثيرين يعتبرونه نقطة ضعف وجبن
وما يزال الكثيرون يصطدمون بهذا التعليم (الخد الآخر والميل الثاني)
والناس تجاه هذه الفضيلة درجات:
أ- شخص يسئ. ب- شخص يرد الإساءة كاملة.
ج- شخص يرد الإساءة بكلمة أو نظرة.
ح- شخص يرد الإساءة في الخفاء.
خ- شخص يحتفظ بالحقد والمرارة في قلبه.
د- شخص لا يحتفظ بذلك ولكن يفرح ببلية الآخر (مثل شخص يسئ وآخر لا يفعل ولكنه يمرر الإساءة).
ذ- شخص لا يرد ولا يحقد ولا يفرح ببلية الآخر، ولكنه في الوقت ذاته لا يفرح لخيره وإن سمع أحد يمتدحه يتضايق.
كيف تري المسئ؟: هل أنت السبب؟ هل هو غير طبيعي؟ هل يحتاج إلى شفقة؟
هل تراه طبيبك أرسله الله لشفائك! هل تسامحه؟ أم هل تلتمس له العذر ؟
أم تعود بالملامة علي نفسك في كل شئ ؟. أم أنك تعتبر الاساءة عقاب من الله علي اشياء مضت؟! أم تسامح لتبدو فاضلاً وتمتدح من الآخرين !!
ولكن لماذا نغفر؟!:
ليس فقط لأن هذه وصية الله لنا
"كونوا متسامحين كما سامحكم الله أيضا في المسيح" (أف32:4)
بل ليغفر لنا الله. وفي الصلاة الربية لم يرد أي تعليق سوي علي هذه الصفة (اغفر لنا كما نغفر ....)
ونحن نغفر القليل مقابل الكثير (كما في مثل المديونين)
"اغفر لقريبك ظلمه لك، فإذا اتضرعت تمحي خطاياك ايحقد انسان علي انسان ثم يلتمس من الرب الشفاء" (سي28: 3،2)
كما أن الانسان فكره الروحي في السماء وليس هنا، وبالتالي فهو يستخف بكل خسارة وإهانه...
ولكن متي نعاتب؟:
يتعلل البعض بأن السيد المسيح الذي طلب منا بفمه الطاهر أن نحول الخد الآخر ونمشي الميل الثاني، هو نفسه عاتب عبد رئيس الكهنة عندما لطمه.... ولكن السيد عاتبه بلطف،
لان الذين كانوا يلطمونه كانوا جنود الرومان... وهذا شخص يهودي يتمثل بهم... كما أن السيد المسيح تحمل الكثير من اللطمات والتعيير والشوك والمسامير والحربة وغيرها...
فلا مانع من العتاب ولكن برقة ومحبة في الشخص... ومنعاً من التكرار لا سيما وأن هناك أشخاص يجب علينا تنبيههم، ولكن ليس علي سبيل الثأر للنفس !!.
كما أن الصمت وعدم المعاتبة يُفضي إلي تراكم الغضب في الداخل فيصل إلي السخط (والذي هو انفجار الغضب)
إذا يتذكر الشخص كل شئ مرة واحدة.
"لا تبغض أخاك في قلبك ولا تحقد علي ابناء شعبك" (لاويين19 :18،17).
الخطة التي رسمها لنا السيد المسيح للعتاب:
"وان اخطا اليك اخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما ان سمع منك فقد ربحت اخاك" (مت 18 : 15)
ما يقول يشوع بن سيراخ: "عاتب صديقك فلعله لم يفعل وأن كان قد فعل فلا يعود يفعل عاتب صديقك فلعله لم يفعل وان قال فلا يكرر القول عاتب صديقك فإن النميمة كثيرة ولا تصدق كل كلام خرب" (سيراخ 19: 13_16)
وبالتالي ستكون للمعاتبه اكثر من فائدة. المسئ يحتاج إلي من يلفت نظره، لئلا يعتاد ذلك ويغضب الناس منه، وقد يتضح عند معاتبته أنه لم يفعل وبذلك ينفك الالتباس. كما أن نقل الكلام بعدم دقة هو شر
وأمّا عدم الأمانة في النقل فهو شر اكثر، إن مثل ذلك يسبب الحروب والخصومات بين الشعوب والأفراد، والعائلات والأصدقاء.
الاقتصار (الاختصار): فإذا لم يقبل واذا تمادي، ففي هذه الحالة يمكن الاقتصار
وبعض الآباء يقولون "اقطعه منك" أي لا تشغل نفسك به، لئلا يستخدمه الشيطان ضدك فتتكدر حياتك وتتشوش افكارك ويؤثر ذلك علي صلاتك وعلي عملك وبيتك، علي أن الاقتصار يجب أن يلازمه:
1- تحاشي الإدانة "كنوع من التنفيس والدفاع عن النفس"
2- أن تحتفظ بدرجة (ولو صغيرة) من المجاملة العادية
3- أن تترك الباب مفتوحاً (موارباً) لعله يرجع إليك
الغضب المقدس: الغرائز عطية عظيمة من الله، ولكن استخدامها بشكل جيد وضبطها هذا يميز الأنسان عن الكائنات الاخرى، فإذا غضبت:
+ فليكن من أجل غيره الله وحقوق الآخرين.
+ فلتعبر عن ذلك بادب ودون جرح الآخر.
+ فلا تدع الغضب يظهر في الخارج.
"إذا إردت أن تغضب وتحقد وتبغض فاغضب علي جسدك واحقد علي الشيطان وابغض الخطية" (الأب يوحنا الدرجي).
وهناك فائدة للغضب وهي ادراكنا آلام الآخرين متي اثرناهم أو جرحناهم، ويعني أيضا أننا أحياء (نحس بالألم).
كونوا شفوقين علي الآخرين
"لا تكن قاسي القلب علي اخيك فإننا جميعاً قد تغلبنا الأفكار" (أنبا موسي الأسود)
ولا تضطر الآخرين إلي احتمالك.
"فانه ان غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم ايضا ابوكم السماوي (متى 6 : 14).

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:52 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الضمير الأخلاقي - الأب منير سقّال

مقدّمة
يكتشف الإنسان في ذات ضميره ناموساً لم يصدر عنه ولكنّه ملزم بطاعته، وصوته يدعو أبداً ذلك الإنسان إلى حب الخير وعمله، وإلى تجنب الشر، ويدّوي أبداً في آذان قلبه إنه ناموس حفره الله في قلب الإنسان، والضمير هو المركز الأشدّ عمقاً وسرية في الإنسان،
والهيكل الذي ينفرد فيه إلى الله، ويسمع فيه صوت الله" (الكنيسة في عالم اليوم، 16).
إن الضمير الأخلاقي الموجود في قلب الشخص، يوعز إليه في الوقت المناسب أن يفعل الخير ويتجنب الشر:
"فالوثنيون الذين بلا شريعة، إذا عملوا بحسب الطبيعة ما تأمر به الشريعة، كانوا شريعة لأنفسهم، هم الذين لا شريعة لهم، فَيُدُّلون على أن ما تأمر به الشريعة من الأعمال مكتوب في قلوبهم?" (رو2/14-16). والضمير يحكم أيضاً قي شأن الاختيارات الواقعية، فسيتحسن الصالح منها وينكر السيئ: "ومع أنه يعرفوا قضاء الله أن الذين يعملون مثل هذه الأعمال يستوجبون الموت، فهم لا يفعلونها فحسب، بل يرضون عن الذين يعملونها" (رو1/32). ويؤكد الضميرُ سلطانَ الحقيقة بالرجوع إلى الخير الأعظم الذي ينجذب إليه الشخص البشري ومنه يتقبل الوصايا. وعندما يصغي الإنسان الفطن إلى الضمير الأخلاقي، يصبح بإمكانه سماع الله الذي يتكلم.
أولاً: تعريف الضمير
الضمير هو وعي للذات، يحمله الإنسان في داخله ككائن تاريخي، إنسان يعي معنى الماضي ويتحمل عبء الحاضر ويعدّ المستقبل، وعي للذات ينفتح عليه الإنسان ويحصل عليه ويقوّيه يوماً بعد يوم، ويمّيزه عن الحيوان الذي تسيّره غرائزه وتكيّفه مع ظروفه المحيطة، وهذا الوعي الإنساني هو بمثابة مسؤولية الإنسان تجاه نفسه وتجاه حياته، فلا تتحكم فيه الغرائز، بل الرغبة في أن يهب ذاته لشخص آخر، وأن يتقبّل نفسه منه؛ وأن يعي ذاته على أنها قدرة على توجيه حياته وإضفاء معنى عليها. والضمير كوعي للذات هو ما يدفع الإنسان لتحقيق ذاته في واقع ظروفه، من خلال سلوك يتوافق مع الحقيقة التي يصبو إليها.
ويبدأ الإنسان مسيرته في صياغة تاريخه الشخصي في إطار علاقته مع الآخرين واعياً لذاته كأنا مستقلّ تربطه علاقة أساسية مع الآخرين، وهذا الوعي للذات هو الضمير.
ومن طبيعة الضمير أنه يؤسس علاقات الشخص مع الآخرين، فيرتّب أولويّات حاجاته، ويوازن بينها وبين حاجات الآخرين، ويحيا في احترام متبادل معهم. وبتعبير آخر، الضمير يحمل الإنسان على أن يكون شخصاً يحكمه العقل ولا توجهه النزعات الغريزية، وينمو وينضج داخل نسيج العلاقات الإنسانية التي تربط الشخص بالآخرين.
ثانياً: حكم الضمير
الضمير الأخلاقي حكم صادر عن العقل يعرف به الشخص البشري الصفة الأخلاقية للفعل الواقعي الذي سيفعله، أو يفعله الآن، أو قد يفعله. وعلى الإنسان، في كل ما يقول أو يفعل، أن يتبع بأمانة ما يعلم أنه قويم وحق.
والإنسان إنما يُدرك ويعرف رسوم الشريعة الإلهية بحكم ضميره: الضمير "شريعة من روحنا ولكنه يتجاوز روحنا، ويُصدر إلينا الأوامر، ويشعر بالمسؤولية والواجب، والخوف والرجاء
إنه رسول ذاك الذي يكلّمنا من وراء الستار، في عالم الطبيعة كما في عالم النعمة، ويعلّمنا ويحكمنا. الضمير هو الأول بين جميع نواب المسيح" (نيومن).
وينبغي لكل واحد أن يكون له من الحضور في ذاته ما يجعله يسمع صوت ضميره ويتبعه. ومطلب الحضور الداخلي هذا تشتد ضرورته بسبب ما تُعرّضُنا له الحياة مراراً، من تجنب التفكير والمحاسبة، أو الرجوع إلى الذات:


"عُد إلى ضميرك وسائله (?) عودوا، أيها الأخوة، إلى الداخل، وانظروا، في كل ما تفعلون، إلى الشاهد، إلى الله" (القديس اوغسطينوس).
ثالثاً: الضمير الأخلاقي
ينطوي الضمير الأخلاقي على إدراك المبادئ الأخلاقية، وتطبيقها في ظروف معّينة، بالتمييز العملي للأسباب والخيور، وبالنتيجة على الحكم الصادر على أفعال واقعية فُعلت أو ستُفعَل . والحقيقة في شأن الخير الأخلاقي، المعلنة في شريعة العقل، تُعرف عملياً واقعياً بالحكم الفطن الذي يُصدره الضمير.
ويُدعى فطناً الإنسان الذي يختار ما يتوافق مع ذلك الحكم. وكرامة الشخص البشري تتضمن وتقتضي استقامة الضمير الأخلاقي.
وهذا يعني أن الإنسان معطى لذاته كمسؤولية عن نفسه وعن حياته، كأنا حر يتحمل مسؤولية توجيه حياته، ويتفهم معنى هذه المسؤولية وحجمها.
يتيح الضمير تحمّل مسؤولية ما يُؤتى من الأفعال، ويدفع الإنسان إلى أن يكون شخصاً مسؤولاً عن حياته في إطار علاقته بالآخرين. فإذا صنع الإنسان الشر، يستطيع حُكمُ الضمير القويم أن يبقى فيه الشاهدَ لحقيقة الخير العامة، وفي الوقت نفسه لخُبث اختياره الفردي. وقرار حكم الضمير يبقى عربون رجاء ورحمة. وهو، إذ يؤكد الذنب الذي ارتُكب، يذكّر بالغفران الذي يجب أن يُطلب، والخير الذي يجب أن يُمارس أيضاً
والفضيلة التي يجب أن تُتوّخى بلا انقطاع وبنعمة الله:


"نُسكّن قلبنا أمامه، إذا ما بكّتنا قلبُنا، بأن الله أعظمُ من قلبنا، وعالم بكل شيء" (1 يو3/19- 20).
ومع بزوغ الضمير. يولد تطلّب الحرية الإنسانية ليوّجه العقل سلوك الشخص والمجتمع. والإنسان له الحق في أن يسلك بضمير وحرّية ليتّخذ هو شخصياً القرارات الأخلاقية.


"ليس من الجائز أن يُكره الإنسان على ما لا يُبيحه ضميره.
وليس من الجائز أن يُمنع من عمل ما يقتضيه ضميره ولا سيما في أمور الدين" (حرية دينية 3). فالضمير يجد معناه وهدفه في إقامة المجتمع الإنساني الذي يضمن لكل شخص أن يتقبّله الآخرون كأخ لهم. وله الحقوق والواجبات نفسها" ومن هنا يظهر أن الضمير الشخصي هو أساساً تطلب داخليّ ليحقق إنسانيته، أي أن يقرر الدخول في دينامية بنيان الإنسانية فيه وفي كل إنسان، وتكمن الحرية في التجاوب مع هذا التطلب وتحقيقه واقعياً. وبالتالي فاللجوء إلى الضمير لا يعني فردية أنانية أو مزاجية هوائية، بل تصدّي الحرية لمهمة بنيان الإنسان. وتلك المسؤولية هي بمثابة تحدّ يدفع الحرية إلى المجازفة بنفسها في سبيل تحقيقها وجعلها واقعاً، دون الركون إلى الاعتماد على قرارات خارجية عنها تعفيها من القيام بمهمتها.
رابعاً: تنشئة الضمير
لابّد من أن يكون الضمير مطلّعاً، والحكم الأخلاقي مستنيراً. فالضمير الذي أُحسنت تنشئته يكون قويماً وصادقاً. فيُصدر أحكامه وفاقاً للعقل، ومتوافقة مع الخير الحقيقي الذي أرادته حكمة الخالق.
ولابّد من تربية الضمير عندما يتعلق الأمر بكائنات بشرية خاضعة لمؤثرات سلبية، ومجّربة بخطيئة تفضيل حكمها الخاص، ورفض التعاليم الصحيحة. وتربية الضمير هي عمل الحياة كلها. فتوقظ الولد منذ السنوات الأولى، لمعرفة الشريعة الداخلية التي يعترف بها الضمير الأخلاقي، ولممارستها. التربية الفطنِة تعلم الفضيلة، وهي تصون وتشفي مما ينجم عن الضعف والذنوب البشرية، من الخوف والأنانية والكبرياء، والتضايق الناتج من الذنب، ونزوات الرضى عن الذات.
إن تربية الضمير تكفل الحرية وتولد سلام القلب، وفي تنشئة الضمير يكون كلام الله النور الذي يضيء طريقنا. ولابّد لنا من تقبُّله في الإيمان والصلاة، وممارسته عملياً. وعلينا أيضاً امتحان ضميرنا بالنسبة إلى صليب الرب، تؤازرنا مواهب الروح القدس، وتساعدنا شهادة الآخرين و إرشاداتهم، ويكون لنا دليلاً تعليمُ الكنيسة الصحيح.
خامساً: الإيمان المسيحي والضمير الإنساني
إن الحياة المسيحية هي موهبة من الله، فالابن يهب لنا روحه لكي نحقق نحن أيضاً دعوة البنّوة التي نحن مدعّوون ليها.
والسلوك المسيحي هو تجاوب مع نعمة الله. يجعل الإيمان واقعاً في حياتنا اليومية وعلاقاتنا المختلفة. وفي تعليم المسيح؛ الذي أولى فيه اهتماماً كبيراً لقلب الإنسان؛ ينبع السلوك الإنساني من داخل الإنسان، من ضميره.
ومن هنا نفهم أيضاً أن تعليم يسوع يحمل بُعداً عاماً وشاملاً لأنَه موجه إلى ضمير كل إنسان، ولأنه غير محدد في مضمونه، ومتطلب في شكله "أحبب قريبك حبّك لنفسك"
فهو دعوة موجهة إلى حرية كل إنسان كي يتحمل مسؤوليته، ويقرّر في صميم حياته وخصوصيته ظروفها ونسّيتها كيف يحقق هذه المحبة المطلقة.
ويندرج تجاوب الإنسان في إطار تاريخ العلاقة الشخصية مع الله، وهي تتمحّور حول عمل الله الخلاصي والمجاني في تاريخ الفرد والمجتمع. فالإنسان يجد نفسه مدعواً إلى التجاوب مع مبادرة محبة الله، وذلك من خلال أفعاله وأقواله وسلوكيّاته تجاه الله وتجاه القريب. فلا يمكننا أن نقرأ ولا أن نفهم المتطلبات السلوكية الإلهية إلا داخل إطار تاريخ العلاقة الشخصية بين الله والإنسان. وعلى الإنسان- انطلاقاً من إيمانه الحي- أن يتجاوب تجاوباً حراً متجدداً مع المحبة التي تؤسس وجوده. وأن يترجمها في سلوك معين في واقع حياته اليومية ولكن دائماً بطريقة جذرّية وكاملة. الله حرّية، وشريعة الله هي للحرّية وليس للعبودية، وهي تتطلب تجاوباً حراً ومسؤولاً، لأن الله يحب الإنسان ويحترم حريته، ولا يريده أداة عمياء غير مسؤولة وغير حرّة، بل شخصاً كريماً وقادراً على الحب والعطاء
وبالتالي الحرية هي ولادة الذات ولادة مستمرة أمام الله والآخرين، تبدأ باتباع الوصايا وتنتهي بالحب.
وبالتالي فالمؤمن لا يجد في إيمانه المسيحي ما يهدم بحث الضمير عن حياة إنسانية ذات معنى، بل ما يحققها في العمق، إذ إنّـه يهدف من خلال أعماله إلى احترام كل إنسان في حياته ووجوده، معترفاً بأن كل إنسان أخ له وابن الآب الواحد. وهكذا يجد الضمير المؤمن في بشرى المسيح أساسه وثقته، فبالإيمان يعرف الإنسان أنّ الآب يعمل في داخل رغبته في أن يكون ابناً له وأخاً للجميع، وبالرجاء يعي أن أعماله، ثمرة حريته ومسؤوليته الحقيقية، تساهم في بناء الملكوت
وبالمحبة يثق في أن الآب قد ظهر في الابن ويسكن فيه، الإنسان المؤمن، بالروح القدس، داعياً إياه إلى تكوين جسد الابن السّري، بالانتباه إلى الأضعف والأفقر والأصغر من البشر.
سادساً: الاختيار بحسب الضمير
يستطيع الضمير، في مواجهة اختيار أخلاقيّ، أن يُصدر حكماً يكون إما مستقيماً متوافقاً مع العقل والشريعة الإلهية وإمّا، على العكس
حكماً خاطئاً يبتعد عنهما. ويحدُث أحياناً أن يواجه الإنسان حالاتٍ تجعل الحكم الأخلاقي أقل ثباتاً، والقرار صعباً. ولكن عليه دوماً أن يبحث عما هو قويمٌ وصالح
وأن يميّز مشيئة الله التي نعبّر عنها الشريعة الإلهية. لذلك يسعى الإنسان إلى تفهم معطيات الخبرة وعلامات الأزمنة، مستنداً إلى فضيلة الفطنة، وإلى نصائح الأشخاص الفهماء وإلى مؤازرة الروح القدس ومواهبه.
وهناك بعض قواعد يُعَملُ بها في جميع الحالات:
* لا يُسمح إطلاقاً أن يُصنع الشر لينتج منه الخير.
* "القاعدة الذهبية":


"كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم فافعلوه أنتم أيضاً بهم" (متى7/12 ولو6/31).
*


المحبة تكون دائماً في سياق احترام القريب وضميره: "إذا ما خطئتم هكذا إلى الإخوة وجرحتم ضميرهم (?) فإنما تخطأون إلى المسيح" (1كو8/12). "إنه لحسن أن لا (?) تعمل شيئاً يكون سبب عثار أو سقوط أو ضعف لأخيك" (رو14/21).
سابعاً: الحكم الخاطئ
إن الكائن البشري ملزم دوماً بالخضوع لحكم ضميره الأكيد. وإذا خالفه عن روية فهو يحكم على نفسه بنفسه.
وقد يحدث أن يكون الضمير الأخلاقي في حالة جهل، فيُصدر أحكاماً خاطئة على أفعال ستُفعل أو فُعلت. ويمكن أن يُنسب هذا الجهل مراراً إلى المسؤولية الشخصية. تلك هي الحال


"عندما الإنسان قلّما يُعنى بالبحث عن الحق والخير، وعندما تكاد الخطيئة تُعمي ضميره شيئاً فشيئاً (ك ع16).
وفي هذه الحالة يكون الشخص مذنباً بالشر الذي صنعه. ومن الأمور التي يمكن أن تكون مصدر انحرافات الحكم في السلوك الأخلاقي: جهل المسيح وإنجيله، وما يصدر عن الآخرين من أمثلة سيئة، وعبودية الأهواء، وإدعاء استقلال ذاتيّ خاطئ للضمير، ورفض سلطة الكنيسة وتعليمها، وفقدان التوبة والمحبة.
وإذا كان الجهل، على العكس، مُطبقاً، أو كان الحكم خاطئاً دون أن يتحمل الإنسان مسؤولية أخلاقية، لا يمكن أن يُنسب إلى الشخص ما صنع من شر. ولكن ذلك يبقى شراً، وحرماناً، وانحرافاً. فلابدّ من السعي إلى إصلاح ضلالات الضمير الأخلاقي. فالضمير الصالح النقي ينيره الإيمان الحقيقي، لأن المحبة تصدر في الوقت ذاته


"عن قلب طاهر وضمير صالح وإيمان لا رياء فيه" (1تي1/5).


"بقدر ما يتغلب الضمير القويم، يبتعد الأفراد كما تبتعد الجماعات عن القرار الأعمى، ويعملون على تطبيق النظم الأخلاقية الموضوعية" (ك ع16).
ثامناً: الاعتراف بالخطأ والغفران
في مسيرة حياة الإنسان، يكتشف الضمير حتماً المسافة القائمة بين ما قام به وما كان عليه أن يقوم به.


وهذه المسافة تسمّى "الخطأ" على المستوى الأخلاقي، و"الخطيئة" على المستوى اللاهوتي. والاعتراف بالخطأ أو الخطيئة يعني أن الشخص يقرأ حياته بأحداثها وظروفها، ويقيّم سلوكيّاته ومواقفه، مما يسمح له بأن يتحمل مسؤولية تاريخه وأفعاله وأقواله وأن يكتشف أن الله والآخر لا يزالان يفتحان له مستقبلاً. والاعتراف بالخطأ يعني أيضاً البحث عن الحقيقة والجد في تصحيح المسار المستقبلي.
وبدون الاعتراف بالخطأ لا يمكن الضمير أن يكون مستنيراً. ولا يمكن اكتشاف الخطيئة إلا بفضل الآخر الذي يكشفها لي، داعياً إياي للتغيير والتحرير.
فالله يكشف الخطيئة قاصداً الحياة لا الموت، الحرية لا العبودية، فالاعتراف بالخطيئة هو أساساً اعتراف بالحياة التي يهبني الله إياها، لذا نجد في الكتاب المقدس أن الاعتراف بالخطيئة يتحّول إلى فرح وإعلان التائب عن الخلاص للآخرين (لو15/11-32، مز51/14-17).
والإقرار بالخطيئة يعني أيضاً الاعتراف بالغفران الحاضر في الآخر، وتلك هي الحقيقة التي تحرّر الضمير: آخر يهب لي الحياة لأنه يمنحني الغفران. الغفران يعني إذاً، أن من يهبه يمنح الآخر فرصة جديدة للحياة المشتركة ويجدّد الثقة فيه بالرغم مما حدث. لا حياة إنسانية بدون منح الغفران لمن أخطأ في حقنا، ولا حياة إنسانية بدون طلب الغفران وتقبله ممَّن أخطأنا في حقه.
خاتمة
في الآخر نقول إنّه لا يسع الضمير أن يقرر من دون معالم أو إشارات على الطريق، تساعده على اتخاذ القرار، وهذه الإشارات هي اجتماعية وقانونية وأخلاقية ودينية?
ومن مجملها يستطيع الضمير أن يحكم وأن يقرّر في سبيل تحقيق حياته الإنسانية وحياة الآخرين. والمعالم والإشارات تهدف إلى ألاّ يتيه المسافر ولكنها لا تحدد له الغاية، إن لم يعرفها هو وسعى إلى بلوغها، والإنسان الحكيم هو من يعرف أن يجد الطريق الصالح له عبر علامات الطريق المختلفة والمتنوعة.
إن الضمير هو قدرة على الانتباه والاستماع إلى النفس والآخرين، والضمير هو ما يضع المسيحي بنعمة الروح القدس على الطريق ليُحقق التطويبات؛ هو الدليل الذي يوّجه الإنسان في بحثه عن الحقيقة والخير، والضمير هو قدس الأقداس الذي يأخذ فيه الإنسان قراره الأخلاقي شرط ألا يناقض نفسه بشكل واع وإرادي. وإذا كان للضمير هذه المكانة المرموقة، فيجب تكوينه وتربيته وإتاحة الفرصة له بالنمو النضوج. وقبل كل شيء يجب احترام كرامته وحريته وقُدسيته.
للذهاب إلى أبعد في الموضوع، العودة إلى مصدري هذا الحديث:
* التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية.
* مدعّوون إلى الحرية، الأب نادر ميشيل.

Mary Naeem 17 - 09 - 2014 04:56 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
توالي السقوط
يمكن بسبب الضعف أن يسقط الإنسان، فهو ليس معصوم. ولكن عليه أن يتوب، ويأخذ من سقطته درسا، حتى لا يعاود السقوط، عملا بقول أحد القديسين:
"لا أتذكر أن الشياطين أطغونى في خطية واحدة مرتين".
وهذه هى التوبة الحقيقية، أن الإنسان لا يعود إلى الخطية التي تاب عنه. وكل قصص القديسين التائبين تشير إلى هذا المعنى: أن التوبة كانت خطأ فاصلا بين حياتين، فلم يعودوا إلى الحياة القديمة الخاطئة.
إنها ليست حقيقة، أن الإنسان كلما تاب يعود إلى سقوطه مرات عديدة، كأن لم يتب!
إن توالى السقوط له خطورته وله دلالاته:
إنه يدل على عدم جدية الحياة مع الله.. وربما يدل على اللامبالاة والاستهتار بالقيم الروحية.
ويدل على أن القلب لم يتنق بعد، وما تزال فيه محبة الخطية مع الضعف، والانقياد إليه.
وتوالى السقوط يدل على عدم فهم للاعتراف بالخطية، كما لو كان مجرد رغبة في التخلص من عقوبة الخطية، دون التخلص من الخطية ذاته.
وتوالى السقوط يضعف هيبة الإنسان أمام الشياطين:
ويعطيهم سلطانا عليه إذ يكتشفون عدم قدرته على مقاومة الخطايا، وعدم رغبته في البعد عليها!
وتوالى السقوط قد يحول الخطية إلى عادة، وإلى طبع، ويجعل جذورها راسخة في القلب والعقل.
وبتكرارها تكمن في العقل الباطن، وتصبح مصدرا للأحلام والأفكار والظنون والشهوات بل قد تصير خطرا على الإنسان، إّذا ما تحولت إلى أعمال غير إرادية، وإلى عبودية للخطية!!
لأنه كلما سقط الإنسان، تصبح إرادته أضعف..
وقد تصبح قابليته لحياة البر أقل. وكذلك قد يصبح تأثره بالوسائط الروحية أقل، أولا يقبلها!
وحتى مع كل هذا، نعمة الله مستعدة أن تقيمه إن أراد ولكن طريقه إلى التوبة يكون صعبا

Mary Naeem 18 - 09 - 2014 02:02 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
التواضع الحقيقي والتواضع المُزيف _ البابا كيرلس السادس


لو تأملنا يا أحبائي في قول السيد المسيح له المجد لتلاميذه:
"من أراد أن يكون أولاً فيكون آخر الكل وخادما للكل"،
لأدركنا في الحال أنه يطلب منا أن نتواضع.
لأن ليس محبوب عنده مثل الإنسان المتضع.
لأن التواضع أفضل من كل شيء.

ألم يقل السيد له المجد: "تعلموا مني فإني وديع ومتواضع .. فتجدوا راحة لنفوسكم". ولم يقل تعلموا مني الصوم والصلاة والرحمة، وأمثال هذه، لأن كل هذه الفضائل بدون التواضع لا تحسب شيئاً.

قال داود النبي: القلب المتخشع المتواضع لا يرذله الله.
وقال: اتضعت فخلصني.
وأبضاً: أنظر إلى تواضعي وخلصني.
فإذا كانت الكبرياء أشر الرذائل فيكون التواضع أعظم الفضائل.
الأسرار تنكشف للمتضعين.

فإذا كانت الكبرياء أسقطت طغمة من الملائكة مع رئيسهم من السماء، فالتواضع وحده قادر أن يرفع بني البشر إلى السماء.

وأمامنا صورة واضحة تبين لنا التواضع الحقيقي وهو بولس الرسول الذي نال من المواهب ما يعجز اللسان عن وصفه، الذي يذكر عنه الكتاب أنه لم يحسب نفسه مستحقاً أن يكون تلميذاً. ويعتبر نفسه كالسقط الذي لا يرى الحياة. يقول عن نفسه أنه أصغر جميع الرسل. "وأنا ما أنا ولكن نعمته التي تعمل فيَّ"، وقول الرب له:"إن نعمتي في الضعف تكمل". هذا هو التواضع الحقيقي.

وأيضاً داود الذي كان ملكاً عظيماً محبوباً من الله، اختاره الرب، وقال: وجدت داود عبدي حسب قلبي. كان يقول عن نفسه إنه "كلب ميت"، و"برغوث"، هذا الذي لما شُتِم، وقُذِف بالحجارة وذري بالتراب، وأراد أحد رجاله أن يفتك بذلك الشخص منعه داود وقال: "دعوه يشتم لعل الله ينظر إلى تواضعي ويرحمني". هذه صورة حقيقية للتواضع.

أما التواضع المُزيف فإن صاحبه يتظاهر به، ولكن إذا حصل له أي إهانة أو احتقره أحد فإنه يغضب ويصير كأسد زائر. هذا التواضع المُزيف الذي كان يتظاهر ينقلب في الحال، ويغضب، ويتفوه بكلام لا يليق مثال أبشالوم بن داود الذي أراد أن يأخذ الملك من أبيه. كان يتظاهر بالتواضع، وعندما كان أحد يأتي للسلام عليه، كان يقوم ويقبله كأنه يقول للشعب: لو كنت مكان أبي لعملت لكم كل الخير. وأنصفت المظلوم، وغير هذه الكلمات. فكانت آخرته شر، حمانا الله.

Mary Naeem 18 - 09 - 2014 02:04 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
هذا السؤال الذي يطرح نفسه بشدة... كيف يمكن للشاب المسيحي أن يحفظ عفته وطهارة جسده ونقاوة فكرة وقلبه، والجو العام المحيط به ملوث بكل ما هو مثير للنجاسة ومشجع للسقوط؟

الإجابة هي:

بدوني لا تقدروا أن تفعلوا شيئًا...

أسألوا تعطوا. أطلبوا تجدوا. أقرعوا يفتح لكم...

أرسل لكم الروح القدس المعزي... وهذا

يأخذ مما لي ويخبركم...

فبادئ ذي بدء إن حياة المؤمن معجزة، وبدون المعجزة لا يمكن تفسير الحياة المسيحية الطاهرة الحقة... الله وحده هو القادر أن يصنع المعجزة، ولكن للذين
يطلبونه من كل قلوبهم.

والروح القدس وحده هو الذي يمنح القوة، ويعطي الإلهام، ويهّون المعاناة، ويسند في الضيق، ويحمي وقت التجربة، ويقيم ويعزي ساعة السقوط.

من هذا المنطلق تبدو أهمية الحياة الروحية... إن يوحنا الدرجي يقول "العفة هي مقابلة عشق بعشق" أعني مواجهة العشق الجسدي بالحب الإلهي، فأولئك الذين يشبعون، ويتعزون بعمل النعمة هم وحدهم الذين يجدون للعزلة والفراغ حلًا وللشهوة سموًا وعلوًا.


الأنبا بيمن

Mary Naeem 18 - 09 - 2014 02:06 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
طاقات وطباع وغرائز
https://images.chjoy.com//uploads/im...b58dc3e56e.jpg
لقداسه البابا شنودة الثالث

من طاقات الإنسان: العقل والروح والنَّفس والضمير والإرادة والحواس. وهى تختلف من شخص إلى آخر. بالإضافة إلى ما يمنحه اللَّه من مواهب لكل فرد على حدةٍ. وهذه الطاقات والمواهب قابلة للنمو. أو على الأقل نكتشف قدراتها بالزمن والاحتياج.


العقل مثلًا: نحن لم نكتشف بعد كل قدراته. هل كانت الأجيال السابقة تصدق أنه يمكن للعقل البشري أن يخترع سفن الفضاء التي توصل الإنسان إلى القمر فيمشي على سطحه؟! كما يخترع أقمارًا صناعية تجول حول العالم، تجمع أخبارًا وترسل صورًا!! ومَن كان يتصوَّر أنه كان يمكن للعقل أن يُقدِّم للبشرية كل الاختراعات الحالية في مجال الطب والهندسة وسائر العلوم؟! مثل الكومبيوتر والـ mobile phone، وإمكانية عمل جراحة للجنين في بطن أمه؟! وما زلنا نرى نموًا واضحًا لطاقات العقل تظهر عمليًا...


وروح الإنسان أيضًا لها طاقات عجيبة لم يدركها كل الناس. فهم لم يكتشفوها لأنهم لم يستخدموها، ولم يدخلوا في التداريب التي تنشط الروح وتفسح لها مجال انطلاقها الطبيعي. وإننا عندما نقرأ عن التداريب الروحية التي تجريها جماعات من الهندوس واليوجا، وما وصلوا إليه من نتائج، نرى عجبًا..! إنها ليست معجزات ولا قدرات غير طبيعية. بل هي الطاقة الطبيعية للروح، يكتشفها مَن يحيا بالروح، ومَن يستخدم الروح ويهتم بها...


هناك أيضًا طاقات للحواس لم نستخدمها كلها. وذلك لعدم شعورنا بالاحتياج إليها. فهي طاقات تظل كامنة إلى أن تظهر حينما تفقد حاسة مُعيَّنة، فنستعيض عنها بتنشيط حواس أخرى بديلة.

فإنسان مثلًا فقد بصره، ويحاول أن يستعيض عنه بالسمع وباللمس ورُبَّما بالشَّم أيضًا، فتقوى كل هذه الحواس، ويكتشف قدرات لها لم تكن متاحة له من قبل. ولكنها ظهرت لأنه أخذ يُدرِّب هذه الحواس تدريبًا دقيقًا لتكون له أبوابًا للمعرفة بدلًا من النظر الذي فقده. ولم تكن هكذا من قبل، بل كانت كامنة غير ظاهرة في حالة عدم استخدامها... كما نلاحظ أيضًا أن الذي فقد بصره، تقوى ذاكرته، لأنه يستخدمها أكثر من ذي قبل، إذ أن القراءة لم تعد متاحة له. وحتى هذه القراءة نراه يستعيض عنها بطريقة برايل، بتقوية حاسة اللمس.


إنَّ الإنسان الكامل: في كمال عقله، وكمال روحه، وكمال حواسه كلها، لم يُوجد بعد في أي إنسان عادي... وطاقات كل شخص كما تحتاج إلى تداريب لتنمية قدراتها، تحتاج إلى تداريب أخرى حتى لا تضعف بعدم الاستخدام.


علينا مثلًا أن نُنمِّي العقل والذاكرة وملكات التفكير التي لنا. وننمي قدراتنا على التفكير السليم والاستنتاج وحل المشاكل. فالمسائل الرياضية والتمارين الهندسية التي كنا ندرسها في المدارس، لم تكن لمُجرَّد العلم أو للتخصُّص في الرياضيات، إنما كانت لها فائدة أخرى في تدريب العقل على التفكير.

مَثَل آخر لهذا التدريب، هو اثنان يلعبان الشطرنج وكل منهما صامت يُفكِّر: ما هي الخطوة التي سيلعبها زميله، وكيف يرد عليها؟ وماذا سيكون رد زميله على رده؟ وكيف يتصرَّف وقتذاك؟ وكيف يمكنه أن يُعرقل خططه؟ وكيف تكون له هو خطط غير مكشوفة توصّله إلى النتيجة المطلوبة ولو بعد مراحل؟ إنه أيضًا تدريب على الذكاء، وليس مُجرَّد لعبة شطرنج للتسلية وقضاء الوقت...

وما أكثر تداريب الذكاء وتنمية التفكير: الألغاز أيضًا وحلّها والمسابقات، كلها تداريب على التفكير. كذلك يمكنك أن تُنمِّي موهبة التفكير في محيط أسرتك وسط أولادك. وعلّمهم أن يواجهوا أيَّة مشكلة بالتفكير وفي غير اضطراب. وفي الحياة العملية توجد تداريب على الحكمة وحُسن التَّصرُّف، أو تنمية الفكر عن طريق المشورة والانتفاع بخبرات الآخرين.

الضمير أيضًا يحتاج إلى تنمية. ذلك لأنه يوجد ثلاثة أنواع من الضمائر. منها الضمير الواسع الذي يتساهل مع كثير من الأخطاء، ويُسمِّيها الأخطاء الصغيرة أو البسيطة، فيُمرِّرها ويُبرِّرها!! وهناك الضمير الضيق الذي يظن الخطأ حيث لا يوجد خطأ، أو أنه يضخِّم من قيمة بعض الأخطاء. أمَّا أنت فليكن لك الضمير الصالح، الذي يتميَّز بالفهم السليم، ويعرف كيف يُميِّز بين الخير والشر، وبين ما يجوز وما يليق. ويزن الأمور بميزان دقيق، بلا إفراط ولا تفريط.

ويأتي هذا بالتعلم على ثقاة من المتعمقين في علوم الدين والاجتماع والأخلاق، وداوم التأمل بعمق في كلام اللَّه وفي سِيَر الناس الأبرار المشهود لهم، وكذلك بالتأثُّر بالقدوة الصالحة.


معارف الإنسان أيضًا تحتاج إلى تنمية، غير النمو الطبيعي في المعرفة خلال مراحل العمر. والذي يهتم بنموه في المعرفة يصير مُثقَّفًا ويستطيع أن يكون عضوًا نافعًا في المجتمع. والمعرفة تُغذِّي عقله، وتُغذِّي ضميره، وتقوِّم طباعه، وتدفعه إلى السلوك الصالح. كما أنَّ المعرفة تساعده في طريق الحكمة وحُسن التَّصرُّف، والنجاح في التعامل مع الناس. وإذ نما في المعرفة وفي الخبرة، قد يصل إلى القدرة على الإرشاد وقيادة الغير...

إنَّ حياة الإنسان بكل طاقاتها وزنة سلَّمه اللَّه إيَّاها لكي يعتني بها. لذلك يلزمه أن يُنمِّي شخصيته بصفة عامة لتتحوَّل إلى شخصية قوية سوية، سواء في العقل أو الضمير أو المعرفة أو السلوك، أو النفسية السوية، والحكمة في الحكم على سائر الأمور.

فلا تترك شخصيتك إذن، دون ضابط ودون اهتمام ودون نمو...

الجسد أيضًا طاقة وهبها اللَّه للإنسان، فهو الجهاز التنفيذي لكل القرارات التي تصدر عن العقل أو الروح أو الإرادة أو الضمير...

وما أسهل أن تؤثِّر أمراض الجسد على النَّفس، فتجلب لها ألوانًا من الألم أو الحزن أو الضيق أو التَّذمُّر. . وبعض الناس قد يصلون إلى درجات من الانهيار النفسي بسبب أمراض أجسادهم، أو يصابون بالكآبة والقلق والحيرة بسبب ما تتعرَّض له صحة الجسد من اضطرابات...

كذلك شهوات الجسد تؤثِّر على الضمير وعلى الإرادة، وتحاول أن تستخدم طاقات العقل لتحقيق أغراضها. كما أنَّ شهوة الجسد قد تستأثر الفكر تمامًا، فلا يدور إلاَّ في فلكها. وإذا سيطرت فإنها تضعف الروح وتبطل صلتها باللَّه.

لهذا كله ينبغي حفظ التوازن بين طاقات الإنسان فتتعاون معًا وتتكامل. ولا يصح أن يوجد تناقض أو تنافس بين الطاقات يؤدِّي إلى صراع داخلي وانقسام في الشخصية. كما قال أحدهم: "كنت أصارع نفسي وأجاهد، وكأنني اثنان في واحد. هذا يدفعني، وذاك يمنعني"!! نعم ما أسهل أن تتصارع الطاقات: فالجسد يشتهي ضد الروح. والروح ضد الجسد. أو النفس ضد الضمير. أو العقل ضد الإرادة..!

بينما الإنسان السليم السَّوي لا يوجد فيه مثل هذا الصراع. ولا تحاول إحدى طاقاته أن تُسيطر على باقي الطاقات أو بعضها.

أخيرًا: ألا ترى معي يا قارئي العزيز أن موضوعنا هذا يحتاج إلى تكملة، لنتحدَّث عن الطباع والغرائز والمواهب. فإلى لقاء

Mary Naeem 18 - 09 - 2014 02:13 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
+ مقومات الفطنة المسيحية +

http://www.peregabriel.com/gm/albums...ard60538lg.jpg



أولاً وقبل كل شيء، واعتماداً على أهمية الأمر وتعقيده، على الإنسان أن يفكر في الوسائل المختلفة لبلوغ غايته أو الطرق المختلفة للقيام بعمل. وفي هذه النقطة يحتاج الإنسان معرفة مبادئ ومعايير العمل وفي نفس الوقت المقدرة على ربط هذه المبادئ إلى القضية قيد البحث، بكل ظروفها الواقعية. وعندما يتروى في الأمر يصدر الحكم على طريقة العمل اللائقة في هذه القضية بالذات. وأخيراً تعطي الإرادة الأمر لتنفيذ القرار. لذا تقوم الفِطنة على:
1) التفكير الرصين أو التروي:
أي النظر إلى الأمور كما هي وتفهم ظروفها على ضوء المبادئ الأدبية. الإنسان المسيحي الفطن يفكر برصانة تفكيراً جدياً في أموره وطرقه وكيفية تطبيق تعاليم المسيح في حياته. فيستفيد أولاً من خبرة الأجيال السالفة ثم من خبرته الذاتية. فيحذر السقوط في أخطاء وأغلاط من سبقوه، ويتنبّه إلى ما استسلم هو أيضاً إليه من الشطط والزلل باندفاعه وتهوره. ثم ينظر بعين ثاقبة إلى المستقبل فيزن قوته ومؤهلاته بميزان التواضع والثقة بالله، ويأخذ الحيطة لنفسه من أهوائه الذائبة وأمياله المنحرفة، وإذا تمّ له ذلك يقرر خطته في أعماله وأشغاله ومختلف أطوار حياته. ويساعد على التفكير الرصين:
- الحيطة والحذر في ظروف المكان والزمان والإنسان.
- استشارة الرؤساء والمعلمين والأصدقاء والأهل ورجال الخير والصلاح.
- أما خير الوسائط الفعّالة التي تعيننا في حُسن تفكيرنا، قبل أن نقدم عل عمل من أعمالنا فهي الصلاة والابتهال إلى الروح القدس، روح المعرفة والفهم، روح الحكمة والتعزية. ثم النظر إلى يسوع وأمه الطاهرة...
2) التقرير القويم أو التحكيم
أي البحث عن الوسائل المناسبة لتحقيق قصدنا، والنظر ما الأنسب منها وما خطة العمل. يجب الاعتماد على رأي صائب لاتخاذ قرار فيما ينبغي أن نعمله. لكي ننجو من الغلط علينا أن نحذر الاستسلام إلى أهوائنا وعواطفنا ومطامعنا، بل النظر إلى المسيح وتذكر عواقبنا الأخيرة. علينا أن نسأل أنفسنا دائماً: إلى أين يقودنا هذا العمل أو ذاك، أإلى الله أم إلى خدمة ذواتنا وشهواتنا. وعلى هذا الأساس نقرر. فإذا فعلنا هذا لا نصل. وإن ضللنا لا نؤاخذ، لأننا نكون قد اعتمدنا في تفكيرنا وفي تقريرنا على أفضل الوسائط الإلهية والبشرية معاً. فلا لوم علينا أمام الله ولا أمام الناس ولا أمام أنفسنا.
3) التنفيذ الحازم أو البت
أي القرار بعمل ما يجب والجزم بتنفيذه بلا تردد فهو ثمرة التفكير والتقرير. فبعد التفكير الرصين والمشبّع بروح الإيمان، وبعد الاعتماد على خطة العمل، يلزم ألا نتردد في التنفيذ. ولكن برزانة وحكمة، بلا تهور ولا عنف. ولا تصلب ولا عناد. لأنه لابد من المرونة في تسيير الأمور البشرية، التي غالباً ما تكون عُرضة للمفاجآت غير المنتظرة، وللمصاعب غير المعهودة. ولكن حتى في مثل هذه الظروف الاستثنائية الحرجة، يبقى طريق النجاة من التهوّر مفتوحاً أمامنا، وذلك بوساطة الصلاة والاستشارة والصبر والثبات.
ونلخص كل ما سبق بما يلي: أن كل عمل فطن يفترض التروّي والتشاور ثم الحكم على الوضع الذي نحن فيه وأخيراً على القرار المناسب والتنفيذ. ولا يكون الفعل فطناً إلا إذا كان التشاور وبالأخص الحكم مصيباً. والحكم يكون مصيباً بقدر ما نوجّه تفكيرنا إلى الله والقيم الأدبية ونحوّلها إلى الخيرات الأرضية، وعما يدغدغ حواسنا وكبريائنا وأنانيتنا.
+ اكتساب الفِطنة وممارستها +
1) وسائل اكتساب الفطنة
أ- المعرفة والاختبار: أول أمر يتطلّبه اكتساب الفِطنة هو معرفة المبادئ الأخلاقية الضرورية (مثل تعليم المسيح وغيرها من المعلومات الأخلاقية والنظرية) فبالمعرفة والاختبار الشخصي نضمن إصابة الحُكم ودقته. لأن على كل منا أن يكون فطناً في الأمور المعرض إليها بنوع أخص والتي يعاني منها. ومع المعرفة والاختبار أن نجمع المشورة، فخبرة الآخرين مفيدة جداً وتضيف إلى عقلنا أنوار الآخرين.
ب- الضمير الحيّ: ولا ننسى أن الفِطنة تستند إلى ضمير حي ومستقيم. إن فضيلة الفِطنة تنبت وتنمو في ضمير نيّر، وفي شخصية منسجمة مع ذاتها ومع الله في حب مخلص وصافٍ، عندما يملأ حب الله الإنسان يسيطر على انحراف الأهواء الذي يعكّر حكم الفِطنة.
ج- الروح القدس: ويبقى استلهام الروح القدس من أنجح الوسائل لتقوية الفِطنة: "إن كل من سمع من الآب وقبل تعليمه يأتي إليّ" يقول السيد المسيح. فالمسيحي الذي ينقاد لاسيما للروح القدس معلمه الداخلي يكشف إرادة الله. المحبة، التي تقدّره في محافظة على الشريعة بوجه عام وفي كل ظرف وفي تلبية دعوة النعمة للقيام بواجب ما.
إن الروح القدس كثيراً ما يتكلم في داخل المؤمنين الذين تعوّدوا أن ينصتوا إلى كلامه وإلهاماته. ويهديهم إلى ما يجب أن يقولوه أو يفعلوه أو يحكموا فيه من مختلف مواقف حياتهم ووظائفهم، لاسيما إذا ما تعقدت الأمور واستعصى على الناس حلّها. وما أبدع ما جاء في سفر الحكمة في هذا المعنى: "حينئذ تمنيت فأوتيت الفِطنة ودعوت فحلّ عليّ روح الحكمة، ففضّلتها على الصوالجة والعروش، ولم أحسب الغِنى شيئاً بالقياس إليها، ولم أعدل بها الحجر الكريم...".
د- الصلاة: ازدياد المحبة الإلهية بوساطة الأسرار والأعمال الصالحة هي من الوسائل الأساسية. كما أن الصلاة هي وسيلة كبرى من شأنها أن تزيد فضيلة الفِطنة نمواً وكمالاً. وبها تتغذى الفضائل كلها وتزهو تزدهر. لأن كل عطية صالحة وكل موهبة كاملة تنحدر من لدن أبي الأنوار.
ومن الوسائل الأخرى التي تتقدّم الفِطنة وترتقيي هي حرصنا على ألا نقصد إلا وجه الله في كل من أعمالنا، وأن يكون حكمنا في هذه الأعمال، في حسنها وسوئها، وخيرها وشرها، على ضوء هذا النور الكبير، نور طلبنا وجه الله في مختلف أمور حياتنا.
هـ- المشورة الصالحة: ثم أنه يمكن ممارسة فضيلة الفِطنة بفعل "موهبة المشورة الصالحة" التي يمنحها الروح القدس، والتي تجعلنا فيما ينبغي لنا عمله أو تركه من الأمور، لاسيما الصعبة والخطرة، وذلك بنوع سريع وبصيرة نيّرة صادقة، كان الإلهام يوحي إلينا طريقة عملنا ويقودنا بيدنا.
هذا بخصوص الوسائل لاكتساب الفِطنة الفائقة الطبيعة. أما الوسائل لاكتساب الفِطنة الطبيعية، بالإضافة إلى ما سبق هي:
- محبة الغاية المقصودة، لأن المحبة تدفع الإنسان إلى اتخاذ الوسائل المناسبة مهما كلفته.
- تحكيم العقل في الأعمال لا العاطفة.
- توسع دائرة المعرفة بمطالعة الكتب القيمة والاحتكاك بالمجتمع المثقف والاستماع إلى مشورة الخبراء.
- ضبط الشهوات ولاسيما شهوة الجسد والأنانية.
2) ممارسة الفطنة
تتراوح ممارسة أية فضيلة بموجب حالة الكمال للفرد المسيحي. وهذا واضح فيما يخصّ فضيلة الفطنة، وهي فضيلة النضوج، ومن هنا فهي في العادة ناقصة في الشبّان، بسبب افتقارهم للخبرة وميلهم إلى أن تحفزهم العواطف أو المشاعر بدل أن يحكمهم العقل. إلا أن هناك، على كل حال، ممارسات أساسية معينة، يمكن استغلالها للحصول على الفطنة.
أ-الناشئون في الحياة الروحية: الذين يحرصون كل الحرص على البقاء في حالة النعمة وينمون في الفضيلة، هم في حاجة إلى تعزيز الخصائص الخاصة التي ذكرناها الآن، مركزين بشكل خاص على قوة المنطق وسهولة الانقياد، وتذكّر الماضي، والبصيرة، والحذر والحيطة. فيجب عليهم التفكير قبل العمل، بدون إرجاء القرارات إلى آخر دقيقة، أو أن يتأثروا بشكل غير لائق بالعاطفة والأنانية. ويجب أن ينظروا إلى المستقبل لكي يتنبأوا بالنتائج الممكنة لأعمالهم. ويجب أن يتفحصوا بدقة نتائج أعمالهم الممكنة الحدوث. ويجب أن يدققوا في الحالات جميعها التي تحيط بقرار أو عمل. ويجب أن يظلوا ثابتين في قراراتهم، متممين واجب تلك اللحظة بإخلاص. ويجب أن يتجنبوا جميع أنواع الخداع والمكر، وألا يتأثروا من إغراءات استعمال الأعذار أو التبرير، لكي يغدروا أنفسهم عن واجباتهم أو عن الخطيئة. ومما يساعد الصغار كثيراً أن يكون لهم مثل أعلى ولو كان مثالاً للمسيحيين الذين يعيشون عيشة صالحة. وأخيراً، فإنه من المفيد تقييم الأفعال جميعها للفرد بشروط الخلاص: ما الذي يفيدني هذا بخصوص الحياة الأبدية؟
ب- أما النفوس المتقدّمة فيجب أن تحرص على إكمال فضيلة الفطنة عن طريق المحبة، مجتهدة أن تقوم بالأفعال جميعها لمجد الله. ويجب أن ينسجموا أكثر وأكثر مع النموذج ألا وهو السيد المسيح، متسائلين عما كان سيفعله المسيح في موقف معين. وبما أنهم أكثر حرصاً في الحال في الاجتهاد لاستكمال المحبة، توجب عليهم الانسجام مع المعيار الأعلى للحياة المسيحية، التي تقول أنه ليست الأفعال جميعها قانونية وصالحة ولائقة للمسيحي المكرّس. وبالتالي، فيجب عليهم أن يكونوا أكثر حرصاً لتجنّب الخطيئة العرضية ومناسبات الخطيئة، ويجب أن يكونوا أكثر اهتماماً وانقياداً لحركات النعمة وحوافز الروح القدس. ويجب أن يدخلوا إلى أنفسهم المزيد من معايير الحياة المسيحية لكي يكون لديهم قلب المسيح ليرشدهم في كل ما يفعلونه.
ج- النفوس الأكثر اكتمالاً في المحبة يجب عليها أن تميل نفسها لممارسة فضيلة الفطنة بحافز من "موهبة المشورة".
+ الخطايا ضد الفِطنة +
1) حكمة العالم
يخطئ ضد الفِطنة مَن يفكر ويحكم ويعمل لا على ضوء الإيمان "وحكمة الله" بل حسب "حكمة العالم" (1كو14:2). إن العالم ينظر إلى الأمور والأحداث والقيم خلاف نظرة الله لها. ويحبّذ العالم الغِنى والعظمة والترف... والوقتي والبرّاق... ويفضلها على الفقر والتواضع الأبدي والفضيلة... (لو 8:16) فعلى الإنسان أن يقاوم فِطنة الجسد هذه التي تسمى "شهوة الجسد وشهوة العين وشهوة الحياة" ولا يتم ذلك إلا باستعمال المبادئ المسيحية الأوليّة، والرجوع إلى الإنجيل، وتعليم الكنيسة.
2) الإفراط بالتروّي
ويُخطئ ضد الفِطنة من يُفرط بالتروّي ويترك للوقت تدبير الأمور ويتهرّب من المسؤولية وأخذ القرار. إن الظروف المؤاتية لن تعود.
3) التهوّر
كما يُخطئ أيضاً المتهوّر، ولا يتوقف بكفاية عند درس الوسائط الكفيلة للبلوغ إلى الغاية المنشودة، وكثيراً ما يكون سبب التهوّر الجهل والإهمال والطيش وعدم التفكير. فعلى المسيحي أن يتحاشى الخفة والتسرّع والتهوّر في أقواله وأفعاله، وأن يتعوّد التأمل والتفكير قبل العمل، وأن يزن أسباب عمله ونتائجه بميزان الإيمان. فلا يقدم على أمر خطير إلا بعد أن يتثبّت من صلاحيته، ومن موافقته لمبادئ الإنجيل وللغاية القصوى السامية التي لأجلها خلقه الله تعالى. وإذا ما أشكل عليه الأمر فليسترشد برأي مرشد حكيم فطِن.وهكذا يعتاد أن يسلك دائماً بحسب المبادئ السماوية.
4) الاهتمام بالزمنيات
يُخطئ ضد الفطنة من يهتم اهتماماً بالزمنيات والماديات، ويستعمل للحصول عليها الطرق الملتوية من مهارة وكذب وخداع وغش ومكر ودهاء، وأحياناً من دسائس. إن هذه الأساليب تدل عن تحوّل في الغاية الحقيقية، وعلى تفكير بشري خاطئ، ينتج عنه حتماً إهمال حب الله والسعي إلى اكتساب السعادة في ملكوت الله (روم 6:8-15). إذاً على المسيحي أن يحاذر الطرق الملتوية، والميل والخداعة، والسياسة الكاذبة التي يظن الكثيرون في طيشهم أنها خير ما يعتمدون عليه للنجاح في مقاصدهم. فينسون أن الكذب ممقوت عند الله والناس. وأن عاقبته الدمار، وأن الغاية لا يمكن أن تشفع بالوساطة وتبررها، وأن مَن يُحسن سريرته يُحسن الله علانيته. ألا يقول لنا الإنجيل: "كونوا حكماء كالحيات وودعاء كالحمام" فعلى المسيحي الحقيقي أن يكون شهماً في أقواله وأفعاله، وأن يكون سليم الطوية في معاملاته مع قريبه.
5) الاستسلام للأوهام
والفطنة تقتضي بأن لا نستسلم لأوهامنا وأهوائنا. فالأوهام هي عداء الفطنة، ومن الموانع الكبرى التي تحول دون تقدمنا في الكمال المسيحي، لأنها تتسلّط على عقولنا، وتضيّق الخناق على إرادتنا، فنفقد حرية التفكير ومعها حرية العمل. لذلك فالأهواء، فهي أمراض نفسية تُظلم العقل، وتبعث فينا روح الكبرياء والعجب، فتبعدنا عن محبة الصواب، وتجعلنا نتيه في الضلال، ونندفع وراء الملذات الأرضية والمطامع البشرية، فننسى غايتنا وننبذ وصية الرب "اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره" (لو 13:12).

Mary Naeem 18 - 09 - 2014 02:37 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
التمييز و الافراز – القديس يوحنا كاسيان




1- مقدمة
إذ تمتعنا بنوم الصباح وأشرق النور علينا بدأنا نسأله أن يحدثنا بما وعدنا به. فبدأ الطوباوي موسى يقول: إذ أرى شوقكم الملتهب هذا، فإنني لست أظن بأن ما كنت أرغبه في أن أترككم فترة هدوء قصيرة جدًا بعد المناظرة الروحية، لأجل راحتكم الجسدية، يهبكم راحة لأجسادكم، إنما إذ أتطلع إلى غيرتكم أشعر بالضرورة تلح عليّ لكي ما أفي بما قد وعدتكم به بكل عناية وإخلاص…
إنني سأتكلم عن “التمييز الحسن وخصائصه”، الموضوع الذي تطرقنا إليه في مناقشتنا الليلة الماضية. وإني أحسب أنكم تريدون أن أكشف لكم عن بركات “التمييز” حسب فكر الآباء…

وأن أحدثكم عن هلاك بعض السابقين والمحدثين وسقوطهم في اليأس بسبب عدم اهتمامهم بالتمييز، ثم أتحدث عن بركات التمييز… هذا كله بعدما نناقش كيف يلزمنا أن نعرف جيدًا كيفية البحث عن التمييز وطريقة الانتفاع به عمليًا، آخذين في اعتبارنا أهميته وبركاته.
التمييز نعمة إلهية
لا توجد فضيلة واحدة يمكننا أن نحصل عليها بمجهودنا البشري ما لم تعيننا النعمة الإلهية. ونحن نرى في الكتاب المقدس أن التمييز حُسب ضمن مواهب الروح، إذ يقول الرسول: “فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة ولآخر كلام بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمان بالروح الواحد، ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد… ولآخر تمييز الأرواح”…
لقد رأيتم إذن كيف أن موهبة التمييز ليست موهبة أرضية، ولا هي بالأمر الهيّن ، إنما هي عطية عظمى تهبها النعمة الإلهية.
إن لم يسعى الإنسان[1] بكل حماس نحو التمييز… حتمًا يخطئ ويصير كمن هو في ظلمة الليل وحلكة الظلام، ولا يسقط فقط في الأشراك والأهواء بل ويخطئ حتى في الأمور السهلة.

2- أهميته
أذكر لما كنت في منطقة طيبة Thebaid حيث يقطن الطوباوي أنطونيوس وأنا صبي جاءه جماعة من الآباء يسألونه عن “الكمال”. واستمرت المناقشة من المساء حتى الصباح، وأخذ هذا السؤال النصيب الأكبر من الليل.
وقد نوقش: أيالفضائل أكمل وأقدر على حفظ الإنسان من مصائد الشيطان وحيله، وتحمله إلى الطريق الآمن الحقيقي، وترتفع به بدرجات ثابتة على قمم الكمال؟


تحدث كل واحد على حسب ميول عقله، فقال البعض بأن الجهاد في الصوم والسهر يقوّم الفكر وينقي القلب ويسهل للإنسان التقرب إلى الله. ومنهم من قال بأن المسكنة والزهد في الأمور الأرضية يُمكّنا العقل أن يكون هادئًا صافيًا خاليًا من هموم العالم، متجهًا بالكامل نحو الله، ولا تقتنصه أشراك العدو.
وظن البعض أنه بالضرورة الانسحاب من العالم، أيضًا الوحدة والانعزال في حياة التوحد، حتى يُمكن للإنسان بالأكثر أن يتحدث مع الله ويلتصق به. وذكر البعض أعمال المحبة أيضًا فعل الرحمة، لأن الرب يقول لفاعليها كما وعدهم في الإنجيل:

تعالوا إليّ يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأني جُعتُ فأطعمتموني، عطشتُ فسقيتموني…” (مت34:25،35).
بهذا أعلنوا أنه خلال فضائل متنوعة يمكن الاقتراب إلى الله. وهكذا انقضى النصيب الأكبر من الليل في هذه المناقشة، وأخيرًا تكلم الطوباوي أنطونيوس قائلاً:
[حقًا إن كل هذه الأمور التي ذكرتموها نافعة وضرورية، وتعين المتعطشين إلى الله والراغبين في الاقتراب منه. لكن هناك حوادث لا حصر لها واختبارات للبعض تؤكد لنا بأن هذه في (ذاتها) لا تهبنا العطايا العظمى.
فالبعض مارسوا الصوم والسهر، وانسحبوا بشجاعة إلى الوحدة بقصد ترك كل شيء تركًا كاملاً، حتى أنهم لم يسمحوا لأنفسهم بأن يكون لديهم أكلة يوم واحد، أو يكون في جيبهم فِلْس واحد مكرسين حياتهم لأعمال الرحمة، ومع هذا وجدناهم يسقطون فجأة ولا يستطيعون القيام بما كانوا يصنعون من قبل... بل تتحول غيرتهم وأعمالهم المُطوّبة إلى نهاية مؤسفة.
ويمكننا إذا ما تتبعنا بدقة أسباب انهيارهم وسقوطهم نعرف الأمر الرئيسي الذي يقودنا إلى الله فإذ تتزايد فيهم أعمال الفضائل المذكورة ينقصهم "التمييز"، وهذا منعهم من الاستمرار في الجهاد.
وسبب سقوطهم الواضح هو عدم أخذهم بتعاليم آبائهم[2] الكافية التي بها يحصلون على الحكمة والتمييز، فتطرفوا في جانب من جوانب الفضيلة.]
يعلم التمييز أن يسير الإنسان في الطريق الملوكي، من غير أن يسمح له بالتطرف اليميني في الفضيلة، أي المغالاة وتجاوز حدود الاعتدال في جسارة ووقاحة، كما لا يسمح له بالكسل…


هذا هو التمييز الذي يعبر عنه الكتاب المقدس بـ “العين” أو “نور الجسد”، وذلك كقول المخلص: “سراج الجسد هو العين. فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرًا. وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلمًا..” (مت 22:6، 23). لأنها هي التي تميز كل الأفكار والأعمال، وترى كل شيء وتراقب ما سيحدث.
فإذا كانت عين الإنسان “شريرة” أي غير محصنة بصوت الحكمة والمعرفة، مخدوعة ببعض الأخطاء والعجرفة (في العبادة)، فإنها تجعل جسدنا “كله يكون مظلمًا”. تظلم عقولنا وتصير أعمالنا في ظلام الرذيلة ودجى الاضطرابات، وإذ يقول: “فإن كان النور الذي فيك ظلامًا فالظلام كم يكون؟!” (مت 23:6).
فلا يستطيع أحد أن يشك في أنه متى كان “الحكم في الأمور” في القلب خاطئًا، أي كان القلب مملوء جهلاً، تكون أفكارنا وأعمالنا، التي هي ثمرة التمييز والتأمل، في ظلام الخطية العظمى…

3- أمثلة من الكتاب المقدس
(أ) شاول الرجل الذي كان في نظر الله مستحقًا أن يكون ملكًا على شعبه سقط من ملكه بسبب افتقاره إلى “عين التمييز”، وبذلك صار الجسد كله مظلمًا… فظن أن تقدمته مقبولة أمام الله أكثر من طاعته لأوامر صموئيل، حاسبًا أنه بهذا يستعطف العظمة الإلهية… (أنظر 1صم15).
(ب) انقاد آخاب الملك لعدم التمييز بعد النصر الرائع الذي وُهب له بغيرة الله، إذ ظن أن عمل الرحمة من جانبه أفضل من تنفيذ وصية الله التي بدت أمرًا قاسيًا فلم ينفذها. بينما رغب في التلطيف من الانتصار الجسدي بصنع الرحمة…

4- التمييز كما جاء في الكتاب المقدس
هذا هو التمييز الذي لا يُدعى فقط “نور الجسد”، بل و”الشمس”، إذ يقول الرسول: “لا تغرب الشمس على غيظكم” (أف 26:4). وُيدعى أيضًا “سلطانًا”، إذ لا يسمح لنا الكتاب المقدس أن نصنع شيئًا بدونه “مدينة منهدمة بلا سور، الرجل الذي ليس له سلطان على روحه” (أم 28:25).
وبه تسكن الحكمة ويقطن الفهم والمعرفة، وبدونه لا يُبنى بيتنا الداخلي، ولا نستطيع أن نجمع الغنى الروحي الذي لنا، فقد قيل: “بالحكمة يُبنى البيت، وبالفهم يثبت. بالمعرفة تمتلئ المخادع من كل ثروة كريمة ونفيسة” (أم3:24، 4).
وهو “الغذاء الكامل” الذي يقتات به الكاملون في النمو والصحة، إذ قيل: “وأما الطعام القوي فللبالغين الذين بسبب التمرن قد صارت لهم الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر” (عب 14:5).
وتظهر أهميته وضرورته بالنسبة لنا بمقدار ما لكلمة الله وقوتها من أهمية، إذ قيل: “لأن كلمة الله حيّة وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته” (عب 12:4).
من هذا يظهر بوضوح أنه لا يمكن أن تكون لفضيلة ما كمالها المطلوب، أو تدوم، بدون نعمة التمييز. وكما يقول الطوباوي أنطونيوس كغيره أيضًا من الآباء، بأن التمييز هو الذي يقود الإنسان الشجاع بخطوات ثابتة نحو الله، ويحفظ له دوام سلامة الفضائل المشار إليها بغير سأم، حتى تبلغ أقصى ذروة الكمال.

وبدونه لا يمكن الوصول إلى مرتفعات الكمال مهما كان الجهاد بكل رغبة. فالتمييز هو أهم كل الفضائل، وحارسها، ومنظمها.

5- أمثلة: (1) موت الشيخ هيرون Heron

إنني أُعضد ما قاله الطوباوي أنطونيوس وغيره من الآباء بمثال حديث… تذكروا ما قد حدث عن قريب أمام أعينكم، أقصد ما حدث مع الشيخ هيرون الذي منذ أيام قليلة سقط بخدعة شيطانية من العلو إلى الهاوية. ذلك الرجل الذي نذكر أنه عاش خمسين عامًا في هذه البرية محتفظًا بزهده بكل دقة، راغبًا في حياة التوحد الخفية بغيرة عجيبة تفوق كل الساكنين هنا. بعد كل هذا الجهاد انظروا كيف خدعه الماكر مسقطًا إياه سقطة محزنة مهلكة، جعلت كل الساكنين في هذه البرية يبكونه بمرارة!
أليس هذا بسبب عدم اقتنائه فضيلة التمييز كما ينبغي، مفضلاً أن يسير حسب حكمته الخاصة دون أن يطيع قوانين الاخوة وأقوال الآباء ونظمهم؟! لقد استمر في زهده، عنيفًا في صومه، مثابرًا في وحدته الخفيَّة وخلوته الرهبانية، حتى أنه لم يحضر مع الاخوة ليحتفل معهم عيد القيامة… خائفًا لئلا يأكل بعض البقول يدفع به إلى التكاسل عن هدفه شيئًا ما.
لقد خُدع بهذه الجسارة، إذ أستقبل ملاكًا بخدعة شيطانية بإكرام جزيل على أنه ملاك نوراني، وأطاع أمره في عبودية عمياء، ملقيًا بنفسه في بئر عميقة للغاية. وهو لم يشك في وعد الملاك له، الذي أكد أنه لا يمكن أن يلحق به أي ضرر، وفي منتصف الليل خُدع، فألقى بنفسه في البئر المذكورة ليتحقق عظمة استحقاقه وفضائله…
وفي اليوم الثالث مات، وكانت حالته رديئة، إذ كان ممسكًا بغروره العنيد حتى أن تجربة الموت لم تستطع أن تجذبه إلى معرفة أنه كان مخدوعًا بحيل شيطانية. فبالرغم من جهاده العظيم والسنوات الكثيرة التي قضاها في هذه البرية إلا أن الأب بفنوتيوس اعتبره ضمن المنتحرين الذين لا يستحقون أي ذكرى ولا تُقدم أية تقدمه لراحتهم.

6- (ب) هلاك أخوين

وماذا أقول عن هذين الأخوين اللذين كانا يعيشان في صحراء طيبة Thebaid التي كان يسكن فيها الطوباوي أنطونيوس، ولم يكن لهما روح التمييز الدقيق. فقد قررا ألا يأخذا معهما أي طعام عندما كانا يسيران في منطقة صحراوية بعيدة وواسعة، متكلان أن الله يمدهما بالقوت.

وإذ تاها في الصحراء صارا على وشك الإغماء بسبب الجوع. ولما وجدهما الـ mazices[3] قدموا لهما طعامًا، على خلاف طبيعتهم الوحشية، فأخذ أحدهما الخبز بفرح وشكر كما لو أنه مرسل من الله، إذ رأى أنه من قبل السماء أن يقدم لهما سافكو الدم خبزًا وهما في حالة إغماء وعلى وشك الموت. أما الثاني فرفض الطعام لأنه مقدم من بشر ، فمات جوعًا.
عرف الأول خطأه، وفهم ما كان قبلاً يفهمه فهمًا خاطئًا، أما الثاني فصمم على جهله بعنادٍ، جالبًا الموت لنفسه، وذلك بسبب نقص التمييز.

7- (ج) سقوط آخر

أتحدث عن آخر[4] تقبّل شيطانًا ظهر له في صورة ملاكٍ نوراني، فانخدع بإعلانات لا حصر لها، معتقدًا أنه رسول للبر. وإذ كان يتقبل هذه الإعلانات كانت قلايته تضيء بغير مصباح، وأخيرًا أمره الشيطان أن يقدم ابنه الذي يعيش معه في الدير ذبيحة لله، حتى يستحق ما استحقه إبراهيم. وقد انخدع حتى كاد أن يرتكب الجريمة،
إلا أن ابنه لما رأى والده ومعه السكينة يسنها بطريقة غير عادية ورأى السلاسل التي يعدها لتقييده، شعر بالجريمة المتوقعة وهرب مرتعبًا.

8- (د) سقوط راهب من دير الميصة Mesopotamia

يطول بنا الحديث إن تكلمنا عن ذلك الراهب الذي من دير الميصة (ما بين النهرين)، هذا الذي كان متنسكًا بصورة لا نجد لها مثيل إلا بين القليلين من أهل تلك المنطقة. لقد عمل سنوات طويلة مختبئًا في قلايته، وأخيرًا خُدع بإعلانات وأحلام شيطانية. فبعد عمل كثير وجهاد حسن متخطيًا الكثيرين في هذا الأمر… ارتدّ يائسًا إلى اليهودية وختان الجسد. إذ كان الشيطان الذي عوّده على الرؤى لكي ما يجذبه إلى الضلال والتيه يظهر له في النهاية لمدد طويلة في صورة رسول الحق, أخيرًا أظهر له منظرًا وهو أن جماعة المسيحيين مجتمعين معًا مع قادة ديننا وعقيدتنا مثل الرسل والشهداء في الظلمة والأوساخ والنجاسة والقبح في صراخ وعويل.
وفي الجانب الآخر أظهر له الشعب اليهودي مع موسى والآباء والأنبياء يرقصون طربًا منيرين بنور يُبهر العين، مقنعًا إياه بضرورة الاختتان، إن كان يرغب في أن يكون له نصيب في هذه الجعالة. وهكذا لو أنه سعى للحصول على قوة التمييز ما كان قد سقط في ذلك الخداع البائس. هذه المصائب والحيل التي سقط فيها الكثيرون، كشفت عن خطورة عدم وجود نعمة التمييز.

9- سؤال: كيف نقتني التمييز؟

جرمانيوس: لقد ظهر بوضوح وبطريقة قاطعة بالأمثلة الحديثة وأقوال الأولين كيف أن التمييز ينبوع للفهم وحارس لكل الفضائل. والآن نرغب في معرفة كيفية اقتنائه، وكيف نميز إن كان حقيقيًا من الله، أو كاذبًا من الشيطان؟! أو لو استخدمت التشبيه الوارد في الكتاب المقدس والذي ذكرته في مناقشاتك لنا في المرة الماضية وهو كيف نصير صرّافين حكماء نعرف إن كانت صورة الملك المختومة على العملة حقيقية أو مزيفة… لأنه ماذا ننتفع إن عرفنا قيمة هذه الفضيلة أو العطية ولا نعرف كيف نقتنيها؟!

10- موسى: التمييز الحقيقي لا يأتي إلا بالاتضاع الحقيقي. فالاتضاع هو البرهان الأول لصيانة كل شيء (ليس فقط كل ما تصنعه بل أيضًا كل ما تفكر فيه) ويكون ذلك بالاعتماد على الآباء. فلا تثق في حكمك على كل شيء، بل تذعن لقراراتهم في كل نقطة، وتتعرف على تمييز الصالح من الطالح بواسطة تقاليدهم. وهذه الطريقة تُعين الشاب لا لكي يسير في الجانب الأيمن من طريق التمييز الحقيقي فحسب، بل وتحفظه سالمًا من كل مكائد العدو وحيله. فإنه لا يمكن أن يُخدع من كان يسير لا حسب حكمه الخاص، بل مقتفيًا آثار الآباء.
ويحاول عدوّنا الماكر أن ينتصر علينا حين نكتم أفكار الخطية في داخلنا، وذلك بحسب تعاليم الآباء القويمة. فالفكر الخاطئ يَضعف بمجرد اكتشافه كالأفعوان الدنس الذي ينسحب من كهفه المظلم المخفي ويهرب مفتضحًا… فالأفكار الشيطانية يكون لها تسلط علينا بمقدار ما تختبئ في قلوبنا.
ولكي تدرك تأثير قوة هذا الحكم (بأن الاعتراف يكسر سلطان الفكر الشرير) أُخبرك بما حدث مع الأب سيرابيون Serapion، وما قد اعتاد أن يقوله للاخوة الحديثين لأجل بنيانهم وهو:
11- مثال: بينما كنت رفيقًا للأب ثيوناس Abbot Theonas كانت هذه العادة تلازمني بهجوم من العدو، وهي أنه بعدما كنت التحق بالشيخ في الساعة التاسعة، كنت أُخبئ يوميًا قطعة من الخبز الجاف في الخفاء حتى آكلها في وقت متأخر دون أن يعلم بها أحد. وعلى هذا كنت أُخطئ دائمًا بجريمة السرقة بإرادتي مع عجزي عن المقاومة. ولكنني كنت عندما أُشبع رغبتي غير المشروعة أعود إلى نفسي لائمًا إياها على السرقة التي ارتكبتها بطريقة تبدد اللذة التي أحصل عليها من الأكل.
وإذا كنت مجبرًا يومًا فيومًا، رغم حزني، أن أقوم بهذا العمل المضني كما لو كنت مأمورًا من فرعون أن أصنع الطوب دون القدرة على الهروب من استبداده القاسي، فإنني كنت أخجل من أن أكشف تلك السرقة الخفيّة للشيخ (أب اعترافه).


ولقد شاءت العناية الإلهية أن تسمح لي بالعتق من عبودية هذا الأسر الاختياري عندما بحث بعض الاخوة عن قلاية الشيخ ليسترشدوا به. وبعد العشاء بدأ الحديث الروحي ، فكان يجيب على أسئلتهم التي طرحوها قدامه، محدثًا إياهم عن شيطان النهم (الشراهة) وسلطان الأفكار الخبيثة، مُظهرًا لهم طبيعتها وقوة ضررها كلما كُتمت.
فغلبت من قوة المناظرة حتى تألم ضميري وارتجف وحسبت أن هذه الأمور أعلنها الشيخ لأن الرب قد كشف له أسرار صدري. فبدأت أتنهد في الخفاء ، لكن تأنيب القلب ازداد ،
فانفجرت بالدموع ثم أخرجت من ردائي قطعة الخبز التي حملتها كعادتي الرديئة حتى آكلها في الخفاء، وألقيتها في وسطهم ، ثم سقطت على الأرض متوسلاً العفو، معترفًا كيف كنت آكل كل يوم في الخفاء. وبدموع غزيرة طلبت منهم أن يطلبوا من الله حتى يحررني من هذه العبودية المميتة.


عند ذلك أجاب الشيخ: “ليكن لك إيمان بذلك يا ابني. فإنه بدون أي إرشاد (كلام) مني إليك، إنما بمجرد اعترافك قد تحرّرتَ من هذه العبودية. لقد انتصرتَ اليوم على عدوك. باعترافك أسقطته أكثر من غلبته لك بسكوتك السابق… ولذلك فإن بعد افتضاحه هذا لن يستطيع ذلك الروح الشيطاني أن يدركك، ولا يستطيع ذلك الأفعوان النجس أن يجد له فيك مكانًا مظلمًا، فباعترافك قد انتقلت من الظلمة إلى النور…
وقال أيضًا: “إذ كشفتُ للشيخ… زال عني الاستبداد الشيطاني بقوة هذا الاعتراف، وبقيت هكذا… حتى أنه لم يعد يحاول الشيطان أن يقاومني حتى ولا بتذكر هذه الرغبة، ولم أعد بعد أشعر بضغط سم تلك السرقة التي استعبدتني طويلاً.
ويعبِّر سفر الجامعة عن هذا المعنى تعبيرًا دقيقًا بمثال قائلاً: “إن لدغت الحيّة بلا رقية فلا منفعة للراقي” (جا11:10)، مظهرًا أن لدغة الحية بدون وجود راقٍ خطيرة، أي أن الخطورة في ألا يكشف أي اقتراح أو تفكير نابع عن الشيطان أمام الراقي بالاعتراف.
إنني أقصد بالراقي جماعة الروحانيين الذين يعرفون كيف يُعالجون الجراحات بتعويذة الكتاب المقدس، ويجذبون سم الأفعى المميت من القلب…
بهذه الطريقة يمكننا أن نتوصل بسهولة إلى معرفة التمييز الحقيقي، وذلك باقتفائنا آثار آبائنا، وعدم صنع أي شيء أو تقرير أي أمر من عندياتنا، بل كما تعلمنا به تقليدهم واستقامة حياتهم…
والإنسان الذي يتقوى بهذه النظم، لا يصل فقط إلى إدراك الوسيلة الكاملة للتمييز، بل يبقى دائمًا في أمان من مكائد العدو. فليس هناك وسيلة أخرى يسقط بها الشيطان الإنسان بتهور ويقوده إلى الموت إلا عن طريق الاستخفاف بأقوال الآباء واعتماده على أفكاره الخاصة وأحكامه.
إن كانت كل الفنون والاختراعات المكتشفة ببراعة الإنسان، التي نفعها يخص حياتنا الزمنية فقط، لا نستطيع فهمها ما لم يعلمنا إياهم معلم، فكم غباوة نكون عليها إذا تخيلنا أننا لسنا محتاجين إلى معلم في تلك الأمور التي لا تراها العين بل القلب النقي، والخطأ فيها لا يؤدي إلى خسارة وقتية يمكن إصلاحها بسهولة بل تدفع إلى انهيار الروح والموت الأبدي؟! هذه التي نخوض فيها معارك نهارية وليلية، ليس أمام أعداء منظورين بل غير مرئيين وقاسين، معارك روحية ليس أمام واحد أو اثنين، بل أمام صنوف بلا حصر!

وللفشل في هذه المعارك خطورته الكبرى، لسبب كثرة العدو (إبليس وجنوده) وسرية الحرب. لهذا يلزمنا أن نقتفي آثار آبائنا وننزع حجاب الخجل كاشفين لآبائنا كل ما يخطر لفكرنا.

12- سؤال: أما يحتقر أب الاعتراف من يكشف له خطاياه؟
جرمانيوس: أساس العفة الضارة التي فيها نسعى إلى إخفاء أفكارنا الشريرة، يرجع إلى ما سمعناه عن بعض الآباء الحديثين في سوريا إذ يسود الاعتقاد بأنه إذا كشف أخ أفكاره بوضوح إلى أبيه في اعتراف صريح، يسخط الأب عليه ويوبخه بصرامة. لذلك نحن نحفظ الأفكار في داخل نفوسنا ونخجل من الاعتراف بها ولا نتمكن من الحصول على الأدوية اللازمة لعلاج هذه الأفكار.

13- الأنبا موسى: كما أنه ليس كل الشباب متشابهين من جهة غيرتهم في الروح أو متساوين في تعلمهم التعاليم والآداب القويمة، كذلك أيضًا ليس كل الشيوخ متشابهين في الكمال والفضيلة.
فالغنى (الروحي) الحقيقي لا يقاس بشيبة الرأس بل بالجهاد منذ الصغر وحسب أكاليل أعمالهم السابقة… لأن الشيخوخة المكرمة ليست هي القديمة الأيام ولا هي تقدر بعدد السنين. “ولكن شيب الإنسان هو الفطنة وسن الشيخوخة هي الحياة المنزهة عن العيب” (حك 9:4)… وعلى ذلك فليس لنا أن نقتدي بأي شيخ غطى الشيب رأسه..
بل نتبع آثار أولئك الذين امتازوا منذ صباهم بالحياة اللائقة المستحقة كل ثناء، الذين تدرّبوا حسب تقاليد الآباء وليس حسب ذواتهم.
عبر البعض إلى الشيخوخة بالفتور والكسل، هؤلاء يوبخهم الله بالنبي قائلاً: “أكَلَ الغرباء ثروته وهو لا يعرف وقد رُشَّ على الشيب وهو لا يعرف” (هو 9:7)…

هؤلاء يستخدم الشيطان شيبتهم لخداع الشبان، عن طريق مظهر وقارهم الخاطئ، خادعًا من كان يلزم أن يجتهدوا في طريق الكمال بواسطة نصائحهم… مسقطًا إياهم (الشبان) في عدم الاكتراث أو اليأس المميت وذلك عن طريق تعاليم أمثال هؤلاء الشيوخ وأعمالهم.

مثال: إذ أود أن أضرب لكم مثالاً عن هذا أذكر لكم واقعة تمدّنا ببعض التعاليم من غير ذكر اسم الفاعل حتى لا أسقط في خطية التشهير بخطايا الآخرين.
هذا الشخص الذي لم يكن متكاسلاً في صباه ذهب إلى أحد الشيوخ المعروفين لنا جيدًا واعترف له بصراحة باضطرابه بشهوات جسدية وبروح الزنا. لقد ظن أنه سيجد في كلمات هذا الشيخ تعزيات تُعينه وشفاء جرحه، لكن الشيخ هاجمه بتعييرات مُرة ودعاه بائسًا وأنه لا يستحق أن يُدعى راهبًا، مع أن الشيخ نفسه يمكن أن يسقط في هذه الخطية والشهوة. وهكذا أضرّه بدلاً من مساعدته ، إذ طرده من قلايته وهو في حالة يأس وقنوط مميت.
وإذ كان متضايقًا كئيبًا، غارقًا في فكر عميق: كيف يعالج آلامه بل كيف يرضي شهوته، إذ بالأب أبولس – وهو من أكثر الآباء حنكة – يراه مضطربًا فأدرك ما يدور في قلبه واستفسر منه عن سبب ذلك. وإذ لم يستطع أن يجيبه أدرك الشيخ الوديع في هدوء أنه ليس بغير سبب يخفي حزنه فلم يقدر أن يصمت بل بدأ يستفسر منه بأكثر حذاقة عن سبب الحزن الخفي.

وإذ غلب على أمره اعترف بأنه في طريقه إلى العالم ليأخذ له زوجة تاركًا الدير، إذ كما قيل له أنه لا يستطيع أن يكون راهبًا ما دام يعجز عن التحكم في شهوات جسده وشفاء آلامه.
هدأه الأب بتعزيات رقيقة، مخبرًا إيّاه أنه هو أيضًا يجاهد يوميًا بسبب بعض أشواق الشهوة، وعليه ألا ييأس ولا يتعجب من قسوة الهجوم لأن هذا لخيره، معتمدًا بالأكثر على رحمة الله ونعمته كما على جهاده الغيور. ثم التمس منه أن يترك الاهتمام والقلق لمدة يوم ورجاه أن يرجع إلى قلايته.
ذهب الأب أبولس إلى الدير الذي به الشيخ المذكور، ثم بسط يديه مصليًا بدموع قائلاً:

“يا الله، أنت وحدك الديان البار والطبيب غير المنظور تعالج ضعف البشر. فلتحوّل الهجوم من هذا الشاب إلى الشيخ ليتعلم أن يترفق بضعاف المجاهدين، وفي شيخوخته يشفق من أجل ضعف إرادة الشباب”.
ولما انتهي من صلاته بدموع إذ به يرى عبدًا أسودًا واقفًا أمام قلاية الشيخ يصوّب رمحًا ناريًا أصابه للحال، فخرج الشيخ من قلايته وأخذ يجري من هنا وهناك كإنسان معتوه أو سكران يدخل ويخرج من القلاية بغير توقف، وأخيرًا بدأ يسير في الطريق الذي سار فيه الشاب.


وإذ رآه أبلس كرجل مجنون… أدرك أن السهم الناري الشيطاني قد انغرس في قلبه، وأنه بفعله هذا (عنفه في الحكم، ذاق من ذات الكأس) فانحرف عن الحق وتبلبل فهمه، فذهب إليه يسأله: إلى أين تسرع؟ وما الذي جعلك تنسى هيبة شيخوختك حتى تضطرب بهذه الصورة الطفولية وتتحرك بسرعة؟


وبسبب شعوره بالذنب وارتباكه… حسب أن شهوة قلبه قد انكشفت، وأن الأب أبولس قد عرف خبايا قلبه، لهذا لم يتردد في الإجابة على أسئلته.


أجابه الأب أبولس: “عُد إلى قلايتك واعرف أن الشيطان يتجاهلك ويزدري بك، ولا تنظر هكذا إلى أولئك الذين يستفزهم العدو يوميًا ويناضلهم بسبب جهادهم ومهارتهم. ها أنت لم تحتمل سهمًا واحدًا وجهه إليك بعدما قضيت أعوامًا طويلة في هذا العمل…
وقد سمح الله لك بالجرح حتى تعلم أنه يلزمك في شيخوختك أن تترفق بالضعفاء… ولكي تعرف وتختبر أن تشفق لضعف إرادة الحديثين. لأنه عندما لجأ إليك حدثًا مضطربًا بحرب شيطانية لم تشجعه بأية تعزية، بل دفعت به إلى اليأس المحزن المهلك، وألقيت به في أيدي العدو، وكنت كمن لا تبالي بالهلاك المحزن الذي يلحقه.
مع أن (الشيطان) لم يهاجمك بنفس القوة التي هاجمه بها، لأنه يزدري أن يحاربك… وقد ناضل ضده لعلّه يجرده من محاسن الفضيلة التي وجدها في طبيعته، وأراد أن يخربها بسهامه النارية، إذ يعلم بلا شك أن هذا (الشاب) أقوى منك ، لذلك جدّ في محاربته بلا هوادة، حاسبًا أن غلبته على هذا الشاب شرفًا عظيمًا.

يلزمك إذن أن تتعلم العطف على الذين هم في ضيقة، ولا تُرعب المعرضين لخطر اليأس المهلك، ولا تثقل عليهم بالكلام القاسي، إنما أصلحهم بكلمات التعزية الهادئة العميقة. فإن سليمان الحكيم يقول:

أنقذ المنقادين إلى الموت والممدودين للقتل. لا تمتنع” (أم 11:24). ولتكن على مثال مخلصنا: “قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ…” (مت 20:12).

والآن فإن ما قد حدث هو للخير، إذ تحرر الشاب من شهواته المهلكة وأعلمك الله شيئًا عن قوة تلك الحرب وعن ضرورة الترفق، لهذا فلنتوسل معًا إلى الله لكي ينزع عنك ذلك التأديب الذي سمح لك به لأجل نفعك، “لأنه هو يجرح ويعصب. يسحق ويداه تشفيان” (أي 18:5). “الرب يُميت ويُحيي. يهبط إلى الهاوية ويصعد” (1صم 6:2). وهو يبيد بندى روحه السهام النارية التي للشيطان التي سمح بها ليجرحك كطلبي.
وإذ سمح الله برفع هذه التجربة من أول صلاة للشيخ بنفس السرعة التي بها سمح بمجيئها، فقد أوضح الله ببرهان جلي أنه حين يكشف إنسان أخطاءه ويعرّيها يلزم (لأب اعترافه) ليس فقط ألا يزجره، بل ولا يستهين بحزنه (من أجلها).
لذلك يلزمك ألا تترك الطريق الذي تكلمنا عنه سابقًا أو ترتد عن تقاليد الآباء لمجرد غلاظة شيخ ما أو بعض الشيوخ وسطحيتهم، لأن العدو المحتال يستخدم شيبتهم استخدامًا شريرًا.
فيجب عليك بدون أي خجل أن تكشف كل شيء للآباء، وتتسلم منهم علاج الجراحات بإيمان وتقتدي بحياتهم وأقوالهم. فإذا ما حاولنا ألا نفعل شيئًا حسب حكمنا الخاص (بل نستشيرهم) فإننا سننال بحق عونًا مثلهم ونبلغ إلى ما وصلوا إليه.

14- مثال (أ) صموئيل
أخيرًا فإن هذا الأمر واضح بأنه مقبول عند الله، حتى أنه ليس باطلاُ وُجد له مكان في الكتاب المقدس. فالله لم يكلم صموئيل الصبي بالحديث المباشر ولا بالحوار الإلهي، بل سمح له بالذهاب مرة أخرى إلى الشيخ (عالي الكاهن). لقد شاء أن يتدرب ذاك الذي استحق سماع صوت الله على يديْ (عالي) رغم أنه أغضب الله في شيخوخته… حتى يختبر ذاك الذي دُعي لوظيفة إلهية حياة الإتضاع، ويكون قدوة للشباب في ذلك.

15- (ب) بولس الرسول
عندما نادى السيد المسيح بولس ودعاه فتح له طريق الكمال، لكنه استحسن أن يوجهه إلى حنانيا، طالبًا منه أن يتعلم الحق عن طريقه، قائلاً: “…قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل” (أع6:9).
لقد أرسله إلى رجل شيخ، معتبرًا أن ذلك أفضل من أن يتسلم تعاليمه منه مباشرة. لئلا يصير بولس مثلاً سيئًا في الاعتماد على ذاته في التعليم، إذ يقنع كل أحد نفسه أنه هو أيضًا يتعلم أحكام الله وتعاليمه بنفسه دون حاجة إلى طريق تعاليم الآباء.


بل ويعلمنا الرسول نفسه عن عدم الاكتفاء الذاتي في التعليم قدر المستطاع، وذلك ليس بالكلام بل بالعمل، فيقول أنه ذهب بمفرده إلى أورشليم لهذا الهدف، أي ذهب إلى مجمع غير رسمي يعرض فيه على زملائه الرسل والسابقين عنه الإنجيل الذي يبشر به بين الأمم،

ونعمة الروح القدس المصاحبة له بعلامات قوية وعجائب، إذ يقول “…وعرضت عليهم الإنجيل الذي اكرز به بين الأمم ولكن بالانفراد على المعتبرين لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلاً” (غلا 2:2).
فمن هو هذا المكتفي بذاته، الأعمى الذي يتجاسر فيثق في أحكامه الخاصة وتمييزه الشخصي، بينما الإناء المختار يعترف باحتياجه للاجتماع والتشاور مع زملائه الرسل؟!
إذن رأينا أن الله لم يكشف لأحد طريق الكمال، طالما كانت له فرص للتعلم من الآباء واختباراتهم، غير مكترثين بمشورة الآباء لذلك يقول: “اسأل أباك فيخبرك وشيوخك فيقولوا لك” (تث7:32).

16- أهمية التمييز في اقتناء الفضائل
يلزمنا أن نطلب فضيلة “التمييز” بكل طاقاتنا عن طريق الإتضاع، هذا الذي يحفظنا بدون أي ضرر في أي جانب من الجانبين… فالمغالاة في الصوم والنهم كلاهما يؤديان إلى نهاية واحدة. والمغالاة في السهر في الفضائل يوازي التراخي في نوم عميق من جهة ضررهما للراهب. وحينما يضعف الراهب بسبب التقشف الزائد يعود إلى الحالة التي يكون فيها الراهب مهملا ومقصرًا.


لذلك نرى أن أولئك الذين لم ينخدعوا بالنهم كثيرًا ما يهلكوا بالصوم الزائد. وتؤدى الفضائل غير المعتدلة والسهر ليلاً الزائد إلى نفس الهلاك الذي يسببه النوم. وفي ذلك يقول الرسول “…بسلاح البر لليمين ولليسار” 2كو7:6.
فلنتقدم باعتدال سليم، ونسير في الطريق الوُسطى بروح التمييز.

17- التمييز والاعتدال
فإنني أتذكر إنني كنت أقاوم شهوة الطعام حتى كنت امتنع عن أخذ أي شيء لمدة يومين أو ثلاثة أيام، ولم يكن ذهني يضطرب حتى بتذكر أي طعام ما. وأما عن النوم فإنه بخداع شيطاني نزع النوم من عيني لمدة عدة أيام وليالي، حتى أنني توسلت إلى الله أن يمنحني قليلاً من النوم. لقد شعرت أنني في خطر عظيم بسبب نقص الطعام والنوم أكثر مما في الجهاد ضد الاسترخاء والنهم.


فيلزمنا أن نحذر لئلا نسقط في التدليل عن طريق التنعم الجسدي والتساهل مع أنفسنا بالأكل قبل الميعاد المناسب، أو الأكل بشراهة، وفي نفس الوقت يلزمنا أن نقتات بالطعام والنوم كما يتناسب معنا حتى ولو لم نحب ذلك… لأن الزهد المغالى فيه أكثر ضررًا من الشبع بغير حرص، لأن الأخير يتدخل فيه تأنيب الضمير فيفيدنا ويدفعنا إلى المستوى الحقيقي بدقة، أما المغالاة فلا يحدث فيه تأنيب ضمير…

18- سؤال
جرمانيوس: إذن ما هو القياس الذي نحتفظ به في الزهد حتى ننجح في حياتنا سالمين معتدلين بين الحدين؟

19- موسى:

بالنسبة لهذا الأمر نحن نعلم أن هناك أحاديث كثيرة لآبائنا بشأنه. من جهة التقشف فبالنسبة لبعض (الرهبان) الذين يعتمدون في حياتهم على البقول أو الخضر والفاكهة فقط، فإن القياس المعتدل هو خبزتين يزنان بالكاد رطلاً.

20- اعتراض
لقد تقبلنا حديثه بسرور، وأجَبْناه أنه يصعب علينا أن نعتبر هذا القياس تقشفًا كما أنه ليس من الصعب الوصول إليه بالمرة.

21- موسى:

إن كنت ترغب في تذوق قوة هذه الحكمة فلتحتفظ بهذا القياس باستمرار ولا تكسره…

22- بل هذا هو الحد الطبيعي للتقشف، وهو أن يسمح كل شخص لنفسه بالطعام قدر احتياجات قوته أو حجم جسده وعمره، فنسمح بالكمية التي يحتاجها الجسد دون أن يشعر بامتلاء…
فإنه إذا لم يتحدد للإنسان قانون، فإنه تارة يضيق على معدته بقلة الطعام وكثرة الأصوام، وأخرى يملأها بالأكل الزائد.
فالعقل الذي يتعب بسبب قلة الطعام يخسر نشاطه في الصلاة فينهك العقل بسبب الضعف الزائد للجسد ويرغم على التراخي، ثم يعود ليتضايق بكثرة الطعام، وبالتالي لا يقدر أن ينسكب في الصلوات بانطلاق ونقاوة أمام الله، ولا ينجح في حفظ نقاوة عفته على الدوام. فإنه وإن أبدى أنه يطهّر الجسد بتقشفه العنيف إلا أنه يغذي شهوات الجسد بوقود الطعام الذي يأخذه.

24- وهذا الأمر يصعب جدًا تنظيمه، حتى أن أولئك الذين لم يدركوا بعد “التمييز الكامل” يفضلون امتداد صومهم إلى يومين محتفظين بطعام اليوم الأول إلى الغد، حتى إذا ما فطروا يقدرون أن يتمتعوا بطعام كثير حسب طلب شهوتهم.


وأنتم تعلمون ما حدث مع صديقكم بنيامين، الذي تمسك بعناد بخصوص هذا الأمر. فإنه لم يكن يأخذ الخبزتين ولا كميات الأكل القليلة الخاصة به، بل كان يفضل أن يمد صومه إلى يومين حتى إذا ما فطر يملأ معدته الشرهة بضعف الكمية المخصصة. فكان يتلذذ بالأربع خبزات بشهوة. ولعلكم تتذكرون بلا شك أي نهاية كانت لذلك الرجل الذي اعتمد على اختباراته الذاتية بعناد أكثر من اتكاله على تقاليد الآباء. فقد ترك الدير وعاد إلى الفلسفة الباطلة والغرور الأرضي.
ها هو بسقوطه يؤكد ضرورة التمسك بتعاليم الآباء السابق ذكرها، وبهلاكه يعطينا درسًا من جهة أنه لا يستطيع أحد أن يتسلق مرتفعات الكمال، ولا أن يبيد خداع الشيطان الخطيرة ما دام يتكل على تعاليمه وخبرته الخاصة.

25- سؤال: أما نكسر قانون الطعام بسبب مجيء زائر؟
جرمانيوس: وكيف يمكننا أن نحفظ هذا القياس دون أن نخالفه؟ فقد يحدث أحيانًا بعد الساعة التاسعة[5] حيث تنتهي فترة الصوم حضور بعض الاخوة لرؤيتنا، وعندئذ يلزمنا أن نأكل معهم فنزيد كمية طعامنا المحددة التي اعتدنا عليها وإلا لا نقدم هذا الإكرام الواجب.

26- موسى: يلزمنا أن نراعى كل الواجبات بنفس العناية، فعلينا بتأنيب داخلي نحفظ الكمية المناسبة المسموح لنا بها… وبنفس الطريقة يلزمنا أن نقدم الإكرام ونهتم بالأخ الذي يصل إلينا من أجل المحبة.


فإذا قدمت طعامًا لأخٍ لك أو حتى للسيد المسيح، بالضرورة يكون موجبًا للسخرية إن لم تشترك معه فيه، ممتنعًا عن الأكل. ويمكننا أن نحفظ أنفسنا دون أن نخطئ في الأمرين، فنأخذ قطعة واحدة من الخبز المسموح لنا بهما في الساعة التاسعة، ونحتفظ بالأخرى إلى المساء، محتاطين لئلا يأتي أحد. فإذا افتقدنا أحد الأخوة يمكننا أن نشترك معه بأن نأكلها وبهذا لا نكون قد زدنا عما اعتدنا عليه. ويكون حضور الأخ مبهجًا لنا وليس مصدر قلق، مظهرين له الإكرام واللطف من غير أن نتهاون في نسكنا. وإذا لم يحضر أحد يمكننا أن نأكل “الخبزة” الثانية في المساء حسب ما يسمح به لنا قانوننا.
وبحسن التدبير هذا إذ تأكل “خبزة” واحدة في الساعة التاسعة لا تتضخم المعدة بالمساء. وهذا غالبًا ما يتبعه المدققين في التقشف، مفضلين ذلك عن تأجيل كل غذائهم إلى المساء. لأنه بالحقيقة من يأكل طعامه (كله) بالليل متأخرًا، يمنع فكره من الاستنارة ويضايقه في الصلوات المسائية.
وأيضًا فإن الساعة التاسعة مناسبة للأكل ومريحة، حيث يتقوّت فيها الراهب، فيساعده في أن تكون معدته غير مثقلة خلال السهر الليلي، بل يصير مستعدًا بالتمام للصلوات المسائية إذ يكون الأكل قد هُضم[6]…

ملخص المبادئ

 “التمييز” هو عين القلب التي تفرز الأفكار والأعمال مميزة إيّاها. هو عطية إلهية يلزمنا أن نثابر في طلبها بلجاجة من الله “الحكمة” ذاته.
 التمييز يحفظ الإنسان من الضربات اليمينية كالمغالاة في السهر أو الصوم أو الزهد مما يسقط الإنسان في الكبرياء، كما يحفظه من الانحراف اليساري فلا يقبل التراخي والكسل وأفكار الشر.
 أولاد الله المتضعون في تمييزهم:

1- لا يعتمدون على فكرهم الذاتي بل يتمسكون بفكر الآباء الأولين وروحهم مقتدين بهم في الرب.
2- لا يخفون شيئًا من أفكارهم وأعمالهم عن أب اعترافهم، لأن الفكر الشرير ينكسر سلطانه متى خرج إلى النور، وأيضًا يظهر خداعه ويفضحه.
3- الشيبة ليست هي كل مؤهلات الراعي (أب الاعتراف)، إنما يلزم أن يكون مُحنكًا في الشركة مع الرب سالكًا بلا عيب.
________________________________________
[1] الحديث في المناظرات عن الرهبان وقد استبدلت كلمة “راهب” بـ “إنسان”.
[2] الآباء الشيوخ Elders.
[3] قبائل متوحشة وسافكة للدم.
[4] لم يذكر اسمه لأنه كان لا يزال حيًا.
[5] أي الساعة 3 بعد الظهر.
[6] وصف كاسيان بعد ذلك كيف أن الآب موسى قد طبق هذا عمليًا إذ قدم المائدة مرتين في اليوم (الساعة التاسعة والمساء)…

Mary Naeem 18 - 09 - 2014 02:41 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
العادلة الانتقامية والعدالة الالهية
(حول انجيل الابن الشاطر )


ايها الاحباء: هذا الاحد الثاني من فترة التريودي المهيئة للصوم الكبير ، احد التوبة.
هو على بعد تسعة اسابيع من الفصح . ايضا في هذا اليوم تقرأ الكنسية المثل الابن الشاطر او الأب الرحيم ، فقد اعطت الكنيسة اسماء كثيرة لهذا النص الانجيلي الذي سمعناه الآن .
يُعتبر هذا النص من روائع الادب العالمي من حيث قيمته الادبية والروحية ، التي لا يشبهها اي شي آخر او نص آخر على وجه الارض.
اذ يصور لنا انجيل اليوم، رحمة الله نحو الانسان الخاطئ ، وايضا يذكرنا بمراحل التوبة التي يجب ان يمر بها كل مؤمن لينال نعمة الغفران عن الخطايا .
لذلك فكل سنة يعود الينا هذا المثل ليعطينا رجاءً واملاً وبريقا من النور يمسح عنا كل بأس وكل ظلمة ، ويُنهض بنا من عتمات وظلمات نفوسنا .
ايضا لكي نفهم اكثر واكثر العلاقة بين الله والانسان ونميز بين العدالة الانسانية والعدالة الالهية التي هي الرحمة والغفران والمحبة ، والتي تأتي عن طريق التوبة .
اذ بدون التوبة والاعتراف لايستطيع احد ان يخلص ، وان كانت لديه فضائل كثيرة ، لانه لايمكن ان يوجد انسان ما خطئ ابدا . كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم .
الاعتراف المتواضع بخطايانا هو مرضي جدا لدى الرب ، لو كان آدم بعد سقوطه قد اعترف بخطأه تائبا لوجد سماحا وغفرانا من الله .
لذلك معظمنا يُهمل وينسى ممارسة سر التوبة والاعتراف ، وبمقدار تراجعنا عن ممارستنا لسر التوبة والاعتراف بمقدار ما نبتعد عن الله وعن محبة الانسان الاخر.
فما اجمل يا احبتي العودة الى الله فمهما كنا خطأة ملطخين بالاثام يجب ان نعود الى الله ، خير لنا من بقاء في مستنقع الخطيئة ، لنقول مع داود النبي : " ان يوما في ديارك يارب خيرٌ لي من الف ( يوما ) .
في مثل الابن الشاطر : موقفان اساسيان للأب ، موقفان يكشفان صورة الله الرحومة العادلة وهما ، موقف الابن الاصغر وموقف الابن الاكبر .
وهناك ماهو مركزي بينهما هو رحمة الله الممثلة (بموقف الأب) الواسعة للخلاص عبر الغفران والشفاء الداخلي .
من قراءتنا لهذا النص نراجع حياتنا ايَ نحن في هذا المثل ؟ من الذي يمثلنا ؟ هل الاخ الاكبر ام الاصغر ؟ .
هذا المثل يعطينا صورة عن محبة الله الفائقة للانسان والتي جعلت الله يتجسد بيسوع المسيح ويأتي على الارض ، ليبحث عن الخاطئ ويخلصه بشرط ان يقبل الخاطئ خلاص الله بان يتوب ويرجع الى الله .
ان الله يفرح فرحا عظيما عند رجوع الانسان اليه فيخصله ويتعامل معه بحرارة حب الله.
لماذا يفرح الله بخلاص الانسان الخاطئ؟ ذلك بالرغم من خطيئة شوهت الانسان وجعلت عداوة بين الله والانسان ، ولكن الانسان ظل محبوبا من الله ولا يريد له الهلاك .
الابن الاصغر اخطأ مرتين ،
الاولى: عندما اراد ان يبتعد عن ابيه ، فكان لا يعرف مقدار محبة الأب له ولا يدرك قيمة وجوده في بيت ابيه، وقيمة قربه منه . فاراد ان يبتعد وينعزل عن ابيه بان طلب الميراث .
الخطأ الثاني : اذاً هو طلب الميراث وهذا معناه الخروج عن سلطة الأب ، وعدم احترامه كرأس للعائلة ، حيث كان هذا جرح للأب ، لان الميراث يُقسم عادة بعد وفاة الأب او بموافقته في حياته ، وبهذا يعلن الابن الاصغر موت الأب وهو لا يزال على قيد الحياة .
بعبارة اخرى كأن يقول له : انت ميت بالنسبة لي فاعطيني نصيبي من الميراث.
فانقطعت العلاقة بين الابن الاصغر وابيه ، حيث ابتعد بعيدا عنه فضيَع الابن الميراث فاحسَ بالحاجة ، فذهب الى شخص في تلك البلاد وارسله لكي يرعى الخنازير .
وكان احقر عمل يقوم به الانسان هو رعاية الخنازير ، مَن يصدق فالابن قد سقط في الحضيض .
نتيجة خطيئة الابن الاصغر هي الانحدار من الشبع الى العوز ، ومن دسم في بيت ابيه الى خرنوب الخنازير .
خطيئة الابن الاصغر جعلته يحس بالمذلة والمرارة وبالحرمان فتذكر العبيد عند ابيه كم هم يتمتعون بالعيش الكريم اكثر منه .
احسَ بحب ابيه ومتذكرا حالة بيت ابيه ، فتحول راجعا الى ابيه ( فرجع الى نفسه ) وهذه هي التوبة . كان يتوقع من ابيه التوبيخ أو الغضب حين يلقاه بهذه الحالة. فقرر ان يقول له : اخطأت الى السماء واليك .
لكن تفاجأ بابيه وردة فعله ، يقول لنا الانجيل ، اذ كان اي ( الابن ) بعيدا رآه ابوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله وقال ابني كان ضالا فوجد .
ان الأب شعر بالخسارة حينما تركه ابنه وغادر ، وعند اللقاء من الجديد ، لم يعط الأب بان يكمل الابن قوله بان يكون خادما يعيش مثل العبيد عند ابيه ، فقاطعه وقال للخدام ان يخرجوا له احلى الثياب.
ان مجرد اعتراف الابن الاصغر بخطأه نحو ابيه واخيه نال غفران ، لذلك وقع الاب على عنقه وقبله ، فقبلة الأب لا تدل فقط على محبته القلبية لابنه ، بل مبادرة للمصالحة .
فعندما يرى الله اصرار الخاطئ على ترك الماضي والذهاب اليه يتدخل فيغيره ويجدده ، وهذه هي الولادة الجديدة التي تسمى التوبة الحقيقية .
اذاً القرار الذي اتخذه الابن الاصغر بالعودة الى ابيه وضعه في موضع التنفيذ ( فقام ومضى) كما يقول الانجيل . ان فعل قام هو نفس الفعل الذي يرتبط بقيامة المسيح من بين الاموات .
اذا لقد تمم هذا الابن في حياته قيامة يسوع المسيح بطريقة شخصية وروحية ، تغلب على الشر وعلى خطيئة واختار الخلاص والعودة الى بيت ابيه .
ما هي نتائج العودة او الولادة الجديدة اي التوبة؟
غير قبلات حب بحضن الله الابدي .لبس افضل ثياب ، الثوب الاول . معنى الثوب هو رمز للكرامة الملوكية وايضا كلمة الثوب الاول تشير الى رغبة الأب باعادة الابن الى المقام الاول الذي كان يملكه اي اعادته الى مكانه الاول . صار ابنا من جديد ولم يعد متمردا او غريبا .
ثانيا: الباسه خاتم . والخاتم هو رمز للسلطة ، فهو اشارة لانتماء الابن الى العائلة والمشاركة في السلطة الابوية . فالخاتم هو الختم ، به كان يصار الى ختم كل الرسائل والمعاملات في العالم القديم . بهذا اشرك الأب ابنه بادارة بيته .
ثالثا : ارتداء الحذاء: الحذاء يرتديه المواطن الحر ، اما العبد فيسير حافي القدمين. وايضا يشير الى عودة الحرية الى الابن بعودته الى ابيه .
رابعا: امر الأب بذبح العجل المسمن . ما كان يذبح العجل الا في مناسبات بغاية الاهمية مثلا : عند ضرورة تقديم ذبيحة للرب ، او لتكريم ضيف بغاية الاهمية . ( ضيافة ابراهيم )
اذا ذُبح العجل للفرح وللاحتفال ، وهذه صورة للفرح الرب بقيامة الابن الميت وعودته الى الحياة ومشاركته من جديد فرح البيت الوالدي .
ايها الاحباء: لماذا لم يفرح الاخ الاكبر لاخيه الاصغربعودته؟
في النصي الانجيلي كُشف لنا عن الحاجة الضرورية للابن الاكبر للشفاء والتطهير الداخلي من كل مشاكله النفسية التي تجلت وظهرت في غضبه ورفضه ان يدخل الى البيت ويشارك الجميع بفرحة عودة اخيه الضال .
لام وعاتب ابيه فقال له : " خدمتك كل هذه السنين وماعصيت لك امرا فما اعطيتني جديا لافرح به مع اصحابي" .
هذا الابن الاكبر حول علاقته مع ابيه ، علاقة عبد بخالقه وبالاحرى علاقة مرؤوس برب عمله ، الذي طالما اطاعه وخدمه ، وفي المقابل يطالب باستحقاقاته.
ومن المظاهر المرضية عند الابن الاكبر هي الغيرة من اخيه وعدم المغفرة له وايضا ادانته لاخيه .
الأب احترم حرية ابنه الاكبر فلم يجيره على الدخول ، بل بادر هو كعادته فخرج الى ابنه الصاخب ممتصا لغضبه ، راجيا اياه الدخول معه الى بيتهم .
كان الأب متفهما لموقف ابنه الاكبر مسامحا اياه بسبب جهله ، ومظهر له الكثير من الحب والاحتضان : " يا بني انت معي في كل حين ، وكل ما هو لي فهو لك "
الأب الحكيم هذا، يوجه دعوة ثانية للابن الاكبر لمشاركته فرحه بعودة اخيه الى البيت الوالدي ، هنا ينقل الأب الابن من المفهوم العدالة الانتقامية الى المنطق الالهي للعدالة التي تعانق السلام والمحبة والغفران .
هنا يصبح الابن الاكبر مدعوا لا لقبول عودة اخيه فقط بل للفرح لقيامة اخيه من بين الاموات ، فيصبح الابن الاكبر مشاركا لابيه في خلاص اخيه الاصغر .
ايها الاحباء :
بالحقيقة لم تكن المشكلة الابنين الطمع بميراث ابيهم ، بل بالتمركز والتموضع على الذات اي الانانية والكبرياء.
الابن الاصغر كان يبحث عن حريته وتحقيق ذاته ، هو ليس خطأ لكن الخطأ انه ارادها بالاستغناء عن ابيه ، ولهذا فشل وسقط .
اما الابن الاكبر كان يبحث عن حب ابيه وعن مكانته عند ابيه ، وهذا ليس الخطأ لكن الخطأ انه ارادها بالاستغناء عن اخيه ، ولهذا لم ينظر الأب الى خطايا ولديه ليغفر لهما ، بل انه بدافع حبه النقي نظر الى حاجتهما وسدد هذا الاحتياج .
نظر لحاجة ابنه الاصغر للحب والاحتضان والقيمة عندما رجع اليه تائبا فاحتضنه, ونظر لحاجة الابن الاكبر في الشفاء الداخلي فرافقه .
اخيرا : ألا اعطانا الله ان نكون توَابين وتائبين وان نكون محبين وحاضنين اخينا الانسان الاخر ، وان نُشفى من خطايانا وامراضنا المتمثلة بكبريائنا و انانياتنا .
متذكرين اننا مهما ابتعدنا واخطانا انه هناك على باب القلب أبا رحوما شفوقا عادلا يقرع وينادي :
" تعالوا ايها المتعبين والمثقلين لكي انا اريحكم " .
لذلك لا تنسوا يا احبتي بعد صلاة الغروب يوم احد الغفران ان تقولوا من كل القلب لكل اخ سامحيني يا اخي لاجل المسيح ، وفي هذا تواضع يفترض ان نكون قد تعلمناه من العشار الاسبوع الماضي. امين

Mary Naeem 18 - 09 - 2014 02:44 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الـصـلاة
بقلم القمص ميخائيل جرجس صليب
لو أردنا أن نعّرف الصلاة تعريف بسيط نقول أنها صلة بين الإنسان والله .. وعندما طلب التلاميذ من الرب يسوع أن يعلمهم الصلاة قال لهم
"إذا صليتم فقولوا أبانا الذى فى السموات ليتقدس أسمك.
ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك كما فى السماء
كذلك على الأرض. خبزنا كفافنا أعطنا اليوم.
وإغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا.
ولا تدخلنا فى تجربة لكن نجـنا من الشـرير
لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد آمين"(1).ـ

وتنقسم هذه الصلاة إلى جزئين رئيسين
الأول : خاص بالله
والثانى خاص بالناس وهـذه تشـبه الوصايا العشر .. فاللوح الأول خاص بالله، واللوح الثانى خاص بالناس.ـ

واشترط فى الصلاة أن لا تكون برياء
"ومتى صليت فلا تكن كالمرائين فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين فى المجامع
وفى زوايا الشوارع لكى يظهـروا للناس الحق أقـول لكم إنهم قد اسـتوفوا أجـرهم.
وأما أنت فمتى صليت فادخل إلى مخدعك واغلق بابك
وصل إلى أبيك الذى فى الخفاء فأبوك الذى يرى فى الخفاء يجازيك علانية"(2).ـ

وأن لا نكرر الكلام الباطل فيها
"وحينما تصلون لا تكرروا الكلام باطلاً كالأمم فإنهم
يظنون أنه بكثرة كلامهم يستجاب لهم فلا تتشبهوا بهم"(3).ـ
وأن نكون تائبين حيث يقول الرب
"حين تبسطون أيديكم أستر عينى عنكم
وإن كثرتم الصلاة لا أسمع أيديكم ملأنة دماً
اغتسلوا تنقوا اعزلوا شر أفعالكم من أمام عينى
كفوا عن فعل الشر"(4).ـ

وأن نغفر للمسيئين إلينا
"ومتى وقفتم تصلون فاغفروا إن كان لكم على أحد شئ لكى يغفر لكم أيضاً
أبوكم الذى فى السموات زلاتكم وإن لم تغفروا أنتم لا
(1)- (مت6: 9). (2)- (مت6: 5).
(3)- (مت6: 7). (4)- (أش1: 15).
يغفر أبوكم الذى فى السموات أيضاً زلاتكم"(1).

وقال سليمان الحكيم
"من يحول أذنه عن سماع الشريعة فصلاته أيضاً مكرهة"(2).ـ

ويقول الله على لسان أرميا
"لأنه بعدد مدنك صارت آلهتك يا يهوذا وبعدد شوارع أورشليم وضعتم مذابح للخزى. مذابح للتبخير للبعل وأنت فلا تصل لأجل هذا الشعب ولا ترفع لأجلهم دعاء ولا صلاة لأنى لا أسمع فى وقت صراخهم إلىّ من قِبل بليتهم"(3).ـ
وإذا أردت أن تصلى صلاة مقبولة فحاول أن تطبق التدريبات الآتية :
ـ1- يقول سـفر الأمثال
"صلاة المستقيمين مرضاته"(4).. "ويسمع صلاة الصديقين"(5). ـ
وداود رجل الصلاة كان يقول "أما أنا فصلاة"(6).ـ
ـ والسيد المسيح قال لتلاميذه "ينبغى أن يصلى كل حين ولا يمل"(7)
وضرب لهم مثلاً عن قاضى الظلم الذى أنصفها لأجل لجاجتها فى الطلب
لذلك قال السيد المسيح
فلا ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهاراً وليلاً
وهو متمهل عليهم أقول لكم إنه بنصفهم سريعاً"(8).ـ

وعندما كان بطرس فى السجن يقول سفر الأعمال
"وأما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله من أجله"(9).ـ
ويذكر لنا سفر الأعمال عن قوة الصلاة فيقول
"ولما صلوا تزعزع المكان الذى كانوا مجتمعين فيه"(10).ـ

ويقول القديس يعقوب الرسول أن قوة الصلاة تشفى
"وصلاة الإيمان تشفى المريض والرب يقيمه وإن كان قد فعل خطية تغفر له"(11).ـ
ـ (1)- (مر11: 25). (2)- (أم28: 9). (3)- (أر11: 13).ـ
ـ(4)- (أم15: 8). (5)- (أم5: 29). (6)- (مز109: 4).
ـ (7)- (لو18: 1). (8)- (لو18: 7، 8). (9)- (أع12: 5).ـ
ـ (10)- (أع4: 31). (11)- (يع5: 15).ـ
بطرس الرسول يخرج من السجن بقوة صلاة التلاميذ
لذلك يقول بولـس الرسول إلى أهل كولوسى
"واظبوا على الصلاة ساهرين فيها بالشكر"(1). ـ
والمسيح علم تلاميذه الصلاة، وكان يخرج إلى الجبل ليصلى
"وقضى الليل كله فى الصلاة"(2).ـ

ـ2- هناك صلة قوية وثيقة بين الصلاة والصوم
فالمسيح له المجد قال لتلاميذه
"هذا الجنس (أى الشياطين) فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم"(3).ـ

ـ3- وهناك أيضاً صلة وثيقة بين الصلاة والصدقـة فالملاك الذى ظهر لكرنيليوس قائد المئة من الكتيبة الإيطالية قال له
"صلواتك وصدقاتك صعدت تذكاراً أمام الله"(4)
أى أنها قُبلت أمام الله.

ـ4- إن الصلوت فى الكنيسة تُقترن دائماً بكلمة الله لذلك كان الشعب يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات(5)
وبالتالى تركوا لنا كلمات التقديس التى نستخدمها الآن فى القداس الإلهى.
ـ5- أصلى من أجل الآخرين المحتاجين للصلاة كالمرضى والمسجونين وذوى المشاكل حتى الذين يسيئون إلينا .. كما يذكر الإنجيل ويقول
"صلوا لأجـل الذين يسـيئون إليكم ويطردونكم لكى تكونـوا أبناء أبيكم الذى فى السموات"(6).ـ
ـ ويعقوب الرسول يقول
"صلوا بعضكم لأجل بعض لكى تشفوا طلبة البار تقتدر كثيرا فى فعلها. كان إيليا إنساناً تحت الآلام مثلنا وصلى صلاة أن لا تمطر فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر. ثم صلى أيضاً فأعطـت السماء مطراً وأخرجت الأرض ثمرها"(7).ـ

والكتاب المقدس تكلم عن الشفاعة التوسلية بالصلاة، فلما ذهب إبراهيم إلى جرار قال عن سارة أنها أخته فأراد ملك جرار أن يتزوجها فمنعه الله وقال له
(1)- (كو4: 2). (2)- (لو6: 12). (3)- (مت17: 21).
(4)- (أع10: 4). (5)- (أع2: 42). (6)- (مت5: 44).
(7)- (يع5: 16- 18).
السيد المسيح يصلى قدوة لنا
"فى الحلم أنا أيضاً علمت أنك بسلامة قلبك فعلت هذا وأنا أيضاً أمسكتك عن أن تخطئ إلىّ لذلك لم أدعك تمسها فالآن رد امرأة الرجل فإنه نبى فيصلى لأجلك فتحيا"(1).ـ
وصلى موسى من أجل الشعب
"فأتى الشعب إلى موسى وقالوا قد أخطأنا إذ تكلمنا على الرب وعليك فصلى إلى الرب ليرفع عنا الحيات فصلى موسى لأجل الشعب. فقال الرب لموسى إصنع لك حية محرقة وضعها على راية فكـل من لدغ ونظر إليها يحيا"(2).ـ

ـ6- يجب أن تواظب على الصلوات والطلبات كما يقول الرسول عن الأرملة
"التى تواظب الطلبات والصلوات ليلاً ونهاراً"(3).ـ
وقد ذكر القديس لوقا عن حَنَّة النبية
"وهى أرملة نحو 84 سنة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً"(4).ـ
وقد أخذت كنيستنا القبطية نظام الصلوات اليومية بالمزامير من داود النبى الذى يقول "سبع مرات فى النهار سبحتك على أحكام عدلك"(5).ـ
والآباء الرسـل صلوا بالمزامير، فالقديس بطرس الرسول ذكر عنه سفر الأعمال أنه صعد إلى السطح ليصلى وقت الساعة السادسة(6). وأيضاً "صعد بطرس ويوحنا معاً إلى الهيكل فى ساعة الصلاة التاسعة"(7).ـ
كما أن الرسل كانوا مجتمعين للصلاة فى العلية وقت الساعة الثالثة ساعة حلول الروح القدس(8).ـ
وفى صلاة باكر يقول المزمور "ياالله إلهى أنت إليك أبكر. عطشت نفسى إليك"(9).ـ
وصلاة المساء يقول المزمور " فلتستقم صلاتى كالبخور قدامك. ليكن رفـع
ـ(1)- (تك20: 6، 7). (2)- (عدد21: 7، 8). (3)- (ـ1تى5: 5). (4) (لو2: 27). (5)- (مز119: 164) (6)- (أع10: 9).ـ
(7)- (أع3: 1). (8)- (أع2: 15). (9)- (مز63: 1).
يدى ذبيحة مسائية"(1). ـ
وفى صلاة النوم يقول المزمور "لا أدخل إلى مسكن بيتى ولا أصعد على سرير فراشى ولا أعطى لعينى نوماً ولا لأجفانى نعاساً إلى أن أجد موضعاً للرب ومسكناً لإله يعقوب"(2).. أى مسكناً فى قلبى.
وأيضاً يقول المزمور "فى الليالى أرفعوا أيديكم أيها القديسون وباركوا الرب"(3).ـ
وصلاة نصف الليل يقول المرتل "فى نصف الليل نهضت لأشكرك فى أحكام عدلك"(4).ـ
وأيضاً يذكر الصلوات الثلاثة لنصف الليل "طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين، وإن جاء فى الهزيع الثانى أو فى الهزيع الثالث ووجدهم هكذا، فطوبى لأولئك العبيد"(5).ـ
ـ7- حاذر أن تكون صلواتك كالروتين كقول الكتاب "حينما تصلون لا تكرروا الكلام باطلاً كالأمم فإنهم يظنون أن بكثرة كلامهم يستجاب لهم فلا تتشبهوا بهم"(6).ـ
بل تكون الصلاة بتمهل وبفهم كما يقول الرسول "أصلى بالروح وأصلى بالذهن أيضاً"(7)
لكى يتابع ذهنى الصلاة فانفعل بها.
وأيضاً أن تكون بخشوع واتضاع كما فعل العشار الذى قال "اللهم أرحمنى أنا الخاطئ"(8).. ويقول الكتاب عنه "إن هذا نزل إلى بيته مبرراً دون ذاك (الفريسى)"(9).ـ
يجب أن نتعلم من المسيح الصلاة بخشوع، ففى بستان جسثيمانى يقول الكتاب عن المسيح أنه "خر على وجهه وكان يصلى"(10).ـ
ـ(1)- (مز141: 2). (2)- (مز132: 3- 5). (3)- (مز134: 1ـ، 2).ـ
ـ(4)- (مز119: 62). (5)- (لو12: 37، 38). (5)- (مت6: 7).ـ
ـ(6)- (1كو14: 15). (7)،(8)- (لو18: 13). (9)- (مت26: ـ39)ـ.
ـ (10)- (لو22: 41).ـ
وفى إنجيل لوقا يقول "وجثا على ركبيته وصلى .. وإذ كان فى جهاد كان يصلى بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض"(1).ـ
ـ8- اختر الوقت المناسب للصلاة فلا تصلى أخر الليل وأنت متعب ومجهد نتيجة العمل طول النهار، أو قد تكون محتاجاً للنوم .. بل اختر مثلاً وقت الغروب لتصلى فيه صلاة الغروب والنوم معاً .. أو اختر الوقت الذى يناسب أحوالك لكى تستفيد من الصلاة.
ـ9- احرص على الصلاة بالمزامير ثم بعد ذلك صلى صلواتك الخاصة، ولكنك لو اكتفيت بالصلاة الخاصة فقط يكون علاقتك بالله علاقة مصالح فقط.. ولكن صلاة المزامير تشمل عنصر العبادة بما فيها من أجزاء تمجد الله وتشكر وتذكر عظمته .. كما أنها تحوى تأملات فى حياة المسيح بالجسد.ففى صلاة باكر تذكر أزلية الرب وتجسده، وقيامته، وإشراقه لأنه النور الحقيقى.
وفى صلاة الساعة الثالثة نتذكر حلول الروح القدس على التلاميذ ونطلب عمل الروح فينا.
وفى صلاة الساعة السادسة نتذكر صلب المسيح عنا، ونطلب مغفرة خطايانا.
وفى صلاة الساعة التاسعة نتذكر اعتراف اللص على الصليب، ونطلب أن نكون معه فى الفردوس وموت الرب عنا.
وفى صلاة الساعة الحادية عشر (الغروب) نتذكر الذين أتوا إلى الرب فى أخر النهار.
وفى صلاة النوم نتذكر الموت وفناء العالم والدينونة ووجوب الاستعداد لها.
وفى صلاة نصف الليل نذكر المجئ الثانى للرب، والاستعداد كما فعلت العذارى الحكيمات(2).ـ
ـ10- أخيراً أقول لك إن الصلاة هى علاقة حب بين الإنسان والله .. وكلما إزدادت علاقة الحب إزداد اشتياق الإنسان للحديث مع الله، وهذا يفسر لنا قصة
ـ (1)- (لو22: 44). (2)-(مت25: 1).ـ
الأنبا بيشوى الذى ربط شعر لحيته بحبل فى السقف حتى لا يغلبه النعاس لكى يصلى طول الليل ويكون فى معية الله ..
والأنبا أرسانيوس معلم أولاد الملوك الذى كان يصلى بعدما تغرب الشمس ويظل طول الليل مصلياً إلى شروق الشمس .. متشبهاً برب المجد الذى كان يصلى طول الليل كما يقول الكتاب "وفى تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلى وقضى الليل كله فى الصلاة لله"(1).ـ
ليتنا نتمتع ببركات الصلاة وفوائدها الكثيرة، لكى نتذوق حلاوتها ونقول مع داود النبى
"محبوب هو اسمك يارب فهو طول النهار تلاوتى"(2).ـ
السيد المسيح يصلى فى بستان جسثيمانى

(1)- (لو6: 12). (2)- (مز119: 97).

Mary Naeem 18 - 09 - 2014 02:54 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
نقاوة القلب
القديس يوحنا كاسيان






المناظرة الأولى
نقاوة القلب طريق الملكوت للأب موسى

1- إقامتنا بالإسقيط

في صحراء الإسقيط حيث يوجد أعاظم الآباء الرهبان، ويترعرع الكمال، كنت مصطحبًا الأب جرمانيوس هذا الذي كان ملازمًا لي منذ الأيام الأولي، ومنذ بداية الخدمة الروحية، سواء ونحن في نظام الشركة أو في البرية. وتستطيع أن تلتمس مقدار وفاق صداقتنا ووحدة هدفنا مما يقوله الكل عنا إننا قلب واحد وروح واحد في جسدين.
وإذ كنا في البرية بحثنا عن الأب موسى الذي يعتبر من أسمى تلك الزهور الرائعة في البرية، متفوقًا لا في حياة العمل فحسب بل وفي حياة التأمل أيضًا.
لقد كنت شغوفًا لسماع تعاليمه، فطلبنا إليه سويًا بدموع أن يحدثنا لأجل بنياننا وذلك لمعرفتنا عنه جيدًا أنه لا يفتح باب الحديث عن الكمال إلا مع الذين يبحثون عنه بإيمان بقلوب تائبة. فهو يخشى الحديث عن تلك الأمور الهامة، ولا يكشفها إلا للساعين نحو الكمال،
غير متحدثٍ بها لغير المبالين أو الذين يتقبلون الكلام بغير إيمان كامل مستخفين بها وهم غير مستحقين لها، وذلك لكي لا يكون في حديثه عرضة للزهو الباطل أو بهذا يكون خائنًا لما قد أؤتمن عليه. أخيرًا غُلب بطلبتنا فبدأ يتحدث.

2- سؤال عن هدف المؤمن وغايته؟

قال: لكل العلوم والفنون أهداف وغايات يتطلع إليها المجاهدون في كل فن صابرين، محتملين كل أنواع المتاعب والأخطار والخسائر بفرح ورباطة جأش.
فالفلاح لا يعبأ بحرارة الشمس أو بالصقيع وبرودة الجو… فيقوم بتقسيم الأرض وحراثتها مرة فأخرى، متطلعًا إلى هدفه بلا ضجر. إنه يجاهد لتفتيت الأرض حتى تصير كالرمل الناعم منقيًا إيّاها من العليق والأعشاب، مؤمنًا بأنه ليس هناك طريق آخر يبلغ به هدفه اللامحدود إلا بحصوله على أفضل إنتاج وأكبر محصول،

بهذا يمكنه أن يعيش وتتزايد ممتلكاته. فإذ يمتلئ مخزنه يستعد ليفرغه ويلقي البذار في الأرض المحروثة مرة أخرى… هذا كله من أجل المحصول المنتظر!
كذلك المنشغلون بالتجارة لا يبالون بعدم ضمان تحقيق الربح أو بمخاطر المحيطات، إنما تحفزهم أمانيهم نحو تحقيق الربح.

والطامحون في الحياة العسكرية يتطلعون إلى هدفهم، أي نحو الشرف أو القوة، غير مبالين بالأخطار والهلاك الذي يلاحقهم خلال عملهم… من أجل رغبتهم في نوال الشرف.
ونحن أيضًا لعملنا هدف أو غاية بسببه نحتمل كل صنوف الجهاد ليس بدون ضجر فحسب بل وبفرح. فحرماننا من الطعام أثناء الصوم لا نعتبره ضيقًا، وأتعاب السهر تتحول إلى بهجة، والقراءة والتأمل في الكتاب المقدس ليس فرضًا ثقيلاً. فلا يخيفنا الجهاد المتواصل وإنكار الذات والحرمان من أمور العالم ومتاعب هذه البرية القاحلة.


وأنتما أيضًا إذ تستخفا بمحبة الأقرباء، أي بالعاطفة تجاههم بتركهم سالكين طريق الرهبنة، تاركين مسقط رأسيكما ومباهج العالم، عابرين كل هذه المناطق لكي تأتيان إلينا نحن البسطاء العائشين في حالة مضنية في البرية، ما هو هدفكما من هذا؟ وما هي غايتكما التي دفعتكما لتتحملا كل هذه الأمور بفرح؟

3- وإذ أصر على كشف الفكرة من إجابتنا على سؤاله، أجبناه قائلين: لقد تحملنا هذا كله من أجل ملكوت السموات.

4- أجاب حسنًا! لقد تحدثتما عن الهدف غير المحدود. لكن ما هو الهدف القريب، الذي إذا ما عرفناه ووضعناه دائمًا نصب أعيننا نقدر أن نبلغ غايتنا؟
وإذ اعترفنا بجهلنا بصراحة أكمل حديثه قائلاً:
كما قلت أولاً أن لكل فن أو علم هدف يوضع أمام الذهن… فإذا لم يتمسك الإنسان به بجهاد ثابت لا يصل إلى الغاية النهائية.
فكما قلت أن الفلاح يهدف إلى الحياة السعيدة والرخاء وتحقيق محصول وفير، وأما هدفه الحالي فهو حفظ الحقل نظيفًا من الأحجار والأعشاب…
ونحن أيضًا نهاية طريقنا في الحياة هو بلوغ ملكوت الله، ولكن ما هو الهدف الحالي الذي يلزم أن نتساءل عنه؟ فإننا إن لم نعرفه نتعب أنفسنا دون جدوى، لأن من يسافر في اتجاه خاطئ تضيع أتعابه سدى ولا ينتفع شيئًا من سفره.
وإذ دهشنا من هذا الحديث أكمل الشيخ قائلاً: إن هدف عملنا كما قلت هو “ملكوت الله” أو “ملكوت السموات”. وأما الهدف الحالي فهو “نقاوة القلب”، الذي بدونه لا نقدر أن نحقق الهدف النهائي.
لنوجه أنظارنا بثبات نحو هذا الهدف كعلامة ثابتة. ولنوجه سلوكنا نحوه مباشرة حتى إذا ما انحرفت أفكارنا بعيدًا عنه نعيدها إليه ونضبطها نحوه بإتقان كما لو كان مقياسًا دقيقًا. وبهذا تتحول جهودنا إليه، وبالتالي نستطيع أن نكتشف عما إذا كان عقلنا قد انحرف ولو قليلاً عن الاتجاه المحدد له.

5- هدفنا الحالي: نقاوة القلب

قبل الحرب يختبر الجنود مهارتهم بإطلاقهم السهام والرماح تجاه أهداف صغيرة محددة… وهم يعلمون أنه بغير هذه الوسيلة لا يمكنهم نوال الجعالة التي يترجونها… وبغير هذا لا يوجد ما يكشف لهم عن قدرة مهارتهم أو ضعفها…
وبهذا فإن الهدف النهائي الموضوع أمامنا هو “الحياة الأبدية”، إذ يقول الرسول: “فلكم ثمركم للقداسة والنهاية حياة أبديَّة” رو22:6. وأما الهدف الحالي فهو “نقاوة القلب” التي يعبر عنها الرسول بقوله: “ثمركم للقداسة” والتي بدونها لا يتحقق الهدف النهائي (والنهاية حياة أبدية)…
ويعلمنا الرسول عن نفس الهدف قائلاً: “أنسى ما هو وراء وأمتدُّ إلى ما هو قدُّام، أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا…” (في13:3،14). بمعنى أنه بهذا الهدف الذي به ينسى ما هو وراء، أي خطايا الحياة الأولي (عدم نقاوة القلب)، يجتهد لبلوغ جعالة السماء.

إذن فلنهتم بالكشف عن هذه الفضيلة أي “نقاوة القلب” متجنبين كل معوقاتها، لأنها خطيرة وضارة. فمن أجل نقاوة القلب ينبغي أن نفعل كل شيء، ونصبر على كل شيء، ولا نتعلق بأقربائنا وأرضنا (ممتلكاتنا) وكرامتنا (الأرضية) وجاهنا ومباهج العالم وكل أنواع الملذات…

6- زهد بغير نقاوة قلب
إننا نرى بعضًا ممن زهدوا أمور هذا العالم، ليس فقط الذهب والفضة، بل والممتلكات الضخمة، يتضايقون ويضطربون من أجل سكِّينة أو قلم أو دبوس أو ريشة، بينما لو وجهوا أنظارهم نحو نقاوة القلب بلا شك ما كانوا يضطربون من أجل الأمور التافهة، فكما لا يبالون بالغنى العظيم يتركون أيضًا كل شيء.


ويخاف البعض على كتبهم حتى أنهم لا يسمحون لأحد أن يحركها أو يلمسها… وهذا يكشف عن حاجتهم إلى الصبر والحب العميق. فإذ تركوا كل غناهم من أجل محبتهم للسيد المسيح إلا أنهم يحتفظون بطبيعتهم الأولي بالنسبة للأمور التافهة، فسرعان ما ينشغلون بها. وبهذا يصيرون عقيمين بلا ثمر كمن هم بلا حب.

هؤلاء يتحدث عنهم الرسول الطوباوي متنبئًا بالروح قائلاً: “وإن أطعمت كلَّ أموالي وإن سلَّمت جسدي حتى احترق، ولكن ليس لي محبة، فلا أنتفع شيئًا” 1(كو3:13).


من هذا يظهر بوضوح أن الكمال لا يتأتى لمجرد إنكار الذات أو ترك كل شيء أو الهروب من الكرامة ما لم يصحبها المحبة التي وصفها الرسول بالتفصيل مظهرًا أنها ليست إلا “نقاوة القلب” وحدها.
لأنه إذ المحبَّة “لا تحسد”، “لا تتفاخر”، “لا تُقبِح (تغضب)”، “لا تطلب ما لنفسها”، “لا تحتدُّ”، “لا تظنُّ السوءَ” 1(كو4:13،5)، هذا كله ماذا يعني سوى أن نقدم قلبًا نقيًا كاملاً محفوظًا من كل اضطراب؟!

7- أعمال صالحة بغير نقاوة قلب

ينبغي أن نصنع كل شيء أو نبحث عن أي شيء من أجل نقاوة القلب. فمن أجلها نطلب التوحد… ومن أجلها نصوم ونسهر ونحتمل الأتعاب والعري والدراسة ونقتني كل الفضائل الأخرى، لكي ما نهيئ قلوبنا ونحفظها من كل السموم الشريرة، وبهذا نصعد إلى كمال المحبة…
فالأمور التي تأتي في المرتبة الثانية في أهميتها كالصوم والسهر والزهد في العالم والتأمل في الكتاب المقدس، هذه يلزمنا أن نفعلها ناظرين إلى الهدف الرئيسي وهو “نقاوة القلب” التي هي “المحبة”. فعلينا ألا نفقد هذه الفضيلة الرئيسية بسبب تحقيق فضيلة أخرى.
فإذا لم ننفذ إحدى هذه الفضائل الأخرى لسبب قهري لا يصيبنا أذى، طالما وجدت الفضيلة الرئيسية. فلا يسوغ لنا أن ننفذ عملاً يكون من شأنه أن نفقد هذا الهدف موضوع حديثنا، بل نجاهد من أجله مهما كلفنا الأمر.
يشغف الإنسان بالحصول على أدوات العمل، لا لأجل امتلاكها بلا غاية لأن هذا في ذاته لا يحقق نفعًا… إنما باستخدامها يستطيع أن يضمن المعرفة العملية ويحقق هدفه المحدد، أي نوال الغنى الذي يرغبه. هكذا الصوم والسهر والتأمل في الكتاب المقدس وإنكار الذات وترك الممتلكات، هذه جميعها ليست كمالاً في ذاتها إنما تقود إلى الكمال. لأن هدف العلم (الروحاني) لا ينحصر في اقتناء هذه الأمور، إنما بها نبلغ إلى الغاية.
فمن يكتفي بهذه الأمور على أنها الخير الأعظم يتممها بغير هدف، جاعلاً أُمنية قلبه تحقيق هذه الأمور، دون أن تمتد جهوده لبلوغ الهدف الذي لأجله يمارس هذه الفضائل. وهذا يكون مثله مثل من يمتلك أدوات ويجهل هدف فنه الذي يستخدمها فيه…

8- مثال من الكتاب المقدس

نقاوة القلب هي موضوع جهادنا الرئيسي وغاية قلبنا الدائم، وهي تعني التصاق الروح بالله وبالأمور السماوية. أما ما خلاف هذا، فإنه مهما بلغت قيمته يحتل المرتبة الثانية، بل ويصير بلا قيمة وأحيانًا يكون ضارًا. وقد أوضح الإنجيل تفسيرًا رائعًا لهذا الأمر في حالة مريم ومرثا. لقد كانت مرثا تخدم مقدمة عملاً مقدسًا بلا شك، وفيما هي تخدم الرب وتلاميذه كانت مريم تهتم بتعاليمه الروحية فقط، جالسة عند قدمَي السيد المسيح اللتين قبَّلتهما ودهنتهما بطيب الاعتراف الحسن.
لقد التصقت بالرب الذي شهد لها أنها اختارت النصيب الصالح الذي لا يُنزع منها. لأنه بينما كانت مرثا تعمل مجتهدة وقد ارتبكت في الخدمة حتى شعرت بعجزها عن القيام بالخدمة بمفردها طلبت من السيد المسيح أن تساعدها أختها قائلة: “يا ربّ أَما تبالي بأن اختي قد تركتني أخدم وحدي. فقُلْ لها أن تعينني” (لو40:10).
لقد استدعت أختها لتعمل عملاً ليس تافهًا بل يستحق الثناء، ومع هذا بماذا أجابها الرب؟ “مرثا مرثا أنتِ تهتّمِين وتضطربين لاجل أمورٍ كثيرة. ولكن الحاجة إلى واحدٍ. فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزَع منها” (لو41:10،42).
لقد رأيت كيف جعل الرب الخير الرئيسي ينصب في التأمل الإلهي…!
لقد رأيت كيف احتلت جميع الفضائل الأخرى المركز الثاني رغم تسليمنا بأهميتها وفائدتها وسموّها، لأن هذه جميعها إنما تُصنع لأجل هدف واحد. فعندما قال الرب: “أنتِ تهتّمِين وتضطربين لأجل أمورٍ كثيرة. ولكن الحاجة إلى واحدٍ” جعل الخير الرئيسي لا يكون في الأعمال في ذاتها مهما بلغ شأنها، بل في التأمل في الرب، الذي هو بالحقيقة الأمر الأول.


هذا القول يجب أن يكون موضع اهتمامنا جدًا، فقد قال لمريم إنها اختارت النصيب الصالح من غير أن يلُم مرثا. فإن مدح الواحدة أظهر أن الأخرى أقل منها فحسب. وقوله “الذي لن يُنزَع منها” كشف أن نصيب الأخرى يمكن أن ينزع منها، لأن الخدمات الجسدية لا يمكن أن تبقى مع الإنسان إلى الأبد، أما اشتياق مريم فلن يكون له نهاية.

9- سؤال: كيف تزول الأعمال الصالحة؟

… ما هذا ؟ هل الاجتهاد في الصوم والمثابرة في القراءة وأعمال الرحمة والبر والشفقة والسخاء تنزع منا ولا تبقى مع فاعليها؟ مع أن الرب نفسه وعد بملكوت السموات لأجل هذه الأعمال، إذ يقول: “تعالوا يا مباركي أبي رِثُوا الملكوت المعَدَّ لكم منذ تأسيس العالم. لاني جُعْتُ فأطعمتموني، عطشتُ فسقيتموني…” (مت34:25،35). فكيف تُنزع الأعمال التي بها ينال صانعوها ملكوت السموات؟!

10- موسى: إنني لم أقل بأن جزاء العمل الصالح يزول، فالرب نفسه يقول: “من سقى أحد هؤلاءِ الصغار كأس ماءٍ بارد فقط باسم تلميذٍ، فالحق أقول لكم انه لا يُضِيع اجرَهُ” (مت42:10)، بل أؤكد أن فعل أي عمل سواء كان من ضروريات الجسد أو لضبطه… كل هذه الأعمال رغم ضروريتها والالتزام بها لكنها ستنتهي.


فالمثابرة على القراءة والزهد في الصوم لهما أهميتهما في تنقية القلب وقمع الجسد في هذه الحياة وحدها، طالما أن الجسد يشتهي ضد الروح (غل17:5)، بل وأحيانًا تنتهي في هذه الحياة وذلك كما في حالة إنهاك القوة بسبب التعب الشديد أو المرض الجسدي أو كبر السن حيث لا يقدر الإنسان على تنفيذها، وبالأكثر تنتهي هذه الأعمال عندما يلبس هذا الفاسد عدم فساد (1كو53:15)، ويُقام الجسد الحيواني جسدًا روحيًا (1كو 44:15)، ولا يعود الجسد يشتهي ضد الروح.
ويوضح الرسول بولس ذلك بجلاء بقوله “لأن الرياضة الجسديَّة نافعة لقليل، ولكن التقوى (وبالتأكيد يقصد بها المحبة) نافعة لكل شيءٍ، إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة” (1تى8:4). فما قيل عنه إنه نافع لقليل هو ما لا نفعله كل حين والذي لا يمكن به في ذاته الوصول إلى الكمال الأسمى، ففي قوله لقليل يقصد به أحد معنيين:
الأول: من جهة قصر الوقت، فالرياضة الجسدية لا يمكن القيام بها في هذه الحياة الأرضية والحياة العتيدة.
الثاني: قد يكون ذلك إشارة إلى أن الفائدة أقل من الثانية، فالرياضة الجسدية تؤدى بنوع ما إلى بداية التقدم، ولكنها ليست مثل كمال المحبة التي وعد بها في هذه الحياة والحياة العتيدة.

إذن الأعمال السابق ذكرها هامة، إذ بها نصعد إلى مرتفعات المحبة. فتكون الأعمال التي ندعوها أعمال عبادة ورحمة ضرورية في هذه الحياة، حيث يوجد الظلم والجور بين البشر… لكن لا وجود لها في الحياة العتيدة حيث يسود العدل، فيتحول البشر عن الأعمال الصالحة إلى حب الله، والتأمل في السماويات في نقاء قلب دائم.

وهذا الأمر اختاره الذين كرسوا حياتهم للمعرفة ونقاوة القلب، باذلين كل جهدهم لكي يخضعوا له وهم بعد في الجسد، وتكمل نقاوة قلبهم حينما ينزع عنهم الفساد وينالون وعد الرب المخلص القائل: “طوبى للأَنْقِياء القلب، لأنهم يعاينون الله”.

11- خلود المحبة أو نقاوة القلب
لماذا نندهش من أن هذه الأعمال السابق ذكرها ستبطل بينما يخبرنا الرسول الطوباوي أنه حتى عطايا الروح القدس العظمى ستنتهي، مشيرًا إلى أن المحبة وحدها هي التي تبقى إلى الأبد، إذ يقول “..وأمَّا النبوَّات فستبطل والأَلسِنَة فستنتهي والعلم فسيُبطَل” (1كو8:13). أما عن المحبة فيقول “المحبَّة لا تسقط أبدًا..”.


فالعطايا توهَب إلى حين من أجل الحاجة إليها لاستخدامها، فإذا ما انتهى عملها زالت، أما المحبة فلا تسقط أبدًا، لأن المحبة لا يتوقف نفعها عند هذه الحياة بل يتعداها إلى الحياة العتيدة، فإذ تزول أثقال احتياجات الجسد تستمر المحبة في نشاط أعظم وسعادة أوفر، فلا تعود بعد تضعف بتأثيرٍ ما، بل بعدم فسادها الدائم تلتصق بالله بأكثر نشاط وغيرة.

12- أسئلة حول التأمل الدائم في الله
جرمانيوس: ومن يستطيع أن يبقى على الدوام في هذا التأمل وهو مثقل بالجسد الضعيف، دون أن يفكر قط في وصول أخ أو زيارة مريض أو في عمل يدوي، على الأقل يهتم بالغرباء والزائرين؟! ومن الذي لا يتعطل بإعالته جسده واعتنائه به؟ وبأي وسيلة يمكن للعقل أن يلتصق بالله غير المنظور وغير المدرك؟ هذا ما نود أن نتعلمه.

13- يستحيل على الإنسان وهو مازال في هذا الجسد الضعيف أن يلتصق بالله تمامًا ويلازم التأمل فيه على الدوام (بلا انقطاع). لكن يلزمنا أن نعرف الهدف الماثل أمام أعيننا والغرض الذي تسعى إليه نفوسنا، فنفرح قدر ما يتحقق، ونحزن ونتنهد عندما ننحرف عنه.
فإذا ما اكتشفت النفس فشلها في التأمل في الله، تكون بذلك قد سقطت عن الخير الأعظم، آخذة في اعتبارها أن ابتعادها عن التأمل في الرب يسوع ولو إلى حين يعتبر زنا، فإذا ما انحرف نظرنا عنه ولو قليلاً نعيد إليه أنظار أرواحنا ثانية، متذكرين موضوع تأملنا وشغلنا الشاغل.
كل شيء يتوقف على عقلنا الداخلي، فإذا ما طُرد منه الشيطان لا يصير للخطية سلطان علينا ويكون ملكوت السماوات فينا، إذ يقول الإنجيلي: “..لا يأْتي ملكوت الله بمراقبةٍ. ولا يقولون هوذا ههنا أو هوذا هناك لان ها ملكوت الله داخلكم” (لو 20:17، 21).
ففي “داخلكم” إما معرفة الحق أو جهله، الابتهاج بالفضيلة أو الرذيلة، وبهذا نُعد قلوبنا لملكوت المسيح أو ملكوت الشيطان.
ويصف الرسول الملكوت قائلاً: “لان ليس ملكوت الله أكلاً وشربًا. بل هو برّ وسلام وفرح في الروح القدس” (رو17:14)، فإن كان ملكوت الله داخلنا وهو بر وسلام وفرح، فإن من يتمم هذه يكون في ملكوت الله. وعلى العكس من يعيش في الشر والنزاع والحزن الذي للموت يكون في ملكوت الشيطان وفي الجحيم والموت، بهذا يتميز ملكوت الله عن ملكوت الشيطان.
فإذا ارتفعنا بعقولنا إلى فوق لنتأمل القوات السمائية التي هي بالحقيقة في ملكوت السماوات، ماذا نتصورهم سوى انهم في فرح دائم أبدي؟! فأي شيء يليق بالسعادة الحقيقية مثل الهدوء الدائم والفرح الأبدي؟!
ينبغي علينا أن نؤكد أن ما قلته ليس من ذاتي، بل حسب حكم الله الذي كشف بوضوح عن ذلك بالقول: “لاني هانذا خالق سموات جديدة وأرضًا جديدة فلا تُذكَر الاولى ولا تخطر على بالٍ. بل افرحوا وابتهجوا إلى الابد في ما أنا خالق..” (إش17:65،18).

مرة أخرى يقول: “..الفرح والابتهاج يوجدان فيها. الحمد وصوت الترنم” (إش3:51). ويقول: “..ابتهاج وفرح يدركانهم . ويهرب الحزن والتنهُّد” (إش10:35).
وإن أردت أن تعرف بأكثر وضوح عن الحياة التي في مدينة القديسين، أنصت إلى ما يعلنه صوت الله عن أورشليم السمائية قائلاً:

“..واجعل وكلاءَكِ سلامًا وولاتكِ برًّا. لا يُسمَع بعد ظلم في أرضك ولا خراب أو سحق في تخومكِ بل تسمّين أسوارك خلاصًا وأبوابكِ تسبيحًا. لا تكون لك بعد الشمس نورًا في النهار ولا القمر ينير لك مضيئًا بل الرب يكون لك نورًا أبديًا وإلهك زينتك” (إش17:60-19).
ولا يتحدث الرسول عن الفرح بغير تمييز… بل يوضح مؤكدًا نوعه أنه “..في الروح القدس” (رو17:14)، إذ يعرف تمامًا الفرح الممقوت الذي نسمع عنه “..العالم يفرح..” يو20:16، “..ويل لكم أيها الضاحكون الآن لانكم ستحزنون وتبكون” (لو25:6).
يلزمنا بالحق أن ننظر إلى ملكوت السموات من جوانب ثلاث:
ا – إما أنه سيملكه القديسون حيث تخضع لهم الأمور، وذلك كالقول: “..فليكن لك سلطان على عشر مدن… وكُنْ انت على خمس مدن” (لو17:19،19)، وما قيل للتلاميذ “..تجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كُرسيًّا تدينون اسباط اسرائيل الاثنى عشر” (مت28:19).
ب – أو أن السموات تُملك بالسيد المسيح حيث كل الأشياء تخضع له “..يكون الله الكل في الكل” (1كو28:15).
ج – أو أن القديسين سيملكون مع الله في السموات.

14- أبناء الملكوت أحياء يتأملون ويسبحون الله حتى وإن ماتوا

من ثم ليأخذ كل إنسان في اعتباره أنه سيكون له نصيب في ذلك، فلا يشك في أنه سيشارك في الحياة الأبدية (الرب) الذي يخدمه… إذ يقول: “إن كان أحد يخدمني فليتبعني. وحيث أكون أنا هناك أيضًا يكون خادمي..” (يو26:12).
وكما أن ملكوت الشيطان يكون بقبول الخطية، فإن ملكوت الله يُنال بعمل الفضيلة في نقاوة قلب وبمعرفة روحية, وأينما وجد ملكوت السماوات فبالتأكيد تكون الحياة الأبدية بفرح، وحيثما وجد ملكوت الشيطان فبلا شك يوجد الموت والقبر.

ومن يكون في ملكوت الشيطان لن يقدر أن يحمد الله، إذ يخبرنا النبي قائلاً:

“ليس الأموات يسبّحون الرب ولا مَن ينحدر إلى أرض السكوت. أما نحن (الأحياء الذين نعيش للَّه وليس للخطية أو للعالم) فنبارك الرب من الآن وإلى الدهر، هللويا” (مز 17:115، 18). “لأنهُ ليس في الموت ذكرك. في الهاوية (الخطية) مَنْ يحمدك” (مز 5:6). فالإنسان ليس كيفما كان، بل ولو دعي نفسه مسيحيًا آلاف المرات أو راهبًا لا يقدر أن يعترف بالله إن كان يخطئ متمسكًا بخطيته.
من يسمح لنفسه أن يصنع ما يكرهه الله لا يقدر أن يعترف بالله، أو يدعي نفسه أنه خادم الله. لأن من يحتقر وصايا الله بحماقةٍ وطياشة يسقط في الموت الذي تسقط فيه الأرملة المتنعمة الذي يقول عنها الرسول: “وأما المتنعمة فقد ماتت وهي حية” (1تي6:5).
على هذا يوجد كثيرون أحياء بالجسد لكنهم أموات ولا يقدرون على التسبيح لله… وهناك كثيرون قد ماتوا بالجسد لكنهم يسبحون الله بأرواحهم. إذ يقال:
باركوا الرب يا أرواح ونفوس الصديقين..” (راجع دا 86:3 – الأسفار القانونية الثانية)، “كل نسمةٍ فلتسبح الرب” (مز 6:150)، وفي سفر الرؤيا نجد نفوس الذين قُتلوا ليس فقط تسبح الله بل وتطلب منه (رؤ 9:6، 10). وفي الإنجيل يقول الرب للصدوقيين في وضوح تام:

“..أَفما قرأْتم ما قيل لكم من قِبَل الله القائل أنا إلهُ إبراهيم وإلهُ اسحق وإلهُ يعقوب، ليس الله إله أموات بل إله أحياءٍ (لأن الكل يحيا فيه)” (مت 31:22-32). وعمن يتحدث الرسول قائلاً:

“..لذلك لا يستحي بهم الله ان يُدعَى إلههم لأنه اعدَّ لهم مدينةً” (عب 16:11)؟! فانفصالهم عن الجسد لا يجعلهم بلا عمل ولا يفقدهم الإحساس والشعور…
وإذا تفهمنا بدقة الكلمات التي قيلت للص: “..اليوم تكون معي في الفردوس” (لو43:23)، لظهر بوضوح أن صفات النفس لا تلازمها فحسب بل ويصير للنفس في حالتها الجديدة (بعد انفصالها عن الجسد) صفات تتناسب مع عملها واستحقاقها. فما كان الرب يَعِد اللص بذلك لو أنه يعلم بأن نفسه تفقد تمييزها وإدراكها أو تتحلل بسبب انفصالها عن الجسد. فالداخل إلى الفردوس نفسه وليس جسده.
لذا يلزمنا على الأقل أن نتجنب الأقوال التي توقف تمتع النفس بالميراث… ولقد كشف السيد المسيح أن النفوس المنفصلة عن الجسد ليس فقط تزول عنها متاعب الجسد، بل تشعر بالأمل والفرح ولا يصير بعد حزن أو خوف.
إنها للحال تبتدئ تتذوق مما قد حفظ لها في يوم الدينونة العظيم، إنها لا تتحلل إلى العدم عند انفصالها من الجسد كما يظن غير المؤمنين، بل تحيَ الحياة الحقيقية ويزداد شغفها نحو التسبيح للَّه.
لنترك البراهين الكتابية قليلاً ولننظر بقدر المستطاع إلى طبيعة النفس ذاتها. فإننا لا نكون جهلاء بل متهورين ومملوءين حماقة إن كان لدينا شك في أن ذلك الجزء النبيل في الإنسان، والذي يقول عنه الرسول الطوباوي، أنه على صورة الله ومثاله[1] يصير عديمًا للحس عندما يُلقى عنه الجسد ويترك هذا العالم.
النفس التي تهب الجسد العديم الحس أن يكون عاقلاً بمشاركته لها، خاصة إن اتبعها. والأمر عينه من جهة العقل، الذي متى تأثر بثقل الجسد يهبط عملِه، لكن النفس تُعيد إليه قُواه أحسن مما كان عليه…
وقد نادى الرسول الطوباوي بذلك معلنًا صدق قولنا مشتاقًا إلى الانفصال عن الجسد حتى يتمكن من أن يفرح بالله بأكثر غيرة، قائلاً: “..لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح، ذاك افضل جدًّا” (في23:1). “..ونحن مستوطنون في الجسد فنحن متغرّبون عن الرب… فنثق ونسرُّ بالأَولى أن نتغرَّب عن الجسد ونستوطن عند الربّ. لذلك نحترس أيضًا مستوطنين كنا أو متغرّبين أن نكون مَرضيِيّن عندهُ” (2كو6:5-9). إنه يعلن أن بقاء النفس في الجسد هو تغرب عن الله وابتعاد عن المسيح، ويؤمن إيمانًا كاملاً أن الابتعاد والانفصال عن الجسد فيه وجود في حضرة المسيح (وجهًا لوجه).
مرة أخرى يكشف الرسول بوضوح أن هذه الأرواح أكثر حيوية بقوله:

“بل قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحيّ أورشليم السماوَّية والى ربواتٍ هم محفل ملائكةٍ وكنيسة أبكارٍ مكتوبين في السموات… وإلى أرواح أبرار مكمَّلين” (عب22:12،23).
ويقول أيضًا عن هذه الأرواح: “ثم قد كان لنا آباءُ أجسادنا مؤَدّبين وكُنَّا نهابهم، أَفلا نخضع بالأَولَى جدًّا لأَبي الأرواح فنحيا” (عب9:12).

15- كيف نتأمل في الله؟

يمكننا التأمل في الله بطرق عدة. فلا نعرف الله فقط عن طريق اندهاشنا من جوهره المخفي غير المدرك… لكن يمكننا أن نراه أيضًا في عظمة أعماله في الخليقة، وفي التطلع إلى عدالته، والتأمل في معونة نعمته اليومية، وعندما نتأمل بعقل نقي في أعمال الله في قديسيه عبر كل الأجيال، ونتأمل بقلوب مرتجفة لقوته التي بها يحكم كل الأشياء ويوجهها وينظمها، أو نعجب من علو معرفته وعلمه لكل خفايا القلب.
إن أخذنا في اعتبارنا معرفته لعدد رمال البحر وموجات البحر، وقطرات الأمطار، وأيام أعمارنا وساعاتها، وكل الأمور الماضية والمستقبلة هي حاضرة قدامه.
إننا نتطلع في دهش أمام محبته التي بلا حدود ولا يُنطق بها، وطول أناته اللانهائية، وغفرانه في كل لحظة لخطايانا التي نعترف له بها بلا حساب، ودعوته لنا رغم عدم استحقاقنا السالف بل بنعمته ورحمته.
كذلك فرص الخلاص التي يقدمها لنا بغير حدود، واهبًا لنا التبني، متعهدًا إيانا منذ الطفولة بالنعمة ومعرفة نواميسه. ووهب لنا أن نغلب به العدو (الشيطان) خلال إرادته الصالحة فينا، مقدمًا لنا السعادة الأبدية والأكاليل الدائمة. كذلك تعهده بتدبير التجسد من أجل خلاصنا واتساع عجائب أسراره التي يقدمها للأمم جميعًا.
وهكذا تكون رؤيتنا للأمور العلوية بحسب صلاح حياتنا ونقاوة قلبنا، إذ يصير هذا القلب الذي كعينين نقيتين نعاين به الله ونحتضنه.

هذه الرؤيا بالتأكيد لا يمكن لأحد أن يحتفظ بها ما دامت ميوله الجسدية قائمة، إذ يقول الرب: “..لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش” (خر20:33)، أي من له ميول زمنية او أرضية يفقد البصيرة الداخلية.

16- سؤال: هل يمكن للإنسان أن يمنع الأفكار التي تشوش نقاء ذهنه، لينعم بالتأملات الإلهية؟

جرمانيوس: كيف تتسلل إلينا أفكار الكسل خفية رغم إرادتنا وعدم معرفتنا، حتى يصعب جدًا ليس فقط طردها بل أيضًا مجرد معرفتها؟ هل يستطيع العقل أن يتحرر منها ولا يحارب قط بمثل هذه الخداعات؟

17- موسى:يستحيل على العقل أن يمنع اقتراب الأفكار إليه، لكن في استطاعة الإنسان المجتهد أن يقبلها أو يرفضها. فظهور الفكر لا يعتمد على إرادتنا، لكن قبوله او رفضه في مقدورنا.
إن كنا قد قلنا بأننا لا نستطيع منع الأفكار من الاقتراب نحو العقل، فإنه ينبغي علينا ألا نحتج بهجومها… متجاهلين حرية إرادتنا، وإلا لا يكون إصلاحنا في أيدينا. لكنني أقول إلى حد كبير أنه في قدرتنا تمييز الأفكار التي تطرح علينا، هل هي أفكار مقدسة روحية أو أفكار أرضية، هل نقبلها لتنمو في داخل قلوبنا أم ننزعها سريعًا لئلا تفسدنا.
لهذا الغرض نستخدم القراءة المستمرة، والتأمل الدائم في الكتاب المقدس كفرصة لتهيئة القلب وانشغاله بالروحيات. وأيضًا التسبيح بالمزامير يقودنا للشعور بالندامة باستمرار. كما أنه بحياة السهر والصوم والصلاة باجتهاد نسمو بالعقل عن الأمور الأرضية متأملين في الأمور السماوية.
فإذا ما أُهملت هذه الأمور وتُركت، بالتأكيد ينحرف العقل نحو الميول الجسدية، ويسقط في دنس الخطية…

18- تشبيه العقل بطاحونة الهواء

يليق بنا مقارنة حركة القلب بعجلة طاحونة الهواء. فالمياه تندفع بسرعة… ولا يمكن إيقافها مادامت العجلة تعمل… لكن في استطاعة الإنسان أن يوجه المياه في زراعة الحنطة أو الشعير أو الزوان، وهذا يتوقف على اختيار الإنسان الموكل إليه العمل.
بالرغم من قوة تأثير تيارات الإغراءات في هذا العالم، التي تضغط على العقل من كل جانب، حتى أنه لا يقدر أن يكون متحررًا من تدفق الأفكار، إلا أن نوع الأفكار التي تتسلل إليه وتأتيه تتوقف على جهاده. فمتى كنا دائمي التأمل في الكتب المقدسة، موجهين أذهاننا إلى الأمور الروحية، راغبين في بلوغ الكمال، مترجين السعادة العتيدة، ترتفع أفكارنا الروحية، ويحي عقلنا فيما نتأمل فيه.
لكننا إن غُلبنا بالكسل والإهمال وأضعنا وقتنا في فلسفة الكلام أو عاقتنا اهتمامات هذا العالم ومباهجه الزائلة وغير النافعة، تظهر بعض أنواع الزوان وتضرّ قلوبنا، وكما يقول إلهنا ومخلصنا بأنه حيث يوجد كنز أعمالنا أو هدفنا هناك بالتأكيد تكون قلوبنا (مت21:6).

19- مصادر الفكر

يلزمنا قبل كل شيء أن نعرف على الأقل أن هناك ثلاثة مصادر للفكر: الله، والشيطان، وذواتنا.
يأتي الفكر من الله عندما يهبنا الله أن يفتقدنا بإنارة الروح القدس، رافعًا إيانا إلى تقدم عظيم… ويقوم الله بتأديبنا تأديبًا نافعًا متى تباطأنا في النمو أو غُلبنا بالكسل. إنه يكشف لنا أسرار السماوات، ويحوِّل أهدافنا إلى الأعمال الفضلى،
وذلك كما فعل بأحشويرش الذي أدبه الله، والذي حثه أن يسترجع ما قد كتب في الأخبار بخصوص أعمال مردخاي العظيمة… كذلك يقول النبي: “أني اسمع ما يتكلم بهِ الله الرب..” (مز 8:85). ويخبرنا آخر: “فقال لي الملاك الذي كلمني..” (زك 14:1).

ويقول الرب: “لان لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم” (مت20:10). ويقول الإناء المختار: “إذ انتم تطلبون برهان المسيح المتكلّم فيَّ..” (2 كو 3:13).
كذلك تنبع سلسلة أفكار من الشيطان وذلك بسبب حسده لنا، راغبًا تدميرنا إما بمباهج الخطية او بهجماته السرية فهو يخدعنا بحِيَله الخبيثة، مظهرًا الشر كما لو كان خيرًا، ومعلنًا ذاته في صورة ملاك نوراني (كو 14:11).
ويخبرنا الإنجيلي: “فحين كان العشاءُ وقد أَلقَى الشيطان في قلب يهوذا سمعان الإسخريوطي أن يسلّمهُ” (يو2:13). ويقول بطرس لحنانيا: “..لماذا ملأَ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس..” (أع 3:5). وجاء في سفر الجامعة “إن صعدَتْ عليك روح المتسلط فلا تترك مكانك..” (جا 4:10).

وهذا أيضًا ما قيل ضد آخاب في الكتاب الثالث للملوك عن الروح غير المنظور “..اخرج وأكون روح كذبٍ في أفواه جميع أنبيائهِ..” (1 مل 22:22).
وتصدر الأفكار من ذواتنا إذ بطبيعتنا نتذكر ما نفعله أو فعلناه أو سمعناه. ويقول عن ذلك الطوباوي داود: “تفكرت في أيام القدم السنين الدهرية. اذكرُ ترنميْ في الليل. مع قلبي أناجى وروحي تبحث” (مز 5:77، 6).

مرة أخرى يقول: “الرب يعرف أفكار الإنسان أنها باطلة” (مز 11:94)، “أفكار الصدّيقين عدل..” (أم 5:12). وفي الإنجيل يقول الرب للفريسيين: “لماذا تفكرون بالشرّ في قلوبكم؟!” (مت 4:9).

20- تمييز الأفكار

يلزمنا أن نراعى بكل حرص هذا الأمر المثلث الجوانب، فلنختبر الأفكار التي تهاجمنا ببصيرة وحكمة، لندرك ما هو مصدر الفكر وأسبابه منذ بدايته. وبهذا يمكننا أن نأخذ في اعتبارنا هل نخضع له وذلك حسب نوع مقترحه، فنكون كالصيارفة الحكماء كما يعلمنا بذلك الرب. إذ هم بمهارتهم وخبرتهم يميزون الذهب النقي الخالص الذي تنقى بالنار كما ينبغي، وبمهارتهم لا ينخدعون بقِطع النحاس المغشاة بطبقة خفيفة من الذهب والتي تبدو ذات قيمة عظيمة… إنهم بذكائهم ومهارتهم يدركون تمامًا العملات المزيفة التي يصكها كبار المخادعون…
هكذا يلزمنا أولاً أن نختبر بكل حرص كل فكر يدخل إلى قلوبنا وكل تعليم نتلقنه لنرى ما إذا كان قد تنقى بنار الروح القدس الإلهي السماوي، أو ينتمي إلى ضلال الهراطقة، أو هو ثمرة كبرياء الفلسفة البشرية التي ليس لها إلا سطحيات التديّن.
نستطيع أن نعمل هذا إن سلكنا بنصيحة الرسول القائل “أيها الأحباءُ لا تصدّقوا كلَّ روحٍ بل امتحنوا الارواح هل هي من الله…” (1 يو1:4).

ينخدع البعض بهذا النوع، فيغويهم حُسن التنسيق، والتعاليم الفلسفية التي تخدع لأول وهلة بما فيها من بعض المعاني الورعة التي تتفق مع الدين، وذلك كما يخدع بريق الذهب ناظريه. هؤلاء تجذبهم المظاهر، لكن سرعان ما يشعرون أنهم في الواقع قد خرجوا فارغي اليد، ويسقطون في اليأس ويكونون كمن قد انخدعوا بالنقود النحاسية المغشوشة.
هذه الأفكار أو التعاليم، إما أن تجذبهم إلى الانهماك في العالم، أو تسقطهم في أخطاء الهراطقة، وتنحدر بهم إلى الكبرياء الباطل…
ومن جهة أخرى يلزمنا أن نحرص لئلا يوضع أمامنا تفسير خاطئ للذهب النقي الذي هو الكتاب المقدس فننخدع… وقد استخدم الشيطان هذه الوسيلة لكي يخدع بها سيدنا ومخلصنا الذي بدا ربنا كأنه إنسان عادي، إذ بتفسيره (الشيطان) المضلل حاول أن يفسد ما يفهمه الصالحون (مت4).

لقد حاول أن يثبت تفسيره… فلفت أنظارنا إلى الأقوال القيِّمة التي للكتاب المقدس محرفًا تفسيرها لنفهمها فهمًا خاطئًا يختلف كليةً عن المعنى الحقيقي…
كذلك يحاول أن يخدعنا بالتزييف، كأن يحثنا على الانشغال ببعض أعمال الرحمة (بطريقة غير سليمة). وهو بهذا يظهر كأنه يتكلم بفكر الآباء الحقيقي، فيقودنا إلى الرذيلة في شكل الفضيلة، فيخدعنا بالأصوام أو الأسهار الطويلة، أو الصلوات الزائدة عن الحد، أو القراءات الغير مناسبة، وبهذا يجذبنا إلى نهاية سيئة.
وأيضًا يغوينا بأن نسلم أنفسنا إلى الاعتناء بالآخرين والافتقاد الروحي، وهو بهذا ينتزعنا عن وجودنا الروحي في الدير، ولينزع عنا سر الهدوء الملازم لنا، ويقترح علينا أن نأخذ على عاتقنا الاهتمام بضيقات النساء المتدينات اللواتي في عوز وإشباع احتياجهن. فإذا ما ارتبك الراهب وسقط في أمر كهذا يجعله قلقًا بهذه الأعمال والاهتمامات الضارة.
كذلك عندما يحرص الراهب أن يشتاق إلى وظيفة كهنوتية مقدسة، بحجة تعليم الناس وحبه لربح النفوس، وهو بهذا يجذبنا بعيدًا عن التواضع والتدقيق في حياتنا.
هكذا يقدم لنا كل الأمور التي تعترض خلاصنا ولا تتناسب مع عملنا، غير أنه يخفيها بغطاء، أو يحجبها بحجاب من الشفقة والدين، لكي يخدع بسهولة من تنقصهم المهارة والحرص.
إنهم يقلدون عُملة الملك الحقيقي، إذ يظهرون هذه الأعمال مملوءة شفقة، لكن لم يصكها الذين لهم هذا الحق، أي لا تتفق مع فكر آباء الكنيسة الجامعة، ولا يحصلون عليها من المكتب العام المخصص بتسليمها، إنما تصك خلسة بخداع شيطاني ويدسونها لغير الماهرين والجهلاء…
وإذ تبدو في البداية نافعة ولازمة، إلا أنه بعد ذلك تبدأ تتغلغل داخل سلامة عملنا وتضعف كل كيان هدفنا بعدة أساليب. لذلك حسنٌ أن تقطع هذه الأفكار وتبعد عنا، وذلك كما لو كانت عضوًا فاسدًا، الذي وإن بدا لازمًا لكنه مضر لنا. فإنه من الأفضل أن نكون بدون هذا العضو من وصية ما، أي أننا لا ننفذها ونبقى في سلام وأمان وندخل ملكوت السماوات هكذا عن أن نخطئ في كل الوصايا عن طريق خداع الشيطان الذي يقدم لنا أن ننفذ وصية ما،
وبواسطتها يحرمنا من نظامنا الدقيق وترتيبنا، وهكذا تصير لنا خسارة تفوق في أهميتها أي ضرر لاحق، وتدفع بكل جهادنا السابق وكل جسد أعمالنا إلى الحرق في نار جهنم (مت 8:18).
قيل عن هذه الأنواع من الخداع “تُوجَد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت” (أم 25:16). وأيضًا “ضررًا يُضَرُّ من يضمن غريبًا..” (أم 15:11). فالشيطان يخدعنا بأخذه مظهر القداسة…

21- مثال: انخداع الأب يوحنا

لقد سمعنا عن الأب يوحنا الذي كان يقطن في[2]Lycon، وقد انخدع منذ فترة قصيرة. فقد أنهك جسده وأعياه، وإذ صام يومين وفي اليوم الثالث بينما كان ذاهبًا ليأخذ بعض القوت ظهر له الشيطان في صورة سوداء قذرة وسقط تحت قدميه قائلاً: “عفوًا. فإني سأقوم لك بهذا العمل”.
فانخدع الرجل العظيم بمكر الشيطان وحسب أن هذا العمل لا يتناسب معه بسبب زهده. فازداد في الصوم متظاهرًا بإنهاك قوى جسده وصار في حالة ملل كان في غنى عنها، وهكذا أضر الرجل روحه وانخدع بالعملة المزيفة…
كما سبق أن أشرنا أنه يلزم على الصراف الحكيم أن يختبر وزن العملة فيتحقق الفكر الذي يخطر علينا، ويضعه على ميزان قلبه ويزنه بميزان دقيق. فقد يكون العمل (الذي يبثه الفكر) مملوء بالخير للجميع أو مثقلاً بمخافة الله ونقيًا وكاملاً في ظاهره، لكن في باطنه تفاخر وزهو بشري أو غرور…
يلزم وزن الفكر بالميزان العام أي اختباره بأعمال وبراهين الرسل الأنبياء النقية كاملة الوزن، نابذين بكل تدقيق وجهاد الأعمال غير الكاملة المزيفة ناقصة الوزن.

23- طرد الأفكار المزيفة

قوة التمييز هذه هامة لنا من جوانب أربعة من جهة موضوع حديثنا:
أولاً: أن ندرك إن كان معدنها ذهبًا نقيًا أم مجرد مغطاة بالذهب.
ثانيًا: يلزمنا أن نستبعد الأفكار التي تعهد إلينا بأعمال مزيفة خاصة بالدين، كما لو كانت عملة مزيفة، صكت بغير حق، وتحمل صورة مزيفة للملك.
ثالثًا: بنفس الطريقة يلزمنا أن تكون لدينا القدرة على تمييز تلك الأفكار التي تشرح ذهب الكتاب المقدس الخالص، شرحًا خاطئًا وهرطوقيًا، فتظهر صورة مخادعة لا صورة الملك الحقيقي.
رابعًا: يجب علينا أن نرفض أيضًا الأفكار التي استنفذت وزنها وفقدت قيمتها بسبب الغرور، فلم تعد بعد تصلح في ميزان الآباء بكونها عملات خفيفة جدًا وزائفة…
لذلك يلزمنا أن نتجنب ما قد حذرتنا منه الشريعة الإلهية بكل قوتنا حتى لا نخسر جزاء كل أعمالنا. “لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ، وحيث ينقب السارقون ويسرقون” (مت19:6). فإن قمنا بعمل ما ناظرين إلى المجد البشرى، فإننا نعلم أنه كما يقول الرب نكنز لأنفسنا كنزًا على الأرض،

وبالتالي نخفيه في الأرض وندفنه فيها، فيهلكه الشيطان، ويتلف بصدأ المجد الباطل أو يفسد بسوس الكبرياء فلا ننتفع منه بشيء.
يلزمنا أن نفتش باستمرار كل غُرفنا الداخلية في القلب، ونقتفي آثار كل ما يدخل فيها، وندقق في بحثها لئلا تدخل إحدى الحيوانات المفترسة. إنني أنطق بهذا خشية أن يدخل أسد أو تنين خلسة تاركًا آثارًا خطيرة وتكشف لغيرها طريق الدخول إلى مخابئ قلبنا، وذلك بسبب إهمالنا في تمييز أفكارنا.
لذا يجب أن نقلب أرض قلبنا بمحراث الإنجيل يوميًا، بل كل ساعة، أي أن نتذكر صليب المسيح على الدوام، فنحطم في قلوبنا كل عرين للحيوانات المفترسة المهلِكة ونزيل موضع اختباء الثعابين السامة.

23- وعده بأن يحدثنا عن “التمييز”

وإذ رأي الشيخ اندهاشنا والتهاب قلبنا بكلمات حديثه، وشوقنا المتزايد، توقف قليلاً عن الكلام… ثم أضاف قائلاً: “يا أولادي. أنه من أجل غيرتكم في سماع النقاش الطويل وبسبب شغفكم كانت تلك النار تمدكم باللذة والاشتياق نحو مناظرتنا. ومن هذا أتبين بوضوح تعطشكم نحو التعلم عن الكمال. إنني أود أن أحدثكم شيئًا عن عظمة “التمييز”، والنعمة التي تحكم الإنسان وتجعله يقتني كل الفضائل، غير مبرهن عليها بالأدلة اليومية إنما بتأملات الآباء وفكرهم.
وإنني أتذكر أنه عندما كان يسألني أحد بتنهد ودموع للحديث عن هذا الأمر، كنت أنا نفسي أجد شوقًا للحديث معه عن بعض التعاليم التي لم يكن في استطاعتي أن أنظمها… وبهذا رأينا بوضوح أن نعمة الله تلهم المتحدث بالكلام حسب احتياج السامعين وغيرتهم.
والآن لا أستطيع إلا أن أنهي حديثي لأن الليل كاد ينتهي، تاركًا الحديث من أجل أن تستريح أجسادكم… ولنترك تكملة ترتيب المناظرة إلى النهار أو الليل المقبل…

ملخص المبادئ

1 نقاوة القلب تعني ملكية القلب للَّه وحده، أي حبنا للَّه وانشغالنا به وتأملنا فيه على الدوام. وهو الترمومتر الدقيق لقياس مدى إخلاص العبادة وتزييفها.
2 العبادة من صوم وصلاة وصدقة ونسك… غايتها نقاء القلب الذي هو طريق الملكوت. وكل وسيلة من وسائل العبادة – مهما بلغ قدرها – تفقد كيانها بل وتضلل الإنسان وتخدعه إذا لم يكن هدفها نقاوة القلب.
3 الإنسان في هذا الجسد الضعيف يبغي كمال النقاوة، يفرح روحيًا قدر ما يقترب منها، ويلزمه أن يحذر لئلا ينحرف عنها، وذلك بفضل عمل الروح القدس الساكن فيه والذي يهبه روح الحكمة أو التمييز (الإفراز) مع الجهاد في خطوات عملية منها:

ا- الاهتمام بحياة التسبيح للَّه والشكر لأن هذا هو عمل أبناء الملكوت.
ب- التأمل في عظمة الخالق ومحبته وعنايته بنا.
ج- التأمل في الصليب كينبوع لا ينضب نرى فيه حب الله اللانهائي واهتمامه بنا.
د- القراءة المستمرة والتأمل الدائم في الكتاب المقدس.
ه- السهر والصوم والصلاة بقصد رفع العقل عن الأرضيات.
و- التمييز بين مصادر كل فكر، لأن أفكارًا كثيرة تبدو مقدسة وهي مضللة، مثال ذلك: أفكار تحث الراهب على الخدمة في العالم وخاصة أثناء الصلاة، وتشوق الكاهن المتزوج للرهبنة، انشغال الإنسان بخطيته بصورة تفقده سلامه الداخلي وتجعله قانطًا كئيبًا مدفوعًا نحو اليأس، والتفكير في مراحم الله وحنانه أثناء استهتارنا وجعل ذلك ستارًا لعدم التوبة…

Mary Naeem 18 - 09 - 2014 02:56 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
ما هي الفضيلة؟ وكيف تُقتنى؟

http://i2.ytimg.com/vi/ESEH6EIl9DY/hqdefault.jpg

قداسه البابا شنودة
جريدة الأهرام - مقال يوم الأحد 4-10-2009


ما هى الفضيلة؟ وما معنى عبارة إنسان فاضل؟

ربُّما عبارة إنسان فاضل تعنى إنه إنسان خيِّر، يحب الخير ويعمله، ويحب البر. والفضيلة قد تعنى النقاوة، نقاوة القلب، والسير في طريق اللَّه. وقد تعنى قوة في النفس تُمكنها من الإنتصار على كل نوازع الشر واغراءته، وتمارس الحياة البارة.

وربُّما الفضيلة تعنى الارتفاع فوق مستوى الذات. بحيث يخرج الإنسان من دائرة ذاته، ويعيش لغيره. يخرج من الاهتمام بنفسه، أو التركيز على نفسه، للاهتمام بالآخرين. يخرج من محبته لنفسه إلى محبته للَّه والناس.. نقول هذا لأن الخطيئة كثيرًا ما تكون انحصارًا حول الذات. كإنسان يُريد أن يرفع ذاته، ويُمتِّع ذاته، ويُشبع رغبات ذاته.

الفضيلة أيضًا هى ارتفاع فوق مستوى اللذة: لأنَّ غالبية الخطايا قد تكون مصحوبة بلذَّة حسية، أو لذَّة نفسية. فتدور حول ملاذ الجسد أو الفكر أو النَّفس. وتصبح لونًا من اشباع الذات، وبطريقة خاطئة. فالذى يُحب المال أو المُقتنيات، إنما يجد لذَّة في المال أو في المقتنيات. وكذلك مَن يحب الزينة، ومَن يحب الأطعمة، ومَن يحب المناصب أو الشهرة، إنما يجد لذَّة في كل هذا. ومَن يحب الجسد يجد لذته في الجسد. ومَن يحب الانتقام لنفسه يجد لذَّة في ذلك... الخطيئة إذن قد تكون سعيًا وراء اللذة. وحينئذ تكون الفضيلة هى ارتفاع فوق مستوى اللذة، إلى أن تجد إشباعًا لها في السعادة الروحية. والسعادة غير اللذَّة، والفرح غير اللذَّة. فاللذَّة غالبًا ما تكون مُرتبطة بالحواس، بالجسد والمادة. أمَّا السعادة والفرح فيرتبطان بالروح. ولذلك فالفضيلة إذن هى إرتفاع فوق مستوى المادة أيضًا.


بقى أن نُوضِّح كيف نقتنى الفضيلة؟ وما مصادرها؟

أول مصدر للفضيلة هو الحكمة والإفراز والمعرفة الحقيقية. أي المعرفة التي تُميِّز بين الخير والشر. ومن جهة الحكمة فالحكيم الحقيقي بالضرورة يسلُك في حياة الفضيلة. أمَّا الخاطئ فإننا نصفه بالجهل حتى ولو كان من العلماء! إنه جاهل بطبيعة الأمور، وجاهل بطبيعة الخير، وجاهل بمصيره الأبدي، وجاهل بما تجلبه الخطيئة من نتائج... فالخاطئ جاهل لا يعرف خيره من شره، ولا نفعه من ضره. ولا نقصد بكلمة جاهل المعنى السطحي للكلمة بما تعني أنه أن يتعلَّم في مدارس أو على أساتذة. إنما الحاجة إلى التوعية والإرشاد.

حتى الإلحاد: يقول المزمور: "قال الجاهل في قلبه ليس إله".. حتى ولو كان هذا المُلحِد من فلاسفة عصره. إنه جاهل!

أمَّا الإنسان الحكيم، فكُلَّما يتعب في الحكمة، فإنه يتعمَّق في فهم الأمور، ويعرف ما ينبغي أن يكون. على أن المعرفة والحكمة وحدها لا تكفي. فقد يعرف الإنسان الخيِّر، ولا يسلك فيه! وهنا نعرض المصدر الثاني للفضيلة.


المصدر الثاني للفضيلة هو قوة الإرادة والعزيمة. لأنَّ هناك أشخاصًا لا يسلكون في طريق الفضيلة، لأنهم مغلوبون من أنفسهم. فالصالح الذي يريده كل منهم لا يفعله... ويحتاج هؤلاء أن يسلكوا في تداريب روحية لتقوية الإرادة. لذلك أن ضعف الإرادة يُسبِّب الوقوع في الخطيئة. والوقوع في الخطيئة يؤدِّي إلى مزيد من الضعف. كل منهما يكون سببًا ونتيجة للآخر...

لذلك نقول عن الإنسان الفاضل إنه إنسان قوي: قوي في الوضوح وفي الفكر، وفي العزيمة وفي التنفيذ. قوي في الإنتصار على الحروب الخارجية، وفي الإنتصار على النزعات الداخلية. أمَّا الذي تستعبده عادة رديئة فهو إنسان ضعيف. والذي لا يستطيع التَّحكُّم في لسانه، ولا التَّحكُّم في أعصابه، ولا التَّحكُّم في فكره، فهو إنسان ضعيف. وبسبب هذا الضعف يبعد عن الفضيلة. حتى وإن تاب عن الخطيئة، يعود إليها مرة أخرى.


من مصارد الفضيلة أيضًا المبادئ والقِيَم: فالإنسان الروحي الذي له مبادئ وقيم يحرص عليها تحصنه، فلا يفعل خطيئة. مهما حُورِب بخطيئة مُعيَّنة، يقول لا أستطيع مُطلقًا أن أفعل هذا الأمر. ضميري يُتعبني. وهكذا كان يوسف الصديق حينما حورب بالخطيئة.

أمَّا الإنسان الخاطئ فلا قِيَم عنده. إنه يكذب لأن الصدق لا قيمة له في نظره. ويزني لأنَّ العفة لا قيمة لها في نظره... وهكذا يكون موقفه مع باقي الفضائل. وبسبب ضياع القِيَم عنده، يقع في الاستهتار واللامبالاة... ولهذا لا الوقت له قيمة، ولا المواعيد، ولا النظام العام، ولا القانون، ولا التقاليد، ولا شيء على الإطلاق!

من مصادر الفضيلة أيضًا مخافة اللَّه. فالذي توجد مخافة اللَّه في قلبه، لا يخطئ. فالإنسان الروحي يخاف أن يكسر وصايا اللَّه، ويخاف اليوم الذي يقف فيه أمام اللَّه ليُقدم حسابًا عن أعماله. وبالمخافة يسلك في طريق الفضيلة، وبممارسة الفضيلة يحبها.

من مصادر الفضيلة أيضًا الموهبة الإلهية: والفضيلة على نوعين: نوع يُولَد الإنسان به، بطبع هادئ طيب. ونوع آخر يُجاهد فيه الإنسان حتى يصل إلى نقاء القلب والفكر. وما أعجب المَثل العامى الذي يقول: "مالك متربي؟ قال من عند ربي". على أن كثيرين جاهدوا حتى يصلوا إلى الفضيلة. مثال القديس أغوسطينوس... حتى الذين وُلِدُوا بالفضيلة يحتاجون أيضًا إلى جهاد، حتى لا يفقدوا برّهم نتيجة لحروب الشياطين. وأيضًا يلزمهم الجهاد من أجل النمو في حياة الفضيلة.


أيضًا مِمَّا يُساعد على الوصول إلى الفضيلة والنمو فيها، النعمة. أي نعمة اللَّه التي تُقوِّي وتُشجِّع وتقود إلى الخير. إنما يجب على كل إنسان أن يتجاوب مع نعمة اللَّه العاملة فيه. كذلك طاعة الإنسان لوخذ الضمير الذي يوبِّخه كُلَّما أخطأ، ويدعوه إلى اليقظة الروحية باستمرار، وإلى التوبة كُلَّما بعد عن الفضيلة. فطاعة الضمير وسيلة هامة نقتنى بها الفضائل. وقد وضع اللَّه الضمير في كل إنسان قبل أن يُرسل الشريعة المكتوبة. والضمير الصالح هو مُرشد قوي...


Mary Naeem 18 - 09 - 2014 02:58 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
البـسـاطـة
تكلم السيد المسيح عن أهمية البساطة فى حياتنا الروحية فقال
"سراج الجسد هو العين فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً"(1) ..ـ
"أنظر إذن لئلا يكون النور الذى فيك ظلمة فإن كان جسدك كله نيراً ليس فيه جزء مظلم يكون نيراً كله كما حينما يضئ لك السراج بلمعانه"(2).ـ
وقال أيضاً
"ليس أحد يوقد سراجاً ويضعه فى خفية ولا تحت مكيال بل على المنارة لكى ينظر الداخلون النور"(3).ـ
وفى مرة أخرى قال لتلاميذه
"ها أنا أرسلكم كغنم وسط ذئاب. فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام"(4).ـ
إذن هناك صلة وثيقة بين الحكمة والبساطة
فعندما يقول كونوا حكماء كالحيات، يقصد الحكمة التى استخدمتها الحية قديماً مع حواء
ولكن ليس بنفس المكر والخداع بل بالتفكير الخيّر والعقل المنضبط.
لذلك قال القديس بولس الرسول
" وأطلب إليكم أيها الاخوة أن تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات خلافاً للتعليم الذى تعلمتموه واعرضوا عنهم.
لأن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم وبالكلام الطيب والأقـوال الحسنة يخدعون قلوب السـلماء.
لأن طاعتكم ذاعت إلى الجميع فافرح أنا بكم وأريد أن تكونوا حكماء للخير وبسطاء للشر.
وإله السـلام سيسحق الشـيطان تحت أرجلكم سريعاً"(5).ـ
حذر الرسول بولس أهل كورنثوس قائلاً لهم
"ولكنى أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تُفسد أذهانكم عن البساطة التى فى المسيح"(6).ـ

(1)- (مت6: 22، 23). (2)- (لو11: 35).
(3)- (لو11: 33). (4)- (مت10: 16).
(5)- (رو16: 17- 20). (6)- (2كو11: 3).
الحية خدعت حواء لتأكل من الشجرة
لذلك إذا أردت أن تعيش حياة البساطة فحاول تطبيق التدريبات الآتية :ـ
ـ1- نـق كل المناظر التى تشاهدها
ولا تسمح بأى منظر شرير يدخل إلى قلبك بل إطرده بالصلوات القصيرة
[ يارب ارحم .. اللهم التفت إلى معونتى يارب أسرع وأعنى ..إلخ ].ـ
لأن "سراج الجسد هو العين"(1)
كما ذكرنا سابقاً فإن كانت عينك بسيطة فالجسد كله يكون نيّراً أى مضيئاً ونقياً.
ـ2- نق القلب أيضاً من كل الشوائب الموجودة داخله، وكل الشرور والظنون الرديئة
فرب المجد قال "الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح
والإنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر فإنه من فضلة القلب يتكلم فمه"(2).ـ

ـ
3- نق الفكر أيضاً لأن الإنسان قد يفكر أفكاراً شريرة كما قال رب المجد
"لأن من القلب تخرج أفكار شريرة قتل، زنى، فسق، سرقة، شهادة زور، تجديف، هذه هى التى تنجس الإنسان"(3).ـ
وينصح بولس الرسول أهل أفسس قائلاً
"أيها العبيد أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة فى بساطة قلوبكم كما للمسيح خادمين بنية صالحة كما للرب"(4).ـ
ـ4- إجعل إرادتك تعمل بنية صالحة وليس بخبث
فبولس الرسول يقول لأهل كورنثوس
"إن من يزرع بالشح أيضاً يحصد .. ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضاً يحصد. كل واحد كما ينوى بقلبه ليس عن حزن أو اضطرار لأن المعطى المسرور يحبه الله"(5).ـ
ـ5- ضع أمامك دائماً كلمة الله فى معاملاتك لتصل إلى البساطة .. فإن الكتاب يقول
"لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من سيف ذى حدين وفارقة إلى
(1)- (مت6: 22). (2)- (لو6: 45). (3)- (مت15: 19).
(4)- (أف6: 5). (5)- (2كو9: 6، 7).
مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته"(1). ـ
ـ 6- اجعل المسيح قدوة لك فى كل تصرفاتك
فإن المسيح له المجد تجسد لأجلنا وعاش بسيط بيننا .. ولد فى مزود بقر .
لم يكن له منزل يسند فيه رأسه .. لم يكن معه نقود يدفع بها الجزية ..إلخ.
لذلك يقول بولس الرسول
"افعلوا كل شئ بلا دمدمة ولا مجادلة لكى تكونوا بلا لوم وبسطاء أولاد الله بلا عيب فى وسط جيل معوج وملتو تضيئون بينهم كأنوار فى العالم"(2).ـ
ـ7- تمثل بآبائنا الرسل الذين كانوا يخدمون الرب ببساطة قلب كما يذكر لنا سفر الأعمال
"وكانوا كل يوم يواظبون فى الهيكل بنفس واحدة وإذ هم يكسرون الخبز فى البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب مسبحين الله ولهم نعمة لدى جميع الشعب"(3).ـ
ـ8- لنكن نيتك سليمة وكلامك صريحاً بدون إلتواء
ولا خبث ولا تظاهر ولا رياء أو خداع كقول الكتاب
"ليكن كلامكم نعم نعم. لا لا وما زاد على ذلك فهو من الشرير"(4).ـ
وقول السيد المسيح أيضاً
"إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساب يوم الدين لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تدان"(5).ـ
ـ9- هناك صلة قوية بين التواضع والبساطة، فالإنسان المتواضع بسيط فى كل تصرفاته، ومن الملوك المتواضعين فى العهد القديم داود النبى،
الذى يكتب لنا مزاميره فى تواضع وبساطة قائلاً
"الرب حنان وصديق وإلهنا يرحم الرب. حافظ البسطاء. تذللت فخلصنى"(6).ـ
ـ10- هناك صلة وثيقة أيضاً بين الوداعة والبساطة فالإنسان الوديع بسيط فى معاملاته مع كل الناس
والرسول بولس يقول لأهل كورنثوس
"لأن فخرنا هو هذا شهادة ضميرنا أننا فى بساطة وإخلاص الله لا فى حكمة جسدية بل فى نعمة الله تصرفنا فى العالم ولا سيما من نحوكم"(7).ـ
(1)- (عب4: 12، 13). (2)-(فى2: 15). (3)- (أع2: 46).
(4)- (مت5: 37). (5)- (مت12: 36، 37). (6)- (مز116: 6).
(7)- (2كو1: 12).


الساعة الآن 11:56 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025