منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كلمة الله تتعامل مع مشاعرك (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=45)
-   -   وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=25)

Mary Naeem 01 - 09 - 2014 05:16 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
ماهية الرجاء
https://images.chjoy.com//uploads/im...9a8620977b.jpg


الرجاء هو الفضيلة الإلهية الثانية التي يفيضها الله في نفوسنا لدى قبول سرّ العماد، بها نأمل ونتوقع من الله بثقة، استناداً إلى وعوده الصادقة وإلى استحقاقات سيدنا يسوع المسيح، أن نفوز بعد مماتنا بالسعادة الأبدية وأن ننال من رحمة الله في هذه الحياة كل الوسائل الضرورية لتأمين خلاصنا الأبدي.


بالرغم من أن الأعمال التي نقوم بها بدافع المحبة الصافية لله هي لإكمال الأعمال إلا أن تلك التي نقوم بها طمعاً بالمكافأة الأبدية ليست سيئة.

‌أ-براهين كتابية:

- »فسابقوا حتى تفوزوا... أما أولئك فلينالوا إكليلاً يفنى وأما نحن فإكليلاً لا يفنى« (1قور 24:9-25).

-»فافعلوا للرب عالمين بأنكم ستأخذون من الرب جزاء الميراث« (قو24:3).

- »نئن منتظرين التبني، افتداء أجسادنا« (روم 23:8).

‌ب-أدان المجمع التريدنتينيمَن يقول بأن القيام بالعمل الصالح ابتغاء للمكافأة هو عمل شرير.

‌ج-براهين عقلية:

- إن جودة وصلاح أي عمل ينبع من موضوعه. وبما أن موضوع الرجاء هو الله فإن الرجاء هو فضيلة ترضي الله.

- إذا كنت أحب الله لأنه خيري وكنزي لا يعني أني أنكر صلاحه في ذاته. لا تتنافى المحبة مع الرجاء.

ولا تتناقض بين كون الله محبوباً من أجل ذاته ومحبوباً لأنه خيري وعزائي وسبب كمالي وعلة خلاصي.

أما إذا أحببت الله فقط من أجل المكافأة وبدونها ما كنت أحببته، فإن ذلك يعني تمسّكي بالخطيئة.

قال توما الإكويني: »إن الله هو موضوع إيماننا بصفة كونه الحقيقة القصوى، وموضوع محبتنا لكونه الخير الأسمى، وموضوع رجائنا لكونه المكافأة العظمى«.



Mary Naeem 01 - 09 - 2014 05:20 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
علاقة الرجاء بالإيمان والمحبة

https://images.chjoy.com//uploads/im...bbaee08c89.jpg

الثلاثة معاً تكوّن الفضائل الإلهية التي تنظّم علاقة الخالق بالخليقة وتشكّل الوسيلة التي بها يستطيع الإنسان أن يعيش مع الله حياة اتحاد روحي ومودة كبيرة.

ويقف الرجاء بين الإيمان والمحبة كما تتوسط الأخت الصغيرة أختيها الكبيرتين ممسكة أيديهما.

»فالإيمان قوام الأمور التي ترجى وبرهان الحقائق التي لا تُرى« (عب 1:11). ودرجة رجائنا تتأثر بدرجة إيماننا بقدرة الله وأمانته ورحمته.

الرجاء يوصلنا إلى عتبة المحبة. فالرغبة في امتلاك المحبوب تضاعف قوة المحبة في قلب الإنسان. والمحبوب هو الله، والسعادة الأبدية


هي امتلاك الله بالعيان. وبدورها فإن المحبة تقوّي الرجاء:

»فمحبتنا الحالية لله الذي لا نراه تزيد فينا الرغبة في رؤيته«.


Mary Naeem 01 - 09 - 2014 05:20 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 

لا يخلص الإنسان بدون الرجاء. فكيف ننال العفو إن لم نرجو العفو؟

وكيف ننال السعادة الأبدية ونتغلّب على الصعوبات التي تعترض سبيلها إن كنا لا نرجوها؟ لذلك أمر الكتاب المقدس بها:

»سابقو أنتم حتى تفوزوا. أما أولئك فلينالوا إكليلاً يفنى وأما نحن فإكليلاً لا يفنى« (1كور 25:9-27).

»لا تحزنوا كمن لا رجاء لهم« (1تس 12:4).

»وصي أغنياء الدهر الحاضر ألا يتكلوا على الغنى الغير ثابت بل على الله الحي الذي يؤتينا كل شيء بكثرة لنتمتع به«(1تيم 17:6).

ومن الضروري أن يعلن المسيحي عن رجائه مباشرة في المواقف الهامة، عند التجارب وساعة الموت، وضمناً عندما يعمل الأعمال الصالحة. »

لا أحد يذهب إلى الآب، قال الإكويني، ما لم يرجُ شيئاً منه«.

Mary Naeem 01 - 09 - 2014 05:21 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الرجاء من وجهة نظر الفلسفة المعاصرة

https://images.chjoy.com//uploads/im...b5a83739e7.jpg

ليست الفلسفة المعاصرة في أغلب نظرياتها مشجعة للرجاء المسيحي. بل بالعكس تقاومه وتحقره. ورغم سلبية كل ذلك إلا أن المسيحي يستطيع الإفادة من النقد ليصلح من ذاته حيث لزم الإصلاح. والانتقاد الأول هو أن الرجاء المسيحي وهمي، فردي وأناني، ولذلك لزم البحث عن رجاء عام ملموس وحقيقي.



‌أ-نيتشه:الرجاء المسيحي هو فضيلة الضعفاء.

»المسيحي لا يضرّ ولا ينفع وهو متهور على أمره. هو غريب عن شغل الأرض إذ أن سيرته في السماويات.

وعندما يضع المسيحي نقطة الاستناد في العالم الآخر فإنه ينزع من الحياة مركز ثقلها فتنتهي الحياة حيث يبدأ ملكوت الله«

(نيتشه، إرادة القوة).



وقد بلغ نيتشه مبلغ الإلحاد عندما أعلن موت الله وأن الإنسان هو الذي قتله ليأخذ مكانه. فنادى بالإنسان »السوبرمان«.

ومن المضحك المبكي أن نيتشه انتهى نهاية غير موافقة لنظرياته. هو الذي نادى بالسوبرمان كان يبكي من الحزن والتأثّر على حيوان يراه في الطريق.



‌ب-الوجودية الملحدة:تدعو الإنسان إلى نبذ الأمل لأنه غير حقيقي ولأنه لا يوجد هدف لأعمالنا وبالتالي لا مكافأة تُنتظر.

ومعنى الكلمة في قاموسها هو العبث واللامعقول، فلا مكان لله بين البشر »إذ أن الحياة هي قضية بشر ويجب معالجتها بين البشر أنفسهم«


أي بدون تدخّل الله (من أسطورة سيزيف، ألبير كامو).

‌ج-الماركسية:فقد وجدت البديل للرجاء المسيحي وهذا البديل هو مادي محسوس يقوم على بناء مدينة المستقبل وإيقاظ الغضب ضد الظلم (باكونين).

فنادت الماركسية بالعلم والتقدّم والمستقبل وبالتحرير الاقتصادي والاجتماعي. وادّعت أن العقبة أمام تحقيق ذلك هي الديانة المسيحية لأنها تعلّق الأمل على مدينة آتية وغير موجودة وتبعد الانتباه عن بناء المدينة الحاضرة.

وتريد الطبقة البرجوازية بذلك أن تسحق وتخدّر الطبقة الكادحة (لينين). في الماركسية الإنسان للإنسان هو الله والمسيح المنتصر.

‌د-الجواب:لم تفِ الماركسية بتعهداتها. وبدلاً من دكتاتورية البرجوازية ولدت دكتاتورية الحزب والدولة.

ولم تعد الدولة تمثّل الشعب وخير برهان هو ما حدث مؤخراً في المعسكر الشرقي، في روسيا وفي أوروبا الشرقية.

وكما في البلاد الرأسمالية فإن الأموال تصرف في التسلّح. ولم يعد الشعب يتمتع بالثروة الموعودة، ومازال يكتفي بالمواعيد.

ولا شك أنه تمّ تحسّن ملموس. ولكن أين ذلك من المجتمع المثالي الموعود والحريات المثالية التي تنادي بها الماركسية؟. ماذا ينفع الإنسان إذا حررته من الله


وتركته وحيداً ساعة الموت؟

أليس ذلك شبيهاً بمرافقة إنسان محكوم عليه بالموت إلى ساحة الإعدام والترفيه عنه طيلة الطريق ثم تركه وحيداً يعاني حشرجة النزاع؟

وملخص الجواب: إن قتل الله يعني قتل الإنسان وإن الإلحاد واللاإنسانية هما وجهان متكاملان لنفس العملة.

Mary Naeem 01 - 09 - 2014 05:22 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
التطلّعات البشرية وموقف المسيحيين منها

https://images.chjoy.com//uploads/im...9b3df10959.jpg

هنالك تطلعات بشرية حقة وواجبة على المسيحيين أن يتطلعوا إليها ويساهموا في تحقيقها. وهي الجزء المحسوس والأرضي من الرجاء المسيحي:

- تطلعات اقتصادية: تحسين أوضاع الدول النامية والأفراد.

- تطلعات ثقافية: محو الأمية.

- تطلعات سياسية: استقلال الفئات العرقية والدينية.

- تطلعات علمية: غزو الفضاء وحل مشكلات الطاقة.

- التطلعات إلى السيطرة على الموارد الموجودة في الأرض لخدمة الإنسان. وهذا مأرب جيد إذ أن الله أورث الإنسان الأرض وطلب إليه أن يخضعها لسلطانه.

أما موقف المسيحي منها فهو لا يستطيع أن يقف مكتوف الأيدي بحجة أنه يتطلّع إلى مجيء المسيح في نهاية العالم.

فالمسيح في الدينونة سوف يديننا على المحبة وعلى مشاركتنا في بناء حياة كريمة هنيئة لأنفسنا ولإخوتنا البشر.

وإطعام الجياع وكسو العراة وزيارة المرضى والسجناء المذكورة في الإنجيل ليست إلا نماذج مبسّطة للأعمال المتنوعة والملّحة المطلوبة من المسيحيين.

ويقول قرار المجمع الفاتيكاني الثاني »الكنيسة في عالم اليوم«: »

غير أن انتظار الأرض الجديدة بدلاً من أن يخفف من اهتمامنا باستثمار هذه الأرض، يجب بالأحرى أن يوقظها فينا: فجسم العائلة الإنسانية الجديدة ينمو فيها، راسماً الخطوط الأولى للعالم الآتي« (رقم 39).

والحاضر الزمني يهم المسيحي كما أنه مهتم بالمستقبل. ويلّح عليه الحاضر بالعمل من أجل قضايا الساعة. وبالإضافة إلى ما ذكر على المسيحي أن يهتم بالدفاع عن حريات الآخرين كلما رأى أنها مكبوتة

وأن يعمل ضد الظلم أينما كان ولإحلال المساواة بين الناس. والدافع لذلك هو الأمر الصادر عن المسيح وقوة رجائنا به، هو الذي سيأتي ليسألنا الحساب. وهذا الرجاء يجعلنا نتحرّك للعمل بالرغم من صعوبة الظروف.

وهل أقوى من رجاء صاحب الحقل الذي عندما وجد الزؤان بين القمح لم ييأس بل صبر بانتظار الحصاد لينقي بيدره...

والمسيحي لا ييأس من قوى الشر العاملة والمتحركة حوله، لأنه يعلم بمن آمن وبمن يعطيه الغلبة على الشر. وكلمة المسيح لا تزال ترن في أذنه:

»ثقوا لقد غلبت العالم«.

Mary Naeem 01 - 09 - 2014 05:23 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
خطايا ضد الرجاء

https://images.chjoy.com//uploads/im...036d83d436.jpg

‌أ- اليأس:هو رفض السعادة الأبدية بسبب الشعور باستحالة البلوغ إليها. وتلك خطيئة يهوذا. وهذا لا يعني حتماً فقدان الإيمان بالرحمة الإلهية إنما التعامي عنها وتجاهلها وعدم طلبها عن كبرياء أو ظناً بأن الإثم أثقل من أن يُغفر.

واليائس يضع نفسه في موقف خطير، لأنه يستبدل سعادته الأبدية بالسعادة السهلة المنال فيستسلم للرذيلة تاركاً كل الأعمال الصالحة التي لا تحرّك وتراً فيه. إن اليأس هو فقدان الحافز والزنبرك لكل أعماله الصالحة...

وفاقد الرجاء هو فاقد للمحبة أيضاً. وبإمكاننا معالجة خطيئة اليأس من خلال:

- التأمل في الإنجيل ولاسيما في أمثال الرحمة الإلهية في إنجيل لوقا (الابن الضال، اللص اليمين...).

- التأمل في آلام المسيح والقيام بصلاة "درب الصليب".

- التأمل في سعادة السماء.

- قراءة حياة الخطأة التائبين.

- الصلاة لمريم العذراء ملجأ الخطأة وأم الرجاء.

- الاهتمام بتنمية الفرح لأن ذلك أفضل علامة على رجائنا. ولا ينمو الرجاء في جو كآبة وسوداوية.

وكيف لا نفرح ونحن نعلم بأن الله الذي سنسعد بمشاهدة وجهه في السماء هو الآن معنا في الإنجيل والقربان وفينا بنعمته وحضوره العجيب؟

ب- الإدّعاء: هو الاعتماد، من جهة، على القوة الذاتية فقط دون الاعتماد على نعمة الله. ومن جهة أخرى أنه الظن بأننا سنحصل على رحمة الرب والسعادة الأبدية بدون الحاجة إلى التوبة. وهذا يعني الإيمان المفرط برحمة الله دون الإيمان بعدله. قال الإكويني:

»الاعتقاد بالرحمة وعدم إقامة وزن للعدل الإلهي ليس من باب الفضيلة إنما هو غباء«.

ذلك أن الادعاء هو احتقار لعدل الله. أما خير علاج لهذه الخطيئة فهو أن نتذكّر هذه الآية:

»أن الله لا يُستهزأ به«.

ج- التفاؤل الأعمى: الظن بأن الأمور ستهون وأن المشاكل تجد حلاً بنفسهـا بدون دفع أي ثمن من الجهد والعناء. وقال لهم المتنبي:

تريد من لقيان المعالي رخيصة ولابد دون الشهد من إبر النحل

د- قلة الثقة: وهذه المرة ليست بقدرة الله عامة وإنما بفعالية الصلاة وبفعالية الالتجاء إليه تعالى في التجارب والكروب.


ويحتاج أولئك الأشخاص إلى تعميق إيمانهم بالله وبقدرته، إلى اختبار الصلاة والتذكّر بأن »كل شيء يؤول لخير الذين يحبون الله« وأنه تعالى »يكتب كتابة مستقيمة بأسطر منحرفة«.

Mary Naeem 01 - 09 - 2014 05:27 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
لأننا في الرجاء نلنا الخلاص


http://www.peregabriel.com/gm/albums...rmal_mikel.jpg

رسالة بابوية لمنح العالم الرجاء

المطران أنطوان أودو

نشر البابا بنديكتس 16 يوم الجمعة 3 ت2 رسالة جديدة حول موضوع الرجاء المسيحي، وفيها يعرض على الإنسانية التي تبدو وكأنها خائبة، الرجاء الذي يحمله إليها المسيح.

تبدأ الرسالة بمقطع من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل رومة: " لأننا في الرجاء نلنا الخلاص " (روم 8 / 24) ويشدّد البابا على أنَّ ما يميّز المسيحيين هو كونهم لهم مستقبل، وهم يعرفون أن حياتهم لا تنتهي بالعدم (الفقرة 2) (راجع 1 تس 4 / 13) " ولا نريد أيها الإخوة، أن تجهلوا مصير الأموات لئلا تحزنوا كسائر الناس الذين لا رجاء لهم"

الرجاء هو لقاء

" أن نصل إلى معرفة الله، الله الحقّ، هذا يعني أنّنا نِلنا الرجاء "، هذا ما يقوله البابا في الفقرة 3 من الرسالة، ولكي يوضّح ذلك، فإنه يلجأ إلى مثل واقعي من حياة الكنيسة وقدّيسيها. فالرجاء المسيحي يتجلّى في حياة عبدة سودانية جوزفين باخيتا المولودة في دارفور سنة 1869 وكانت دوماً تردّد: " إنني محبوبة بشكل نهائي ومهما حصل لي، فإن الحب ينتظرني وهكذا أصبحت حياتي صالحة "

( الفقرة 3 ). فبمعرفة هذا الرجاء " خَلُصَتْ " باخيتا ولم تعد تشعر بأنها مستعبدة بل هي إبنة لله، حرّة. وتعمَّدت ودخلت الحياة الرهبانية في إيطاليا وتحوّلت إلى مُرسَلة. فاللقاء مع الله جعلها تشعر بمسؤولية إعلانه للآخرين.

ويتابع البابا في الفقرة الرابعة مُظهراً أن يسوع لم يأتِ لكي يعرض علينا رسالة اجتماعية ثورية لأنّه لم يكن " محارباً في سبيل تحرير سياسي ". لقد حمل لنا يسوع: " اللقاء مع الإله الحيّ، وبالتالي اللقاء مع الرجاء الذي هو أقوى من عذابات العبودية، ولذلك فهو يحوّل من الداخل حياة العالم ".

ويختم البابا الفقرة الخامسة قائلاً: " السماء ليست بفارغة. الحياة ليست حصيلة بسيطة لقوانين المادة ونتائجها، ولكن في كل شيء وفي الوقت نفسه، وفوق كل شيء، هناك إرادة شخصية، هناك الروح الذي بيسوع، ظهر لنا على أنّه الحب."

فالمسيح هو " الذي يقول لنا في الواقع من هو الإنسان وما عليه أن يعمل ليصبح حقاً إنساناً ". إنّه يدلنا على هذه الطريق، وهذه الطريق هي الحقيقة " ( الفقرة 6 )

نستخلص من ذلك كلّه أنّه بالنسبة للبابا، ليس الرجاء " شيئاً "، ولكن " شخصاً "، فهو لا يعتمد على ما هو عابر، بل على الله الذي يَهِب نفسه وبشكل دائم.

اعتباراً من الفقرة 16 يتوقف البابا عند فكر الفيلسوف فرنسيس بيكُن: تحوّل الإيمان الرجاء المسيحي في الأزمنة الحديثة . يقول بيكُن: هناك علاقة جديدة بين العلم والواقع ويُطبّق ذلك على اللاهوت. فهذه العلاقة بين العلم والواقع تعني أن السيطرة على الطبيعة التي أعطاها الله للإنسان، والتي فُقدت بالخطيئة الأصلية، قد أخذت مكانها ثانية، بالعلم طبعاً.

ويتابع البابا في الفقرة 17 شرح فكر بيكُن: إلى الآن، كان الإنسان ينتظر استرجاع ما خسر عندما طُرِد من الفردوس، بواسطة الإيمان بيسوع المسيح، وفي ذلك كان يرى الخلاص . أما الآن، فهذا الخلاص الذي هو استرجاع " الفردوس " الضائع، لم يعد الإنسان ينتظره من الإيمان، ولكن من العلاقة المكتشفة بين العلم والوقع. هذا لا يعني أن الإيمان، مع هذه الرؤية الجديدة، قد أصبح منفياً: ولكنه بالأحرى انتقل إلى مستوى آخر إلى مستوى الحياة الخصوصية والأرضية وفي الوقت نفسه، يصبح الإيمان نوعاً ما، من دون معنى، بالنسبة للعالم. هذه الرؤية قد حددت اتجاه الأزمنة الحديثة، وهي تؤثر بالتالي على أزمنة الإيمان الحالية، التي هي في الواقع وخاصة أزمة الرجاء المسيحي. وهكذا يتخذ الرجاء لدى بيكُن شكلاً جديداًَ، لقد أصبح إيماناً في التطور... سوف يقودنا إلى " ملك الإنسان".

ويتابع البابا تفسيره في الفقرة 18 قائلاً: لدينا مفهومان مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بفكرة التطور وهما العقل والحرية. فالتطور هو تطور في نمو مُلِك العقل، ويعتبر هذا العقل بوضوح كقوّة خير ومن اجل الخير. فالتطور يتجاوز كل التبعيات إنّه تطوّر نحو الحرية التامة. وفي هذا المجال تعتبر الحرية كوعد فيه يتجّه الإنسان نحو الكمال.

أمّا في الفقرة 19 فيتوقف البابا عند شرح الثورة الفرنسية انطلاقاً من مفهوميْ العقل والحرية، قبل أن ينتقل في الفقرة التي تتبع إلى الثورة الماركسية.

فالثورة الفرنسية هي محاولة لبسط سلطة العقل والحرية على الحاصر وبأسلوب سياسي واقعي. انطلاقاً من واقع الثورة ونتائجها يفكر " عمانوئيل كانت " حول معنى الأحداث في مرحلتيْها الأولى والثانية وينشر كتاباً في السنة 1792 عنوانه : " انتصار مبدأ الخير على مبدأ الشر وتأسيس مُلْكَ الله على الأرض " ويكتب " كانت " في هذا المجال: " إن العبور المتدرج من إيمان الكنيسة إلى سلطة الإيمان الصافي الوحيدة هي اقتراب ملكوت الله ". ويزيد " كانت " أن باستطاعة الثورات أن تسرع في العبور من إيمان الكنيسة إلى الإيمان العقلاني، إلى الإيمان الديني، أعني بواسطة الإيمان العقلاني.

يتابع البابا في الفقرة 20 ملاحظاً أن هيمنة العقل والحرية خلقت في القرن التاسع عشر البروليتاريا الصناعية. فكان لا بدَّ من ثورة بروليتارية بعد الثورة البورجوازية. لقد برز ماركس لكي يحقّق ما سمّاه " كانت " " ملك الله ". فبعد القضاء على حقيقة الماورائيات، لا بدَّ من إقامة حقيقة الأرض. إن انتقاد السماء يتحوّل إلى انتقاد الأرض، وانتقاد اللاهوت يتحوّل إلى انتقاد السياسة. فالتطوّر نحو الأفضل، نحو عالم صالح نهائياً لا يتأصّل في العلم ولكن في السياسة في سياسة قائمة على العلم التي تعرف كيف تكتشف بنية التاريخ والمجتمع والتي توجّه نحو طريق الثورة، نحو تغيير كل شيء. إنّ وعد ماركس، استناداً إلى دقة تحاليله وإلى تحديده الوسائل التي تقود نحو التغيير الجذري، قد بهرت الجماهير ولا زالت.

الفقرة 21 : انتصر ماركس في ثورته إلاّ أنّ خطاه ظهر للعيان. لقد أشار إلى تحقيق الثورة إلاّ أنّه لم يقُل كيف على الأمور أن تستمر فيما بعد. إن خطأ ماركس هو المادية، لأنّ الإنسان ليس فقط نتاج الشروط الاقتصادية، ولا يستطاع شفاؤه من الخارج فقط، بواسطة الشروط الاقتصادية المناسبة.

يتابع البابا تحليله فكرة التطور والعقل والحرية في الفقرة 23، وفيها يطرح بعض الأسئلة الجوهرية على الفلسفة الحديثة: يقول البابا أجل إن العقل هو عطية الله الكبرى للإنسان، وانتصار العقل على اللاعقل هو أيضاً هدف من أهداف الإيمان المسيحي. ولكن متى يسيطر العقل ؟ أعندما ينفصل عن الله ؟ أم عندما يصبح أعمى أمام الله ؟ هل يبقى العقل عقلاً كاملاً في هذه الحالة ؟ لكي يكون التطوّر تطوّراً، فإنّه يحتاج إلى نمو الإنسانية الأخلاقي، وكذلك على مقدرة العقل أن تنفتح على قوّة الإيمان الخلاصيّة، على موقف التمييز بين الخير والشرّ. بهذه الطريقة فقط يصبح العقل حقاً إنسانياً.

يصبح إنسانياً إن استطاع أن يدلّ الإرادة إلى الطريق، ولا يستطيع ذلك إلاّ إذا نظر إلى أبعد من ذاته. فالإنسان بحاجة إلى الله وإلاّ بقي محروماً من الرجاء.

وفي الفقرات 24 - 26 يجد البابا أنَّ باستطاعة العلم المساهمة كثيراً في أنْسَنة العالم والإنسانية، إلاّ أنّ باستطاعة العلم أيضاً أن يهدم الإنسان والإنسانية، إن لم يتوجّه بواسطة قوى خارجة عنه. فليس العلم هو الذي يخلّص الإنسان، فالإنسان مُخَلَّص بالحب. ولذلك باستطاعتنا القول إن فرنسيس بيكُن وأتباع التيار الفكري الحديث الذي أسّسه، الذين اعتبروا أنّ الإنسان يخلص بالعلم قد خطئوا. يحتاج الإنسان إلى الحب غير المشروط من اجل الخلاص، يحتاج إلى أن يسمع قول بولس الرسول: ( روم 8 / 38 - 39 ) راجع غل 2/20 )


خاتمة القسم الأول الفقرة 30 - 31

هذا الرجاء العظيم الذي يسعى وراءه الإنسان من خلال رجاءاته الصغيرة والمتعددة لا يستطيع أن يكون إلاّ الله وحده الذي يُشعل العالم والذي يستطيع أن يُقدّم لنا ما لا نستطيع أن نصل إليه وحدنا.

الله هو أساس الرجاء، وليس أي إله كان، ولكن الله الذي له وجه بشري والذي أحبنا حتى النهاية كل واحد بمفرده والإنسانية بكاملها.

ملكوته ليس بعالم خيالي آخر، وليس موجوداً في مستقبل لا يتحقّق أبداً. ملكوته هو حاضر حيث هو محبوب وحيث حبّه يلتقي بنا. إن حبّه فقط يعطينا إمكانية الثبات بتجرّد يوماً بعد يوم، دون أن نفقد اندفاع الرجاء، في عالم هو في طبيعته غير كامل، ولكن وفي الوقت نفسه، إنّ حبّه لنا هو الضمان لوجود ما نشعر به بغموض ومع ذلك ننتظر في أعماقنا الحياة التي " حقاً " الحياة.

http://www.peregabriel.com/gm/albums...ormal_mrmr.png

" الأمكنة التي فيها نتعلم الرجاء ونعيشه "

1 - الصلاة ( 32 - 34 )

2 - العمل ( 35 )

3 - الألم ( 36 - 40 )

4 - الدينونة ( 41 - 48 )

يتوقف بنديكتوس 16 عند أربع محطات فيها يتعلم الإنسان الرجاء ويعيشه.

1- وأول محطة هي " الصلاة " :

ويقول البابا في الفقرة الأولى الرقم 32: " إن لم يسمعني أحد، فالله يستمر في الإصغاء. وإن لم أستطع بعد الكلام مع أحد ولا أستطيع أن أنادي أيّاً كان، أستطيع أقلّه أن أخاطب الله دوماً ... فالإنسان الذي يصلّي لا يكون أبداً وحيداً كلياً. "

بعد هذه المقدمة حول أهمية الصلاة في العلاقة مع الله يتحدث البابا عن شخصية فيتنامية: الكاردينال نكوين فان توان. لقد سُجِن مدة ثلاث عشرة سنة في الفيتنام وفي السجن كتب كتاباً صغيراً عنوانه: " صلوات الرجاء ". وبعد تخْلية سبيله انطلق في العالم كلّه شاهداً للرجاء.

ولكي يؤكد على أهمية الصلاة يستشهد البابا بمفكِّره المفضّل أوغسطينس فيما يقول في الصلاة والعلاقة مع الله : " وهكذا فالله، عندما يجعل الإنسان ينتظر يوسّع رغبة الإنسان، وعندما يجعله يرغب فيه، يوسّع روحه، وعندما يوسّع روحَه يزيد في مقدرته على الاستيعاب ". ( راجع فل 3 / 13 )

ويختم البابا تعليقه على كلام أوغسطينس الرائع بقوله: " أن نصلّي لا يعني الخروج من التاريخ والانكفاء في مجال خاص بسعادة فردية. فالطريقة الصحيحة في الصلاة هي عملية تطهير داخلي تجعلنا أهلاً للوقوف أمام الله وبالتالي الوقوف أمام الناس".

ويتابع البابا تأمله في تعلّم الصلاة قائلاً: " الصلاة هي تنقية لرغباتنا ورجاءاتنا. فبواسطتها يتحرّر الإنسان من الأكاذيب الباطنية التي بها يغش نفسه: فالله يتمحصها والمقابلة مع الله تحمل الإنسان على أن يعترف بأكاذيبه... فإن كان الله غائباً، فعلي لربما أن أختبئ وراء الأكاذيب، لأنه لا يوجد أحد يستطيع أن يغفر لي ... فاللقاء مع الله يوقظ ضميري، لأنّه لم يعد يقدّم لي التبرير الذاتي، ولم يعد ضميري تأثيراً ذاتياً أو نتيجة لما يحوط بي، بل يصبح الضمير المقدرة على الإصغاء للخير في حد ذاته.

2 - في الفقرة 35 التي تبدأ بالحديث عن " العمل " يقول البابا :

كل عمل جدي ومستقيم يقوم به الإنسان هو رجاء فعّال ".

ويتابع البابا تفكيره في هذا المجال مشدّداً على معنى الرجاء في المفهوم المسيحي. فالرجاء هو دوماً رجاء من أجل الآخرين، وهو رجاء فعّال، بواسطته نجاهد في سبيل ألاّ تتوجه الأمور نحو " نهاية فاسدة " فهذا الرجاء الفعّال يحافظ على العالم في حالة من الانفتاح على الله. واستناداً إلى هذه الرؤية يبقى الرجاء حقاً رجاءً إنسانياً.

3 - الألم " :

يتوقف البابا عند فكرة الألم وعلاقتها بالرجاء مطوّلاً ويخصص لذلك الفقرات 36?40، وهذا مما يشير إلى الأهمية الفكرية والوجودية التي يمنحها اللاهوتي والمسيحي إلى مثل هذه الحقيقة الإنسانية.

يقول البابا: " لا بدَّ لنا من أن نعمل كل شيء في سبيل تخفيف الألم ولكن علينا أن ننتبه، ليس بتحاشي العذاب وبالهرب من الألم الذي يشفي الإنسان، ولكن بالمقدرة على قبول الاضطرابات والولوج إلى النضوج من خلالها، وان نجد معنى لها بالاتحاد مع المسيح الذي تألم بحب ليس حدود ". وفي هذا المجال يتوقف البابا مطولاً عند صلاة وشهادة حياة عاشها الشهيد الفيتنامي في السجن بول لورباو- تين ( +1857) تحوَّل الألم بقوّة الرجاء، إلى صلاة شكر وتسبيح.

فالألم دون أن يتوقف عن كونه ألماً يتحوّل رغم كل شيء إلى نشيد تسبيح.

4 - الدينونة :

وفي الفقرات 41 - 48 يعطي البابا أهمية شديدة لموضوع الدينونة من حيث أنه قِبْلَة الرجاء والحقيقة. يبدو أن هذا الجزء هو مخصص للدينونة في علاقتها مع الرجاء وهو في الوقت نفسه خاتمة لكل الرسالة، فيها يصل البابا إلى النتائج التي يريد ان يستخلصها من كل ما تقدّم.

يبدأ البابا بالقول: ينتهي الجزء الذي يتحدّث عن سرّ المسيح في " النؤمن" وأيضاً سيأتي بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات ". فمنذ البدايات كانت الدينونة بالنسبة للمسيحيين مقياساً لتنظيم حياتهم اليومية، وكدعوة موجّهة إلى ضمائرهم وأيضاً كرجاء في عدل الله ... هذه النظرة نحو المستقبل مُنحت المسيحية اهتماماً كبيراً بالحاضر. (راجع الكاتدرائيات

في الفقرة 42 ، يلاحظ البابا أنّه في العصر الحديث الاهتمام بالدينونة النهائية قد اختفى: يصبح الإيمان المسيحي فردياً ويتوجّه نحو خلاص النفس الشخصي. أمّا التفكير في التاريخ العام، على العكس من ذلك، فيسيطر عليه الاهتمام بالتطوّر، واتخّذ الانتظار شكلاً جديداً مختلفاً جذرياً. فالإلحاد في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، هو بحسب جذوره وأهدافه أخلاقية، هو اعتراض على الظلم وعلى التاريخ العام. فالعالم الذي فيه هذا الكم من الظلم، من ألم الأبرياء، ومن تعسّف الحكم لا يستطيع أن يكون من صنع الله. فالله الذي قد يكون مسؤولاً عن عالم كهذا، لا يستطيع أن يكون إلهاً عادلاً ولا حتى بالطبع إلهاً صالحاً. فباسم الأخلاق لا بُدَّ من رفض هذا الإله وبما أنّه ليس هناك إله يخلق العدل، يبدو أنّه على الإنسان نفسه أن يكون مدعواً إلى أن يحقق العدل.

إن كنّا نقبل بهذا الاعتراض الذي يحمله العالم ضد الله ونفهمه، إلاّ أنَّ ادّعاء الإنسانية مقدرتها على القيام بما لم يعمله أيّ إله هو ادّعاء خاطئ في أساسه. ومن مثل هذا الادّعاء نصل إلى أوحش التعديات على العدل، لأنَّ مبدأ هذا الادّعاء خاطئ. إنَّ العالم الذي يريد أن يخلق بذاته عدله، هو عالم من دون رجاء.

لذلك، بتابع البابا في الفقرة 44: الاعتراض على الله باسم العدل لا يجدينا نفعاً. فالعالم من دون الله هو عالم من دون رجاء ( راجع أف 2/12 ). وحده الله يستطيع أن يخلق العدل. والإيمان يؤكّد لنا بأنَّ الله يحقق ذلك. فصورة الدينونة الأخيرة ليست بالدرجة الأولى صورة مخيفة، ولكنها صورة رجاء ... وهي صورة فيها الخوف، لأنّها تدعو إلى المسؤولية. الله هو العدل ويخلق العدل، هذه هي تعزيتنا ورجاؤنا. ولكن في عدل الله هناك أيضاً في الوقت نفسه النعمة، ونعرف ذلك عندما نرفع نظرنا إلى يسوع المصلوب والقائم من بين الأموات؛ فعلى العدالة والنعمة أن يؤخذا معاً في علاقتهما الباطنية. فالنعمة لا تلغي العدالة، ولا تحوّل الباطل إلى حق. ( راجع مثل الغني ولعازر لو 16/ 19 - 31 )

( راجع أيضاً 1 قور 3 / 12 - 15 ).

في الفقرة 47 يجد بعض اللاهوتيين أن النار هو المسيح، هو النار الذي تحرق وتخلّص، هو الديّان والمخلّص ... فنظرة المسيح، وخفقان قلبه يشفياننا بواسطة التحوّل المؤلم، وكأنّنا نعبر " بالنار". وهذا ألم مفرح، لأنّه بواسطته يخترقنا حبّه كالشعلة، يساعدنا على أن نكون في النهاية " ذواتنا " بشكل كامل وفي الوقت نفسه " من الله " بشكل كامل. هكذا يتوضّح التداخل بين العدالة والنعمة: هذا لا يعني أن طريقة حياتنا هي بدون معنى، ولكن قدراتنا لا تلتصق بنا إلى ما لانهاية، إذا بقينا، أقلّه، مشدودين نحو المسيح، نحو الحقيقة ونحو الحب.

فدينونة الله هي رجاء لأنّها في آن عدالة ونعمة ( راجع ص 76 آخر الرقم 47 علاقة العدالة مع النعمة في الله

الخاتمة

مريم نجمة الرجاء ( الفقرتان الأخيرتان 49 - 50 )

تُحيِّ الكنيسة مريم، أم الله، على أنّها نجمة البحر في نشيد قديم يعود إلى ما بين القرنين السابع والتاسع، أعني منذ أكثر من ألف سنة.

يقول قداسة البابا مستوحياً من صورة البحر والنجمة، الحياة البشرية هي طريق، ونحو أيّة نهاية ؟ وكيف نجد الطريق ؟ فالحياة هي رحلة على بحر التاريخ، وغالباً ما يكون معتماً وعبر العواصف، هي رحلة فيها نحدّق بالكواكب التي تدلنا على الطريق.

فالكواكب الحقيقية في حياتنا هم الأشخاص الذي عرفوا أن يعيشوا بالاستقامة. هم أنوار الرجاء. لا شكَّ أن يسوع هو النور، هو الشمس الذي يشرق على ظلمات التاريخ كلّها. ولكن للوصول إليه، نحن نحتاج إلى أنوار قريبة منّا، أشخاص يعطوننا النور وهم يستقونه من نوره فيقدمون لنا اتجاهاً في عبورنا.

ومَنْ يستطيع أكثر مِنْ مريم أن يكون لنا نجمة الرجاء، هي التي " بالنَّعَم " التي قالتها لله نفسه فتحت باب عالمنا، وأصبحت تابوت العهد الحي الذي فيه صار الله بشراً، وأصبح واحداً منّا، ونصب خيمته في وسطنا ( راجع يو 1 / 14).

وفي الفقرة 50 يرفع البابا الصلاة إلى مريم التي قبلت الرجاء وأعطته للعالم، طالباً منها الشفاعة .




Mary Naeem 01 - 09 - 2014 05:48 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
المحبة
القديس أفرام السرياني
مغبوط ذلك الإنسان الحاوي المحبة للـه، فإنه حاوي اللـه في ذاتهِ لأن اللـه محبه ومن يثبت في المحبة يثبت في اللـه، ومن له محبه يغلب كل شئ باللـه،
لأن المحبة تطرح المخافة خارجاً، من حوى المحبة لا يرفض أحداً قط لا صغيراً ولا كبيراً، لا شريفاً ولا وضيعاً، لا فقيراً ولا موسراً، بل يصير موطئاً تحت الكل، يحتمل كافة العوارض، يصبر علي سائر النوائب،
من له محبة لا يترفع علي أحد، لا يتشامخ ولا يغتاب أحداً، بل ويعرض عن الثلابين.


من له محبة لا يسلك بغش ولا يعرقل أخاه، من حوى المحبة لا يغار حسداً، ولا يحسد ولا ينافس، ولا يفرح بسقطة آخرين، ولا يشجب الخاطئ بل يحزن له ويعضده، لا يعرض عن أخيه في شدته بل يساعده ويموت معه،



من فيه المحبة يعمل مشيئة اللـه وهو تلميذ له محق لأن سيدنا الصالح نفسه قال: بِهذا يعلم الكل أنكم تلاميذي إن أحببتم بعضكم بعضاً.


من فيه محبة لا يصنع لنفسه شيئاً ولا يقول أن له شئ يملكه خصوصاً لو كان سائر ما له مشاع للكل، من له محبة لا يحتسب أحداً غريباً بل يصنع الكل أهله وانسباءه،



من له محبة لا يغتاظ ولا يتشامخ ولا يتحرق غيظاً ولا يسر بالظلم، ولا يلبث في الكذب، لا يحتسب له عدواً إلا المحال وحده، من له محبة يصبر علي سائر المحن يتعطف يتمهل.


مغبوط إذاً المقتني المحبة فإن المسافر بِها إلي اللـه يعرف وليه ويقبله في حضنه، ويغتذي نظير الملائكة،
ويتملك مع المسيح، بالمحبة ورد الإله الكلمة إلي الأرض وفتح لنا بِها الفردوس وأورى الكل الارتقاء إلي السماء كنا أعداء اللـه فصالحنا بِها، فبواجب قلنا :

إن المحبة هي اللـه ومن يثبت في المحبة يثبت في اللـه.

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 03:34 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الإيمان العامل بالمحبة (غل5: 6)

http://www.peregabriel.com/gm/albums...l_14606106.gif

«لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة» (غل5: 6)

يؤكّد الرسول بولس في قوله هذا الذي وجهه في حينه إلى أهل الإيمان في غلاطية، على أهمية اقتران الأعمال الصالحة بالإيمان في الحياة المسيحية الحقة
جاعلاً ذلك حقيقة إيمانية في الدين المسيحي المبين، كاشفاً النقاب عن بطلان شريعة الختان التي كانت علامة عهد بين اللّـه وإبراهيم أبي الآباء
وبينه تعالى والنبي موسى وشعبه. وإن شريعة الختان هذه أضحت كالغرلة لا قيمة روحية لها ولا أهمية في المسيحية بل إن من يمارسها دينياً يصبح غريباً عن المسيح، وبهذا الصدد يقول الرسول بولس في موضع آخر
«إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئاً»(غل5 : 2) فالأمر المهم في المسيحية هو الإيمان الذي يعلنه الإنسان حالما ينتمي إلى المسيح يسوع
ثم الإيمان العامل بالمحبة أي المقترن بالأعمال الصالحة بعد إقامته العهد مع اللّـه بولادته الجديدة من السماء بنيله سر المعمودية المقدس فيتبرر
ويتقدس ويصير ابناً للّه بالنعمة. ويبرهن على صدق إيمانه بتحلّيه بالأعمال الصالحة وبخاصة فضيلة المحبة الصادقة التي اعتبرها الرب يسوع علامة واضحة مميزة لتلاميذه بقوله:
«بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حبّ بعضاً لبعض»(يو13 : 35)
أجل إننا بمحبتنا اللّـه تعالى التي تظهر بمحبتنا القريب نتحلى بالإيمان العامل بالمحبة. ويعرّف الرسول بولس الإيمان بقوله: «أما الإيمان فهو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى»(عب11: 1)
وبعبارة أخرى، الإيمان هو التسليم بكل ما أعلنه لنا اللّـه تعالى على ألسنة أنبيائه في أسفار العهد القديم ورسله الأطهار وتلاميذه الأبرار في أسفار العهد الجديد من حقائق إيمانية ولئن لا تدركها عقولنا البشرية، وقبول دساتير الإيمان المسيحي التي حددتها المجامع المسكونية الثلاثة في نيقية
سنة 325 وقسطنطينية سنة 381 وأفسس سنة 431 وصار قبولها ملزماً على المؤمنين.
كما إن الإيمان هو أيضاً اليقين بالأمور المرجوة فنراها وكأنها قد تمت فعلاً، فالإيمان المسيحي إذن يجمع بذاته التسليم بالعقائد الإيمانية، والثقة بالرب يسوع المسيح ابن اللّـه الوحيد وفادي البشرية.
وتنجلي قوة الإيمان المسيحي الحي عندما الإيمان يقترن بالأعمال الصالحة الموازية له، والتي هي ضرورية للخلاص مثله.
وبهذا الصدد يقول الرسول يعقوب للذين يدّعون أنهم مؤمنون «ما المنفعة يا إخوتي إن قال أحد أن له إيماناً ولكن ليس له أعمال، هل يقدر الإيمان أن يخلّصه...، أنت تؤمن أن اللّـه واحد حسناً تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون ولكن هل تريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل أن الإيمان بدون أعمال ميت. ألم يتبرر إبراهيم أبونا بالأعمال إذ قدم اسحق ابنه، ترون إذن أنه بالأعمال يتبرر الإنسان لا بالإيمان وحده»(يع2: 14 ـ 24).
أجل قد يبدو كلام الرسول يعقوب هذا مناقضاً لكلام الرسول بولس الذي يقول: «متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدّمه اللّـه كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله... إذن نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس»(رو3 : 24 ـ 31).
ثم يتخذ الرسول بولس من إبراهيم كما فعل الرسول يعقوب مثالاً على ذلك إذ يقول: «آمن إبراهيم باللّـه فحسب له براً... فكيف حُسب أَهو في الختان أم في الغرلة ليس في الختان بل في الغرلة وأخذ علامة الختان ختماً لبر الإيمان الذي كان في الغرلة ليكون أباً لجميع الذين يؤمنون وهم في الغرلة كي يحسب لهم أيضاً البر. وأباً للختان للذين ليسوا من الختان فقط بل أيضاً يسلكون في خطوات إيمان أبينا إبراهيم»(رو4: 1 ـ 12).
وقد كتب القديس البطريرك مار سويريوس الكبير تاج السريان رسالة إلى يوليان أسقف هاليكارتاس تضمنت التوفيق بين قَوْلَيْ الرسولين في موضوع التبرير بالإيمان والأعمال شارحاً ذلك بما خلاصته أن غير المسيحي
ولئن لم يأت أعمالاً صالحةً عندما يؤمن بالمسيح ينال حالاً مغفرة خطاياه الجدية والشخصية بالإيمان وحده
وبعد أن يعتمد باسم الثالوث الأقدس ينال الخلاص بناءً على قول الرب يسوع:
«من آمن واعتمد خَلَصَ ومن لم يؤمن يدن»(مر16: 16) وبالمعمودية يولد من السماء ويصير ابناً للّه بالنعمة ويبدأ عهداً جديداً مع اللّـه
ويصمم أن يسلك كما يحق لإنجيل المسيح مقرناً إيمانه بالأعمال الصالحة وإلاّ حينذاك يصير إيمانه باطلاً ما لم يقترن بالأعمال الصالحة وعلى حد تعبير الرسول يعقوب «الإيمان بدون أعمال ميت»(يع 2: 20).
تماماً مثل إبراهيم الذي حسب إيمانه براً وهو في الغرلة أما بعد الختان فقدم أعمالاً صالحةً مقترنةً بالإيمان إذ أطاع أمر اللّـه وقدم ابنه
وحيده اسحق للذبح ورأينا أن الرب يسوع يركز على أعمال إبراهيم لما قال لليهود جواباً على قولهم أبونا هو إبراهيم قال لهم: «لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم» (يو 8: 38 و39).
فيجب أن يكون إيمانه «الإيمان العامل بالمحبة» (غل 5: 6) على حد تعبير الرسول بولس الذي يقول أيضاً
«لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند اللّـه بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون»(رو 2: 13) وهذا القول مبني على تعليم الرب يسوع القائل:
«ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات»(مت 7: 21).
وقد أيّد له المجد تعليمه هذا عملياً عندما «جاء إليه مرة أمه وإخوته ولم يقدروا أن يصلوا إليه لسبب الجمع فأخبروه قائلين أمك وإخوتك واقفون خارجاً يريدون أن يروك فأجاب وقال لهم أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة اللّـه ويعملون بها»(لو 8: 19 ـ 21).
ولا غرو من ذلك فقد أعلن رب المجد قانون الحكم في دينونة العالمين في السماء الذي هو قانون «الإيمان العامل بالمحبة»
ومن علامة المحبة المميزة خدمة إخوة يسوع الأصاغر ففي يوم الدين سيقول الرب يسوع للمؤمنين الصالحين
«تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم لأني جعت فأطعمتموني عطشت فسقيتموني كنت غريباً فآويتموني عرياناً فكسوتموني مريضاً فزرتموني محبوساً فأتيتم إليَّ فيجيبه الأبرار حينئذ قائلين: يا رب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك أو عطشاناً فسقيناك، ومتى رأيناك غريباً فآويناك أو عرياناً فكسوناك ومتى رأيناك مريضاً أو محبوساً فأتينا إليك. فيجيب الملك ويقول لهم: الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم»(مت 25: 34 ـ 40).
أما الأشرار فسيقول لهم «اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته...» (مت 25: 41)
ويعلل الرب إصداره هذا الحكم عليهم لأنهم لم يفعلوا الخير لمن كانوا بحاجة إلى ذلك فكأنهم لم يفعلوا للرب يسوع ذاته، فيمضي الأشرار إلى عذاب أبدي والأبرار إلى حياة أبدية (مت25: 46)
ويقول الرسول بولس بهذا الصدد لأهل كورنثوس: «لأنه لا بد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً»(2كو5: 10) وقال في رسالته إلى العبرانيين
«لأن اللّـه ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التي أظهرتموها نحو اسمه إذ قد خدمتم القديسين وتخدمونهم»(عب6: 10).
أجل، من هنا نعلم أن الرب يسوع يريدنا أن نخدم القديسين وإخوته المعوزين ونشعر معهم فنرعى أمورهم ونمد يد العون للفقير ونتفقد الأرامل والأيتام، معتبرين خدمتنا لهم خدمة للرب يسوع ذاته لأنهم إخوته الأصاغر، وما نفعله معهم ولهم كأننا فعلناه له.
ويعتبر هذا العمل من صلب الدين المسيحي كقول الرسول يعقوب:
«الديانة الطاهرة النقية عند اللّـه الآب هي هذه افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم»(يع1: 27).
كما أن الرحمة هي ابنة المحبة فمن عمر قلبه بمحبة اللّـه تظهر محبة اللّـه بمحبته للقريب. وهذا معلمنا الرسول بولس في الإصحاح الثالث عشر من رسالته الأولى إلى أهل الإيمان في كورنثوس
يتغنى بفضيلة المحبة ولذلك يدعى ذلك الإصحاح أنشودة المحبة حيث يفضل أفعالها وثمارها وتضحياتها على الاستشهاد في سبيل الإيمان واجتراح المعجزات الباهرات حتى نقل الجبال والتكلم باللغات العديدة، ويختم الرسول هذا الإصحاح بقوله:
«أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة»(1كو13: 13) فالمحبة أعظم الفضائل وهي زبدة الوصايا الإلهية. وما أسمى جواب الرب يسوع للناموسي الذي سأله قائلاً:
«يا معلم أية وصية هي العظمى في الناموس فقال له يسوع تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك، بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء»(مت22: 35 ـ 40).
فما أروع المحبة التي وصفها الرسول يوحنا بقوله: «اللّـه محبة».
أيها الأحباء: يعلمنا الرب يسوع في مثل العذارى العشر الخمس الحكيمات والخمس الجاهلات درساً في الإيمان والرجاء والمحبة
فقد كانت جميع العذارى العشر مؤمنات ومنتظرات مجيء الرب ثانية بإيمان متين ورجاء لا يخيب ولكن عندما أبطأ مجيئه نعسن كلهن
ونمن ولما جاء العريس دخلت العذارى الخمس الحكيمات معه إلى العرس أما العذارى الخمس الجاهلات اللواتي كان لهن الإيمان والرجاء كصديقاتهن ولم يكن لهن زيت الأعمال الصالحة
وخاصة زيت المحبة وابنتها الرحمة فانطفأت سرجهن وذهبن إلى الباعة ليشترين زيتاً وحينذاك جاء العريس فدخلت معه إلى العرس العذارى الخمس الحكيمات المستعدات اللواتي كان لهن إلى جانب الإيمان والرجاء،
الأعمال الصالحة أعمال الرحمة والمحبة، أما الجاهلات فطردن إلى الظلمة الخارجية.
فالإيمان إذن بدون الأعمال ميت. وكما يعلمنا الرب يسوع أيضاً درساً في ضرورة الأعمال الصالحة إلى جانب الإيمان، في مثل الغني ولعازر (لو16: 19 ـ 31) وقد بنى على هذا المثل ملفان الكنيسة القديس مار يعقوب السروجي موعظة روحية رائعة في ميمر يعتبر من عيون الأدب السرياني الروحي حيث يقول:
لم تسجل خطية لهذا الغني ولم يذكر عنه أنه أتى أمراً منكراً قط لا بل كان متمسكاً بالناموس الموسوي تمسكاً شديداً وكان يدعو إبراهيم (أبي إبراهيم) ولما مات رأى نفسه يتعذب في الجحيم والسبب في ذلك لأنه لم يرحم لعازر المسكين الذي كان مطروحاً عند بابه يشتهي أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني.
أيها الأحباء: إن حلول موعد الصوم الأربعيني المقدس يعد فرصة ذهبية سانحة لنا لنجاهد روحياً ضد إبليس ونغلبه بإيماننا
الذي هو علامة النصر، فلنلهج بناموس الرب ليلاً ونهاراً... ونمارس الفضائل السامية ولنقرن إيماننا بالأعمال الصالحة وبخاصة أعمال الرحمة كتوزيع الصدقات
ومساعدة الفقراء ورعاية الأيتام والأرامل فيكون إيماننا حقاً عاملاً بالمحبة فننال الغلبة بالإيمان

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 03:36 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
محبّة القريب ونقاوة القلب



http://www.peregabriel.com/gm/albums.../normal_D3.jpg

ركنا الحياة المسيحيّة: محبّة القريب ونقاوة القلب. لذا قيل: "الديانة الطاهرة النقيّة عند الله الآب هي هذه افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم" (يع 1: 27).


محبّة القريب كالنفس تكون أو لا تكون. الحاجز بينك وبين أخيك يجب أن يزول. أحبّ قريبَك كنفسك. كل تحفّظ لديك حيال أخيك من أنانيتك. وحيث الأنانية لا يمكن أن تكون محبّة. لا يمكنها أن تثبت. المحبّة كاملة أو لا تكون. موقف كامل بلا شائبة. المحبّة أن تتحرّر، تماماً، من تمسّكك بما لك. برأيك، بموقفك، بقنيتك.

لذلك قريبك مرآة وتحدٍّ. لا يبدأ قريباً لك. تبدأ قريباً لذاتك. ينتهي كذلك إذا رغبتَ وسعيتَ. أنت تدنو من قريبك بمقدار ما تنأى عن أهوائك. أهواؤك هي أناك الذي أنت بحاجة لأن تنبذه، لأن تكفر به. إن فيك أناً وأناً. فيك القويم وفيك المعوجّ. أناك الذي هو في خروجك من نفسك باتّجاه قريبك هذا سليم معافى.

هذا لا يأتيك عفواً. تصنعه أنت بقوّة إرادتك وعون الله. أما أناك الذي يجعل نفسك تراكم أهواء ذاتية تتمسّك بها وتسلك فيها سلوك العبودية والعبادة فمعيوب ومعطوب. هذا عليك أن تضعه، أن تخلعه عنك من الداخل. تُهلكه عن إرادة منك وإلاّ تَكَرّس الخلل فيك.

هذا الخلل، بالضبط، هو الخطيئة. الخطيئة خطأ في الكيان. مَن يصنع الخطيئة يكون عبداً للخطيئة.

قريبك وَجَع طالما أنت قابع في نفسك. كلُّه، والحال هذه، إزعاج لأنّه يَحدّ من تمدّد ذاتيتك، إلاّ في ما يوافق مزاجك. القريب يُمسي قضية مزاج.

ولكنْ، ما إن تخرج من نفسك إليه حتى تلقاه، على غير ما توقّعته، جميلاً، وأقول ولا أجمل. هذا، في الحقيقة، لأنّ الجمال ليس في أخيك، في ذاته، في اللحم والدم، في حسن المظهر، في المبنى. هذا عرضة للفساد أبداً.

لذا لا يمكنه أن يكون جميلاً. الجمال تستشفّه، بالأحرى، من موقف منك حياله. لا يأتيك الجمال من رؤية العين بل، بالأولى، من معاينة القلب. الجمال من نقاوة القلب. في نقاوة القلب جمال ولا أبهى. أنقياء القلوب يعاينون الله. لِنَقيِّ القلب كلُّ خَلْقِ الله جميل لأنّه "اللابس النور كالثوب". الربّ قد ملك والجمال لبس.

البشاعة وجه الخطيئة. الموضوع ليس ما تنظر بل كيف تنظر، إلامَ تنظر. ليس الحُسن في المنظر هو المسألة. الحُسن عابر، انسجام بلاستيكي. بعد حين يبهت ويذبل وييبس. الجمال أن تعاين زرع الله في خلق الله، نورَ الله، من الداخل، أن تعاين الله.

الله خَلَقَ كل شيء حسناً. لذلك قريبك تكتشفه اكتشافاً. تكتشف نور الله فيه. تعاينه إيقونة لله. قريبك سرّ. القرابة سرّ تشترك فيه بمقدار ما تتنقّى طويّتك.

الحبّ يأتي من نقاوة، من عفّة، ولا يأتي من تأجّج شهوة. الشهوة في الحبّ تعدٍّ على الحبّ، تشويهٌ، مِسْخٌ، تمظهر بالحبّ. أن تساوي ما بين المحبّة وأهواء نفسك هو القول بأن جذر الخطيئة فيك، أي الهوى، هو من الله. إنْ تفعلْ ذلك تؤلِّه هواك وتحسب الله خادماً للخطيئة فلا يعود فيك مكان للحقّ. إذ ذاك تسكن في الباطل.

هذا هو الجحيم، الظلمة البرّانية. فيه لا ترتوي. تبقى عَطِشاً إلى الأبد. تقيم في الموت، في العذاب، لأنّك مفطور، أصلاً، على الحياة، وما تأتيه لا يضخّ فيك حياة.

والحقّ أنّ المحبّة لا تأتي الإنسان إلاّ من فوق. ما هو تحت، هنا والآن، بات تلفيقاً. لذا قيل "المحبّة هي من الله" (1 يو 4: 7). وينبغي لنا أن يحبّ بعضنا بعضاً كما أحبّنا (1 يو 4: 11). وكيف أحبّنا؟

بوضع نفسه لأجلنا. إذاً بوضع أنفسنا لأجل الإخوة نكون قد أحببنا محبّة حقّانية، على غرار محبّة الله لنا. من هنا القول: "بهذا قد عرفنا المحبّة أنّ ذلك وضع نفسه لأجلنا فنحن ينبغي لنا أن نضع نفوسنا لأجل الإخوة" (1 يو 3: 16).

أن نضع أنفسنا لأجل الإخوة معناه أن نسلك، إرادياً، بإزائهم، وكأنّنا خدّام لهم. ابن الإنسان ما جاء ليُخدَم بل ليَخدُم. لذا مَن يحبّ يستخدم نفسه لأجل الإخوة. الكبير، عند الله، هو مَن يتصاغر.

الخدمة، بيننا، هي مجال المحبّة بامتياز. وذروة الخدمة أن تبذل نفسك لأجل الإخوة. "ليس حبّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّته". هذا كلّه لا يتحقّق إلاّ إذا أحببنا الله أولاً وحصراً. لا شريك لله في محبّتك له. لذا تُفرغ نفسك من نفسك ليتسنّى لك أن تتعاطى الله على هذا النحو. في ذلك التماس إرادي للعدم.

تفعل ذلك حين تموت عن أناك، عن خطيئتك، عن هواك. خطيئتك، منذ البدء، كانت وجوداً كاذباً، زائفاً، عملاً من أعمال الإرادة الشَرود. لذا مِنْ عَمَلِ الإرادة، أيضاً، والحال هذه، أن تسلك، من جهة الخطيئة، وكأنّها العدم، وجود عدمي، وجود تَذُوق فيه، دائماً، طعم العدم. تَذُوقه ولا أَمَرّ، حيث البكاء وصريف الأسنان، حيث الدود لا يموت.

في ذلك، في التماس العدم إرادياً، موتٌ عن الخطيئة ولكنْ حياةٌ لله، عدمٌ من جهة الخطيئة ولكنْ وجودٌ من جهة البرّ. هذا ما يجعل الموت الإرادي ضرورة.

يسوع تسمّر، إرادياً، على الصليب، لا لأنّه كان مستأهلاً لأن يموت، بل لأنّه لاق بمَن أحبّنا أن يقدِّم نفسه لنا صورة عما هو لائق بنا أن نكون إيّاه. البار يعلّم الخطأة البرّ حتى إذا ما ارتضَوا، عن إرادة، أن يموتوا، من جهة خطاياهم، جارَوه في مسير البرّ فتبرّروا بالموت إلى حياة أبديّة. المسيح كلمةُ الحقِّ وقد أبان لنا في نفسه الطريق، والطريق يفضي إلى حياة جديدة. "أنا هو الطريق والحقّ والحياة". كلُّ الحياة مسيحٌ حتى يكون كلٌّ، على غرار المسيح، مسيحاً يحدّث عن المسيح.

لذا بغير المسيح ما كان ليكون لنا خلاص. لقد أبان الله، قديماً، لموسى نموذج الخيمة وقال له أن يقيم ما هو على مثالها، والمسيح بات الإنسان الجديد، الخيمة الجديدة، آدم الجديد، الذي يقيمُ الروحُ، من صِلبه، إنسانية جديدة، على مثاله.

وإذا ما كان قد قيل قديماً إنّ الله خلق الإنسان على صورته ومثاله، فالأحرى أن من خُلِق الإنسان على صورته ومثاله هو مسيح الربّ. به كنّا في الأصل، بكلمة الله أُبْدِعنا، ثم سقطنا.

ولكنْ عاد الله فأقام خيمتنا الساقطة، من جديد، بيسوع المسيح، ليبدعنا، بالروح، على مثاله، من جديد. هكذا كان كلمة الله، ابنُ الله المتجسّد، وارثاً لكل شيء. ألِفُ الناس وياؤهم. "به كان كلُّ شيء وبغيره لم يكن شيء مما كوِّن. فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس" (يو 1).

زبدة القول أنّ يسوع هو القريب وأصل كل قرابة، ولا قرابة إلاّ بنقاوةٍ تجعل يسوع حاضراً فيك أبداً في الروح

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 03:38 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
نظام المحبة في مدينة البشر
القديس أغسطينوس





St. Augustine
١١السلام في الحياة الأرضية

إٍنّ السلامَ خيرٌ عظيمٌ لا مثيل له في الأمور الأرضيّة والزمنيّة؛ ولا أعذب منه على الحفظ ولا أشهى على القبول ولا أفضل من وجوده.


وإذا توقّفتُ بضع هنيهات على هذا الموضوع أرجو ألاّ أثقّل على القرّاء. السلام مهمٌّ جدًّا بالنسبة إلى خواتم المدينة التي أتكلّم عنها؛ وعذوبته تجعله أحبَّ إلى الجميع.

١٢ السلام: طموح عام

وفي الواقع أدعو إلى التأمّل معي في الأمور البشريّة وفي طبيعة الإنسان، أيَّا تكن النقطة التي منها ننطلق؛ إذ ذاك نعترف بأنّه ما من إنسانٍ إلاّ ويريد أن يشعر بالفرح؛ وما من إنسان إلاّ ويريد السلام. [...]

١٣ السلام نِظام هادئ

ويعني سلام الجسم انتظامًا بين أعضائه؛ وسلام النفس غير العاقلة راحة منتظمة بين شهواتها؛ وسلام النفس العاقلة توافق بين المعرفة والعمل؛ وسلام النفس والجسد يقوم على تنظيم الصحّة والحياة في الكائن الحيّ تنظيمًا حسنًا. ويعني سلام الإنسان مع الله طاعة في الإيمان تحت رعاية الشريعة الأدبيّة.

والسلام بين الناس يقوم على توافق منظَّم والسلام البيتيّ يقوم ما بين أهل البيت على نوع من التعاقد وتنظيم الإدارة والطاعة؛ والسلام في المجتمع يتحقّق بواسطة التعاون والخضوع لسلطة منظّمة؛

وسلام المدينة السماويّة هو نظام وتوافق في جماعة الله وتبادل فرح مشترك بالله. والسلام في كلّ شيء هو نظام هادئ؛ والنظام هو قبول الكلّ بما يضع كلّ إنسان في محلّه وإن تباينت الأمور أو توافقت. والتعساء لا يمكنهم أن يكونوا بسلام لأنّ النظام الهادئ لا يعرف القلق وهو بحاجة إليه؛ ولكونهم يستحقّون ما هم عليه من شقاء لا يستطيعون أن يكونوا خارج النظام؛

وصحيح أنّهم ما انضمّوا إلى جماعة الطوباويّين لكنّ شريعة النظام تفصلهم عنهم ويبقيهم وضعهم الخالي من كلّ قلق واضطراب على شيء من التوافق مع محيطهم. وينعمون بشيء من الهدوء في نظامهم، ولهم، تاليًا، ظلّ من السلام؛ لكنّهم تعساء، وإن كانوا لا يتألّمون من التردّد؛ وليسوا في مكانٍ آمنٍ لا عذاب فيه؛


وقد يزدادون ألمًا لولا السلام الذي تؤمّنه لهم الشريعة التي ترعى النظام الطبيعيّ. ولكن بما أنّهم يتألّمون فحيثما يتألّمون، لا صفاء في السلام؛ وحيث لا ألم خارق ولا مجال لأن تنحلّ طبيعتهم فسلامهم باقٍ لهم. ومن ثمّ، بما أنّه لا حياة بلا ألم،

ولا ألم بلا حياة، هكذا يمكن أن يكون سلام بلا حرب دون أن تكون حرب بلا نوعٍ من السلام، لا لأنّ الحرب هي حرب، بل لأنّ لها مَن يصنعها على مسرح؛ أناس؟ وطبائع لا تكون، أو لا يسعها أن تكون وتستمرّ، بنوعٍ معيّن من السلام.

هناك طبيعة لا شرَّ فيها؛ وقد لا يمكن للشرّ أن يعرف إليها طريقًا؛ ولكن، أن تكون طبيعة بلا خير البتّة، فهذا أمر مستحيل.


وإنّ طبيعة الشيطان نفسه، لكونها طبيعة، ليست شرًّا؛ بل الفساد يجعلها شرّيرة. ولهذا فإنّه لم يبقَ في الحقيقة ولا إستطاع أن يهرب من قضاء الحقيقة؛ لم يثبت في هدوء النظام، لكنّه لم يستطع أن يهرب من حكم الحقيقة؛ لم يثبت في النظام لكنّه لم يستطع الهروب من قدرة المنظّم الأسمى.

إنّ الله خيرٌ بطبيعته؛ ولا يخفيه عن عدل الله الذي يأمر به في العقاب؛ ولا يطالب الله بالخير، بحدّ ذاته، لأنّه خالق هذا الخير؛ إنّما يلاحق الشرّ الذي يعمله الشيطان لأنّه لا ينزع منه ما جمّل به طبيعته بل ينزع منه شيئًا ويترك له شيئًا آخر لكي يبقى ويتألّم بسبب ما انتزع منه،

وهذا الألم يشهد للخير الذي فقده وللخير الذي بقي له؛ إذا لم يبقَ له خيرٌ ما، فهل يتألّم لخيرٍ فقده؟ إنّ الخاطئ يزداد سوءًا إن فرح بخسارة العدالة؛ والمحكوم إن لم يربح شيئًا من عذاباته، يتألّم، على الأقلّ، من فقدان خلاصه. وبما أنّ العدالة والخلاص هما كلاهما خير؛ وأنّ خسارة الخير هي بالأخصّ موضوع ألم وليست موضوع فرح (هذا إن لم يكن تعويض في الأفضل وعدالة النفس أفضل من صحّة الجسد)؛


بكلّ تأكيد إنّ حزن الأثيم في عذاباته أفضل من فرحه في الخطيئة. وعليه، كما أنّ فرح التخلّي عن الخير يؤكّد شرّ الإرادة في الخطيئة هكذا فإنّ الألم من الخير المفقود في العذاب يشهد لصلاح الطبيعة؛


لأنّ الذي يرثي لسلام طبيعته الضائعة لا يرثي لخسارتها من خلال بعض بقايا السلام الذي يعيد إليه طبيعته الصديقة؛ على أنّه، بحقّ، ينوح الظالمون والأثمّة في العذاب الأخير، وفي قلب العذابات يبكون على خسارة الخىرت الطبيعيّة: يشعرون باستقامة العدالة التي تنزعها منهم بعد أن احتقروا الصلاح غير المحدود الذي أعطاهم إيّاها الله الخالق الكلّيّ العدالة للطبائع كلّها،

الذي أقام الجنس البشريّ فوق الأرض ليكون أجمل ما فيها؛ وَهَبَ الناس خيورًا ملائمة للحياة الحاضرة؛ وهبهم السلام الزمنيّ، أي الذي تقدر أن تحقَقه طبيعتنا الصائرة إلى الموت، السلام في الحفاظ على الجنس كاملاً وموحّدًا. كلّ ما هو ضروري للبقاء ولاستعادة هذا السلام؛ فالعناصر مثلاً التي تلائم وتناسب حواسّنا كالنور المرئيّ والهواء الصالح للتنفّس والمياه الصالحة للشرب وما يُستخدم للغذاء والكساء.

ولراحة الجسد وزينته؛ تحت هذا الشرط العادل الذي يعمل به كلّ إنسان ويستعمل تلك الخيور استعمالاً حسنًا ينال ما هو أعظم منها وأفضل، مثلاً، السلام الأبديّ والمجد أو الكرامة تجاوبًا مع السلام في الحياة الأبديّة حيث يفرح الإنسان بالله وبالقريب في الله، في حين أنّ مَن يسيء استعمال تلك الخيور يخسرها ولا ينال الخيور الأخرى.

١٤ السلام في المحبّة

على هذا النحو فإنّ استعمال في الأرض يرتبط بمصلحة السلام الأرضيّ في مدينة الأرض وفي المدينة السماويّة لمصلحة السلام الأبديّ. ولهذا لو كنّا حيوانات عخماء لكنّا نتوق فقط إلى ما يتجاوب مع الأعضاء في الجسد ومع راحة شهواتنا ونكتفي بما يرضي الجسد ويرفّه اللذّة بحيث يكون سلام الجسد في خدمة سلام النفس.


وفي الواقع، إن لم يكن الجسد في سلام اضطرب سلام النفس غير العاقلة لعدم تأمين الراحة لما يشتهيه الجسد؛ بَيد أنّ سلام الاثنين معًا ينفع السلام. المشترك بين النفس والجسد الذي يؤلَّف نوعًا من التجانس بين الحياة والصحّة.


وكما أنّ الحيوانات تهرب من الألم لتُظهر محبّتها لسلام الجسد، وتسعى إلى اللذّة إشباعًا لشهواتها فتظهر محبّتها لسلام النفس وهكذا فحين تهرب من الموت تشهد حقًّا لمحبّتها للسلام الذي يوحّد بين النفس والجسد.

ولكن بما أنّ الإنسان نفسٌ عاقلة فالذي يشترك فيه مع الحيوان يُخضعه لسلام النفس العاقلة لينتقل من التأمّل الباطنيّ إلى العمل الذي تحدّده النفس فيقيم إذ ذاك في نفسه اتّفاقًا متجانسًا بين المعرفة والعمل، يؤمّن للنفس العاقلة سلامها؛ وصولاً إلى ذلك السلام، وحصولاً على علمٍ ما مفيد، وتوصّلاً إلى تنظيم حياته وأخلاقه استنادًا إلى ذلك العلم، عليه ألاّ يستسلم إلى الألم المرهق والرغبة المزعجة وينحلّ بالموت؛ وخوفًا من ضعف العقل البشريّ ومن أن توقعه شهوة المعرفة في ضلال هدّام يحتاج إلى تعليم إلهيّ يثبَته في الحقيقة وإلى معونة إلهيّة لكي يطيع بحرّيّة. وبما أنّه في هذا الجسد الصائر إلى الموت،

وطالما لا يزال مقيمًا فيه، يسافر، متغرّبًا عن الربّ، بالإيمان، لا بالعيان. وانطلاقًا من تلك الحالة، فكلّ سلام للجسد أم للروح أم لكليهما معًا يتعلّق بسلام الإنسان الصائر إلى الموت مع الله الأزليّ ليجعل طاعته على مستوى الإيمان ثحت الشريعة الأبديّة.

وبقدر ما نتعلّم من الله هاتين الوصيّتين الأساسيّتين: محبّة الله ومحبّة القريب حيث نجد ثلاثة تنصبّ عليهم محبّتنا: الله وذاتنا والقريب بحيث إنّه في محبّته الله لا يغلط لا في محبّة ذاته فينتج عن ذلك دعم مصلحة أخويّة أنّ عليه أن يحمل ذلك الأخ الذي يجب عليه أن يحبّه كنفسه ِلى أن يحبّ الله.

وواجب المحبّة هذا يقوم به أيضًا تجاه امرأته وأولاده وذوي قرباه وعلى قدر المستطاع تجاه كلّ الناس كما ينتظر من قريبه أيضًا أن يقوم به تجاهه؛ إذ ذاك يكون حقًّا على سلام مع كلّ إنسان؛ السلام البشريّ هو الاتّفاق في النظام الذي لا يسمع لأحد بأن يؤذي الآخر؛ وتاليًا بأن يكون نافعًا لمَن استطاع إليه سبيلاً.

واجب الإنسان الأوّل هو أن يعمل لخير ذويه لأنّ نظام الطبيعة والمجتمع يسهّل له الدخول إلى ذويه للسهر على تلك المصلحة.

وعليه يقول الرسول:«إن كان أحد لا يعتني بذويه ولا سيّما بأهل بيته فقد الإيمان وهو شرّ من كافر» (١طيم ٥/٨) فينتج عن ذلك السلام المنزليّ أي التوافق المنتظم بين السلطة والخضوع على مستوى أهل البيت.

السلطة هي لمَن يقوم بخدمة الآخرين: إنّها للزوج على زوجته وللوالدين على الأولاد وللأرباب على الخدم. الطاعة واجب على مَن يجب السهر عليهم: الزوجة تطيع زوجها والأ ولاد يطيعون والديهم والخدّام معلّميهم. أمّا في البيت البارّ الذي يحيا بالإيمان


ولا يزال يعيش بعيدًا عن المدينة السماويّة فهؤلاء أنفسهم الذين يأمرون هم الخدّام لمأموريهم. لأنّهم يأمرون بشهوة التسلّط بل بحكم التضحية، لا بكبر مَن يريد أن يكون سيّدًا بل بواجب الرعاية

١٧ السلام الأرضيّ والسماويّ

بيد أنّ عائلة البشر الذين لا يحيون بالإيمان تتبع سلامًا أرضيًّا صرفًا تجاه خيور الحياة الزمنيّة ومنافعها. أمّا العائلة البشريّة التي تحيا بايمان فتنتظر، بخلاف الأولى، الخيرات العتيدة التي تعِدوها بها الأبديّة وتستعمل، خيور الأرض الزمنيّة، لا، لتؤخذ في شركها وتتحوّل عن الهدف الذي إليه تتوق، أي الله، بل لتجد فيه سندًا؛ وبدلاً من أن تثقل على الجسد الصائر إلى الموت وترهقه، تخفّف عنه.

ونرى أنّ استعمال الأشياء الضروريّة في الحياة الصائرة إلى الموت مشترك بين المؤمنين وغير المؤمنين، تشارك فيها هذه العائلة وتلك؛ إنّما لكلّ منهما هدف؛ وعلى هذا النحو فمدينة الأرض التي لا تعيش بالإيمان تطمح إلى السلام الأرضيّ وذاك هو الهدف الذي يرسمه التوحيد بين السلطة والطاعة لدى المواطنين ليلاقي بين الإرادات البشريّة في ما يختصّ بمصالح هذه الحياه البشريّة.


لكنّ المدينة السماويّة أو بالأحرى هذا الجزء منها الذي يسير على هذه الأرض ويحيا بالإيمان لا يستعمل السلام إلاّ عند الضرورة. وطالما أنّها تطيل، في مدينة السماء، حياة الأسر في مسيرتها الأرضيّة وحيث نالت الوعد بالفداء والهبة الروحيّة عربونًا لذلك، وبما أنّها تخضع للقوانين الأرضيّة التي تهتمّ بالمصالح الزمنيّة فإنّها تطيع دون تردّد؛ وبما أنّهما تشتركان في المصير عينه الذي يقود إلى الموت ترغبان في فهم صريح لهذا المصير الذي تنتظرانه؛

وأمّا مدينة الأرض التي نعِمَت ببعض حكماء وقد شجبتهم الكلمة الإلهيّة لكونهم اعتقدوا بضرورة تأمين رعاية عدد كبير من الآلهة للبشريّة استنادًا إلى تقديراتهم أو إلى خزعبلات الشياطين؛ وللآلهة المذكورين عدّة وظائف: منهم مَن يهتمّ بالجسد وآخرون بالنفس؛ واحد على الرأس في الجسد وآخر على العنق وإلى ما هنالك؛ وفي النفس واحد يهتمّ بالعقل والآخر بالعلم؛

هذا بالغضب وذلك بالحبّ؛ أمّا فيما يختصّ بحاجات الحياة فهذا يرعى القطعان وذاك يهتمّ بالحنطة، هذا بالكرمة وذلك بالزيتونة؛ هذا بالأحراج وذاك بالثروات؛ هذا بالسباحة وذاك بالحرب والنصر؛


هذا بالزواج وذلك بالولادة والإخصاب إلخ? في حين أنّ المدينة السماويّة التي لا تعترف إلاّ بإله واحد تحتفظ، بكلّ تقوى، بالإكرام والعبادة لذاك الإله. وهذه العبادة تسمّى باليونانيّة λατρεια لأنّها به وحده تليق؛ ولقد حدث أنّها لم تستطع أن تدخل مع مدينة الأرض بشراكة في الشريعة الدينيّة ونشأت بينهما خلافات ومخاصمات في هذا المجال، فضلاً عن الكراهية التي أعلنها ضدّ المدينة السماويّة أولئك الذين يعلنون آراءَ مضادّةً لها؛

وثبتت المدينة السماويّة ضدّ هجمات المضطهدين التي لم تتوقّف بمساعدة الرهبة التي تشيعها مجموعة المؤمنين، فضلاً عن النعمة الإلهيّة التى تعضدها وتصدّ عنف الأعداء عنها.

وهكذا، طوال مسيرتها على هذه الأرض فإنّ المدينة السماويّة تجنّد مواطنين من كلّ الشعوب وتجمع بالرغم من تنوّع اللغات مجتمعًا على سفَرٍ مثلها، ولا همّ عندها، مهما تباينت الأخلاق والقوانين والمؤسّسات وكلّ ما يساعد على الحصول على السلام الأرضيّ والاحتفاظ به؛ لا تحذف منه شيئًا ولا تهدم شيئًا.


ماذا أقول؟ إنّها تحتفظ بكلّ شيء وتتبعه؛ بالرغم من التناقضات التي فيه، وبحسب تنوّع الشعوب، يتوق إلى غاية واحدة، السلام، على هذه الأرض، إذا ترك للديانة، الحرّيّة في تعليم عبادة الإله الواحد الحقّ.

ومن ثمّ، فإنّ مدينة السماء تستخدم، في مسيرتها على الأرض، سلام الأرض؛ وفيما يختصّ بمصالح الطبيعة الصائرة إلى الموت وطالما أنّ التقوى سليمة والدين يسمع فإنّها تحمي وتشجّع الاتّحاد بين الإرادات البشريّة موجّهةً سلامَ الأرض إلى السلام السماويّ، السلام الحقيقيّ،

الوحيد الذي تستطيع أن تفيد منه، الوحيد الذي يمكن للخليقة العاقلة أن تسمّيه سلامًا: وهو نظام وتوافق تام في التمتّع بالله، أي تمتّع الكلّ المتبادل بالله. هنالك، لا مجال، للحياة الصائرة إلى الموت؛ بل حيويّة كاملة وثابتة؛ ولن يعود مجال لجسد حيوانيّ يرهق النفس بثقله الآئل إلى الفساد؛ بل جسد روحانيّ لا ينقصه شيء، خاضع في كلّ أجزائه للإرادة.


وإذ تسير بالإيمان، تملك، ها هنا، هذا السلام وتحيا بالإيمان مع البرارة عندما توجّه إلى ذلك السلام كلّ عمل خير تقوم به، تجاه الله والقريب، لأنّ حياة المدينة حياة اجتماعيّة.

الترجمة العربية للخورأسقف يوحنا الحُلو، دار المشرق، بيروت



Mary Naeem 02 - 09 - 2014 03:40 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
المحبة الفعلية الكاملة - القديس سمعان اللاهوتي

أيها الإخوة والآباء

إن من يتظاهر بالفضيلة فيما يضلل ويفسد كثيرين هو بالحقيقة بائس ومدان وممقوت من الله والناس. بالمقابل، بديهي أن الخالي من الهوى فيما يتظاهر ببعضه من أجل خلاص ومنفعة الكثيرين هو مستحق للمديح ومبارك كما يعلمنا الآباء القدماء.
لعب الشيطان دور الحية والمرشد، وفي ظهوره حسناً ونافعاً جلب الموت وخسّر الإنسان الله وكل ثمار الجنة، وأظهر نفسه كقاتل وعدو لله. لهذا إن من يتظاهر بالشر فيما يردد كلمات بارعة لكي يعرف ما يحقق الشر من خلال الذين يظهرون الفضيلة والطاعة ولكي يعيد الأشرار إلى الندامة والخلاص والاعتراف بخطاياهم، هو بالحقيقة متمثل بالمسيح[1] ومسار عامل لله ومنقذ للناس. لكن هذا العمل هو فقط لأصحاب الحس غير المتأثر بهذا الجو أو بحس العالم وأشيائه، الذين لا تتأثر أفكارهم بالمرئيات بل قد ارتفعت عن مستوى الجسد. أتكلم عن مساوي للملائكة، المتحدين كلياً بالله، الذين امتلكوا المسيح كلياً في نفوسهم بالفعل وبالاختبار وبالإدراك وبالمعرفة وبالمعاينة.


إن التنصت أو التجسس على أعمال قريبنا أو أقواله هو شر أكيد خاصةً إذا كان بهدف انتقاده أو تشويه سمعته أو إفشاء ما رأينا عندما تسنح الفرصة. بالمقابل هذا ليس مرذولاً إذا كان لتصحيح قريبنا بالنصح والحكمة والروية وللصلاة من أجله بدموع وبنفس منسحقة. بالحقيقة، لقد رأيت رجلاً اجتهد ألاّ يفوته شيء مما يقول أو يفعل رفاقه.

لم يفعل ذلك ليضرهم إنما لينصحهم ويحذرهم من الأفكار والأفعال الشريرة، وذلك بتحريك أحدهم بالكلمة والآخر بالهدايا أو بطرق أخرى. بالفعل، لقد كنت أراه في بعض الأوقات يندب أحدهم أو يتأوه على آخر.
أحياناً كان يلطم وجهه أو صدره من أجل شخصٍ ما معتبراً نفسه أخطأ عن الآخر وينظر إلى نفسه كأنه الخاطئ ويعترف إلى الله مرتمياً لديه بحزنٍ جارح. وقد رأيت فرح أحدهم عظيماً لنجاح المجاهدين إذ كان يستحسن تقدمهم وكأنه هو مَن سوف يكافأ عنهم لفضيلتهم ومجهودهم. أما لأولئك الذين سقطوا في كلمة أو عمل فكان يندب وكأنه فعلاً مسؤولاً عن هذه الأشياء وعليه أن يقدم حساباً عنهم ويتحمل الجزاء.
لقد رأيت أيضاً رجلاً آخراً مندفعاً ومملؤً رغبةً بخلاص إخوته حتى أنه كان يتوسل إلى الله، محب الإنسان، بكل نفسه وبدموع ساخنة، إما أن يخلص إخوته أو أن يدان معهم. موقفه كان مثل موقف موسى أو حتى مثل موقف الرب نفسه، إذ أنه لم يرضَ أن يخلص وحده. ولأنه كان مربوطاً بهم روحياً بالمحبة المقدسة في الروح القدس، لم يُرد أن يدخل مملكة السماوات إذا كان هذا الدخول يعني الافتراق عنهم.
يا للرباط المقدس! يا للقدرة التي لا توصف! يا للنفس ذات الأفكار السماوية أو بالأحرى المحمولة من الله والمكَمَلة بمحبة الله والقريب.


إذاً مَن لم يصل بعد إلى هذا الحب ولم يرَ أياً من ملامحه في نفسه ولا أحس بحضوره، لم يزل مرتبطاً بالأرضيات راسخاً فيها. كلا، الأحرى أن طبيعته هي أن يخفي نفسه كالفأر الأعمى في جوف الأرض لأنه أعمى مثله ولكن قادر فقط على سماع المتكلمين على الأرض.


أي سوء حظ هو أن الذين ولِدوا من الله وأصبحوا خالدين و?شركاء الدعوة السماوية?[2] و?ورثة الله ووارثون مع المسيح?[3] وسيرتهم ?هي في السماوات?[4]، لم يتوصلوا بعد إلى إدراك عظمة هذه النعم.

نحن بلا إحساس كالحديد الملقى في النار أو كجلد الحيوان الميت الذي لا يحس عندما يُغَمس في الصبغة القرمزية. إن هذا هو موقفنا مع أننا في وسط بركات الله العظيمة ونعترف أننا لا نحس بها في داخلنا. وهكذا فنحن نتباهى وكأننا مخَلَّصون ومحسوبون بين القديسين، وندّعي ونزخرف أنفسنا بقداسة مصطنعة كأولئك الذين يقضون حياتهم في التعاسة كموءَدين في قاعة الموسيقى أو المسرح.
نحن كالمهرجين والمومسات الذين ليس لهم جمال طبيعي و بغباء يفكرون أن يجملوا أنفسهم بمستحضرات وألوان إصطناعية. كم هي مختلفة هيئة القديسين المولودين من فوق[5].


عندما يأتي طفل من رحم أمه، يحس الهواء لاشعورياً ويندفع عفوياً نحو البكاء. فعلينا أن نعلم أن أتي المولود من فوق من هذا العالم كما من رحم مظلم، فهو يدخل في الضوء الفكري السماوي وبينما هي يحدق به بإمعان يمتلئ بفرح لا يوصَف. وبينما يفكر طبيعياً بالظلمة التي وُلِد منها، يذرف دموعاً بلا تعب. هكذا يبدأ المرء أن يُحسَب بين المسيحيين.
أما الذين لم يلجوا معرفة هذا الجمال ومعاينته، الذين لم يلتمسوها بصبر عظيم وتأوهات ودموع لكي يتنقوا ويصلوا إليها، كيف لهم أن يُدعوا مسيحيين؟ إنهم ليسوا مسيحيين بالحقيقة!
إن كان ?المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح?[6]، فإن لم يفتكر المولود بالجسد ولم يؤمن بأن على الإنسان أن يولد بالروح أو أن يسعى إلى ذلك، كيف له أن يصبح روحانياً ويحسب نفسه بين الروحانيين؟

قد يدخل خلسةً كالذي يرتدي ملابس فاحشة، ولكن ما أن ينضم إلى القديسين لابسي ثياب العرس في العيد الملوكي، حتى يُلقى خارجاً مغلول اليدين والرجلين. فهو ليس ابناً للنور[7] بل من لحم ودم[8] وسوف يُرسَل إلى النار الأبدية ?المعدة لإبليس وملائكته?[9].


من تلقّى السلطان ليصبح ابناً لله[10] ووارثاً لملكوت السماوات والبركات الأبدية، الذي تعلم بشتى الطرق ما هي الأعمال والوصايا التي يجب أن ينشأ عليها إلى هذا المجد والكرامة،

ومن ثم احتقر كل هذه الأمور وفضل الفانيات والأرضيات مختاراً الحياة القذرة ومفتكراً أن المجد العابر أفضل من الأبدي، كيف لن يُفصَل بعدل عن كل المؤمنين ويُدان مع الخائنين ومع الشيطان نفسه؟


لهذا أرجوكم جميعاً، أيها الإخوة والآباء، أن تجاهدوا ما دام زمان ولم نزل بين الأحياء. إسعوا لتصبحوا أبناءً لله وتُحسَبوا بين أبناء النور، لأن من هذا تأتي الولادة من فوق.
?لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم?[11]، لا تحبوا الجسد والشهوات التي تنبع منه. ابتعدوا عن كل شهوة رديئة وطمع[12] حتى عن أبسط مظاهرها وأدواتها. بإمكاننا أن نفعل ذلك إذا حفظنا في ذهننا عظمة ذلك المجد والفرح والسرور التي سوف نحصل عليها في الدهر الآتي.
قولوا لي، هل من شيء، في السماء أو الأرض، أعظم من أن نكون أبناءً لله وورثة له ووارثون مع المسيح[13]؟ لا شيء إطلاقاً! وإذ نفضل الأشياء الأرضية والأشياء التي بيدنا ولا نسعى إلى الخيرات ?الموضوعة لنا فوق?[14 ولا نفسح مجالاً لها بشوق، نؤمن إثباتاً أكيداً للذين ينظرون إلينا بأننا ضحايا مرض عدم الإيمان كما هو مكتوب :

"كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجداً بعضكم من بعض. والمجد الذي من الإله الواحد لستم تقبلونه"؟[15] هكذا، إذ أصبحنا عبيداً للشهوة فنحن مسمرين بالأرض وما عليها ونرفض أن ننظر إلى السماوات وإلى الله.
إذ ننخدع بحماقة النفس لا نطيع وصاياه ونتخلى عن تبنيه لنا كأبناء.


أخبروني هل من أحمق أكثر ممَن يتخلى عن طاعة الله ولا يسعى للوصول إلى بنوّته؟ لدى المؤمن بوجود الله أفكار عظيمة عنه.

فهو يعرف أن الله هو السيد الوحيد، الخالق، ورب الأشياء جميعاً، وأنه لا يموت، أبدي، لا ينتهي، لا يُوصَف، لا يندثر ولا نهاية لملكه. كيف يتردد بوضع نفسه حتى الموت لمحبته لله، لكي يستحق على الأقل أن يكون أحد خدامه الحقيقيين الواقفين إلى جانبه إن لم نقل ابنه ووريثه؟
كل من يجاهد ليحفظ وصايا الله يصبح ابناً لله وابناً مولوداً من فوق ومعروفاً لدى الجميع كمؤمن حق ومسيحي. ولكن إن أهملنا هذه الوصايا وعصينا قوانينه التي سوف يثبتها عندما يأتي ثانية وهذه المرة بقوة ومجد عظيم[16]، سوف نظهر أنفسنا من خلال أعمالنا كغير مؤمنين من جهة الإيمان، وكمؤمنين شفوياً فقط من جهة عدم الإيمان. لا تنخدعوا: بدون أعمال لا ينفعنا الإيمان لوحده لأنه ميت [17].

الأموات لن يكونوا مشاركين في الحياة إلا إذا سعوا إليها أولاً بتطبيق الوصايا. كما ينمو الثمر العصاري، كذلك بتطبيقنا الوصايا تنمو في داخلنا المحبة، الرحمة، الشفقة على الجار، اللطف، التواضع، احتمال التجارب، العفة ونقاوة القلب التي من خلالها نستحق رؤية الله وبها نُمنَح وجود الروح القدس واستنارته.

هذا هو الحضور الذي يهب الولادة من فوق ويحوّلنا أبناءً لله. إنه يلبسنا المسيح ويضيء مصابيحنا. يظهرنا أبناءً للنور ويحرر نفوسنا من الظلام ويجعلنا هنا والآن شركاء مدركين للحياة الأبدية.


لا نتكلن إذاً على هذه أو تلك من الممارسات أو الفضائل كالصيام والسهرانيات أو النوم على الأرض وسواها من الإماتات فيما نحن نستخف بتطبيق وصايا الرب وكأن الخلاص ممكن بواحدة دون الأخرى.
إنه لمستحيل، مستحيل! فلتحثكم العذارى الخمس الحمقى مع أولئك الذين صنعوا قوات كثيرة بإسم المسيح وبالرغم من هذا، لأنهم لم يملكوا في داخلهم محبة ونعمة الروح القدس فقد سمعوا الرب يقول لهم:
?إذهبوا عني يا عمال الظلم لأني لست أعلم من أين أنتم?[18]. ليس أولئك فقط بل كثيرون معهم، رجال عمّدهم الرسل القديسون والقديسون الذين أتوا بعدهم، ولكنهم لم يُوجدوا مستحقين لنعمة الروح القدس لكثرة شرورهم.

لم يُظهروا حياة مستحقة لـِ?الدعوة التي دُعوا بها?[19] ولم يصبحوا أبناءً لله بل على العكس بقوا لحماً ودماً بدون أن يؤمنوا بأن الروح موجود أو أن يسعوا إليه أو يتوقعوا الحصول عليه. من أجل ذلك، هكذا أشخاص لن يكونوا أسياداً لشهوات الجسد أو انفعالات النفس ولن يتمكنوا من إظهار أي نبل في الفضيلة

لأنه كما قال السيد: ?لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً?[20]


وهكذا أتوسل إليكم أيها الآباء والإخوة لنحاول بكل قوانا أن نصبح، الآن وهنا، شركاء عطية الروح القدس حتى نحصل على البركات الحالية والمستقبلية بنعمة ورأفة ربنا يسوع المسيح له المجد إلى الأبد، أمين.

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 03:44 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
بالمحبة لا بالخوف تصير ابنا لا عبداً
القديس أغسطينوس

عن الحكمة كلامنا, لا عن حكمة هذا العالم التي هي جهالة عند الله, بل عما هي حقا بنظره حكمة, الله هو كمال الحكمة, وحكمة الانسان عبادة الله.

وتناقش الناس في الحكمة فقالوا انها علم الامور البشرية والالهية, بيد ان الكثيرين لم يسعوا اليها الا كسبا لمديح الناس لهم, وارادوها في حياتهم علما لا خلقا تأمر به الحكمة, فنالوا مجدا بشريا زائلا وعجزوا عن البلوغ الي نور الله, وما طلبوا الحكمة,
مع انهم تظاهروا بالبحث عنها, ولو بحثوا عنها حقا لعاشوا وفقا لمبادئها, لكنهم شاؤوا التبجح بأقوالها فكانوا كلما ازدادوا بها تبجحا كلما ازدادوا عنها بعدا.

اما الكتاب المقدس فانه يعلمهم انهم لن ينالوا مبتغاهم الا اذا رعوا ما كانوا يهملون يا بني ان رغبت في الحكمة فاحفظ الوصايا فيهبها لك الرب(سي 1: 33) ومن ذا الذي يحفظ البر ان لم يخف الرب القائل في موضع آخر ان من لا يتقي الله لا يدرك البر (اع 10 : 35),

وبالتالي فان كان الرب لا يهب الحكمة سوي لمن يحفظ البر فمن لا يتقي الرب لا يتبرر, ثم يضيف راس الحكمة مخافة الله (سي 1: 16).
وحين يتكلم اشعيا النبي عن مواهب الروح السبع يبدأ بالحكمة وينتهي بمخافة الله, منحدرا الينا ليعلمنا كيف نصعد اليه, بدأ حيث يجب عليك ان تصل,

ثم وصل حيث يجب ان تبدأ, قائلا وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ. (اش 11: 2).
وكما ان النبي انحدر من الحكمة الي التقوي, معلما بقوة, عليك ان تصعد تدريجيا وبدون استكبار من التقوي الي الحكمة. المتواضع يتقي الله, وقلبه ينسحق بدموع التوبة والاعتراف,
لا تخف البقاء في هذا القعر لان الله رتب في القلب المنسحق المتواضع الذي يرضي عنه مراقي اليه. وانحدر اشعيا علي سلم العلم من الحكمة الي تقوي الله ليحثك علي القيام باعمالك, لقد انحدر من مقرالسلام الابدي الي وادي الحزن الزمني كيلا تبقي حزينا باكيا متنهدا في توبتك,

بل لتصعد من ذلك الوادي الي الجبل الروحي الي اورشليم المدينة المقدسة الابدية, وتفرح فرحا ابديا. وحين نصحك بالتزام الحكمة نورا للعقل, اضاف العقل ردا علي سائليه, بأن طريق الحكمة العقل, وطريق العقل المشورة, وطريق المشورة القوة, وطريق القوة المعرفة, وطريق المعرفة تقوي الله,
وطريق تقوي الله مخافته, تتجه الطريق صاعدا من المخافة الي الحكمة لان
راس الحكمة مخافة الله (سي 1: 16), من وادي الدموع الي جبل السلام. فاجعل التواضع والتقوي رأس حكمتك.
اللهم في اري البداية, فلم اقنط من النهاية ؟ وفي الخوف, انما مخافتك رأس الحكمة, لقد بدأت أخاف, فعلي ان اصلح نفسي, واحذر اعدائي (اي خطاياي),

وابدأ حياة باطنية, وأميت اعضائي علي هذه الأرض, مخافتك تجرح النفس, كما يجرح مبضع الطبيب جسم المريض, لينزع منه ما فسد فيه, فيبدو مثخنا جراحا, ويفوق ألم جرح يُداوي ألم جرح مهمل, ويعرف الانسان دواءه فيحزن حزنا يفوق حزنه علي الم يتلوه شفاء, املأ قلبي من مخافتك,
ووجهه الي محبتك, واجعله ينسي أثر جرح مبضعك, لانك طبيب لا يُخلف جرحه اثرا, فليكن الخوف في, قبل ان تنقي المحبة الكاملة الخوف عني, اني لأومن وادرك اني سائرا بعيدا عنك, في جسمي هذا الفاسد الذي يثقل علي,
بقدر ما ادنو من الوطن اصبو اليه بضعف الخوف في, خوف المسافرين قوي, وخوف القريبين ضعيف, والذين بلغوا غايتهم لا يخافون, اني اخاف ممن يقتلون الجسد, وبخاصة ممن يمكنه ان يلقي النفس والجسد في جهنم.
الخوف نوعان: خوف سافل وخوف نقي, احدهما يخشي ان يفقد البر والآخر يخشي العقاب, الخوف السافل هو خوف من يخشي الاحتراق مع الشيطان, والخوف النقي هو خوف من يخشي عدم مرضاة الله, واين العظمة في ان يخشي الانسان العقاب ؟

تلك حالة العبد الخاطئ واللص الشرس, لا عظمة في ان يخشي الانسان العقاب, انما العظمة في ان يحب البر, وكل من يحب البر لا يخشي العقاب بل يخشي فقدان البر.
اللص يخشي العقاب انما لا يخشي الاثم, انه لا يسرق حين لا يستطيع ان يسرق مع انه سارق !يسطو الذئب علي حظيرة الخراف ويحاول أن يدخل يدخل ويقتل ويفترس, وبما ان الرعاة يسهرون, والكلاب تنبح,
فلا يستطيع ان يخطف او يقتل, انما يخرج ذئبا كما جاء ذئبا, ألأنه لم يستطع ان يسرق نعجة نقول ?جاء ذئبا وعاد نعجة ؟ لقد جاء ذئبا محتدما غاضبا, وعاد ذئبا مرتجفا فزعا, ومع ذلك فهو ذئب, غاضبا كان ام خائفا,

لا خطف الفريسة ولا تخلي عن خبثه. ان كانت تلك هي حالك, فانك تفكر بالا يعذبك البر. الفرق بين خوفك وخوف اللص, هو ان اللص يخشي قوانين البشر فيسرق املا في ان يخدعها, وانت تخشي شرائع وعقاب من لا يسعك ان تخدعه, هب انك استطعت ان تغش الا تغش.

المحبة لا تنتزع منك الشهوة انما الخوف وحده يكبتها, ان من قيده الخوف يظل ذئبا, تحول انت الي نعجة, ذاك صنعه الرب ببر منه لا منك, فان كان لك برك فاخش العقاب ولا تحب البر !!! اني اطرح عليك سؤالا,
تفحص سؤالي المدوي, واجعل لك من نفسك سؤالا صامتا, لك اقول:ان لم يرك الله حيث تعمل فهل تعمل اذا لم يكن يوم الدين من يقنعك بانك عملت شرا تأمل نفسك بنفسك اذ لا يسعك ان تجيب علي كل ما اقول, تأمل نفسك, أتفعل ان فعلت كان ذلك خوفا من العقاب وليس حبا بالبر, ولم تكن علي شئ من المحبة,

لانك تخاف كعبد, انه الخوف من الشر وليس الحب للخير. وبرغم ذلك يجب عليك ان تخاف خوفا يؤدي بك الي المحبة, ان خوفك هذا يجعلك تخاف من جهنم ويمنعك عن الخطيئة ويغمرك من كل جانب,
ولا يدع فكرك الباطني الحر يريد الخطيئة, وبالتالي فالخوف هو كالحارس والمعلم في الشريعة, التي كان حرفها يهدده قبل ان تنجده النعمة, فليحفظك هذا الخوف من السوء, ولتدخل المحبة قلبك,
اذ بقدر ما تكون فيه بقدر ذلك يخرج منه الخوف. وطالما ان الخوف يحفظك من السوء, فالمحبة تستأصل ما فيك من رغبة في الاثم, ولو استطعت ان تعمل دون ان يطول العقاب.
عانق المحبة وادخل فيها, اقبلها تفاديا للخطأ, كف عن الخطيئة واقبل المحبة واحي حياة صالحة, ومتي دخلت في المحبة بدأ الخوف يخرج,

وكلما ازددت ولوجا في المحبة ازداد الخوف تراجعا, ومتي دخلت بكليتك تلاشي الخوف الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ (1يو 4: 18) للمحبة خوف نقي خاص بها يثبت الي جيل الاجيال.

الرجل الصالح ولو استطاع ان يحفظ قول الله لما احزن عيني ابيه القائل له ?اراك حين تخطأ فلن اعاقبك انما لست ارضي بك والرجل الصالح يخشي ان يغيظ محبوبه بمعزل عن صرامة القاضي, لانه لو احب الآب حقا كما يحبه الآب لاعترف به ربا ولما عصا له امرا.

هناك اناسا يخشون ان يعملوا شرا عن ضعف جسدي او نفسي وليس حبا بالخير, بل خوفا من ان يدينهم الناس, فيكفون عن شر الاعمال دون عاطل الافكار.
اذا فكرت بامثالها وان لم تأت شرا ضد احد, تسئ كثيرا الي نفسك, وباثمك هذا تهلك نفسك. انت لا تؤذي الناس لانك جبان, لكن الله الذي يري خطيئتك يعاقبك علي افكارك. ان من لا يستطيع اللحم ان يحجب عنه ارادتنا
, يري ما تريد, وبالتالي اذا كان قلبك لا يخشي سوي العقاب ثم سنحت لك الفرصة لارتكاب الخطيئة فلا تصير اذ ذاك خاطئا, بل يماط اللثام عما فيك من خطأ لتدرك ان ما خفي منك موجود, ولا لتعرف ان ما هو طبيعي قد انكشف.
الارادة الاثيمة تحيا في العمل الذي لا يرجي عليه غقاب, اما حين تتأكد بأن العقاب ملازم للخطأ فهي تحيي في الخفاء وتود لو يسمح لها بان تعمل علي هواها. وتكتئب لانها لا تتسامح مع نفسها بما يحرمه الله, وهي لا تتمتع روحيا بما له من خير, بل تخشي جسديا الشر الذي يهددها به,
وان كنت تخشي الله بسبب ما ينتظرك من عقاب فلست تحب من تخشاه هكذا, وعبثا تدعي التغلب علي الخطيئة ان كنت تكف عنها خوفا من العقاب, ان خفت من جهنم فلست تكره الخطيئة بل الاحتراق في جهنم,
اما ان كرهت الخطيئة كرهت معها جهنم, أحب الله الصالح واخش عدله, ان احببت خفت من ان تغيظ المحب والمحبوب, واين تجد خوفا نقيا يفوق ما فيك يا من لا تفكر بامور الدنيا بل بما هو للرب وبما يرضيه ؟
ان لم يكن فيك حب فاحذر الهلاك, اما ان كنت تحب فاخش ان تغيظ بحبك. بالمحبة لا بالخوف تصير ابنا لا عبدا. ان ثابرت علي عمل الخير خوفا من الهلاك فلست من ابناء الله, حتي م تخشي العقاب ؟
الخوف عبد والمحبة حرة طليقة, والخوف هو عبد للمحبة, لا تدع الشيطان يسيطر علي قلبك برغم ان الخوف سباق في الدخول اليه ليحتفظ بمركز للمحبة, سيدته, التي سوف تدخل.

اعمل خوفا من العقاب ان تعسر عليك ان تعمل حبا بالبر, لان السيدة سوف تأتي وسوف ينسحب العبد, لأن الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ(1 يو 4: 18)
ربي, تحاشيت الشر فصلحت نفسي, وراحت تتوق الي الخير فنشأ في الخوف النقي, انا ما ابتعدت عن الشر خوفا من جهنم وابليسها, بل خوفا من ان تبتعد انت عني,
ليس خوفي من ابليس وجهنم خوفا نقيا, لانه لم يصدر عن حب لك, بل عن خوف من العقاب, وحين خفت ان تتخلي عني عانقتك وتمنيت ان استمتع بك. نفسي تلطخت بالاثم ولكنها تصبح جميلة اذا احبتك,
الخوف النقي يعيد الي النفس جمالها, انت, يارب, دائم الجمال, لا قبح فيك ولا تغيير, لقد احببتنا يا دائم الجمال, حين كنا قبحا وفسادا, لقد احببتنا لا لتبعد عنك كل قبيح, بل لكي تغيره وتجعل منه انسانا جميلا, وكيف اصبح جميلا؟

الا متي احببتك يا دائم الجمال. كلما تعاظم فيً حبك عظم جمالي, لان محبتك جمال لنفسي. ربي اني لا اشبع من الحديث عن محبتك, وبقدر ما انا تائق اليها ارجو ان تنمو وتثبت في, وتطرد عنها الخوف ليستمر الخوف النقي الي جيل الاجيال, اني احتمل العالم وضيقاته وشكوكه وتجاربه. ربي ساعدني كيلا ابتعد عن الطريق,
واجعلني استمسك بك, عن محبة, فلا اترك اعضاء مسيحك ولا اكفر بالايمان بل اتمجد بحضرتك, بايمان اثبت فيك الآن, ثم اتمتع بك, وجها لوجه, وقد اخذت مواهب الروح القدس عربونا علي ذلك.

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:02 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
في أن محبة الله تعلو كل محبة
للقديس مار افرام السرياني


المريدون بالحقيقة أنيدفعوا أنفسهم إلي الرب من أجل الموعدالمنتظر
ويحاربون المعاند الخبيث

المحارب كل نفس بكل نوع حرباً متلوناً،

سبيل كل من يتخذ قبل كل شئٍ أمانة حقيقية ليستطيع أنيطفئ بِها

كل سهام الخبيث المحمية فلما يريد المعاند أن يحلاختيار النية ويجذبرجاء الرب ومحبته يقاتل النفس بأشياء مختلفة،

إما أنه يجتلب إلي النفس داخل أحزاناً بروح الخبث أويزرع أفكاراًخبيثة

وباطلة غير واجبة دنسة ويحرك ذكر الخطايا السالفةويقنع النفس

أن تفضي بنيتها إلي الرخاوة كأنه غير ممكن أن تنالخلاصاً إلي أن يدنىالنفس إلي عدم الرجاء كأنَها هي الفاعلة في القلب فواحش الأفكار المضلةالخبيثة.

وأن ليس روح غريب يخترع الخطيئة باطناً

ويزرعها فيه بل هي تنشئ الرذيلة فلا تؤثر أن تعرف أنالنفس موجودة مع

روح العالم الغريب من اللـه روح الخديعة ليقتادها إليعدم الرجاء أويلقي عليها أوجاع الجسد ويجعلها تعير الناس وتغمهم، فإن بدأ الخبيث أنيحارب النفس بِهذه الأشياء فلا يجنح الإنسان من التوكل علي اللـه بل

فليلصق بالمسيح وحده المتحنن والقادر أن يشفي أمراضالنفس

وليحبه دائماً ويدرس بذكره مفتكراً في هذا، أنني إنابتعدت من اللـهورجعت عن سيرة النسك المستقيمة إلي أين أذهب سوى إلي الهلاك، وأدفع نفسيإلي العدو الغاش.

فمن أجل هذا وإن أخطر الخبيث لكل واحد من الأخوة كل يوموبارزة بربواتسيوف وسهام محمية وآلام الرذيلة والأفكار الخبيثة الغير

واجبة ليرخيه ويرده من طريق العدل ويسحبه إلي قطعالرجاء بِهذا المقدارسبيله أن يهرب بالحري إلي اللـه ويتوكل علية.

فإنه هكذا يؤثر أن يختبر النفوس المتجهة إليه ليعرف

بتحقيق أنَها قد أبغضت كل شئ وأحبت اللـه وحده

وإنْها قد تكبدت شروراً كثيرة من قبل الرذيلة وأحبت أنتقترب إلياللـه وتكمل مشيئته، وأقتنت شوقاً إليه أكثر واستهانت بربوات ميتات وأحبتهوحده واشتهت أن ترثه.

وأن كافة حرصها وتوجعها طول أيامها احتسبته كشئ حقير لايعادل شيئاً منالأشياء المرجوة لأن ألف سنة من

هذا الدهر في العالم الآتي الغير بالي مقدارها مثل هذاالقياس، كمايملك الإنسان حبة واحدة من كافة رمل البحر هكذا دهر الصديقين وملكوتالسموات أمر لا يعبر ولا توصف معرفته.

نظير ذلك الأنفس الوانية تجاهد بتفهم

وتصبر بمثل هذا الرجاء على كل حزن ماسكة بتحقيق رجاءالرب فلا تخزى بلتنال الحياة الأبدية والحقيقية وتوجد مختبرة في المحن، كما يقال:

من يفصلنا من محبة اللـه أَغم، أَم
ضيق، أم اضطهاد، أم جوع، أم عطب،


أم سيف، وتوابعه. وأيضاً الحزن يصنع صبراً، والصبرتدرباً، والتدربرجاء، والرب يقول بصبركم تقتنون أنفسكم، وأيضاً من يصبر إلي الغاية يخلص.

إن صبر الإنسان علي الأحزان المجلوبة الآتية عليه منالخبيث برجاءٍوطول أناة وبشهامة تجعله متمكناً متوطداً وتوضحه موعباً خبرة ودربة، تفطنفيما أقوله:

إن أقاموك وحدك علي كافة الأرض ملكاً وقدموا لك سائركنوز المسكونةولم أقول هذا إن تملكت وحدك ومسكت المسكونة منذ خلق جنس الناس وإلي انقضاءالدهر، أتراك كيف تختار الرئاسة الكاذبة المنحلة

علي الحياة المحقة التي لا تعبر الأبدية حياة ملكالسموات التي مملكتهالا انقضاء لها ولا تغيير.

من الواضح أنك إن ميزت تمييزاً مستقيماً

ستقول حاشا لي أن أبدل ملكوت السموات بالملك الباليالزائل كما قالالرب: ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه،

أم ماذا يعطي الإنسان فدية عن نفسه، إن كافة العالموملكه وأموالهوشرفه أكرم منه النفس وحدها وأوقر شرفاً ليس أنْها أكرم من

مملكة الناس فقط بل لأن اللـه لم يسر بواحدة من براياهأن تشاركهوتتحد بطبيعة

روحه لا بالسماء ولا بالشمس ولا بالقمر ولا بالنجوم ولابالبحر ولاببرية أخرى من المرئيات إلا بالإنسان وحدة الذي أحبه أكثر من جميعها.

فإن كانت برايا العالم الجسيمة والمكرمة والغنى أوالمملكة الأرضيةنفسها إذا أتخذنا رأياً صائباً لا نختار أن نستبدلها بملك الحياة

الأبدي والسماوي، فماذا نقول عن شهوة ما من شهوات هذاالعالم أو

بشرف باطل أو بفائدة قبيحة، فمن إذاً يحب شيئاً من هذاالعالم يفيدهويقايض به ملكوت السموات، لأن الشئ الذي يحبه الإنسان هو إلهه كما قيل لماأنغلب أحد يعود إليه.

فيحتاج بالحقيقة من يشتهي الحياة الأبدية ويتمنى ملكوتالسموات أن يكونأعلى من أمور

هذا العالم كلها وأعظم قدراً

ويرفض كافة الحدود العالمية وكل الشرف الأرضي ويفلت منقيود الهيوليكلها ويحب مجد المسيح السمائي ولا يمزج بتلك المحبة شيئاً آخر ولا يحبشيئاً من أشياء هذا الدهر أو من أمور هذا العمر.

لأن المحبة الحقيقية التي تحب بِها اللـه تقطع كسيف ذيحدين كل محبةأخرى للعالم وتمزق كل رباط هيولي

ولا يستطيع شئ من الظاهرات أن يمسك تلك النفس لا لذةولا شرف ولا ثروةولا رباط محبة بشرية ولا شئ من أمور الهيولي بل النفس التي تحب اللـه وحدهلا تحب معه شيئاً آخر من أشياء هذا العالم لكن محبتها كلها متعلقة بمشيئتهوحده مرتبطة به وتظفر وتغلب كل محبة ترابية هيولانية، محبة الروح سيف ذىحدين، المحبة التي كالسيف تقطع كل توجع وظن هيولي وتعلو ظافرة علي كافةالحدود الأرضية وتلتصق باللـه وتفعل مشيئاته، فجهادات عظيمة وأوجاع شديدةموجودة في المواعيد الجسيمة مواعيد الحياة الدائمة، الإنسان يحتاج

أن يدفع نفسه إلي الرب بجملته كما كتب أن يحب اللـه بكلالقلب والطاقةوالقوة ويتعلق به بكافة مشيئته ويصلب ذاته بالنفس والجسم في كافة وصاياهالمقدسة بغير انقطاع ليستطيع أن ينال الحياة الأبدية الموعود بِها للمحبينللـه والمريدين أن يؤهلوا للملك الدهري.

فإن كان في تحصيل الملك الأرضي الزائل البالي أعراقجزيلة وأوجاعواحراص غير نافعة ليمكن الذين يشتهونه أن يفوزوا به

ويحصلوا في كرامة وشرف الرياضة الزائلة، فكم بالحرييجب عليك أن تتوجعوتحرص وتجتهد بكافة النشاط من أجل الملك الأبدي الغير بالٍ والفاقد التألموتحتمل كل شئ لترث مثل جسامة هذا المجد الذي لا يبلى.

وربما يستبين عندك واجباً إنك تحتاج مثل وفور

هذه الأوجاع لتقتني لك الأمور الزائلة الأرضية والأمجادالبالية، أتؤملأن تملك مع المسيح إلي أبد الدهر ملكاً لا يشيخ ولا تشاء أن تتوجع وتجاهدفي هذا الزمان القصير الذي تعيشه علي الأرض لتملك باللـه في الدهر كله.

فأنا أعتقد أن من له عقل يسير جداً يستوضح

عنده ويظهر في تمييزه أن واجباً علي الإنسان أن يجاهدفي هذا الزمانالقصير ويجتهد ويحاضر لينال الإكليل والغلبة إلي الأبد وذلك أفضل من أنيتراخى في هذا الزمان اليسير متصرفاً في اللذات الأرضية فيشتمله الهزءوالخزي إلي الأبد.

فإن أشتغل الإنسان بالأفعال الصالحة وأستسار

بالأمور المنطوق بِها من الكتب المقدسة تَهتف بهوتمدحه وتبجله كافةالأقوال والكتب والفرائض وكتب الحكماء من خارج وكافة الألسن تشهد للمكمل مافي الكتب فعلا والذي يقاوم شهواته الرديئة عند اللـه

فيلسوف حقيقي لأن المتزين بكلام الحكمة والمفتخر بِهاوما بذل شهواتهيحسب بالكلية غير حكيم وأحمق لأنه لم يفحص عنه بآلام يسيرة فلا يحتاج أنيدفع الإنسان ذاته إلي اللـه بأقوال كثيرة بل يصغي إليه بفعل

الحق ويستسير ويتصرف بالوصايا المستفادة من الكتبالإلهية والعمل بِهاالآن كافة أقوال الكتب الإلهية والأقوال العالمية إنما تتكلم عن الأعمالالصالحة الفاضلة والسيرة الممدوحة النفيسة فها كافة الناس يتحدثون بفضلكوينشدون ذكرك لتصرفك في أفعال الفضيلة الممدوحة من الكافة.

فلنحرص أن نتصرف في وصايا الرب في كل وقت إذ نحن مؤملونأن نأخذميراثاً من الخيرات المزمعة

ومنتظرون شركة الروح دائماً لكي ما نقدس النفس والجسمههنا ونكمل كافةالوصايا بمساعدة الروح ونصير مستحقين للمسيح وأبناء الآب السمائي بشركةروحه ووارثي الإله وناظري المسيح في الميراث ونؤهل للخيرات المؤبدة متنعمينبالمسيح.

آمـين.

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:03 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
المـحـبـة - بقلم القمص ميخائيل جرجس صليب

http://www.peregabriel.com/gm/albums..._Wallpaper.jpg



عندما أتى ناموسى ليجرب المسيح قائلاً "يا معلم أية وصية هى العظمى فى الناموس فقال له يسوع تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هى الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء"(1).

إذن فالمحبة هى أعظم الوصايا كلها .. محبة الله أولاً، ثم محبة القريب .. لذلك إن أردت أن تنفذ هذه الوصية اتبع التدريبات الآتية :
1- افحص ذاتك جيداً .. هل تحب الله من كل قلبك ؟ ومن كل نفسك ؟ ومن كل فكرك ؟
أم هناك محبات أخرى داخل القلب .. مثل محبة العالم، أو محبة المال ..
والقديس يوحنا الرسول يقول "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التى فى العالم إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب لأن كل ما فى العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة"(2).
ويقول القديس بولس الرسول عن محبة المال "لأن محبة المال أصل لكل الشرور الذى إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة"(3).
2- والمحبة درجات وتحتاج إلى تدريب إلى أن تصل إلى قمتها وهى محبة الأعداء، لذلك يقول القديس بولس لأهل تسالونيكى "والرب ينميكم ويزيدكم فى المحبة بعضكم لبعض وللجميع كما نحن أيضاً لكم"(4).
3- لذلك فالقديس يوحنا ذهبى الفم(5) وضع تسع درجات للمحبة حتى نصل إلى محبة الأعداء فى تفسيره للآية التى تقول "سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك أما أنا فأقـول لكم. أحبوا أعدائكم باركوا لاعنيكم أحسـنوا إلى مبغضيكم ...."(6).
أولاً : ألا تبدأ بالظلم.
الثانية : إذ ظُلمنا فلا نواجه الظلم بظلم أكثر.
الثالثة : لا ننتقم لأنفسنا بل نحتفظ بهدوئنا.
الرابعة : أن نحتمل ظلم الآخرين لنا.
الخامسة : أن نكون أكثر تسامحاً مع أصحاب الرغبات الشريرة.
السادسة : ألا نكره الذين فعلوا معنا الشر.
السابعة : أن نحب الجميع.
الثامنة : أن نعمل معهم الخير.
التاسعة : أن نحب الأعداء.
4- لقد أعطى المسيح له المجد لتلاميذه مثالاً فى المحبة، وأوصاهم أن ينفذوه قائلاً لهم "هذه هى وصيتى أن تحبوا بعضكم كما أحببتكم ليس لأحد حب أعظم من أنه يضع أحد نفسه لأجل أحبائه "(7).
وفعلاً بذل المسيح نفسه على الصليب فداء عن العالم كله(8).
5- لذلك يوصى الرسول بولس المتزوجين ? فى رسالته لأهل أفسس- قائلاً "أيها الرجال أحبـوا نسـاءكم كما أحب المسـيح أيضاً الكنيسة واسـلم نفسه لأجلها"(9).. أى محبة بذل وتضحية.
6- إن الحب يجب أن يكون عملياً مع الجميع.. وقد أعطانا رب المجد مثلاً فى الحب العملى بين الأصدقاء فقال "من منكم يكون له صديق ويمضى إليه نصف الليل ويقول له يا صديق إقرضنى ثلاثة أرغفة، لأن صديقاً لى جاءنى من سفر وليس لى ما أقدم له. فيجيب ذلك من داخل ويقول لا تزعجنى الباب مغلق الآن وأولادى معى فى الفراش لا أقـدر أن أقوم وأعطيك أقول لكم وإن كان لا يقوم ويعطيه لكونه صديقه فإنه من أجل لجاجته يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج"(10).
7- وقد ذكر بولس الرسول صفات المحبة فقال "المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد وترجو كل شئ وتثبر على كل شئ. المحبة لا تسقط أبداً"(11).
أى أن الإنسان المحب لا يغضب ولا يحسد ولا يتفاخر ولا يتكبر ولا يشتم، بل طويل البال صبور وله رجاء فى المسيح يسوع.
8- ثم ذكر شروط المحبة فقال "المحبة فلتكن بلا رياء"(12)، وصادقة "صادقين فى المحبة"(13)، "ومتأسسون فى المحبة"(14)، "لنكون قديسين وبلا لوم قدامه فى المحبة"(15)، "لتصر كل أموركم فى محبة"(16)،"بالمحبة اخدموا بعضكم بعضاً"(17).
9- ثم يقول أيضاً "إسلكوا فى المحبة، كما أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة"(18)، ويقول أيضاً "ولنلاحظ بعضنا بعضاً للتحريض على المحبة والأعمال الحسنة"(19).
10- وأخيراً يقول عن المحبة "البسوا المحبة التى هى رباط الكمال"(19).
ويقول سليمان الحكيم "والمحبة تستر كل الذنوب"(20)، "لأن المحبة قوية كالموت"(21). لذلك يجب ألا تكون بفتور حيث وجه رب المجد رسالته إلى ملاك كنيسة أفسس قائلاً له "عندى عليك أنك تركت محبتك الأولى فاذكر من أين سقطت وتب واعمل الأعمال الأولى"(22).
(1)- (مت 22: 35- 40). (2)- (1يو2: 15، 16).
(3)- (1تى 6: 10). (4)- (1تس3: 12).
(5)- تفسير إنجيل متى للقديس يوحنا ذهبى الفم.
(6)- (مت5: 43). (7)- (يو15: 12، 13).
(8)- (يو19: 30). (9)- (أف5: 25).
(10)- (لو11: 5- 8). (11)- (1كو13: 4- 8). (12)- (رو12: 9).
(13)- (أف 4: 15). (14)- (أف3: 18). (15)- (أف 1: 4).
(16)- (1كو16: 14). (17)- (أف5: 2). (18)- (كو3: 14).
(19)-(عب10: 24). (20)- (أم 10: 12). (21)- (نش8: 6).
(22)- (رؤ2: 4، 5).

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:04 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
محبة أعدائنا و كمال الخصال
من عظة ربنا يسوع المسيح على الجبل
للقديس يوحنا الذهبي الفم




. “سمعتُم أنه قيل تُحبُّ قريبك وتُبغضُ عدُوَّك. وأما أنا فأقول لكم: احبُّوا أعداءكُم، باركُوا لاعنيكُم، احسُنوا إلى مُبغضيكم. وصلُّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطرُدونكُم، لكي تكونوا أبناء أبيكمُ الذي في السماوات. فإنه يُشرقُ شمسهُ على الأشرار والصالحينَ، ويمطرُ على الأبرار والظالمينَ” [ع43-45]
هنا يكشف الرب عن ذروة العمل الصالح، لهذا لا يعلمنا فقط أن نحتمل اللطمة، بل أن نحوِّل الخد الآخر أيضًا، ولا أن نعطي الثوب فقط، بل أن نسلِّم الرداء أيضًا، وأن نمشي ميلين مع من يسخِّرنا لنمشي معه ميلاً واحدًا، لكي نقبل في سهولة ما هو أعظم من ذلك من صعاب ومتاعب. ورُبّ قائل: ولكن ما هو المطلوب أكثر من ذلك؟
المطلوب، ألا نحسب من يفعل شرًا ضدنا بأنه عدونا، بل من يفعل ما هو أصعب. فالمسيح لم يقل: “لا تكره”، بل “أحب” ولم يقل “لا تجرح مشاعر أحد“، بل قال “احسن إليه”. وإذا فحص أحدكم أقوال الرب جيدًا، لوجد أنه أضاف شيئًا آخر أعظم بكثير مما سبق؛ فالسيد الرب لم يطلب هكذا ببساطة أن نحب الآخر بل أن نصلي لأجله، ليرفعكم إلى درجات أعلى ونضعها على قمة كل الفضائل. أجل، وما عليكم إلا أن تلاحظوها وأن تحسبونها منذ البداية.
فالخطوة
الأولى: ألا نبدأ نحن بالظلم.
الثانية: ألا نقابل الخطأ بخطأ وألا نثأر بانتقام موازٍ.
ثالثًا: ألا نعامل من يضرنا بنفس المعاملة، بل أن نهدأ تمامًا.
رابعًا: أن نبذل ذواتنا لأجل من يخطئ إلينا.
خامسًا: أن نعطي أكثر مما يطلب الآخر أو يعطي.
سادسًا: ألا نكره من يفعل بنا شرًا.
سابعًا: أن نحب هذا الآخر.
ثامنًا: أن نحسن إليه أيضًا.
تاسعًا: أن نصلي لأجل من يسيء إلينا.
أترون سمو هذه الوصية للنفس؟ وسترون عظم مجازاتها لنا؛ إذ أنها وصية عظيمة تتطلب نفسًا متوقدة تتحلى بكل الحمية والجهاد. لهذا يعيِّن الرب لها هذه المكافأة، والتي لم تتوفر لأحد من قبل. فهو لا يتحدث هنا عن ميراث أرضي مثلما هو الحال عند الودعاء، ولا عن الراحة والرحمة، مثلما هو الحال للحزانى والرحماء. ولا يتحدث عن ملكوت السماوات، بل تكلم عن أمر أروع من هذا كله، أن نصير مثل الله.
وهذه هي الحكمة المطلوبة من كل الناس، وهذا هو المطلوب منهم أن يتمثلوا به. لأن الكتاب يقول: “لتكونوا مثل أبيكم الذي في السماوات” (ترجمة حرفية).
لاحظوا كيف أن الرب لم يدعَ الله أباه، لا في هذا الموضع ولا في مواضع أخرى سابقة، بل دعاه “الله” و “الملك العظيم” حين تناول وصية القسم. أما هنا، فهو يدعوه “بأبيكم” وهو يفعل ذلك حافظًا “باقي” الأمور لوقتها المناسب حين يعلمنا شيئًا منها.
5. وإذ يقترب من الشبه كثيرًا يقول:
“فإنه يُشرقُ شمسهُ على الأشرارِ والصالحينَ، ويمطرُ على الأبرارِ والظالمين” [ع45]
فإن الله الآب – حاشا له أن يعرف الكراهية لأحد – فيمطر خيراته على الذين يسيئون إليه، والحالة هنا لا مثيل لها أبدًا. ليس فقط بسبب الطبيعة الفائقة لخيرات الله الآب نحو الجميع، بل بسبب السمو الفائق لكرامة الله. لأنكم قد تُهانوا حقًا من خدامكم الذين تشتركون معهم في العبودية لله. لكن ماذا من الله حين يُهان من عبيده، وهم الذين يعطيهم بسخاء منافع لا حد لها. وأنتم لا تقدمون في صلواتكم إلا كلمات، أما الله فيقدم أفعالاً عظيمة وعجيبة جدًا للغاية؛ إذ يشرق شمسه وينزل مطره. ويقول لنا الآب:
“ومع ذلك فإني أهبكم أيضًا أن تتشبهوا بي، بقدر ما يمكن للإنسان أن يكون مساويًا لي”
فلا تكرهوا حتى من يسيء إليكم، فهو يفعل خيرًا معكم، ويهبكم كرامة عظيمة. ولا تلعنوا حتى من يلعنكم، لأنكم إن لعنتم حرمتم أنفسكم من الثمار العظيمة. وتكبدتم خسارة جسيمة، وخسرتم الجعالة العليا بسبب حماقتكم. فبعد أن تكبدتم ما هو أكثر إيلامًا لا تحتملون ما هو أقل من ذلك.
ورُبّ قائل: وكيف يمكن أن يحدث هذا؟ لقد علمتم أن الله صار إنسانًا، وتنازل تنازلاً عظيمًا، وتألم كثيرًا لأجلكم، فهل لازلتم تتسائلون وتشكون في الأمر؟ وكيف يمكنكم أن تغفروا لجيرانكم آثامهم؟ ألا تسمعونه وهو على الصليب يقول:
“اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون” (لو 23: 34). ألم تسمعوا بولس الرسول يقول: “الذي ارتفع إلى يمين الله في الأعالي. الذي أيضًا يشفع فينا” (رو 8: 34).
ألا ترون أنه حتى بعد الصلب والقيامة والصعود، يرسل الرسل إلى اليهود الذين صلبوه، ليمنحهم وافر وسخى بركاته (بالعشرة آلاف)، رغم أن رسله قد عانوا على أيدي اليهود أهوالاً بغير حصر (فاقت العشرة آلاف أيضًا)؟
6. ولكن هل أساء الناس إليكم إساءة فادحة؟ كلاَّ، فما تحملتمونه أنتم لا يرقى إلى ما تحمله ربكم، الذي جُلد بالسياط على ظهره، وضُرب بالقصبة على رأسه وجسده، وبَصق عليه العبيد والخدم، واحتمل الموت، وذاق أكثر الميتات خزيًا وعارًا، بعد أن أظهر لنا نعمًا بغير حصر؟
حتى وإن أساء إليكم الناس أشد إساءة، فلهذا السبب عينه، احسنوا أنتم إليهم، ليصير إكليلكم أكثر مجدًا. ولتحرروا أخاكم من أثقل أنواع الشعور بالدونية. لأنه هكذا يفعل الأطباء، إذا لطمهم أحد المجانين وأساء إليهم بشكل يبعث على الخزي، فإنهم يشفقون عليه جدًا، ويسعون إلى إكمال علاجه، عالمين أن الإهانة صادرة منهم بسبب شدة أمراضهم.
وأرجوكم أن يكون لكم نفس الفكر حينما تتعاملون مع المتآمرين ضدكم، والمسيئين إليكم، والذين يضرونكم، فإن من يتعاملون بمنتهى العنف معكم هم أكثر الناس مرضًا. فحرروهم أنتم من حالهم المؤلم وامنحوهم أن يبددوا غضبهم، وحرروهم من قيود الغضب، التي يكبلهم بها الشيطان الكريه. أجل، لأننا إن رأينا أشخاصًا بهم شياطين، نبكي لأجلهم، ولا نسعى أن نكون مثلهم فيدخلنا الشياطين.
وهكذا فلنفعل مع الذين يتملكهم الغضب، لأن الهائجين غضبًا يشبهون الممسوسين بالشياطين، بل هم أقسى منهم، إذ يهتاج ضميرهم المجنون، ولهذا فإن هياجهم بلا عذر. فلا تدوسوا على الساقطين، بل بالحري ترفقوا بهم وأشفقوا عليهم. لأننا حين نري إنسانًا يتخبط من داء عضلي، وقد عميت بصيرته وانفلتت أعصابه ونسعى لطرد هذا الروح المستهتر والشرير، نمد أيدينا ونظل نعينه على جهاده. ورغم تلطيخ ثيابنا، فلا نهتم بل نسعى وراء شيء واحد فقط، هو أن نحرره من هذا الداء الثقيل.
هكذا أيضًا علينا أن نفعل حيال الغضب، فنتحملهم حين يتقيأون وحين يصارعون المرض، ولا ندع المصروع يمضي حتى نخلصه من كل أثر للمرارة عنده. حينئذٍ نشعر بمنتهى الامتنان والشكر من نحوه حين يستريح، وحين يعلم كيف حررتموه من كل ما حل به من متاعب.
ولكن لماذا أذكر امتنانه وشكره لكم؟ لأن الله سيكللكم بنفسه، وسيجازيكم بكرامات لا حدود لها. لأنكم حررتم أخاكم من مرضه الخطير، وهذا الأخ سيكرمكم أيضًا، ويقدر احتمالكم له ويوقره. ألم تروا النسوة حين يأتيهن المخاض، وكيف ينشبن أسنانهن فيمن حولهن، فلا يُظهر المساعدون ألمًا بل يتحملون، وحتى لو تألموا منهم يحتملون الألم ببسالة ويتعاطفون مع الذين يسحقهم الحزن وتمزقهم الآلام. عليكم أن تتفوَّقوا على هؤلاء، وتبرهنوا أنكم رجال متميزون، فإن ثمة رجالاً يظهرون أضعف عقلاً من النساء.
وإن كانت الوصايا تبدو ثقيلة، فاعلموا أن المسيح قد جاء لهذه الغاية؛ أن يزرع في عقولنا وصاياه، وأن يجعلنا نافعين للأعداء وللأصدقاء. ولهذا يوصينا أن نهتم بالإخوة، مثلما قال: “إن قدمت قربانك”. ويوصينا بالأعداء – حينما يشرِّع قانونًا – بمحبتهم والصلاة لأجلهم.
7. والرب لا يحثهم على هذا فقط بواسطة المثال الذي يعرفونه عن الله، بل يحدثهم عن أمر آخر مناقض. فيقول: “لأنه إن أحببتُم الذين يحبونكُم فأيَّ أجر ِلكم؟ أليس العشَّارون أيضًا يفعلُون ذلك؟” (مت 5: 46).
وهذا ما يقوله بولس الرسول أيضًا. “لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية” (عب 12: 4). فإن فعلتم ذلك اتخذتم مركزكم مع الله، وإن لم تفعلوا، صرتم كالعشَّارين. فهل ترون كيف أن المسافة بين الوصايا ليست بهذا الاتساع، كالفارق بين الأشخاص؟ لهذا فلنكف عن وصف الوصايا بأنها ثقيلة، بل نهتم بالمجازاة، ونفكر فيمن نشبه، إن نحن أقمناها كما يجب وفي حينها، وفيمن نساوي إن تنحِّينا عنها.
فإن كان الرب يأمرنا أن نتصالح مع أخينا، وألا نكمل عملنا حتى نزيل العداوة بيننا، فإنه لم يفرض علينا هذه الضرورة حين تحدث عن الأشخاص عمومًا، بل طالبنا بما نحن مسئولون عنه من جهتنا. وبهذا يسهل علينا الناموس. لأنه بمقدار ما قال إنهم “اضطهدوا الأنبياء الذين قبلكم” ليتحول ميلهم إلى الآخرين إلى حسن الحوار بتأثير هذه الكلمات، فإنه يأمرهم أن يحبوهم أيضًا مع احتمالهم لأفعالهم ضدهم.
8. أترون كيف يقتلع جذور الغضب وكيف ينتزع الشهوات الحسية، ومحبة الغنى والمجد الباطل، وكل ما يخص أمور هذه الحياة؟ لهذا فعل كل شيء من بدايته وها هو يفعل المزيد الآن: فالمسكين والمتواضع والحزين يفرغ نفسه من غضبه، والبار والرحيم يفرغ نفسه من شهوة الغنى، والنقي القلب يتطهر من الشهوات الشريرة. والمضطهد والمتألم بسبب الشتائم وأقوال الشر، يمارس في الحقيقة احتقارًا كاملاً لكل أمور الزمان الحاضر، ويتحرر من الكبرياء والمجد الباطل.
وإذ يفرغ السيد الرب من تحرير السامع من تلك القيود، وبعد أن يمنحه استعدادًا للنزال والمعارك، فإنه ينتزع جذور شهواته بمزيد من الحزم، لأنه إذ بدأ بالغضب واستأصل أوتار الشهوة من كل جانب، بقوله “من يغضب على أخيه” و”من يدعوه يا أحمق” أو “رقًا فليُعاقب. ومن يقدم قربانه عليه ألا يقترب من المذبح قبل أن يزيل العداوة مع أخيه، ومن له خصم وقبل أن يدخل المحكمة، عليه أن يجعل من عدوه صديقًا.
فإنه ينتقل إلى موضوع الشهوة مرة أخرى ليقول “كل من ينظر نظرة شهوانية يُعاقب كزانٍ” وكل من تغويه امرأة شهوانية أو رجل شرير أو شيء آخر، فليقطع عنه كل هؤلاء. ومن عنده زوجة شرعية لا يطلقها أبدًا، ولا ينظر إلى أخرى، فإنه بذلك يستأصل جذور الشهوات الشريرة. ثم يمنع محبة الغنى فيأمر ألا يحلف المرء أو يكذب، أو يحتفظ بثوب يطلبه منه آخر، تصادف أننا نرتديه، بل أن يعطيه الرداء أيضًا (المعطف فوق الثوب)، وأن نسعى لخدمة حاجات الناس المادية فلا نشتاق أبدًا إلى الغنى والثروة.
عندئذٍ يبلغ ذروة العقل، وقمة الوصايا فيقول: “صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم“، ليقودنا إلى قمة ضبط النفس. أن يكون الإنسان وديعًا لا يساوي أن يتلقى الركلات والضربات، وأن يكون رحيمًا، لا يعادل إعطاءه ثوبه والرداء أيضًا لمن يطلب. ويكون الإنسان بارًا لا يتساوى مع احتمال الضرر والأذى. ولا كون الإنسان صانع سلام يعادل أن يتعايش مع الآخر الذي يلطمه ويقهره. ولا كون الإنسان مضطهدًا يساوي أن يبارك مضطهديه. هل ترون كيف يقودنا الرب بالتدريج إلى قمم أعتاب السماء؟
9. ماذا نستحق إذن، نحن الذين أوصانا أن نتمثل بالله، بينما نحن نشبه العشَّارين؟
لأنه “إن كنا نحب من يحبنا” فإننا نلعب دور العشَّارين والخطاة والوثنين. فكم وكم إن كنا حتى لا نفعل ذلك، بل نحسد إخوتنا المكرمين. فأية عقوبة لن نتعرض لها، ونحن قادرون أن نفوق الكتبة. بينما نحن أدنى من الوثنين كيف لنا إذن أن نعاين الملكوت؟ أرجوكم، كيف نطأ تلك العتبة المقدسة ونحن لم نعرف كيف نتفوق على العشَّارين، إذ أن هذا ما لمَّح إليه السيد سرًا قائلاً:
أليس العشَّارين أيضًا يفعلون ذلك”؟ وهذا ما يثير إعجابنا بتعليمه بوجه خاص، إذ يعرض في كل جزئية تلك المكافأة العظيمة جدًا في وقت الضيقة، مثل “معاينة الله” و “ميراث ملكوت السماوات” و “صيرورتنا أولاد الله” و “مماثلتنا بالله” و “نوال الرحمة” و “التعزيات” و “المجازاة العظيمة” في كل مرة يذكر فيها الضيقات الشديدة.
وهو يفعل ذلك بنبرة لطيفة، ففي المقام الأول، ورواسم الجحيم، مرة واحدة وحسب، في أكثر من حالة، وفي حالات أخرى أيضًا، كان يهذب سلوكيات السامع في تحفظ، وكأنه يلقي عظته وحديثه بإثارة مشاعر الخجل لدى السامع وليس بالتهديد، حين يقول:
“ألا يفعل العشَّارون ذلك؟” و”إذا فسد الملح” و “يدعى الأصغر في ملكوت السماوات“.
وهناك مواضع يسحق فيها الخطية نفسها بحزم في إظهار العقوبة، تاركًا السامع يقدر مدى فداحة هذا العقاب، مثلما يقول “فقد زنى بها في قلبه” و”يجعلها تزني” و “ما زاد على ذلك فهو من الشرير”. لأن الفاهمين لا يحتاجون أن يذكرهم أحد بالعقوبة. إذ تكفي فظاعة الخطية وانعدام الصلاح. لهذا يذكر العشَّارين والأمم. واصفًا التلميذ في حالة من الخجل من هذا الصنف من الناس، وهذا ما يفعله بولس الرسول أيضًا، قائلاً: “لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم” (1 تس 4: 13). و “كالأمم الذين لا يعرفون الله” (1 تس 4: 5). ولكي يشير إلى ذلك لا يحتاج السيد المسيح إلى شيء فائق جدًا في قوته، بل إلى أكثر قليلاً من المعتاد، إذ يقول: “ألا يفعل الأمم ذلك” (مت 5: 47). ومع ذلك، فهو لم يوقف العظة عند هذا، بل ختمها بحديثه عن المجازاة التي يهبها لنا.
وعن هذه الآمال الصالحة قائلاً: “فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل” (مت 5: 48). وهو يثير في كل مكان وبوفرة اسم السماوات، بقصد أن يرفع من عقولهم بشكل كامل. والذي لا أفهمه حتى الآن لماذا كانوا هكذا ضعفاء وأغبياء.
10. فلنتفهم كل ما قيل، ولنظهر كل الحب لأعدائنا. ولنطرح عنا تلك العادة السخيفة، التي يخضع لها الذين بلا تفكير منتظرين من يقابلهم أن يبدأهم أولاً بالتحية، وليست لديهم أية غيرة نحو تلك العادة التي لها بركة كبيرة. لكنهم يتبعون ما هو سخيف. لأنه لأي سبب لا تبدأون بتحية الآخر؟
ويكون ردكم “لأنه ينتظر منا أن نفعل ذلك” كلا، فهذا عذر واهٍ وضعيف. وعليكم أنتم أن تبدأوا بمخاطبة الآخر من أجل ربح الإكليل المُعَدّ.
ورُبّ قائل: كلا، فإن هذا هو ما يهدف إليه. فهل هناك أسوأ من هذه الحماقة؟ أن يقول إن هذا هو ما يهدف إليه، أن يهدف إلى نوال الإكليل كحافز لي. إنني لن أصافح مثل هذا الاقتراح، فإن كان هو الذي بدأ بتحيتك، فلن تجني شيئًا، حتى وإن بادرت أنت بالكلام وتخاطبت معه بعدها. لكن إن كنت أول من يبادر بتحيته والحديث إليه، فقد استفدت وربحت من كبريائه، وحصدت ثمارًا عظيمة وعديدة من جرَّاء امتناعه هو عن الحديث إليك.
أية غباوة تلك، إن كنا نجني ثمارًا عظيمة لمجرد النطق ببضع كلمات، ولا نفعل فنفقد الربح. وعوضًا عن ذلك ندين الآخر فنقع في نفس خطيئته. لأنك إن كنت تلومه على تقصيره في تحيتك أولاً، فلماذا تفعل أنت نفس الشيء الذي تتهمه به؟ فلماذا تحاكي الشر وكأنه شيء صالح؟
ألا ترى أن الحماقة هي أن تكون لك شركة مع الشر؟ لهذا أرجوكم أن تهربوا من هذا الشر وهذا السلوك المعيب. فإن معظم الصداقات قد اتخذت هذه المسائل فتسببت في عداوات بلا حصر.
لهذا السبب إذن فلنسبق الآخرين في فعل الخير، فالذين يوصيهم الرب أن يتلقوا الضربات ويقبلون السير أميالاً، ويجردون أنفسهم من ثيابهم على أيدي أعدائهم، ويحتملون كل ضيقة، لا يليق بهم أن يتورطوا في هذا الفعل الشائن؛ فيحجمون عن مخاطبة الآخرين أولاً.
11. ورُبّ قائل: لماذا نقبل الاحتقار والبصق علينا، لحظة قيامنا بهذا الإحساس نحو الآخر؟ هل تخالف الله حتى لا يحتقرك إنسان؟ وحتى إن احتقرك جار مختل عقليًا، فهل تزدري أنت بالرب الذي وهبك هذه المنافع العظيمة؟ كلاَّ. فإن كان من الخطأ أن يحتقرك نظيرك، فكم يكون أشد مرارة أن تحتقر أنت الإله الذي خلقك؟
وعلينا أن نتأمل نقطة أخرى، أنه حين يحتقرك جارك، فإنه في نفس اللحظة عينها يدبر لك فرصة نوال جائزة أعظم، لأنك تخضع لله وتسلم له ذاتك، لأنك تسمع وصاياه. فأية كرامة يعادلها هذا الأمر؟ ويا لها من أكاليل كثيرة نستحقها إذا ما قبلتُ أنا أن يزدري بي الآخرون لأجل الله عن أن يكرِّمني كل ملوك الأرض. فلا شيء يعادل هذه الكرامة.
فلنسع وراء هذه الوصية مثلما أوصانا الرب بحكمة فلا نهتم بأمور الناس، بل نضبط أنفسنا في كل شيء ونوجه حياتنا نحو هذا الهدف. لأننا منذ الآن، ومنذ هذه اللحظة، سننعم بالخيرات السماوية وبالأكاليل العلوية، فنسلك كملائكة بين الناس، متجولين في الأرض كقوات ملائكية، ممتنعين عن كل شهوة، ومن كل التواء، فننال مع كل ما نلناه بركات لا ينطق بها.
يعطينا أن نحصل عليها بنعمة ومحبة ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والقوة والتسبيح مع الآب غير المخلوق والروح القدس الصالح الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين كلها آمين

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:06 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
فضيلة المحبة / خطايا ضد المحبة / الاب رمزي نعمة
خطايا ضد المحبة
أ- الحقد: هو الاشمئزاز من القريب وتمني الضرر له. "وكل من يبغض أخاه فهو قاتل" (1يو 3: 15) "ومن أبغض أخاه كان في الظلمة" (1يو11:2). وبالمقابل أمر يسوع بمحبة الأعداء. ومحبة الأعداء لا تعني أن نتصنّع معهم اللطف والتعاطف الزائد، لأن الشعور لا يمكن أن يختلف. المهم فقط أن نريد لهم من الخير ما يريده الله. وهذا فعل إرادة لا عاطفة، وأن نقابل شرّهم بالخير.
وغير مطلوب منّا أن نظهر لعدونا ما نظهره لأقاربنا من بوادر اللطف والعطف. ولكن علينا أن نقوم بالمبادرات التي يكون غيابها علامة حقد وضغينة. وفي بيئتنا التحية حسب العادات المتّبعة هي الحد الأدنى من المصالحة. فيجب إلقاء التحيّة كل مرة يكون عدم إلقائها علامة بغض. هذا بالإضافة إلى عدم التكلّم على القريب في غيابه.
وربما يجدر بنا أحياناً رغم تسامحنا الداخلي والخارجي، أن نظهر لمن أساء إلينا أنه أخطأ. وذلك من باب الإصلاح الأخوي، ومن صفات التسامح مع الأعداء:
-الشمولية، أي أن يشمل كل أعدائنا وبعدد مرات الإساءة.
- أن يكون فائقاً للطبيعة.
- أن يكون في أقرب فرصة "لا تغرب الشمس على غضبكم" (أف16:4).
ب- النفور: هو تجنّب القريب. وأسباب ذلك ربما سرعة غضبه أو عدم اتفاق أذواقنا. وعلينا ألا نتبع شعورنا الطبيعي بالنفور كيلا يؤثر على الإرادة فتصبح ضغينة.
العلاج: محاولة فهم دوافع القريب وتقدير ظروفه والتصرّف معه وكأن لا شيء ينفّرنا منه. وإذا عادت المحبة يمكن إصلاحه أخوياً إذا ثبت أنه مخطئ. وكم من مرة كان النفور جليداً ذاب أمام نار الحوار.
ج- الحسد: هو الحزن لنجاح القريب والفرح لفشله. وكثير ما يرافقه الاغتياب والنميمة، لأن هذه الوسيلة تنقص سمعة القريب وتهدمها وإذ ذاك يزول حزن الحسود لأنه رأى دمار عدوّه. وربما يلتجئ الحسود إلى الإيقاع بين الإخوة أي الشباك بينهم وكأنه يفرح إذ يرى الأصدقاء يتنازعون ويختلفون وزارع الزؤان قد لعنه الكتاب المقدس.
د- المشاجرات: وهي نوعان: كلامية ويدوية.
أسبابها: الأطماع المادية والكبرياء و الشهوة. وهذه تؤدي إلى الغضب. وأوصى الكتاب المقدس بتجنّب كل الأسباب السابقة ومقاومة الغضب: "فليكن الإنسان بطيئاً إلى الغضب" (يع 20:1). وهذه المخاصمات خطيرة لأنها تفرّق الإخوة والعائلات والأزواج. وقد فرّقت الكنيسة في الماضي أكثر من مرة. ومن نتائج المشاجرات:
- فقدان السلام الداخلي والفرح.
- المرافعات لدى المحاكم. وقد ندّد بها بولس الرسول: "عيب عليكم أن يخاصم بعضكم بعضاً. هلا تصبرون بالحري على الظلم وتحتملون الخسران. وإنما أنتم تظلمون وتخسرون الإخوة أنفسهم" (1كور 8:6) "إنما أقول هذا لإخجالكم، أليس فيكم حكيم ولا واحد يستطيع أن يقضي بين إخوته" (1كور 5:6).
هـ- الاغتياب والافتراء: الاغتياب هو التكلّم بالشر على القريب في غيابه وفي أمور صحيحة ولكن بدون داع سوى الإساءة. النميمة والوشاية هما كالاغتياب بينما الافتراء هو التكلّم بالشر على القريب في أمور غير صحيحة. وفيها كذب وظلم. وهذه من أكبر الخطايا المتواجدة في مجتمعنا.
أسبابها: الكبرياء، حب الانتقام والطمع. ويظن المغتاب والمفتري أنه يكسب لنفسه الثقة التي انتزعها من الآخرين. ومن أسبابها كذلك الظهور بمظهر العارف بكل شيء أو لتمضية الوقت والتندّر بأخبار الغير. ويعتقد البعض أن إعادة الخبر السيئ المعروف عن الآخرين ومجرد الاستماع إليه لا يعدّان إثماً. كلا فإعادته هو تأكيد له والاستماع إليه هو تشجيعه.
نتائجها:
(1) تحطيم سمعة القريب.
(2) انتشارها بسرعة ويصعب إيقافها. وصدق القائل بأن جرح اللسان أقسى من جرح السنان.
(3) يجب التعويض عن الإساءة المعنوية والمادية التي تطرأ. "كثيرون سقطوا بحد السيف، ولكنهم ليسوا الساقطين بحدّ اللسان. اجعل لكلامك ميزاناً ومعياراً ولفمك باباً ومزلاجاً" (يش 22:28، 29).
من الظلم وعدم الحقيقة اتهام إنساناً بالشر استناداً إلى عمل واحد رأيناه. ومن الظلم إظهار العيوب لمن لا يحق له معرفتها. ومن أشكال الافتراء والنميمة مدح الأشخاص لذمّهم فيما بعد. وذلك يجعل الاغتياب أكثر تصديقاً.
‌و-الظن:هو التفكير بالآخرين شراً بدون سبب كاف. يقول توما الإكويني: "الظان بالقريب سوءا كثيراً ما يعطي الآخرين نواياه السيئة" ويضيف "إننا لا نملك الشروط الثلاثة لنحكم على الغير وهي:
التفويض : من فوّضني لأكون قاضياً على أخي؟
الكفاءة: الله وحده هو فاحص القلوب والكلى وهو الذي يقدر أن يكشف عن نفسية الفاعل.
الموضوعية: فنحن نحكم على القريب وفقاً لعلاقتنا معه. فنخفف جرم أصدقائنا ونضاعف جرم غيرهم. والأهواء تلون العدسة التي نضعها على عيوننا عندما نحكم على القريب.
التشكيك: ويقوم ذلك بأقوالنا أموراً ضد الدين والأخلاق أو بالتصرّف تصرّفاً غير مناسب خلقياً، وفي الملبس وعدم الاحتشام، أو بإهمال الوصايا واحتقارها. وقد يكون هنالك شك عندما نعمل أعمالاً صالحة في حدّ ذاتها ولكن في غير وقتها أو أمام أشخاص تفكيرهم ضعيف. وحتى الضعفاء، سريعي التشكّك، يجب مراعاة شعورهم.

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:07 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
فضيلة المحبة ومتطلباتها
الاب رمزي نعمة
3) محبة القريب
هي إرادة الخيرة للقريب بسبب محبتنا لله. ويجب تمييزها عن محبة الإنسان من أجل الإنسان (Philanthropy) وهي جيدة ولكنها ليست فائقة للطبيعة وليس لها أجر واستحقاق لأنها ليست مربوطة بالله أصل كل محبة.
أ- ماذا نحب في القريب؟: تقوم هذه المحبة على أن نريد للقريب ما يريده الله وأن نأبى له ما يأبى له الله. والله تعالى يريد أولاً خلاصه الروحي (راجع مثل الابن الشاطر وموقف يسوع من الخطأة والعشارين والسامرية...) وثانياً خيرهم الزمني إذ شفا الناس وأطعمهم. وعلى هذا المنوال يجب أن تكون محبتنا للقريب.
ب- كيفية ممارسة تلك المحبة: يجب أن نحب القريب:
-كأنفسنا أي محبة صادقة، عادلة، مستمرة، متبعين القاعدة الذهبية: "كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم فافعلوه أنتم بهم" (متى 12:7).
- كما أحبه يسوع، أي محبة لا تعرف الحدود والملل ولا تتراجع أمام التضحية والتفاني.
- بالعمل، أي بممارسة أعمال الرحمة الروحية والجسدية.
ج- لماذا نحب القريب؟
-بسبب الله. قال الاكويني: "إن الفعل الذي به نحب الله والفعل الذي به نحب القريب هما من نفس النوع".
- بسبب التبني الإلهي: كلنا- وحتى أعداؤنا- أبناء الله. ومن المنطقي والعادل، إذا كنا نحب الآب، أن نحب أبناءه كما يحبهم هو. وإذا فدانا المسيح وتبنّانا أصبحنا كلنا إخوة (متى 8:23).
- ذلك أمر من الله: "هذه وصيتي أن يحب بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم" (يو 12:15).
- وحدة المصير: "القريب مدعو مثلنا إلى الحياة الأبدية: "الله يريد أن جميع الناس يخلصون" (1تي 4:2).
- اتخاذ المسيح هوية القريب: ولذلك "إذ تخطئون إلى الأخوة إنما تخطئون إلى المسيح" (1قور 12:8). ولكي نفهم إلى أي مدى يتقمّص يسوع شخص الضعيف والفقير فلنراجع مشهد الدينونة (مت 25) وأعطى بولس تفسيراً جميلاً لعلاقتنا بالقريب إذ أننا والمسيح نشكّل جسداً واحداً سرياً غير منظور. المسيح هو الرأس ونحن الأعضاء. وعلّق أغسطينس على ذلك بقوله: "إذا أحببتم الرأس أحببتم أيضاً الأعضاء. ولا يمكن تجزئة المحبة. وإذا لم تحبوا الأعضاء فلا تحبون الرأس".
د- أعمال الرحمة للقريب: أوصى يسوع بأعمال الرحمة وقد لخّصتها الكنيسة في نوعين:
1.أعمال الرحمة الجسدية وهي: إطعام الجياع، ارواء العطاش، كسوة العراة، إيواء الغرباء، عيادة المرضى، زيارة المسجونين، دفن الموتى.
ونجد أساساً لهذه الأعمال في الكتاب المقدس: نقرأ على سبيل المثال في سفر تثنية الاشتراع: "إن الأرض لا تخلون من فقير ولذلك إن آمرك اليوم قائلاً: "ابسط يدك لأخيك المسكين والفقير الذي في أرضك" (11:13). وكذلك في سفر طوبيا "إن كان لك كثير فابذل كثيراً وإن كان لك القليل فاجتهد أن تبذل القليل عن نفس طيبة" (8:4-9). وقد قال يسوع في سياق مثل وكيل الظلم: "اجعلوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتى إذا أدرككم الاضمحلال يقبلونكم في المظال الأبدية" ومال الظلم هنا يعني كل مال (على سبيل الاستعارة) لأنه كثيراً ما يستعمل في الظلم ويؤخذ في الظلم. وأهم من الآيات، الأعمال التي قام بها يسوع عندما أشبع خمسة آلاف رجل في آن واحد لئلا يخوروا في طريق العودة. واستعمل يسوع الوعد والوعيد للذين يعطون أو لا يُعطون. "اعطوا تعطوا، الكيل الذي به تكيلون يُكال لكم"(لو38:6). وتلخص هذه الأعمال بالصدقة. ومن أهم صفات الصدقة ما يلي:
- حباً لله.
- بشكل خفي: "لا تعلم شمالك ما تصنع يمينك" (مت 24:6).
- جذرية: الأفضل تأمين عمل للفقير من إعطائه مالاً.
- لمن يستحق كي لا نشجع الرذيلة والكسل.
- بتواضع: "أسيادنا الفقراء"، لأنهم صورة للمسيح سيّدنا.
- على قدر ما نستطيع إعطائه بعد تأمين احتياجنا إلى المأوى والمأكل والملبس وربما بعد ادخار بعض المدخرات للمستقبل. وما يزيد عن ذلك فهو الفائض. وقد ميّز اللاهوتيون نوعين من الفائض:
* الفائض النسبي: ما يتبقى بعدما نكون قد أرضينا حاجاتنا الأساسية من أكل وشرب ومأوى لنا ولعائلتنا.
* الفائض المطلق: ما تبقى بعد أن نكون قد أرضينا الحاجات التي تتناسب وحالتنا الاجتماعية ومكانتنا مع تأمين مستقبلنا وشيخوختنا.
من أي فائض نعطي؟ في حالة البؤس العام، من الفائض النسبي. ولكن من الصعب إقناع الأغنياء بأن هذا الفائض النسبي يجب أن يتكيّف والحالة الاجتماعية العامة بما تحويه من بؤس وليس مع حاجة الأغنياء إلى الرفاهية والترف الملازمة لحالتهم. ونعمة الله هي التي تنير ضمير المستقيمي النية.
ومن بين أعمال الرحمة الجسدية لزيارة الأسرى والمسجونين مكانة خاصة، إذ يتوجب علينا أن نزورهم ونساعدهم وإن كانوا أبرياء نسعى لإخلاء سبيلهم. يقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين: "اذكروا الأسرى كأنكم مأسورون معهم" (2:13)
2.أعمال الرحمة الروحية وهي: إسداء المشورة للمرتابين، إرشاد الجهّال، نصح الخطأة، تعزية الحزانى، غفران الإساءات، احتمال المنكّدين، الصلاة لأجل الأحياء والأموات.
تبدو واضحة. وهي تؤكّد على الخير الروحي أي على خلاص القريب من خلال التغلّب على ضعفه وجهله وإساءاته. وبخصوص نصح الخطأة، يقول القدّيس يعقوب: "إن الذي ردّ خاطئاً عن ضلال طريقه خلّص نفساً من الموت وستر جماً من الخطايا" (يع 20:5).
4) متطلبات المحبة
‌أ-الرسالة:إذا كان المسيحي يحب الله فإنه يغار على مصالحه ويحاول أن يجعل الله معروفاً ومحبوباً ومطاعاً. وهذا هو جوهر رسالة العلمانيين في الكنيسة. ومن ميادين هذه الرسالة:
- في الكنيسة: المساهمة في الترنيم والعزف والتربية الدينية...
- في الحياة: تبشير البيئة، وأفراد كل بيئة أعرف بعقليتها وأكثر أهليةً من غيرهم لنقل الرسالة إليها (العمال للعمال، المعلّمون لزملائهم...).
- في الأسرة: ويهتم كل مسيحي أن يعمل من عائلته مركز إشعاع روحي تسودها المبادئ الإنجيلية والمحبة وتقتدي بها العائلات المجاورة. وأفضل دعاية لصحة المبادئ الإنجيلية هو وجود عائلات سعيدة تطبقها. والتجربة خير برهان.
- في المجال المدني: ممارسة الإنسان حقه في الانتخاب وإعطاء الأصوات لمن يستحقون. ورسالة العلماني تأخذ شكلاً فردياً بأن يعيش حياة مسيحية نزيهة في عمله وعائلته. وإما شكلاًَ جماعياً منظماً بالتعاون مع الكنيسة. وقد بارك السيد المسيح في الجماعة التي تعمل باسمه: "حيثما اجتمع اثنان باسمي فأنا أكون بينهما". وفي كل الأحوال على العلمانيين أن يعوا كل يوم أكثر بأنهم ليسوا ينتمون للكنيسة فقط، بل هم أيضاً الكنيسة.
‌ب-الإصلاح الأخوي:وسبب الإصلاح هو حماية القريب من الشر والخطيئة والهلاك، استناداً على قول يسوع: "إن أخطأ إليك أخوك فوبخه" (مت 15:18). وإن إصلاح الشئون الروحية للقريب يضحى أكثر أهمية من خدمة المرضى بقدر ما للروح من فضل على الجسد. وإهماله أكثر خطراً من إهمال الصدقة المادية للمحتاجين.
ويمتنع الناس عامة عن هذه الفريضة وهي توبيخ القريب خوفاً من إغضاب الإخوة وجرح مشاعرهم أو بادعائهم أنهم ليسوا أكمل منهم أو خوفاً من أن ينالوا رداً جارحاً منهم. وبالمقابل يجد الناس الشجاعة لانتقاد القريب في غيابه ولا يجدونها في حضوره. إلا أن ذلك لا يعني إعفاء الناس (لاسيما المسئولين عن غيرهم بحكم المرتبة) من القيام بذلك. ولا مانع، لجعل التوبيخ مقبولاً، إتباع الأساليب المناسبة كاللطف والدقة والقيام بها في الوقت المناسب. ومن صفات التوبيخ الأخوي:
- تدريجي: الابتداء بالأهم.
- واضحك مع ذكر الدوافع والعلاج.
- في الوقت المناسب.
- فائق الطبيعة: أي بسبب الخير الروحي والزمني للقريب.
- بشكل منطقي: أي أن نلتزم نحن بما نقوله للقريب وألا نسقط في أخطاء أثقل: "يا مرائي أخرِج أولاً الخشبة التي في عينك ثم ترى كيف تُخرِج القذى من عين أخيك" (مت 3:7-5).
‌ج-الوداعة: وهي تجنب الحزازات والاحتكاكات والتحديات. يعتبر العالم الوداعة ضعفاً ولكنها في الواقع فضيلة الأقوياء، الذين يسيطرون على غريزة العنف. وقال أغسطينس: لا شيء أقوى من الوداعة ولا أحب من قوتها". وهي فضيلة للأسباب التالية:
- هي سبب سعادة للأشخاص الذين نعيش معهم.
-تسهّل العلاقات الاجتماعية مع الآخرين.
-مادام الله يحتمل سيئاتنا، فإنه من الواجب احتمال سيئات بعضنا بعضاً.
-حرية القريب في أن تكون له آراء وأذواق وعادات مخالفة لنا. فيجب ألا نغضب لهذا الواقع.
-لي هفواتي. فلماذا أغضب على هفوات القريب؟
-أمر يسوع بها عندما أمرنا بالتواضع: "تعلموا مني أني وديع متواضع القلب". وعندما سأله الأخوان برانرجس أن ينزل ناراً على قرية سامرية أجابهما: "لا تعلمان من أي روح أنتما".
-تجنبنا الأخطاء التي تحدث بسبب الغضب. وقال الكتاب: "السكنى في أرض مقفرة خير من السكن مع امرأة فازغة شرسة" (أم 19:21)، "والطويل الأناة كثير الفطنة والقصير الصبر ينوّه بسفهه" (أم29:14).
ماذا عن غضب يسوع في الهيكل؟
لم يغضب يسوع لأنه فقد أعصابه وحقد على تجّار الهيكل، بل لأن دوره التربوي تطلّب منه استعمال الشدة. والله يعاقب من يحب. ولا ننسى أن يسوع غضب مرة واحدة وكان غضبه لمجد الله وليس بالشر أن غضب عندما يكون مجد الله معرضاً للذل والامتهان.
وهذه الفضيلة ضرورية للمربين والمدرسين لأن العملية التربوية تتطلّب صبراً. ولا شك في أن وداعة الرؤساء تسهّل طاعة المرؤوسين.


Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:08 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
لا تقدر أن تدخل ملكوت السموات بدون محبة
القديس غريغوريوس الكبير
http://www.peregabriel.com/gm/albums..._dialogist.jpg

نقلها إلى العربية المطران أبيفانيوس زائد

"فلما دخل الملك لينظر المتكئين رأى هناك رجلاً ليس عليه حلة العرس" (متى22: 11). إن رسول المحبة يقول :
"لأنه هكذا أحب الله العالم حتى أنه بذل ابنه الوحيد" (يوحنا3: 16) إن ذلك إذ جاء إلى الأرض بمحبته قد عيّن هذه المحبة ذاتها لتكون حلة العرس.

وعليه يجد كل منا في كنيسة المسيح أنه قد جاء إلى وليمة العرس فليحفظ نعمة المحبة حتى تكون عليه حلة العرس. إن المحبة تشتمل على وصيتين وهما محبة الله ومحبة القريب:
"أحبب الرب إلهك من كل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك وكل قدرتك وأحبب قريبك كنفسك" (مرقس12: 30و31) وقد نجد مقياساً في محبة القريب لأنه قيل أحبب قريبك كنفسك.
أما محبة الله فلا حدود لها. يحب الله حقيقة من لا يبقي شيئاً لنفسه.
ومحبة الله الحقة تكون في محبة الله ومحبة الصديق ومحبة العدو من أجل الله تعالى. لذلك أوصانا السيد: "أحبوا أعداءكم وأحسنوا إلى من يبغضكم" (لوقا6: 27) إن محبة كهذه تكون حقاً حلة للعرس وكل من يتكىء في العرس من دون هذه الحلة قد يطرده الملك خارجاً متى دخل.


فيا أبناء كنيسة المسيح ! إننا جئنا بإيمان إلى وليمة عرس الملك السماوي. فلننتبه، ولننظر هل جئنا بحلة العرس إلى العرس.
لنستعرض في ذاكرتنا أفكارنا باحتراس. لنفتش قلوبنا، ألا يوجد فيها بغض أو شر. هوذا الملك يدخل إلى وليمة العرس ويرى حالتنا ويقول بغضب لكل من لا يجده لابساً المحبة:
يا صاح كيف دخلت إلى ههنا وليس عليك حلة العرس؟ قد يدعوه الملك صديقاً ويطرده وقد يقول له بوضوح: صديقي، وغير صديقي ? صديقي بالإيمان، وغير صديقي بالأعمال.
فيصمت المسؤول لأن لا وقت للمرء أن يبرر نفسه يوم الدينونة حيث يعطى الجزاء عن الأعمال.
عندئذٍ يقول الملك للخدام: أوثقوا يديه ورجليه واطرحوه في الظلمة البرانية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان.
حينئذٍ يحكم الضمير فتوثق أيدي وأرجل أولئك الذين لم يريدوا أن يوثقوا ذواتهم عن عمل الشر بإصلاح حياتهم.
حينئذٍ يربط العقاب أولئك الذين لم يربطوا ذواتهم عن عمل الشر بل حادوا عن عمل البر.
تلك الأرجل التي لم ترضَ أن تعول المريض، وتلك الأيدي التي لم تعط الحسنة للمحتاج، تربط بحكم الإرادة.
وهكذا نرى أولئك الذين ربطتهم الخطيئة باختيارهم يربطون العقاب رغم اختيارهم فيوجَّه كل من أدين إلى الظلمة الأبدية ويرسل أولئك الذين سقطوا في عمى قلوبهم بإرادتهم إلى ظلام الدينونة (متى22: 11و12).


أيها الإخوة الأحباء. إن المدعوين كثيرون والمختارين قليلون.
قد نعلم أننا من المدعوين، لكننا لا نعلم إن كنا من المختارين فيجب على كل منا أن يرتعد ويخاف من أجل أعماله متّكلاًً على رحمة الله في كل شيء فلا يجوز لأحد أن يتكل على قوته الخاصة.
إن من يقوّي اتكالنا هو الذي ارتضى أن يأخذ طبيعتنا البشرية لأجل محبته لنا هو سيدنا يسوع المسيح الذي يملك مع الآب الأزلي والروح المحيي إلى دهر الداهرين آمين.

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:09 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
فضيلة المحبة في الكتاب المقدس /الاب رمزي نعمة
ليست المحبة مجرد إحدى الفضائل وعلى نفس المستوى مع رفيقتها الإيمان والرجاء. إنما هي سيّدتها على الإطلاق إذ تعطيها كمالها وغايتها واستحقاقها. بدونها لا يستحق الإيمان مكافأةً، ولا الرجاء يبلغ غايته وهي رؤية الله في السماء والتمتّع برضاه وصداقته على هذه الأرض، وبدونها أيضاً تصبح محبة القريب اسماً بدون مسمى وشعوراً أجوف قابلاً للانقلاب والتبدّل.
والمحبة هي الشعور الطبيعي الذي من المفروض أن يملأ قلب الإنسان. قال كاهن رعية ارس، الأب فياني: "قبل أيام وأنا عائد إلى البيت كانت العصافير الصغيرة تطير في الأحراش. فصرت أبكي قائلاً في سرّي "لله درّك من كائنات صغيرة. خلقك الله لتغردي وها أنت تغردين. وخلق الإنسان ليحب الله وها إنه لا يحبّه".
وتأتي أولوية المحبة من كونها تربطنا وتوحّدنا بالله غايتنا. أمّا الإيمان والرجاء فلا يقدران لأنهما يتواجدان أحياناً في النفس إلى جانب الخطيئة المميتة. وقد قال القدّيس أغسطينوس: "من لا يحب الله، فإنه يؤمن عبثاً ويرجو عبثاً. ولهذا أمر الرب يسوع: "أحبب الرب إلهك من كل قلبك وكل نفسك. ولا وصية أعظم منها".
أولاً: المحبة في الكتاب المقدّس
‌أ-المحبة في العهد القديم:إن اصطلاح المحبة (في العبرية- ومشتقاته)، كثير الاستعمال في العهد القديم. ويعني بصورة عامة تعلّقاً طوعياً (خيراً أو شراً) بالأشياء والأشخاص. وقد يكون الشخص امرأة، أو ابنة، أو جارة، أو سيدة. والمحبة هي الشعور الذي يكنّه الله لإسرائيل (هو1:11). هي الحبال التي يجذب شعبه بها إليه (هو4:11)، ولكنه يسحل محبته من أجل أعمالهم الشريرة. وتسود فكرة المحبة في سفر التثنية. إن اختيار الإسرائيليين كشعب الله كانت مسألة اختيار حرّ ومسألة محبة من لدن الله (تث 6:7-8). وقد قاد الله من جراء محبته الإسرائيليين خارج مصر (تث 37:4، 8:7). وسيحبهم ويباركهم ويكثرهم (تث 13:7). وبالمقابل يؤمَر الإسرائيليون في الوصايا العشر أن يحبوا الرب إلههم (حز 6:20، تث 10:5). ويؤمرون أن يحبوه بكل قلوبهم، وأرواحهم، وبكل قوتهم (تث 5:6). وعليهم أن يحبوا الله وأن يتبعوا أحكامه ووصاياه (تث 1:11). وتتناول فقرات أخرى في العهد القديم العلاقة بين المحبة والمحافظة على وصايا الله (دا 4:9، غ 15:1).
يشبه الوحي نوراً، يكون ضعيفاً في البداية ثم يقوى تدريجياً ليسطع ويبهر. وهكذا كشف الله، منذ العهد القديم، عن أهمية المحبة ثم اكتملت في العهد الجديد.
المحبة أزلية: "إني أحببتك حباً أبدياً" (ار 3:31). وعن حبّه لشعبه قال الله: "أتنسى المرأة مرضعها فلا ترحم ابن بطنها؟ لكن ولو أن هؤلاء نسين لا أنساك أنا" (أش 15:49).
صحيح أن العهد القديم أوصى بمحبة العدو (لا 17:19)، ولكن أغلب الأحيان، كان العدو المعني هو اليهودي وليس الوثني. إنما كانت هناك وصية تحمي الغرباء: "لا تحتقر الغريب ولا تستحقه لأنك كنت غريباً في مصر" (خر 20:22) والآية الرائعة التالية: "وليكن عندكم الغريب الدخيل فيما بينكم كالأصيل منكم وكنفسك تحبه لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر" (أخ 34:19). "وإذا عطش عدوّك فاسقه" (أم 21:25).
‌ب-المحبة في العهد الجديد:تستعمل اللغة اليونانية ثلاث مفردات ومشتقاتها للتدليل على المحبة، وهي، "ايروس Eros"، و "فيليا Philia" و "أغابي Agape". ولا نجد الأول في العهد الجديد "ايروس"، التي تدل على الرغبة الجنسية. إلا أن الواحد يجد على كل حال كلمة "فيليا" التي تعني في اليونانية الوثنية في الأصل محبة الأصدقاء، و "أغابي" التي ربما اختيرت لتعني الفكرة المسيحية للمحبة. وتستعمل كثيراً كلمة محبة لترجمة كلمة "أغابي". وفي الأناجيل الإزائية يعلّم يسوع أن وصية الشريعة الكبرى هي محبة الله والقريب (مت 34:22-40، مر 28:12-34، لو 25:10-28). والقريب يشمل حتى ذاك الذي يشعر الإنسان بالغربة تجاهه (لو 29:10-37). وأمر يسوع أن نحب حتى أعدائنا (مت43:5-48). ويجب أن تكون محبة الله مقصورة عليه، بدون منازع (مت 24:6، لو 13:16)، ويجب أن تكون محبة التلاميذ ليسوع أعظم من محبتهم للوالدين والأطفال (مت 10-37).
وبمقتضى ما قاله بولس فإن محبة الله قد أفيضت في قلوبنا بالروح القدس (روم 5:5). وقد برهن الله على محبته لنا في موت المسيح عنّا بينما كنّا لم نزل خطأة (روم 8:5). ولا توجد أية محنة، كما لا يوجد أي مخلوق يفصلنا عن محبة المسيح (روم 35:8-39). وعلى الأزواج أن يحبوا نساءهم كما أحب المسيح الكنيسة (أف 25:5). إن الأشياء جميعها تعمل معاً لصالح أولئك الذين يحبون الله (روم 28:8). وتلخص الوصايا جميعها في وصية محبة القريب كالنفس (روم 8:13-10، غل 13:5-14). ويعلّمنا بولس أن المسيحيين يعيشون في جو من المحبة- محبة الله للناس ومحبة الناس لقريبهم. وتبني المحبة المجتمع المسيحي (1كور1:8). والمحبة أساس الحياة المسيحية (أف 17:3). وتربط المحبة الفضائل جميعها معاً (كول 14:3). والمحبة هي الطريق الذي تفوق الطرق الأخرى جميعها، وهي تمتاز على العطايا جميعها التي لا قيمة لها بدونها، وهي تبقى حتى بعد زوال الإيمان والرجاء (1كور 1:13-13).
والمحبة موضوع رئيسي في كتابات يوحنا. من شدة محبته تبنانا الله كأبنائه (1يو 1:13). وكان يسوع قد أظهر محبته لخاصته إلى النهاية (يو1:13). وقد ضحى بحياته من أجلهم (1يو 16:3). إن من يخلو من المحبة لا يعرف الله أبداً، لأن الله محبة (يو 8:4). وتظهر المحبة بالمحافظة على وصايا الله ويسوع (يو 15:14، 21، 23). ووصية يسوع الجديدة هي أن يحب بعضنا بعضاً (يو 34:13، 17:15)، وكما أحب الله يسوع (يو 21:14، 23). ومن جراء محبته أرسل الله ابنه إلى العالم ليكون مخلصنا. إن مَن يؤمن به تكون له الحياة الأبدية (يو 16:3-17). وبحب الواحد منّا للآخر نكون واثقين أن الله يقطن فينا وتكون محبته كاملة فينا (1يو 7:4-21). ففي هذه الكتابات إذن المحبة هي قوة متبادلة وشاملة وموحدة.
‌ج-ماذا استجدّ في المحبة في العهد الجديد؟
- التطبيق الشخصي الذي قدّمه لنا المسيح: "بذل نفسه في سبيل العالم رغم كونه الإله الذي يجب أن نبذل له نفوسنا" (1يو 16:3).
- أصبح مقياس حبنا لله وللقريب هو درجة حبّ المسيح لنا.
- دمج يسوع المسيح نفسه مع القريب واتخذ هويّته بحيث أن كل إنسان (لاسيما الفقراء) هو صورة للمسيح لا بل مسيح آخر.
- أصبحت المحبة ليست مجرد علامة على الديانة الجديدة بل العلامة المميزة لها، كي يميز العالم تلاميذ المسيح.
- تشديدها على محبة الأعداء (مثل السامري الرحيم) على مثال محبة الآب الذي يحب الخطأة فيمطر عليهم ويعطيهم شمسه كذلك ويقوم نحوهم بخطوة المصالحة الأولى.
- العدد اللامحدود من المرات الذي يجب أن نسامح به قريبنا (يو26:17).
ثانياً: تعليم الكنيسة
هذه أكبر الفضائل الإلهية (1كور 13:13). فبوساطتها نحب الله فوق كل شيء ومن أجله هو، ونحب قريبنا كما نحب أنفسنا من أجل محبة الله. فالمحبة هي تحقيق للوصية العظيمة في الديانة المسيحية. والمحبة، بكونها فضيلة إلهية تنطوي على حب الله من أجل ذاته، وعلى حب أنفسنا وحب الآخرين لأننا نشارك في صلاح الله. وليست المحبة بالحب النفعي (الحب الشهواني amor concupiscentiae)، بل حب الأصدقاء بعضهم لبعض (الحب، المودّة amor benevolentiae)، فهو ليس حباً أنانياً، ولكنه يستقرّ في صلاح المحبوب (الله). إن المحبة هي أصل وشكل (root and form ) سائر الفضائل الأخرى، لأن موضوعها الأخير هو الله بذاته الذي يوجه إليه النشاط الفائق للطبيعة جميعه بتأثير متواصل، كامن أو ظاهر. ومعنى المحبة الإخلاص لله والقريب وعناية الإنسان عناية حسنة بنفسه. وامتلاك المحبة معناه جعل الله مركز حياتنا والعمل بوصاياه. المحبة هي مودة الله للمخلوقات البشرية.
المحبة هي الحب، وهي تستقر في الإرادة بصفتها فضيلة وفعل. وهي تُفاض وتنمو بالنعمة المؤدية إلى القداسة. وهي لا تزول عن طريق الخطيئة العرضية، إلا أن الخطيئة المميتة تضيعها. وتبقى المحبة حتى ما بعد الحياة عندما سنحب الله الذي نمتلكه. وقد ميّز الإكويني ثلاث درجات من المحبة- محبة المبتدئين الذين يسعون إلى أن يفصلوا أنفسهم عن الخطيئة، ومحبة البارعين الذين يسعون إلى أن يصلوا بأنفسهم إلى الكمال، ومحبة الكاملين المتحدين بالله بطريقة رائعة حتى في هذه الحياة. وتشمل المحبة حتى أعدائنا. وهي تجبرنا على استخدام الوسائل العادية للمحافظة على الصحة والحياة. المحبة هي الرغبة في التخلي عن أي شيء حسن مخلوق من جراء حب الله. تدفعنا المحبة إلى مساعدة أخينا وأختنا اللذين يجدان نفسيهما في حاجة روحية ودنيوية، ومن هنا، جاء واجب الإصلاح الأخوي ومساعدة المساكين. وتمنعنا المحبة من التعاون مع خطايا الآخرين، ولكنها لا تمنعنا من إتمام أعمال يسيء بعضهم استعمالها شريطة أن يتوفر لدينا سبب كاف لفعل ذلك. فالكراهية، والحسد، والكسل، والشك هي خطايا ضد المحبة. والشك هو فعل إما أن يكون شريراً أو أن يكون له مظهر الشرّ وقد يكون مناسبة لأن يرتكب شخص آخر الخطيئة.
ثالثاً: التفكير اللاهوتي
1) ماهية المحبة
أ- تعريف المحبة: هي فضيلة فائقة الطبيعة يفيضها الله في الإرادة بها نحب من أجل ذاته وفوق كل شيء والقريب حباً له. هي عطية إلهية لأن صداقتنا لله تفوق كل متطلبات الطبيعة البشرية وتفكيرها المحصور. فمن يدّعي أنه يصادق الله إذا لم يدعه هو نفسه ويرفعه: "محبة الله أُفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي وهب لنا" (رو5:5).
ب- مَن نحب؟
- الله، فوق كل شيء وفوق المكافأة التي وعدنا بها.
- الكنيسة التي تواصل عمل المسيح.
- نحب خلاصنا الروحي: "أرغب في أن أنحلّ لأكون مع المسيح" (بولس).
- خير إخوتنا الروحي ثم الزمني، والعام قبل الخاص. والأقرب إلينا هو أولى بالمعروف.
2) محبة الله
يقول توما الإكويني: "المحبة هي مودة متبادلة بين الله والخليقة وصداقة حقيقية". وتتطلب الصداقة تعهداً متبادلاً على حسب إمكانيات كل طرف، لأننا لا نقدر أن نقدم لله بقدر ما يقدم لنا وإنما نقدر أن نعطيه كل إمكانياتنا (القليلة) كما أنه أعطانا كل إمكانياته (بشخص ابنه الحبيب). فالذي يجمع بيننا هي كلمة "كل" وليست كلمة إمكانيات.
‌أ-نمو المحبة وزوالها:نعني بالمحبة أولاً الفضيلة الإلهية وليس شعور الشفقة العقيم الذي يمكن أن يشعر به الإنسان نحو الحيوانات. وتلد المحبة وتنمو فينا بفضل النعمة الإلهية. ونستطيع بأعمالنا الصالحة أن نهيئ أنفسنا لأن نستحق من رحمة الله ازدياداً في درجة محبتنا. المحبة تُقاس ليس بالكمية وعدد الأعمال وكثرتها وإنما بكثافة العمل وعمق وقته. فرُبَّ عمل محبة واحد في سبيل الله يحتوي قوة أعظم من عشرات الأعمال السطحية. وحياة قصيرة في محبة الله لأفضل من حياة طويلة فاترة. وينال الله مجداً أكثر من الذي يهدي إلى الإيمان خاطئاً واحداً يصل القداسة من الذي يهدي كثيرين يبقون فاترين. وتموت المحبة الإلهية في ضمير الإنسان، ليس بسبب خطايانا العرضية وإنما بسبب الخطايا المميتة. إنما تضعف الخطيئة العرضية قوة المحبة وتحضّر الإنسان للخطيئة المميتة وتحول دون التقدّم المطرد. وبالاعتراف تعود المحبة إلى درجتها السابقة أو أكثر.
‌ب-أهمية المحبة:تأتي من كونها تربطنا بالله عزّ وجلّ وتجعلنا شركاء معه في المحبة المتبادلة وأبناء له. وهي العمل الخاص بالله، فالله لا يؤمن ولا يرجو إنما يحب. وعندما نحب الله والقريب من أجل الله إنما نتشبّه بالله عزّ وجلّ. قال أغسطينوس: "إذا أحببت الأرض فأنت أرضي، وإذا أحببت الله فماذا أقول لك؟ إنك إلهي". وإذا فقدت المحبة، يفقد الإيمان سبب وجوده والرجاء هدفه. فما الفائدة من أن نؤمن بالله إن لم نكن نحبّه؟ فالشياطين تؤمن أكثر منّا. وما الفائدة من أن نرجو الله ومكافأته إن لم نكن نحبه لأننا لن نحصل عليها. و"إذا كان لي الإيمان حتى أنقل الجبال ولم تكن فيّ المحبة فلست بشيء" (1كور 2:13). المحبة رباط الكمال، ويُقاس عمق وعلو الحياة الروحية بكمال المحبة.
‌ج-درجات محبة الله:
- رفض الخطيئة المميتة وقبول العرضية.
-رفض الخطيئة المميتة والعرضية.
-تجنّب الخطيئة والبحث عن رضى الله ولو كلّف ذلك ألماً وتضحية. وهذا معنى أن نحب الله "من كل قلبنا وكل نفسنا". وقد ميّز القديس إكلمنضس 3 طبقات من محبي الله:
oمَن يتصرفون كذلك خوفاً من العقاب وهم يشبهون العبيد.
oمَن يتصرفون كذلك حباً بالمكافأة وكأنهم أجراء.
oمَن يحاولون إرضاء الله من أجل إرضائه وهم كالأبناء.
وكلما ارتفعت المحبة في النفس نتج عنها مزيد من الفرح والاتحاد بالله والسلام الداخلي والغيرة على مصالح الله. ومحب الله يحاول أن يجعل كل الناس يحبون الله مثله.

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:13 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
المحبة‏ ‏العملية لا‏ ‏بالكلام‏ ‏و لا‏ ‏باللسان‏

,‏بل‏ ‏بالعمل‏ ‏و الحق‏(1‏يو‏3:18)‏


لقداسة البابا شنوده الثالث

كثيرون‏ ‏يدعون‏ ‏أنهم‏ ‏يحبون‏ ‏الناس‏.‏
وتكون‏ ‏عبارة‏ ‏الحب‏ ‏مجرد‏ ‏لفظة‏ ‏من‏ ‏ألسنتهم‏,‏وليست‏ ‏مشاعر‏ ‏في‏ ‏قلوبهم‏,‏كما‏ ‏لا‏ ‏يظهر‏ ‏هذا‏ ‏الحب‏ ‏أيضا‏ ‏في‏ ‏معاملاتهم‏!!
‏وقد‏ ‏يقولون‏ ‏أيضا‏ ‏إنهم‏
‏يحبون‏ ‏الله‏ ‏بينما‏ ‏يكسرون‏ ‏وصاياه‏ ‏كل‏ ‏يوم‏!!‏
لذلك‏ ‏كله‏ ‏قال‏ ‏القديس‏ ‏يوحنا‏ ‏الحبيب‏:‏

يا‏ ‏أولادي‏,‏لا‏ ‏نحب‏ ‏بالكلام‏ ‏ولا‏ ‏باللسان‏
‏بل‏ ‏بالعمل‏ ‏والحق‏(1‏يو‏3:18).‏
هذه‏ ‏المحبة‏ ‏العملية‏ ‏هي‏ ‏التي‏ ‏يريدها‏ ‏الله‏ ‏منا‏ ‏في‏ ‏تعاملنا‏ ‏معه‏
‏ومع‏ ‏الناس‏.‏وليس‏ ‏في‏ ‏كلامنا‏...‏
لقد‏ ‏اختبر‏ ‏بطرس‏ ‏الرسول‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏الأمر‏ ‏في‏ ‏ليلة‏ ‏الخميس‏ ‏الكبير‏.
‏قال‏ ‏للسيد‏ ‏الربوإن‏ ‏شك‏ ‏فيك‏ ‏الجميع‏,‏فأنا‏ ‏لا‏ ‏أشك‏ ‏أبدا‏...
‏وأن‏ ‏إضطررت‏ ‏أن‏ ‏أموت‏ ‏معك‏,‏لا‏ ‏أنكركمت‏26:33-35 ‏
إني‏ ‏مستعد‏ ‏أن‏ ‏أمضي‏ ‏معك‏ ‏حتي‏ ‏إلي‏ ‏السجن‏ ‏وإلي‏ ‏الموتلو‏22:33...
‏أما‏ ‏ما‏ ‏حدث‏ ‏عمليا‏,‏فهو‏ ‏أن‏ ‏بطرس‏ ‏أنكر‏ ‏سيده‏ ‏ومعلمه‏ ‏ثلاث‏ ‏مرات‏
‏وأمام‏ ‏جارية‏ ‏لذلك‏ ‏قال‏ ‏له‏ ‏الرب‏ ‏بعد‏ ‏القيامةيا‏ ‏سمعان‏ ‏بن‏ ‏يونا‏
‏أتحبني‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏هؤلاء؟‏!‏يو‏21:15-16..‏
وكان‏ ‏يقصد‏ ‏المحبة‏ ‏العملية‏,
‏وليست‏ ‏محبة‏ ‏الكلام‏ ‏واللسان‏...
‏ولكن‏ ‏بطرس‏ ‏الذي‏ ‏أنكر‏
أثبت‏ ‏محبته‏ ‏العملية‏ ‏فيما‏ ‏بعد‏..‏
حينما‏ ‏احتمل‏ ‏السجن‏ ‏والجلد‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏إيمانه‏ ‏وكرازته‏
‏هو‏ ‏وباقي‏ ‏الرسل‏
‏وكانوا‏ ‏فرحين‏ ‏لأنهم‏ ‏حسبوا‏ ‏مستأهلين‏ ‏أن‏ ‏يهانوا‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏اسمهأع‏5:41
‏وبرهن‏ ‏بطرس‏ ‏أيضا‏ ‏علي‏ ‏محبته‏ ‏العملية‏ ‏للرب‏ ,
‏حينما‏ ‏رفض‏ ‏تهديد‏ ‏رئيس‏ ‏كهنة‏ ‏اليهود‏
‏وقال‏ ‏في‏ ‏جرأةينبغي‏ ‏أن‏ ‏يطاع‏ ‏الله‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏الناسأع‏5:19
.‏بل‏ ‏برهن‏ ‏علي‏ ‏محبته‏ ‏العملية‏ ‏للرب‏
‏حينما‏ ‏ختم‏ ‏كرازته‏ ‏بقبوله‏ ‏أن‏ ‏يموت‏ ‏من‏ ‏أجله‏ ‏مصلوبا‏ ‏ومنكس‏ ‏الرأس‏...
‏أبونا‏ ‏إبراهيم‏ ‏أبو‏ ‏الآباء‏ ‏والأنبياء‏,‏برهن‏ ‏عمليا‏ ‏علي‏ ‏محبته‏:
‏فعل‏ ‏ذلك‏,‏حينما‏ ‏أطاع‏ ‏دعوة‏ ‏الرب‏,
‏وخرج‏ ‏من‏ ‏أهله‏ ‏وعشيرته‏ ‏وبيت‏ ‏أبيه‏
‏وسار‏ ‏وراء‏ ‏الرب‏ ‏إلي‏ ‏الجبل‏ ‏الذي‏ ‏أرشده‏ ‏إليهتك‏
12:1‏خروج‏ ‏وهو‏ ‏لا‏ ‏يعلم‏ ‏إلي‏ ‏أين‏ ‏يذهب‏ ‏عب‏ 11:8.‏
وبهذا‏ ‏أثبت‏ ‏أن‏ ‏محبته‏ ‏لله‏
‏هي‏ ‏أعظم‏ ‏من‏ ‏محبته‏ ‏للأهل‏ ‏والوطن‏.
‏وامتزجت‏ ‏محبته‏ ‏لله‏ ‏بالطاعة‏ ‏بل‏ ‏أنه‏ ‏برهن‏ ‏عمليا‏ ‏علي‏ ‏محبته‏ ‏لله‏ ‏بأسلوب‏ ‏أعمق‏
حينما‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يقدم‏ ‏ابنه‏ ‏وحيده‏ ‏الذي‏ ‏يحبه‏ ‏إسحق‏,
‏الذي‏ ‏نال‏ ‏المواعيد‏ ‏بسببه‏...‏
قبل‏ ‏أن‏ ‏يقدمه‏ ‏محرقة‏
‏ورفع‏ ‏عليه‏ ‏السكين‏,‏ضاغطا‏ ‏علي‏ ‏كل‏ ‏مشاعره‏ ‏الأبوية‏,
‏لأجل‏ ‏محبته‏ ‏لله‏.‏وهنا‏ ‏امتزج‏ ‏الحب‏ ‏بالطاعة‏,‏وبالتضحية‏ ‏والبذل‏..
‏المحبة‏ ‏العملية‏ ‏هي‏ ‏المحبة‏ ‏الباذلة
التي‏ ‏فيها‏ ‏يعطي‏ ‏الإنسان‏:‏يبذل‏ ‏وقته‏ ‏وجهده‏ ‏وماله‏,‏
وكل‏ ‏شئ‏
‏ويقدمه‏ ‏لأجل‏ ‏الذي‏ ‏يحبه‏..‏
وعندما‏ ‏تنمو‏ ‏المحبة‏ ‏وتصل‏ ‏إلي‏ ‏كمالها‏
‏يبذل‏ ‏ذاته‏ ‏أيضا‏
كما‏ ‏قال‏ ‏السيد‏ ‏الرب‏: ‏ليس‏ ‏لأحد‏ ‏حب‏ ‏أعظم‏ ‏من‏ ‏هذا‏
‏أن‏ ‏يضع‏ ‏أحد‏ ‏نفسه‏ ‏عن‏ ‏أحبائهيو‏15:13.‏
وبهذا‏ ‏كان‏ ‏حب‏ ‏الشهداء‏ ‏لله‏,‏هو‏ ‏أعظم‏ ‏ألوان‏ ‏الحب‏,
‏لأن‏ ‏فيه‏ ‏بذل‏ ‏الذات‏...
‏وفي‏ ‏مقدمة‏ ‏هذاالحب‏,‏بذل‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏ ‏ذاته‏ ‏عنا‏...‏
وهكذا‏ ‏بين‏ ‏محبته‏ ‏لنالأنه‏ ‏ونحن‏ ‏بعد‏ ‏خطأة‏,‏مات‏ ‏المسيح‏ ‏لأجلنا‏ ‏رو‏5:8..‏
مات‏ ‏البار‏ ‏لأجل‏ ‏الأثمة‏ ‏والفجار‏.
‏وكان‏ ‏علي‏ ‏الصليب‏ ‏ذبيحة‏ ‏حب‏ ‏لأنههكذا‏ ‏أحب‏ ‏الله‏ ‏العالم‏,‏حتي‏ ‏بذل‏ ‏ابنه‏ ‏الوحيد‏,‏لكي‏ ‏لا‏ ‏يهلك‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏يؤمن‏ ‏به‏
‏بل‏ ‏تكون‏ ‏له‏ ‏الحياة‏ ‏الأبدية يو‏3:16‏
ويقول‏ ‏الرب‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏أيضا‏ ‏إن‏ ‏الراعي‏ ‏يبذل‏ ‏نفسه‏ ‏عن‏ ‏الخرافيو‏10:11
هذا‏ ‏هو‏ ‏مقياس‏ ‏المحبة‏: ‏البذل‏ ‏والعطاء‏...
‏يبذل‏ ‏الإنسان‏ ‏كل‏ ‏شئ‏...‏ويعتبر‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ ‏رخيصا‏ ‏في‏ ‏سبيل‏ ‏من‏ ‏يحبه‏..‏كشعور‏ ‏الأم‏ ‏من‏ ‏جهة‏ ‏رضيعها‏ ‏
هي‏ ‏تعطيه‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏تستطيع‏
‏وفوق‏ ‏ما‏ ‏تستطيع‏.‏وتجد‏ ‏لذة‏ ‏في‏ ‏إعطائه‏,‏في‏ ‏بذل‏ ‏راحتها‏ ‏لأجل‏ ‏راحته‏,‏وصحتها‏ ‏لأجل‏ ‏صحته‏,
‏إنها‏ ‏مثال‏ ‏للحب‏ ‏الذي‏ ‏يعطي‏ ‏لذلك‏ ‏ضرب‏ ‏الله‏ ‏هذا‏ ‏المثل‏ ‏في‏ ‏محبته‏ ‏لنا‏:‏
حتي‏ ‏إن‏ ‏نسيت‏ ‏الأم‏ ‏رضيعها‏,‏هو‏ ‏لا‏ ‏ينسانا‏1‏ش‏49:15.‏
ويعطينا‏ ‏القديس‏ ‏بطرس‏ ‏الرسول‏ ‏مثالا‏ ‏آخر‏ ‏في‏ ‏محبة‏ ‏الرب‏, ‏إذ‏ ‏قال‏ ‏له‏:
تركنا‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ ‏وتبعناك
‏من‏ ‏أجل‏ ‏محبتهم‏ ‏له‏,‏تركوا‏ ‏البيت‏ ‏والأهل‏ ‏والعمل‏ ‏وساوا‏ ‏وراءه‏
‏وهم‏ ‏لا‏ ‏يعلمون‏ ‏إلي‏ ‏أين‏ ‏يذهبون‏.. ‏متي‏ ‏الرسول‏,
‏لما‏ ‏دعاه‏ ‏الرب‏ ‏وهو‏ ‏في‏ ‏مكان‏ ‏الجباية‏, ‏عبر‏ ‏عن‏ ‏محبته‏ ‏بأن‏ ‏ترك‏ ‏مكان‏ ‏الجباية‏ ‏وتبعه مت‏9:9,
‏تاركا‏ ‏الوظيفة‏ ‏والمال‏ ‏والمسئولية‏... ‏وكذلك‏ ‏المرأة‏ ‏السامرية‏,‏
تركت‏ ‏جرتها‏ ‏وذهبت‏ ‏إلي‏ ‏المدينة‏ ‏لتبشر‏ ‏به
يو‏4:28
وكذلك‏ ‏تلاميذه‏ ‏الصيادون‏: ‏يعقوب‏ ‏ويوحنا‏ ‏وبطرس‏ ‏وأندراوس‏ ‏تركوا‏ ‏الشباك‏,‏وتركوا‏ ‏السفينة‏ ‏وتبعوه مت‏4:18-22‏
والقديس‏ ‏بولس‏ ‏الرسول‏ ‏يقول‏ ‏في‏ ‏ذلك‏:‏
خسرت‏ ‏كل‏ ‏الأشياء‏ ‏وأنا‏ ‏أحسبها‏ ‏نفاية‏ ‏لكي‏ ‏أربح‏ ‏المسيح‏,‏وأوجد‏ ‏فيهفي‏3:8, 9.‏
خسر‏ ‏كل‏ ‏شئ‏,‏ولم‏ ‏يندم‏ ‏عليه‏,‏بل‏ ‏حسبه‏ ‏نفاية‏..
‏ويقول‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏هذا‏:‏ما‏ ‏كان‏ ‏لي‏ ‏ربحا‏ ‏فهذا‏ ‏قد‏ ‏حسبته‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏المسيح‏ ‏خسارة‏.‏
بل‏ ‏أني‏ ‏أحسب‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ ‏أيضا‏ ‏خسارة‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏فضل‏ ‏معرفة‏ ‏المسيح‏ ‏يسوع‏ ‏ربي في‏3:7.‏
نفس‏ ‏الوضع‏ ‏بالنسبة‏ ‏إلي‏ ‏موسي‏ ‏النبيكان‏ ‏أميرا‏ ‏في‏ ‏القصرابن‏ ‏ابنة‏ ‏فرعون محاطا‏ ‏بكل‏ ‏مظاهر‏ ‏الرفاهية‏ ‏والعظمة‏,
‏ولكنه‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏محبة‏ ‏الشعب‏,‏ومن‏ ‏أجل‏ ‏خدمة‏ ‏الله‏,
‏ترك‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ ‏وهكذا‏ ‏لما‏ ‏كبر‏,‏أبي‏ ‏أن‏ ‏يدعي‏ ‏ابن‏ ‏ابنة‏ ‏فرعون‏
‏مفضلا‏ ‏بالأحري‏ ‏أن‏ ‏يذل‏ ‏مع‏ ‏شعب‏ ‏الله‏...
‏حاسبا‏ ‏عار‏ ‏المسيح‏ ‏غني‏ ‏أعظم‏ ‏من‏ ‏خزائن‏ ‏مصر‏...‏عب‏11:24-26.
‏كذلك‏ ‏أيضا‏ ‏كان‏ ‏آباء‏ ‏البرية‏ ‏الرهبان‏ ‏والنساك تركوا‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ .
‏وسكنوا‏ ‏في‏ ‏الجبال‏ ‏والقفار‏,‏في‏ ‏المغائر‏ ‏وشقوق‏ ‏الأرض‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏عظم‏ ‏محبتهم‏ ‏للملك‏ ‏المسيح‏.
‏فقد‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ ‏قيمته‏ ‏في‏ ‏نظرهم‏,‏العالم‏ ‏وكل‏ ‏ما‏ ‏فيه‏...
‏عندما‏ ‏تدخل‏ ‏محبة‏ ‏الله‏ ‏في‏ ‏قلب‏ ‏إنسان‏,
‏يحدث‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏في‏ ‏القلب‏ ‏شئ‏ ‏أو‏ ‏أشياء‏ ‏من‏ ‏أدران‏ ‏هذا‏ ‏العالم‏ ‏ولكن‏ ‏كلما‏ ‏تزداد‏ ‏محبة‏ ‏الله‏ ‏في‏ ‏القلب‏,
‏تتناقص‏ ‏بنفس‏ ‏القياس‏ ‏هذه‏ ‏الأدران‏
‏وتطرد‏ ‏محبة‏ ‏الله‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏في‏ ‏القلب‏ ‏من‏ ‏أمور‏ ‏العالم‏
‏وحتي‏ ‏تنتهي‏ ‏جميعا‏ ‏ويبقي‏ ‏الله‏ ‏وحده‏,‏وتنطبق‏ ‏وصية‏ ‏تحب‏ ‏الله‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏قلبك مت‏22:37‏
إذن‏ ‏من‏ ‏علامات‏ ‏المحبة‏ ‏العملية‏,‏زوال‏ ‏محبة‏ ‏العالم‏ ‏من‏ ‏القلب‏.
‏وفي‏ ‏ذلك‏ ‏قال‏ ‏معلمنا‏ ‏يوحنا‏ ‏الرسول لا‏ ‏تحبوا‏ ‏العالم‏ ‏ولا‏ ‏الأشياء‏ ‏التي‏ ‏في‏ ‏العالم‏ ‏إن‏ ‏أحب‏ ‏أحد‏ ‏العالم‏,
‏فليست‏ ‏فيه‏ ‏محبة‏ ‏الآب‏1‏يو‏2:15.‏
هل‏ ‏تظنها‏ ‏محبة‏ ‏حقيقية‏,‏أن‏ ‏يدعي‏ ‏أحد‏ ‏بأنه‏ ‏يحب‏ ‏الله‏,‏بينما‏ ‏يقبض‏ ‏يده‏ ‏عن‏ ‏دفع‏ ‏العشور‏ ‏والبكور؟‏!
‏أو‏ ‏يقف‏ ‏قلبه‏ ‏مترددا‏ ‏بين‏ ‏محبة‏ ‏الله‏ ‏ومحبة‏ ‏المال‏!!‏
إن‏ ‏المحبة‏ ‏العملية‏ ‏نحو‏ ‏الله‏ ‏والناس‏,
‏وهي‏ ‏أن‏ ‏يشرك‏ ‏المحتاجين‏ ‏في‏ ‏ماله‏
‏حتي‏ ‏لو‏ ‏تعب‏ ‏بعض‏ ‏الشئ‏ ‏في‏ ‏تدبير‏ ‏أموره‏ ‏المادية‏...‏
إن‏ ‏المحبة‏ ‏العملية‏ ‏تحتمل‏ ‏التعب‏ ‏لأجل‏ ‏من‏ ‏تحبه‏..
‏وهكذا‏ ‏نري‏ ‏السيد‏ ‏المسيح‏ ‏يقول‏ ‏لملاك‏ ‏كنيسة‏ ‏أفسس‏:‏
أنا‏ ‏عارف‏ ‏أعمالك‏ ‏وتعبك‏ ‏وصبرك‏...
‏وقد‏ ‏احتملت‏,‏ولك‏ ‏صبر‏,‏وتعبت‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏اسمي‏ ‏ولم‏ ‏تكل رؤ‏2:2, 3.
‏حقا‏,‏إن‏ ‏كل‏ ‏الذين‏ ‏أحبوا‏ ‏الله‏,‏تعبوا‏ ‏من‏ ‏أجله‏ ‏ووجدوا‏ ‏لذة‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏التعب‏.‏ويقول‏ ‏القديس‏ ‏بولس‏ ‏الرسول كل‏ ‏واحد‏ ‏سيأخذ‏ ‏أجرته‏ ‏بحسب‏ ‏تعبه‏1‏كو‏3:8.
‏ويقول‏ ‏أيضا‏ ‏في‏ ‏رسالته‏ ‏إلي‏ ‏العبرانيين‏ ‏إن‏ ‏الله‏ ‏ليس‏ ‏بظالم‏ ‏حتي‏ ‏ينسي‏ ‏عملكم‏ ‏
وتعب‏ ‏المحبة‏ ‏التي‏ ‏أظهرتموها‏ ‏نحو‏ ‏اسمه‏,‏إذ‏ ‏قد‏ ‏خدمتم‏ ‏القديسين‏ ‏وتخدمونهمعب‏6:10.
‏لذلك‏ ‏فإن‏ ‏الرسول‏ ‏يشجع‏ ‏علي‏ ‏بذل‏ ‏المزيد‏ ‏من‏ ‏التعب‏ ‏في‏ ‏العمل‏ ‏لأجل‏ ‏الرب‏ ‏قائلا‏: ‏
إذن‏ ‏يا‏ ‏إخوتي‏ ‏الأحباء‏ ‏كونوا‏ ‏راسخين‏ ‏غير‏ ‏متزعزعين‏
‏مكثرين‏ ‏في‏ ‏عمل‏ ‏الرب‏ ‏كل‏ ‏حين‏,‏عالمين‏ ‏أن‏ ‏تعبكم‏ ‏ليس‏ ‏باطلا‏ ‏في‏ ‏الرب‏1‏كو‏15:58.
‏وأيضا‏ ‏نظهر‏ ‏محبتنا‏ ‏للناس‏,‏بتعبنا‏ ‏لأجلهم‏..‏يعقوب‏ ‏أبو‏ ‏الآباء‏
‏تعب‏ ‏كثيرا‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏محبته‏ ‏لراحيل خدم‏ ‏لأجلها‏ ‏سنوات‏ ‏طويلة‏, ‏قال‏ ‏عنها‏ ‏كنت‏ ‏في‏ ‏النهار‏ ‏يأكلني‏ ‏الحر‏,
‏وفي‏ ‏الليل‏ ‏الجليد‏,‏وطار‏ ‏النوم‏ ‏من‏ ‏عيني تك‏31:40.
‏ويقول‏ ‏الكتاب‏ ‏عن‏ ‏تلك‏ ‏السنوات فخدم‏ ‏يعقوب‏ ‏براحيل‏ ‏سبع‏ ‏سنين‏.
وكانت‏ ‏في‏ ‏عينيه‏ ‏كأيام‏ ‏قليلة‏ ‏بسبب‏ ‏محبته‏ ‏لها تك‏29:20.‏
مثال‏ ‏آخر‏ ‏في‏ ‏محبة‏ ‏أبينا‏ ‏إبراهيم‏ ‏لابن‏ ‏أخيه‏ ‏لوط‏.‏في‏ ‏حرب‏ ‏كدر‏ ‏لعومر‏ ‏سبي‏ ‏لوط‏ ‏هو‏ ‏وأهل‏ ‏سدوم‏..
‏وهنا‏ ‏يقول‏ ‏الكتاب فأتي‏ ‏من‏ ‏نجا‏ ‏وأخبر‏ ‏إبرآم‏ ‏العبراني‏...
‏فلما‏ ‏سمع‏ ‏إبرآم‏ ‏أن‏ ‏أخاه‏ ‏لوطا‏ ‏قد‏ ‏سبي‏,‏جر‏ ‏غلمانه‏ ‏المتمرنين‏,‏ولدان‏ ‏بيته‏ ‏ثلاثمائة‏ ‏وثمانية‏ ‏عشر‏....‏
واسترجع‏ ‏كل‏ ‏الأملاك‏,‏واسترجع‏ ‏لوطا‏ ‏أخاه‏ ‏أيضا‏ ‏وأملاكه‏,‏والنساء‏ ‏أيضا‏ ‏والشعب تك‏14:13-16‏
هنا‏ ‏المحبة‏ ‏العملية‏,‏فيها‏ ‏النخوة‏ ‏والشجاعة‏ ‏والإنقاذ‏.
‏وتظهر‏ ‏المحبة‏ ‏العملية‏ ‏في‏ ‏قصة‏ ‏أرونة‏ ‏اليبوسي‏:‏حدث‏ ‏لما‏ ‏أراد‏ ‏داود‏ ‏النبي‏ ‏أن‏ ‏يشتري‏ ‏بيدر‏ ‏أرونة‏ ‏اليبوسي‏,
‏لكي‏ ‏يقيم‏ ‏فيه‏ ‏مذبحا‏ ‏للرب‏,‏قال‏ ‏أرونة‏ ‏لدواد‏:‏فليأخذه‏ ‏سيدي‏ ‏الملك‏...‏انظر‏ ‏البقر‏ ‏للمحرقة‏.‏والدوارج‏ ‏وأدوات‏ ‏البقر‏ ‏حطبا‏.‏الكل‏ ‏دفعه‏ ‏أرونة‏ ‏المالك‏ ‏للملك‏2‏صم‏24:21-23‏
أراد‏ ‏أن‏ ‏يتبرع‏ ‏للكل‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏حبه‏ ‏لله‏ ‏وللمذبح‏ ‏وللملك‏ ‏داود‏.‏ولكن‏ ‏داود‏ ‏النبي‏ ‏قال‏ ‏لأرونة‏ ‏في‏ ‏حكمةلا‏,
‏بل‏ ‏أشتري‏ ‏منك‏ ‏بثمن‏ ‏ولا‏ ‏أصعد‏ ‏للرب‏ ‏إلهي‏ ‏محرقات‏ ‏مجانية‏...2‏صم‏ 24:24.
‏كذلك‏ ‏المحبة‏ ‏الروحية‏ ‏تظهر‏ ‏عمليا‏ ‏في‏ ‏مجالات‏ ‏الخدمة‏..
‏تظهر‏ ‏في‏ ‏تعب‏ ‏الرعاية‏ ‏والافتقاد‏ ‏والتعليم
في‏ ‏الأسفار‏ ‏والسهر‏ ‏وحل‏ ‏مشاكل‏ ‏الناس
والتعب‏ ‏في‏ ‏الإقناع‏,‏وفي‏ ‏الصبر‏.‏
أما‏ ‏الذي‏ ‏لا‏ ‏يحتمل‏ ‏كل‏ ‏هذا‏,‏فلا‏ ‏تكون‏ ‏محبته‏ ‏عملية‏.‏أنظر‏ ‏إلي‏ ‏بولس‏ ‏الرسول‏ ‏ومحبته‏ ‏لملكوت‏ ‏الله‏
‏كيف‏ ‏يقول‏:‏بل‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏شئ‏ ‏تظهر‏ ‏أنفسنا‏ ‏كخدام‏ ‏لله‏,‏في‏ ‏صبر‏ ‏كثير‏,‏في‏ ‏شدائد‏ ‏في‏ ‏ضرورات‏ ‏في‏ ‏ضيقات‏,‏في‏ ‏ضربات‏ ‏في‏ ‏سجون‏ ‏في‏ ‏اضطرابات‏,‏في‏ ‏أتعاب‏ ‏في‏ ‏أسهار‏ ‏في‏ ‏أصوام‏...‏في‏ ‏محبة‏ ‏بلا‏ ‏رياء‏...‏بمجد‏ ‏وهوان‏
‏بصيت‏ ‏ردئ‏ ‏وصيت‏ ‏حسن‏2‏كو‏6:4-8..
.‏وهكذا‏ ‏كانت‏ ‏محبته‏ ‏لله‏ ‏وملكوته‏ ‏محبة‏ ‏عملية‏...‏ولم‏ ‏يكتف‏ ‏بأن‏ ‏يصلي‏ ‏ويقولليأت‏ ‏ملكوتك‏...
‏إننا‏ -‏كتعليم‏ ‏الكتاب‏- ‏ننادي‏ ‏بالإيمان‏ ‏والأعمال‏ ‏معا‏..‏فالإيمان‏ ‏بدون‏ ‏أعمال‏ ‏ميتيع‏2:17, 20‏
أما‏ ‏الإيمان‏ ‏المقبول‏ ‏عند‏ ‏الله‏,‏فهو‏ ‏الإيمان‏ ‏العامل‏ ‏بالمحبةغل‏5:6.‏والمحبة‏ ‏شجرة‏ ‏ضخمة‏,‏
لها‏ ‏ثمارها‏ ‏الكثيرة‏ ‏الشهية‏,‏ومن‏ ‏ثمارها‏ ‏تعرفونهامت‏
7:20‏
فما‏ ‏هو‏ ‏ثمر‏ ‏المحبة‏ ‏الذي‏ ‏يظهر‏ ‏في‏ ‏حياتنا‏ ‏العملية‏,‏من‏ ‏نحو‏ ‏علاقتنا‏ ‏بالله‏ ‏والناس؟
ما‏ ‏هي‏ ‏محبتنا‏ ‏العملية‏ ‏نحو‏ ‏الخطاة‏,‏ونحو‏ ‏المحتاجين؟
هل‏ ‏نحتقر‏ ‏هؤلاء‏ ‏الخطاة‏ ‏ونبعد‏ ‏عنهم‏
‏أم‏ ‏نوبخهم‏ ‏وننتهرهم؟
أم‏ ‏نقودهم‏ ‏بوداعة‏ ‏إلي‏ ‏التوبة‏,‏حسبما‏ ‏قال‏ ‏الرسولإن‏ ‏انسيق‏ ‏إنسان‏ ‏فأخذ‏ ‏في‏ ‏زلة‏,‏فأصلحوا‏ ‏أنتم‏ ‏الروحانيين‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏بروح‏ ‏الوداعة‏ ‏ناظرا‏ ‏إلي‏ ‏نفسك‏ ‏لئلا‏ ‏تجرب‏ ‏أنت‏ ‏أيضا‏.‏
احملوا‏ ‏بعضكم‏ ‏أثقال‏ ‏بعض غل‏6:1, 2.
‏وهكذا‏ ‏في‏ ‏محبة‏ ‏شفع‏ ‏إبراهيم‏ ‏في‏ ‏سادوم تك‏ 18‏
وشفع‏ ‏موسي‏ ‏في‏ ‏الشعب‏ ‏خر‏22.
‏لابد‏ ‏من‏ ‏جهاد‏ ‏لأجل‏ ‏الساقطين‏ ‏لكي‏ ‏يعودوا‏ ‏إلي‏ ‏الله‏.
‏كما‏ ‏قال‏ ‏داود‏ ‏النبي‏ ‏في‏ ‏المزمورلا‏ ‏أدخل‏ ‏إلي‏ ‏مسكن‏ ‏بيتي‏,‏ولا‏ ‏أصعد‏ ‏علي‏ ‏سرير‏ ‏فراشي‏,‏ولا‏ ‏أعطي‏ ‏لعيني‏ ‏نوما‏,
‏ولا‏ ‏لأجفاني‏ ‏نعاسا‏,‏ولا‏ ‏راحة‏ ‏لصدغي‏,‏إلي‏ ‏أن‏ ‏أجد‏ ‏موضعا‏ ‏للرب‏ ‏ومسكنا‏ ‏لإله‏ ‏يعقوبمز‏132.
‏لتكن‏ ‏محبتنا‏ ‏أيضا‏ ‏للفقراء‏ ‏محبة‏ ‏عملية‏..‏فلا‏ ‏نكتفي‏ ‏بمجرد‏ ‏مشاعر‏ ‏الإشفاق
أو‏ ‏بإلقاء‏ ‏العظات‏ ‏وكتابة‏ ‏المقالات‏ ‏عن‏ ‏ذلك‏,‏وأنما‏ ‏نعطي‏ ‏حتي‏ ‏من‏ ‏أعوازنالو‏21:4.
‏ولعل‏ ‏من‏ ‏أبرز‏ ‏الأمثلة‏ ‏القديس‏ ‏سرابيون‏ ‏الذي‏ ‏باع‏ ‏إنجيله‏ ‏وأعطي‏ ‏ثمنه‏ ‏لفقير‏.‏ورأي‏ ‏فقيرا‏ ‏آخر‏ ‏عريانا‏ ‏فأعطاه‏ ‏ثوبه‏.
‏وعاد‏ ‏إلي‏ ‏قلايته‏ ‏بلا‏ ‏إنجيل‏ ‏ولا‏ ‏ثوب‏.
‏فلما‏ ‏سأله‏ ‏تلميذه‏ ‏أين‏ ‏إنجيله؟أجاب‏ ‏القديس‏ ‏قائلا‏:‏لقد‏ ‏كان‏ ‏الإنجيل‏ ‏يقول‏ ‏ليبع‏ ‏كل‏ ‏مالك‏ ‏وأعطه‏ ‏للفقراءمت‏19:21‏
ولما‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏عندي‏ ‏شئ‏ ‏أملكه‏ ‏سوي‏ ‏الإنجيل‏,‏فقد‏ ‏بعته‏ ‏وأعطيت‏ ‏ثمنه‏ ‏للفقير‏...‏وتظهر‏ ‏المحبة‏ ‏العملية‏ ‏في‏ ‏الحياة‏ ‏الاجتماعية‏..‏
مثال‏ ‏ذلك‏ ‏راعوث‏ ‏التي‏ ‏رفضت‏ ‏أن‏ ‏تذهب‏ ‏إلي‏ ‏حماتها‏ ‏وحدها‏ ‏بعد‏ ‏موت‏ ‏ابنها‏.
‏بل‏ ‏قالت‏ ‏لها‏:‏لا‏ ‏أتركك‏ ‏حيثا‏ ‏ذهبت‏ ‏أذهب‏,‏وحيثما‏ ‏مت‏ ‏أموت‏.‏شعبك‏ ‏شعبي‏,‏
وإلهك‏ ‏إلهي‏ ‏إنما‏ ‏الموت‏ ‏هو‏ ‏الذي‏ ‏يفصل‏ ‏بيني‏ ‏وبينك را‏ 1:16
17.‏
وهكذا‏ ‏فعلت‏ ,‏ولم‏ ‏تترك‏ ‏حماتها‏ ‏وحدها‏..‏أخيرا‏ ‏لعل‏ ‏القديس‏ ‏بولس‏ ‏الرسول‏ ‏قد‏ ‏وضع‏ ‏لنا‏ ‏برنامجا‏ ‏عن‏ ‏المحبة‏ ‏العملية‏ ‏في‏1‏كو‏ 13‏
ليت‏ ‏الله‏ ‏يعطينا‏ ‏مجالا‏ ‏للتأمل‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏البرنامج‏,‏إن‏ ‏أحبت‏ ‏نعمته‏ ‏وعشنا‏.‏

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:16 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
المحبة: أسمى الفضائل المسيحية


http://www.peregabriel.com/gm/albums...rmal_3_jpg.jpg
كتب أحد أصفياء الله قائلاً:

نحن مدعوّون لنكون أقوياء في الإيمان، فرحين في الرجاء، وكاملين في المحبّة.

وقد صارت لنا هذه الوصيَّة من خلال القدِّيس بولس القائل:
"البسوا ترس الإيمان وخوذة الرجاء، ولكن على جميع هذه البسوا المحبّة التي هي رباط الكمال" (قولسي 3/14).
وقال الرسول يوحنّا في رسالته الأُولى:
"الله محبّة ومَن يثبت في المحبّة يثبت في الله والله فيه" (4/16).
ثمّ يؤكّد فيلسوف النصرانيَّة بقوله:
" أمّا الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبّة. هذه الثلاثة ولكن أعظمهنّ, المحبّة (1قور13/13).
لأنّه مهما كان الإيمان والرجاء عظيمين، فالمحبّة أعظم. الإيمان بدون المحبّة بارد، والرجاء بدون المحبّة عابس".

عظمة المحبّة

إنّ المحبّة أسمى الفضائل، وأثمن عطايا الله التي يسكبها على القلوب بالروح القُدُس (رومية 5/5).

فهي أفضل من جميع المواهب، وأسمى من النبوّة والعِلم. بل امتازت عن الإيمان والرجاء لأنّ الله محبّة، فالإيمان لا يثمر إلاّ بقوّة المحبّة، والرجاء لن يتحقّق لأولئك الذين أقفرت قلوبهم من روح المحبّة.

أجل, المحبّة هي القوّة الواقية من الشرور. فالذين يعيشون في المحبّة تكون لهم سوراً حَصيناً وواقياً من شرور الخطيئة، وسياجاً حافظاً من الآثام والموبقات.

فلا تستطيع الخطيئة أن تستعبدهم.. المحبّة نار ملتهبة تحرق أشواك الرذيلة. فلا تفسد قلوب المؤمنين وتعطّل نفوسهم عن الخدمة. فتحرم حياتهم من ثمار البِرّ.

قال السيّد المسيح: "إن أَحبّني أحدٌ حفظ كلامي".

ولعلّه في قوله هذا لَم يقصد أن يعلّمنا أنّ برهان المحبّة هو حفظ وصاياه فقط ولكنّه أراد أيضاً أن نعرف أنّ حفظ وصايا الله هو ثمرة مباركة للمحبّة، ثمرة طبيعيَّة، لشجرة المحبّة الوارفة الظلال.

فالمحبّة تمنح المؤمنين نقاوة القلب وطهارة الضمير وقداسة السيرة. وأحبّاء الربّ يبغضون الشرور. كما أنّ نُور المحبّة الباهر يبدّد ظلمات الخطيئة ويجعلها تندحر وتتوارى إلى الأبد.

يصرّح القدِّيس بولس قائلاً:

"المحبّة تتأنّى وترفق، المحبّة لا تحسد ولا تظنّ السوء ولا تفرح بالإثم. بل تفرح بالحقّ وتحتمل كلّ شيء وتصدّق كلّ شيء وترجو كلّ شيء، وتصبر على كلّ شيء، المحبّة لا تسقط أبداً" (1قور 13/4-8).

كنيسة أفسس مثال المحبّة الصادقة

نقرأ في رسالة مار بولس إلى أهل أفسس. كيف سادت المحبّة على كنيسة أفسس كما هو ظاهر من شهادة الرسول عنها قائلاً:

"سمعت بإيمانكم بالربّ يسوع المسيح ومحبّتكم نحو جميع القدِّيسين" (أفسس 1/15).

وكانت تلك المحبّة ولا شكّ صدى لمحبّة المسيح التي ينطبق عليها وصف الحاكم سليمان

"المحبّة قويَّة كالموت قاسية كالهاوية. لهيبها لهيب نار لظى الربّ بسيول كثيرة لا تطفىء المحبّة والمياه لا تغمرها. لو أعطى الإنسان كلّ ثروة بيته بدل المحبّة تحتقر احتقاراً" (نشيد الأنشاد 8/6و7).

لقد قبلت الكنيسة في أفسس دعوة الله الغنيّ في الرحمة والذي في محبّته الكثيرة التي أحبّهم بها اختارهم ليكونوا قدِّيسين وبلا لوم أمامه في المحبّة.

ومن ثمّ امتلكت المحبّة تلك القلوب. فعاشت الكنيسة زمناً في فرح المحبّة، وقوّة المحبّة، وسلام المحبّة، ونقاوة المحبّة، وثمار المحبّة. وكم أتمنّى على الكنيسة الجامعة المقدَّسة أن تتّخذ من كنيسة أفسس نبراساً لها في خضمّ هذا العالَم المضطرب، بالأحقاد والشرور والحروب والمنازعات لأنّه خالٍ من المحبّة...

ثبات المحبّة

نعم, المحبّة لا تسقط أبداً كما قال الرسول بولس. صحيح إنّنا قد نمرّ أحياناً في ظروف غير ملائمة نعيش فيها مع بعض المستهزئين. فيضعف ولاؤنا للربّ، كما كانت الحال مع الابن الضالّ.

"ولكن لا توجد وسيلة ولا قوّة تستطيع أن تفصلنا عن محبّة المسيح" (رومية 8/35).

مؤمن كان طريح الفراش يعاني من آلام المرض وأوجاعه وحوله مجموعة من الأهل والأصدقاء يصلّون لأجله. فقال أحدهم:

"يا ربّ اشفِ أخانا فأنت تعلم كَم هو يحبّك".

فقاطعه المريض قائلاً: "لا تصلِّ هكذا يا أخي, فليست محبّتنا الضعيفة هي التي تُعطينا نِعَمَ الله. بل حبّه الكامل يعطينا كلّ شيء".

فاستدرك المصلّي وقال: إذاً, لأردّد طلبة الرسول بولس من أجل أهل تسالونيقي

"والربُّ يهدي قُلوبَكم إلى محبّة الله وإلى صبر المسيح" (2تسالونيقي 3/5).

ونعود إلى كنيسة أفسس حين كانت تنمو في إدراك محبّة الله التي لا تدرك. وتتطلّع كأهل بيت الله ? إلى المحبّة الإلـهيَّة التي غمرتها، وتحاول مع جميع القدِّيسين أن تعرف العرض والطول والعمق والعلوّ لمحبّة المسيح الفائقة المعرفة. كانت كنيسة القدِّيسين: محبّتها ثابتة وقويَّة في المسيح له المجد.

ويتحدّث الرسول يوحنّا في سِفْر الرؤيا وهو يكتب إلى ملاك كنيسة أفسس قائلاً:

"لكن عندي عليك أنّك تركت محبّتك الأُولى" (رؤيا 2/4).

محبّتك الأُولى التي كانت تقودك لتُكثر ثمار بِرّك لمجد الله وحمده. فتنفق وتنفق من أجلي، تلك المحبّة التي ملأت القلوب فرحاً وقوّةً وثباتاً وسلاماً.

لقد تركت محبّتك الأُولى، وبالتالي تركت كلّ هذه البَرَكات. كانت لك جميعاً ولكنّك قد أهملتها. طرحتها عنك.. فما أكبر الخسارة التي لا يُدركها إلاّ مَن تَذوّق ثمار المحبّة الشهيَّة!

وكما أنّ هذا الكلام موجّه إلى ملاك كنيسة أفسس فهو موجّه إلى كلّ مؤمن.

حيث يقول لنا الربّ: ما عادت محبّتك في قوّتها الأُولى في هذا العصر الرديء.

ما عادت محبّتك المحبّة النقيَّة التي تحفظك من أَن تشترك في أعمال الظلمة غير المثمرة. ما عادت محبّتك المحبّة التي تحملك على تجنّب الآثام والشرور والمعاصي.

هذا موجّه إلى كنيسة أفسس وملاك كنيسة أفسس، وإلى كلّ مَن تركوا محبّتهم الأُولى للربّ وتزعزعت أركانها حتّى الحضيض...

الربّ يسوع يعتب علينا

هذا هو عتاب الربّ يسوع القدّوس البارّ الذي انفصل عن الخطأة وصار عرشه في أعلى السموات. هو عتاب يسوع الذي عيناه أطهر من أن تنظرا إلى الشرور وإلى السالكين في دياجير الظلام، والمنحدرين في أعمق أعماق الهاوية...

أخي المؤمن: لنقف قليلاً ونتأمّل. ما هو تأثير هذا العتب فينا؟ لننظر إلى نفوسنا

ونمتحن ذواتنا، لنجرّب ألاّ تستوعب حياتنا مثل هذا العتاب! ألا تستحقّ عواطفنا الفاترة أو الباردة مثل هذا اللوم، أو مثل هذا العتاب من ربّنا وفادينا يسوع؟..

لقد كانت لنا جميعاً أيّام، اختبرنا فيها سلام الله الذي يفوق كلّ عقل. فأين نحن وهذا السلام الآن؟ لقد كانت لنا أيّام شعرنا فيها بغبطة الغفران وبهجة الخلاص وسلام التبرير. فأين نحن وهذه الحالة؟ أنستطيع اليوم أن نترنّم مع الرسول كما ترنّمنا فيما مضى من الأيّام

"إذ قد تبرّرنا بالإيمان فلنا سلام مع الله بربّنا يسوع المسيح. الذي به أيضاً قد صار لنا الدخول بالإيمان إلى هذه النِعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر على رجاء مجد الله" (رومية 5/1-2).

هل نستطيع اليوم أن نهتف مع الرسول قائلين: إنّ الخطيئة لن تسودنا لأنّنا لسنا تحت الناموس بل تحت النِعمة

"وإنّ الناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقنا من ناموس الخطيئة والموت".

ولكن لماذا نعجز عن الهتاف بهذه الاختبارات الآن؟

لقد كانت محبّة الله تملأ قلوبنا، وكانت حياتنا حياة الحرّيَّة الروحيَّة، حياة الإيمان المفعمة بمحبّة الربّ يسوع. أمّا الآن وقد فرّطنا بهذه المحبّة وأضعناها وتركناها وأهملناها. فما عاد لحياتنا مثل هذه الاختبارات الروحيَّة المباركة...

قيل عن شمشون: "وفارقته قوّته لأنّ الربّ كان قد فارقه" (1صموئيل 28/15). هكذا نُزع عنّا فرحنا، وفقدنا سلامنا، وخسرنا قوّتنا، وتعرّينا من نقاوتنا وطهارتنا وعطايانا التي يعبّر عنها الكتاب المقدَّس...

ما أحوجنا إلى الجلوس عند أعتاب الصليب. لنتأمّل في محبّة الله الآب الذي لم يشفق على ابنه الوحيد بل بذله لأجل البَشَريَّة جمعاء. بل سُرَّ أن يسحقه بالحزن, إذ جعل نفسه ذبيحة إثم وهو الذي لم يعرف خطيئة, لكي يجعلنا

"كنيسة مجيدة لا دَنَس فيها بل تكون مقدَّسة وبلا عيب" (أفسس 5/27).

لعلَّ تأمّلنا في هذه المحبّة يجذب قلوبنا إلى المسيح, فنستجيب لمحبّته ونُملّكه على قلوبنا ونفوسنا وضمائرنا... ولنصلِّ كما صلّى أحد رجال الإيمان فقال: "يا ربّ أعطني قلباً من لحم (نحو المساكين والمحتاجين), يا ربّ أعطني قلباً من حديد وفولاذ (نحو الخطيئة)، يا ربّ أعطني قلباً من نار (ليلتهب بمحبّة المسيح) الذي أحبّنا ووضع نفسه عنّا معانقاً راية الصليب حتّى الموت، وقيامته المجيدة، وصعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب في المجد الأبديّ.

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:19 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
القديس يوحنا الذهبي الفم
https://images.chjoy.com//uploads/im...915af5300e.jpg


1 - " يقضي العدلُ في ممارسة المحبّة، أن نفضّلَ الضعفاءَ على من هم أقلّ ضعفاً، الشيوخَ على الشباب، المُعدومين على المالكين شيئاً، المُعاقين المرذولين عادةً من الناس على الذين نحبّهم…"

2 - " من المفيد أن نسأل لماذا شوهد لعازر في أحضان ابراهيم بدل أي شخص صدّيق آخر؟ هذا لأن ابراهيم كان يمارس الضيافةَ… كان يستقبل المسافرين ويُدخلهم خيمته… كان يراقب الغرباء العابرين جالساً أمام خيمته وكصيّاد يرمي شبكةً في البحر ويُخرج السمكَ وأحياناً الذهبَ واللآلئ، هكذا كان ابراهيم يصطاد أناساً في شباكه، فوُجد في النهاية مضيفاً الملائكة دون أن يعلم.

هذا ما قاله الرسول بولس: " لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون" ( عب 13 : 2 ). ما أجمل هذه الآية! فإنه لو عرف هويّة زائريه لما كان العجب في نخوة ضيافته. ما يجعله ممدوحاً أنّه لم يكن يعلم من هم المسافرون. اعتبرهم أناساً عاديّين فاستقبلهم بمحبّة قلبيّة كبيرة… هذا ما كان الربّ يقوله أيضاً:
" كلّ ما فعلتموه بأخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه" ( متى 25 : 45 ) وقال أيضاً: " هكذا ليست مشيئةً أمام أبيكم الذي في السماوات أن يهلك أحد هؤلاء الصغار" ( متى 18 : 14 ).
" ومن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له أن يعلّق في عنقه حجر الرّحى ويُغرق في لجّة البحر"
( متى 18 : 6 ). في كلّ ظرف كان الرب يسوع المسيح، من خلال تعاليمه وحياته، يهتمّ بالصغار والودعاء.
كان إبراهيم ممتلئاً من هذه الفكرة. لذا لم يكن ليفحص من أين جاء المسافرون كما نعمل عادةً. من نوى الإحسان عليه ألاّ يبحث في سيرة حياة الفقير المعوز. عليه فقط أن يلبّي حاجته ويسعفَ عوزَه. الحاجة الضروريّة والعوز ضمانتا الفقير الوحيدتان، لا تطلبوا منه أكثر من ذلك. إن كان أسوأ البشر ووُجد جائعاً فأطعمْه. هذا هو الواجب الذي يمليه علينا يسوع المسيح بقوله:
" لكي تتشبّهوا بأبيكم الذي في السماوات فإنه يُشرق شمسَه على الأشرار والصالحين ويُمطر على الأبرار والظالمين". ( متى 5 : 45 ). رجل الرحمة ميناء للمعوزين. والميناء يستقبل كلَّ من كانت العاصفة تتهددّه أكان صالحاً أم شريراً… تشبّهوا إذاً بإبراهيم أبي الآباء وبأيوب الصدّيق القائل:
" بابي كان مفتوحاً على الدوام لكلّ ضيف آتٍ إليّ الكلّ كان بوسعه أن يعبرَ منه…" ( أيوب 31 : 32 )

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:20 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
من اقوال القديس يوحنا الذهبي الفم عن المحبة

https://images.chjoy.com//uploads/im...7dc0cddfbe.jpg

3 - " … قيمة الإحسان المادي ليست في كميّته بل في النيّة التي ترافقه. أرملة الإنجيل لم تعطِ سوى فلسين وقد فاق عطاؤها على كلّ التقدمات الأخرى. أرملة أخرى مع قليل من الطحين والزيت أضافت النبيََ الإلهي. هكذا لم يكن الفقر ليشكّل عقبةً للواحدة ولا للأخرى".

4 - " لا يطلب الرسول بولس من الأرملة أن تكتفي بالإحسان بل قال " هل غسلتِ أرجل القدّيسين؟ " 1تيمو 5 : 10). تفكّر بمن كان يغسل أرجلَ التلاميذ. لقد غسلَ حتى أرجل الخائن. هذا لكي لا تدينوا حالةَ السوء في الذي يتقدّم إليكم محتاجاً. لو أعانكم أحدٌ في قضاياكم العالمية أمام العدالة وفي أي ظرف آخر، لأسرعتم واستقبلتموه بحفاوة وخدمتموه. ان رأيتم المسيحَ يأتي إليكم لمَ تترددّون في خدمته؟ إن كنتم لا ترون المسيح في الغريب فلا تستقبلوه. أماّ إن كنتم ترونه فلا تخجلوا من غسل أرجل الربّ يسوع… لا تتردّدوا في غسل أرجل الغرباء لأن أيديكم سوف تتقدّس بمثل هذه الخدمة…"

5 – " … تقولون لي إني أهاجم الأغنياء؟ كلاّ أني فقط أهاجم أولئك الذين يسيئون استعمالَ الغنى. لا أتّهم الغنيَّ بل السارق… أنت تملك شيئاً فأنا لا أخاصمك عليه. أنت تستغلّ ملكَ الآخرين. عندئذ لا يمكن السكوتَ عن هذا الأمر… الأغنياء أولادي وكذلك الفقراء. لهم أصلٌ واحدٌ وآلام ولادةٍ واحدةٍ…"



6 – أنت مجرّد وكيل على أموالك ( الملك والسيّد هو الله وحده) كما هو المدير والمدبّر لأملاكك الكنسية. لا يستطيع هذا الأخير أن يتصرّف بأملاك الكنيسة كما يحلو له. أنت كذلك لأن المالَ الذي بحوزتك، حتى عن طريق الوراثة، يبقى ملكَ الله… هو أيضاً ملك الفقراء حتى ولو كنتَ قد اقتنيته بعرق جبينك… العناية الإلهية أودعته إياّكَ لكي تصرفه لمجد الله".

7 – " انظروا إلى هذه الحقيقة أنتم الذين تستصعبون الإحسان. انظروا أنتم الذين تخسرون أموالكم حين تريدون الحفاظَ عليها. أنتم لا تملكون أكثر ممّا يملكه الأغنياء في الأحلام. أموال هذه الدنيا كلّها أحلام. أولئك الذين يحلمون بالأموال الكثيرة يصبحون في اليقظة أفقرَ البشر. كذلك كل من اقتنى أموالاً كثيرة في هذا العالم ولا يستطيع أن يحمل منها شيئاً في العالم الآخر، هو أيضاً أفقر البشر لأنه غنيٌّ على الأرض كما في حلم.

إن كنت تريد أن تُظهرَ لي غنيّاً حقيقيّاً فأظهره لي عند خروجه من هذه الدنيا، لأني في هذا العالم لا أستطيع تمييزَ الغني عن الفقير".

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:22 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
محبّة الخطأة

https://images.chjoy.com//uploads/im...bbaee08c89.jpg


1 –لا تسخط على أولئك الخطأة الضالين. إبحثْ في أمورهم بهدوء. ليس شيء أقوى من الاعتدال واللطف. هذا ما ينصح به الرسول بولس بقوله:
" وعبد الرب لا يجب أن يخاصم بل يكون مترفقاً بالجميع" (2تيمو 2 : 24 ). علينا إذاً أن نكون ودعاءَ ليس فقط مع إخوتنا بل أيضاً مع جميع الناس. " بقدر استطاعتكم سالموا كلَّ الناس" ( رو 12 : 18 )


2 – " أوصيكم أن تكونوا طيّبين مع الذين خرجوا عنكم (أهل البدع)، قاربوهم بكلام لطيف… الجراح الساخنة تخشى مرورَ اليد عليها لذا يستخدم الأطباء إسفَنْجَةً ناعمة لغسل مثلِ هذه الجراح. هي نفوسٌ مجروحة مسمومة مدمّاة. لنتشبه بالذي يستخدم لها إسفنجية ناعمة مبلولة بالماء الصافي… أيقابلون عنايتكم بالإهانات وحتى بالضربات؟… مهما فعلوا، أنت أيها الحبيب لا تتخلَّ عن هدف علاجك لهم إنّه سبب آخر لمزيد من الشفقة عليهم…"

3 – " هؤلاء الضالون قابعون في لجّة الإلحاد. لا نكوننّ غيرَ مبالين لحالتهم. لا تقسّوا قلوبكم أمام هذا المشهد المحزن… السامري لم يقل أين الكهنة واللاويّون وأطباء اليهود؟… لقد استغلّ الفرصة السانحة ليُسرعَ ويخطف الطريدة النادرة… أنتم أيضاً عندما ترون إنساناً مريضاً في نفسه وفي جسده، تمثّلوا بالسامري تَجِدوا في عنايتكم للخاطئ والغريب المحتاج كنزاً فريداً. اسكبوا عليه الزيتَ المليّن، الكلمةَ الصالحة. تصيّدوه بمحبّتكم، اشفوه بطول أناتكم، يُغنيكم أكثر من الكنز. " من يُخرج الذهب من الرصاص يصبح كفم الله طاهراً مقدّساً كفم الله".

4– " … علّموا بلطافة أولئك الحائدين عن الحق. هذا لكي تحثّوهم على التوبة والخروج من مكائد الشرّير… " ( 2تيمو 2 : 25 – 26 ). أظهروا أنكم مستعدّون لنقل ما عندكم من الخير… إن سمعكم هذا الذي انحرف يشفى ( حز 3 : 21 ). هكذا تكونون قد أنقذتم نفساً. إن حدث وأصرّ على خطيئة وبّخوه بلطافة… لا تحقدوا عليه، عاملوه بمحبّة. " هكذا يعرفون أنكم تلاميذي بمحبتكم بعضكم لبعض." ( يو 13 : 35).
" إن كانت لي نبوّة وأعلم جميع الأسرار وكلَّ علم وان كان لي كلُّ الإيمان حتى أنقلَ الجبال ولكن ليس لي محبّة فلستُ شيئاً" (1كور 13 : 2 ).

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:22 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
محبّة الخطأة

https://images.chjoy.com//uploads/im...bbaee08c89.jpg


5 – " … أسمع كثيرين يقولون لي: أنا لا أشعر بأيّ حقد تجاه الذين أساؤوا إليّ. لا يطلب منك اللهُ أن لا يكون لك علاقة معهم، يطلب بالأحرى أن يكون لك علاقةٌ كبيرة، لذلك هو يدعو عدوَّك " أخاك ". لا يقول فقط سامح أخاك إن أساء إليك بل يقول: " اذهبْ أوّلاً واصطلح مع أخيك" ( متى 5 : 24 ). إن كان هناك شيءٌ ضدّك لا تنسحب قبل أن تُعيد الوحدة بينكما".

6 – " الله طيّبٌ تجاه كلّ الناس. وهو طيّب بصورة خاصة تجاه الخطأة. أتودّون سماعَ قولٍ غريب؟ … يظهر الله قاسياً على الصدّيقين في حين لا يكنّ للخاطئ إلاّ كلَّ مودّة ورحمة. يقول عن الذي وقع:
" هل الذي وقع لا يقوم؟ هل الذي انحرف عن الدرب القويم لا يعود فيجده؟" ( ارميا 8 : 4 ). " عودوا إليّ أعود إليكم" (زخريا 1 : 3). وفي موضع آخر بداعي محبّته الكبرى يُقسم بأنه سوف ينقذ الخاطئ والتائبَ. يقول:
" طالما حييتُ يقول الربّ لا أريد موتَ الخاطئ إلى أن يعودَ ويحيا" ( خر 33 : 11 ).

7 – " … كيف تنتظرون الرحمةَ والمسامحةَ من الله عندما لا يرى منكم الإخوة الصغار سوى القساوة والعتوّ…؟ أأساء إليك أخوك؟ أنت أيضاً أسأتَ إلى الله مراراً. ربّما أساء أخوك بعد الإساءة إليه. لمن أنت أسأتَ؟ إلى الله الذي يغدق عليك خيراته ليلاً نهاراً ولم يسئ إليك ابداً…"

8 – " سقط العبد على قدميه وقال له: " اصبر عليّ قليلاً وأنا أوفي لك الدينَ كلّه"… العبد يتوسل عارياً ويلتمس الشفقةَ من سيّده.
ونحن أيضاً في صلواتنا لا نيأسنّ أبداً. إن كان ليس لكم ثقة بإنسان فقابلوه مع ذلك ولا تخافوه… أَبعِدوا عنكم كلَّ فكرة لليأس. لنهرع إلى الله دائماً ونصلِّ له كما فعل ذلك العبدُ.

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:23 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
محبّة الصغار
محبّة الفقراء، محبّة الخطأة

9 – " تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوتَ المعدَّ لكم منذ تأسيس العالم. لأني جعتُ فأطعمتموني. عطشتُ فسقيتموني. كنتُ غريباً فآويتموني. عرياناً فكسوتموني. مريضاً فزرتموني. محبوساً فأتيتم إليّ…
الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه". ( متى 25 : 34 - 40 )
" لتثبت المحبّة الأخوية. لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناسٌ ملائكةً وهم لا يدرون. اذكروا المقيّدين كأنكم مُقَيَّدون معهم والمُذَلّين كأنكم أنتم أيضاً في الجسد… لتكن سيرتكم خاليةً من محبّة المال. كونوا مكتفين بما عندكم" ( عب 13 : 1 – 5 ).
" أماّ أنا فأقول لكم أحبوا أعداءَكم… صلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم لكي تكونوا أبناءَ أبيكم الذي في السماوات. فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين، فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كاملٌ" (متى 5: 34 – 48 )


من أجل الفقراء
(1كور 16 : 2 – 4 )

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:24 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 


اليوم أناشدكم قولاً مسيحياً نافعاً للنفس. الموضوع يدور حول الفقراء الساكنين في مدينتكم. لقد اندفعتُ في كلامي هذا من مشهد محزنٍ رأيته. عبرتُ السوق والطرقَ الضيّقة قبل أن أجتمع بكم فرأيتُ أناساً مرميّين بعلل متنوعة. لذا وجدتُ من المفيد أن أحدّثكم عنهم.
الكلام في الإحسان مفيد في كلّ وقت ونحن كلّنا بحاجة إلى رحمة الله خالقنا لا سيّما في هذه الأيام التي يزداد فيها البرد. في زمن الصيف يجد الفقراء تعزية الطبيعة ودِفأها. العراة يكتفون، بدلاً عن اللباس، بأشعة الشمس. يستطيعون النوم ملتحفين الأرض. يشربون الماء من النبع ويقتاتون العشب والثمار المتوفّرة.
يجد الفقراء أيضاً في وقت الصيف مجالاً للعمل في ورش الأبنية، في الزراعة وفي عمل سفن البحر. أماّ في أوان الشتاء فهم محارَبون من كلّ جهة: الجوع يتآكل أحشاءهم من الداخل والبرد يُميت أجسادهم من الخارج. يحتاجون إلى مزيد من الطعام، من اللباس، من سقف ولحف وأحذية وأشياء أخرى. لا يجدون عملاً يعملونه في الوقت الصعب.
لذا علينا في مثل هذه الحالة أن نمدّ يدَ العون والإحسان إليهم. لنذكر ما فعله بولس الرسول من أجلهم:
" فإذ علم بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة أعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم وأماّ هم فللختان غير أن نذكر الفقراء. وهذا عينه كنتُ اعتنيت أن أفعله" (غلا 2 : 9-10).
يذكر الرسول الفقراء في كلّ رسالة كتبها مع ضرورة الإحسان إليهم. تكلّم مثلاً عن القيامة ثم انتقل إلى موضوع إعانة فقراء أورشليم قال: " واماّ من جهة الجمع إلى القدّيسين فكما أوصيت كنائس غلاطية هكذا افعلوا أنتم أيضاً. في كلّ أول أسبوع ( أي نهار الأحد ) ليضع كلّ واحد منكم ما عنده …ومتى حضرتُ فالذين تستحسنونهم أرسلهم برسائل ليحملوا إحسانكم إلى أورشليم" ( 1كور 16: 1-3 ).
لاحظ كيف استغل الرسول المناسبة ليفتح لهم مثلَ هذا الموضوع. بعد أن ذكرّهم بالدينونة المستقبلة وبالحياة الأبدية يُدخلهم إلى هذا الموضوع بحيث أن السامع الذي حُمل بمثلِ هذه الرجاءات المستقبلة وأصبح كلّه عطيّة للآخر، يقتبل نصيحة الرسول مدفوعاً من بخوف الدينونة واكتساب الرجاءات الصالحة. كلّ من يؤخذ بالقيامة وحياة الآخرة، لا يعود يعتبر الغنى شيئاً ذا قيمة ولا الذهب ولا الفضة، لا اللباس ولا الرفاهية. حينئذ يفكرّ أكثر بالفقراء وبإعانتهم.
تكلّم الرسول لا عن الفقراء بل عن " القدّيسين " ليحثَّ القراّء على الإعجاب بالفقراء عندما يكونون مؤمنين والتحفظ من الأغنياء عندما يزدرون الفضيلة. لقد دعا مثلاً نيرون " سرَّ الإثم " بقوله: " لأن سرّ الإثم الآن يعمل فقط" ( 2 تسا 2: 7 ). في حين يدعو الفقراء المؤمنين " قدّيسين ".

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:25 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
من هم الفقراء والقديسون

https://images.chjoy.com//uploads/im...b5a83739e7.jpg


لنتساءل من هم هؤلاء القديّسون؟ يذكرهم الرسول في مكان آخر "ولكن الآن أنا ذاهبٌ إلى أورشليم لأخدمَ القديّسين" (رو 15: 25 ). وفي أعمال الرسل في أوان المجاعة يذكر لوقا هؤلاء القديّسين قائلاً: " فحتم التلاميذ حسبما تيسّر لكلّ منهم أن يُرسل كلّ واحد شيئاً خدمةً إلى الأخوة الساكنين في أورشليم" ( أع 11 : 29 ).
وكما ذكرنا سابقاً عن الرسول بولس: " غير أن نذكر الفقراء. وهذا عينه كنتُ اعتنيتُ أن أفعله" ( غلا 2 : 10 ).
لقد توزّع الرسل للبشارة: الرسول بولس للوثنين وبطرس لليهود وتمّ الاتفاق على أن هذا التوزيع لا يسري على الفقراء. لأنهم جميعاً اعتنوا بفقراء أورشليم المسيحيين القديّسن فيما بين اليهود.
من هم إذاً هؤلاء "الفقراء القديّسون" المذكورون في رومية وغلاطية الذين طلب الرسول المساعدة لهم من أهل مكدونيا؟
هم الفقراء اليهود الساكنون في أورشليم. لكن لماذا يهتم الرسول بهم بشكل خاص؟ ألم يكن في كلّ مدينة فقراء؟ لماذا يطلب من الجميع الاهتمامَ بهم؟ الأمر ليس صدفة!
عندما كان رؤساء الكهنة اليهود يصرخون " ليس لنا ملكٌ إلاّ قيصر" ( يو 19 : 15 ) كانوا مضطرين لدفع الجزية لقيصر في حين كانوا يحاكمون الشعب بموجب قوانينهم الخاصة. رجموا استفانوس من دون محاكمة، قتلوا يعقوب أخا الرب من دون الرجوع إلى الرومان، صلبوا المسيح في حين برّره الحاكم الرومانيّ من التهم. سألوا مرّة يسوع " أيجدر إعطاء الجزية لقيصر أم لا؟" ( متى 22 : 17) فأجابهم يسوع بعد رؤية العملة " أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله " ( متى 22 : 21 ).
كلّ ذلك يدل على أن اليهود المسيحيين كابدوا عذابات جمّة أشدّ من عذابات المسيحيين في مدن أخرى، لأنه في أماكن أخرى كانت تجري المحاكمات من دون أن يذوق المسيحيوّن عذابات شديدة. يبدو أن مثل هذه العذابات كانت يجري في اليهودية بسماح من الرومان ضدّ الذين اعتنقوا الدينَ المسيحي. هكذا جلدوا بولس مراّت عديدة. يذكر الرسول نفسُه ذلك: " من اليهود خمس مراّت قبلتُ أربعين جلدةً إلاّ واحدة. ثلاث مراّت ضُربتُ بالعصي، مرّة رُجمتُ" ( 2كو 11 : 24 – 25 ).


Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:26 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
يكتب بولس أيضاً إلى العبرانيين
https://images.chjoy.com//uploads/im...9b3df10959.jpg




" ولكن تذكرّوا الأيامَ السالفة التي فيها بعدما أُنرتم صبرتم على مجاهدة آلام كثيرة. من جهة مشهورين بتعيرات وضيقات ومن جهة صائرين شركاءَ الذين تُصرّف فيهم هكذا. لأنكم رثيتم لقيودي أيضاً وقبلتم سلبَ أموالكم بفرح عالمين في أنفسكم أن لكم مالاً افضل في السماوات وباقياً " ( عب 10 : 32 – 34 ).
وعندما حثّ أهل تسالونيكي ذكر الفقراء اليهود:
" فإنكم أيها الأخوة صرتم متمثّلين بكنائس الله التي هي في اليهودية في المسيح يسوع لأنكم تألمّتم أنتم أيضاً من أهل عشيرتكم تلك الآلام عينها كما هم أيضاً من اليهود" ( 1تس 2 : 14 ).
إذاً اضطُهد المسيحيون اليهود2 أكثر من غيرهم. لذلك يذهب بولس إلى دعوة الإخوة من كلّ مكان لإعانتهم. نفهم بعد هذا كلّه كيف يحثّ هنا الكورنثيين على إعانة فقراء أورشليم القديّسين:
" أماّ من جهة الجمع لأجل القديّسين فكما أَوْصَيْتُ كنائسَ غلاطية هكذا افعلوا أنتم أيضاً" ( 1كور 16 : 1 ).

3 – لماذا يذكر كنائسَ غلاطية؟ لكي يتقبلوا النصيحة بحماس كبير وينافسوا أهلَ غلاطية في العطاء. ثم يقول: " في كلّ أوّل أسبوع ( أي كلّ نهار أحد ) ليضع كلُّ واحد منكم ما عنده، خازناً ما تيسّر حتى إذا جئتُ لا يكون جمعٌ حينئذ" ( 1كور 16 : 2). في مثل هذا اليوم يتوقّف المسيحي عن أشغاله فينصرف أكثر إلى عمل الخير. أنظر كم من الخيرات حصلتَ عليها في مثل هذا اليوم، يوم عيد تجديد مولد الطبيعة الإنسانية بأسرها، حين جُعل الإنسان لا يموت مع المسيح القائم من بيت الأموات. اليوم هو الوقت المناسب لا لتسكروا وترقصوا3، بل لدعم إخوتكم الفقراء المحتاجين، المعذّبين والقديّسين.
أقول ذلك كله لتعليمكم. هذه الأقوال لم تُعطَ فقط للكورنثيين بل لكلّ واحد منّا. فليخزّن كلّ واحد منّا ما تيسّر من المال في يوم الرب يوم الأحد من أجل الفقراء. ولتصر لكم عادةً متّبعة باستمرار وذلك على الرغم من كلّ الحاجات الضرورية.
الوصيّة تتوجّه ليس فقط إلى الأغنياء بل إلى الفقراء أيضاً إذ يقول: " ليضع كلّ واحد منكم" تتوجّه إذاً إلى الأحرار والعبيد، إلى الرجال والنساء. حتى ولو كنتَ فقيراً جداً لن تسبقَ تلك الأرملة التي أعطت ثروتها كلّها، ولا أرملة صرفت صيدا التي لم يمنعها فقرها من استضافة النبي.
لكن لماذا قال أيضاً " خازناً ما تيسّر " أي جامعاً شيئاً فشيئاً ما عنده حتى لا يخجل عند تقدمته إياّه. ولم يقل " جامعاً " بل "خازناً " كمثل كنز حتى تعلم أن هذه النفقة هي بمثابة كنز لأنه موردٌ ثمين وكنزٌ في السماء تقتنيه…

4 –فليكن كلّ بيت كنيسةً تحتوي على خزانة للفقراء، هذا يشكّل سلاحاً ضدّ الشياطين يحفظ البيت من الشرور أكثر من عدد كبير من الجنود.
وأضاف " ما تيسّر" لا من أجل الفقراء فحسب بل فائدة تذهب إلى المحسنين أنفسهم، خصوصاً عندما يُعطون بفرح. لأن الرسول يقول في مكان آخر: " كلّ واحد كما ينوي ليس عن حزن واضطرار. لأن المُعطي المسرور يُحبّه الله" ( 2كور 9 : 7 ).
الذي يودّ توزيع خيراته للفقراء فليفعل ببساطة مبعداً كلّ داعٍ للافتخار. من أئْتُمِنَ على عمل خيّر ليفعلْه بنشاط دون كسل " أماّ المُعطي فبسخاء" ( رو 12 : 8 ). أنت تُعطي بفرح فتأخذ أكثر مماّ تعطي. فأعطِ دائماً باهتمام، بحماس، بفرح باستعداد طيّب.
ينصح أوّلاً أن يكون العطاء من المدينة كلّها. والتقدمة ليست "للفقراء" بل " للقديّسين"، بالاشتراك مع أهل غلاطية والكنائس الأخرى. ليُجمع الكنزُ شيئاً فشيئاً حتى يُصبح عادةً، بحريّة وبمقدار استطاعة كلّ واحد. ويُضيف " ومتى حضرتُ فالذين تستحسنونهم أُرسلهم برسائل ليحملوا إحسانكم إلى أورشليم. وإن كان يستحق أن أذهب أنا أيضاً فسيذهبون معي" ( 1كور 16 : 3 – 4 ).
لاحظ التواضع والمحبّة الفائضة لأنه اقترح أن ينتخبوا هم المرسلين ليحملوا الإحسانات إلى أورشليم.

http://www.peregabriel.com/gm/albums...al_praying.JPG

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:27 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الإحسان نعمة إالهية

http://www.peregabriel.com/gm/albums..._psalms_23.jpg



لاحظ كيف أن الرسول بولس لم يستخدم كلمةَ "إحسان " éléimosini بل قال " نعمة "Charisمُبَيِّناً أنه، كما أن قيامة الأموات هي عمل النعمة الإلهية واخراجَ الشياطين وتطهيرَ البرص، كذلك مساعدة الفقراء هي أيضاً عمل النعمة الإلهية أكثر من أي عمل آخر. ومع ذلك فإن العمل هذا يحتاج إلى استعدادنا الخاص لكي نُصبح أهلاً لمثل هذه النعمة.
لقد عزاّهم الرسول بقوله " فالذين تستحسنونهم أُرسلهم برسائل ليحملوا إحسانكم إلى أورشليم" وأضاف " وإن كان يستحق أن أذهب انا أيضاً فسيذهبون معي" ( 1كور 16: 3- 4). لاحظ هنا حكمته: لم يرفض الذهاب معهم من جهة، كما لم يؤكّد على الذهاب معهم بل أسند ذلك إلى رأيهم واختيارهم، مُظهراً أنّه إن كانت المساعدات تستحقّ الذهاب معهم فسيكون مستعداً لذلك5. إنها تعزية بالنسبة لأهل كورنثس أن يعرفوا ان الرسولَ مستعدٌ للذهاب معهم، مماّ يزيد في حماسهم ناظرين أيضاً إلى ما يضيف الرسول من تضحية وبركة وصلوات إلى مثل هذه التقدمات.
فالتحق أنت أيضاً بهم واشترك في حماستهم في العطاء والتعزية. تفكرّ بالفلاّح كيف يبذر ويصرف من أمواله دون أن يتألم لذلك، بل يعتبر صرفَه نعمةً وربحاً على الرغم من أن النتيجة بعد غير ظاهرة. وأنتَ لا تصرف أموالك على الفقراء لكي تقتني ربحاً مادياً بل تُعطيها إلى المسيح نفسه من أجل إفادتك وتعزية. كان يمكن لله أن يُغدق الذهب على المحتاجين كلّهم لكنه لم يسمح بذلك. هذا ليعطيَك الفرصة لتساهم أنت وتتعزّى.
في الواقع العوزُ مدعاة للفضيلة أكثر من الاكتفاء والذين وقعوا في الخطايا يكسبون تعزيةً ليست بقليلة عن طريق إغاثة المحتاجين6. فقد أظهر الله اهتماماً كبيراً بهذا الموضوع حتى أنه عندما اتخذ جسداً وخالط البشر لم يُعرض عن الاهتمام بالفقراء. مع ذلك كلّه بعدما أطعم الجياع خبزاً بمجرّد أمره وكان باستطاعته أن يقدّم كنوزاً عديدةً، لم يقمْ بمثل هذا العمل بل أمر تلاميذه أن يهيئوا " قجَّة " ليحفظوا فيها الإحسانات من أجل إعانة الفقراء.
عندما تكلم الرب مع يهوذا بشأن التسليم ولم يفهم التلاميذ ماذا كان يقول، اعتقدوا أنه يتكلّم عن الفقراء " إذ كان الصندوق مع يهوذا وكان يحتفظ خفية بالأموال الموضوعة فيه ". إذاً يُعطي الرب أهميّة كبيرة لعمل الرحمة ليس فقط بداعي إحسانه لنا بل أيضاً وخاصّةً بداعي إحساننا لبعضنا بعضاً.
في العهد القديم كما في العهد الجديد وضع شرائع عديدة في هذا الشأن وأوصانا أن نكون محبيّن للفقراء بالقول والعمل. يشير موسى إلى ذلك في كثير من نواميسه ويصرخ الأنبياء قائلين باسم الله:
" إنّي أريد رحمةً لا ذبيحة ومعرفةَ الله أكثر من محرقات" (هوشع 6 : 6 ). والأمر نفسه يقوله الرسلُ كلّهم ويفعلونه، ويفيدون أوّلاً أنفسَهم آخذين من إحسانهم أكثر مماّ يُعطون.


Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:28 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
أعط ولا تدين

https://images.chjoy.com//uploads/im...66a4b2c7e9.jpg



لا أقول هذا كلّه بدون سبب: في كثير من الأحيان، وقبل أن نُعطي الفقراء، نبحث في تفاصيل حياتهم، في عملهم وصحتهم ونتهمهم بالكسل والبطالة، لذلك يحتمي بعض الفقراء بمظهر عاهةٍ جسدية ليهربوا من عدم انسانيتنا وقساوتنا باتخاذهم مثل هذه المظاهر. إن كنت تدينهم في أوان الصيف فهذا محتمل. أماّ أن تكون دياّناً وعديمَ الإنسانية في أوان البرد والشتاء حاكماً عليهم لأنهم بطاّلون فهذا تعبير عن قساوة كبيرة. أنت تستند إلى قول الرسول:
" إن كان أحدٌ لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً" ( 2تسا3: 10 ). قالها بولس لكي تسمعها أنت أيضاً ولا تدين أخاك بسببها بل تدين نفسَك. إن نواميس بولس توضَعْ من أجل الفقراء بل أيضاً من أجلنا كلّنا. وأقول لك كلمة اخرى ولو ثقيلة عليك:
نحن ندين هؤلاء الفقراء لأنهم عاطلون عن العمل مماّ يدعو في كثير من الأحيان إلى الغفران. أماّ نحن فنقوم بأعمال بطاّلة أسوأ بكثير. تقول إن لي ثروة أبويّة. قلْ لي ألأنّ ذاك فقيرٌ وينحدر من عائلة فقيرة فهو يستحق الفقرَ والعوزَ؟! إنه بحاجة بالأحرى إلى مساعدة الأغنياء. أنت تُمضي أوقاتك في الترف وتدين وتحسب أنك لا تفعل شيئاً ضاراً؟ هو يتجوّل ليلاً نهاراً بشقاء ودموع وأنت تدينه؟ أهذا المنطق إنساني؟ لذا أقول إن كلام الرسول يتوجّه ليس فقط إلى الفقراء بل إليك أنت أيضاً. فلا تَعْتَد الإدعاء والحكم بل أيضاً الغفران والرحمة لأن الرسول بعد أن قال: " إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً" أضاف : " أماّ أنتم أيها الاخوة فلا تفشلوا في عمل الخير" ( 2تسا 3 : 13 ).
وماذا بعد؟ تقولون إن أولئك الفقراء بطالون، غرباء، أشقياء، غادروا وطنهم ليأتوا مدينتنا ويتسوّلوا. قلْ لي ألهذا أنت تحزن وتضطرب؟ كان عليك أن تفرح لأنهم يأتون إليك ويتجوّلون في مدينتك. لماذا تهرب من إسداء المديح لمدينتك وتساهم في إبطال تقليدها العريق في الضيافة والإحسان؟ ألا تذكر الجوع الذي طرأ على أورشليم ونواحيها فاضطرَّ المؤمنون لإرسال المعونات إليها عن طريق برنابا وبولس؟ بِمَ نجيب الذين يذكرّوننا بأجدادنا الذين صرفوا من أموالهم لإغاثة أخوتهم الساكنين بعيداً؟ ونحن لا نُعطي شيئاً للاّجئين إلينا. نطردهم وندينهم في حين لا نقلّ عنهم شراً وخطيئة.
إن كان الله يفحص حياتنا كما نفحص حياة الفقراء المعوزين فلن نكسب منه أيَّ رحمة. " لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تُدانون" ( متى 7 : 2 ). عليك إذاً أن ترحم أخاك وتغفر له خطاياه لتحظى أنت أيضاً بالرحمة والغفران.
لماذا تبحث في التفاصيل وتضيف على نفسك الهموم؟ قلْ بالأحرى مع الرب: " صلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكي تكونوا أبناءَ أبيكم الذي في السماوات. فإنه يُشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويُمطر على الأبرار والظالمين " ( متى 5 : 44 – 45 ).
الربّ يحسن إلى الجميع من دون أن يفحص خطاياهم، مبرهناً بذلك عن محبّته للبشر من غير تمييز بين الصدّيقين والخطأة. ألا تشبّه به إذاً في أوان الرحمة والإحسان. ساعد الفقراء وأرحهم من عوزهم وجوعهم. حرّرهم من حزنهم ولا تبحث عمّا عدا ذلك. إن كان علينا أن ندقّق في حياة البشر فلن نغيثَ أحداً.
أرجوكم أن تبتعدوا عن مثل هذا الفضول إزاءَ الآخرين وتقبلوا على العطاء بسخاء وشجاعة لكي تحظوا أنتم أيضاً بمحبّه الرب يسوع الذي يليق له المجد والإكرام مع الآب والروح إلى الدهر. آمين.

عن كتاب: "في محبّة الفقراء من أقوال القديسين" للأب افرام كرياكوس

كلمة السيّد واضحة: خدمة الفقير هي خدمة يسوع المسيح. لا نزردين به إذا رأيناه محزوناً من البرد والعراء. يتراءى لنا دائماً محزوناً من البرد والعراء. يتراءى لنا دائماً في الساحات، في الطرق العامة، على مدخل الكنائس، في كل مكان. في كل ساعة من النهار يمكن لنا أن نكون كهنة ليسوع المسيح حتى كعلمانيين. ومذبحنا ما هو؟ هو يد الفقير المذبح المقدّس، قدس الأقداس. والضحية؟ هي عطيتنا التي سوف تصعد كرائحة زكية نحو السماء. سوف يتقبّل الله منا ذبيحة التسبيح لا بإشعال ضحية فعلّة بل بعبادة داخلية صادرة عن قلب تقيّ. (عظة 2 كور 20).

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:28 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الافخارستيا والفقراء

https://images.chjoy.com//uploads/im...bdf8e04906.jpg


أتريد أن تكرّم جسدَ المسيح لا تزدري به وهو عريان. لأن الذي قال: "هذا هو جسدي" قال أيضاً: "رأيتموني جائعاً ولم تطعموني". ماذا ينفع أن تكون مائدة السيد مزيّنة بالكؤوس الذهبية بينما يموت الأخ جوعاً؟ كل من يمارس الإحسان يمارس وظيفة كهنوتية. مذبح المسيح هو مؤلف من أعضائه الخاصة فكرّمها لأنها أثمن من المذبح الحجري حيث تقيم الذبيحة. هذا المذبح تلقاه في كل مكان في كل ساعة يمكنك أن تقيم عليه الذبيحة الليتورجية. (عظة متى 51: 4)
لا تقولوا لي: عددهم صغير أولئك الذين انفصلوا عن القطيع (ابتعدوا عن الكنيسة). حتى ولو كانوا عشرة يكونون خسارة لنا. إن كانوا 5، 2 أو حتى واحد، لقد ترك الراعي الصالح الـ 99 خروفاً وذهب للبحث عن الخروف الضال ولم يَعد قبل إيجاده (متى 18: 12).
لا تقولوا لي لا يوجد إلا مرتّد واحد تذكّروا أنه نفسٌ وأن الله قد صنع كل شيء منظور من أجله هو: القوانين العقوبات، العظائم، العجائب التي صنعها السيّد كلّها وجدت من اجل نفس واحدة. من أجلها لم يوفّر الله ابنه الوحيد.
تذكروا الثمن الكبير الذي مُنح من أجل تلك النفس. فلن تزدروا إذ ذاك بخلاصها"

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:39 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
عجيبة هي المحبة لغة الملائكة ويصعب على اللفظ ترجمتها

http://www.peregabriel.com/gm/albums...normal_010.jpg

+ المحبة ليست هي موهبة في جزء تشرق ، وفي جزء آخر تختفي ،
بل إنها تغيير عجيب يحدث في النفس والجسد كلاهما معاً ، ويوحدهما بعضهما ببعض بذلك المحبوب يسوع . + عجيبة هي أيضاً المحبة التي هي لغة الملائكة ويصعب على اللفظ ترجمتها .
المحبة اسم الله الكريم ، من يستطيع أن يفحصها أو يحدها.



( الشيخ الروحاني - القديس يوحنا سابا )

+ ليس شيئاً من النطق يستطيع أن يحد لجة محبتك للبشر. خلقتني إنساناً كمحب البشر، ولم تكن أنت محتاجاً إلى عبوديتي، بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك.





( القديس أغريغوريوس الثيؤلوغوس - الناطق بالإلهيات )



+ من شاء أن يتكلم عن محبة الله ، فهو يبرهن على جهلة، لأن الحديث عن هذه المحبة الإلهية غير ممكن البتة.

( الشيخ الروحاني - القديس يوحنا سابا )


Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:48 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
ألوهيّة المسيح
الأب جان بول اليسوعي
إنّ موضوع ألوهيّة المسيح وما قاله هو عن نفسه في هذا المضمار, يمكن أن نبدأ في التثبّت من حقيقته بالعودة إلى ما أدلى به الأنبياء الذين بشّروا بمجيئه على مدى أجيال طويلة, قبل أن "يحلّ ملء الزمن" ويتجسّد ويولد في بيت لحم اليهوديّة.
فمن الواضح أنّ تلك النبوءات هي أكبر من أن يفوه بها إنسان من عنده, وفيها بُعدٌ روحيّ حقيقيّ. فلا بدّ وأنّ مصدرها روح الله وهي أتت لتسبق كلام المسيح وأعماله, وتؤكد أنّها من لدن الله صدرت. وفوق هذا التأكيد النبويّ فالمسيح نفسه كان يردّد أنّه ابن الله ومشابهٌ للآب, ويثبت تلك الأقوال بالعجائب. فالأعجوبة الحقيقيّة هي علامة جليّة لتدخّل الله المباشر في أمور الناس. وعندما تأتي الأعجوبة استجابة لطلبه, يُصبح من المنطق أن تُحسب وكأنّها علامة رضى عنه من لدن الله. ومن المعروف أنّ الله لا يتدخّل لإحداث أمر ما فيه شرّ أو هو مبنيّ على خطأ. ومن المنطق أيضاً ألا يضع الله قدرته الفائقة في متناول يد إنسان لا يصدق في كلامه.

وحياة يسوع مليئة بالأحداث التي تُظهر من خلالها تلك القوّة. فهكذا أوجز القدّيس مرقس أعماله في الجليل بقوله: "فانصرف يسوع إلى البحر ومعه تلاميذه, وتبعه حشدُ كبير من الجليل, وجمع كثير من اليهوديّة, ومن أورشليم وأدوم وعبر الأردنّ ونواحي صور وصيدا, وقد سمعوا بما يصنع, فجاؤوا إليه. أمر تلاميذه بأن يجعلوا له زورقاً يلازمه, مخافة أن يضايقه الجمع, لأنّه شفى كثيرا من الناس, حتّى أصبح كلّ من به علّة يتهافت عليه ليلمسه. وكانت الأرواح النجسة, إذا رأته, ترتمي على قدميه وتصيح: "أنت ابن الله!", فكان ينهاها بشدّة عن كشف أمره".

ولكن بين كلّ ما قام به المسيح ليُبرهن للناس أنّه ابن الله, تبقى الأعجوبة الأبرز قيامته من بين الأموات. فلأعاجيب المسيح وجهان:
وجه يُظهِرُ ما في قلبه من عطف على المريض والمتألّم, وآخر يشير إلى القدرة الفائقة على الإيمان بالله. وما من شكّ في أنّ الأعاجيبب تشكّل قوّة برهان حقيقيّة.
يخبرنا القدّيس متّى في إنجيله عن رجل اسمه يوحنّا أتى ليمهّد الطريق للمسيح. طرحه هيرودس الملك في السجن لأنّه تجاسر وقال له إنّه لا يحلّ له أن يأخذ امرأة أخيه.
ومن سجنه سمع يوحنّا يوماً أنّ إنساناً يجوب المنطقة يجترح العجائب ويُعلّم كمَن له سلطان, ويقول عن نفسه انّه المسيح ابن الله.
فشعر يوحنّا في عمق نفسه بشيء من البهجة التي دفعته كي يهمس في أذن أحد تلاميذه كان قد أتى لزيارته, طالباً إليه أن يقصد ذاك الإنسان ليسأله عن حقيقة ما سمعه يوحنّا.
كان يجول في بال يوحنّا السؤال نفسه الذي يجول ببالك وببالي عن ذاك الإنسان. أتراه المسيح المُخلّص أم لا ؟

وفي حين كان يسوع يتنقّل في قرى الجليل يُعلّم ويشفي, إذا بذاك التلميذ الذي أرسله يوحنّا يستوقفه مع بعض من رفاقه ويقول له بكلّ صراحة: لقد أرسلنا يوحنّا لنسألك هل أنت الآتي أم ننتظر آخر؟ السؤال كبير وأساسيّ, وما كان من الممكن أن يأتي الجواب عنه بنَعم أم لا. فذاك الشخص القابع في غرفة مظلمة من سجن هيرودس كان ينتظر أكثر من ذلك, تماماً كما ننتظر أنتَ وأنا.

كان يوحنّا على علم واسع بنبوءات العهد القديم, وكان يدرك أهميّتها جيّدا, كما انّه يعرف إذا كان ذلك الشخص حقاً ابن الله والمسيح المخلّص, لا بدّ وأن تحتوي إجابته على شيء من البرهان عن حقيقة كيانه, وهو لن يكتفي بإجابة بسيطة غير معلّلة.

هنالك من يقول بأنّ يوحنّا المعمدان كان يُدرك تماماً أنّ ذاك الشخص هو المسيح الذي سبق وعمّده في نهر الأردنّ. ولكنّ السؤال الكبير الذي طرحه عليه كان فيه بعض استدراج للإجابة عن سؤالك أنتَ وسؤالي عن هويّة ذاك المُعلّم والشافي. ومنهم مَن قال أيضاً انّه لو لم يُدرك يوحنّا أنّ ذلك هو المسيح, لما أمكنه تحمّل مشقّات السجن وآلامه.

وهكذا أتت إجابة يسوع عن هويّته ورسالته تماماً كما توقّعها يوحنّا وكما يتمنّاها كلّ متسائل, فقال لهم: "إذهبوا واخبروا يوحنّا بما رأيتم وسمعتم: العميان يُبصرون, والعُرج يمشون, والصّم يسمعون, والبُرص يُطَهّرون, والمساكين يُبَشّرون... وطوبى لِمن لا يشكّ فيّ ".

إنّ ما يكمن في هذه الإجابة من معان, وفي عجائب المسيح من قوّة وسُلطة على الطبيعة وقوانينها, يُشير إلى أنّ في هذا الشخص ما هو فوق البشر. وبما أنّه يقول عن نفسه انّه الله, فمن حقّنا أن ننتظر أن يقوم بما يوحي بأنّ له قُدرة فائقة. وما الأعاجيب إلاّ من صُنع الله أو من صُنع مَن يعمل باسم الله.

كلّ شيء في الطبيعة يعمل بحسب قواعد معروفة ومقبولة مِن كلّ مَن يتفحّصها بطريقة علميّة. ومِن دون تلك القواعد فلا الأطبّاء يمكنهم معالجة مريض, وما من مهندس يستطيع أن يبني بيتاُ أو يُعبّد طريقاً, ولا يبقى لأستاذ ما يُعلّمه لطلاّبه.

نحن البشر نبدأ في التعرّف على تلك القواعد والقوانين منذ ولادتنا. فوراء الصرخة الأولى التي يُطلقها الطفل قاعدة, وعندما يقع الطفل أو تسقط من يده لعبته يتعلّم أمثولة جديدة. وعندما يكبر وتتكرّر تلك الأمور يُدرك أنّ هذا النهج أصبح ثابتاً وغدا بمثابة قاعدة طبيعيّة.

يرفع الطفل طرفه نحو النجوم ويُسائل نفسه ما الذي يُبقي على كتلات النار تلك معلّقة حيث هي. ولِمَ لا تقع الشمس ويهبط القمر على الأرض؟ وما ينتهي الطفل إلى قبوله وكأنّه أمر طبيعيّ إنّما هو في الواقع كناية عن مجموعة من القوانين أو القواعد الثابتة.

وليس من حاجة إلى محاكم للتأكد من تطبيق تلك القوانين, فهي لا تُخطئ أبداً, ولا نتساءل نحن في شأنها إلاّ عندما نرى فجأة ميتاً يستفيق أو أعمى يعود إليه نظره, أو مقعداً ينهض لِتوّه ويمشي, أو أصمّ يستعيد سمعه... إنّ فهم مثل هذه الخوارق للقوانين الطبيعيّة يستحيل علينا فهمها. ولكنّه ليس بالصعب أن نعرف مصدرها.

إنّ مخترع المُحرّك الكهربائيّ وضع له قوانينه. وقوانين المجرّات في الفلك وضعها أيضاً خالقها... وهكذا يعود بناء المنطق بصمت إلى الخالق, ونجد أنفسنا على أقدام الله, الله الذي خلق السموات والأرض والكون بأسره, وهو يُدرك ما في قلب الإنسان وعقله, وما يكمن في عمق نفسه...

وعندما نشهد بأمّ العين خرقاً واضحاً وحقيقيّاً لتلكَ القوانين, نُدرك, بما لا يقبل الشّك, أنّنا أمام قدرة تفوق الطبيعة لا بدّ وأن يكون مصدرها إمّا روح ملاك وإمّا روح شرّير, وإمّا الله تعالى ذاته.

بيد أنّه ما من روح ملاك, مهما علا شأنها, أو روح شرّ مهما اشتدّ عزمها, إلا وتستمدّ هي أيضاً قوّتها من قدرة باريها. أمّا الملاك فهو دوماً في توقٍ إلى أن يعمل عمل الله ويُمجّد خالقه ومنبع قدرته.
أمّا روح الشّر فيبحث كيف يُحقّق إرادته هو ويعمل ما يخدم أهداف أنانيته. فبإمكانه أن يلج إنساناً بثوب حمل, ولكن سُرعان ما يظهر مكره فتتبدّد الوعود لتحلّ مكانها الخيبة في النفس ويعمّ الضياع.

وقد يقود ذلك الروح إنساناً إلى علوّ جبل ويوهمه بأنّ العالم كلّه مطروح على قدميه إذا ما انساق هو إلى مشيئته... ولكن مهما بلغت قوّة الشّرير أو عَظُمت قدرة احتياله, يبقى السؤال مطروحاً أمامنا عندما نرى الأصمّ يسمع, والأعمى يبصر, والمُقعد ينتصب ويمشي: هل من المعقول أن يكون ذلك من صنع الشّرير؟ وهل هنالك من شكّ في أنّ روح الله وحده هو الذي يمكنه أن يشرق مثل هذا النور في حياة إنسان معذّب ؟

يبدو الجواب عن هذا السؤال واضحاً: عندما يعود النور إلى عيون أعمى, وتتسرّب أنغام الموسيقى العذبة مُجدّداً إلى آذان صمّاء, أو تعود الروح فجأة إلى جسم مائت, فذلك لأنّ أحداً توسّل إلى الله من أجل أولئك المرضى.
آنذاك تبدأ الأسرار تتبدّد وغامض الأمور يتّضح. فهل يُعقل ألاّ يستجيب الله المُحِبّ دُعاء محبّيه, وأن يسمح لروح الشر بأن يحتال إلى حدّ اجتراح أعمال الخير وهو لا خير فيه ؟ إنّ في ذلك من التناقض ما لا يُمكن أن يُنسب إلى الله.

وممّا يُساعد على استيضاح طبيعة الأعاجيب والمعجزات, النظر عن كثب في ما يحيط بها من وقائع, وما يكتنف حدوثها من ظروف. فما يسبق الأعجوبة وما ينتج منها إنّما هو دائماً أمر حسن. في الأعجوبة خير في البداية وأثناءها كما في النهاية.

لقد قيل سابقاً: إنّ ظروف الأحداث توضح دائماً حقيقتها. وبخصوص ما نحن في صدده, فما من شكّ في أنّ روح القداسة تُخيّم في الأجواء, لأنّ البداية ليست سوى تضرّع صادق ومُحبّ إلى الله القدير المُحبّ. لذا فنحن على يقين من أنّ يدُ الله هي التي تجترح تلك الأعمال الخارقة الطبيعة التي نشهد.

ولكن إذا ما أحاطت بالأعمال ظروف غامضة وخيّمت عليها غيوم الغشّ والأنانيّة, فيد الله ليست فيها, ولا يمكنها أن تكون من صنعه. فعمل الشّر من الشّرير.
لذلك عندما أراد اليهود أن ينسبوا الشّر إلى المسيح, قالوا انّه بِبعل زبول يجترح العجائب: فوجد المسيح نفسه مضطّراً إلى أن يقول لهم بكثير من التّحدّي: "من منكم يمكنه أن ينسب إليّ الشّر, أو يشكوني بخطيئة ؟".

ما من أحد عبر التاريخ اتّهم يسوع بالفساد. قد أنكره بعضهم, وبعضهم الآخر رأى أنّه على شيء من السذاجة, إذ انّه كان يُنادي بِحُبّ الأعداء ويؤاكل العشّارين ويتقرّب من الخطأة... ولكنّ سؤاله يبقى مدوّياً في الآذان: مَن منكم يمكنه أن يشكوني بِشرّ أو ينسب إليّ خطيئة ؟

عندما يتمكّن إنسان, بكلمة ما من فيه, أن يُقيم ميتاً, أو بلمسة من يده أن يفتح عينيّ الأعمى ويطهّر الأبرص من مرضه, فهنالك موقف سليم واحد يُمكن للإنسان العاقل أن يتّخذه, ألا وهو أنّ ما يحدث إنما بقوّة من الله.

عندما عاد تلاميذ يوحنّا إليه بما سمعوا وشاهدوا, ما تردّد لحظة في استنتاج الحقيقة من ذلك, ألا وهي أنّ يسوع هو المسيح المخلّص وهو ابن الله المتجسّد.
لن يوازي وقع الكلمات يوماً قوّة الأعمال. فقد أدرك المسيح ذلك كما نعيه نحن أيضاً, وكما يعرفه جيّداً صاحب متجر الزهور الذي يريدك دائماً أن تستعيض عن الكلمات بالأزهار.

لذلك أتت حياة يسوع الناصريّ مليئة بالأعمال ولا سيّما المُدهشة منها. فقُدرة الله بدت جليّة فيها, ويسوع الذي كان "يعمل أعمال أبيه" غدا أسطع صورة لحضور الله الفاعل في الكون.

وهكذا ظهر هو للكون إلهاً مُتجسّداً كلّيّ القدرة, وتجلّى ذلك حيث توقّعه الناس وحيث لم ينتظروه. فهنا ماء يتحوّل خمراً, وهناك أبرص يطهر, وهنالك شبكة فارغة تعجّ فجأة بالسمك الكبير... وهاك إنسان يمشي على الماء وخمس خبزات وسمكتان تطعمان الجموع الغفيرة... وتينة تيبس لساعتها, وشابّ ينفض عنه أكفان الموت ويقوم حيّاً.

هذه المعجزات لا تكوّن لائحة كاملة لما افتعله يسوع, وهي ليست ببرهان على قُدرة الله التي فيه فحسب, بل هي أيضاً بمثابة حافز لي ولك لكي نولي ثقة عمياء بالإله مصدر ذلك الحبّ الذي يُترجم قُدرة فائقة تشفي كلّ مرض وتُبدّد كلّ خوف.

يأوي كلّ منّا إلى فراشه وفي جعبته جمّ من الهموم تشاطره المرقد وتستيقظ معه ثانية في الصباح التالي.
ولن تنفكّ تنخُرُ منه العقل والقلب إلى أن يعي أنّه وتلكَ الهموم في يد الله الأمينة, وفي كنف رحمته اللامتناهية, وأنّ تلك اليد ستنبسط فوق همومه تماماً كما ارتفعت فوق عاصفة البحيرة فسكّنتها, ولامست قروح أبرص كفرناحوم فطهّرته.

ولكنّ ذلك يبقى مشروطاً في أن يتذكّر كلّ منّا كلام القدّيس بطرس في رسالته الأولى أن "ألقوا عليه جميع همّكم فإنّه يُعنى بكم", وأن نصغي إلى يسوع نفسه يدعو كلّ مُتعبٍ بيننا, ومَن أنهكه ثقل الأحمال أن يأتوا إليه وهو يريحهم.
إنّه لا ينفكّ يقرع بابك وبابي كلّ يوم, فهلاّ مكّنتنا ثقتنا به من أن نسمع صوته ونفتح الباب فيدخل "ويتعشّى معنا ونتعشّى معه", فيكسبنا غذاؤه نعمة جديدة تمكّننا من أن نواجه بكلّ ثقة وفرح هموم الدنيا ومتاعبها كافّة!

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:53 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
عماد يسوع



https://st-takla.org/Pix/Jesus-Christ...Baptism-03.jpg



معمودية يوحنا المعمدان
( لوقا 3 / 15- 23 )
يوم العماد (الغطاس) يسمى عيد الظهور الإلهي، ففيه ظهر الثالوث القدوس، صوت الآب من السماء، والابن في الماء، والروح القدس على شكل حمامة يحل على المسيح. وهناك سؤال.. لماذا ظهر الثالوث يوم عماد المسيح بالذات، ولم يظهر مثلاً يوم التجلي؟
قال الله لنخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا، إذاً .. الخلق هو عمل الثالوث إذ يقول نخلق.. صورتنا.. كشبهنا.. أي بصيغة الجمع.
فالآب يريد والابن يخلق، فبه كان كل شئ، والروح يعطي حياة لهذا المخلوق (حز10:37).
ويوم العماد هو يوم تأسيس سر المعمودية الذي به نخلق خليقة جديدة بعد أن فسدت خليقتنا الأولى بالخطية. وكما كانت الخلقة الأولى هي عمل الثالوث القدوس، هكذا الخليقة الثانية هي عمل الثالوث القدوس، لذلك ظهر الثالوث القدوس يوم المعمودية. فالآب يريد أن الجميع يخلصون (1تي4:2). والابن يغطس في الماء إعلاناً قبوله الموت عن البشر، وهذا هو الفداء المزمع أن يقدمه على الصليب. ثم يخرج من الماء إعلاناً عن أنه لن يظل ميتاً في القبر، بل سيقوم ويقيمنا معه متحدين به (رو3:6-5). والروح القدس يحل على جسد المسيح. وجسد المسيح هو كنيسته. والروح القدس سيقوم بعد ذلك مع كل معمد بجعله يموت مع المسيح ويقوم مع المسيح من موت الخطية. نقوم مع المسيح ثابتين في المسيح كخليقة جديدة (2كو17:5) وهذه الخليقة الجديدة يفرح بها الآب. وفرحة الآب هذه ظهرت في قوله "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" . قال هذا يوم العماد ولم يكمل "له اسمعوا" كما قال يوم التجلي فاليوم هو يوم فرحة الآب برجوع ابنه الضال (أي الكنيسة) إلى أحضانه.
حقاً الآب فرح بطاعة المسيح الذي أطاع حتى الموت موت الصليب، لكنه فرح أيضاً برجوعنا إليه. لذلك قال المسيح ينبغي لنا أن نكمل كل بر. وهذا يعني أن آدم يوم خلق كان هناك شيئاً ينقصه.. وما هو؟ لو أخطأ آدم يموت وينتهي بالانفصال عن الله، فلا شركة للنور مع الظلمة. لكن اليوم رسم السيد المسيح طريقة غفران الخطية وتبرير آدم ليعود للأحضان الإلهية، وبهذا فرح الآب، فلقد أصبح طريق تبرير الإنسان كاملاً، لذلك قال المسيح على الصليب "قد أكمل" فنحن كنا عاجزين عن البر، فجاء المسيح ليعطينا فيه أن نتبرر.
ما حدث يمكن تشبيهه بأنه بدون اختراع الأستيكة كان إذا حدث أي خطأ في ورقة نقوم بتمزيقها وإلقائها أما بعد اختراع الأستيكة صرنا نمحو الخطأ ،ويمكن استخدام الورقة ثانية.
إذاً المعمودية هي:
1) موت مع المسيح: ومن مات معه تغفر جميع خطاياه السابقة.
2) قيامة مع المسيح: نقوم متحدين به، وهذا يعطينا أن نحيا بحياته.وهذا ما قاله بولس الرسول "لي الحياة هي المسيح" (في21:1)" + "المسيح يحيا فيّ" (غل20:2) ولأن المسيح يحيا فينا كمل كل بر.
https://st-takla.org/Pix/Jesus-Christ...Baptism-08.jpg
آية (15): "وإذ كان الشعب ينتظر والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح."
كان زهد يوحنا وقوة كلماته سبباً في أن يظنه الناس أنه هو المسيا المنتظر.
الآيات (16-18): "أجاب يوحنا الجميع قائلاً أنا أعمدكم بماء ولكن يأتي من هو أقوى مني الذي لست أهلاً أن احل سيور حذائه هو سيعمدكم بالروح القدس ونار. الذي رفشه في يده وسينقي بيدره ويجمع القمح إلى مخزنه وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ. وبأشياء آخر كثيرة كان يعظ الشعب ويبشرهم."
كانت الكلمات السابقة عينة فقط لما وعظ به يوحنا من توبيخ مع بث روح الرجاء.
الآيات (19،20): "أما هيرودس رئيس الربع فإذ توبخ منه لسبب هيروديا امرأة فيلبس أخيه ولسبب جميع الشرور التي كان هيرودس يفعلها. زاد هذا أيضاً على الجميع انه حبس يوحنا في السجن."
لم تكن عظات يوحنا قاصرة على الشعب بل امتد توبيخه للملك هيرودس الذي كان متزوجاً من ابنة الحارث الملك العربي، فترك زوجته الشرعية وهجرها وأراد أن يتزوج بامرأة أخيه فيلبس هيروديا الجميلة في حياة فيلبس أخيه. فقاومه يوحنا معترضاً على هذا فسجنه. وهيروديا كانت هي أيضاً قد هجرت فيلبس. وكان هيرودس هذا شريراً ردئ السمعة، وهو المشهور بأنتيباس.
وصار سجن هيرودس ليوحنا المعمدان لإسكات صوت الحق، هو رمزاً لمحاولات اليهود تقييد الكلمة النبوية التي تشهد للمسيح.
آية (21): "ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً وإذ كان يصلي انفتحت السماء."ونَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ القُدُسُ في صُورَةٍ جَسَديَّةٍ مِثْلِ حَمَامَة، وجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُول: «أَنْتَ هُوَ ٱبْنِي الحَبِيب، بِكَ رَضِيت»
http://www.kobayat.org/data/document...6jan2009-1.jpg

ولما اعتمد .. .. .. اعتمد يسوع أيضاً= لماذا اعتمد يسوع؟
1- هو الذي عمد الماء أي قدَّسه لنعتمد نحن بالماء والروح بعد ذلك.
2- هو اعتمد نيابة عنا، وقبل الروح بعد ذلك ليحدث لنا نفس الشئ، ففي المعمودية نموت مع المسيح ونقوم معه فنصبح مستعدين لحلول الروح القدس فينا.
3- كان عماد المسيح عمل اتضاع ووداعة منه.
4- كان تكريساً لذاته للعمل (بالمعمودية) فنزول المسيح إلى الماء وتغطيسه فيه (كما نزل يونان إلى عمق الماء) كان إشارة لقبوله الموت (وكما عبر يشوع ماء الأردن مع الشعب ليدخلوا لكنعان الأرضية فالمسيح عبر معنا الموت لندخل معه كنعان السماوية، وكان قبول المسيح للمعمودية هو قبول للموت ونحن نموت معه في المعمودية ليدخلنا معه بقيامته وقيامتنا معه في المعمودية للأمجاد السماوية). كما كان عبور شعب إسرائيل لنهر الأردن المشقوق، إشارة لعبورنا إلى كنعان السماوية بالموت. وكان شق نهر الأردن وتوقف سريانه إشارة لأننا بالمعمودية نجتاز الموت دون أن يكون للموت سلطان علينا، بل بالموت نعبر إلى الحياة، وذلك لأن المسيح رأسنا قد خرج من الأردن رمزاً لقيامته وليقيمنا معه.
وتبع معمودية المسيح وتكريسه لذاته، تكريس الآب له للعمل بحلول الروح القدس عليه فمسحه وصار اسمه المسيح أي الممسوح أي المخصص والمكرس لعمل الفداء.
https://st-takla.org/Pix/Jesus-Christ...f-Jesus-29.jpg

إذ كان يصلي= الصلاة هنا هي إشارة للصلة التي بينه وبين الآب، وهذه الصلة كانت هي السبب في إنفتاح السماء وظهور الأقانيم الثلاثة كمنفصلين ولكنهم في الحقيقة هم واحد. وظهورهم كمنفصلين كان لنفهم أن هناك تمايزاً في الأقانيم، ولكنهم بالحقيقة ثالوث غير منفصل.
لا يقبل بأي حال من الأحوال أن نفهم أن الروح القدس حلَّ على المسيح لأنه لم يكن فيه الروح سابقاً فامتلأ من الروح القدس في المعمودية، لأن المسيح مولود بالروح القدس، وملء الروح القدس لم يفارقه لحظة واحدة ولا طرفة عين كونه هو الإله ابن الله الذي أخذ ناسوته من العذراء "لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين.. القداس الباسيلي" ولكننا نفهم أن ما حدث هو أن الروح القدس حل على البشرية التي يحملها المسيح كما هو حال فيه أصلاً، فكان حلوله على المسيح كالمثيل على المثيل. ونفهم ما جاء في (لو1:4) "أن يسوع رجع من الأردن ممتلئاً من الروح القدس" أن هذا إشارة إلى امتلاء البشرية التي فيه، أما المسيح لم يوجد قط لا قبل الميلاد ولا بعد الميلاد بدون ملء الروح القدس.
وإذا أخذنا معمودية المسيح بتغطيسه في الماء ثم خروجه منه نفهم هذا أنه إعلان المسيح لقبوله الموت، ثم القيامة، التي بعدها سيحل الروح القدس على كل معمد مؤمن. لأن المعمودية هي موت ودفن مع المسيح وقيامة معه (رو3:6-5)
آية (23): "ولما أبتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي."
نحو ثلاثين سنة= هي السن التي ملك فيها داود ويوسف وهي السن التي يبدأ فيها الكاهن عمله فالمسيح ملك وكاهن

http://www.aleftoday.info/images/sto...AD_samer_1.jpg
تعليق على الإنجيل
القدّيس مَكسيمُس الطورينيّ (؟ - حوالى 420)، أسقف
العظة 88 .
"يأتي مَن هو أقوى منّي"

عندما كان يوحنّا يتكلّم في أيّامه مُعلنًا الربّ، لم يكن يتوجّه بكلامه الى الفرّيسيّين فقط بقوله: "أعدّوا طريق الربّ واجعلوا سُبُله قويمة" (متى3: 3). فهو لا يزال اليوم يصرخ فينا، يهزّ دويّ صوته صحراء خطايانا. حتّى وفيما هو تلفّه غفوة الإستشهاد ما زال صوته مدوّيًا اليوم فينا قائلا: "أعدّوا طريق الربّ واجعلوا سُبُله قويمة".
بذلك أوصى يوحنّا المعمدان بإعداد طريق الربّ. فما هي، يا ترى، الطريق التي أعدّها للمخلّص. من أوّلها إلى آخرها، رسمها ونظّمها بأفضل الوسائل من أجل مجيء المسيح، لأنّه كان في كلّ لحظة، بسيطًا، ومتواضعًا، ومتقشّفًا ونقيًّا. قال الإنجيلي واصفًا فضائله كلّها: "وكان على يوحنّا هذا لباس من وبر الإبل، وحول وسطه زنّار من جلد. وكان طعامه الجراد والعسل البري" (متى3: 4). أي علامة للتواضع لدى نبيّ أكبر من احتقار الملابس الناعمة لإرتداء الوبر الخشن؟ أي علامة للإيمان أعمق من أن يكون المرء دائم الجهوزيّة للخدمة، وزنّاره حول وسطه؟ هل هناك علامة عن العفّة أكثر إشعاعًا من التخلّي عن ملذّات الحياة ليكون الطعام جرادًا وعسلاً بريًّا؟ كلّ تصرّفات النبيّ تلك كانت برأيي نبويّة بحدّ ذاتها. عندما يرتدي رسول المسيح ملابس خشنة من وبر الإبل، ألا يعني هذا ببساطة أنّ المسيح بمجيئه، سوف يلبس جسدنا البشري، بنسيجه القاسي والخشن من جرّاء خطايا هذا الجسد بالذات؟ إنّ حزام الجلد يعني أنّ جسدنا الضعيف، المائل قبل مجيء المسيح نحو الرذيلة، سوف يقوده هو نحو الفضيلة
http://bertsermind.com/Bertwrites/ba...ussianicon.jpg






Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:56 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
معمودية المسيح ومعموديتنا
http://www.peregabriel.com/gm/albums...1/13_dana7.jpg
إن العلاقة بين معمودية المسيح في نهر الأردن وبين صبغته الخلاصية على الصليب عندما تخضَّب جسده بالدم
هي علاقة عميقة وسريَّة للغاية، فقد اعتمد المسيح في الأردن ليفتتح درب الصليب طريق الخلاص، وأكمل من أجلنا كل بر الناموس، كقوله ليوحنا قبل أن ينـزل إلى الماء
وعِوَضَ كل خاطئ بل عوض البشرية كلها قَبِلَ المعمودية وكأنه يعترف بخطايا جميع الناس.

أما معمودية الصليب التي عبَّر عنها بالصبغة المزمع أن يكمِّلها، فقد دان بها الخطية ذاتها بالجسد ومات لأجل الجميع ليحيا الجميع للذي مات لأجلهم وقام (راجع: 2كو 5: 15).
«المسيح لم يكن يعمِّد» - هكذا يسجِّل لنا إنجيل القديس يوحنا - «بل تلاميذه» (يو 4: 2)، أما المسيح فقد عمَّد البشرية كلها بصبغة الصليب بالدم مرَّة واحدة لمغفرة الخطايا. وهكذا افتتح لنا سرًّا من أخطر أسرار الحياة، وهو القيمة المذخرة في معمودية الدم (أي الاستشهاد):

«بالصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان» (مر 10: 39)، فهي ليست بديلاً لمعمودية الماء فحسب، بل هي الأصل الذي تصدر عنه كل مفاعيل معمودية الماء التي نعتمد بها. فنحن في الماء نموت لا بشبه معمودية المسيح بل بشبه موته على الصليب، ونُدفن لا بشبه تغطيسه في ماء الأردن، بل بشبه دفنه في القبر ثلاثة أيام، ونقوم لا بشبه خروجه من الماء بل بشبه قيامته الحقيقية من القبر على يد شهود.
لقد أمات الله البشرية كلها مرَّة بالطوفان أيام نوح، ولكن كعقاب للخطاة وكغضب مُعلَن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم.

ولكن هذه المرَّة أمات الله على الصليب ليس البشرية الخاطئة بنوع الغضب - كمثل الطوفان:

«نهاية كل بشر قد أتت أمامي» (تك 6: 13)، حين لم يبقَ سوى ثمانية أبرار أبقاهم لنفسه من كل البشرية، حيث كانت هذه النسبة تمثِّل فداحة الخطية التي اجتاحت العالم آنئذ - بل هذه المرَّة لم يبقَ أمام الله ولا حتى ثمانية أنفس ليُبقيهم، بل أمات الله الطبيعة البشرية بحد ذاتها ككل - تلك التي أخذها لذاته في شخص يسوع المسيح.

لقد اعتمد بها في الأردن وأعدَّها للموت والقيامة، لقبول حياة أبدية لا تزول بلا خطية بعد. فالله أمات البشرية في ابنه، وأحياها مرَّة أخرى لنفسه، ليعيش الإنسان لا لنفسه فيما بعد بل لله في المسيح.
فالمسيح على الصليب اعتمد، أي انصبغ جسده أي طبيعتنا البشرية، للموت. انصبغ بالدم عن «كل بشر»، وهذا ما سبق وأعطى مدلوله ومفهومه التطهيري الطقسي عندما اعتمد في الأردن:

«ولما اعتمد جميع الشعب (للتوبة) اعتمد يسوع أيضاً» (لو 3: 21). ولكن إن كان الجميع اعتمدوا من يد يوحنا كعبيد وخطاة أمام الله مقرِّين بخطاياهم، هاربين من غضب الله، فالمسيح اعتمد كابن محبوب لله:

«وكان صوت من السماء قائلاً: أنت ابني الحبيب بكَ سُررت» (لو 3: 22). وهكذا بدأ مفهوم تبنِّي الله للبشرية في شخص المسيح مبكِّراً جدًّا في هذا الإعلان العجيب، الأمر الذي أعلنه إنجيل القديس يوحنا بوضوح عند قوله بفم الله الآب:

«أما كل الذين قبلوه (اعتمدوا له) فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله ... الذين وُلِدُوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله!!» (يو 1: 12 و13)
وعلينا أن نلاحظ أن معمودية يوحنا للشعب وللمسيح في الأردن لم تأتِ من فراغ. فالدخول في الماء بشبه مخاطرة الموت والخروج منه بشبه نصرة الحياة كإعجاز فائق أو كسِرٍّ عميق، نجده واضحاً في عبور شعب إسرائيل البحر على يد موسى
وعين الله في السماء ترعى العابرين بطاعة الكلمة، فلم تَبْتَل حتى ثيابهم، أي لم يدركهم الموت قط. أما هذه العين ذاتها، أي عين الله، فكانت تُرعب المعاندين لصوت الله، فكان غرقهم بالجملة.
إنهم «جميعهم (أي شعب إسرائيل) اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر» (1كو 10: 2).

هنا السحابة تعبِّر عن حضور الله والخضوع لكلمته في الصبغة التي أخذها الشعب تحت عمود السحاب وعمود النور. ونلاحظ أن المسيح أيضاً اعتمد في البحر وفي السحابة: في البحر على يد يوحنا المعمدان، وفي السحابة في التجلِّي على يد موسى وإيليا، لأن في الأردن انصبغ المسيح عن كل الشعب، وفي السحابة المنيرة بشهادة الناموس والأنبياء.
وهكذا تنكشف لنا أعماق أسرار معموديتنا الآن، التي أخفق شعب إسرائيل أن يحتفظ بقوَّتها، فأعادها لنا المسيح بقوَّة لا تزول، بقوَّة روح الله القادر حقًّا أن يميت ويحيي، يميت كل ما هو باطل فينا ويحيي كل ما هو حق.

لذلك نسمع مبكِّراً جدًّا عن الروح القدس كقوَّة مؤثِّرة وفعَّالة وأساسية في العماد من قول يوحنا المعمدان:
+ «الذي أرسلني لأعمِّد بالماء ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلاً ومستقرًّا عليه فهذا هو الذي يعمِّد بالروح القدس.» (يو 1: 33)
ولأن المسيح هو الذي سيعمِّد بالروح القدس، فواضح غاية الوضوح أنه سيمنحنا كل نتائج موته عن الخطايا وكل مستحقات أمجاد قيامته سرًّا بالروح القدس، الروح الذي يعمل في الطبيعة البشرية ليخلقها من جديد، بقوَّة تفوق الناموس والوصايا وكل وسائط العهد القديم، الأمر الذي يفوق «كل بر» بالمفهوم القديم.

فمعموديتنا الآن للمسيح إنما تتم بالمسيح «هو الذي يعمد»، ليعطينا كل ما له بالروح القدس بعد أن يرفع عنا خطايانا.
+ «نحن الذين اعتمدنا للمسيح قد لبسنا المسيح» (راجع: غل 3: 27) ليصير المسيح فينا حياتنا.
+ «أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ» (غل 2: 20). هذا هو قمة عطايا الله للإنسان، وإن كانت حياتنا الآن مستترة في المسيح لله لا يحسها إلا روح الإنسان الذي فيه».
وهكذا فإن عماد المسيح بالماء وحلول الروح القدس عليه بعد خروجه من الماء وامتلاءه منه وشهادة الله له بالبنوَّة،

هذا يعطي الأساس اللاهوتي لمعنى ومضمون عمادنا للمسيح من الماء والروح على خلفية الصليب المحيي، ويعود بنا إلى العهد القديم محقِّقاً قول إشعياء النبي القائل: «هوذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سُرَّت به نفسي. وضعتُ روحي عليه فيُخرج الحق للأُمم.» (إش 42: 1)
ولهذا نسمع المسيح ينبِّه ذهن تلاميذه إلى الأهمية العُظمى لانطلاقه إلى الآب:

«خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزِّي» (يو 16: 7)، لأن المسيح يدرك أن إرساله الروح القدس من عند الآب كفيل أن يكمِّل مسيرة المسيح الخلاصية، ليس للتلاميذ فحسب بل للعالم كله، على أساس استعلان قيمة موت المسيح وقيمة قيامته، ثم مَنْحِهما معاً كفعل واحد في المعمودية
وهذا كفيل أن يخلق الطبيعة البشرية بالروح من جديد. فموت المسيح وقيامته، وإن كانا يعطيان الأساس للمعمودية بحد ذاتهما، إلا أنه لا يمكن أن تُستعلن قوتهما أو أن ينال أحد مفعولهما وأثرهما أو يشترك فيهما إلا بواسطة الروح القدس.
لذلك، فالعماد لموت المسيح وقيامته واشتراك الإنسان فيهما لمغفرة الخطايا وقبول حياة جديدة، ما كان يمكن أن يبدأ، حتى وبعد أن أكمل المسيح موته وقيامته، إلا بمجيء المعزِّي الروح القدس.
ومن هذا الاتجاه نفهم لماذا شدَّد الرب على التلاميذ أن لا يبرحوا أُورشليم حتى يحل الروح القدس عليهم وينالوا مِلأَه، لأنه بدون الروح القدس لا يمكن إدراك مفعول العماد أو مباشرة عمله من جهة مغفرة الخطايا وإعطاء حياة أبدية.

كذلك عندما نفخ الرب في وجه تلاميذه بعد القيامة وقال: «مَنْ غفرتم خطاياه تُغفر له» (يو 20: 23)، فإن المسيح هنا في الحقيقة يعطي بداية قوة وأساس الكرازة والتبشير والتلمذة للمسيح بالعماد. هنا إشارة ضمنية إلى المعمودية، لأن قيام التلاميذ بإعطاء الروح القدس الذي قبلوه هو كفيل بأن يهب الآخرين الشركة في موت الرب وقيامته، التي هي أساس مغفرة الخطايا وذلك بالمعمودية.

واستطراد المسيح بقوله: «مَنْ أمسكتم خطاياه أُمسكت» (يو 20: 23)، يعطي إشارة ضمنية إلى ”منع المعمودية“ الذي يعني بالتالي منع إعطاء مغفرة الخطايا.
والمنع هنا قاصر على تمادي الإنسان في الارتباط بأركان العالم المظلمة، أي انعدام نيَّة التوبة والموت عن أباطيل العالم؛ لهذا نجد في ترتيب الخلاص أن موت المسيح عن العالم يسبق حتماً إعطاء الروح القدس.
«مَنْ آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح القدس الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه. لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعد» (يو 7: 38 و39).

هنا الروح القدس المكني عنه بـ«أنهار الماء الحي» مرتبط بموت المسيح. هنا أيضاً إشارة إلى ترتيب عناصر المعمودية: الموت أولاً ثم إعطاء الروح القدس. لهذا لم تبدأ المعمودية لموت المسيح وقيامته إلا بعد دخول الروح القدس إلى العالم يوم الخمسين بتعيين مُسْبَق.
لذلك حينما قال الرب على الصليب: «قد أُكمل» ونكَّس الرأس (يو 19: 30)، كان هذا إيذاناً ببدء تاريخ حركة المعمودية لخلاص الإنسان.

فقد أكمل المسيح الصبغة - أي أنه رفع الخطية عن العالم بموته على الصليب - محقِّقاً أساس المعمودية التي اعتمد بها من يد يوحنا، وقَبِلَ الصبغة التي طالما تكلَّم عنها، أي معمودية الموت التي سيعتمد بها ولها كل بشر لنوال مغفرة الخطايا والحياة الأبدية.
وعندما حلَّ الروح القدس يوم الخمسين اكتمل الفعل والفاعل، فانطلقت الكنيسة في الحال تبشِّر وتعمِّد لموت المسيح وقيامته، وبدأ تاريخ الخلاص الفعلي، وانفتح ملكوت الله لكل الذين قبلوه مصطبغين باسمه مدعوين أبناء الله.

إن المعمودية بهذا الوصف الدقيق هي مركز الخلاص وقوَّته وأساسه وفعله، وهذه هي الحقيقة الأُولى في المسيحية، على أساس استيعاب دور الروح القدس فيها، الذي ليس فقط يعطي بالفعل السرِّي ما أكمله المسيح لنا بموته وقيامته من غفران خطايا وحياة أبدية
بل ويكشف لنا عن شخص المسيح نفسه ويستعلن علاقته مع الآب، تماماً كما حدث ليوحنا بالروح القدس بعد أن اعتمد المسيح، إذ يقول: «وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله» (يو 1: 34)،
لأن حلول الروح القدس على المسيح فتح عيني يوحنا وفتح أذنيه، فرأى الروح نفسه وسمع صوت الآب معلناً أن المسيح هو ابن الله.
إذاً، فقوَّة المعمودية تتعدَّى فعل الخلاص كشركة في موت المسيح وقيامته، وتتجاوز عطية الروح القدس المختصَّة بإعطاء حياة جديدة لسلوك جديد، إذ فوق هذا وذاك تفتح البصيرة لكي يدرك الإنسان ما وراء فعل الخلاص وعطية الحياة بالروح، أي حقيقة المسيح نفسه ولاهوته في سر الثالوث المذهل: «وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله» ...!
لذلك فبعد ما نالت الكنيسة الروح القدس يوم الخمسين، انطلقت تشهد وتعمِّد بالروح القدس. فالتلاميذ يشهدون للمسيح، والروح القدس يشهد في المعمَّدين بألسنة جديدة:

«الروح ... يشهد لي وتشهدون أنتم أيضاً» (يو 15: 26 و27). فالروح القدس كان ينطق في المعمَّدين لحظة وضع الأيادي، شاهداً للمسيح بلسان جديد وبقوَّة وبآيات وعجائب كآية تعلن قيمة المعمودية وفعلها، وكعطية خلاصية لحصول مغفرة الخطايا وقبول حياة جديدة فائقة، فيها ينطلق اللسان شاهداً للمسيح بفرح لا يُنطق به ومجيد، ولنوال الاستنارة الذهنية التي بها يدرك الإنسان سر المسيح فينطلق يبشِّر ويشهد بما يرى وبما يسمع كل يوم:

«لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلَّم بما رأينا وسمعنا.» (أع 4: 20)
وقول حنانيا بالروح لشاول الطرسوسي يجمع بين المعمودية والشهادة بصورة واضحة وحاسمة:

«لأنك ستكون له شاهداً لجميع الناس بما رأيت وسمعت. والآن لماذا تتوانى؟ قُم واعتمد واغسل خطاياك داعياً باسم الرب.» (أع 22: 15 و16)
هكذا استودع المسيح سر موته وقيامته للكنيسة بواسطة سكب الروح القدس في العماد باسم الرب كفعل سرِّي خلاصي وكقوَّة شهادة لا تعاند. وهكذا صارت الكنيسة مؤتمنة على فعلَي الموت والقيامة تمنحهما أو تمنعهما؛ تمنحهما فينال الإنسان الحِلَّ والمغفرة من جميع خطاياه للحياة الأبدية، أو تمنعهما عن الذي تراه غير مؤتمن على هذا السر فيبقى في خطاياه وتمتنع عليه الحياة الأبدية.
والمعمودية سر لا يتكرَّر، لأن المسيح مات مرَّة واحدة ولا يسود الموت عليه بعد. هكذا كل مَنْ اعتمد للمسيح لا تتكرَّر معموديته قط، لأنها ليست تكراراً لمعمودية المسيح على الصليب بل هي في الحقيقة اصطباغ حقيقي في ذات صبغة المعمودية الواحدة التي أجراها المسيح مرَّة واحدة بالموت الذي ماته على الصليب كذبيحة فريدة في نوعها عن كل إنسان.
لذلك، فكل إنسان يعتمد للمسيح في الكنيسة يعلن اشتراكه في موت المسيح مرَّة واحدة كفعل إلهي ينتهي بالقيامة، وبتعبير بولس الرسول يلبس المسيح ميتاً ومُقاماً:

«نحن الذين اعتمدنا للمسيح قد لبسنا المسيح» (راجع: غل 3: 27)، فكيف نخلعه؟ أو هل يستطيع الذي قام مع المسيح أن يموت؟ فكما أن الموت لا يسود على المسيح كذلك أعضاؤه، إن كانوا حقًّا فيه. فالمسيح أعطى موته وقيامته للكنيسة ليخلق لنفسه بواسطتها أعضاءً جديدة لجسده، ويبقى هو دائماً رأس الكنيسة، والمعمَّدون جسده، أخصَّاءه:

«من لحمه ومن عظامه» (أف 5: 30)، «وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفراداً.» (1كو 12: 27)
وعلينا أن ننتبه دائماً أن المسيح مات على الصليب وقَبِلَ الصبغة - أي المعمودية بالدم - في جسده الذي هو نحن، ليخلق في نفسه الإنسان الجديد الذي كانت تتمنَّاه البشرية ولكن لا تعرف كيف يكون.

فالمسيح مات وأكمل الخلاص والفداء دون وعي من جهة الإنسان، كما يقول القدَّاس الغريغوري: [من أجل الضالين وغير العارفين]، أو كما يقول بولس الرسول: «لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا» (رو 5: 8)، أي ونحن مرفوضون تماماً ورافضون تماماً لنعمة الخلاص - لا ندريها ولا نريدها ودون شعور منا بها - وهبها لنا المسيح مجَّاناً؛ حتى إذا أدركناها فيما بعد وأردناها بحريَّة إرادتنا، نمتلئ فرحاً ونعيماً وسروراً ونشعر حينئذ بعظم الاحتياج بل وباستحالة الحياة بدونها، وذلك كله حينما نقبله ربًّا ومسيحاً بإرشاد الروح وجَذْب الآب:

«لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق» (يو 16: 12 و13). كما يقول الكتاب: «ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس» (1كو 12: 3).

وكذلك أيضاً يقول: «لا يقدر أحد أن يُقبِل إليَّ إن لم يجتذبه الآب» (يو 6: 44)، أي لا يستطيع أحد أن يُقبِل إلى المعمودية من ذاته أو بمشيئته، أو يأتي إلى عضوية جسد المسيح بقناعة منطقية أو بذكاء أو فهم بشري أو بإحساس الحاجة الطبيعية إليها، بل هي مشيئة الآب التي تجذب بالروح المختارين إلى المسيح لنوال التبني!!

فالله هو الذي يدعونا بروحه بنخس الضمير ليتبنانا لنفسه في شخص ابنه يسوع حسب مسرَّة مشيئته: «لأنه هو أحبنا أولاً.» (1يو 4: 19)!!
ولا ينبغي أن يغيب عن بالنا أن الميلاد الجديد بالمعمودية، هو علاقة شخصية بالله تبدأ من الله وتنتهي به، فهي علاقة مسرَّة ذاتية، علاقة حب وتبني: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت» (مت 3: 17)، هذا هو صوت الآب لكل مَنْ أقبل إلى الله بالمسيح ليعتمد لموته!!

كما سبق المسيح وأعلن عن عمله السرِّي في هذه العلاقة التي أنشأها لنا مع الآب، فهو المسافة الروحية التي تصلنا أو تفصلنا عن الله، التي أوضحها عندما قال بإيجاز شديد: «أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية» (رؤ 1: 8)
وأيضاً: «أنا هو الباب» (يو 10: 9)، وأيضاً: «أنا هو الطريق والحق والحياة» (يو 14: 6)، «ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي» (يو 14: 6). لذلك يكمِّل لنا المسيح في المعمودية ما أكمله من أجلنا على الصليب. فكما بدأ المسيح الخلاص بالموت وأكمله بالدفن ثم القيامة، في نفسه، هكذا في المعمودية يعطينا المسيح ذاته، يعطينا موته وقيامته، البداية والنهاية!
وفي الإفخارستيا يصير جسده ودمه هو الطريق الحي الجديد الذي ندخل به إلى الأقداس العليا.
ولكن تظل البداية والنهاية لنا تحتاج كل يوم إلى تكميل، فالموت بالنسبة لنا عمل دائم:

«من أجلك نُمات كل النهار» (رو 8: 36)، والقيامة تحتاج إلى النظر دائماً إلى فوق، لأن العضو لا يدخل في جسد المسيح أي الكنيسة كاملاً في شيء، بل والكنيسة كلها معاً لا تزال تنمو في الإيمان وتكمل في قامة المسيح؛ على أنها لا تبلغ حد الكمال طالما هي على الأرض بل تنمو كل يوم وينمو أعضاؤها، في كل مواهب الخلاص واستحقاقاته وإدراك أسراره:

«صادقين في المحبة ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس: المسيح» (أف 4: 15).

وكما يقول ويكرِّر بولس الرسول أن الأعضاء ليست متساوية في الدعوة أو في الوظيفة أو في المواهب أو في الجمال أو في الكمال، ولكن الكامل عليه دائماً أن يُكمِّل الناقص، والناقص عليه دائماً أن يأخذ من الكامل ما هو أفضل، حتى نمتلئ جميعنا إلى كل ملء الله!!

ومن خصائص جسد المسيح أن ليس فيه افتخار لعضو على عضو حتى لا يكون انشقاق بين الأعضاء إن كانوا حقًّا في المسيح، وإن كانوا اعتمدوا لموته فعلاً واستقوا من روحه القدوس.
أما عمل الكنيسة الآن فهو تكميل عمل المعمودية الأُولى: «لبنيان جسد المسيح، إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسان كامل، إلى قياس قامة ملء المسيح» (أف 4: 12 و13).

والكنيسة عملها الوحيد أن تعرِّف كل إنسان بِغِنَى ميراثه الذي ناله بالتبني، بقبوله المعمودية باسم يسوع المسيح:

«مستنيرة عيون أذهانكم (فعل المعمودية الأول) لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غِنَى مجد ميراثه في القديسين.» (أف 1: 18)

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 04:59 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
المعمودية بالماء والروح
http://www.peregabriel.com/gm/albums...0582793mu6.jpg


ان يسوع بمعموديته في نهر الاردن، وبحلول الروح القدس عليه من فيض محبة الآب، قدّس المياه، وجعلها "حشا المعمودية" التي يولد منها الانسان ثانية بقوة الروح القدس. كانت معمودية يوحنا رمزاً خارجياً للتوبة، اما معمودية المسيح، التي تمارسها الكنيسة بسلطان كهنوتي منه، فعلامة خارجية واداة فاعلة في داخل الانسان. انها بالماء تغسل المعمّد من الداخل بقوة الروح القدس وتمحو منه خطيئة آدم المولود فيها، وخطاياه الشخصية المرتكبة بعد سن التمييز. وبحلول الروح القدس تجعله سكنى الثالوث القدوس: تظلله محبة الآب وتقدّسه نعمة الابن، وتحييه قوة الروح القدس. المعمودية تطعّمه غصناً في كرمة المسيح وتجعله عضواً في جسده السرّي وحجراً مقدساً في هيكل الله. يصبح المعمّد ابناً لله بالابن الوحيد، ووريثاً لخيرات الملكوت، شريكاً في الحياة الالهية. معمودية المسيح " طريق الخلاص".
هذا ما تنبأ عنه يوحنا المعمدان: " انا اعمدكم بالماء، ويأتي بعدي من هو اقوى مني... هو يعمدكم بالروح القدس والنار... وينقي بيادره فيجمع القمح في اهرائه ويحرق التبن بنار لا تطفأ" ( لو3/16-17). تتصل هذه النبوءة بما كشفه يسوع لنيقوديمس: " ما لم يولد الانسان من الماء والروح لا يستطيع ان يدخل ملكوت الله... ينبعي لكم ان تولدوا ثانية " (يو 3/5و7)؛ وبما اعلنه للتلاميذ عندما ارسلهم ليعمدوا الامم، قبيل صعوده الى السماء: " من يؤمن ويعتمد يخلص" (مر16/16)؛ وبما فعله الرسل وخلفاؤهم من بعدهم (انظر اعمال الرسل 8/34-39).

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 05:00 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
حلول الروح القدس على يسوع، وعلينا بالميرون


http://www.kobayat.org/data/document...6jan2009-1.jpg




" اعتمد يسوع ايضاً، وفيما هو يصلي انفتحت السموات وهبط عليه الروح القدس بشبه جسم حمامة" (لو3/21-22).
هذا الروح عينه سيهبط، كثمرة لموت المسيح وقيامته، على الرسل في العلية (اعمال2/1-13)، ومن بعدهم على كل معمّد في سرّ الميرون وغيره من الاسرار. فالمعمودية باب جميع الاسرار.
ان يسوع الذي " تجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء وصار انساناً"، يمتلك الروح القدس، وبقوته يحقق الاتحاد الكامل بين الله والانسان. في نهر الاردن امتلأ يسوع من الروح القدس بشكل ظاهر، فكان " المسيح" ابن الله الذي " كرسه" الاب وارسله الى العالم من اجلنا ومن اجل خلاصنا. فبات كل عمل يقوم به المسيح، بعد المعمودية، تحقيقاً لقوة الروح الذي سيقود كما باليد، نحو عمل الخلاص. فقاده اولاً الى الصحراء ليحارب الشيطان وينتصر عليه بالصوم والصلاة بعد اربعين يوماً ( متى4/1-11). وفي كل حياة يسوع العامة سيظهر الروح القدس كقوة تحرير من قوى الشر بواسطة المعجزات.
وبقوة الروح عينه اقدم يسوع على الموت وقدم ذاته ذبيحة فداء للأب (عبر9/14-15). فاقامه الروح من الموت وفقاً لمشيئة الآب. بعد الموت والقيامة وهب الرب يسوع الروح القدس من فيض محبة الاب، يوم العنصرة، مدشناً الزمن الجديد زمن الروح في حياة البشرية والتاريخ، يعطيه للمؤمنين بواسطة الكنيسة وخدمتها. من يسوع، ينبوع الماء الحي، يجري الروح القدس على الكنيسة والعالم ( يو7/37-39).
بسرّ الميرون يصبح المعمد شريكاً في عنصرة الروح القدس، يفاض عليه مع مواهبه السبع: الحكمة، والفهم، والعلم، والمشورة، والقوة، والتقوى، ومخافة الله.
بالميرون يختم المعمد بطابع الروح القدس فينتمي كلياً الى المسيح، يصبح في خدمته بشكل دائم، ينال الحماية الالهية في المحن الكبيرة. ان مسحة الروح بالميرون تطبعه بطابع لا يمحى، يجعل منه " رائحة المسيح الطيبة" (2كور2/15) باقواله ومسلكه واعماله، ويصوره على شبه المسيح.
بالميرون الروح يساعد المسيحي على النمو بالمسيح. المعمودية تجعل المؤمن على صورة المسيح في الطبيعة بالولادة الثانية، اما الميرون فيجعله على " شبه" المسيح في الاعمال. الطبيعة الجديدة المعطاة في المعمودية تنمو وتكتمل بنعمة الروح في سرّ الميرون وفقاً لتصميم الله، وتحقيقاً لمواهب الروح، وتظهر في حياة الشهادة بالايمان والرجاء والمحبة.

Mary Naeem 02 - 09 - 2014 05:01 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
العلاقة بين الاهل واولادهم


https://images.chjoy.com//uploads/im...dcf84b1e80.jpg


" هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت" ( متى3/17).
في معمودية يسوع على نهر الاردن اعتلنت بنوته الالهية وعلاقته بابيه السماوي.
عندما ارسل الآب روحه القدوس واستقر على يسوع بشبه جسد حمامة، اعلن انه " ابنه الحبيب". فالروح القدس هو حب الله، المتبادل بين الآب والابن في سرّ الثالوث الاقدس. حيث يستقر الروح القدس تحلّ محبة الله، كالشمس، حيث يستقر شعاعها يحلّ النور والحرارة. بادل الابن الالهي الحب للاب بقبوله رسالة الفداء وتتميم ارادته الخلاصية. وسينادي يسوع اباه، في حياته العامة، " اباّ " للتحبب والتودد (مر14/36)، كما ينادي اطفال اليوم والديهم بلفظة اصبحت عالمية " papà اي ابتاه الحبيب". هذا الروح اياه، يقول بولس الرسول، عندما يستقر فينا، وهو روح الابن المرسل الينا من الآب، " يجعلنا نهتف يا ابانا" ( روم 8/15؛ غلا4/6).
عندما احبت مريم الله، وعاشت بملء النعمة وقبلت الرسالة الموكولة اليها على يد الملاك، ارسل الآب اليها الروح القدس اي حبه الاسمى، فاصبحت حاملاً بابنه الوحيد. كانت مرضاة الله عليها، كما ستصير على ابنه المتأنس. هذا شأن كل واحد منا، اذا احب الله وحفظ كلامه وعاش بمقتضى وصاياه، احبه الله وارسل اليه روحه القدس، فينال مرضاة الله.
من خلال علاقة الله الاب بالابن الالهي، تعتلن علاقة كل اب بابنائه في العائلة الدموية، الناتجة من الانجاب والتربية، كما تلك الناتجة من كل ابوة وامومة روحية في الكنيسة (راجع افسس 5/22-31).
من بين المشاكل العائلية، تُطرح اليوم العلاقة بين الاهل والاولاد، وهي في الاساس ينبوع فرح وسعادة ونضج لدى الاهل ولدى ابنائهم وبناتهم. اذا اختلت هذه العلاقة او تشوهت، وقعت المأساة في العائلة. من مظاهر الخلل من جهة الاهل: عدم الاكتراث بشؤون الابناء لانشغالهم بشؤون اخرى، كالعمل او اللهو او الادمان على الكحول او المخدرات او لعب القمار، وكالتسلّط، والابوية والامومة المفرطة (maternalismepaternalisme,)؛ ومن جهة الابناء او البنات: التمرد، الرفض، عدم التواصل. وقد تفشت "عقدة اوديب" كما يسميه علم النفس التحليلي، اي الرغبة الدفينة بقتل الاب او الام. هذا الخلل نجده ايضاً بين المسؤول والجماعة سواء في الكنيسة ام في المجتمع.
نرى اليوم عملية شيطانية ترمي الى التفرقة والقطيعة والانفصال، ليس فقط بين الطبقات الاجتماعية والرجل والمرأة وهذا وذاك من الناس او الفئات، بل ايضاً بين الآباء وابنائهم وتضع الابناء ضد آبائهم. نقول " عملية شيطانية"، لان لفظة "شيطان- diabolos" تعني ذاك الذي يفرّق ويقسّم بين الناس. وهكذا تُسمم الحياة العائلية التي هي أصفى ينبوع للفرح في الحياة البشرية، والعامل الاهم لاتزان الشخص ونضوجه. فكم من آباء يتألمون الماً عميقاً لشعورهم بانهم مرفوضون من ابنائهم او محتقرون بالرغم مما ضحوا في سبيلهم! وكم من ابناء يتألمون الماً شديداً بسبب عدم فهمهم او رفضهم من قبل ابيهم او امهم وربما يسمعون في لحظة غضب " انت لست ابني او ابنتي!".
حدد الملاك مهمة يوحنا المعمدان بانه " يردّ قلوب الآباء الى البنين، وقلوب الابناء الى الآباء" ( لو1/17؛ ملاخي3/24). من الضرورة متابعة هذه المهمة اليوم، باطلاق مبادرة مصالحة كبيرة هي مبادرة شفاء العلاقات المريضة بين الآباء والابناء، والتغلب على عمل الشيطان بالتماس حلول الروح القدس هاتفين:" هلم ايها الروح القدس! نقِّ ما كان دنساً، أرو ما كان جافاً، إشف ما كان معتلاً، ليّن ما كان صلباً، دفّء ما كان بارداً، وقوّم منا الانحراف!"
المطلوب، في هدي انوار الروح، فعل ايمان واقتداء. الايمان بان الابوة والامومة ليستا مجرد عملية بيولوجية، بل مشاركة في ابوة الله. والاقتداء بابن الله المتأنس، المنتمي الى عائلة نما فيها بالطاعة والقامة والنعمة والحكمة ( راجع لوقا 2/51-52). هكذا يختصر بولس الرسول هذا الحل: " ايها الآباء لا تغيظوا ابناءكم لئلا يصدموا! ايها الابناء اطيعوا آباءكم لانكم بهذا ترضون الرب!" (كول3/20-21). عدم اغاظة الابناء تعني صبر الوالدين عليهم وتفهمهم، وانتظار نضوجهم، وعدم المطالبة السريعة بما يرغبون لهم او منهم، ومعذرة اخطائهم، وتشجيعهم وعدم اقناطهم، وتقدير مبادراتهم. مطلوب من الاب والام ان يكونا للاولاد الصديق ومحط الثقة والمثال والكنز الاثمن.
***


الساعة الآن 10:25 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025