منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كلمة الله تتعامل مع مشاعرك (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=45)
-   -   وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=25)

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 02:35 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الصلاة قمة كل سعى صالح

القديس ابو مقار الكبير


https://images.chjoy.com//uploads/im...99490d299a.jpg


قمة كل سعى صالح وتاج كافة التدبيرات المتقنة هى الادمان على الصلاة لان بواسطتها ننال باقى الفضائل ,

وقوة الصلاة تبتدئ فى الذين حسبوا مستحقين لشركة قداسة الله ودخلوا تحت
عنايته الروحانية ,حتى يصير عقلهم ملتصقآ بالرب بمحبة لا توصف.


لان من أدمن الصلاة نتيجة الصلاة فى كل وقت وفى كل حالة ويكرم محبة الله فى كل شيئ
فأنه يحصل على حرارة المحبة الالهية ,


حتى يتقد بها ويوهب نعمة الروح القدس.


ان حياة النفس وانشراحها تكون بالعشرة الخفية مع الملك السمائى لا غير
لانه ان كان من اجل محبة الشركة الجسدية يترك الرجل اباه وامه ليلتصق
بزوجته ,


فكم بالحرى الذين يحسبون أهلآ لشركة الروح القدس الذى هو المحبوب السمائى
فأنهم بدون نزاع يتجردون بالكلية من حب العالم حيث يظهر لهم كل شيئ فيه
نفاية نظرآ لكونهم يمتلئون من الشهوة السمائية ويألفون دوام فعلها .


كل من يشاء أن يرضى الرب بالحق وينال منه النعمة السمائية وأن ينمو ويكمل فى الروح القدس
فعليه أن يخضع بكل قلبه


الى وصايا الرب مهما كانت ضد مشيئته كما هو مكتوب :


" لاجل هذا بازاء كل وصاياك قومت نفسى
وكل طريق ظلم أبغضت " مز 119: 104


ليس عسير على الانسان الذى ظل طول النهار مشغولآ بأعمال المعيشة أن يخصص
نفسه للصلاة ساعة معينة ...يختطف فيها الانسان الباطن الى عمق التعبد فى
تأمل العالم الاخر الذى لا نهاية له ,


وبصلاة كثيرة فيهدأ عقله ويتغرب عن مشاغل العالم اذ يرتفع وينتقل الى هناك
وحينئذ تمتد سحابة ذهول على أفكاره تحجبه عن الارضيات وتشغل ذهنه فى أمور
سماوية لا نهاية لها فيدرك أشياء أكيدة عجيبة لا يمكن وصفها بفم انسان حتى
تنحصر صلواته ,وكل ما يقوله وقتئذ فى معنى "


"يا ليت نفسى تخرج مع صلاتى "

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 02:37 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
عيد حلول الروح القدس



https://images.chjoy.com//uploads/im...d948150388.jpg


أولا ? أسماء عيد حلول الروح القدس :

(1) سمى عيد حلول الروح القدس بعيد العنصرة :

ذلك لأنه كان من اهم اعياد اليهود عيد يعرف بعيد العنصرة , وهى كلمة عبرية معناها " الجمع " أو " الإجتماع " أو " الحفل المقدس " , لأن فيه كانوا يجتمعون ويعبدون ...

وجاءت المسيحية فدعت عيد حلول الروح القدس بإسم " عيد العنصرة " لأن الروح القدس حل فيه على جماعة التلاميذ وهم مجتمعين فى العلية .

(2) وسمى عيد حلول الروح القدس بعيد الخمسين [ " البنطيقستى " باليونانية ] :

ذلك لأن عيد العنصرة عند اليهود كان معروفا بإسم " عيد الأسابيع " أو " عيد الخمسين " , لأنه كان يأتى بعد 7 أسابيع من ثانى يوم عيد الفصح أى فى اليوم الخمسين من عيد الفصح .

وجاءت المسيحية فدعت عيد حلول الروح بإسم " عيد الخمسين " , [ عيد البنطيقستى " ] لأنه يقع فى اليوم الخمسين من قيامة الرب .

(3) وأيضا تحتفل الكنيسة بعيد حلول الروح القدس فى يوم العنصرة أو عيد الأسابيع أو عيد الخمسين الذى يأتى بعد 7 أسابيع من ثانى يوم عيد الفصح لما يأتى :

لأن فى ثانى يوم عيد الفصح كان اليهود يحتفلون بتقديم حزمة أول حصيد من القمح امام الرب , وبعد 7 أسابيع يحتفلون بتقديم كل إنسان رغيف من باكورة حصاده , ولذلك دعوا هذا اليوم " عيد الحصاد " .

وحزمة اول الحصيد كانت ترمز الى قيامة المسيح , وبالتالى فعيد الحصاد يرمز الى حلول الروح القدس وتأسيس الكنيسة وبدء الحصاد الروحى بالكرازة والتبشير بواسطة الرسل .

(4) وقد رتب الرب أن يحل الروح القدس يوم الخمسين الذى يحتفل اليهود فيه بعيد العنصرة أو الجنى او الحصاد. ويقال أيضا ذكرى إعطاء الشريعة لموسى النبى على جبل سيناء :

ذلك ليشاهد اليهود الذين يأتون من جميع أنحاء العالم الى أورشليم للاحتفال بهذا العيد , الأحداث التى إرتبطت بحلول الروح القدس .





ثانيا ? صور إستعلان الروح القدس يوم الخمسين :

آ - صورة ريح عاصف :

لأن الريح العاصف تعبير عن حضور الله :



  • أيوب : أجابه الرب من العاصفة .


  • موسى والشعب كلمهم الرب من العاصفة .


  • إيليا : واجه الله بعد عبور فى ريح عظيمة وزلزلة .


  • يوم الخمسين حل الروح القدس فى ريح عاصف , إشارة فى حضور الله , وأن الروح القدس هو روح الله أى الله نفسه .

ب- ولأن الروح القدس يشبه الريح فى أنه غير منظور لا يرى , ولكن عمله يلمس ويعرف من آثاره :



  • " الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها , لكنك لا تعلم من اين تأتى ولا الى أين تذهب وهكذا كل من ولد من الروح " ( يو 3 : 8 ) .


  • ولأن الروح القدس يشبه الريح فى القوة والإقتدار : فالريح قوية تجعل امواج البحر تهيج وتضطرب وترتفع , وتشير العواصف والأعاصير التى تقع الأشجار وتحطم ما يصادفها .. والروح القدس روح الله على كل شئ , كقول الرب " ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم " ( أع 1 : 8 ) :


  • التلاميذ الروح القدس حول ضعفهم وخوفهم الى قوة وشجاعة , وجعلهم يقيمون الموتى , ويشفون الأمراض المستعصية , ويخضعون الشياطين ويضعون المعجزات ويأتون بممالك العالم تحت أقدام المسيح بدون سلاح .


  • والكاهن يستدعى الروح القدس بالصلاة والسلطان الالهى : فى سر المعمودية فتغفر الخطية ويصبح الإنسان إبنا لله .. وفى سر الميرون يصبح الإنسان هيكلا للروح القدس .. وفى سر التناول يتحول الخبز الى جسد المسيح .. وفى سر الزيجة يصبح العروسان جسدا واحدا .


  • وانت : لا تيأس من ضعفك أمام العالم أو الجسد أو الخطية أو التجربة أو الشيطان , بل أطلب من الروح القدس الذى فيك فيعمل فيك ويقويك .

جـ - صورة ألسنة نارية :

لأن النار تعبير عن حضور الله . ويشير أن الروح القدس روح الله أو هو الله :



  • فى العليقة ظهر الله فى هيئة نار مشتعلة .


  • فى محلة الإسرائيليين كان الله يحضر ليلا فى عمود نار .


  • فى هيكل سليمان حضر الله يوم تدشينه كنار .

ولأن النار كانت علامة الله على قبول الذبائح .. والتلاميذ يوم الخمسين كانوا فى حالة خشوع وصلاة يقدمون ذبائح شكر روحية من شفاه معترفه بفضل الرب يسوع , واستجاب الرب من السماء بنار استقرت على كل واحد منهم, ولكنها لم تحرقهم كما كانت تحرق الذبائح , لأن خطايا التلاميذ حملها الرب فى جسده على الصليب .

ولأن النار تطهر وتحرق الشوائب وتقتل الجراثيم .. والروح القدس يطهر الإنسان وينقيه من شوائب الخطية :



  • إشعياء : جمرة من المذبح طهرت شفتيه ( إش 6 : 6 ) .


  • يوحنا المعمدان : قال عن المسيح " هو سيعمدكم بالروح القدس ونار " ( لو 1 : 16 ) .


  • والرب قال : " أشير عليك أن تشترى منى ذهبا مصفى بالنار لكى تستغنى " ( رؤ 3 : 18 ) .

النار تعطى نورا .. والروح القدس روح الإنارة والإرشاد :



  • لسيد المسيح قال " متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق " ( يو 16 : 13 ) .


  • وفى قانون الإيمان : نقول عن الروح القدس أنه " الناطق فى الأنبياء " .


  • والشمامسة إشترط الرب أن يكونوا " مملوئين من الروح القدس " ( أع 6 : 3 ) .


  • والخادم بدون الروح القدس لا يصلح لأنه إذ ذاك هو يعبر عن ذاته .

النار تعطى حرارة .. والروح القدس يشعل نار المحبة فى القلوب نحو الله والناس . ويملا غيره مشتعله نحو مجد الله والكنيسة " :



  • قيل بروح النبوة عن السيد المسيح " غيره بيتك أكلتنى " ( مز 69 : 9 ) , ( يو 2 : 17 ) .


  • وقال بولس الرسول " لا تطفئوا الروح " ( 1 تس 5 : 19 ) . .. " حارين فى الروح عابدين الرب " (رو 12 : 11 ) .. " المحبة سيول كثيرة لا تطفئها " , " مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة " (نش 8 : 7 ) .

د - التكلم بالألسنة :

1- كانت الألسنة لغات مفهمومة يتكلم بها شعوب العالم وقتذاك ( أع 2 ك 8 ) .

2- قصد الله بها أن يتكلم الرسل مع شعوب العالم التى يبشرونها بلغاتهم .. [ وأن يتكلم الأمم الداخلين فى الإيمان بالألسنة حين حلول الروح القدس عليهم فى المسحة المقدسة كدليل على قبولهم فى الإيمان ]

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 02:41 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الإنسان على صورة الله
https://images.chjoy.com//uploads/im...9a8620977b.jpg
في المسيح "صورة الله غير المنظور" (كو1/15)، خُلق الإنسان على "صورة" الخالق و"مثاله" وفي المسيح الفادي والمخلص، أعيدت الصورة الإلهية التي شُوّهت في الإنسان بالخطيئة الأولى، إلى جمالها الأول وشُرّفت بمعرفة الله. فصورة الله حاضرة في كل إنسان، وهي تتألق في وحدة الأشخاص على مثال وحدة الأقانيم الإلهية في ما بينها. والشخص البشري الذي مُنح نفساً "روحانية خالدة"، هو "الخليقة الوحيدة التي أرادها الله لذاتها على الأرض". وهو منذ الحبل به مُعدّ للسعادة الأبدية؛ ويشترك في نور الروح القدس الإلهي وقوته، وهو قادر بعقله أن يفهم نظام الأشياء الذي أقامه الخالق، وهو قادر بإرادته أن يحمل نفسه نحو خيره الحقيقي وهو يجد كماله في "السعي إلى الحق والخير وفي حبهما". ولَقد مُنح الإنسان بمقتضى نفسه وقواه الروحية العقلية والإرادية، الحرية "علامة مميزة لصورة الله"، وأُعطي أن يدرك بعقله صوت الله الذي يحضه "على فعل الخير وتجنب الشر". وعلى كل واحد أن يتبع هذه الشريعة التي تُسمع صوتَها في الضمير، وتكتمل في محبة الله والقريب، وممارسة الحياة الأخلاقية تدّل على كرامة الشخص. إلاَّ أن الشرير أغوى الإنسان منذ بدء التاريخ فأساء استعمال حريته وسقط في التجربة وارتكب الشر. إنه يحتفظ بالرغبة في الخير، ولكّن طبيعته مجروحة بجرح الخطيئة الأصلية فأصبح ميالاً إلى الشر، ومعرضاً للضلال: "فالإنسان يعاني من انقسام في ذاته. ولهذا فحياة البشر كلها سواء كانت فردية أو جماعية، تبدو صراعاً، وصراعاً مأسوياً، بين الخير والشر، بين النور والظلمات" (ك ع13). إلاَّ أن المسيح أنقذنا بآلامه من الشيطان والخطيئة، واستحق لنا الحياة الجديدة في الروح القدس. وجَدَّدت نعمته ما أفسدته الخطيئة فينا. ومن يؤمن بالمسيح يصبح ابناً لله. وهذا التبني يُغيّره بتمكينه من الإقتداء بمثل المسيح، في اتحاده بمخلصه كمال المحبة أي القداسة. فتنضج الحياة الأخلاقية في النعمة وتتفتح حياة أبدية في مجد السماء.


Mary Naeem 22 - 08 - 2014 02:42 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
يستعمل العهد الجديد تعابير عدة لإعطاء السعادة، التي يدعو الله الإنسان إليها، طابعها المميّز: مجيء ملكوت الله (متى4/17)، معاينة الله (متى5/8)، الدخول في فرح الرب (متى25/21،23)، الدخول في راحة الله: "هناك نستريح ونعاين، نعاين ونحب، نحب ونسّبح. ذلك ما سيكون في النهاية بلا نهاية، وأية غاية أخرى تكون لنا سوى البلوغ إلى الملكوت الذي لا نهاية له ؟" (القديس اغسطينوس، مدينة الله 22،30). فالله قد وضعنا في العالم لنعرفه ونخدمه ونحبه ونبلغ هكذا الفردوس. والسعادة "تجعلنا مشاركين في الطبيعة الإلهية" (2بط1/4) وفي الحياة الأبدية. بها يدخل الإنسان في مجد المسيح والتمتع بحياة الثالوث.

إن سعادة كهذه لممّا تفوق الإدراك والطاقات البشرية وحدها. فهي ناجمة عن عطية مجانية من الله، ولذا يقال عنها أنها فائقة الطبيعة، كالنعمة التي تهيّئ الإنسان للدخول في التمتع بالله.

يرغب الإنسان في سعادة كهذه، وهذه رغبة طبيعّية، وهي من أصل إلهي، وضعها الله في قلب الإنسان ليجتذبه إليه، وهو القادر وحده على إشباعها. والتطويبات التي هي في القلب من كرازة يسوع، تلبي هذه الرغبة الطبيعية في السعادة؛ وتكشف عن هدف الوجود الإنساني، عن الغاية القصوى للأعمال الإنسانية، وهي أن الله يدعونا إلى سعادته الخاصة. وهذه الدعوة موّجهة إلى كل واحد شخصياً. وترسم التطويبات وجه يسوع المسيح وتصف محبته، وتعبّر عن دعوة المؤمنين المشتركين في مجد آلامه وقيامته وتنير الأفعال والمواقف التي تميّز الحياة المسيحية.

وهذه السعادة الموعودة، في عيش التطويبات، تضعنا أمام خيارات أخلاقية حاسمة، تدعونا إلى تنقية قلبنا من الغرائز الشريرة، والتماس محبة الله فوق كل شيء. وهي تعلمنا أن السعادة الحقيقية ليست في الغِنى أو الرفاهية أو المجد البشري أو السلطة، وليست في أي عمل بشري مهما كان مفيداً، إنما هي في الله وحده ينبوع كل خير وكل ومحبة: "إن الغنى في يومنا هو الإله الأكبر، وله يؤدي الجمهور بل كل الجماعة البشرية إكراماً عفوياً. إنما يقيسون السعادة بمقياس الغِنى، وبمقياس الغنِى أيضاً يقيسون الكرامة." (نيومن، خطاب 5، في القداسة).

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 02:42 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
حرية الإنسان

ترتكز الكرامة الإنسانية في أن الله خلق الإنسان عاقلاً، ومنحه كرامة شخص يمتلك المبادرة وله السيطرة على أفعاله: "ترك الله الإنسان في يد اختياره" (سي15/14)، فيتمكّن من أن يبحث هو بذاته عن خالقه، حتى إذا التصق به يبلغ بحريته كماله مليئاً وسعيداً، (ك ع17).

1 - الحرية والمسؤولية:

ما هي الحرية ؟ هي القدرة، المتأصلة في العقل والإرادة، على الفعل أو عدمه، على فعل هذا أو ذاك، وعلى القيام هكذا، من تلقاء الذات، بأفعال صادرة عن روّية. وبالإرادة الحرّة يسيّر كل واحد نفسَه. فالحرية في الإنسان هي قدرة على النمو والنضج في الحقيقة وفي الخير، هي تبلغ كمالها شطر الله، سعادتنا. وطالما لم تلتصق الحرية نهائياً بخيرها الأقصى الذي هو الله، فهي تنطوي على إمكان الاختيار بين الخير والشر. وبالتالي إمكان النمو في الكمال أو الخطأ. وكلّما فعل الإنسان خيراً ازداد حرية، وليس من حرية حقيقية إلاَّ في خدمة الخير والعدالة واختيار المعصية والشر يعود بالإنسان إلى عبودية الخطيئة.

هذه الحرية تَجعل الإنسان مسؤولاً عن أفعاله مادامت بإرادته، ويُنمي التقدمُ في الفضيلة، معرفة الخير، والجهاد الروحي، سيطرة الإرادة على أفعالها. وتمارس هذه الحرية في العلائق بين الكائنات البشرية. فكل شخص بشري مخلوق على صورة الله له الحق الطبيعي في أن يُعترف به كائناً حراً ومسؤولاً. وواجب الاحترام هذا واجب على الجميع لكل إنسان، والحق في ممارسة الحرية مطلب ملازم لكرامة الشخص البشري، خصوصاً في الشأنين الأخلاقي والديني.

2 - الحرية البشرية في التدبير الخلاصي:

حرية الإنسان محدودة ومعرضة للزلّل. وفي الواقع زلّ الإنسان وخطِئ حراً. وعندما رفض مشروع محبة الله، خدع نفسه وأصبح عبداً للخطيئة، وتاريخ البشرية شاهد على كل ما أنتجه قلب الإنسان من مصائب ومضايقات نجمت عن سوء استعمال الحرية.

وممارسة الحرية لا تضمن الحق في أن نقول ونفعل كل شيء. ومن الخطأ الإدعاء أن "الإنسان الحائز الحرية يكتفي بذاته إذ تكون غايته ابتغاء مصلحته الذاتية في التمتع بالخيرات الأرضية" (م ع إ، حرية الضمير). ومن جهة أخرى هناك مراراً كثيرة تجاهل للشروط المطلوبة لممارسة حرية صحيحة، فتضع الجميع على السواء في تجربة الخطيئة بالإساءة إلى المحبة، وبالابتعاد عن الشريعة الأخلاقية يُضر الإنسان بحريته ويتقيد بذاته ويعصي الحقيقة الإلهية.

لكن المسيح نال بصليبه المجيد الخلاص لكل البشر وفداهم من الخطيئة التي كانت تستعبدهم، وفيه نشترك في الحقيقة التي تجعلنا أحراراً: "حرّرنا المسيح لكي نتنعم بالحرية" (غل 5/1)، ولقد أُعطينا الروح القدس، وكما يعلّم بولس الرسول "حيث يكون الروح فهناك الحرية" (2كو3/17)، ونحن منذ الآن نفتخر بحرية أبناء الله. وبفعل النعمة، التي تتوافق مع حس الحقيقة والخير في قلب الإنسان، يربيّنا الروح القدس على الحرية الروحية، ليصيّرَنا مساعدين له أحراراً، في عمله في الكنيسة وفي العالم.


Mary Naeem 22 - 08 - 2014 02:43 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
أخلاقية الأفعال البشرية
https://images.chjoy.com//uploads/im...036d83d436.jpg

تجعل الحرية من الإنسان كائناً أخلاقياً، والأفعال البشرية التي يختارها الإنسان بحرية، بعد أن يُحكّم فيها الضمير، هي ذات صفة أخلاقية، إنها صالحة أو سيئة. وأخلاقية هذه الأفعال البشرية منوطة: بالموضوع المختار، بالغاية المقصودة أو النية، بظروف الفعل.

1 - الموضوع: الموضوع المختار هو خير تبتغيه الإرادة عن روّية، إنه مادة الفعل البشري، وهو يحدد الفعل الإرادي من الناحية الأخلاقية؛ إن كان مطابقاً للخير أو مخالفاً له.

2 - النية: الغاية المقصودة تقع في مواجهة الموضوع. ناحية مَنْ يفعلُ الفعل. وهي عنصر أساسي في صفة الفعل الأخلاقية. والغاية تعني الهدف الذي يرمي الإنسان إليه في فعله. النية هي نزوع الإرادة إلى الغاية، إنها مطمح الخير المتقب من القيام بالفعل. ومحبة الله هي الغاية القصوى في جميع أفعالنا.

3 - الظروف: وبضمنها النتائج، وهي العناصر الثانوية في الفعل الأخلاقي، ولها أثرها في جعل أخلاقية الأفعال البشرية تزداد أو تنقص صلاحاً أو سوءاً، وبإمكانها كذلك إنقاص مسؤولية الفاعل أو زيادتها. ولا تستطيع الظروف بحد ذاتها تغيير الصفة الأخلاقية الملازمة للأفعال البشرية نفسها، فلا يمكنها أن تجعل من فعل سيء بحد ذاته صالحاً أو قويماً.

ويقتضي الفعل الصالح أخلاقياً أن يكون موضوعه وغايته وظروفه كلها صالحة. فالغاية السيئة تُفسد الفعل، إن كان موضوعه صالحاً في ذاته. وبإمكان موضوع الاختيار أن يُفسد وحده كل الفعل. فهناك أنماط من السلوك الواقعي ? كالزنى ? يكون اختيارها دائماً خاطئاً، لان اختيارها ينطوي على شر أخلاقي. فمن الخطأ الحكم على أخلاقية الفعل البشري بالاستناد فقط إلى النية التي يصدر عنها أو الظروف التي تحيط به كالتجديف والقتل والزنى، فلا يجوز فعل الشر لكي ينتج منه الخير.

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 02:44 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
أخلاقية الأهواء
https://images.chjoy.com//uploads/im...b5a83739e7.jpg

كلمة "الأهواء" هي من التراث المسيحي. والعواطف أو الأهواء تدل على الانفعالات أو حركات الإحساس التي تجعل الإنسان يميل إلى العنف أو يحجم عنه في سبيل ما يحسه أو يتخّيله صالحاً أو سيئاً. ويشير الرب يسوع أن قلب الإنسان هو مصدر حركة الأهواء ؟ وهي مكان العبور والربط بين الحياة الحسية وحياة الروح.

الأهواء كثيرة. والأعمق أصلاً بينها هو الحب الناتج من جاذبية الخير. وتكون نهاية تلك الحركة في اللذة والفرح بالحصول على الخير. محبة شخص ما، تعني إننا نريد له الخير، وكل النوازع الأخرى إنما مصدرها حركة القلب البشري الأصلية هذه نحو الخير، فالخير وحده يحب، الأهواء سيئة إذا كان الحب سيئاً وهي صالحة إذا كان صالحاً.

في الحياة المسيحية، يتمم الروح القدس نفسه عمله، بتجييش الكائن كله بما ينطوي عليه من آلام ومخاوف وأحزان، كما بدا ذلك في نزاع الرب وآلامه. ويمكن، في المسيح، أن تبلغ العواطف البشرية كمالها في المحبة والسعادة الإلهية. والكمال الأخلاقي يكون بأن يتحرك الإنسان نحو الخير لا بإرادته فقط وإنما برغبته الحسية أيضاً، بحسب كلمة المزمور: "يرنم قلبي وجسمي للإله الحي" (مز84/3).

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 02:45 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
احترام الشخص البشري

https://images.chjoy.com//uploads/im...9b3df10959.jpg
"صيانة كرامة الشخص البشري وتعزيزها قد أودعنا إياهما الخالق، والرجال والنساء هم، في كل ظروف التاريخ، مسؤولون عنها ومطالبون بهما" (سلام على الأرض 61).

يقتضي احترام الشخص البشري احترام الحقوق الناتجة عن كرامته بكونه خليقة. وهذه الحقوق سابقة للمجتمع ومفروضة عليه. ولا يمكن بلوغ العدالة الاجتماعية إلاّ في احترام كرامة الإنسان السامية، فالشخص هو غاية المجتمع القصوى، وهذا إنما هو معدّ له. وإذا ازدرى المجتمع حقوق الشخص أو أبى الاعتراف بها في تشريعه الوضعي فهو يقوّض شرعّيته الأخلاقية الخاصة. ويمّر احترام الأشخاص من خلال احترام المبدأ: "ليلتزم الإنسان باعتبار القريب، أيا كان في غير استثناء." كذات أخرى له "وليحسب حساباً، قبل كل شيء لوجوده وللوسائل الضرورية التي يتمكن معها من العيش الكريم" (ك ع27). وليس من تشريع يستطيع بذاته إزالة التخوفات، والأحكام المسبقة ومواقف الكبرياء والأثرة التي تعيق إنشاء مجتمعات أخوية حقاً. ولن تتوقف هذه التصرفات إلاَّ مع المحبة التي تجد في كل إنسان "قريباً" وأخاً: "إن كل ما صنعتموه إلى واحد من أخوتي هؤلاء الصغار، فإليّ قد صنعتموه" (متى25/40).

وبما أن جميع البشر قد خُلقوا على صورة الله الأوحد، وبما أن المسيح قد افتداهم بذبيحته، فهم مدعوون إلى المشاركة في السعادة الإلهية نفسها: وهم يتمتعون بكرامة متساوية، فالمساواة بين البشر تقوم، في جوهرها، على كرامته الشخصية والحقوق الناجمة عنها:

"كل نوع من أنواع التمييز في حقوق الشخص الأساسية، سواء كان قائماً على الجنس أو العرق، أو لون البشرة، أو الوضع الاجتماعي، أو اللغة أو الدين، يجب تجاوزه على أنه مخالف لتصميم الله? إن مساواة الأشخاص في الكرامة يقتضي أن يتوصل المجتمع إلى وضع حياتي أكثر عدالة وأكثر إنسانية، فالتفاوت الاقتصادي والاجتماعي المفرط بين أعضاء الأسرة البشرية الواحدة أو بين شعوبها باعث على العثار والشك، وعقبة في طريق العدالة الاجتماعية، والإنصاف، وكرامة الشخص الإنساني والسلام الاجتماعي والدولي" (ك ع29).


Mary Naeem 22 - 08 - 2014 02:54 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
سقطة آدم وأحكام الله

https://images.chjoy.com//uploads/im...5b702b6444.jpg


القديس سمعان اللاهوتي الحديث


إن لم يدرك المرء أنه
أدم، أي ذاك الذي أخطأ أمام الله في الفردوس، كيف له أن يدرك أن نزول ابن
الله وكلمته كان من أجله؟

لقد وُضع الناموس بعد السقوط. وكما
أن كلاً منا هو من آدم، أي أنه قابل للفساد والموت، ليس بسبب خطيئة صنعها،
بل بسبب عصيان جدنا الأول آدم، الذي نأتي نحن من ذريته؛ كذلك كل منا هو من
المسيح، لا يموت ولا يفسد، ليس بسبب فضائلنا الشخصية بل بسبب طاعة آدم
الثاني الذي هو المسيح ربنا الذي نزل من السماء. نحن نصبح عظماً من عظامه
ولحماً من لحمه. وتماماً على غرار ما ينتقل الفساد والموت من جيل إلى جيل
من آدم القديم، كذلك ينتقل عدم الموت وعدم الفساد إلى المسيحيين من آدم
الجديد. وكما أن مشاركتنا في طبيعة جدنا آدم الذي سقط هي حقيقة ظاهرة في
كوننا نخطئ ونخالف وصايا الله، كذلك هي حقيقة أننا مشاركون في النعمة
الإلهية التي هي بالمؤسِّس الثاني لجنسنا، الرب المسيح، ونحن نعرفها بهذه
العلامة: أننا نخطئ بعد امتلاكنا النعمة الإلهية *.
نحن نخرج من ملء المسيح، تماماً كما تصدر من النار وفرة من الأضواء.
وتزداد الأضواء بقدر ما تتفجر من مصدرها الذي يزخر بالنار: فالمسيح كونه
الله غزير بكل خير.
المسيح، إذ لم ينأى بنفسه عن كل
ما هو موجود، تنازل ودخل في الرحم الطاهر للدائمة البتولية، وُلِد، وتغذّى
بالحليب، ونما ليصبح رجلاً، وعلى المنوال نفسه عطش وجاع وقام بالأعمال
وعَرِق وتعرّض لحسد اليهود بسبب المعجزات التي قام بها مظهراً ألوهيته،
رُفِع على الصليب مع اللصوص كما لو أنّه صانع شر، مات ميتة مخزية بإرادته،
دُفن وقام مجدداً، صعد إلى السماء ليرسل على المؤمنين الروح القدس الذي
ينبثق من الآب الذي أرسله بالحقيقة. فكل التدبير من وراء تجسّد المسيح كان
غايته وهدفه أن ينزل الروح القدس في نفوس الذين يؤمنون بالمسيح كإله
وإنسان، مسيحاً واحداً في طبيعتين، إلهية وبشرية، من دون امتزاج أو تشوش،
حتى يكون هذا الروح القدس، نفسَ نفسِ المؤمنين، وحتى أنهم لهذا يُدعَون
مسيحيين، وبفعل الروح القدس يُعاد سبكهم وخلقهم وتجديدهم وتقديسهم في
الفكر والضمير وكل الحواس، فلا يحملون من بعد في ذواتهم أياً من أنواع
الحياة الفاسدة التي قد تنشئ في نفوسهم ميلاً نحو المتع الجسدية والشهوات
الدنيوية ورغبة فيها.
كل إنسان، من يوم ولادته، من
لحظة تكوّنه، هو عرضة للفساد والموت، ما يتطلّب قوة إلهية عظيمة لتجديده
لعدم الفساد والموت. إذا نما الشر في أي إنسان، مترافقاً مع نموه في
الجسد، فبالطبع سوف تنمو قوة الفساد وسلطة الموت سوف تزداد. هذا لأن لسعة
الموت تتغلغل في الإنسان بحسب درجة الفساد التي يطورها في ذاته. إذا كان
الطفل البريء بحاجة إلى قوة إلهية عظيمة لكي يتحرر من الفساد فكم تكون
أعظم القوة التي يتطلبها ذاك الذي ترافق مع نموه في الجسد نمو الشر في
نفسه، وبهذا نما في الفساد؟ هذا الفساد هو ما سمّاه داود في المزامير
رباطات ومسح، عندما دعا الرب ?لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَحْسَنَ
إِلَيْكِ. لأَنَّكَ أَنْقَذْتَ نَفْسِي مِنَ الْمَوْتِ، وَعَيْنِي مِنَ
الدَّمْعَةِ، وَرِجْلَيَّ مِنَ الزَّلَقِ ? (مزمور 7:115-8)، أي
أرفع لكل الشكر والتمجيد لأنك فككت قيودي أي الفساد. ومرة أخرى
?حَوَّلْتَ نَوْحِي إِلَى رَقْصٍ لِي. حَلَلْتَ مِسْحِي
وَمَنْطَقْتَنِي فَرَحًا، لِكَيْ تَتَرَنَّمَ لَكَ رُوحِي وَلاَ تَسْكُتَ.
يَا رَبُّ إِلهِي، إِلَى الأَبَدِ أَحْمَدُكَ? (مزمور 11:30-12)، أي
أنت عريتني من لباس الوبر الذي كنت ألبسه، أي الفساد، وألبستني الفرح حتى
أمجدك، ليس أنا بل الروح القدس من خلالي، لأن الفرح والمجد اللذين أخذهما
داود من الله كانا الروح القدس. وبامتلاكه الروح القدس في ذاته، يقول
?منطقتني فرحاً?، فلا أكون بحاجة للتوبة، أي لن أخطأ.
وهكذا فإنه ضروري بالمطلَق لكل
إنسان أن يبذل كل الجهود الممكنة حتى يكتسب من فوق، من المسيح الإله، هذا
الفرح وهذا المجد، أي نعمة الروح القدس ليصبح قادراً على عدم الخطيئة
مجدداً. إذ إن ما يقوم به الإنسان باختياره يستطيع أن يبطله باختياره، لكن
ما هو من الطبيعة لا يمكن إبطاله طوعياً. إذا كان الإنسان قد صار قابلاً
للفساد والموت في الطبيعة، فهو لا يستطيع بقوة الإرادة الحرة وحدها أن
يتحرر من الفساد والموت. من وقت ما طُرد آدم من الفردوس، أي منذ أن أصبح
قابلاً للفساد والموت بسبب عصيانه، حتى إلى يومنا هذا، لم يكن هناك أي
إنسان من دون فساد ولا موت.
وهكذا، إذا كان ضرورياً للإنسان
أن يعود إلى الحالة الأصلية التي خُلق فيها، أي ليصبح بلا فساد، لا تستطيع
أي إرادة بشرية حرة أن ترفعه إلى تلك الحالة، بل وحدها القدرة الإلهية
التي تلقّاها بالامتزاج مع الطبيعة الإلهية. فالطبيعة الإلهية هي من القوة
لتغلب فنائية الطبيعة البشرية ولتدعوها إلى حالتها الأصلية. إن كلمات الله
وأحكامه تصبح ناموس الطبيعة. إذاً، إن الحكم الذي لفظه الله كنتيجة لعصيان
آدم الأول، أي حكمه عليه بالموت والفساد، صار للطبيعة قانوناً أبدياً وغير
متغيّر. لذلك، لإبطال هذا الحكم، صُلب ابن الله ربنا يسوع المسيح ومات
مقدّماً ذاته ضحية لخلاص الإنسان من الموت، ضحية رهيبة وفائقة العظمة.

إن حكم الله، ?أنت من التراب
وإلى التراب تعود?، على غرار كل ما وُضع على الإنسان بعد السقوط،
سوف يكون فعلياً إلى نهاية الدهر. لكن برحمة الله، بقوة تضحية المسيح
العظيمة، لن يكون لهذا الحكم أي فعل في الزمن الآتي، عندما تتمّ القيامة
العامة، فالقيامة لم تكن ممكنة لو لم يقم ابن الله نفسه من الموت، وهو
الذي مات لإبطال الحكم المذكور ولقيامة الطبيعة البشرية بأكملها، لأن الذي
قام كان إنساناً أي المسيح، تماماً كما أن الذي مات بالأصل كان إنساناً،
أي آدم، وكلا الاثنين يحملان كلٌ في ذاته كلَّ الجنس البشري.
في أي حال، فليعلم الجميع أنه
بعد تدبير التجسّد ما زال هناك وقت في هذه الحياة لإلغاء القانون الإلهي
المتعلّق بالعقاب على الخطايا. إن أحكام الله التي وُضعَت على آدم الأول
الذي أخطأ في الفردوس حين كان يحيا حياة بلا اهتمامات، لم تُبطَل عن حق في
هذه الحياة وقد وُضعَت للجنس البشري كقانون طبيعي. لكن أحكام المسيح، بعد
تدبير التجسد، التي أنزِلَت علينا نحن السالكين في هذه الحياة البائسة،
صار ممكناً إبطالها في هذا الجيل. وكل مسيحي، إذا كان قد سقط تحتها، عليه
أن يهتمّ بكل غيرة وجهد بأن تُرفَع عنه فيما هو هنا؛ لأنها أكثر هولاً من
القوانين السابقة كونها تمتد إلى الدهور الآتية. إذا كانت القوانين
السابقة، التي جرّدت الإنسان من الحياة الوقتية، أي قوانين الموت والفساد،
تبدو غير مُحتَملة، فإنّ قوانين العقوبات الأبدية التي لا تنتهي التي سوف
تُفرَض في الدهر الآتي سوف تكون أكثر ثقلاً ولن يطيقها الذين سوف يحبَرون
على اختبارها.
فلنسمعْ الآن لماهيّة هذه
القوانين بالتحديد. يقول سيدنا يسوع المسيح ?وَأَمَّا أَنَا
فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً
يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ
مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ
مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ.? (متى 22:5). هذا يعني أن الذي يوجّه
هذا الكلام لأخيه، ما أن يلفظه حتى يصير تلقائياً وبشكل مباشر عرضةً
للعذاب الأبدي. لكن هذا القرار أو القانون الإلهي يفقد فعله ما أن يتوب
الإنسان ويقرر صادقاً وبتصميم ألاّ يقول لأخيه مرة أخرى ?يا
أحمق?، وأنّه يفضّل أن يموت على أن يقول لأخيه المسيحي ?يا
أحمق?. على المنوال نفسه، بالتوبة والندم والتصميم على الامتناع عن
الخطايا، تفقد كل قوانين الله الأخرى فاعليتها.
لكن فليكن معلوماً عندنا أنّه
فقط هنا في هذه الحياة وحيث يوجد انتهاك لوصايا الله، فقط هنا يمكن إبطال
قوانين الحساب الإلهي المرعِبة، بسبب رحمة الله غير المحدودة وبقصد توبة
صادقة وكاملة. لكنّ مَن لا يتوب تقع عليه هذه القوانين بشكل أكيد. من دون
تقصير سوف يُعاقَب الذي يعبد الرب بالإثم مثل شرير: مَن ينظر إلى امرأة
ليشتهيها سوف يُعاقَب مثل زانٍ، المغتصِب سوف يُعاقَب مثل عابد أوثان. إلى
هذا، إذا تاب أحدٌ عن هذه الخطايا وما شابهها، ولكن في الوقت عينه كان بلا
رحمة، غير شفوق وقاسي القلب، أي أنه يقابل الشر بالشر ولا يغفر لأعدائه،
فهو لن يحصّل أيّ مردود من توبته، بل سوف تكون عقيمة، بحسب حكم الرب الذي
يقول: ?لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ
تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ
لَكُمْ.? (متى 2:7). وليس هذا فقط بل قد يكون ما هو أسوأ.

قد يكون أنّ أحدهم بعد أن يتوب توبة
صادقة سوف يحصل على رحمة الله وغفران كل ديونه من الخطايا. لكن بعد هذا
يصير بلا رحمة ولا شفقة على الآخرين لا يغفر لهم ما له عليهم، فهو يكون قد
بدّد بنفسه تنازل الله نحوه والرحمة التي أظهرها له، على ما يقول الكتاب
المقدّس: ?أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضًا تَرْحَمُ
الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟. وَغَضِبَ سَيِّدُهُ
وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ
عَلَيْهِ.? (متى 33:18-34).
فليعطِنا الرب أن نتوب عن
خطايانا وأن نكون رحومين ورؤوفين على إخوتنا، لكي يؤهّلنا للبركة الأبدية
بالمسيح نفسه، الإله الحقيقي الذي له المجد إلى الأبد. آمين.
* لا يعني كلام القديس هنا أن المسيحين لا يخطئون بل واضح
تعليمه في عظاته بأن المسيحي لا يخطئ طالما النعمة مفعّلة فيه. فالمسيحيون
يبقون خطأة أمام الله بقدر ما لا يفعّلون النعمة. فعندما يخطأ المسيحي
تطون خطيئته علامة على توقف عمل النعمة فيه. فبحسب تعليم القديس، كل
الجهاد في حياة المسيحي هو للحفاظ على هذه النعمة ناشطة وفعّالة
ولاكتسابها مجدداً عندما نحسّ بأننا نخسرها.

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 02:55 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
ماذا عن القدّيسين؟




الأرشمندريت كاسيانوس عيناتي














الطريق الإنجيليّ الوحيد، على مثال القدّيسة مريم المجدلية، لردم الهوّة بين الجسد القائم من بين الأموات والجسد المائت، يكمن فقط في أجيج نارِ حبٍّ مجنون.





وفي هذا الحب يترسّخ إيمان بأنّ بين المسيح وبيننا لُجة، ليست بجحيم وإنما هي رأفة نرتمي فيها ونحن نصلّي من أعماق القلب إلى الاسم الأزلي "الذي قبل أن كان ابراهيم، أنا كائن" (يو58:8).





وفي الإيمان يثبت الرجاء بأنه بين "الأنا كائن" في جسم المسيح القائم و"الأنا كائن" في جسمنا المائت هناك أنّات الروح القدس تشفع فينا بحال لا توصف.


وإذا ما ضاعفنا صلواتنا وتشارك فيها القلب والذهن معاً، فهي تحملنا إلى خارج ذواتِنا، فوق الخليقة كلّها، في ضوء اليوم الأول وينبثق عنها حرارة تنبعث في جسدنا لتنقل إليه أشعة اليوم الثامن، قوة القيامة العامة نفسها.


هكذا اجتاز القديسون الفتور البشري وانتقلوا من برودة الموت الثاني التي تلفح الأجساد دون أن تدري.


وبذلك فإن غير المستطاع، وغير الملموس، أصبح ملموساً ومستطاعاً في حِفظ الرجاء وحراسته. فالسؤال يبقى كيف نكون قديسين؟ الجواب يعطيه الإنجيل الذي يدعونا لنكون حارّين ويتركنا أحراراً في أن نكون باردين.


فالخيار إذاً هو في المسيح أو في "ضد المسيح"، في الحياة الجديدة أو في الموت الثاني. فالنتيجة ستكون حتمية؛ و"ضد المسيح" بإبادته الشر بالشر والخطيئة بالخطيئة، يحضّر بشكل متناقض مع هدفه مجيءَ المسيح الذي يضع حدّاً نهائياً للشر وللخطيئة؛ ويحطّم الموت بموته ويفتح الباب الذي لا يُغلق.


القداسة هي رهن حريتنا وحريتُنا تتجلى بمقدار حبنا للقريب. الله أحبّنا وصار إنساناً مثلنا. وربط إنسانيتنا بألوهته بواسطة حبّ عميق لا تستطيع أية فلسفة بشرية أن تعبّر عنه.


هذا الرّباط وطّده الرب في سرّ القدّاس الإلهي. وأعطانا بالمعمودية حق الإشتراك فيه وأصبح صليبُه وموتُه صليبَنا وموتَنا إذا تذّكرنا وصيته، ولكن قيامته تبقى رهناً بإرادتنا.


فبمقدار ما أميت الموت وانقلعت شوكة الخطيئة من أجسادنا، ففتور إرادتنا الذي يسلب منا حريّة الاختيار الصحيح، يزيد من تمزيقنا ولا يبني إلاّ سرير موتِنا الثاني.


أن نتّبع القديسين، لا يكون فقط بالذكر والحكمة البشرية الواهنة ولكن في تحويل القلب في أصعب اللحظات، في تجارب الجسد والذهن المريرة بواسطة الصلاّة الحارة في صحوة إيماننا ويقين الرجاء إلى قلب العالم الواحد.


نزهد بالعالم لندرك قلبه ونحبه من كلّ قلبنا وفي القلب. ومن هناك نستقي الحب الذي يروي العالم. بهذه الطريقة زهد القديسون بروح العالم ليحيا قلب العالم بحبّهم له.


تشبّه القديسون بالمسيح فأحبّوه كما هو أحبّ، وعاشوا معه كما عاش هو، واتّحدوا معه في شركة حبّه الأزلي مع أبيه وروحه القدوس، فماتوا معه ليصلوا إلى ذروة مجد الحب، إلى "التألّه" بنعمته الإلهية.


وهكذا يستحيل الزمن إلى حياة أبدية ويمتلئ المكان بالأنوار الإلهية غير المخلوقة وتفيض العظام المائتة بينابيع الرأفة والمحبّة التي تبشّر بالنهاية السعيدة.


هذه النهاية حاضرة وخفيّة في كلّ كائن حيٍّ أتى إلى الأرض، هي الحياة الأبدية النابعة كما يقول الإنجيل من معرفتنا للآب بأنه الإله الأزلي والذي أرسله هو يسوع المسيح (يو3:17) الذي جعل من حياتنا اليومية حياة أبدية

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 02:56 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
لا تحلفوا البته
"أما أنا فأقول لكم،لا تحلفوا ألبته"
(متى 34:5
)
الحلف كذبا جريمة خطيرة بموجب الشريعة. و كان كذلك في ناموس موسى. الحلف
الكاذب محظور في الوصية الثالثة :
"لا تنطق باسم
الرب إلـــــهك باطـلاً؛ لأن الرب لايبرىء من نطق باسمه باطل" (خر7:20
)
.

كان الحلف كذباً باسم الله خطـيه ليس ضد اسم الله فقط بل ضد شخصه بالذات. لاحـقاً
وُسٌع مجالُ الوصية لتشمل أي استخفاف أو استخدام طائش للاسم الإلهي، إلى حــد
اعتــبار انه اســـــلم للمـرء ألا يستخدمه أبدا. لهذا السبب فإن اسم إله
إسرائـيل،الذي كان يكتبه الناس عادةً يهوه
صار يدعى الاسم الذي هو أقدس من أن
ينطق بـه،نــظرا إلى أن النطق به كان أمرا محظورا. وعندما كان القارئ في اجتماع
المـــجمع يصل إلى هذا الاسم في الأمثولة الكتابية،كان يضع صيغه أخرى عوضا
عنه،لئلا ينطق بـاسم إلــهه باطلا،بذكره اسم يهوه جهاراً. ولكن الوصية بالأصل
كـانت معنيـيه بالحلف كذبــا، وهذا مـا قصـــدته أيضا أوامر أخرى من خروج إلى
تثنيه.وقد لخص يسوع هذه الأوامر بقوله،سمعتم انه قيل للقدماء
"لا تحنث بل أوف للرب أقسامك"(متى 33:5).
وإذا أدرك النـــاس خطورة الحلف بالله إذا لم يكن قولهم صادقا بصوره مطلقه ، مالوا
إلى
أن يُحِلوا محلّ
اسم الله شيئاً آخر-كالسماء،مثلاً- اعتقادا منهم بأن انحرافا ضئيلا عن الحق سيكون
عندئذ أهون من ألا يـــغتفر. و يمكن أن نستنتج من مــقطع آخــــر في هذا الإنجيل
متى (16:23-22)
بأنه كان هناك بعض المفتين الذين حكموا بأن النـــذور تـكون
أكثـــر أو أقـــل إلزامـــا تبـــعا للصيــــاغة الدقـــيقة للقــــسم الذي
رافـــق النـذر. كان هذا الأمر،بالطبع، عبثا أخلاقيا.
كان من الضروري منع الناس من الحلف كذبا،سواء بأسم الله أو بأي صيغه أخرى
من الكلمات.قال الواعظ الذي تغني حِـــكَـــمُه العمليةُ أدب الحكمة في العهد
القديم
"أوفِ بما نذرته. أن لا تنذر خير من أن
تنذر ولا تفي" (جا4:5-5
)
.
لكن يسوع نصح تلاميذه بمبدأ أسمى. فقال
"
لا تحـــلفوا البته، ليكن كلامكم نعم او لا وما زاد علي
ذلك فهو مـــن الشــــرير" (مت37:5)
.
يُسمع صدى هذه الكلمات في
كتاب لاحق من العهد الجديد:
"ولكن قبل كل شئ يا
إخوتي، لاتحلفوا، لا بالسماء ولا بالأرض ولا بقسم آخر، بل لتكن نعمكم نعم ولاكم
لا، لئلا تقعوا تحت الدينونه"(يعقوب 12:5).ة
يجب أن يُعرف أتباع يسوع بأنـــهم رجال صادقوا الوعد ونساء صادقات الوعد.
فإذا عرف عنهم أنهم مدقــقـــون في الحق،فسيكون ما يقولونه مقبولا دون أن يحتاج
إلي قسَم يدعمه. لـيس هذا مجرد أمر نظري؛ بل هو أمر مُثبَت تماما بالخبرة. هنـــاك
جماعه من اتبـــــاع يسوع،هي جمعيةالأصدقاء ثابرت علي تطبيق كلمات يسوع هذه تطبيقا
حرفـــــيا.
وقد أشتهرأفرادها باستقامتهم بحيث أن معظم الناس يثقون بسهوله بمجرد
كلمـــه يقولها أحد أفراد هذه الجمعية أكثر مما يثقون بقسم يحلفه أشخاص كثيرون
آخــرون. قــــــال يسوع "وما زاد علي ذلك فهو من الشرير "
أي أنه، حتى
وإن أقســـم المرء، رجلا أو امرأة،فإن الفكرة،القائلة بأنه يمكن الوثوق بأن المرء،
يقول الحق فقــط عـندما يقسم على ما يقوله، إنمـــا هي فكرة تنشأ عن عـــدم
الاستقامة والشــك، وكثيرا ما تُضعف الثقة المتبادلة في تبادلات الحياة اليومية.
لن يطلب أحـــد قسَما من أولـــئك الذين يُعرف عنهم التزامهم بكلمتهم؛ أما الآخرون
فحتى القسَم المعظّم الذي تنطــق به شفاههم، كثيرا ما ينظر إليه بارتياب .

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:00 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
القربان المقدّس محور حياة الكنيسة

https://images.chjoy.com//uploads/im...495e4f0049.gif

إن البحث في سر القربان المقدّس، أو الأفخارستية، يقتضي شروطاً مبدئية ضرورية، أهمها الإيمان بالمسيح والإخلاص لمشيئته، وهو سر الكنيسة والمسيحيين، وكما أننا لا نعطي حق الاشتراك فيه لغير المؤمنين. أقول بأنه لا يناسب، أن نتباحث فيه مع من لم يعرف المسيح الكلمة المتجسّد مخلّص العالم، وقد يناسبنا هنا، قول الكاهن في القداس: "الأقداس للقديسين"، فلا نطرحه على من لا يستحق، أو لا يستطيع أن يفيد منه أو يقدّر قيمته.
وعلى كل حال، فأنا أوجّه كلامي عملياً، في هذا الموضوع، إلى رجال مؤمنين بالمسيح وبتعاليمه وبتعاليم كنيسته، ولكن ثمة ملاحظة، أرجو أن تتذكروها دائما، وهي أننا عندما نتكلم عن سرّ القربان المقدّس، فنحن في صلب أسرار الكنيسة وفي أعماق جوهرها، المرتبط ارتباطاً عضوياً وثيقاً بعملية الخلاص التي حققتها لنا محبة الله التي لا حدّ لها.

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:01 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
القربان الأقدس، هو طريق الخلاص، الذي وُعِدت به البشرية

https://images.chjoy.com//uploads/im...fd93d7065f.jpg


الخلاص، وهو يعني أيضاً التحرّر، يفترض وجود عبودية ما أو على الأقل خطر محدّق يهدد كائناً من كان. ونحن، إذ انفصلنا عن مصدر الحياة، الذي هو الله، قد أصبحنا تحت عبودية الموت، وخلاصنا من هذه العبودية لا يمكن أن يكون إلاّ بإعادة الصلة والاتحاد، بيننا وبين مصدر الحياة الذي هو الله. ولذلك، نحن نرى من خلال دراسة نقوم بها، في تاريخ الخلاص، الذي بدأ مع ابراهيم، واكتمل في المسيح، أنه عبارة عن إعادة العلاقة المقطوعة بين الله والبشر، وقد بدأت هذه العلاقة الجديدة مع ابراهيم واستمرت في ذريته، طفيفة وسطحية، إلى اليوم الذي مجّد فيه المخلّص الموعود والمنتظر، يسوع المسيح، الكلمة المتجسّد، الذي جمع في شخصه بين الله والإنسان، ومنح بهذا الفعل الحياة الدائمة للإنسان الذي اتحد به، وذلك بتخليه عن الإنسان العتيق، بموته على الصليب، وبقيامته لحياة جديدة.

قام المسيح مرّة واحدة، ومنح الله كل إنسان، إمكانية الحياة باتحاده بالمسيح الحي، الذي أصبح باكورة الأحياء. ولبلوغ هذا الاتحاد، الذي يتعّدى طاقتنا البشرية، أسّس الّرب يسوع أسرار الخلاص المقدّسة، التي بفضلها يستطيع كل مؤمن أن ينال الروح التي تجسّد الألوهية في الإنسان. وإن قيامتنا مستمرّة، إذ أنها في التاريخ، كمسيرة العبرانيين في سيناء نحو أرض الميعاد، وميعادنا هو المسيح. وهناك بين الأسرار السبعة، سرّ له فاعلية خاصة تستطيع تحقيق هذه الوحدة الخلاصية المرجوة، هو سرّ القربان الأقدس، أي سرّ جسد الّرب الحي الذي يتحد بأجسادنا المائتة ليحييها.

إنّ هذه اللمحة اللاهوتية المقتضبة، عن علاقة الخلاص بسر القربان الأقدس، من شأنها أن تنبهنا إلى أهميته في خلاصنا، ويمكننا القول بأن المسيح الذي أتى لخلاصنا، كانت أهم منجزات عمله الخلاصي، تأسيس هذا السر العظيم. والواقع هو أن المسيح قد أعطاه فعلاً كل الأهمية، فأعّد له مراراً متعددة، كما في إنجيل يوحنا خصوصاً وأنه أعطاه للكنيسة بشكل وصية خطيرة، ليلة استسلامه على الصليب، وكأنه يصرّ على أهميته كل الإصرار.

فلا بدّ لنا إذاً أن نحاول فهم أبعاده في حياة الكنيسة والمؤمنين، وكيفية فاعليته في تحقيق هذه الوحدة، بين الله والبشر، التي فيها حياة الإنسان وخلاصه.

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:02 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الكنيسة والمسيح واحد
وللاتحاد بالمسيح، يجب الاتحاد بالكنيسة التي تجسد هذا الاتحاد، في سر الأفخارستية، وتحيا وتتحقّق بواسطته
https://images.chjoy.com//uploads/im...bb483a95e1.jpg

أسس المسيح كنيسته التي أرادها، امتداداً لتواجده في العالم، وأعطاها الروح القدس الذي كان فيه، لكي يبقى معها إلى منتهى الدهر، كما أنه سلّمها كهنوته المقدّس لكي تكون هي أيضاً، واسطته بين الله والبشر، تقرّب الإنسان من الخالق وتحيي الإنسان بروح الله الساكنة فيها. وهكذا، تتمم الكنيسة عمل المسيح الخلاصي، مستمدة منه القوة والمعرفة والحياة لتنقلها إلى أعضائها المتحدين بها، فتغذّي حياتهم، كما تغذّى الكرمة أغصانها.

لقد سلّم المسيح الكنيسة واسطة ملموسة للقيام بهذه المهمة الخطيرة، هذه الواسطة هي الأسرار السبعة، التي يمكن أن نشبهها بأقنية للحياة الإلهية والنعمة، تنقلها إلى المؤمنين من لدن الله بواسطة المسيح إلى كل عضو من أعضائه، فتغذيه وتنميّ عنصر الحياة فيه. وهذه الأسرار متكاملة، تدور كلّها حول الهدف الواحد، الذي هو خلاص الإنسان بعودته إلى الاتحاد بمصدره: الله الخالق. غير أن للأفخارستية دوراً أساسياً في اتحاد الإنسان بالله وهو السر الذي يجعل المتناولين منه، واحداً مع المسيح، ويمكّن الكنيسة من الاتصال بالله، عن طريق الوسيط الأوحد، الكلمة المتجسّد، كما جاء في رسالة البابا الأخيرة حيث قال:

"الأفخارستيا حياة الكنيسة" هذه الحقيقة، ليست مجرد تعبير عن ممارسة يوميةٍ للإيمان، وإنما هي كنه سر الكنيسة وجوهره. فهي تختبر بفرح، وبأشكالٍ متنوعة، تحقيقاً مستمراً للوعد: "وأنا سأكون معكم دائماً، وحتى منتهى الدهر" (متى 20:28). ففي الأفخارستيا، حيث يتحول الخبز والخمر، إلى جسد ودم الرب، تتمتع الكنيسة بهذا الحضور، بقوةٍ لا مثيل لها. ومنذ يوم العنصرة، حيث بدأت الكنيسة، شعب الله، مسيرتها نحو الملكوت السماوي، فإن هذا السر الإلهي يميز بطابعه الخاص كل يومٍ من أيامها، مالئاً إياها بالرجاء والثقة".


Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:03 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
ميزات الأفخارستية عن باقي الأسرار
حسب قول الأكويني، ومن بعده من اللاهوتيين
https://images.chjoy.com//uploads/im...1ef40c40af.jpg

1) تحوي المسيح (الأسرار الباقية أعمال المسيح).

2) سر يبقى بفعاليته متخطياً الزمن المؤقت لحدوثه، فوجود المسيح يستمر فيه ويعمل وكأنه تواجد للأزلية والسماء على هذه الأرض.

3) وفعالية هذا السر، خلافاً لباقي الأسرار، تتعدّى الشخص الذي يقبله لأنه ذبيحة تستمد نعم الله وترفع إليه تسبيحاً وشكراً.

لا يصح أن نفصل بين أوجه الأفخارستية المتعددة لأنها حياة وعلاقة واحدة مع الربّ، وثمارها ثمار الحياة وغناها لا يحصر بحد، وهي "ينبوع الحياة المسيحية، ومصدر غناها"، كما قال آباء المجمع الفاتيكاني، في الدستور العقائدي عن الكنيسة: "الأفخارستيا المقدسة، تحتوي بالواقع مجمل خيرات الكنيسة الروحية، يعني المسيح بالذات، فصحنا وقيامتنا، خبز الحياة، الذي بقدرة الروح القدس المحيي يعطي جسده ينبوع حياةٍ للبشر". ولهذا السبب، تنظر الكنيسة باستمرار، إلى سيدها الحاضر في سر القربان، حيث تكتشف أوجه حبه الكبير".


Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:03 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
ما هو سر الأفخارستيا؟
https://images.chjoy.com//uploads/im...840c73326f.jpg


نكتفي بإعطاء تعريف موجز نعرفّه به لأن موضوع حديثنا لا يسمح لنا بالاستفاضة في مجال التعاريف والتفاصيل الأكاديمية. فنقول إن سر الأفخارستية هو يسوع المسيح، الموجود حقيقةً وجوهراً (بناسوته ولاهوته) تحت شكلي الخبز والخمر، وهو ذبيحة غير دموية، تتمثل فيه وتجدد ذبيحة الصليب: "هذا هو جسدي، الذي يكسر لمغفرة الخطايا، هذا هو دمي، الذي يراق لمغفرة الخطايا...دم العهد الجديد" (متى 38:26)، انظر الأناجيل الإزائية: (متى 26: 26-28، مر 14: 22-24، لو 22: 19-20، كور 11: 24-25، أعمال 2: 46، 20: 7-12).

هذا ما وعد به يسوع، عند تكثير الخبز، حين قال: "الخبز الذي سأعطيه أنا، هو جسدي لحياة العالم، لأن جسدي هو مأكل حقيقي، ودمي هو مشرب حقيقي" (يو 6: 52-56)، وهذا ما حققه فعلاً في العشاء الفصحي الأخير، حيث قال: "خذوا وكلوا، هذا..اشربوا.." (متى 26-28 ، كور 1: 11-25).

وما يهمنا بعد هذا التعريف النظري الوجيز، هو دور القربان الأقدس في حياة المسيحيين والكنيسة وفاعليته عملياً في هذه الحياة. ولذلك سنتكلم عما تتوخاه الكنيسة (وعندما نتكلّم عن الكنيسة، نقصد جماعة المؤمنين، وهذا يعني المسيحيين المنتمين إليها) من هذا السر في حياتها على الأرض.


Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:04 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
القربان الأقدس في حياة الكنيسة على الأرض
https://images.chjoy.com//uploads/im...e05625c109.jpg


يجدر بنا أولاً أن نتذكر أن لحياة الكنيسة على الأرض أوجهاً متعددة، أهمها الاتصال بالله، عن طريق العبادة والصلاة، وتأمين الوساطة بين الله والناس بفضل كهنوتها، والاتصال بالناس ومساعدتهم على المضي في سبل هذه الحياة، بشكل يليق بإنسانيتهم وبمشيئة الله خالقهم، على طريق الوحدة والتعايش الأخوي الملكوتي، وإن للقربان الأقدس دوراً أساسياً يلعبه في تحقيق هذه الرسالة الموضوعة على كاهل الكنيسة. فالمسيح أعطى جماعته القربان المقدّس، ليكون حاضراً فيما بين المؤمنين به باستمرار، (وهو يشكل القلب الواحد النابض، الذي يحي الجسد بكامله، بالدم الواحد..).

ولكي يعطيهم ذبيحة لائقة ودائمة للعهد الجديد يرفعونها إلى الله. ولكي يؤمّن لهم قوتاً روحياً، يستمدونه من اتحادهم به ويكون عنصر اتحاد في الكنيسة، وأخيراً لكي يكون عربون مجدنا الآتي. ويقول القديس أغناطيوس الأنطاكي بهذا الخصوص : "إن الأفخارستية، هي عامل أساسي، يميز المسيحيين في اجتماعاتهم الليترجية، من أجل تمجيد الله...وهي تجعلهم كذلك، متحدين بجسد يسوع المسيح ربنا وبدمه...وهي تفقد طابعها المغذي إذا لم تتحقق بروح الإيمان والمحبة".

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:05 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
المسيح حاضر في الكنيسة باستمرار
https://images.chjoy.com//uploads/im...0e438f6b8e.jpg


الأفخارستية، سر جسد المسيح ودمه، هو المكان الأنسب، لتواجد الرب غير المنظور على الأرض، وهو الحضور الذي يسمح لنا بالعيش بقربه، فهو بفضل هذا السر منح الكنيسة سر وجوده الدائم، الذي يعطي الكنيسة تباشير الخلاص والانتصار. فعندما تكلّم النبي أشعيا عن المولود من العذراء وقال إنه سيدعى عمانوئيل أي "الرب معنا"، تنبأ عن هذا الحدث الهائل الذي كانت تنتظره البشرية بفارغ الصبر، ألا وهو، وجود الله بين الناس. فشعب العهد القديم، كان يتمسّك تمسكاً كبيراً جداً بالاحتفاظ بتابوت العهد، الذي كان يرمز إلى وجود كلمة الله في وسط شعبه، وكانت ألواح العهد والتابوت أشياء مادية لا حياة فيها، غير أنها كانت تعبّر ولو بشكل رمزي عن هذه الحقيقة التي أصبحت واقعاً في سر القربان الأقدس وجعلت الربّ يسوع، الكلمة المتجسّد، يسكن وسط شعبه الذي هو الكنيسة بشكل فعلي، فيقّوي ثقة الكنيسة ويمنحها الفرح الناجم عن وجوده، والاطمئنان النابع من قدرة الله التي تحمي الكنيسة والمؤمنين، لأنه كما يقول الكتاب: "إن كان الّرب معنا، فمن علينا"، وإن كان المسيح موجود فيما بيننا، فأي شيء نخشى؟

وهذه الحقيقة، حقيقة وجود المسيح في القربان، بالغة الأهمية في حياة الكنيسة، وهي التي تحرّك قدرات رجالها معنوياً وفعلياً، وتمنحهم الثقة الضرورية لمجابهة المخاطر، لأن أملها باجتيازها لا يحدّه شك طالما الاتكال على المسيح كامل، وهو موجود فيها كما كان في السفينة مع الرسل يوم العاصفة، لم يشعروا بوجوده لأنه كان نائماً، يقول الكتاب: "ولكنه كان موجوداً، وهذا يكفي، وفي الواقع انتهر الريح، وهدأت العاصفة" (مر 4: 35-41، متى 8: 23-27).

وهكذا، فالمسيح ينقذ الكنيسة، بفضل وجوده السرّي فيها، من مختلف المخاطر ويحفظ إيمان الملتجئين إليه سالما، حتى أمام براثِن الوحوش. ولنتذكّر في هذا الموضع، كيف كان مسيحيو روما يتناولون القربان المقدّس قبل الدخول إلى حلبة الأسود، ولا يعودون يخشون الاستشهاد ولا يهابون الموت لأن الّرب معهم. وبالمناسبة، نذكر ما لسر هذا الوجود من أهمية في حياة الرهبان والراهبات وكل من يكرّس حياته في البتولية من أجل المسيح، فهو بوجوده بينهم يملأ الفراغ الذي تتركه في قلوبهم حياة العزوبية، ويعوّض المتعبدين له عن ذلك الفراغ بغنى محبته وحضوره في حياتهم.


Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:06 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الأفخارستية ذبيحة



ما هي الذبيحة؟ الذبيحة تفترض ضحية، وفدية تهرق أمام كائن قدير إكراماً له وسعياً لنيل رضاه واستدراراً لعطاءاته وتعبيراً عن الولاء له، فهي إذاً عمل ظاهري يقتضي هبة تقدّم وعمل داخلي يدفعه. والذبيحة عمل عبادة متأصل في عادات الإنسان منذ أقدم العصور، ولنتذكّر في هذا الموضع، ذبيحة هابيل التي أراد الكاتب أن يعبرّ بها عن طريقة العبادة منذ البداية، وذبائح الأقوام البدائية التي كانت تذهب إلى حدّ تقديم العذارى إلى الآلهة إرضاء لهم وتخفيفاً لغضبهم، فمنها ما كانت تحرق للإله مولوخ في فينيقيا، ومنها ما كانت تلقى في النيل عند الفراعنة.

وفي العهد القديم، كانت الذبائح حيوانية، حيث كانت تقدّم يومياً في الهيكل، يرفعها شعب الله المختار إلى الله، تعبيراً عن خضوعه له وطلباً لرحمته وتكفيراً عن الخطايا وشكراً على عطاياه.

وقمة هذه الذبائح كانت ذبيحة المسيح ابن الله المتجسّد على الصليب، الذي غدا هيكل البشرية جمعاء وقربانها. وفي هذه الذبيحة، المسيح هو المقدم والمقدّم، وقد فعل باسم البشرية ومن أجلها. ويمكن مقارنة الذبائح القديمة بالذبيحة الجديدة التي هي المسيح يسوع، فنلاحظ في كلا الظرفين: كاهن يقدم وذبيحة تقدّم وسبب لتقديم الذبيحة. فالكاهن، أي الوسيط بين الشعب والله في الذبيحة الجديدة، هو رجل بدون عيب، من سلالة ملكيصادق أي الكهنوت المؤسس بإرادة الله، لا يحتاج إلى تنقية. والذبيحة هي أيضاً حمل الله ولا عيب فيها. وأما الهدف، فهو التكفير عن خطايا البشر. وهي عبادة مقبولة لدى الله، لأن الوسيط منبثق منه والذبيحة غالية على قلبه الأبوي، ولذلك، فالهدف أي مغفرة الخطايا سيتم لأن الله قبل هذه الذبيحة مسبقاً، وإن ذبيحة الصليب هذه فتحت باباً جديداً للعلاقة بين الله والبشر، وللقاء الإنسان بالله، في عهد جديد ختم بدم المسيح. واعتباراً من يوم الجلجلة، حيث رفعت إلى الله الذبيحة الأزلية، ما عاد هنالك حاجة إلى الذبائح الأخرى التي لا فاعلية لها أصلاً، وقد أغنتنا ذبيحة المسيح عن كل الذبائح الأخرى، وبذلك تصبح هذه الذبيحة، حاضرة وشخصية إذ تتجدّد باستمرار، غير أن المسيح، لم يعفِنا من واجب العبادة وتقدمة القرابين، ولكنه أعطانا قرباناً مرضياً لدى الله، نقدّمه له في كل مناسبة، وهذا القربان هو جسده ودمه، اللذان قربهما إلى الله يوم خميس الأسرار حيث قال:

"خذوا وكلوا، هذا هو جسدي، الذي يكسر من أجلكم، اشربوا من هذا كلكم، هذا هو دمي، الذي يهرق عنكم"، ثم أضاف: "اصنعوا ذلك، حتى مجيئي" (لو 24: 30-35).

فالكنيسة أخذت الكهنوت عن المسيح، كما أنها احتفظت به بواسطة سر الأفخارستيا، قرباناً دائماً ترفعه إلى الله لتؤدي واجبات العبادة والشكر والطلب والتكفير عن الخطايا.

وهكذا يكون العهد الجديد متميزاً عن القديم، بكهنوته وقرابينه الإلهية التي تتمتّع بفعالية لا حدّ لها (انظر بولس عبرانيين 9: 12-26، 10: 1-10). فالقربان المقدّس هو الذبيحة المثلى المرضية لدى الله، التي تغدق علينا بركته وتوحدنا معه بعهد جديد و ثابت. ومهما يكن للصلاة والعبادات الفردية من قيمة، فإن هذه القيمة ضعيفة جداً، إذا قيّست بالذبيحة الإلهية، التي مصدرها الله ومحطها الله. وإن الكنيسة إذ تقوم بتقديم هذه الذبيحة، تحقّق عملاً إلهياً باسم جماعة المؤمنين، وتنال رضى الله وبركته لكل من يشترك معها في عمل الذبيحة، التي هي القدّاس الإلهي. وللاشتراك الفعلي في الذبيحة، يجب طبعاً حضور عمل العبادة هذا في الكنيسة ومشاركة الكاهن بالنية. غير أن هنالك أمر التقديس والاتصال الحيوي بالله فهو لا يتحقّق إلاّ بالاتحاد الفعلي مع المسيح في المناولة، وبذلك نرفع كلنا معه إلى الله، قرباناً مرضياً ومقبولاً.


Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:07 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
القربان المقدّس، مشاركة واتحاد

https://images.chjoy.com//uploads/im...c5e76c05e0.jpg

إن الاشتراك بتناول قربان الذبيحة له مفاعيل عديدة، أهمها خلاص الإنسان، أي بقاؤه وعدم موته. فهو باتحاده بمبدأ الحياة، أدخل في ذاته عنصر الحياة: "الحق أقول لكم، من يأكل من هذا الخبز، لا يموت أبداً"، "هو دواء ضد الموت، وللحياة مع المسيح إلى الأبد"، كما يقول القدّيس بولس في رسالته إلى أهل أفسس (2:20). وهو علامة اتحاد الجماعة في الشركة، حيث كانوا يقول كتاب الأعمال: "يجتمعون لكسر الخبز" (2: 42-47).


Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:07 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الافخارستيا مصدر وحدة الأسرة وتقديسها

https://images.chjoy.com//uploads/im...ede251340b.jpg

وهو عنصر وحدة في المسيح الواحد كما في الكرمة. وإن الاشتراك في الخبز الواحد، يرمز إلى وحدة الجماعة، وهو بشكل خاص قربان الوحدة: مع الله، بين الناس وبين الأرضيات والسماويات.


-الأرثوذكس يرفضون مشاركتنا في القربان، لأن ذلك يعني الاتحاد معنا (1 كو 10: 14-22).

ونحن عندما نشترك في الذبيحة ونتناول، نكون واحداً فيما بيننا، ونكون نواة أساسية في الكنيسة. وهكذا، في كل مكان يجتمع المسيحيون فيه حول الأفخارستية، وهذه المجموعات والخلايا المتعددة هي واحدة أيضاً فيما بينها رغم الاختلافات والتنوع، لأن الذبيحة واحدة، والقربان واحد، والكنيسة والجذع واحد، إن عبر المكان أو عبر الزمان.

وهنا فكرة لاهوتية لا بدّ وأن نذكرها، وهي موضوع الشركة في جسد المسيح السرّي، الذي هو واحد منذ القيامة وحتى اليوم. فكل الذين اشتركوا فيه، هم على علاقة وثيقة ببعضهم البعض، علاقة سريّة غير ظاهرة ولكنها فعلية. فبواسطة الذبيحة والتناول نتحد مع جميع المسيحيين، في أي بلد كانوا ( مع أقاربنا في أمريكا)، لا بل مع الأموات المتحدين بالمسيح، الذين سبقونا، وهذا مما يكون عربوناً لاتحادنا النهائي بالمسيح نحن أيضاً. فالقداس الذي يرفع من أجل الأموات مثلاً، هو أنسب مكان للقياهم.

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:08 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الأفخارستيا الحياة الجديدة

https://images.chjoy.com//uploads/im...c7a3ac6533.jpg




القربان المقدس غذاء وحياة: "جسدي هو مأكل حقيقي، ودمي مشرب حقيقي، من يأكل من هذا الخبز، لا يموت أبداً"، وقد شبهه يسوع بالماء الحي. والقربان المقدس هو أيضاً قوّة حياتية إلهية، تدخل حياتنا، لتزيد من إمكانياتها الإنسانية الصافية، وهي التي تمكننا كما يقول القدّيس بولس، من بلوغ ملء قامة المسيح "الإنسان الأمثل"، لأن من يأخذ من هذا الخبز يثبت في المسيح (يو 6: 51-58). ومع الممارسة المستمرّة، يلبس المسيح كلياً، حتى أن بولس قال إنه ما عاد هو يحيا، وإنما المسيح هو الذي يحيا فيه.


  • وهو مصدر المحبة: محبة المسيح الشاملة، ولذلك هو منطلق للحياة الرسولية والخدمات الناتجة عن محبة المسيحي للناس جميعاً ولله، فهو إذاً عامل نمو الكنيسة، عمودياً وأفقياً، وهذا السر هو أيضاً مصدر الفرح، بتحقيق المواعيد بمجيء المخلص.


  • وهو أخيراً، بداية حياة السماء على الأرض: حياة السماء هي حياة مع الله والله حاضر معنا في القربان، اقترابنا منه يعطينا شيئاً من السعادة الأبدية ونفحة إلهية تدخلنا في مناخ أورشليم الجديدة، أورشليم الملكوت، والكنيسة هي أورشليم الجديدة في طور البناء، ونحن أعضاء هذه الكنيسة وبُناتها. وكلما كان اتحادنا بها وثيقا، كنا أقرب من ملكوت السماوات، وكلما ازدادت قداسة أعضاء الكنيسة، اقتربت هذه من القداسة التي تقربها من أورشليم المنتظرة، ولن تكون الكنيسة أورشليم المرجوة، إلاّ إذا تأصل المسيح في كل عضو من أعضائها، وهذا لا يكون إلاّ بالاتحاد معه، ولا سيما بتناول الرّب، بالاشتراك في سرّ القربان الأقدس.

بهذا المنظار، نرى الأهمية البالغة التي لسر القربان الأقدس في حياتنا وفي حياة الكنيسة، فهو الذي يصنع الكنيسة، التي تصنعه بدورها في القدّاس، وهو الذي يصحّح الخليقة التي أعوجّت بسبب خطيئة آدم القديم، ويجددّها بحياة المسيح السرّية التي تتحرّك فيها من خلال حياة المؤمنين.

وفي الختام، نقول إن الكلام عن سر القربان الأقدس، لا يمكن أن ينتهي طالما أن هنالك حياة على الأرض، لأنه غني بغنى الحياة، يلازمها في كل تحركاتها موجهاً إياها صوب كمالها الذي هو في الله الحي. فعلى كل مسيحي أن يكون واعياً في حياته الكنسية، لكي يكتشف تدريجياً وباستمرار مقدار غنى محبة الله لنا

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:51 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
التعليم الجديد



عندما كان مُعلِّمنا بولس في أثنينا "أخَذوهُ وذَهَبوا بهِ إلَى أريوسَ باغوسَ، قائلينَ: "هل يُمكِنُنا أنْ نَعرِفَ ما هو هذا التَّعليمُ الجديدُ الذي تتكلَّمُ بهِ؟" (أع17: 19).







وهو نفس التعبير الذي قيل بخصوص ربنا يسوع المسيح في بداية خدمته "فتَحَيَّروا كُلُّهُمْ، حتَّى سألَ بَعضُهُمْ بَعضًا قائلينَ: "ما هذا؟ ما هو هذا التَّعليمُ الجديدُ؟" (مر1: 27).







لقد كان تعليم السيد المسيح جديدًا على مسامع الناس وأفهامهم، لذلك قيل عن سامعيه: "فبُهِتوا مِنْ تعليمِهِ لأنَّهُ كانَ يُعَلمُهُمْ كمَنْ لهُ سُلطانٌ وليس كالكتبةِ" (مر1: 22).







ولم يستطع أحد من مُعانديه أو مُناقضيه أن يهزمه في حوار أو يحرجه بسؤال.. "فقالَ قَوْمٌ مِنْ أهلِ أورُشَليمَ: أليس هذا هو الذي يَطلُبونَ أنْ يَقتُلوهُ؟ وها هو يتكلَّمُ جِهارًا ولا يقولونَ لهُ شَيئًا! ألَعَلَّ الرّؤَساءَ عَرَفوا يَقينًا أنَّ هذا هو المَسيحُ حَقًّا؟" (يو7: 25-26).. إطلاقًا لم يؤمن الرؤساء بأنه المسيح حقًا، ولكنهم عجزوا عن مواجهة منطقه وحجته وتعليمه الجديد.



Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:52 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
هل الله يتغير؟



"سمِعتُمْ أنَّهُ قيلَ للقُدَماءِ.... أمّا أنا فأقولُ لكُمْ...." (مت5: 21، 28). هل تعليم السيد المسيح "الجديد" معناه أن الله قد غيّر خطته بالنسبة للإنسان، أو أن فكر الله "قد تعدّل"؟







لقد حسم السيد المسيح هذه النقطة بقوله: "لا تظُنّوا أني جِئتُ لأنقُضَ النّاموسَ أو الأنبياءَ. ما جِئتُ لأنقُضَ بل لأُكَملَ" (مت5: 17).







لم يكن رب المجد ناقضًا للناموس كما ادّعى رؤساء الكهنة ليقتلوه، ولكن كان مكملاً للناموس وشارحًا له.. وما كان التغيير في فكر الله بل كان يجب أن يكون في فهم الناس واستيعابهم لفكر الله.







لقد انحرف البشر في إدراك مقاصد الله، وجاء المسيح ليكشف لنا هذه المقاصد الأزلية "أنا قد جِئتُ نورًا إلَى العالَمِ، حتَّى كُلُّ مَنْ يؤمِنُ بي لا يَمكُثُ في الظُّلمَةِ" (يو12: 46).







V نموذج للشرح:







حفظ السبت







جاء الناموس "اُذكُرْ يومَ السَّبتِ لتُقَدسَهُ. سِتَّةَ أيّامٍ تعمَلُ وتصنَعُ جميعَ عَمَلِكَ، وأمّا اليومُ السّابِعُ ففيهِ سبتٌ للرَّب إلهِكَ. لا تصنَعْ عَمَلاً مّا أنتَ وابنُكَ وابنَتُكَ وعَبدُكَ وأَمَتُكَ وبَهيمَتُكَ ونَزيلُكَ الذي داخِلَ أبوابِكَ...." (خر20: 8-11).. وفهم الناس هذه الوصية على أنها قيد عنيف يحد حركتهم ويمنعهم من أي عمل حتى لو كان لخدمة الآخرين.. حتى إنهم كانوا ينتقدون المسيح بكل عنف لأنه يشفي مريضًا يوم السبت.. وينسون القيمة الجبارة في شفاء رجل مولودًا أعمى أو إقامة لعازر أو شفاء ذي اليد اليابسة، ويقولون عن المسيح" "هذا الإنسانُ ليس مِنَ اللهِ، لأنَّهُ لا يَحفَظُ السَّبتَ" (يو9: 16)، وكان السبت في نظرهم أهم من الرجل المريض أو حتى الميت الذي قام، وتشاوروا لكي يقتلوا لعازر "فتَشاوَرَ رؤَساءُ الكهنةِ ليَقتُلوا لعازَرَ أيضًا" (يو12: 10)، إكرامًا للسبت.







لقد حفظ السيد المسيح السبت بمنهج جديد وغريب، كان مواظب على المجمع يوم السبت كعادة اليهود (راجع لو6: 6، مر1: 21، مر6: 2).







وكان هناك يجتمع إليه المرضى فيشفيهم، حاسبًا أن شفاء مريض ليس كسرًا للسبت، أما اليهود فكانوا يغتاظون جدًا بسبب الإبراء في السبت "فأجابَ رَئيسُ المَجمَعِ، وهو مُغتاظٌ لأنَّ يَسوعَ أبرأَ في السَّبتِ، وقالَ للجَمعِ: هي سِتَّةُ أيّامٍ يَنبَغي فيها العَمَلُ، ففي هذِهِ ائتوا واستَشفوا، وليس في يومِ السَّبتِ!" (لو13: 14).







ولم يترك السيد المسيح اليهود في جهلهم بل شرح لهم مقصده المقدس:







(1) "يا مُرائي! ألا يَحُلُّ كُلُّ واحِدٍ مِنكُمْ في السَّبتِ ثَوْرَهُ أو حِمارَهُ مِنَ المِذوَدِ ويَمضي بهِ ويَسقيهِ؟" (لو13: 15).



(2) "مَنْ مِنكُمْ يَسقُطُ حِمارُهُ أو ثَوْرُهُ في بئرٍ ولا يَنشُلُهُ حالاً في يومِ السَّبتِ؟" (لو14: 5).



(3) "في السَّبتِ تختِنونَ الإنسانَ. فإنْ كانَ الإنسانُ يَقبَلُ الخِتانَ في السَّبتِ، لِئلا يُنقَضَ ناموسُ موسَى، أفَتَسخَطونَ علَيَّ لأني شَفَيتُ إنسانًا كُلَّهُ في السَّبتِ؟ لا تحكُموا حَسَبَ الظّاهِرِ بل احكُموا حُكمًا عادِلاً" (يو7: 22-24).



(4) "أو ما قَرأتُمْ في التَّوْراةِ أنَّ الكهنةَ في السَّبتِ في الهيكلِ يُدَنسونَ السَّبتَ وهُم أبرياءُ؟" (مت12: 5).. لأنهم يقدمون ذبائحًا وبخورًا وصلوات في الهيكل، فيسألهم المسيح هل هذا يعتبر تدنيسًا للسبت؟



(5) "أما قَرأتُمْ ما فعَلهُ داوُدُ حينَ جاعَ هو والذينَ معهُ؟ كيفَ دَخَلَ بَيتَ اللهِ وأكلَ خُبزَ التَّقدِمَةِ الذي لم يَحِلَّ أكلُهُ لهُ ولا للذينَ معهُ، بل للكهنةِ فقط" (مت12: 3-4).



(6) "إذًا يَحِلُّ فِعلُ الخَيرِ في السُّبوتِ!" (مت12: 12).



(7) "فإنَّ ابنَ الإنسانِ هو رَبُّ السَّبتِ أيضًا" (مت12: 8).



(8) "السَّبتُ إنَّما جُعِلَ لأجلِ الإنسانِ، لا الإنسانُ لأجلِ السَّبتِ" (مر2: 27).







لقد خرج المسيح بهذه النتيجة النهائية إن "الإنسان هو القصد".



Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:53 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الإنسان في فكر المسيح



لاشك أن المسيح جاء من السماء ليشفي الإنسان ويحييه، وما جاء إطلاقًا ليخضع لآراء وأفكار الشعوب الباطلة وفهمهم القاصر لمقاصد الله.







جاء الله متجسدًا ليرفع من قيمة الجسد والإنسان، وليعلن لكل الخليقة أن الإنسان كائن محترم ومقدس، حتى إن الله اتحد به.







جاء ابن الله ليصير ابن الإنسان، وتلاحظ أن السيد المسيح كان يعتز جدًا بهذا اللقب "ابن الإنسان" لأنه يحترم الإنسان ويحبه.





Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:55 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الكنيسة تتبنى فكر المسيح



عندما رتبت الكنيسة طقوسها لم يكن يدور بمخيلة الآباء الفكر اليهودي الجامد الحرفي، ولكنها كانت مشغولة بالروح.. كيف - من خلال الطقس - تقدم للإنسان وسائل ناجحة ليرتبط بالمسيح ويتعمق فيه. كيف ? من خلال الطقس ? تشغل كل الحواس لترى وتسمع وتلمس وتستنشق كل ما هو سماوي وكل ما هو روحاني وكل ما هو إلهي.







فالبخور وملابس الكهنوت والأنوار والأيقونات والشموع والمذبح والميطانيات والمزامير والألحان والموسيقى، بل والخبز والخمر والزيت والماء.. وتنظيم القراءة وترتيب الأعياد وتنوع الليتورجيات.. كل هذا إنما جُعل لأجل الإنسان، ومن خلاله يرتفع الإنسان إلى السماء "ارفعوا قلوبكم"، ونصير شركاء السمائيين "احسبنا مع القوات السمائية"، ونرتقي في الفكر والحواس، وتتهذب مشاعرنا، وتنمو عواطفنا الروحية، ونلتقي بالله بل ونتحد به خلال السر المقدس الذي لجسده الإلهي ودمه الكريم الطاهر نصير بالحق "شركاء الطبيعة الإلهية" إذ قد "وهَبَ لنا المَواعيدَ العُظمَى والثَّمينَةَ" (2بط1: 4).







لقد نجحت الكنيسة ? مسوقة بالروح القدس ? في أن تستجلب لنا السماء على الأرض، أو قل إنها تصعدنا في كل يوم للسماء لنتذوق بهاء الملكوت أو مجد الأبدية، فتشتاق نفوسنا بالأكثر إليها.







إذا غابت هذه المفاهيم عن أذهان العابدين، فسنرتد مرة أخرى إلى الفكر اليهودي الضيق، والمنهج الفريسي المتزمت حيث ينشغل الإنسان بتوافه الترتيبات دون أن يتمتع ببهاء ممارستها.







الممارسة تتطلب الأمانة لا الاستهانة.







والأمانة تتطلب المعايشة لا السفسطة.







والمعايشة للطقس تتطلب فهمًا ووعيًا وروحانية،







ممارسة لذيذة مشبعة مفرحة،







وتلاقي حقيقي بالمسيح من خلال كل قداس، وفي كل صلوة، ومع كل مناسبة.







ما أجمل كنيستنا الرائعة..







"الرَّبُّ إلهُكِ في وسطِكِ جَبّارٌ. يُخَلصُ. يَبتَهِجُ بكِ فرَحًا. يَسكُتُ في مَحَبَّتِهِ. يَبتَهِجُ بكِ بترَنُّمٍ"



(صف3: 17)

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 03:56 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
همسات روحية



لنيافة الأنبا رافائيل

قام في اليوم الثالث حسب الكتب

https://images.chjoy.com//uploads/im...e88ab25b54.jpg


(الجزء الأول)







بقدر ما كانت
قيامة المسيح حدثاّ فريداً عجيباً، بقدر ما سبق الوحي المقدس وهيأ أذهان شعبه، لقبول
حقيقة هذه القيامة المقدسة..


وهناك نبوات
عديدة بطول الأسفار المقدسة، تشرح القيامة بكل تفاصيلها..تعالوا معي نبحر في أعماق
الأنبياء لنكتشف السر المكتوم والذي قد أعلن الآن...




1- القيامة في سفر المزامير:





سفر المزامير
على وجه الخصوص يحتوي على كثير من الإشارات النبوية لقيامة المسيح وإليك بعض هذه الآيات:








+
"أنا اضطجعت ونمت (نام رمز الموت والدفن) استيقظت (القيامة) لأن الرب يعضدني
(بقوة لاهوته)" (مز3: 5)




+
"قم يارب خلصني يا إلهي لأنك ضربت كل أعدائي على الفك (الشياطين) هشمت أسنان الأشرار
(رمزأ لنصرته على مملكة إبليس وكل جنوده)" (مز3: 7)




+ "إنما
الله (الآب) يفدي نفسي من يد الهاوية (الجحيم) لأنه يأخذني" (مز49: 15)




+
"لأنك نجيت نفسي من الموت (بالقيامة)" (مز56: 13)




+
"لأنك أنقذت نفسي من الموت" (مز116: 8)




+
"من أجل شقاء المساكين وصراخ البائسين (البشرية الساقطة البائسة) الآن أقوم يقول
الرب، أصنع الخلاص علانية" (مز12: 5)








ويعلق القديس
كيرلس الأورشليمي على نبوات القيامة بالمزامير قائلاً: تعال إذاً إلى المزمور الخامس
عشر الذي يقول في وضوح: "احفظني يارب لأني عليك توكلت"،


ثم يقول:
"لا أجتمع بمجامعهم من الدماء ولا اذكر أسماءهم بشفتي" لأنهم رفضوني


وقالوا:
"ليس لنا ملك إلا قيصر" (يو9: 15)...




ويقول أيضاً:
"
لا تدع قدوسك يرى فساداً"، ولم يقل: "لا تدع قدوسك يرى موتاً"
وإلا المعنى أنه لم يمت، ولكنه قال: "لا يرى فساداً" أي لا يبقى في القبر
حتى يفسد،


ثم يقول:
"عرفتني سبل الحياة"، وهذه إشارة واضحة لقيامته حياً بعد الموت،
ويستطرد القديس كيرلس الأورشليمي في شرح المزمور الثلاثين "أعظمك يارب لأنك احتضنتني
ولم تشمت بي أعدائي" يجيب بوضوح "
يارب أصعدت من الجحيم نفسي" ففي المزمور السابق يتبأ ويقول: "لن تترك
نفسي في الجحيم"/ أما هنا فيتحدث عن إتمام هذه النبوة بالفعل، فيقول: "أصعدت
من الجحيم نفسي خلصتني من الهابطين في الجب"، ومتى كان ذلك؟


"في
العشاء يجب البكاء وفي الصباح السرور" لأن التلاميذ حزنوا في المساء وفرحوا بالقيامة
في الصباح.








2- القيامة في سفر نشيد الأنشاد:







لم يفت القديس كيرلس الأورشليمي أن يكتشف القيامة في سفر النشيد، فيرى في الآية
"قطفت مري مع طيبي"، "مر وعود مع كل أنفس الأطياب" أنها رمز للدفن،
والحنوط الذي أعدته النسوة حاملات الطيب، ثم الآية "أكلت شهدي مع عسلي" أنها
قد تمت عندما أكل السيد جزءاً من سمك مشوي، وشيئاً من شهد عسل مع تلاميذه بعد قيامته
(راجع لو14: 39-42)


ويقول في
هذا: "أكل المر قبل الموت، والعسل بعد القيامة"




وعندما كانت
عروس النشيد تبحث في اجتهاد عن عريسها الغائب كانت ظلاً ومثالاً للمريميات اللائي جئن
في شجاعة يبحثن عن العريس السماوي.






"جاءت مريم والظلام باق" (يو20: 1) كمثلما أنشدت العروس "في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي" (نش3: 1) "طلبته فما وجدته"، كأنها
تقول مع المجدلية "أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه" (يو20: 13)،


وكذلك كأن
مريم تسأل الملائكة عند القبر "أرأيتم من تحبه نفسي؟" (نش2: 3)


فيجيب الملائكة
قائلين: "لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟" (لو24: 5)، "فما جاوزتهم إلا
قليلاً حتى وجدت من تحبه نفسي، فأمسكته ولم أرخه" (نش3: 4)، "
فأمسكتا بقدميه" (مت28: 9)




Mary Naeem 22 - 08 - 2014 04:03 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الأب سهيل خوري

كثير من الناس على مر العصور تسألوا هذا
السؤال. لقد سمع صموئيل صوت الله ولكنه لم يميزه الى أن أرشده عالي
(صموئيل الأول
1:3-10).
ورأى جدعون رؤيا ولكن لم يصدقها لدرجة
الى أنه طلب علامة من الله ليس مرة واحدة بل ثلاث مرات
(قضاة أصحاح 6
خاصة أعداد 17-22 و 36-40)
! عندما نستمع
لصوت الله، كيف نميز انه هو الذي يتحدث الينا؟
أولاً، لدينا ما لم
يمتلكه صموئيل وجدعون، الا وهو الكتاب المقدس بأكمله، كلمة الله الموحاة للقرأة،
التعليم، والتأمل. "كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ،
للتقويم والتأديب الذي في البر، لكي يكون انسان الله كاملاً، متأهباً لكل عمل صالح"
(تيموثاوس الثانية 16:3-17).
فهل لديك سؤال
عن موضوع معين أو قرار ما في حياتك؟ لا بد من تأمل ما يقول الكتاب المقدس عن هذا
الموضوع. فالله لن يقودك أو يرشدك بطريقة مخالفة لتعاليمه أو وعوده الموجودة في
كلمته
(تيطس 2:1)

ثانياً،لسماع صوت الله
يجب أن نميزه. قال يسوع "
خرافي تسمع صوتي، وأنا
أعرفها فتتبعني
" (يوحنا 27:10).
شخصياً أرى أن
هذه العبارة سهلة الفهم، ولكن الفرق الوحيد هو أن تجربتي مع الماشية وليس الخراف.
فصهري يمتلك مزرعة صغيرة، وعندما نذهب لزيارته، فأنه غالباً ما يذهب ليطمئن على
القطيع ولأطعامهم.
وحالما نصل
هناك فأنه يدعوا البقر الى أن يأتوا فتراهم يأتوا مسرعين ليتناولوا الطعام. وعندما
حاولت تقليده لم أجد أي من البقر قد التفتوا لصوتي أو أتوا الي.
أنهم معتادين على صوته لأنهم يرونه ويسمعونه
أكثر من مرة خلال اليوم. وبنفس الطريقة، فإن أردنا معرفة وتمييز صوت الله فلا بد
لنا من قضاء وقت معه وفي كلمته بصورة مستمرة ويومية
.
أحرص على الصلاة، قراءة
الكتاب ودراسته، والتأمل في كلمة الله يومياً. فكلما قضيت وقتاً مع الله وكلمته،
كلما أصبح سهلاً عليك معرفة صوته وتمييز قيادته لأمور حياتك.
ونرى أن موظفين
البنوك يتدربون على تمييز العملات المزورة وذلك بالتعمق في دراسة الأموال الحقيقية
.
وبالمثل، فعند دراستنا
لكلمة الله وتعاليمه والتعمق فيها، يمكننا معرفة وتمييز صوت الله بوضوح عند سماعه
وايضا عند قيادته لنا. فالله يتحدث لنا حتي نتفهم الحق.
وبينما أن الله
يتحدث أحياناً بصوت مسموع، فأنه غالباً ما يخاطبنا من خلال كلمته، وفي بعض الأحيان
الأخرى يقوم الروح القدس بتبكيت ضمائرنا من خلال ظروف معينة، ومن خلال أناس آخرين.
فبتطبيق ما
تعلمناه من الحق الموجود في كلمته، يمكننا معرفة بل وتمييز صوت الله
.
لمجده تعالى

Mary Naeem 22 - 08 - 2014 04:05 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
عظة عيد القديس نيقولاوس

https://upload.chjoy.com/uploads/1354307183692.jpg

القديس ديمتري روستوفسكي



نقلها إلى العربية المطران أبيفانيوس زائد



بإقامتنا الآن تذكار أبينا القديس نيقولاوس
رئيس أساقفة ميراليكيا العجائبي، لنفكرّ أيها الأحباء في لقبه، لأن عجائبه كثيرة مدهشة.
وهي مطابقة لاسمه الشريف الذي يعني نصر الأمة، في اللغة اليونانية، أو الغلبة على البشر.


فهل هذا المعنى ينطبق على اسم هذا القديس وحياته؟

إننا إذا نظرنا إلى طفولة القديس نيقولاوس نرى
أنه كان منذ الولادة متغلّباً على الطبيعة البشرية. فقد انتصب، وهو طفل، في جرن المعمودية
المقدسة، ثلاث ساعات، دون مساعدة أحد، ممجداً الثالوث بينما الكثيرون من الأشداء يحجمون
عن الوقوف في بيت الله، بخوف وتقوى وانتباه، مدة ساعة واحدة. وإن وقفوا كالصنم، لا
شعور فيهم مطلقاً. لهم آذان، ولا يفهمون ما يُقرأ أو يُرتَّل في الكنيسة.


لهم عقول
ولا يفكرون بالأمور الإلهية. يقفون جسدياً في الهيكل المقدس وقلوبهم ملأى بالأفكار
الشريرة. ماذا تكرّر أفكارهم في هيكل الله؟ أطالت الصلاة أم قصُرت، يتحدثون عن الأعمال
العالمية، هناك الشراء والبيع، هناك الهذر المتبادل.


أيها البشر! أنظروا إلى القديس نيقولاوس، الذي
منذ الطفولة سبّح الثالوث القدوس وهو منتصب ثلاث ساعات. تأمّلوا أو اخجلوا من طفل صغير
يظهر أقوى منكم في التقوى. في بداية طفولته غلب الطبيعة البشرية. تعوّد الصوم قبل أن
يتعوّد الأكل. صام أيام الصيامات المعينة منقطعاً عن ثدي أمه.


أليس هذا
من خوارق الطبيعة البشرية؟ فما قول المسيحيين الأرثوذكسيين الذين يعتبرون الأربعاء
والجمعة كالأحد والسبت، ويتشبّهون بغير المسيحيين، وينقضون الأصوام بلا خجل؟


أهكذا يتصرّف
أبناء الكنيسة مع أمّهم الحنون التي تغذّيهم بتعاليمها وإرشاداتها، وقد ولدتهم بالماء
والروح؟!


يا له من
خجل، الأولاد يعلّمون الرجال، والأطفال والشيوخ!


ولما بلغ القديس نيقولاوس أشدّه، كان يحضر إلى
بيت الله دائماً وقبل الجميع. لم ينتظر صدّيق الله قرع جرس الكنيسة، بل كان يبادر إلى
الهيكل مبكراً. لقد أخذ من أبواب الكنيسة يوم تكريسه، وكان قد حضر إليها في منتصف الليل
قبل التراتيل العمومية. وهذا لعمري يخجل النوّامين المتقاعسين.


فكم من الأجراس تُقرَع
منادية أتباع المسيح إلى هيكل الله للاستماع للقداس الإلهي!


ورغم ذلك،
لا يستيقظ المستسلمون للرقاد. وإذا ما استيقظوا فلا يتمكنون من التغلّب على النعاس،
ولا يفكّرون بالذهاب إلى الكنيسة، ولا يودّون أن يسهروا ساعة واحدة.


وكم من المسيحيين
يقيمون أجراساً للكنائس على نفقتهم ولا يسمعونها، ويضحّون من أموالهم لتزيين الكنائس
بالأيقونات ويتقاعسون عن الصلاة أمامها، وكثيرون يبنون الكنائس لله ولا يهتمون بزينتهم
الروحية.




فإذا التفتنا
إلى اهتمام القديس نيقولاوس بخلاص النفوس البشرية نجد ما يستحقّ الإعجاب والإكبار في
حياته وسيرته. فقد رأى رجلاً فقيراً لا يكاد يسد عوزه بما لديه، بل كان يفكر في أن
يضحّي ببناته الثلاث لمساكنة غير شرعية، لحاجته الملحّة إلى القوت.


فناوله القديس
نيقولاوس سراً ثلاثة أكياس ذهباً، من النافذة، وهكذا أنقذه مع عائلته من مخالب الفقر
والجوع والهلاك الأبدي. فما قول القادرين الذين لا يساعدون الفقير والعاجز، بل يجتهدون
أن يسلبوه الفلس الأخير؟ وما قول الذين لا يردعون الفتيان عن الخطيئة بل يقودونهم ويجذبونهم
إليها؟ الحق أن مثل هؤلاء يجب أن يخجلوا ويتمثلوا بحياة القديس نيقولاوس.


فلنصلِّ أيها الأحباء بنشاط إلى هذا القديس
العجائبي، لكي يعطينا قوة وثباتاً فنتغلّب على الشهوات والأفكار الشريرة، ونقهر أعداءنا
المنظورين.


إنه منتصب أمام عرش الله في السماء مع الرؤساء الروحيين العظام، ينظر من
علاه إلينا نحن الخطأة، وليس هذا فحسب


بل يزورنا
بصورة غير منظورة. فإن آمنّا ووثقنا به يكون بلا شك في وسطنا نحن المقيمين تذكاره.


إن القديس
نيقولاوس يرى إيماننا ونشاطنا، ويقتبّل منا تكريمه، ويقدم للعلي صلواتنا نحن الخطأة،
وينقذنا من الشدائد والشرور بصلواته الحارّة، ويسأل لنا من فوق الخيرات الحاضرة والآتية.


حقاً! إنه
راعينا الصالح ومساعدنا ومناصرنا وحامينا بنعمة سيدنا يسوع المسيح الذي له المجد والملك
والشرف والسجود الآن والى دهر الداهرين آمين

Mary Naeem 23 - 08 - 2014 04:47 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
لا تقابل الاهانة بمثلها

https://images.chjoy.com//uploads/im...7dc0cddfbe.jpg

لا ترد الاهانة بمثلها وخاصة وان كنت غير مسئ البتة الى الشخص الذي اهانك وجرح شعورك بل التزم جانب الصمت لى ان يهدا الشخص الذي اهانك ثم قل له بقلبك انا مسامحك كليا وسامحه انت من داخل نفسك وصلي على نيته لكي يغفر الله اسائته لك وبذلك التصذف قد وضعت جمرة نار على فمه واستمر في مصادقته ولكن ضمن حدود معينة ولا تغضب منه اطلاقا بل اعمل كما تقول وصية الرب يسوع المسيح لنا صلوا لاعدائكم وباركوا لاعنيكم واحسنوا الى الذين يظطهدونكم فبذلك يسالمك اعداؤك ومبغضيك ويتحولون من اشخاص يبغضونك الى اشخاص يحبونك لانك بتصرفك كما وصية الرب يسوع تقول قد غلقت كل الابواب على ابليس الذي يسلطهم عليك ويجعلهم يتصرفون هكذا نحوك ونشرت سلام المسيح يسوع الذي يملئك ورائحته الزكية وعطره الخلاب الذي يفوح منك

Mary Naeem 23 - 08 - 2014 04:50 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
التعليم والطاعة وشركة القديسين في النور


https://images.chjoy.com//uploads/im...99360ebe1f.jpg

[ ينبوع الحكمة كلمة الله في العُلى، ومسالكها الوصايا الأزلية ] (سيراخ 1: 5)
[ فاسمع لصوت الرب إلهك واعمل بوصاياه وفرائضه التي أنا أوصيك بها اليوم ] (تثنية 27: 10)
[ فقال صموئيل (النبي لشاول الملك) هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب (طاعته). هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش. لأن التمرد كخطية العِرافة والعناد كالوثن والترافيم. لأنك رفضت كلام الرب، رفضك من المُلك ] (1صموئيل 15: 22 – 23)
[ من أجل إنكم قد بخرتم واخطأتم إلى الرب ولم تسمعوا لصوت الرب ولم تسلكوا في شريعته وفرائضه وشهاداته من أجل ذلك قد أصابكم هذا الشرّ كهذا اليوم ] (إرميا 44: 23)
[ نضطجع في خزينا ويُغطينا خجلنا لأننا إلى الرب إلهنا أخطأنا نحن وأباؤنا منذ صبانا إلى هذا اليوم ولم نسمع لصوت الرب إلهنا ] (إرميا 3: 25)

حينما يدخل الإنسان في سرّ التوبة والإيمان يدخل في سرّ الحياة الجديدة في المسيح يسوع، وإيمانه يًصبح عاملاً بالمحبة التي تولد في قلبه أشواق نحو الله حبيبه الخاص، وتنفتح آذانه الداخلية على صوته فيبدأ يتعرف على مشيئته، وبكون إيمانه اصبح حي فأنه يصغي للتعليم الصادر من الكتب المقدسة ليُطيع، لأن لو هناك إيمان حي حقيقي في القلب فأن علامته الحقيقية هي الطاعة، والتي تدل على أن الإيمان حقيقي عامل بالمحبة، وهذا يثبت اننا أصبحنا عملياً رعية مع القديسين وأهل بيت الله: [ فأجاب وقال لهم (يسوع) أُمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها ] (لوقا 8: 21)، ولذلك الرب بنفسه ليعلن هذه الحقيقة ويُثبتها ويوضح علامة الطريق الصحيح لحياة التوبة والإيمان الصريح قال: [ الذي عنده وصاياي ويحفظها (يتذكرها ويطيعها ويحيا بها) فهو الذي يحبني، والذي يحبني يحبه أبي، وأنا أُحبه وأُظهر له ذاتي... الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني ] (يوحنا 14: 21 و24)
والرسول يقول عن كيف نحب: [ يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق ] (1يوحنا 3: 18)
لذلك من تاب توبة حقيقية وبدأ يعيش بالإيمان إذ قد نال نعمة حقيقية وقوة داخلية من الله، فأنه يسعى بكل جهده لأن يستمع للتعليم الذي من الله:
  • [ الذي من الله يسمع كلام الله، لذلك أنتم لستم تسمعون لأنكم لستم من الله ] (يوحنا 8: 47)
  • [ فأجابه يسوع قائلاً: "مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من الله ] (لوقا 4: 4)
  • [ انه مكتوب في الأنبياء ويكون الجميع متعلمين من الله، فكل من سمع من الآب وتعلم يُقبل إليَّ ] (يوحنا 6: 45)
  • [ من أجل ذلك نحن أيضاً نشكر الله بلا انقطاع لأنكم إذ تسلمتم منا كلمة خبر من الله قبلتموها لا ككلمة أُناس، بل كما هي بالحقيقة ككلمة الله التي تعمل أيضاً فيكم أنتم المؤمنين ] (1تسالونيكي 2: 13)
فابن الملك الذي يسير في الطريق وهو يرتدي أجمل الثياب وأروع المجوهرات واللآلئ الثمينة ومع ذلك يعلم أن الشوائب تتعلق دائماً بأجزاء جسده المكشوف والمعرض للأتربة لذلك فهو يحتاج دائماً أن يتعلم بدوام وباستمرار كيف يغتسل يومياً ليحفظ نفسه من المرض، وأيضاً الذي يسير في أي طريق لابد من أن يمشي في النور عالماً كيف يسير ويسلك، لئلا ينجرف بعيداً عن الطريق أن لم يكن متعلماً عارفاً أين يسير فيه وإلى أين يمضي لئلا يضل ويتوه ولا يصل لغايته أبداً لأن من يجهل طريق كيف يسير فيه، هكذا الإنسان الذي أحب الله ودخل في سرّ التجديد وحياة توبة البنين، فهو دائماً يحتاج لأن يتعلم من الله الطريق لكي يسير مستقيماً فيه، عالماً من أين يأتي وإلى أين يذهب بتدقيق ويحيا ذو صحة روحية داخلية، حافظاً نفسه من الضلال والتعثر في مسيرته، لأن الجهل بالطريق الروحي كفيل أن يُعيد حياة الشرّ القديمة للإنسان دون أن يشعر فيتوه ويضل:
  • [ اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو ] [ فاذكر (تذكار دائم) كيف اخذت وسمعت واحفظ (اسمع وطيع) وتب، فإني أن لم تسهر (تنتبه وتتيقظ) أُقدم عليك كلص ولا تعلم أية ساعة أُقدم عليك ] (1بطرس 5: 8؛ رؤيا 3: 3)...
فعدم المعرفة يجعلنا في حالة خلل في المسيرة، لذلك نجد كثيرون يتعثرون في الطريق ويتزعزع إيمانهم، والبعض يرتد عن توبته وإيمانه، والبعض يترك الطريق ويسير في طريق معاكس دون أن يدري، لأنه لم ينال قوة التعليم ولا روح الإفراز والتمييز، ويسير وفق أي كلام وتعليم يراه صالح من جهة قبول العقل والاقتناع الفكري به:
  • [ فقال: "انظروا لا تضلوا فأن كثيرين سيأتون باسمي قائلين إني أنا هو والزمان قد قرب، فلا تذهبوا وراءهم" ] (لوقا 21: 8)، [ حينئذ أن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا ] (متى 24: 23)، [ أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله، لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم ] (1يوحنا 4: 1)، [ امتحنوا كل شيء تمسكوا بالحسن ] (1تسالونيكي 5: 21)، [ جربوا أنفسكم هل أنتم في الإيمان، امتحنوا أنفسكم أم لستم تعرفون أنفسكم أن يسوع المسيح هو فيكم أن لم تكونوا مرفوضين ] (2كورنثوس 13: 5)
فينبغي يا إخوتي التائبين بصدق المحبين لله، أن نعرف المعرفة التي لنا من الله، وليست أي معرفة، لا للحفظ العقلي والفكري والفلسفة والنقاش مع الناس والجدل، بل لنوال قوة الله لتكون القوة التي تدفع عنا الشرور وتقهرها، فنحيا في حالة تنقية مستمرة:
  • [ وأن لم يسمعوا فبحربة الموت يزولون ويموتون بعدم المعرفة ] (أيوب 36: 12)، [ لذلك سُبي شعبي لعدم المعرفة وتصير شرفاؤه رجال جوع وعامته يابسين من العطش ] (إشعياء 5: 13)، [ قد هلك شعبي من عدم المعرفة، لأنك أنت رفضت المعرفة أرفضك أنا حتى لا تكهن لي، ولأنك نسيت شريعة إلهك أنسى أنا أيضاً بنيك ] (هوشع 4: 6)، [ فأجاب يسوع وقال لهم: "أليس لهذا تضلُّون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله" ] (مرقس 12: 24)، [ إنما صالح الله لإسرائيل لأنقياء القلب ] (مزمور 73: 1)، [ طوبى للأنقياء القلب لأنهم يُعاينون الله ] (متى 5: 8)، [ أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به ] (يوحنا 15: 3)، [ الروح هو الذي يُحيي أما الجسد فلا يُفيد شيئاً، الكلام الذي أُكلمكم به هو روح وحياة ] (يوحنا 6: 63).
طبعاً من هنا يتضح لنا ما هي المعرفة التي يقصدها الله، فهي ليست معرفة المدارس اللاهوتية ولا الفكر، ولا كلام الناس، بل الكلمة الخارجة من فمه هوَّ، لتدخل في أعماق الضمير والنفس لتنقي الداخل، وتنزع الأعشاب الضارة اي التعليم التي لا يتفق مع صلاحه، وعندما ننفتح على كلمته ونقبلها كسيف فينا للحماية والتنقية [ سيف الروح الذي هو كلمة الله ] (أفسس 6: 17)، فأنها تقطع وتعزل شوائب الشرور المتعلقة بنا دون أن نشعر لأن: [ القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه ] (إرميا 17: 9)، لذلك يقول الرب: [ هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي لا ترجع إليَّ فارغة بل تعمل ما سُررت به وتنجح فيما أرسلتها له ] (إشعياء 55: 11)، [ (يقول الرب لإرميا) أحسنت الرؤية لأني أنا ساهر على كلمتي لأُجريها ] (إرميا 1: 12)، [ أليست هكذا كلمتي كنار يقول الرب وكمطرقة تحطم الصخر ] (إرميا 23: 29).
  • [ كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير ] (1يوحنا 2: 14)، [ لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ، ومُميزة أفكار القلب ونياته ] (عبرانيين 4: 12)، [ ورأيت نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة الله والذين لم يسجدوا للوحش ولا لصورته ولم يقبلوا السمة على جباههم وعلى أيديهم فعاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة ] (رؤيا 20: 4)
يقول القديس كيرلس الأورشليمي: [ لتُسرع قدماك إلى التعليم المستمدة من الكتب المقدسة، سواء تلك التي تسمعها أو تتلوها، فهذا عمل يؤول إلى خلاصك. فكر أن لدينا ذهباً خاماً مخلوطاً بمواد أُخرى، مثل النحاس والقصدير والحديد والرصاص، ونحن نحاول أن نحصل على ذهب نقي. وهذا لا يُمكن أن يتم إلا بواسطة النار. هكذا لا يُمكن للنفس أن تتنقى إلا بواسطة التعاليم. يُستر وجهك (من جهة الخارج) لكي يتحرر قلبك، خوفاً من أن تزوغ عينيك فلا ينضبط قلبك، العينان المعصوبتان (يقصد عدم التمييز بسبب الجهل بالمعرفة الإلهية) لا تعوقان أُذنيك عن تقبُّل تعاليم الخلاص. وكما أن الذين ينقون الذهب، مضطرون إلى تذكية النار بأدوات دقيقة، بحيث لا يبقى في البوتقة غير الذهب الصافي؛ كذلك يُثير المكلفون (الخدام المعلمين الذين يوزعون التعليم كما يتناسب مع السامعين) الرعب بواسطة روح الرب ويوقظون النفس المتجمدة في الجسد كما لو كانت في بوتقة، فيهرب الخصم – الشيطان – ويبقى الخلاص ورجاء الحياة الأبدية، وأخيراً تحصل النفس على الخلاص (التام) بعد أن تكون قد تنقت من خطاياها، فلنبقَ في هذا الرجاء، يا إخوتي، حتى إن إله الكون الذي يرى قصدنا الصالح، يُطهرنا من خطايانا ويهبنا رجاء الخيرات الحقة، ويمنحنا توبة خلاصيه.
الله يختار وقد وقع اختياره عليك.. ثابر على التعاليم، وحتى أن قضينا فيها وقتاً طويلاً في الكلام، فلا تدع ذهنك يضعُف أو يمل، لأنك تتسلم أسلحة ضد القوات المُعادية ] (من عظات القديس كيرلس الأورشليمي)

وطبعاً بعد أن وعينا أهمية التعليم في الكتب المقدسة والاستماع لمن لهم موهبة التعليم بالروح القدس، علينا أن نعي أن التعليم لا يُأخذ في إطار فردي بل في إطار شركة القديسين في النور، أي شركة الكنيسة، أي جماعة المؤمنين الأحياء بالله: [ شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور ] (كولوسي 1: 12)، [ ولكن أن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية ] (1يوحنا 1: 7)، فلا تطهير بدون شركة بعضنا مع بعض...
ولننتبه جيداً جداً للمكتوب:
[ لك ينبغي التسبيح يا الله في صهيون ولك يوفى النذر. يا سامع الصلاة إليك يأتي كل بشر. آثام قد قويت عليَّ، معاصينا أنت تكفر عنها. طوبى للذي تختاره وتُقرِّبه ليسكن في ديارك، لنشبعن من خير بيتك قُدس هيكلك ] (مزمور 65: 1 – 4) [ وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون ] (أعمال 2: 47)
[ ما أحلى مساكنك يا رب الجنود. تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب، قلبي ولحمي يهتفان بالإله الحي. العصفور أيضاً وجد بيتاً والسنونة عشاً لنفسها حيث تضع أفراخها، مذابحك يا رب الجنود ملكي وإلهي. طوبى للساكنين في بيتك أبداً (باستمرار) يسبحونك... طوبى لأُناسٍ عزهم بك، طرق بيتك في قلوبهم. عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً، أيضاً ببركات يغطون مورة. يذهبون من قوة إلى قوة، يُرَوُنَ قدام الله في صهيون. يا رب إله الجنود اسمع صلاتي واصغٍ يا إله يعقوب ... يا مجننا انظر يا الله والتفت إلى وجه مسيحك. لأن يوماً واحداً في ديارك خيرٌ من ألف، اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السكن في خيام الأشرار. أن الرب الله شمس ومجن، الرب يُعطي رحمة ومجداً، لا يمنع خيراً عن السالكين بالكمال. يا رب الجنود طوبى للإنسان المتكل عليك ] (مزمور 84)
[ هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معاً. مثل الدهن الطيب على الرأس النازل على اللحية، لحية هرون النازل إلى طرف ثيابه. مثل ندى حرمون النازل على جبل صهيون لأنه هناك أمر الرب بالبركة: حياة إلى الأبد ] (مزمور 133)
[ فما هو إذاً أيها الإخوة، متى اجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور، له تعليم، له لسان، له إعلان، له ترجمة (ألسن)، فليكن كل شيء للبنيان ] (1كورنثوس 14: 26)
فلا تضلوا يا إخوتي، لأن كل من لا يشتاق لأخيه ولا لشركة القديسين في النور ويتولد عنده العزم للقاء معهم في مواظبة شركة الصلاة وقراءة الكلمة والمواظبة على التعليم، فأنه يعلم يقيناً أن هناك شيء ما خاطئ عنده وإيمانه غير مستقيم، لأن مستحيل أهل البيت الواحد لا يحيون مع بعضهم البعض في شركة المحبة لملكهم ومخلصهم [ انكم كنتم في ذلك الوقت (قبل الإيمان) بدون مسيح، أجنبيين عن رعوية إسرائيل وغرباء عن عهود الموعد، لا رجاء لكم وبلا إله في العالم... فلستم إذاً بعد (الآن) غرباء ونُزلاً، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله ] (أفسس 2: 12 و19).

ثم كيف يقف إنسان أمام الله ولا يتولد في قلبه محبة وشوق لرؤية أخيه الذي هو ابن لله معه:
  • [ إذاً يا إخوتي الأحباء والمشتاق إليهم، يا سروري وإكليلي، اثبتوا هكذا في الرب أيها الأحباء ] (فيلبي 4: 1)، [ وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه ] (يوحنا 1: 12)، [ الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله ] (رومية 8: 16)، [ انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى نُدعى أولاد الله، من أجل هذا لا يعرفنا العالم لأنه لا يعرفه ] (1يوحنا 3: 1)، [ كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله، وكل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضاً، بهذا نعرف أننا نحب أولاد الله إذا أحببنا الله وحفظنا وصاياه ] (1يوحنا 5: 1 و2)
والرسول نفسه يقول: [ الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا، وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح ] (1يوحنا 1: 3)، إذن كيف يكون لنا شركة مع الله وشركتنا مقطوعة مع أولاد الله الحي وجميع القديسين !!! أليس هذا هو التعليم الذي تسلمناه من سفر أعمال الرسل كرعية مع القديسين وأهل بيت الله:
+ هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته (أعمال 1: 14)
+ وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات (أعمال 2: 42)
+ وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة وإذ هم يكسرون الخبز في البيوت كانوا يتناولون الطعام بابتهاج وبساطة قلب (أعمال 2: 46)
يا إخوتي لن ننمو نمواً صحيحاً وتستقيم حياتنا مع الله على الإطلاق ونحن نعيش فرادى منعزلين عن بعضنا البعض عن قصد منا أو لا مبالاة، وكل القديسين أحباء الله الحي شركاءنا في التوبة والإيمان، لأن الرسول يقول:
  • [ فأطلب إليكم أنا الأسير في الرب: أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتم بها. بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم بعضاً في المحبة. مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام. جسد واحد، وروح واحد، كما دُعيتم أيضاً في رجاء دعوتكم الواحد، رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة. إله وأب واحد للكل، الذي على الكل، وبالكل، وفي كلكم. ولكن لكل واحد منا أُعطيت النعمة حسب قياس هبة المسيح. لذلك يقول إذ صعد إلى العلاء سبى سبياً وأعطى الناس عطايا. وأما أنه صعد فما هو إلا أنه نزل أيضاً أولاً إلى أقسام الأرض السفلى. الذي نزل هو الذي صعد أيضاً فوق جميع السماوات لكي يملأ الكل. وهو أعطى البعض أن يكونوا رُسلاً، والبعض أنبياء، والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومُعلمين. لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح. إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسان كامل، إلى قياس قامة ملء المسيح. كي لا نكون فيما بعد أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم، بحيلة الناس بمكرٍ إلى مكيدة الضلال. بل صادقين في المحبة ننمو (معاً) في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح. الذي منه كل الجسد مركبا معاً ومقترناً بمؤازرة كل مفصل حسب عمل على قياس كل جزء يحصل نمو الجسد لبنيانه في المحبة. ] (أفسس 4: 1 – 16)، فلا نمو إطلاقاً لأعضاء منفصلين كل واحد منقطع عن الآخر يحيا في حالهُ منفصلاً عن شركة أخيه في النور، ولا يبالي بها ولا حتى يسعى ليُحققها ابداً، وطبعاً لا يكفي التمنيات ولا ينبغي أن نصاب بكسل، لأننا لو عشنا منعزلين سنسقط وتخور كل وقوانا الروحية حتماً، لأن أي عضو في الجسد يُبتر من الجسد ويُقطع ييبس ويموت، مثل أي غصن في أي شجرة عند قطعه يحيا فترة ثم يبدأ في الموت يوماً بعد يوم إلى أن ييبس ويموت تماماً...

Mary Naeem 23 - 08 - 2014 05:16 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
القداسة طموح الشهداء
https://images.chjoy.com//uploads/im...036d83d436.jpg

لقد رأى المسيحيون الأوائل أن قمة حياة القداسة هي الاستشهاد، خصوصاً أن المسيحية انتشرت في عصر الاضطهاد، لذلك نرى أن معظم تلاميذ يسوع سفكوا دمائهم تمسكاً بإيمانهم (تأمّل: رو8/35-00). فكانوا حقاً "زرع الكنيسة"، حسب تعبير ترتليانوس. فاقتدوا بيسوع في حياته وموته لتستمر الكنيسة بمجدهم "فلا تقوى عليها أبواب الجحيم" (مت16/18). هكذا وُصفت الشهادة على أنها الشكل الأعلى والأسمى للقداسة. فالشهداء هم الذين غسلوا حُللهم وبيّضوها بدم الحمل" (رؤ7/15). ولدينا المثال على ذلك القديس اغناطيوس الانطاكي. فلنصغِ إلى ما يقول: "لن تتاح لي فرصة كهذه للذهاب إلى الله.. إني لا أطلب منكم شيئاً. أطلب فقط أن تتركوني أن أقدّم دمي فدية على مذبح الرب، مادام المذبح معدّاً.. إني أموت بمحض اختياري من أجل المسيح.. اتركوني فريسة للوحوش. هي التي توصلني سريعاً إلى الله. أنا قمح أُطحَن تحت أضراسها، لأُعدّ خبزاً نقياً للمسيح.. لقد ابتدأت أكون تلميذاً للمسيح.. لا شيء يمنعني عن المسيح.. ماذا تفيد ملذات العالم، مالي وفتنة هذا العالم. إني أفضل أن أموت مع المسيح من أملك أطراف المسكونة.. قرُبت الساعة التي أولد فيها. اغفروا لي يا اخوتي.. دعوني أحيا حقاً.. اتركوني أصل إلى النور النقي. إذ ذاك أصبح إنساناً حقيقياً. اقتدوا بي فأنا اقتدي بآلام ربي.. إن رغبتي الأرضية قد صلبت ولم تبقَ فيّ أي نار لأحب المادة، لا يوجد غير ماء حي يدمدم في أعماقي ويقول تعال إلي أيها الآب" (رسالته إلى أهل رومة).
ليس الموت طريقاً لحياة القداسة ولكن إن كان لا بدّ منه فأهلاً به.
إن الشهيد، حسب القديس اكليمنضوس الإسكندري، هو "دعوة الإنسان إلى الكمال". والشهادة ليس نهاية حياته ولكنّها تُظهر "كمال المحبة". فلا يحمل الشهيد القداسة لإخوته فقط "بل لكل الكنيسة والعالم والكون". وكما يقول أحد الفلاسفة الوجوديين: عندما تكون كنيسة قديسة يصدر عنها قديسون، وبالمثل القديسون يجعلون من كنيستهم قديسة.

Mary Naeem 23 - 08 - 2014 05:17 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
القداسة مسيرة صحراء
https://images.chjoy.com//uploads/im...b5a83739e7.jpg

بعد أن أعلن السلام القسطنطيني مرسوم ميلانو سنة 313 م الذي سمح بحرية انتشار المسيحية وأنهى زمن الاضطهاد. خيّم على الكنيسة بعض مظاهر الرخاء والتملّق والمحاباة، وازداد ذلك كلما نعمت الكنيسة بالهدوء والاستقرار، وكادت الروحانية المسيحية، التي أعلنت ملء مصداقيتها بدم الشهداء، تفقد عمقها لولا أن الله افتقدها ليأتي بها "إلى البرية ليخاطب قلبها" (هو2/16)، ويدعوها مجدداً إلى نوع آخر من الشهادة، إنها شهادة الصحراء.
لقد نشأت الحياة الرهبانية في صحراء مصر أولاً، ثم في سورية وفلسطين، و"حتى أقصى الأرض"، احتجاجاً على أن الزمن، وإن كان زمن قيصر، هو أولاً زمن ملكوت الله. فلا بدَّ من الصحراء، حيث يضعف ملكوت قيصر. فالرهبنة ليست بدعة في حياة الكنيسة، بل العكس تماماً. فكما كانت شهادة الدم هي ملء حياة القداسة زمن الاضطهاد، تكون الرهبنة نموذج للقداسة في زمن سطوة العالم .يتكلّم القديس إيرنيموس عن عطش كنيسة زمانه إلى الصحراء، فيقول: "أيتها الصحراء حيث سطعت أزهار المسيح الفتيّة. أيتها الخلوة حيث ولدت تلك الأحجار التي تبنى منها مدينة الملك العظيم حسب سفر الرؤيا.." ويتحدث إلى أحد أصدقاءه فيقول: "ماذا تعمل أيها الأخ العزيز في هذا العالم هل ستبقى محبوساً تحت الأَسقف.. وإلى متى؟.. إلى متى ستبقى في سجن المدن المدخنة؟.. صدقني، لا أستطيع أن أصف لك النور الغير الموصوف الذي يقع تحت عيني. ما أشد سروري أن أخلع ثوب الجسد الثقيل لأطير في طهارة الإشعاع الساطع.."
إن الصحراء ترمز إلى حاجة الإنسان إلى الخلوة الداخلية. حيث المؤمن يكتشف صورته الأصلية في رؤيا الحبيب (أُنظر: نشيد الأناشيد 4) فيتحوّل العالم المليء بالقحط والأنانية والعنف إلى سلام وهدوء (أُنظر: أشعيا 35) والاستسلام لله هو أهم ما تقدمه الصحراء (رؤ3/20) وبه يستطيع المؤمن الانتصار على كل سطوة إبليس (مت4/1-11) إذ أنه في عمق الصمت يمكن الإصغاء، والإصغاء لله يُحقق الانتصار.

Mary Naeem 23 - 08 - 2014 05:18 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
القداسة.. صحراءٌ في قلب العالم

https://images.chjoy.com//uploads/im...9b3df10959.jpg


لقد أكد القديس أنطونيوس الكبير على ضرورة النزوح إلى الصحراء المكانية لتحقيق ذروات في حياة القداسة. ليأتي بعده القديس أفرام السرياني (373- 306) ليطوّر هذه الحقيقة. فيعتبر أن حياة التأمل هي ضرورة ملحة للالتزام العميق بالمسيحية. ويطلق قولاً للمسيح غير موجود في الإنجيل: "حيث يكون متوحد فأنا أكون".. ويضيف: "إن المسيح هو معنا.. هو فرحنا". ولكن التوحد والتأمل لا يتنافى مطلقاً مع الالتزامات الإنسانية الأخرى. فمع القليل من قوة الروح، يمكن عيش الشهادة في زحمة الحياة، فلا ضرورة، برأي القديس أفرام، للهرب من العالم. ويتكلم أفرام عن البتولية وعن إمكانيتها في حياة المجتمع، لا بل يشدد على ضرورتها لتعلن للمؤمنين رؤى الحياة الأبدية. ويتكلم أيضاً عن ضرورة ممارسة حياة الفقر والصوم والسهر والصلاة المستمرة ليتمكن المؤمن من إعلان حضور الله في حياته. لقد كان أفرام شاعراً فرتل في قلب العالم ما تمجد به أباء الصحراء.
ويأتي أيضاً القديس باسيليوس الكبير 330-370) ليؤكد أن للالتزام بحياة القداسة في عمق التأمل لا يتكرّس إلا "بالعمل" و"المشاركة". فنراه ينظم الحياة الرهبانية ويدعمها بالمشاريع الاجتماعية التي تنسجم مع اندماج يسوع باخوته الصغار الذي فيهم يكون جائعاً وعطشاناً ومريضاً وغريباً..ً (مت25). فلا يمكن الفصل في حياة القداسة بين التأمل والخدمة، بين الصحراء والمجتمع.
وتأخذ الصحراء في قلب العالم بُعداً مميّزاً مع القديس فرنسيس الأسيزي (1182) حيث تبدأ خبرته الروحية بلقاءه مع المسيح المصلوب، ومن خلال مسيرة داخلية طويلة أخرجت فرنسيس من بيئته البرجوازية. لتنطلق به وتضعه في نور الرب مقدماً له ذاته في أعمال فقير وأخ صغير للفقراء والبرص والهامشيين. ففي كنيسة سان داميان طلب المصلوب من فرنسيس: "يا فرنسيس، اذهب وأصلح كنيستي التي تنهار". لم يفهم مباشرة معنى هذا النداء. ولكنّه شعر برغبة عميقة للتخلي. فترك كل شيء له وتوجه للتأمل بالمصلوب ملتزماً بحياته بكل ما تحمل من فقر وتواضع ووداعة ومحبة، وعلاقة الخالق بالخليقة. إن الإقتداء بالمسيح والتشبّه بحياته وخصوصاً بفقره وتواضعه هو أساس بناء الروحانية الحقة. والمؤمن الذي يتخلى عن كل شيء وعن ذاته إقتداء بالمسيح يغتني بالمسيح في آخر المسيرة. فالله يؤلهه متقبلاً تقدمة ذاته. إن تنازل الله نحونا يرفعنا ويمنحنا الكرامة الحقة. وكان القديس فرنسيس يرجع دوماً إلى "التوبة"، وحتى، وهو على فراش الموت، يتذكر كيف قاده الله إلى التوبة. فالتوبة هي حركة مستمرة في حياة المؤمن.
وتأخذ حياة التأمل المندمجة فيقلب العالم وجهاً معاصراً مع الأخ شارل دو فوكو (1858- 1916) فتمنح النور الأوفر لحياة يسوع في الناصرة. فقد شعر بأنه مدعو إلى أن يكرز بالإنجيل لا بالكلام والنشاطات الخارجية، بل بالحياة: "يهتف بالإنجيل بحياته". بحسب عبارته الشهيرة. ولا ننسَ كم غرف هذا الأخ ليسوع قبل اهتدائه من ينابيع القوة العبثية واللهو والمجون. لقد كان ابن عائلة غنية وحاكمة في الجيش الفرنسي آنذاك. يترك كل شيء ليعيش حياة الاندماج بالمجتمع متخفٍ كيسوع العامل البسيط في الناصرة، كل ما لديه من غنى هو فقط يسوع. يقول الأخ شارل في يومياته: "يجب أن تكون رسالتي رسالة صلاح. ينبغي أن يقول الناظر لي.. بما أن هذا الرجل صالح، لابد أن يكون إيمانه حسناً. وإذا ما طُلب إلي لماذا أنا لطيف ووديع علّي أن أقول.. لأنني خادم لسيد يفوقني جداً بصلاحه، فيا ليتكم علمتم أن سيدي يسوع هو صالح.. وأني لأتمنى أن أكون صالحاً بالكفاية كي يقال.. إن هذا العبد هكذا، فماذا عن السيد.. علّي أن أكون كلا للكل.. أضحك مع الضاحكين وأبكي مع الباكين.."

Mary Naeem 23 - 08 - 2014 05:19 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
القداسة "لمجد الله الأعظم.."
https://images.chjoy.com//uploads/im...66a4b2c7e9.jpg


"لمجد الله الأعظم" نغمة رتلها إذ كان بعد في العالم، وأصرّ أن تكون أنشودة حياة الروح. فكان كذلك له ولقلوب كثيرة.. إنه القديس أغناطيوس دي لويولا (1556) مؤسس الرهبنة اليسوعية. إن هذا المعلم الكبير الذي قادت روحانيته، خصوصاً من خلال "الرياضات الروحية"، الكثير إلى النهوض والقداسة. والرياضة الروحية هي أهم ما يميز هذه الروحانية. وهي عبارة عن تمارين تنتقل بممارسها (وبإشراف مرشد) إلى اكتشاف حب الله القوي واعتلان مجده الأعظم في هذا الحب. فتحاول أن تقرأ حياة الإنسان على صفحات الكتاب المقدس. فالكتاب المقدس هو اختبار روحي، يمكن للمتريض أن يكتشف فيه خبرة علاقته بالله القدوس القوي في حبه. وهكذا ينتقل المتريض بين الأمجاد في حياته والكبوات أيضاً، ولكن ليس بحركة العقل وحسب، بل بالإصغاء لهمسات الروح القدس، لاكتشاف "مشيئة الله" وتمييز إرادته واختيار القرار المناسب لوضع ذلك في الحياة والعمل.. فمهما تنوّعت التعدديات، لابدّ من الاختيار، ولابدّ من الالتزام به. ونجد القديس أغناطيوس رغم ذلك يمنح المكانة للقلب. فنراه ساعات طويلة في حوار عميق مع الحبيب حتى أن الدموع تنهمر سخية من عينيه.. دموع التوبة.. ودموع الفرح في الرؤيا. فرجل الإرادة والعزم والعمل تغذي دموع التوبة والرغبة في رؤيا الله والاتحاد به.
لقد تفرعت من هذه الروحانية تيارات عديدة اتسم بعضها "بالعملية"، وبعضها الآخر "بالنظرية". ولمعت عنها شخصيات كان لها شأناً مهماً في التاريخ ولا يزال. وقد أحببت أن ألتقي إليكم في هذه الأمسية المباركة، الأب تيار دو شاردان (1955) الراهب اليسوعي العالم المعروف في أوساط علماء الجيولوجيا والطبيعة والانثروبولوجيا، وأيضاً علم المستحاثات ونظرية التطور... ولدي قول له يعبر أصدق تعبير عما يدور في فلك سماءه: "إذا كنت منذ حداثتي أحببت وسبرت الطبيعة والكون باكتمال وبعقيدة متزايدة، فأني لا أستطيع القول ما فعلت ذلك كعالم بل كمتعبد، ويبدو لي أن كل جهد لدي وحتى لو تناول شيئاً طبيعياً صرفاً، كان أبداً جهداً دينياً ووحيد بجوهره وإني لمدرك بأني سموت في كل شيء إلى المطلق. ولو كان هدفي غير هذا الهدف لما كانت لي الشجاعة على العمل، حسبما أعتقد. إن العلم (أي كل أشكال النشاط البشري) والدين ما كانا في نظري إلا شيئاً واحداً. كلاهما بالنسبة إلي سعي إلى غاية واحدة". (عن نشرة "عالمي" 14/4/ 1918). حقاً إن مجد الله الأعظم هو الإنسان الحي، كما يقول القديس إيرناوس.

Mary Naeem 23 - 08 - 2014 05:20 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
القداسة مسيرة واقعية..
https://images.chjoy.com//uploads/im...bdf8e04906.jpg

إن الطموح الأول والأخير للمسيحي الحق، كما رأينا، هو القداسة. وهكذا كانت تيريز ليزيو (الطفل يسوع) تعلن باستمرار عن هذا الطموح. فتقول بشجاعة: "إن الشوق إلى القداسة، لازمني حياتي كلّها". لذلك سوف نتأمل روحانيتها بشكل أعمق لعلنا نشاهد فيها وجها نموذجياً ومعاصراً (1897) للقداسة، خصوصاً بعد أعلنتها الكنيسة "معلمة" فيها..
إن تيريز، بالرغم من وعيها إن القداسة هي دعوةٌ للجميع بفضل نعمة المعمودية، اكتشَفَتْ سرَّ دعوتها الخاصة. فقد كتبت في باكورة رسائلها في "السيرة الذاتية" لأختها "الأم أنييس يسوع" مُفسِّرةً قول الإنجيل: "صعد يسوع إلى الجبل، ودعا إليه الذين أرادهم، فأقبلوا إليه" (مر3/13)، لتحدثها عن "سرّ دعوتها، بل سرّ حياتها كلها، وسرّ ما خصَّ به يسوع نفسها"، فتقول: "لقد طالما تساءلتُ: ترى لماذا نجد لدى الله خصائص تتناول هذا أو ذاك؟ لماذا لا تتساوى النفوس كلها في نِعَم الله؟ وكان يأخذني العجب لدى رؤيته يغمر بعطايا خارقة، قديسين حَفَلتْ فترة من حياتهم بالخطيئة، كالقديس بولس والقديس أغسطينوس، بل إنه كان يُرغمهم على قبول نِعَمِه. وعندما أقرأ سيرة بعض القديسين، وكنت أرى أن الرب قد طاب له أن يداعبهم من المهد إلى اللحد، وكان يُبادر هذه النفوس بمواهب خاصة، دون أن تخبو إشراقة حلّة العماد فيها... لقد تنازل يسوع وكشف لي هذا السر. لقد وضع أمام عينيَّ كتاب الطبيعة ، وأفهمني أن الزهور التي أبدعها، كلها جميلة، وأن روعة الوردة ونقاء الزنبقة لا يقضيان على أريج البنفسجة الصغيرة، والبساطة الأخّاذة في الأُقحوانة... وفهمت أن الزهرات الصغيرة، لو كانت كلّها وروداً، لفقَدَتْ الطبيعة حلّتها الربيعية، وحُرِمَت الحقول تنوُّع الزهور فيها. تلك هي الحال في دنيا النفوس، أعني بستان يسوع. فقد شاء أن يغرس القديسين العظام، على غرار الورود والزنابق، وشاء أن يغرس زهرات صغيرة، لابدَّ لها أن تكتفي بأن تكون أقحوانات أو بنفسجات يتمتع بها نظر الله.. فالكمال هو في الأمانة لإرادته، وفي أن نكون ما يشاء لنا أن نكون".
تؤكد هذه الراهبة الصغيرة، التي ما تعلَّمت يوماً في مدارس اللاهوت، بل الطبيعة وكلمة الله كانتا مدرستها، أنَّ محبة يسوع تشمل جميع البشر دون استثناء، فهي "تتجلّى في النفس الأكثر وضاعة، تلك التي تتجاوب كلياً مع نعمته، كما تتجلّى في النفس الأكثر سموّاً". ذلك "أن ميزة الحب أن يتنازل.. وفي تنازل يسوع، تتجلّى عظمته اللامحدودة". فالطفل "الذي لا علم له بشيء.. وساكن الأدغال الذي ليس له ما يقود مسيرته إلا الناموس الطبيعي.."، هما أيضاً مدعوان إلى القداسة!.. هكذا "يعتني الرب يسوع بكل نفس ، كما لو كانت فريدة". ويمنح كلَّ إنسان التطلع إلى اللقاء به. إذ "لا يمكن لله، تقول تيريز في نفسها، أن يبعث فينا أشواقاً يستحيل تحقيقها. فبوسعي، إذن، وبالرغم من صِغَري، أن أصبو إلى القداسة".
وما يميِّز دعوة تيريز إلى القداسة هو رغبتها السريعة في تحقيقها، رغم إدراكها لحقيقة الضعف المتأصلة في الإنسان، تقول: "لابدَّ لي من أن أقبل واقعي كما هو، بكلِّ ما فيه من نواقص. إني أريد أن أذهب إلى السماء، سالكةً طريقاً مستقيمة وقصيرة المدى، طريقاً صغيرة وجديدة. فنحن في عصر الاختراعات، ولم يَعُد ضرورياً أن نتسلَّق السلالم درجة درجة.. هناك المِصعَد!.. أنا أريد أن أجد مصعداً يرفعني إلى يسوع، فأنا أصغر من أن أتسلَّق سلّم الكمال، وهي سلّم شاقة". ولكن، ما هو المِصعَد في نظر صغيرتنا القديسة؟!.. الطبيعة..؟ أم الكتب المقدَّسة؟.. أم كلاهما معاً؟..
لقد وجدت تيريز في تأملها الكتب المقدسة "ما كانت تسعى إليه". فكانت تعتبر أن كلمة الله هي دائماً واقعية، بشكل أن تكون موّجهة إلينا مباشرة، وشخصيّاً، ولقد كانت باستمرار "موضوع أشواقها". فحين تتأمل مثلاً نصاً إنجيلياً يتحدَّث عن مريم العذراء، تقول: "يجب ألا نذكر عن مريم أموراً مجهولة أو يصعب تصديقها. مثلاً، أنها ذهبت صغيرة إلى الهيكل لتقدّم ذاتها للرب بعواطف حب مضطرمة وحرارة خارقة العادة، في حين أنه ذهبت ربما لمجرّد طاعة والديها. فلكي يأتي بثمر تأمل عن العذراء، يجب أن يظهر هذا التأمل حياتها الواقعية كما تستشف من الإنجيل، لا حياتها المفترضة. ومنه ندرك أن حياتها الواقعية في الناصرة، شأنها فيما بعد كانت حياة عادية... يروننا العذراء بعيدة عن متناولنا. يجب أن يرونا إياها كمن يمكن الإقتداء به، أي أنها كانت تمارس الفضائل خفية. وأن يقولوا أنها عاشت نظيرنا من الإيمان، مستندين إلى براهين مأخوذة من الإنجيل".
ولَكَم كانت الطبيعة أيضاً مصدر إطلالة حبِّ الله عليها، حتى أكثرت من الاستعارات والتشابيه المستمّدة من الطبيعة كالورود والطيور والشمس والعاصفة والمطر والضباب، تقول: "يا يسوع، يا أول صديق، يا صديقي الأوحد، أنت الذي أحبك وحدك، فَسِّر لي هذا السر.. . لماذا لا تحصر التطلعات الوسيعة في النفوس الكبيرة، في النسور التي تُحلِّق فوق القمم؟.. أنا أحسب ذاتي عصفوراً صغيراً.. لست نسراً، إلا أنَّ لي عينا النسر وقلبه، لأني برغم صغري، أجرؤ على التحديق بالشمس الإلهية ، شمس الحب، وقلبي يشعر في أعماقه ، بكل ما للنسر من تطلعات.. يا يسوع إني أتفهَّم حبك للعصفور الصغير.. ولكني على عِلمٍ أيضاً ، وكذلك أنت، أن هذا المخلوق الناقص ، مع التزامه أن يبقى تحت أشعة الشمس، قد يسهو قليلاً عن اهتمامه الأوحد، فيلتفت تارةً إلى اليمين، وطوراً إلى اليسار، ليلتقط حبة صغيرة، أو يسعى وراء دودة صغيرة... وإذا ما لحظ قليلاً من الماء قد تجمَّع على الأرض، عدا إليه ليُبلِّل ريشه الطري؛ وإذا وقع نطره على زهرة تحلو له، مال إليها تفكيراً واهتماماً.. . ولأنه لا يستطيع أن يُحلِّق كالنسور، يعكف العصفور الصغير على توافه الأرض، ويوليها اهتمامه. مع ذلك، وفي أعقاب هذه النقائص، وبدلاً من أن يندُب فيها شقاءه ويموت ندماً، يلتفت العصفور الصغير صَوْب شمسه الحبيبة، ويعرض لأشعتها المُحيية، جناحيه الصغيرين المُبلّلين، ويتنهَّد على مثال السنونوة ويُغني، وعبر نشيده الشجي، يسرد تفاصيل إساءاته ويستودعها من يستمع له.. ويستجلب عطاء أغزر من حب ذاك الذي لم يأتِ ليدعوَ الصديقين بل الخطأة..."
لم تتردَّد تيريز مطلقاً أن تظهر في سيرتها نقائصها التي كان يسوع ساهراً على تجاوزها، لذلك "لا تجد صعوبةً في النهوض عندما تكبو"، على حدِّ قولها. فحين يكتشف الإنسان ضعفه، تقول تيريز: "يتحمَّل نقائص الغير، ولا تصدمه مواطن الضعف فيه". فلا يكفي أن نقول أننا نحبُّ الآخرين، "بل علينا أن نقيم الدليل على هذا الحب". وكما قالت القديسة تيريزيا الأفيلية: "ينبغي أن نتعامل بفن مع ضعفنا"، عاشت تيريز الصغيرة هذا الفن، ليس مع ضعفها وحسب، بل ومع ضعف الآخرين أيضاً. ولقد اقتبست هذا الفن، كما تقول، من يسوع نفسه الذي هو "فنّان النفوس". لم تتأخر تيريز في إظهار عفويتها، ومواقفها المرحة، كأن تذكر مثلاً أن أمها كانت تنعتها بالـ"عفريته".. وأنها حين كانت تمازح أباها تتمنى له أن يموت لكي يذهب إلى السماء. وعندما تهددها الوالدة بأنها ستذهب إلى جهنم حين لا تكون "عاقلة"، تردُّ عليها أنها سوف تتعلّق بها لتذهب معها إلى السماء، "إذ كيف يمكن للرب، تقول تيريز لها، أن يُبعدني؟ ألا تضميني إلى ذراعيكِ بشدة". كأنها كانت على قناعة أن الله "لن يستطيع حيالها شيئاً" طالما هي بين ذراعي الأم! التي هي بدورها، تصف صغيرتها، أنها، رغم صراحتها وشفافيتها و"قلبها الذهبي"، "طائشة"، "عنادها لا يقهر.. عندما تقول "لا"، لا يمكن لأي شيءٍ أن يُزعزعها". وتحتار الأم حول مستقبلها وتتساءل عنها "ماذا ستكون"؟.. ليتكِ علمتِ أيتها الأم الفاضلة التي قدَّمَتْ للكرمل أربع زهرات من بناتها، أن الصغيرة منهن ستكون قديسة!!
تختار تيريز الطفولة الروحية طريقةً لقداستها التي طالما تشوَّقت إليها، تقول: "لستُ في حاجةٍ لأن أكبر، بل بالعكس، لابدَّ لي من أن أظلّ صغيرة، وصغيرة جداً، وأن أصغر أكثر فأكثر". ولكن، كيف تفهم قديستنا الطفولة الروحية: "سوف أبقى أبداً طفلةً، ابنة سنتين أمامه تعالى كي يضاعف اهتمامه بي.. فالطفل يرتضي بصغره وضعفه، ويقبل أن يكون بحاجة إلى المعونة.. سأتوكَّل على الله أبي في كلِّ شيء، وأطلب إليه كلَّ شيء، وأرجو منه كلَّ شيء. سأترك له الماضي مع ما فيه من المتاعب والمآثم ليغفرها.. وسأقبل الحاضر والمستقبل منه مسبقاً كما تشاء يده الحنون أن تنسجها لي.. سوف أبقى أبداً طفلةً أمامه، وأحاول دوماً أن أرتفع إليه بالرغم من ضعفي ووهَني.. الطفل الصغير يستطيع المرور بكلِّ مكان لصغره.. كم أتوق إلى السماء، حيث نحبُّ يسوع دون تحفظ أو حدود.. في قلب يسوع، سأكون دوماً سعيدة.. الشيء الوحيد الذي أرغب في أن تطلبه نفسي، هو نعمة حبِّ يسوع، وأن أجعل، قدر إمكاني، كلَّ إنسان يحبه.. سوف أعكف دائما على التغني بمراحمك.. "
تطمح تيريز في طفولتها الروحية إلى النبوءة، وإلى الكهنوت. وتتشوّق، كبولس الرسول، إلى المواهب العظمى، لتكتشف في النهاية، أن الحب هو غاية المواهب والدعوات، تقول: "يا يسوع، سامحني واشفِ نفسي بمنحها ما تصبو إليه!!.. أن أكون عروستك.. أن أكون كرميلية.. أن أكون، باتحادي بك، أماً للنفوس.. كان يجب أن أكتفي بهذا... ولكن الواقع غير هذا.. لأني أشعر في ذاتي بدعوات أخرى.. أشعر بدعوة إلى الكهنوت والرسالة والتعليم والاستشهاد.. أشعر في نفسي بالحاجة والشوق، إلى أن أقوم في سبيلك، يا يسوع، بكلِّ الأعمال الأكثر بطولة!.. مع أني صغيرة، أتشوّق إلى أن أنير النفوس، على غرار الأنبياء والمعلمين. إني مدعوَّة إلى الرسالة... ورغبتي أن أجتاز الأرض، وأنادي باسمك، وأغرس في الأرض النائية، صليبك المجيد. ولكنَّ رسالةٌ واحدة لا تكفيني. يا حبيبي، أنا أريد، في الوقت نفسه، أن أحمل بشارة الإنجيل ، إلى القارات الخمس، وحتى الجُزُر القاصية.. وأريد أن أكون مرسلة، ليس على عدد من السنين وحسب، بل منذ خلق العالم، وحتى اليوم الأخير.. ولكني أصبو، فوق كل شيء، يا مخلصي الحبيب، إلى أن يُراق دمي لأجلك، حتى النقطة الأخيرة".. ولكنها، ولشدة واقعيتها تختار دعوتها في المسيح أن تكون الحب، فتقول: "أجل، وجدتُ موقعي في الكنيسة. وهذا الموقع، قد أعطيتنيه أنت، يا إلهي.. في قلب الكنيسة، أمي، سأكون الحب.. وسأكون بهذا الحب كلَّ شيء.. . لقد وعيت أن الحب يحوي في ذاته، جميع الدعوات، وأن الحب هو كلّ شيء، وأنه يَلُفُّ جميع الأزمنة والأمكنة، وبكلمة، إنَّ للحبِّ الخلود.. يا يسوع، يا حبي، لقد اهتديتُ أخيراً إلى دعوتي ، إنَّ دعوتي هي الحب!". لذلك نجدها، وبهذا الحب، تصلّي من أجل جميع الناس، خصوصاً الذي يحملون دعوة التكريس الكامل لله والخدمة، ولعلها كانت تحمل الكهنة في كلِّ صلاةٍ لها.
هكذا، تتجلى قداسة تيريز في واقعيتها الطموحة. تعرف حدودها، تسرُّ بصغرها، ولكن لا تمنع نفسها التطلع إلى العظائم. لعل القدير الذي ينظر إلى ضعتها، يمنحها كفتاة الناصرة عظائمه، وهكذا فعل، تقول: "إنَّ كلَّ شيء يؤول في النهاية إلى خلاصي وسعادتي ومجده تعالى.. الله يعلم كلَّ شيء، وهو قادرٌ على كلِّ شيء.. ويُحبني.. إن أصغر لحظة حب خالص، لأكثر فائدة لها ، من جميع ما عداها من نشاطات مجتمعة.. "
"يا يسوع، كن لي كلَّ شيء. هب لي ألا تتمكن أشياء الأرض من أن تلقي الاضطراب في نفسي، وألا يُقلق سلام نفسي أي شيء . يا يسوع لست أسألك إلا السلام، والحب أيضاً، ذاك الحب اللامتناهي، الذي لا يحده غيرك... الحب الذي يُحوِّلني من ذاتي إليك.. أعطني أن أموت شهيدة.. يا يسوع لتكمُل مشيئتك فيَّ بكمالها.. إن مسرتك وعزاءك، هما محور ما أريد".

Mary Naeem 23 - 08 - 2014 05:48 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الوقت


https://scontent-b-lhr.xx.fbcdn.net/...ab&oe=5477728B
هو أهم وأغلى عملة في هذه الحياة لأن ما تصرفه منه لا يمكنك استرجاعه أبدًا! كانت هناك طفلة اعتادت أن تجلس مع أبيها يوميًا، يقضيان معًا وقتًا في الكلام واللعب ويستمتعان ببعضهما.. ثم مضى أسبوعًا كاملاً لم تجلس فيه هذه الطفلة مع أبيها تمامًا.. وبدا الأب حزينًا.. وفي يوم، جاءت الطفلة وفاجأت أبيها بالهدية التي أعدتها بنفسها لعيد ميلاده؛ لقد رسمت لوحة رائعة لأبيها وقد استغرقت كل وقتها في الأسبوع الماضي لتنتهي منها.. أخذ الأب الهدية وشكر ابنته جدًا لمجهودها الرائع الذي بذلته، لكنه قال لها: لقد فرحت جدًا بما فعلتيه من أجلي، ولكني افتقدتكِ أنتِ! فالوقت الذي أقضيه معكِ أثمن كثيرًا في عيني من أي شيء تقومين به من أجلي- لو كان هذا الشيء سيحرمني من وقتي الخاص معكِ!


Mary Naeem 25 - 08 - 2014 02:18 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الله يتوقّع الشّر ويُفاجأ بحدوثه


تُطلعنا الفصول الستة الأولى من سفر التكوين على عدّة قصصٍ لشّرٍ حصل من دون أن يكون متوقّعاً. ففي الفصول الثلاثة الأولى، يبدو أنّ الله خلق خليقةً حسنة. ثمّ تأتي حيّة غامضة "هي أحيل جميع حيوانات الحقول التّي صنعها الربّ الإله" (تك3/1)، وتبلبل النظام القائم. ويسقط آدم وحوّاء في التجربة. وفي اليوم التالي:"نادى الربّ الإنسان وقال له: أين أنت؟ قال: إني سمعتُ وقع خطاكَ في الجنّة فخفتُ لأنيّ عريان فاختبأتُ. قال: فمَن أعلمكَ أنّكَ عريان؟ هل أكلتَ من الشجرة التي أمرتكَ ألا تأكل منها؟..." (تك3/9-11)

يبدو من هذا الحوار أنّ الله فوجئ بعصيان آدم. لكنّه كان يتوقّع ذلك وإلاّ، لماذا منع الأكل من شجرة معرفة الخير والشر؟ (تك2/16-17). ألا نمنع ما نتوقّع احتمال حدوثه؟ أو أقلّه ما يمكنه أن يغوي؟ لذلك يمكننا القول، إنّ الله كان يتوقّع الشّر، واتخذ كافّة الإجراءات المتاحة له ليمنعه، لكنّه فوجئ بأنّه حصل. تماماً كما يربّي الأهل أولادهم تربية حسنة، ويحمونهم بشتى الوسائل من الانحراف. لكنّ هذا لا يلغي حريّة الابن في فعل الشر. فإذا فعله، يُفاجأ الأهل.

وتأتي المفاجأة الثانية في قصّة قايّين وهابيل."فقال الربّ لقايين: أين هابيل أخوك؟ قال: لا أعلم. أحارس لأخي أنا؟ فقال: ماذا صنعتَ؟ إنّ صوت دماء أخيك صارخ إليَّ من الأرض" (تك4/9-10). والمفاجأة الثالثة أقسى."ورأى الربّ أنّ شرّ الإنسان قد كثُر على الأرض، وأنّ كلّ ما يتصّوره قلبه من أفكار إنماّ هو شرّ طوال يومه. فندم الربّ على أنّه صنع الإنسان على الأرض وتأسّف في قلبه.

فقال الربّ:"أمحو عن وجه الأرض الإنسان مع البهائم والزحّافات وطيور السماء...." (تك6/5-7). فالمفاجأة غير سارّة، وخيبة الأمل شديدة. إلاّ أنّ الله لم يُبِد البشرية. فقد "نال نوح حظوة في عينيّ الرب". وحافظ الله على نوحَ البار وعائلته، أملاً في خلقٍ جديد. وتتكرّر المفاجأة. فقصّة سُكرِ نوح وسلوك ابنه حام تجاهه تبيّن أنّ "الإنسانيّة الجديدة" المولودة من نوح ليست أشرف من الأجيال السابقة. فالله لم يستبدل بعملٍ فاشلٍ تحفةً ناجحة، والإنسان هوهو، خاطئ وضعيف.وتأتي أحداث برج بابل لتعيد مأساة خطيئة آدم. فالله يغيب أو يتغيّب، ليفسح المجال أمام الانسان كي يمارس حريّته. وكلما غاب الله عن الإنسان، برزت الرغبة الجامحة في قلب كلّ بشر بأن يصبح شبيهاً بالله، معه، بدونه، ضده، فيرتكب الشر.

وعندما رأى الله أنّه كلّما غاب ضلّ الإنسان، أبرم عهداً أبدياً مع إنسانيّة ناقصة وخاطئة."لن أعود إلى لعن الأرض بسبب الإنسان، لأنّ ما يتصوّره قلب الإنسان ينزع إلى الشرّ منذ حداثته" (تك8/21). منذ ذلك الحين، زال عنصر المفاجأة. وعزم الله على تشكيل الإنسان وإعادة تشكيله كما يصنع الخزّاف (إر12). وعزم على أن يأخذ الخطيئة والشر في عين الاعتبار، أثناء تشكيله هذا، وأن يُدخلها في مخطّطه الخلاصيّ. وعلى الإنسان الذّي يريد أن ينضمّ إلى مشروع الله الخلاصيّ أن يقبل بوجود الشرّ والخطيئة، لا أن يعيش في وهم الحماية الإلهيّة التي تمنع عنه المرض والألم والموت. وبفضل كشفٍ إلهيّ مدهش، يدرك بيقينٍ راسخ "أنّ آلام هذه الدنيا لا توازي المجد الذّي سيتجلّى فينا ... فقد نلنا الخلاص، ولكن في الرجاء ... وإذا كنّا نرجو ما لا نشاهده، فبالصبر ننتظره" (روم 8/18-25).


Mary Naeem 25 - 08 - 2014 02:22 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الله هو الضحيّة الأولى
https://images.chjoy.com//uploads/im...bb483a95e1.jpg

حين كلّم يسوع شاول على طريق دمشق قال له:"أنا يسوع الذّي أنتَ تضطهده". ما الذي فهمه شاول الفريسيّ في تلك اللحظة؟ لقد فهم أنّ الله يُمَسّ مباشرة بما يحدث للبشر، ينجرح بما يجرحهم. واجلى أمام بطرس معنى الكتب التي كان يظنّ أنّه يعرفه: إنّ الله يتماهى بالإنسان المتألّم ويؤازر الخاطئ.

فالله هو أوّل ضحيّة لمغامرة الخلق، هذه المغامرة النابعة من محبّته الفائقة، وهو يتحمّل مسؤوليتها. وبما أنّ حنانه مطلق، فهو سهل التعرّض للتجريح ممّا يقتل الإنسان أو يسيء إليه أو يدمّره. إنّه يتألم مع ضحايا الخطيئة، بل يتألّم أكثر منهم لأنّه يحبّهم أكثر ممّا يحبّوا أنفسهم. إنّه يتألم مع مرتكبي الإثم حتى وإن لم يشعروا بالألم من إثمهم، لأنّه يحبهّم أكثر ممّا يحبّوا ذواتهم.

لكنّ ألم الله لا يقلّل من قدرته على المحبّة، بل على العكس، فإنّ قلب المسيح الذّي تطعنه الخطيئة ينفتح فيتدفّق منه الدم والماء، الحياة والمحبّة. هذا ما يعنيه طعن يسوع المصلوب بالحرية (يو19/31-37).

المحبّة تجعل الشخص يتفاجأ. فمن يحب، يرجو كلّ خير ممّن يحبّه. ولا يكمن في قلبه سوء نيّة أو نظرةً سلبيةً تجاه الآخر. وإذا تصرّف الآخر بسلبيّة، إذا ارتكب الشر، يتفاجأ المحب؛ ينجرح قلبه. فالله المحب هو إله معرّض للتجريح.وتعرضّه للتجريح لا يتعارض مع كونه كلّي القدرة، بل يكشف سرّ المحبّة العجيب. فالمحبّة الضعيفة لا ترضى بأن تنجرح. أمّا المحبّة الصافية الصرفة، "تتحمّل كلّ شيء، وتعذر كلّ شيء" (1قو13/7). ومحبّة الله تزيل خطايا العالم (يو1/29). فيقف الحمل المطعون منتصراً على الموت والخطيئة (رؤ 5/6-14) كما وقف القائم من بين الأموات أمام توما (يو20/24-28).

لقد خطّط الله مشروع خلاص دفع هو ثمنه. وتوقّع مسبقاً الشرّ الذي سيصيبه والمحبّة الّتي سينتصر بها عليه. فإذا افترضنا أنّ الله تفاجأ بشرّ الإنسان في بداية الخليقة، فإنّنا نحن أيضاً نتفاجأ بالمحبّة الإلهيّة الّتي تفوق توقّعاتنا وإدراكنا. نتفاجأ بمشروعه المدهش لأجلنا وبدعوته لنا كي نتألّه، كي نصير على صورته، كي نشاركه ألوهته وسعادته وأبديّته.


Mary Naeem 25 - 08 - 2014 02:23 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
مشروع الله هو أن نصير آلهة
https://images.chjoy.com//uploads/im...1ef40c40af.jpg

إنّ تفكيرنا في مسألة الشرّ ينطلق من مشروع الله كما يصفه الكتاب المقدّس. وما هو هذا المشروع؟ إنّه دعوة كائنات إلى أن يصيروا مثله.أي أنّ الله يريد كائنات قادرة على المشاركة في العلاقة الثالوثيّة. وهذه العلاقة هي علاقة حريّة ومحبّة صرفة. نحن لا نشترك في عهدٍ كهذا بالقوة ولا بطريقةٍ تلقائيّة. فقبول الإنسان لما يعرضه الله قبولاً حرّاً شرط أساسيّ لإقامة هذه العلاقة. نحن نعلم من الخبرة أنّه ما من محبّة صادقة بدون حريّة.

كان الله يستطيع أن يخلق "حيواناتٍ راقية" لديها قدرات تشبه قدراتنا، وأن يبرمجها لتسلك سلوكاً لا خلل فيه بحسب مخططٍ حكيم مدوّن في كيانها. فتكون كائنات بغريزةٍ مضبوطة كغرائز الحيوانات، لكنها لا تتمتع بالحريّة، ولا تتساءل في مسألة الخير والشّر، وبالتالي، لن تفعل الفظائع التّي نحن قادرون على فعلها، ولن تفتش على طرائق تأنسها. إلاّ أنّ كائنات كهذه لن تتألّه كما يريد الله. وستكون فائقة التنظيم، لكنّها ستظلّ كما هي أبداً دائماً. فالنمو هو قدرة على التغيير، والتغيير يتطلّب حريّة. والحريّة تعني القدرة على رفض النمو أو قبوله، فعل الشرّ أو الامتناع عنه. إنّها كما يقول القديّس أوغسطينس،"القدرة على التألّه".

لقد خلق الله متألهّين على صورته كمثاله (تك1/26-27) ودعاهم إلى أن يكونوا قدّيسين مثله (1ح19/2) كاملين مثله (متّى5/48) رحماء مثله (لو6/36) وهو يريد أن يهبهم الحياة الأبديّة (يو17/2-3) في مسكن الأب (يو14/2-3).

ولأنّ الإنسان قادر على الألوهة capax Dei ، لم يُخلَق كاملاً. وكماله في الله يتمّ في علاقة محبّة ويتطلّب تعاونه الحر، لقد خلق الله الإنسان على مرحلتين: أولاً في ظروفٍ مؤقتة من عدم الكمال والتوق إلى المطلق، أي إلى الله. في أثناء هذه المرحلة - وهي حياتنا الأرضية- هناك تعاون دائم وسرّيّ بين الله وقلب كلّ واحد كي ينجح المشروع. فروح الله ينضمّ إلى أرواحنا (روم8/16) لينيرنا ويغيرّنا. ويُضاف إلى هذا العمل الخفيّ تدخّل مرئيّ لله في تاريخ شعبه. ويبلغ هذا التدخّل ذروته في التجسّد والسّر الفصحيّ. إنّه الرباط الأصليّ الذيّ يوحّدنا به (را. قور1/15-20) والّذي أصبح جزءاً من تاريخنا وينيرنا إلى الأبد.

كلّ هذا مدعوّ إلى أن يبلغ تمامه في الفترة الثانية، وهي الفترة النهائية، فيها يكون الله كلاًّ في الكل (1قو15/28). فصورة الله أُعطيت لنا منذ ولادتنا، لكنّها أعطيت كرسمٍ تخطيطيّ (كروكي). وتشابهنا معه يتحقّق من خلال مسار تألّه. فالتشبّه بالله هو أولاً هبة من الله وثانياً استجابة من الإنسان.

إنّ الفارق الشديد بين حالتنا في البداية - حالة غير مكتملة ? ودعوتنا إلى أن نصير مثل الله يخلق مسافةً تكون فيها الخطيئة ممكنة. فالإنسان غير المكتمل هشّ. ويبدو أنّ احتمال ظهور الشرّ مسجّل في البنية الأدبيّة للخليقة. وبما أنّ الإنسان هش، فإنّ رفضه للنظام ليس مجرّد ثورة ثانويّة سطحيّة سببها فساد الخطيئة البشرية، بل على العكس، يظهر هذا الرفض وكأنّه أمر لازم لخليقة هشة وضعيفة في جوهرها. ففي المساحة التي ترعى فيها الخطيئة، تفيض النعمة أيضاً (روم5/20).

حين نجعل أنفسنا في منظار مخطّط الله، لا يُبَرّر الشرّ الذي نرتكبه بل يمكننا أن ندركه بطريقة واضحة انطلاقاً من إيماننا. فهو لم يعد لغزاً غامضاً، لأننا بدأنا نفهمه بنور الوحي الإلهيّ.

ويندرج في هذا المنظار أيضاً الشرّ الّذي يصدر من الطبيعة. فالعالم أيضاً خليقة لم تكتمل بعد. أي أنّه لا يعمل تلقائياً لصالحنا. فقد سلّمنا الله إيّاه كي نحوّله إلى مكان إقامة هانئ آمن بتعلّمنا ماهيّة الطبيعة وسيطرتنا عليها وتوقّع أخطارها، ومعالجة أمراضها. وبفعلنا هذا، نستثمر طاقاتنا في صراعٍ يبني العالم ويبنينا: إنّه جهد جماعيّ تتقدّم الإنسانية بفضله تدريجيّاً نحو كمالها.

إنّ الصراع من أجل أنسنة العالم يجب أن يرافقه صراع ضدّ الخطيئة. فنحن لن ننجح إلاّ معاً. هذا يعني أنّه علينا تخطّي أنانيّاتنا وكبريائنا كي نقيم بيننا، على مستوى الكرة الأرضيّة، روابط تعاون وعدالة ومحبّة


الساعة الآن 08:31 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025