منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كتب البابا شنودة الثالث (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=25)
-   -   كتاب المحبة قمة الفضائل (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=237654)

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:52 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
المحبة لا تفرح بالإثم

إن العدو الذي يشمت في عدوه، ويفرح بما يحل به من ظلم، أو ما يرتكبه من إثم يسئ إليه. ولكن المحب ليس هكذا. إنه يعامل حتى العدو بمحبة حسب وصية الرب (أحبوا أعداءكم) (مت44:5). ويضع أمامه قول الكتاب:
"لا تفرخ بسقوط عدوك، ولا يبتهج قلبك إذا عثر" (أم17:24).
وإن يعقوب لم يفرح، لما انتقم شمعون ولاوي من شكيم لما أذل أختهما دينة وقال لهما (كدرتماني). وداود النبي لم يسر بمن بشره بموت أبشالوم، بل بكي (2صم18). عمومًا الشماتة شيء رديء.

علي أن عبارة (المحبة لا تفرح بالإثم) توجد في بعض الترجمات هكذا المحبة لا تفرح بالظلم).
فإن تعرض عدوك لظلم، لا تفرح بهذا، لأنه شماتة.
لئلا يري الرب ذلك فيستاء. بل أن استطعت أن تنقذ عدوك إذا سقط، يكون هذا نبلًا منك ومحبة.. إن السامري الصالح، ولما رأي يهوديًا من أعداء جنسه، وقد اعتدي عليه اللصوص وتركوه بين حي وميت، ولم يفرح بأذيته ولا بالظلم وقع عليه، بل في محبة عالجه وأنقذه (لو23:10).
المحبة تفرح بالحق، لأنه يوافق مشيئة الله.
لذلك سرها أن كل إنسان ينال حقه، ولا يحيق به الظلم، حتى إن كان عدوًا لذلك فالإنسان المحب يدافع عن المظلومين، ولو كانوا من خصومه أو مقاوميه.
ويمكن أن نأخذ هذه الوصية من جهة محبتنا لله.
فإذا نحن أحببنا الله، لا نفرح بالإثم، بل نفرح بالحق،لأن الإثم عداوة لله الذي نحبه. والحق هو الله. وقد قال الرب:
(وتعرفون الحق والحق يحرركم) (يو32:8). ففي محبتنا لله، لابد أن نلتصق بالحق. ولذلك بالحق. ولذلك فإن الذي يدافع عن الباطل، ولو باسم الشفقة، وهو بعيد عن الحق، وبالتالي هو بعيد عن الله..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:53 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
المحبة تحتمل وتصبر

https://st-takla.org/Gallery/var/albu...-Men-Anger.gif

لست أريد في هذا المقال أن أحدثكم عن الاحتمال بصفة عامة. فالاحتمال موضوع طويل، وله أسباب عديدة. فهناك من يحتمل بسبب الوداعة والهدوء. وهناك من يحتمل بسبب أتضاع قلبه، أو بسبب الحكمة ويتجنب عواقب الأمور. أو لأسباب أخري ولكن موضوعنا الآن هو الاحتمال بسبب المحبة.. المحبة التي تحتمل كل شيء..
الذي يحب شخصًا، يكون مستعدًا أن يحتمل منه، وأن يحتمل من أجله.

أبونا يعقوب أبو الآباء أحتمل الكثير من أجل محبته لراحيل. أحتمل أباها، الذي غير أجرته عشر مرات، وأحتمل سنوات طويلة يخدمه فيها، قال عنه (كنت في النهار يأكلني الحر، وفي الليل الجليد، وطار النوم من عيني) (تك40:31). ويقول الكتاب (فخدم يعقوب براحيل سبع سنين. وكانت في عينه أيام قليلة، بسبب محبته لها) (تك20:29).

أيضًا يوناثان أحتمل كثيرًا من أجل محبته لداود.

احتمل غضب أبيه الملك شاول، وتوبيخه له بكلام قاسي بسبب دفاعه عن داود، حتى أن شاول القي رمحه نحو يوناثان ليقتله (1صم20: 30،33).
ومن أمثلة المحبة التي تحتمل، احتمال الشهداء والنساك من أجل محبتهم لله. وكذلك أيضًا الأنبياء والرسل.

الشهداء احتملوا السجن والعذابات التي لا تطاق، ثابتين في محبة الله، رافضين أن ينكروه إلى أن قطعت رقابهم. ومن اجل محبة الله، احتمل الثلاثة فتية إلقاءهم في أتون النار، واحتمل دانيال أن يلقى في جب الأسود. (دا 6، 3).



زمن أجل محبة الله احتمل الرهبان والسواح والنساك أن يعيشوا في البراري والقفار وشقوق الأرض، بعيدًا عن كل عزاء بشري، في شظف الحياة زاهدين في كل شيء.

ومن أجل محبة الله ونشر ملكوته، احتمل الرسل ألوانًا من الأتعاب في كرازتهم (في صبر كثير في شدائد في ضرورات في ضيقات، في ضربات في سجون، في اضطرابات في أتعاب في أسهار في أصوام..) (2كو6: 4،5).
ومن أمثلة المحبة التي تحتمل، محبة الأمومة والأبوة.

محبة الأم التي تحتمل متاعب الحمل والولادة والرضاعة، ومتاعب الصبر في تربية الطفل والعناية به، في غذائه وفي نظافته، وفي الاهتمام بصحته، وفي تعليمه النطق والكلام، وفي الصبر علي صراخه وصياحه وعناده.. إلي أن يكبر.

وكذلك تعب الأب في تربية أبنائه، واحتمال مشقة العمل بكافة الطرق للإنفاق عليهم وتوفير كافة احتياجاتهم.
ومن أمثلة المحبة التي تحتمل، محبة الأمومة والأبوة.

فمن أجل وطنهم الذي يحبونه، يحتملون ماش التدريب والحرب، والتعرض للموت أو للإصابة، وربما يحتملون فقد بعض أعضائهم، ومع جروح أو تشوهات.

ونفس الوضع نقول علي ما يتحمله الشرطة لحفظ الأمن.

كل هذا عن المحبة من أجل الغير، المحبة التي لا تطلب ما لنفسها وإنما ما للغير.. أيضًا كمثال رجال المطافئ، وفرق الإنقاذ علي تنوع تخصصاتها..

ننتقل إلي الحديث عن محبة الغير واحتمال تصرفاتهم.

المحبة التي تحتمل الغير وتغفر له، والتي تحول الخد الآخر لمن يضرب اللطمة الأولي. المحبة التي تحتمل الإساءة، ولا ترد بالمثل.. والمحبة لا تشكو من السيء ولا تشهر به.. وننسى الإساءة، ولا تخزنها في ذاكرتها -كما يفعل البعض- لشهور وسنوات.. المحبة التي لا تقول: هذه حقوقي وهذه كرامتي.

المحبة التي تحتمل، هي محبة صاحب القلب الكبير الواسع.
القلب الذي يحتمل العتاب ولا يتضايق. وكما قال أليفاز التيماني) (لأن لأمتحن احد كلمة معك) (أي2:4)، . تحتمل العتاب، حتى لو كان بكلمة صعبة. وتحتمل حتى الفكاهة ولو كانت بأسلوب يبدو فيه التهكم..

علي أن يكون الاحتمال في غير ضجر ولا تزمر ولا ضيق.

بل بصدر رحب، وروح طيبة، غير متمركز حول ذاته وحول كرامته. أن صفات المحبة التي ذكرها القديس بولس الرسول تترابط معًا. فطبيعي أن المحبة التي لا تطلب ما لنفسها، سوف لا تطلب كرامة لذاتها، وبالتالي ستحتمل كل شيء. كذلك فإن المحبة التي لا تحتد، سوف تحتمل. وأيضًا التي لا تتفاخر سوف تحتمل..
بعض الناس لا يحتملون الذين لا يفهمونهم.

ومن هنا كانت مشكلة الأذكياء مع الجهلاء أو الأقل فهمًا، أو مع الطباق الجاهلة. لذلك يبعد مثل هؤلاء عن كثير من الناس. وقد لا يحتمل الواحد منهم طول الوقت في إقناع غيره، فيبعد عنه. ولو كان في قلبه حب نحوه لأطال أناته عليه، لأنه (المحبة تتأنى). وأيضًا كان يصبر لأن المحبة تصبر. وهكذا يضم أليه هذا الجاهل ويحتمله، ويرجو منه خيرًا. وهكذا مع الأطفال..
القلب الضيق الخالي من الحب، هو الذي لا يحتمل الآخرين:

وهكذا قال بولس الرسول لأهل كورنثوس (فمنا مفتوح إليكم أيها الكورنثيون. قلبنا متسع. لست متضايقين فينا، بل متضيقين في أحشائكم.. لذلك أقول كما لأولادي: كونوا أنتم أيضًا متسعين) (2كو6: 12،13).

القلب المتسع يستطيع أن يحتمل الناس.

كن أذن متسع في قلبك وفي صدرك وفي فهمك. ولا تتضايق بسرعة. وأعرف أن المجتمع فيه أنواع متعددة من الناس. وليسوا جميعًا من النوع الذي تريده. يوجد فيهم كثيرون لم يصلوا بعد إلي المستوي المثالي، ولا إلي المستوي المتوسط. وعلينا أن نحبهم جميعًا. وبالمحبة ننزل إلي مستواهم لنرفعهم إلي مستوي أعلي. نتأنى ونترفق عليهم، ونحتمل كل ما يصدر من جهالتهم، ونصبر عليهم حتى يصلوا..
لا تقل [الناس متعبون] بل بمحبتك تعامل معهم، وحاول أن تصلح من طباعهم.

ولو كنت لا تتعامل مع المثاليين، فعليك أن تبحث عن عالم أخر تعيش فيه. في إحدى المرات قال لي شخص (أن لم اعد أحتمل فلان) إطلاقا.. أنه شخص لا يطاق لا يمكن احتماله)!! فقلت له (وكيف أذن أحتمله الله منذ ولادته حتى الآن؟! وكيف أحتمل غيرة وأمثاله منذ بدء الخليقة إلي يومًا هذا؟! حقًا أن هذا لعجبًا)!
وقال لي أخر: "فلان" يقول الكلمة ويرجع عنها. فكيف يمكن أن أعاشره. أن عشرته لا تحتمل.

فقلت له. وكم مرة تعهدنا الله بشيء، ورجعنا في كل تعهداتنا؟! وكم مرة وعدنا ولم نف بوعودنا، واحتمالنا!!

كم مرة وعد أمن يطلق الشعب إن رفعت عنه الضربة. ويرفع الله الضربة، ولا يفي فرعون بوعده. ثم يعود الله فيحتمله في وعد أخر!! (خر10:8). بينما الله كان يعرف مسبقًا أن فرعون سوف لا يفي بوعده.
وما لنا فرعون. كم مرة نذرنا لله ولم نف. وكان الله يعرف ذلك. ومع ذلك حقق لنا ما نطلبه في نذرنا!!

فإن كان الله يحتملنا في كل هذا، فلماذا لا نحتمل غيرنا؟!

وكم مرة قدمنا لله توبة كاذبة. وكان الله يقبل اعترفنا وتوبتنا، ويسمح لنا بالتناول من الأسرار المقدسة. ثم نعود إلي خطايانا السابقة!! ويحتملنا الله ويطيل أناته علينا، حتى نتوب مرة أخري..

كم مرة يأتي موعد الصلاة، فتقول ليس لدينا وقت نصلي فيه. يقول التراب والرماد للخالق العظيم: ليس لدي وقت أكلمك!! ويحتمل الله عبده.. وكأنه يقول له: إن وجدت وقتًا افتكرني!

حقًا ليتنا نتعلم دروسًا من معاملة الله ونحتمل الناس.

نحتملهم كما يحتملنا الله. ونحتملهم لكي يحتملنا الله. لأنه يقول (بالكيل الذي تكيلون، يكال لكم ويزاد) (مت2:7) (مر24:4).

بل تذكر كيف أحتمل الرب عذابات الصليب والإهانات السابقة للصليب، والتحديات المصاحبة للصليب التي تقول (لو كنت أبن الله أنزل عن الصليب وخلص، نفسك) (مت26: مر15). ولكنه أحتمل الاستهزاء ولم ينزل، بسبب محبته لنا، لكي يخلصنا. ونحن نقول له في القداس الإلهي:

"احتملت ظلم الأشرار" وأحب أن أضيف إليها: واحتملت ضعف الأبرار.

احتمل ظلم الأشرار الذين صلبوه، واحتمل ضعف الأبرار الذين هربوا وتركوه. احتمل من أنكره، ومن شك فيه. ومن قال لا أؤمن إن لم أضع إصبعي موضع المسامير.. حقًا أن المحبة تحتمل كل شيء.

إن المسيح علي الصليب احتمل وحمل. احتمل كل التعييرات والعذابات، وحمل جميع خطايا الناس منذ بدء الخليقة إلي أخر الدهور. فليتنا نحتمل نحن أيضًا أخطاء المسيئين ألينا، ونحتملها في حب.

هذا كله من جهة الناس. فماذا عن العلاقة بالله؟
الذي يحب الله، لا يتضايق من انتظار الرب، بل يحتمل.

قد يصلي، ولا يجد أن الصلاة قد استجيبت، فلا يشك في محبة الله. ولا يظن أن الله قد نسيه، بل يحتمل هذا (التأخر) في الاستجابة، أو ما يظنه تأخرًا! لأن الله يعمل دائمًا في الوقت المناسب، حسب حكمته..

لذلك ما أعجب أبانا إبراهيم، الذي ينطبق عليه قول الرسول (المحبة تصدق كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر علي كل شيء). لقد وعده الله بنسل، ومر علي ذلك أكثر من عشرون عامًا، دون أن تلد سارة. ولكن إبراهيم كان لا يزال يرجو ما وعده به الرب وصدقه وما زال يرجو. وولد له الابن بعد خمسه وعشرون عامًا من وعد الله. جميل قول المزمور:

(انتظر الرب. تقو وليتشدد قلبك، وأنتظر الرب) (مز14:27).


حقًا إن المحبة التي تصدق وعود الله، تستطيع أن تصبر علي كل شيء، وترجو كل شيء، وتنتظر الرب. وأيضًا تحتمل، مهما طال الوقت. كما قال المرتل (انتظرت نفسي الرب، محرس الصبح حتى الليل) (مز130).

القلب الواسع المحب، يستطيع أن يصبر وينتظر. أما القلب الضيق أو الذي محبته قليلة، فهذا يتضجر. يريد أن يطلب الطلب، ويناله في التو واللحظة..


كذلك الإنسان المحب لله يحتمل التجارب والمشاكل.

ولا تتزعزع محبته لله مهما طال وقت التجربة، أو ازدادت حدتها. بل يقول في ثقة (كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله) (رو8:28). وكما قال القديس يعقوب الرسول (احسبوا كل فرح يا أخوتي، حينما تقعون في تجارب متنوعة) (يع2:1). أن المحبة تحتمل كل شيء، في ثقة وفي غير تذمر. ولا تتعجل حل المشكلات، بل تنتظر الرب وتصبر. وتعطي المشكلة مدي زمنيًا يحلها الله فيها، في الوقت الذي يراه مناسبًا، وبالطريقة التي يراها مناسبة.



والإنسان المحبة لله، يحتمل الضيقات المادية.

ويقول مع القديس بولس الرسول (قد تعلمت أن أكون مكتفيًا بما أنا فيه.. تدربت أن أشبع وأن أجوع. أن أستفضل وأن أنقص..) (في 4: 11،12).

(المحبة تحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء) (1كو7:13). وقد أسهبنا في عبارة (تحتمل..).

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:54 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
المحبة تصدق كل شيء
https://st-takla.org/Gallery/var/resi...--Bible-11.gif

عبارة "تصدق كل شيء" يمكن ممارستها في علاقتنا بالله.

نصدق كل مواعيده، وكل ما ذكره الكتاب عن محبته. نصدق مجيئه وننتظره. ونصدق محبته فنبادله الحب. ونصدق كلامه فنؤمن به.

ولكن هل نستطيع أن نصدق الناس في كل شيء.

مهما أحببنا الناس، لا نستطيع أن نصدقهم في كل ما يقولونه إن لم يكونوا أمناء. هوذا الرب يقول عن مجيئه الثاني (أن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك، فلا تصدقوا. لأنه سيقوم مسحاء كذبه وأنبياء كذبه..) (مت24: 23، 24).

يعقوب أبو الآباء صدق أولاده في أن وحشًا مفترسًا قد أفترس يوسف، وكانوا مخادعين (تك37: 31-35).

وحذرنا الرب حينما قال (فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم، لأن الرب ألهكم إنما يمتحنكم..) (تث13: 1-3).



المحبة تصدق، في الحالات الطبيعية. وفي غير ذلك فالمحبة لله أولًا، وتصدق الله أكثر من الناس.

فلا تصدقوا كل ما يتعارض مع كلام الله.

كذلك من الله (ترجو كل شيء). وفي غير ذلك يقول الكتاب: الرجاء بالله خير بالرجاء بالإنسان.. (مز118).

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:56 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
قوة المحبة


https://st-takla.org/Gallery/var/albu...alatians-5.gif
قد تسقط المحبة بين الناس إذا اصطدمت مصالحهم فيما يتنافسون عليه. أما المحبة التي (لا تطلب ما لنفسها) (1كو5:13). فإنها لا تسقط أبدًا. كذلك قد تسقط المحبة بين اثنين إذا احتد أحدهما علي الآخر، أو سيرته أو ظن فيه السوء. أما المحبة التي لا تحتد ولا تقبح ولا تظن السوء (1كو13). فإنها لا تسقط أبدًا. المحبة الحقيقية التي وصفها الرسول هكذا، لا تسقط. وكما قيل في سفر النشيد:
المحبة قوية كالموت.. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، والسيول لا تغمرها) ( نش8: 6، 7).
هي متقدة كالنار، ومياه كثيرة لا تطفئها، أي مهما حدث من تقصير، أو من إساءة، أو من إهمال، أو من عوائق.. لا يمكن لهذا المياه الكثيرة أن تطفئ المحبة..
فإن كانت المحبة قوية وثابتة، ولا يمكن أن تزعزعها الأسباب الخارجية أيًا كانت، كالبيت المبني علي الصخر.
وينطبق هذا الكلام علي المحبة بين الله والإنسان.
وكذلك علي المحبة بين الإنسان وأخيه الإنسان.

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 06:58 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
محبة الله للبشر


تأملوا محبة الرب الذي أمكره بطرس وسب ولعن وقال (لا اعرف هذا الرجل) (مت26: 69-74).. بقيت محبته له كما هي لم تتأثر. وبعد القيامة ثبته في الرسولية، وقال له (إرع غنمي، إرع خرافي) (يو21). وهكذا فعل الرب مع باقي تلاميذه الذين خافوا وهربوا وشكوا..
بل محبة الرب التي لم تتأثر بما فعله صالبوه، بل غفر لهم، وقال للآب(يا أبتاه اغفر لهم، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون) (لو23: 34). حتى قائد المائة التي أشرف علي صلبه، أنعم عليه بالإيمان، فمجد الله قائلًا (بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًا) (لو47:23). (حقًا كان هذا ابن الله) (مت54:27). وكثير من الكهنة الذين سعوا لصلبه، أحبهم وجذبهم إلي الإيمان (أع7:6).
ومن الأمثلة البارزة للمحبة التي لا تسقط، محبة الله للمرتدين والخطاة في قبول توبتهم.
لم يفقدوا محبته إذ أنكروه وجحدوه. بل قبلهم إليه مرة أخري، وهو يقول (هل مسرة أسر بموت الشرير - يقول السيد الرب؟! إلا برجوعه عن طرقه فيحيا) (مز23:18). وهكذا قبل كثيرًا من الخطاة، وفتح بابًا للتوبة، وجعل منهم قديسين.. وأعطاهم أكاليل.
محبة الله لم تسقط من جهة شاول الطرسوسي الذي في بدء حياته اضطهد الكنيسة بكب عنف، وقال عن نفسه (أنا الذي كنت قبلًا مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا) (1تي13:1). ولكن محبة الرب اقتادته إلي التوبة، وجعله الرب رسولًا، ومنحه المواهب. وعملت النعمة فيه أكثر من الجميع (1كو10:15).
ومحبة الرب التي لا تسقط شملت الشيوعيين الملحدين.
واحتملت إلحادهم ونكرانهم له أكثر من سبعين عامًا، أقتادهم بعدها إلي الاعتراف بالإيمان، وأحب الرب الأمم العاقر لإيمانهم. وجعلها توسع خيامها، ويصير أبناؤها أكثر من كنيسة الختان ذات البنين (أش54: 1-3).


ومحبة الله لم تسقط عن الذين عبدوا العجل الذهبي.
حقيقي أنه أدبهم، لأن الذي يحبه الرب يؤدبه (عب12: 6) (أم12:3).
وظلت محبته لا تتخلي عنهم. وأرسل الأنبياء ليقودهم إلي التوبة. ثم أرسل يوحنا بن زكريا ليهيئهم له شعبًا مستعدًا، يدخلون في معمودية التوبة. وصاروا هم النواة الأولي لشجرة الإيمان التي امتدت شرقًا وغربًا.. حقًا ما أوسع قلب الله في محبته، التي لا تسقط، بل للإنسان مهما أساء!! وتعطينا مثالًا حيًا لوصية: أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم (مت44:5).
انظروا إلي معاملة الله ليونان الذي هرب من وجه الرب.
لم تسقط محبته له علي الرغم من عصيانه وهروبه في سفينة إلي ترشيش،بل لأعد له حوتًا عظيمًا فابتلعه. واستجاب لصلاته في جوف الحوت، وأخرجه ليبشر نينوى ويقودها إلي التوبة. ولم تسقط محبة الله لما أغتاظ يونان بسبب قبول الله لتوبته نينوى، وقوله (أعطيت بالصواب حتى الموت) (يون9:4). ولاطفه حتى أقنعه..
وعن المحبة التي لا تسقط، أعطانا الرب مثل الابن الضال.
فالآب لم تسقط محبته لابنه الذي ورثه في حياته وترك بيته وذهب إلي كورة بعيدة وأنفق ماله في عيش مسرف، بل قبله إليه وفرح به، وألبسه الحلة الأولي، وذبح له العجل المسمن.
إن الله قد يختبر محبتنا له: هل تسقط أم لا..
لذلك يسمح بالضيقات أحيانًا، ويرى موقف محبتنا له إزاءها. وهل نصمد أم نهتز.. ولعلني أذكر هنا مثل تلك الأم القديسة، التي احتملت في أيام الاستشهاد أن يذبحوا أولادها علي حجرها، وهي تشجعهم وتقويهم علي احتمال الموت. ولم تقل لماذا يا رب تسمح لي بهذه التجربة التي حسب الطبيعة لا يمكن أن يحتملها قلب أم..
مقول هذا لتبكيت الذين إن حلت بهم تجربة ولو بسيطة، يتذمرون، وقد يجدفون علي الله. ويقولون:
ما عدنا نصلي. ما عدنا نذهب إلي الكنيسة‍‍!!
خسارة أن تسقط محبتنا أمام الباب الضيق والطريق الكرب!
إن محبتنا لله يمكن أن تختبر بالضيقات. ومحبتنا للناس تختبر باحتمالنا لمعاملاتهم أو جحودهم أو إساءاتهم، لتعرف هل هي محبة حقيقية ثابتة لا تسقط أبدًا، أم هي غير ذلك:
أنظر إلي بولس الرسول وهو يقول (من سيفصلنا عن محبة المسيح: أشدة أم ضيق أم اضطهاد، أم جوع أم عري، أم خطر أم سيف؟.. ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا..) (رو8: 35،37).

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 07:01 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
محبة البشر لله

المحبة الحقيقية لله هي لم تسقط، حتى عندما قال له: (خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق.. واصعده محرقة علي احد الجبال) (تك2:22). بل ظلت محبة إبراهيم لله كما هي، أكثر من محبته لابنه الوحيد.
ومحبة يوحنا الرسول للمسيح بقيت كما هي، لم تتأثر ولم تشك، حتى حينما رآه معلقًا علي الصليب وسط جو من الاستهزاء والتحدي، وهو ينزف دمًا.
وبالمثل محبة يوسف الرامي، الذي لم يخف من أن يطلب جسد المسيح من بيلاطس) لو23: 52).
علي الرغم من أن الانتساب للمسيح في ذلك الوقت، كان يعرض صاحبه للخطر. ولكن يوسف الرامي في محبته، لم يبال بالخطر، بل أكثر من هذا وهب قبره الخاص الجديد لكي يدفن فيه المسيح. وقام بتكفين المسيح ودفنه بالأطياب والحنوط، ولم يخف أن يقال عليه أنه من تلاميذه، في الوقت الذي خاف فيه بطرس الرسول!
وفي ذلك الوقت، اشترك في تلك المحبة التي لا تسقط نيقوديموس الذي كان عضوًا في السنهدريم بينما اشتراكه في تكفين المسيح يعرضه لخطر من جهة أعضاء ذلك المجمع إلى حكم علي السيد المسيح بالموت.

إنها المحبة التي لا تسقط بسبب العوائق..
تذكرنا بمحبة الشهداء للرب علي من التعذيب..
ظلوا محتفظين للرب وثباتهم في الإيمان، منتصرين علي كل الصعوبات، من جهة الإغراءات الشديدة، والسجون والجلد والتعذيب والإهانات، والآلام التي لا تطاق، والإلقاء للوحوش الجائعة المفترسة.
ولكن في كل ذلك، محبتهم لله لم تسقط أبدًا.. وكمثال للحب، ونذكر إلقاء دانيال في جب الأسود، والثلاثة فتية في أتون النار.
نذكر في هذا المجال أيضًا محبة يوليوس الأقفهصي.
كاتب سير الشهداء، الذي كان يهتم بأجساد الشهداء وتكفينها ودفنها وكتابة سيرتها، في وقت كان فيه الاعتراف بالإيمان يعرض صاحبه للسجن والتعذيب والموت. ولكن محبة يوليوس الأقفهصي للرب ولا بنائه الشهداء،؟ لم تسقط أبدًا أمام هذا الخطر، الذي تحول إلي حقيقة. فأخيرًا نال هذا القديس إكليل الشهادة.
كذلك المحبة التي لا تسقط، تظهر في احتمال التجارب.
ومثال ذلل أيوب الصديق، الذي لم تهز محبته لله كل التجارب الشديدة التي تعرض لها، من جهة فقده لبنيه وبناته وكل ثروته، وفقده لصحته ومركزه وحتى احترام أصحابه له. وكان يقول (الرب أعطي الرب أخذ، ليكن اسم الرب مباركًا) (أي21:1).
وحتى حينما كلمته امرأته، قال لها (تتكلمين كلامًا كإحدى الجاهلات. هل الخير نقبل من عند الله والشر لا نقبل؟!) (أي10:2)،وفي كل ذلك محبته لله لم تسقط، إلي أن رفع الرب التجربة عنه. ووبخ أصحاب أيوب قائلًا: لم تقولوا في الصواب كعبدي أيوب) (أي7:42).
وقصة يوسف أيضًا ترينا محبته لله التي لم تسقط، علي الرغم من كل ما أصابه.
فمن أجل أمانته لله ورفضه للخطية بقوله (كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلي الله؟!) (تك 9:39).. احتمل السمعة السيئة والسجن والاستمرار في حبسه سنوات، وهو الأمين في كل شيء من نحو الله والناس. ولكن محبته لله لم تسقط أبدًا ولم يتذمر قائلًا: ما هذا؟! كيف أجازي عن الخير بالشر. إلي أن كافأه الله أخيرًا، وما كان ينتظر كل تلك المكافأة.
كذلك محبته نحو إخوته لم تسقط، علي الرغم من كل الشرور التي فعلوها به فاهتم بهم في زمن المجاعة. وأسكنهم في أرض جاسان. وطمأنهم هلي مستقبلهم ولم ينتقم. بل بكي تأثرًا لما عرفهم بنفسه (تك2:45).

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 07:04 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
محبتنا لبعضنا البعض

ومن الأمثلة البارزة للمحبة التي لا تسقط: المحبة الطبيعية.
كمحبة الأم والأب. والأم التي مهما فعل ابنها وأخطأ، تظل علي محبتها له، كما ومحبه الأب التي يمثلها بصورة رائعة محبة داود لابنه أبشالوم الذي ثار عليه، وقاد جيشًا ضده ليستولي علي مملكته، ودخل إلي قصره وأساء إلي سراريه (2صم15-18).
ولكن داود بكي عليه بكل محبة (2صم33:18). وفي هذه الواقعة يمثل أبشالوم شذوذًا في المحبة الطبيعية.
والمحبة التي لا تسقط، تظهر في المغفرة للمسيئين.
وفي ذلك نذكر سؤال الرسول للرب:
(كم مرة يخطئ إلي أخي وأنا أغفر له؟ هل إلي سبع مرات؟ فأجاب (لا أقول لك سبع مرات، بل إلي سبعين مرة سبع مرات) (مت18: 21، 22).
هذه هي المحبة التي لا تسقط أبدًا، مهما كان عدد الإساءات التي تتعرض لها حتى إلي سبعين مرة سبع مرات..! إنها تدل علي القلب الواسع الذي يحتمل..
كذلك ماذا عن محبتنا لبعضنا البعض؟
هل تصرف معين، بسببه تفك خطوبة، أو به يصل زوجان إلي محاكم الأحوال الشخصية وإلي الطلاق! وتسقط المحبة التي عاشت في ظل الزوجية سنوات!!
وهل بتصرف معين، يفقد الأصدقاء محبتهم القديمة، ولا تبقي أمامهم سوي الإساءة الحاضرة وليس غير؟!
إلي هنا وأحب أن أنتهي من تأملاتنا في (1كو13).

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 07:08 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى


في رسائل السيد المسح إلي ملائكة الكنائس السبع، قال:
(أكتب إلي ملاك كنيسة أفسس.. أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك.. وقد احتملت ولك صبر، وتعب من أجل اسمي ولم تكل. ولك عندي عليك أنك تركت محبتك الأولي. فاذكر من أين سقط وتب..) (رؤ2: 1-5).
عبارة) عندي عليك (تدل علي أن الله يعاتب أحباءه.
ولولا أنه يحب ذاك الشخص ما كان يعاتبه.. بل كان يحمله إلي مصيره.
وهو هنا في هذا العتاب، يذكر لملاك أفسس أعماله الطيبة، قبل أن يذكر ما يؤاخذه عليه.. إن الله يعاتب من كانت له محبة من قبل. ولكنها الآن قلت عن ذي قبل.
لم يذكر له أخطاء معينه، لخصها كلها في عبارة واحدة أنه ترك محبته الأولي..
يكفي أمك لم تعد تحب كما كانت من قبل. وهذه العبارة قد توجه إليك من الله أو من الناس، من بعض أصحابك..
(عندي عليك أنك..) أي لي شيء أعاتبك عليه. مثلما قال الرب في العظة علي الجبل (إن قدمت قربانك علي المذبح، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئًا عليك..) (مت23:5). أي أنه يمسك عليك شيئًا.
العجيب أن عبارة "تركت محبتك الأولي" يقولها الرب لإنسان له مكانة كبيرة جدًا.
إنه لا يقولها لشخص ضائع، أو خاطئ، ولا لإنسان عادي، وإنما لملاك كنيسة، لشخص كائن في يمين الرب، وله جهاد في الكنيسة، وقد احتمل، وله صبر، وقد تعب من أجل أسم الرب ولم يكل، عجيب أن إنسانًا من هذا النوع، محبته تضيع كل هذا يرينا أنه يجب أن نكون حريصين ومدققين، نلاحظ أنفسنا مهما كبرنًا..


ونلاحظ هنا أنه يقول للملاك: اذكر من أين سقطت.
علي الرغم من تعبه الكثير من اجل الله، إلا انه يقول له (سقطت.. وتب..) شيء عجيب، أن ملاكًا كهذا يحتاج إلي التوبة.. ليس معني هذا أنه أرتد!! كلا ولكن مجرد تركه لمحبته الأولي، اعتبر سقوطًا.
عبارة محبتك الأولي، تعنى أنه بدًا علاقته مع الله بداية طيبة.
كان له حب، ولكنه لم يستمر. والله هنا لا يدعوه إلي أن يتعلم الحب في حياته، إنما يدعوه أم يرجع إلي المحبة التي كانت له من قبل..
حقًا، كم من إنسان بدًا التوبة بحرارة شديدة جدًا، ولكنه بمرور الوقت فقد حرارته. ويبحث عنها الآن فلا يجدها. أو أنه بدأ الخدمة بغيرة مقدسة للغاية، ثم فترت غيرته شيئًا فشيئًا. في بدء حياته في التوبة، بدأ بانسحاق قلب عجيب، وباتضاع شديد. بل كان يدخل الكنيسة في شعور عميق بعدم الاستحقاق. يقول في نفسه (من أنا حتى أقف مع هؤلاء القديسين؟).. خطاياه القديمة كانت تملأ عينيه بالدموع وتملأ قلبه بمشاعر المذلة والانسحاق. وبمرور الوقت صار من التائبين، ثم من الخدام، ثم من القادة الذين يديرون الكنيسة. ويبحث عن نفسه فلا يجدها. ويسمع الرب يقول له (تركت محبتك الأولي)..
يا ليتك كنت قد احتفظت بمحبتك بمجرد نقط البدء.
هنا نري عجبًا.. المفروض أن الإنسان الذي يبدأ بداية طيبة، يظل ينمو ويزداد، حتى يصل إلي الكمال الممكن.. أما أن إنسانًا يبدأ حسنًا ثم يقل ويقل، وينحدر إلي أسفل. حتى يقول له الرب أنك تركت محبتك الأولي.. فإن هذا الأمر يدعو إلي الأسى حقًا.. قد تعاتب شخصًا علي ترك محبته الأولي، فيقول لك: كيف هذا؟ هل أنا أخطأت في حقك في أي شيء؟! وأنت تجيب: المسألة ليست مسألة خطأ، وإنما مشاعر..
إنها أمور تحس.. وليس مسألة نقاش واقتناعات.
إنه يسلم عليه، ولكن ليس بالحرارة السابقة.. يقابله بعبارة طيبة، ولكن ليس بالفرح القديم. لا يفرح بالوجود معه.. لا يسعى إلي لقياه.. ليس له نفس الاشتياق القديم، ولا اللهفة القديمة. حقًا إنه لا يخطئ إليه ولكن في نفس الوقت، ليس له مشاعر الحب. لا يظهر الحب في لهجته، ولا في صوته، ولا في عينيه، ولا في ملامحه، ولا في ألفاظه، ولا في حرارته.
هل تظنون أن الحب يقرأ ويكتب ويقال؟ إنه يحس..
هذا بالنسبة إلي الناس، وبالنسبة إلي علاقتك بالله أيضًا.
أنت تصلي، ولكن بدون اشتياق إلي الله. لست في صلاتك مثل داود الذي يقول (باسمك ارفع نفسي إليك يا الله، كما تشتاق الأرض العطشانة إلي الماء) (محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي). تصلي ولكن لا حرارة في الكلام، ولا اشتياق، ولا رغبة في البقاء مع الله.
لك الصلاة، ولكن بدون صلة!! كلام..! مجرد كلام!
وكما قال الرب (هذا الشعب يكرمني بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا) وتقف تصلي، وأثناء صلاتك يقول لك الله (عندي عليك أنك تركت محبتك الأولي)،.تقول له: هل أنا يا رب قصرت في صلاتي؟ أو قللت مزاميري أو تأملاتي أو قراءاتي؟ جدولي الروحي منتظم.. يقول لك إنك تثق بي كل الثقة. حاليًا تشك في المحبة في التصرفات، تشك في علاقتي بك..
قديمًا لا تحتمل كلمة رديئة تقال علي الآن أنت تحتمل! كنت لو تسمع كلامًا ضدي، بكل قوة تدافع.. أما الآن فإنك تسمع ولا تدافع، أو تطلب باقي الكلام وتصدق وتشك. وجائز أن تنضم للمقاومين.
مع الله أيضًا، يبدأ الإنسان حياته بثقة كاملة.
يثق به، وبمواعيده، وبمحبته، ورعايته ومعاملاته، وصلاح مشيئته. حتى إن أصابته التجارب، يقول (المر الذي يختاره الرب لي خير من الشهد الذي اختاره لنفسي).. حاليًا، إذا لم تعد المحبة كما كانت من قبل، بيدًا العتاب: لماذا يا رب تعاملني هذه المعاملة؟ لماذا أصلي ولا يستجيب؟ لماذا نذرت نذرًا ولم يتحقق ما طلبته؟ لماذا رفعت قداسًا ولم أحصل علي نتيجة؟ لماذا لم أحصل علي الوظيفة، أو علي الترقية؟ لماذا سمحت أنني أرسب؟
لم يبق سوي أن تعاتب الله، وتقول له: عندي عليك، أنك تركت محبتك الأولي..!!
ويجيب الله: أنت الذي فقدت الثقة، أو فقدت الإيمان..
نقطة أخري: في محبتك الأولي، لم تكن تفضل شيئًا ولا أحد علي الله. كانت الأولوية له.
هو الأول وقبل كل شيء، بل هو كل شيء.. أما الآن فتقول له: إن أنا وجدت وقتًا يا رب، فإني أصلي وأقرأ وأتأمل.. وإن وجدت عندي قوة وصحة، حينئذ سأصوم واخدم.. وإن بقي عندي فائض بعد سداد كل احتياجاتي ومطالبي، ففي تلك الحالة سأدفع العشور أو البكور. وإلا فعذري في كل ذلك معي، ويصبح الله في أخر القائمة!! ما الذي حدث؟ أين أفضلية الله وأولويته في ترتيب اهتماماتك؟!
لقد تركت محبتك الأولي. تغيرت عن وضعك القديم. ينظر إليك الله يقول:
ليس هذا الإنسان الذي كنت اعرفه منذ سنوات.
إنك إنسان آخر لست نفس الشخص الذي كان يحبني ويفرح بي. لقد تغيرت وتركت محبتك الأولي. مع أنك تعبت من أجل اسمي ولم تكل. لكنك تتعب، من غير حب مثل إنسان له نشاط هائل في خدمة الكنيسة واجتماعاتها، وفي كل لجانها ولكن أين وجود الله في قلبه؟ لا وجود ولا حس.
كزوجة لا تشعر بمحبة زوجها نحوها، ومع ذلك هو دائم العمل، ودائم الغياب وإن عاتبته، يقول لها أنا أكد وأتعب من أجلك. لأصرف علي البيت. وهي تسأل عن العاطفة فلا تجدها.. صحيح تعبت من أجل اسمي ولم تكل.. لك خدمة ولكن بغير حب.
يشبه هذا الوضع، الابن الكبير، في قصة الابن الضال.
لقد قال لأبيه (ها أنا أخدمك سنين هذا عددها، وقط لم أتجاوز وصيتك) (لو29:15). ومع ذلك لم تكن مشاعره مع أبيه. وكانت مشيئته ضد مشيئة الآب.. ورفض دخول البيت، ورفض الاشتراك في فرح أبيه بأخيه، ووصف أباه بالظلم، والبخل (قط تعطني جديًا لأفرح مع أصدقائي.. ولما جاء ابنك هذا..) وهكذا كان يشك في محبة الآب..
أحيانًا أشخاص تكون لهم العلاقة الظاهرية، وليس لهم العلاقة القلبية ومشاعرهم..
كصديق قديم يقابل صاحبه، ليس حبًا في اللقاء، إنما خوفًا من أن تنقطع العلاقة تمامًا.. إذ لم يبق من هذه العلاقة سوي خيط رفيع، لا يريد له أن يقطع.. فالمقابلة مجرد رسميات.. كشخص يذهب إلي العمل لمجرد أن يوقع بالحضور، ولكن لا رغبة له في العمل. أو آخر يحضر حفله لزميله، لئلا يتأثر أو يعاتبه علي عدم الحضور، ولكن بدون شعور..
إنسان يتحرك - حتى في روحياته - بطرية روتينية.
يصلي، يصوم، يقرأ، يتأمل، يحضر إلي الكنيسة، يعترف، يتناول.. ولكن أين محبة الله؟ لا وجود لها في كل ممارساته هذه.. سلسلة واجبات روحية! يخشى أن يمتنع عنها لئلا يوبخه ضميره ولكنه لا يعملها بحب.. تركت محبتك الأولي الاشتياق القديم إلي الله.. وكأن الله الذي يقول (يا ابني أعطني قلبك) (أم 26:23). أين الاشتياق القديم إلي الله.. وكأن الله يقول لك: لست أنت الذي كنت أعرفه من قبل..
كنت أعرفك نارًا تتقد. أما الآن فمجرد ماكينة تدور.. آله تدور وتنتج. ويمكن أن تتحرك بالريموت كنترول، دون أن تلجأ إلي روح الله ليحركها..
عذراء النشيد كانت له محبة كبيرة تمثل علاقة الكنيسة أو النفس البشرية بالله. ثم جاء وقت، وقف فيه الله علي بابها يقرع ويقول (افتحي لي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي. فإن رأسي قد امتلأت من الطل، وقصصي من ندي الليل) (نش5: 3،3).
وللأسف هي تجيب (خلعت ثوبي، فكيف ألبسه؟ غسلت رجلي فكيف أوسخهما)!!
أين المحبة الأولي؟ حاليًا توجد مكانها أعذار..!
حاليًا نعتذر عن صلتنا بالله، ونقدم عوائق وتبريرات. عندما تكون محبتنا لله متقدة، لا نبالي مطلقًا بالعوائق بل ننتصر عليها. ولكن حينما تقل المحبة، تبدأ الأعذار في الظهور.
ونحن شبان في الخدمة، ذهبنا لنفتقد شابًا تخلف فترة طويلة عن اجتماع الشبان، فوجدناه قد وقع في عادة التدخين، وأخذ أحدنا يشرح له أضرار التدخين، وآخر يكلمه عن القدوة الصالحة، وثالث يقنعه بآيات وبراهين. ولكن واحدًا منا كان يتكلم دائمًا بأسلوب روحي، قال له (أريد أن أسألك سؤالًا واحدًا: هل أنت تحب الله كما كنت تحبه من قبل؟!).
حقًا، عندما تقل المحبة: يبدأ الإنسان أن يحتاج إلي الآيات والاقناعات والبراهين..
أيام زمان، كنت تلقي نفسك علي الله إلقاءًا، أما الآن فإنك تناقش.. كل نصيحة وكل توجيه وكل أمر. تريد أن تقتنع.. وربما ترفض الإرشاد كأنه غير مقبول.. والحقيقة أنه ليس الإرشاد غير المقبول، وإنما المحبة غير موجودة.. حتى الآيات تريد لها تفسيرًا يناسب رغباتك.. أما في أيام المحبة الأولي، فلم تكن فقط تطيع كل الأوامر، إنما حتى الإرشاد.. حتى مجرد أن تشعر أن هذا التصرف غير مقبول، لا تعمله..
ومع الله، أي شيء تشعر أن الله لا يرضى عنه، ترفضه بغير حادة إلي إقناع..
أنت غير محتاج أن تعرف الحكمة من الوصية، يكفي أنها وصية، قلبك هو الذي يقودك إلي الله. وليست حكمتك البشرية وعقلك البشري..
نقطة أخري في العلاقة مع الله، وهي المشغوليات:
حينما تقل محبتك لله، تصبح مشغولياتك عذرًا تبرر به بعدك عنه.
أصبحت تنشغل بغيره، أعمالًا أو أشخاصًا.. وتفضل هذه المشغوليات عليه والعيب ليس في المشغوليات، إنما في قلة محبتك.
إذا لم تكن هكذا قبلًا.. ولكن محبتك لله ظلت تقل حتى لم تبق من علاقتك بالله سوي الإيمان.. وما يتعلق بهذا الإيمان مجرد رسميات أو شكليات.. كإنسان يقابل صاحبه فيقبله.
إنها قبلة، ولكن بغير حب. مجرد مظهر..
كثيرًا ما يحدث في المقابلات وفي الزيارات، وحتى في الكنيسة، نقبل بعضنا بعضًا. ولكن لا تمتزج القبلة بمحبة. إنها قبلة رسمية، وليست قبلة عاطفية.
مثال ذلك. من ناحية أخري - إنسان يعترف أمام أب الاعتراف، ولكن بغير انسحاق، بغير ندم بغير توبة.. أو إنسان يدخل إلي الدير أو إلي الكنيسة، ولكن بغير خشوع.. أو إنسان تحت عبارة الأبوة والبنوة التي تربطه بالله، ينسى نفسه.. وقد يدخل إلي الكنيسة وكل اهتمامه ليس في صلته بالله، وإنما في مراعاة النظام بين المصليين..
وتسأله عن انشغاله فيقول لك (الغيرة المقدسة).. الغيرة يا أخي تكون -قبل النظام- علي مدي صلتك بالله.
في بدء الحياة مع الله، كان الإنسان منشغلًا بالله، أما الآن فهو منشغل بخطايا الآخرين.. ليست المشكلة هي موضوع الإدانة، بل ترك محبته لله، وأصبح - حتى داخل الكنيسة - ينشغل بالناس.

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 07:09 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
أمثلة لترك المحبة

مثل من الأمثلة العجيبة في ترك المحبة الأولي، هو سليمان الحكيم.
ربما تنطبق عليه عبارة القديس بولس الرسول (والآن أذكرهم وأنا باك) (في18:3). سليمان هذا بدأ بداية عجيبة. محبة لله، وظهر له الله مرتين، وكلمه فمًا لأذن، ومنحه موهبة الحكمة، ومنحه جلالًا ملوكيًا. وسمح له أن يبني هيكله، الأمر الذي لم يسمح به لداود أبيه.. وع كل ذلك ترك سليمان محبته الأولي (ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب ألهه كقلب داود أبيه) (1مل4:11). أزاغته النساء. ومحبته للنساء أضاعت محبته لله!! كما أزاغه الترف ومهما اشتهته عيناه لم يمنعه عنهما (جا10:2). وانشغل بالمتعة أكثر من الانشغال بالله.
ومن الذين تركوا محبتهم الأولي أصحاب أيوب، وأصحاب داود.
أصحاب أيوب الثلاثة، حينما رأوه في تجربة (رفعوا أصواتهم، وبكوا. ومزقوا كل واحد جبته، وذروا ترابًا فوق رؤوسهم) (أي12:2)،ولكنهم بعد قليل بدأوا يناقشونه، ثم يتهمونه ويجرحون شعوره، حتى قال لهم (معزون متعبون كلكم..) (أي2:16).
وأصحاب داود كثير منهم فارقوه، وانضموا إلي ثورة أبشالوم ضده، لما رأوا تفوق أبشالوم.. تركوا محبتهم الأولي، والبعض منهم انتقدوه، والبعض شتموه. ونسوا أنه مسيح الرب، ونسوا افتخارهم القديم به..
إنها لم تكن خطية لسان، إنما خطية قلب.
قلب ترك محبته، فظهر ذلك علي لسانه. لأنه (من فيض القلب يتكلم اللسان). كإنسان جوفه مريض، فيظهر علي جلده.. إنسان يعاتب صاحبه بطريقة جارحة، إنما يدل علي أنه ترك محبته الأولي، التي كان أثناءها يحرص علي كل لفظ، بل يحرص علي ملامحه..

Mary Naeem 23 - 12 - 2013 07:11 PM

رد: كتاب المحبة قمة الفضائل
 
الله يعاتب أولاده

الله يعاتب أحباءه. أما أعداؤه فيعاقبهم.
إنه يذكرهم بماضيهم الحلو معه (تركت محبتك الأولي). إنه يعاتب الذي يمكن أن يرجع إلي المحبة الأولي التي اختبرها قبلًا. والآن قلت أو ضاعت. غالبًا قلت..
الله يهتم بهذه المحبة ويركز عليها. لأنه يريد القلب قبل كل شيء. وليس مجرد الممارسات. فقد لام أولئك الذين يقتربون إليه بالصلاة. وقلوبهم بعيدة عنه. فقال (يقترب إلي هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا) (مت8:15).
إنه يعاتب أولاده الذين تركوه أو لم يعرفوه.
فيقول في سفر إشعياء النبي (أسمعي أيتها السموات، وأصغي أيتها الأرض، لأن الرب يتكلم: ربيت بنين ونشأتهم. أما هم فعصوا علي) (أش2:1). أغن يعاتب كرمه الذي اعتني به، وقال عنه (ماذا يصنع أيضًا لكرمي، وأنا لم أصنعه؟! لماذا إذ انتظرت أن ينتج عنبًا. انتج عنبًا رديًا (أش4:5).


الساعة الآن 10:09 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025