منتدى الفرح المسيحى

منتدى الفرح المسيحى (https://www.chjoy.com/vb/index.php)
-   كلمة الله تتعامل مع مشاعرك (https://www.chjoy.com/vb/forumdisplay.php?f=45)
-   -   وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة (https://www.chjoy.com/vb/showthread.php?t=25)

Mary Naeem 03 - 06 - 2014 03:21 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الإنتقام !
لا انتقام في المسيحية. المسيحي لا ينتقم لنفسه. لذا قيل :
"لا تنتقموا لأنفسكم" (رو 12: 19).
"لي الانتقام أنا أُجازي يقول الربّ" (عب 10: 30).
الله ينتقم؟! أجل! لكنَّ انتقام الله غيرُ انتقام الناس. الناس ينتقمون عن حقد.
أما الله فلا ينتقم كذلك. لا أثر فيه للحقد. الله محبّة.. كلّه محبّة. لذا انتقامه انتقام محبّة.
كيف يمكن أن يكون ذلك والانتقام والمحبّة، في خبرتنا، ضدّان؟
الواقع الواقع أنّ المحبّة هي انتقام المحبّ ممن يريد له شرّاً.
لا بل المحبّة أقسى أنواع الانتقام. ولا أقسى!
ليس لأنّ المحبّ يشاء بالمحبّة انتقاماً.
المحبّ يشاء بالمحبّة محبّة.
لكن موقف المعاند في الإثم يجعل المحبّة التي تقابله انتقاماً.
تصير له أشدّ من انتقام، ولا أوجع!
الإصرار على المحبّة، رغم كل شيء، يفضي بمَن يصرّ على الإثم إلى نوع من جحيم.
هذا ما عبّر عنه بولس الرسول بقوله:
"إن جاع عدوّك فأطعمه. وإن عطش فاسقه.لأنّك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه"
(رو 12: 20 ? 21).
لماذا تأخذ الأمور هذا المنحى؟
لأنّ الشرّير بحاجة لأن تواجهه بالشرّ ليكون مبرَّراً في شرّه.
فإذا ما واجهته بالخير عرّيته، كشفته، خزيته. هذا يغيظه، يقضّ مضجعه، يضنيه، يحرقه.
يحرقه كيانياً!
فلأنّ الإنسان قلب تحرقه المحبّة إن كان آثماً معانداً.
لا شيء، والحال هذه، يعطيه بعض الراحة الكذوب سوى أن يواجَه شرُّه بشرّ مثله
أنت إن قابلتَ الشرّ بالشرّ تعطي الشرّير غبطة فاسدة مصحوبة بالبر الذاتي والزهو والشماتة.
لا شيء جعل المسيحية تقوى على الوثنية، في وقت من الأوقات، سوى مواجهة الشرّ الواقع على المسيحيّين بالمحبّة.
هذه كانت القذيفة الإشعاعية التي زعزعت كيان الأمبراطورية الرومانية وحوّلتها إلى المسيحيّة.
ولا شيء يجعل المسيحيّين يتقهقرون أكثر من مواجهة الشرّ بالشرّ لأنّهم
إذ ذاك، يصيرون من معدن هذا العالم.
لا شيء أذى المسيحية، في التاريخ، أكثر من الأمبراطوريات المسمّاة مسيحية، خصوصاً الحملات الصليبية
لأنّها واجهت الشرّ بالشرّ. والقول الإلهي هو:
"مَن يأخذ بالسيف بالسيف يؤخَذ".
"لا يغلبنّك الشرّ بل أغلب الشرّ بالخير" (رو 12: 21).
على أنّ ما يضير المسيحيّين أكثر ما يكون أن يموّهوا روح الانتقام فيهم.
الأمر الذي يجعلهم يظنّون أنّهم يصنعون حسناً وهم يرتكبون إثماً. مثلاً تقول،
أحياناً، لمَن يغيظك أو يسيء إليك: "الله يسامحك!" هذا تقوله بلسانك.
في قلبك تقول شيئاً آخر: "لعنة الله عليك!" أو
"ينتقم الله منك!" تقول خيراً وتقصد شرّاً.
هذا يعطيك شعوراً بأنّك مبرّر لأنّك تستعين بقوالب كلامية إيمانية المظهر.
لكنّك، في الحقيقة، تكفر بالله وتسخّر مسيحه لخدمة هواك. وقد تعطي الانتقام تسمية على غير مسمّى.
تدّعي أنّك تؤدّب فلاناً ليتعلّم. ولكن لا هكذا يكون التأديب. "ليؤدّبني الصدّيق برحمة ويوبّخني...".
هل تؤدّب برحمة؟
هل حشاك يتلظّى محبّة؟
أم يصرخ فيه هياج الانتقام؟
حين لا يكون ما في قلبك نقياً فإن الواقف مقابلك يحسّ بأنّك تنتقم منه
ربما لكرامتك أو لمصلحة لديك أو لرأي لا يماشيك فيه. ماذا تراه يكون ردّ فعله والحال هذه؟
إذا كنت في موقع القوّة وكان هو في موقع الضعف فأنت تضغط على ضميره
لكي يرضخ ويذعن ويعطيك الانطباع بأنّه مطيعك.
وما يطيعك بل يكذبك. يحتقرك ويرائيك في آن.
والقول المعبِّر في هذا الشأن هو هذا:
"اليد التي لا تستطيع كسرها قبّلها وادعُ عليها بالكسر!"
أنت، إذ ذاك، تستغلّ ضعفه. تفسده وتدفعه إلى فعل ما ليس من قناعته وإلى قول ما ليس من حرّيته.
وهذا، بالضبط، من عمل الشرّير.
الشرّير يعطيك ما ترغب فيه نفسك إذلالاً لك، لكنّه يطالبك بشيء واحد فقط:
أن تتخلّى عن استقامة ضميرك في المسيح!
يعلّمك الكذب إن كنت تريد أن تأكل خبزاً!
الشهداء كانوا مستعدّين لأن يموتوا ولا يخالفون ضميرهم في المسيح.
قالوا لهم: قدّموا الذبائح تنجوا فأبَوا.
قالوا: صَرِّحوا أنّه سبق لكم أن قدّمتم الذبائح ولو لم تقدّموها نقبلْكم فامتنعوا.
همّهم كان سلامة النيّة أولاً.
لذا ليس ما تقوله وما تفعله هو ما يؤخذ عليك بل بالأولى ما تضعه في قلبك.
لا الظاهر هو المهم ولا التبرير.
المهم ما تقتنيه في حشاك. النجس كذّاب دائماً. حتى حين يقول الحقّ يقوله كذباً لأنّ قصده غير نقي.
لذلك احرص أن يكون تصرّفك بنقاوة قلب.
انظر إلى أعماقك أولاً. وإلاّ، شئت أم أبيت،
كنت صاحياً أم غير صاح، ما يخرج من حشاك يكون سالباً
ويؤذيك ويؤذي غيرك وأنت لا تدري.
إذا كانت الكلمة قوّة فنيّة القلب قوّة أكبر.
قد تتسبّب بتدهور سيارة إن نويت شرّاً بصاحبها. قد يمرض بسبب حسدك وقد يموت.
القلب يطلق طاقات موجبة إن كان محبّاً وطاقات سالبة إن كان نجساً.
هذه تؤثّر في العالم من حولك. سلبيتك تؤثّر في الأزاهير، في الأشجار، في الحيوانات.
موضوع العين الحاسدة يستسخفه العديدون ولكنّه حقيقة.
القدّيسون أنفسهم يتحدّثون عن أثر العين الحاسدة. هذه قادرة أن تصيب بالمرض، أن تقتل. كلام الكثير من العامة على العين الحاسدة ليس من دون مقابل.
من هنا أهمية حفظ الحشا في الإنسان نقياً. الكثير من الخير في الدنيا مردّه المحبّة التي يكتنزها العديدون من الذين يحبّون الله.
والكثير من الشرّ مردّه سلبية الناس وحسدهم وأنانياتهم وكذبهم وروح الزنى والإلغاء فيهم.
في الدينونة العامة لا يجلس الله كقاضٍ بإزاء البشرية ولا يلقي أحداً في العذاب.
بل الذين قبلوا محبّته يكونون في الفردوس والذين لم يقبلوها يكونون في الجحيم.
المحبّة عينها تكون لأولئك حياة وفرحاً ولهؤلاء موتاً وعذاباً.
ليس الهلاك الأبدي من خلق الله بل هو ثمرة ما زرعه الآثمون.
مَن يتغذّون من محبّة الله لهم حياة أبدية ومَن أحشاؤهم فارغة من محبّة الله لهم هلاك أبدي.
هذا كلّه نحيا فيه منذ الآن. نختبره منذ الآن.
هذا انتقام المحبّة.
أما الله فمنزّه عن كل عيب.
وكذا قدّيسوه على مثاله. المسير، لمَن يحبّون بعناد، هو من فردوس إلى فردوس إلى الفردوس،
ولمَن يأثمون بعناد من جحيم إلى جحيم إلى الجحيم!

Mary Naeem 03 - 06 - 2014 03:25 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
العادة الشبابية
سمى هكذا لأنها ترتبط بفترة المراهقة والشباب
لذلك فهي خطية المرحلة .. ولا داعي للقلق الزائد تجاهها فإنها سريعا ما تختفي حالما ينضج الإنسان
وتصبح له صداقات متسعة واعية، ويبدأ في استثمار وقته بشكل جيد. إلاّ في حالات خاصة حين تتحوّل إلى إدمان وتأخذ شكلاً
مَرَضِياً، بل ويمكن أن تستمر إلى ما بعد الزواج !!..
إن الخطايا الخاصة بالشهوة الرديئة تسمّى خطايا العزلة
فطاقة الحب الموجودة في الإنسان إمّا تتجه بشكل صحي نحو الآخرين (وتسمّى في هذه الحالة طاقة انطلاقية بناءة)،
وإمّا تتسرّب إلى الداخل فتمثّل عبئاً على الشخص (وتسمّى في هذه الحالة طاقة انطوائية هدامة).
أسبابها: تأتي هذه الخطية كتنفيس عن كبت داخلي جاء نتيجة إثارة، فالحواس تصطاد خلال النهار ما بين المشاهد والسماعات، غير أنه هناك فرق بين من يسمع ومن يتسمع (السعى إلى السماع) مثل الفرق بين الذى ينظر بشكل عابر ومن يسترق النظر (يسرق النظر) وهكذا الفرق بين النظرة البسيطة العابرة والنظرة الثاقبة الفاحصة..
المشهد الذى تراه بشكل عابر، سريعاً ما يتلاشى بعكس المنظر الذى تشخص فيه فإنه يتثبت فى ذهنك ويصعب التخلص منه
مثل هذا الرصيد من المشاهد والسماعات يستغله الشيطان لا سيّما فى أوقات الفراغ والملل ويسحب منه،
يشترك الخيال مع الغريزة فينتج عنها السقطة.. إذاً يمكن انتهاج منهجاً ثلاثياً فى هذا الإطار:
1- ألا تسعى للخطية: أى لا تجلب الحرب على نفسك، فأنت تعرف ما هو ضار وما هو مؤذٍ.. والقنوات التى تتدفق أو تتسرب منها الخطية... ويمكنك إذاً سدها.
2- ألا تستسلم لها: فمتى هاجمتك هذه الخطيّة قاومها قدر استطاعتك، على أن هناك درجات فى المقاومة.. فالبعض يجاهد حتى العرق، والبعض الآخر حتى الدموع، وقليلون يجاهدون حتى الدم (مثل الشهداء)..
لذلك يعاتب القديس بولس المؤمنين قائلاً
" لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية " (عب 4:12).
عند هذا الحد لن يلام أحد إذا سقط ما دام يرفض الخطية ولم يسعَ لها ولم يستسلم أيضاً.
3- ألا تيأس متى سقطت : فالشيطان لا يهمه سوى أن تيأس.. لا تهمه خطية بذاتها يسعى ليسقطك فيها ولكنه يركز جيداً على تلك التى تفقدك رجاءك...
فلا تيأس " لا تشمتي بي يا عدوتي إذا سقطت أقوم إذا جلست في الظلمة فالرب نور لي (ميخا 7 : 8).
حقيقى أن هذه الخطية لا تسبب الجنون أو تفقد الذكاء والذاكرة وتؤثر على النظر ولا تمنع الإنجاب
كما يهول البعض منها، ولكنها تضعف الجسم بشكل عام، وتضعنا تحت الدينونة لأن الله لم يخلق فينا الجنس لهذا الاستخدام الردىء، ولكن له دوره فى الوقت المناسب كتعبيرعن الحب ولانجاب البنين وتكوين الاسرة
وإذا شعر شخص ما أن يقظة الجنس فى وقت سابق للزواج هو نوع من المعاناة - التى هو فى غنى عنها- قلنا أن ممارسة الرياضة ومساعدة الآخرين والخدمة والأنشطة كل هذا فيه توجيه للطاقة
بعكس شخص آخر يعاني من الانطواء على نفسه والأنانية والتى تدفعه إلى ممارسة لذة رديئة تقوده لمزيد من الفراغ والجوع فى دائرة لا تنتهى..
ولاشك أن حصن أى شاب أو فتاه هو الطهارة.. فإذا سلم نفسه للأهواء الرديئة فَقَدَ سرّ قوته وأصبح بلا مقاومة ودنّس هيكله.. وأحزن الروح الذى يسكن فيه وأطفأه..
"لاتطفأوا الروح" (1تس 19:5)

Mary Naeem 03 - 06 - 2014 03:27 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
صغر النفس

بينما يحارب الشيطان الصغار والضعفاء بالتأجيل
فإنه يحارب الأقوياء والمتميزون بصغر النفس
وهكذا يمكن أن يصطاد الضعفاء كما يصطاد الصياد السمك الصغير بشبكته، في حين يقف بالأيام قدام سمكة كبيرة !.
وصغر النفس هو العلاج الشيطاني الناجح مع العظماء... ويسمونه الحرب الباردة.. فالصخرة الجبارة التي لا تتأثر بالديناميت أو الصواريخ، تستطيع نقطة مياه مستمرة فوقها أن تشطرها إلى نصفين
والإناء الممتليء عن آخره لا تغلبه اللطمة المفاجئة بينما الضغط المتوالي بأصغر الأصابع يمكن أن يهزمه ويلقيه أرضاً.
والشيطان _ وهو خبير بالنفس البشرية_ يعرف كيف يحاصر الأقوياء نفسياً ? إذا لم يكونوا متيقظين ? وذلك عن طريق الإلحاح اللزج البطيء والمستمر
شريطة ألاّ يشعر بأنه مستهدف من الشيطان، وبذلك يضعف قليلاً قليلا، بل إن إحدى الطرق الشيطانية التي استنبطها اليونانيون في الانتحار هي تصفية دم الانسان قطرة قطرة من خلال قطع شريان صغير في اليد فينزف قليلاً قليلاً ويضعف ويهبط ضغط دمه
ثم يدخل في غيبوبة حتى يفقد الحياة.
بل لعلكم قرأتم عن الاختبار الذي اجري على شخص محكوم عليه بالموت، كيف أغمضوا عينيه وأوهموه أنهم قطعوا شريان يده
وأن دمه ينزف قليلا قليلا وأخبروه أن لترين قد سالا وبعد قليل أوهموه أنه فقد أربعة لترات ..
وبدأ الرجل في أن يضعف ويصفرّ لونه ولما أوهموه الشخص بانه لم يتبق من دمه إلاّ لتر واحد دخل في غيبوبة ثم ما لبث أن مات !!
والحقيقة أنهم لم يفعلوا سوى "شكة" ضعيفة بابرة، ولكن الوهم قتل الرجل !!.
هذا هو الحال الآن مع الكثير من الطلبة، لا سيّما طلبة الثانوية العامة، فقد بدأ بعضهم دروسه في الصيف الماضي..
وامتدت الرحلة حتى الآن، ولم يخل يوماً من الدروس، وفي الأشهر الأخيرة يقضون اليوم ما بين الدروس والامتحانات الدورية، ورغم تفوقهم إلاّ أن تلك الآفة البغيضة _ صغر النفس _ تبدأ في اقلاقهم هذه الأيام
وتتردد داخلهم مشاعر الاحباط فيحدّثون أنفسهم: وماذا بعد .. وما الفائدة .. إن درجة واحدة تنقص كفيلة بأن تقصينا تلقينا من شريحة إلى ُاخرى، ويقارن نفسه بآخرين وُاخريات تعبن العام كله ولم يحققن الكلية التي أردنها
مثلما قال التلاميذ للرب
" يا معلم قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئا ولكن على كلمتك ألقي الشبكة " (لوقا 5 : 5).
ويأتي هذا الفكر كلما نفص الطالب بضع درجات في امتحان عادي .. فيتوتّر ويوتر الذين حوله .. وقد ُيثنيه هذا الفكر عن مواصلة الاستذكار، فيميل إلى الأكل والنوم واللعب !
ولكن كل ذلك يكون ممزوجاً بكآبة بغيضة.
لقد حدث مثل ذلك في أيام نحميا العظيم عندما كان منهمكاً في أعمال البناء والتعمير، وكان الأعداء يحيطون به مما جعله يأمر البنائين بأن يكون سلاح كل منهم في يده، بينما في اليد الأخرى أداة البناء.
ولكن وأثناء هذا العمل الجبّار الذي اشترك فيه كل الشعب، إذا بالأعداء يسخرون قائلين:
"ما يبنونه اذا صعد ثعلب فانه يهدم حجارة حائطهم (نحميا 4 : 3).
كان يتنهد ويقول "اذكرني يا الهي و تراءف علي حسب كثرة رحمتك (13 : 22).
ولكن إن كان كل المتميزون سينهزمون لهذا الفكر فمن الذي سيتفوّق !! إلاّ الذي يعي جيدا أنها مجرد حرب ..
وملل وصغر نفس، وأن هذه المشاعر مرّ بها أكثر الطلبة .. ويبقى أن نعرف أنه مطلوب منا أن نتعب ونجتهد وليس المطلوب أن نحرز تفوقاً بعينه .. ومع ذلك فالذين يزرعون بالدموع يحصدون بالفرح ..
والله ليس بظالم حتى ينسى تعبكم
" لان الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة"(عبرانيين 6: 10).
بل أن سلامة الأعصاب وقوتها وهدوء الإنسان لها دور كبير في القدرة على التذكر واستعادة المعلومات.
تشدد وتشجع وقل مع نحميا العظيم
" أرجل مثلي يهرب" ؟!(نحميا 6 : 11)


Mary Naeem 05 - 06 - 2014 09:33 AM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
ما بين وصية المسيح وإمكانيات الإنسان الطبيعي
كيف نعيش مسيحيين ونحيا بالوصية

http://www.peregabriel.com/gm/albums...2678644151.gif

في الحقيقة حينما يواجه الإنسان وصية الرب يسوع يجدها ثقيلة وفوق إمكانياته وغير منطقية من جهة التنفيذ العملي لها، وقد يراها أنها تضعه في موقف حرج مع الآخرين، فمثلاً وصية الرب لنا على المستوى الشخصي: [ أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم – أن جاع عدوك أطعمه وأن عطش فاسقه ]، هذه الوصية هي وصيه مُلزمة وليست وصية ثانوية يُترك تنفيذها أو عدم تنفيذها لحرية كل واحد، لأنها وصية الرب للجميع بلا استثناء، ولكن للأسف الكثيرين يحاولوا تفسيرها لتتناسب مع شخصيتهم وإنسانيتهم الطبيعية، لأن تنفيذ وصية المسيح الرب أمرٌ حقيقي شاق للغاية - فعلاً - على الإنسان الطبيعي، لذلك يستحيل وهيهات أن استطاع أن يُنفذها لأنه مكتوب: [ ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يُحكم فيه روحياً ] (1كورنثوس 2: 14)...

ولذلك نجد التفسيرات الغريبة، التي تحور الكلام لغرض الهروب من تنفيذ الوصية، وكل واحد يقول أصل الرب لا يقصد المعنى الحرفي، ولا يقصد هذا ويقصد ذاك... الخ، وهذا في الحقيقة هو هروب واضح ومباشر من حياة الوصية، لأن للأسف كل واحد ظن أن وصية الرب تأتي على مستوى الجسد وإمكانيات الإنسان وحسب مقدرة كل واحد، مع أن الوصية هي نفسها أتت في حرفيتها وليس لها أي معنى آخر أو تفسير آخر، سوى أحبوا أعدائكم فعلاً وحرفياً، ولا تحتاج لتأويل ولا تفسير ولا شرح، بل تحتاج لتنفيذ حقيقي وفي الواقع العملي المُعاش في كل العصور كما هي بدون تزيين ولا تحوير، أو يقال أن كل واحد ينفذها حسب إمكنياته، مع أن الوصية واضح أنها تريد Hن يتم تنفيذها كما هي بدون تقليل [ أحبوا أعدائكم ] يعني أحبوا فعلاً وعلى مستوى أنك تبذل نفسك من أجل عدوك وأن جاع تطعمه وأن عطش تسقه وأن كان عندك ضيفاً تكرمه بل وتصنع كما صنع الرب مع التلاميذ وتغسل قدميه أيضاً....

ولكن يا إخوتي يلزمنا أن نعرف على أي مستوى يتكلم الرب يسوع ويُعطي الوصية، لأن الرب لم يتكلم قط على مستوى الإنسان العادي الطبيعي، بل يُكلم الخليقة الجديدة، أي يوجه الكلام لمن آمن به وصار مولوداً من فوق، أي يُكلِّم الإنسان الذي ارتفع إلى المستوى الإلهي، هذا الإنسان الذي أصبح لابس الروح وحي بالمسيح، أي صار إيمانه حي عامل بالمحبة، ويحيا في حرية مجد أولاد الله، يعيش ابن في الابن الوحيد الذي استمد منه روح الوصية وقوتها لتصير مكتوبه في قلبه ظاهره في أعماله، لأن الابن يعبر عن أبيه على مستوى الحياة التي يحياها مع أبيه ويستمدها منه، لأن ابن الملك العظيم يحيا كأمير وكل حركاته وأعماله وتصرفاته التلقائية تُظهر طبيعة حياته وهويته الحقيقية، لأن المولد من فوق يعبر عن المكان الذي ينتمي إليه، فالسفير يعبر عن بلده ويظهر عظمتها: [ إذاً نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا، نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله ] (2كورنثوس 5: 20)...

لذلك كل إنسان لم يحيا كمولود من الله في المسيح ولابس الروح، فليس باستطاعته أن يحيا الوصية كما قالها الرب يسوع، لذلك فهي تُعتبر - بالنسبة له - مُجرد سمو أخلاقي ولكنه صادم له، لذلك يحوِّر الوصية ويجعلها تخضع لمفهومه هو لكي تتناسب معه، ولا يستطيع أن يرتفع إليها أبداً وعلى الإطلاق، لذلك نجده غاضباً على الآخرين ولا يقدر أن يحترمهم قط، فهو لا يستطيع أن يُقدم محبة لأعدائه فعلاً، وهو في ذلك معذور كل العذر، لأنه لم يكن على مستوى الوصية لأن عنده جهالة كما قال الرسول ولا يقدر أن يقبل ما لروح الله ...

فيا إخوتي، أولاً لا تصدقوا أحد يتكلم عن الوصية بمعنى آخر لا يتفق مع الإنجيل، وثانياً لا تحاولوا تنفيذ الوصية بدون المسيح الرب شخصياً الذي قال [ بدوني لا تقدروا أن تفعلوا شيئاً ]، لأن أن لم يعطينا الله بنفسه روح الوصية لن نقدر أن نحيا بها قط، لأن عملياً من هو الذي يستطيع أن يحب عدوه فعلاً، بل يموت من أجله حباً فيه، ومن هو الذي يستطيع أن يحترم فكره وحرية عقيدته ولا يهينه أو يسخر منه !!!! والإجابة [ لا يوجد ]، إلا لو كان هذا الشخص ليس بإنسان طبيعي !!!! أو من يستطيع أن يقبل كلام الرب يسوع عن حمل الصليب واحتمال المشقات والتخلي القلبي عن كل ما له، ويبيع حتى نفسه من أجل المسيح وشركة المحبة !!!

يا إخوتي أن المسيحي الحقيقي ليس إنسان طبيعي، بل مولود من فوق، وأصبح شخص إلهي، فالمسيحي ليس هو دارس الكتب وعنده القدرة على محاورة الآخرين وإقناعهم، بل هو من يحيا الوصية كما هي لأنه لابس الروح، ولا يقدر أن يتكلم من نفسه ويفسر الوصية ويشرحها إلا بالروح القدس وحسب قصد الرب للتطبيق في واقع الحياة المُعاش، وليس للتحوير لتتناسب مع فكر الإنسان الجسدي الطبيعي، أو لكي يقنع بها الآخرين على مستواهم العقلي والفكري فينزل بالوصية لمستوى التراب، لكي يقنع بها الآخرين - عافية - ظناً منه أنه بذلك يحفظ كرامة المسيحي لئلا يقول أحد على المسيحيين أنهم سلبيين وعن ضعف يحبون أعدائهم، ويظن أنه يدافع عن الإنجيل والمسيحية، مع أنه بذلك يثبت أنه لم يكن على مستوى الوصية وليس له أي استعداد بأن يحيا بها إطلاقاً ويظهر حجج كثيرة للهروب منها....

لذلك كما أرى عند البعض في تفسيراتهم الدفاعية عن الكتاب المقدس، بأنه يحوِّر في الأحداث ويلف ويدور فيها لفة طويلة جداً لكي يوفقها لتتناسب مع أفكار الآخرين التي تخضع للفكر الإنساني الطبيعي، لأنه درس الكتاب المقدس في مقابل الشبهات للرد عليها ليُدافع عن الإنجيل، لذلك كثيراً ما لا يستقيم الشرح بالروح، ويصبح في إطار الفكر الإنساني المُقنع، وهيهات ان يُصبح ببرهان الروح والقوة، لأن حينما يفقد الإنسان روح الكتاب المقدس في سرّ برهان الروح والقوة، يُصبح الكلام فارغ من مضمون الروح وقصد الله، فيُقدم بصورة توفيقية تأويلية لتُناسب الدفاع عنه أمام الآخرين، والعجب أن كيف يُدافع عن كلمة الله وهي التي تُدافع عن نفسها بتحقيقها فينا، حينما ترفعنا لمستواها لنحيا بها، فنصير نحن أنفسنا شهادة حية عنها بالروح، أي نصير نحن أنفسنا إنجيل مقروء من الجميع، وعلى غير هذا المستوى فإننا لا نبشر بإنجيل المسيح بل بإنجيل آخر ووصية أخرى تتناسب مع فكرنا الإنساني بقناعة العقل المغلق على أسرار الروح، أي الذهن المُغلق الذي عليه برقع يحجب نور الله عنه [ بل أغلَّظت أذهانهم لأنه حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باقٍ غير منكشف الذي يُبطل في المسيح؟ لكن حتى اليوم حين يُقرأ موسى البرقع موضوع على قلبهم. ولكن عندما يرجع إلى الرب يُرفع البرقع ] (2كورنثوس 3: 14 - 16)...
  • فيا إخوتي أرجوكم لا أنا بل كلمة الله ووصيته، أن تلبسوا الروح السماوي، وتجعلوه هو من يقودكم للحق، ولا تحاولوا بذكائكم الشخصي وقدراتكم الخاصة وحسب ما نلتُم من شهادات ودراسات وقدرات ومعرفة أن تشرحوا الكتاب المقدس، وتظهروا الحق التي ترونه أنتم، لأن في تلك الساعة الحق في الواقع هربان منكم وليس فيكم، لأن الحق، هو حق مُشخص، أي هو شخص، شخص ربنا يسوع الذي قال أنا هو الحق، وكيف لي أنا الإنسان أن أشرح الحق بفكري الشخصي وأظن أني أتكلم بالحق أو قد امتلكته، لأن الحق هو الذي يملكني ولست انا من أمتلكه، لأن أن لم ألبس - على المستوى الشخصي الخاص - الرب يسوع وامتلئ بالروح وأعيش الوصية وارتفع لمستواها كيف لي أن أتكلم بها وعنها، واشرحها وأُفسرها !!!
  • ولننتبه لكلام الرسول بتدقيق لكي نحيا به ولا لنفسره أو نشرحه او نقرأه للمعرفة، بل للحياة والخبرة على المستوى الشخصي لكل واحد :
[ وأنا لما أتيت إليكم أيها الإخوة أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة مُنادياً لكم بشهادة الله. لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً. وأنا كنت عندكم في ضعف وخوف ورعدة كثيرة. وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة. لكي لا يكون إيمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله. لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين ولكن بحكمة ليست من هذا الدهر ولا من عظماء هذا الدهر الذين يُبطلون. بل نتكلم بحكمة الله في سر الحكمة المكتومة التي سبق الله فعينها قبل الدهور لمجدنا. التي لم يَعلمها أحد من عُظماء هذا الدهر لأن لو عرفوا لِمَا صلبوا رب المجد. بل كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع أُذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه. فأعلنه الله لنا نحن بروحه لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله. لأن مَنْ مِنَ الناس يعرف أمور الإنسان الا روح الإنسان الذي فيه، هكذا أيضاً أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله. ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله. التي نتكلم بها أيضاً لا بأقوال تُعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس قارنين الروحيات بالروحيات. ولكن الانسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يُحكم فيه روحياً. وأما الروحي فيحكم في كل شيء وهو لا يُحكم فيه من أحد. لأنه من عرف فكر الرب فيعلمه وأما نحن فلنا فكر المسيح ] (1كورنثوس 1: 1 – 16)
  • فمن له فكر الرب يُعلمه، لذلك ينبغي أن ننال أولاً فكر المسيح بالصلاة الدائمة، لكي نلبسه لبساً، فننال موهبة الروح لنتكلم بسلطانه، حينئذٍ فقط تبدأ الناس بالتعرف على الطريق الحقيقي المؤدي للحياة، وحينما يكون لها رغبة بشوق ولهفة أن تعرف الله، حينئذٍ تلمسها الكلمة التي ننطق بها لأنها بالروح والحق، فتعرف الرب، فتؤمن إيماناً حياً وتتغير وتحيا...
  • لأن أي منفعة للكلام أن ظل مجرد كلام إنسانية مُقنع بلا برهان الروح والقوة، وغير قادر أن يرفع الإنسان على مستوى وصية الله للطاعة لكي تكون هي حياة النفس، وبذلك تصير بالضرورة خدمتنا باطلة، نتعب فيها وأقصى ثمر لها هو حشر معلومات في العقل تحجب نعمة الله وتفصل الإنسان عن الله في النهاية، لأن كثير من الخدام يظنوا أن بالمعرفة التي اكتسبوها إنهم يعرفون الحق مع انه ليس هناك بينهم وبين الحق شركة ولم يملك عليهم بعد، ولم يدخلوا في حرية مجد أولاد الله ولا قلبهم امتلئ من الفرح السماوي الذي لا يزول ولا دخلوا في شركة القديسين في النور...

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 02:31 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
وصـايا الله العشر: لا تسرق
http://www.peregabriel.com/gm/albums...normal__3B.jpg

بقلم: الأب جورج دنكاية
مقـدمة

لا تسرق هي الوصية السابعة من الوصايا العشر.
وهذه الوصية لها إطارها التاريخي والجغرافي والاجتماعي ولن أخوض فيه وإنما أترك كل هذه الأمور للمختصين فيها.
إن الوصية السابعة التي تنهى عن السرقة ندّعي جميعاً بأننا قد تجاوزناها وكل منا بإمكانه أن يعتبر نفسه بريئاً من هذه التجربة.
حتى أننا في حياتنا اليومية لا نسمع كثيراً عن حالات سرقة إلاّ القليل ( نسبة إلى عددنا وكثافة سكّان مدينتنا).
أثناء دراستي الفلسفية واللاهوتية وحتى أثناء أعوام الاختصاص في العلوم التربوية لا أذكر أنني درست شيئاً عن الوصية السابعة.
وإنما أذكر أني درست مادة كان عنوانها: دعوة إلى العدالة. الآباء اليسوعيون كانوا على حق لأن الوصية السابعة هي ظاهرة بسيطة لخطيئة وتجربة عميقة الجذور إلا وهي اللاعدالة.
فإذا فكّرنا بسلوكنا العادل من الصعب أن نجد أنفسنا بعيدين من هذه التجربة التي من ظواهرها السرقة.
إن حديثي لكم اقتبسته من مرجعين هما:
"التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية" و"الكنيسة في أخلاقياتها".و
هو محاولة بسيطة لإلقاء الأضواء على بعض المشاكل التي بدأنا نعاني منها ويبقى لكل واحد منكم أن يستنتج ما يخص الحالة التي يعالجها كمربّي في جمعية التعليم المسيحي.

تعـاريف

1-التملك:

عامة يعني العلاقة بين شيء وشخص. علاقة تسمح لصاحب الشيء أن يحتفظ به أو أن يغير من حالته أو أن يتلفه.
مصادر المُلكية:
1-الوراثة: عن الأجداد والآباء.
2-الهبة: من شخص إلى شخص.
3-الشراء: مقابل مبلغ معين.
4-التبادل التجاري بين الأفراد.
5-الإنتاج: منتجات المصنع أو الأرض.

ثلاث مسائل قانونية
1-قانونية الاستعمال
2-قانونية الثمار المنتجة.
3-الحق في تغيير وتشويه وتلف الشيء.

2-المُلكية في العالم الاقتصادي الحالي:
ثمة تغيرات طرأت على الحالة الاقتصادية في العصور الأخيرة.
آ-التغيرات الجغرافية... فلم تقتصر التجارة اليوم على التبادل بين منتجات الأرض ومنتجات المصنع في نفس البلد. بل نشأ سوق ونظام تجاري عالمي فيجب الانتباه إذاً إلى:
آ-التجارة الخارجية العالمية.
ب-النظام التجاري الواحد ( العولمة)
ج-التغير الاقتصادي في بلد ما يؤثر على الدول الأخرى.
ب-التغيرات التي طرأت على فكرة الملكية: فالملكية اليوم ليست أرضاً فقط أو سيارة بل هي شيء مجرد: حسابات في البنوك، أسهم في شركات عالمية...
من نتائج هذه التغيرات نشأت الرغبة في امتلاك الأسهم، والحصص والحسابات في الخارج. والهدف المرجو هو زيادة الرأسمال.
ج-تبادل الأدوار بين السلطة السياسية والسلطة الاقتصادية:
فبينما كانت السلطة السياسية تنظم القوى الاقتصادية أصبحت هذه الأخيرة تتحكّم بالأولى.

3- من أشكال الملكية:
مقتنيات استهلاكية ( الأكل، الملابس...) مقتنيات للاستعمال( الأثاث) الملكية العقارية (المنزل...) ملكية المال ( إدخارات مالية، حسابات)، ملكية غير مباشرة للأموال العامة، الملكية الفكرية، حقوق النشر المتعلقة بالأعمال العلمية أو بالمؤلفات الموسيقية أو الأدبية

4-لا تسرق: الوصية السابعةتنهى من:
1-أخذ مال القريب أو حفظه دون حق.
2-إلحاق الضرر بالقريب في أمواله بأي وجه من الوجوه.
وهي تفرض:
العدالة والمحبة في إدارة الأموال الأرضية وثمار عمل الناس.
وتقتضي في سبيل الخير العام:
1-احترام كون الخيرات معدة للجميع.
2-احترام حق الملكية الخاصة.
3-الوصية السابعة في كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية (2401 ? 2463)
يتكلم التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية في ست نقاط عن ما يخص ويرتبط بالوصية السابعة. فيتكلم عن:
1-الخيرات الأرضية والملكية الخاصة.
2-واجب الأشخاص في احترام بعضهم وأموال كل منهم.
3-عقيدة الكنيسة الاجتماعية.
4-النشاط الاقتصادي والعدالة لاجتماعية.
5-العدالة والتضامن بين الأمم.
6-محبة الفقراء.
أتوقف عند أهم النقاط:
2402: في البدء أوكل الله الأرض ومواردها إلى إدارة مشتركة تضطلع بها البشرية
1-لتعتني بها.
2-تسيطر عليها.
3-تنعم بثمارها.
تملك الخيرات مشروع في سبيل ضمان حرية الأشخاص وكرامتهم ولمساعدة كل واحد على تأمين احتياجاته الأساسية واحتياجات من يعولهم.
2403: إن الحق في الملكية الخاصة المقتناة، أو المقبولة من الآخرين بطريقة عادلة لا يبطل إعطاء الأرض في الأصل للبشرية جمعاء.
2404: إن ملكية خير ما تجعل ممن يحوزه مديراً من قبل العناية الإلهية لاستثماره وإيصال حسناته إلى الغير، وأولاً إلى الأقارب.
من هنا واجباتنا تجاه الآخرين وأموالهم.
2407: ففي الموضوع الاقتصادي يقتضي احترام الكرامة الإنسانية وممارسة فضيلة القناعة للاعتدال في التمسك بخيرات هذا العالم وفضيلة العدل لصيانة حقوق القريب وإعطائه ما هو واجب له والتضامن بحسب القاعدة الذهبية
وجود الرب الذي هو الغني قد افتقر من أجلنا لكي نستغني بفقره.
للسرقة أنواع:
2409: كل طريقة لأخذ مال الغير دون حق والاحتفاظ به
هي مخالفة لوصية السابعة وإن لم تكن متعارضة مع أحكام الشريعة المدنية.
-الاحتفاظ عمداً بما أقرض من مال.
-الاحتفاظ عمداً بما وجد من أشياء ضائعة.
-الغش في التجارة.
-دفع أجور غير عادلة.
-رفع الأسعار اعتماداً على جهل الغير وعوزه.
-المضاربة المستعملة لتغيير تخمين الخيرات بأسلوب مصطنع لنيل فائدة على حساب الغير.
-الرشوة التي بها يُبدّل رأي مَنْ عليهم أن يتخذوا القرارات وفاقاً للحق.
-استملاك أموال عامة لمؤسسة واستعمالها للمصلحة الخاصة.
-الأشغال التي لم يحسن صنعها.
-الغش الضريبي.
-تزوير الشيكات والفواتير.
-المصاريف المفرطة والهدر.
2403: ليست ألعاب ( اللعب بالورق) أو المراهنات في ذاتها مخالفة للعدالة. وتصبح غير مقبولة من الوجهة الأخلاقية عندما تحرم الشخص ما هو ضروري له لتلبية حاجاته وحاجات الآخرين.
2414: تحظر الوصية السابعة الأعمال والمشاريع التي تؤدي، لأي سبب من الأسباب الأنانيةُ، أو الإيديولوجيةُ أو التجاريةُ أو التوتالتياريةُ
إلى استعباد الكائنات البشرية، وتجاهل كرامتها الشخصية وشرائها وبيعها ومقايضتها كأنها بضاعة.

النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية
2426: إن تطور الأنظمة الاجتماعية ونمو الإنتاج معدان لتلبية احتياجات الكائنات البشرية ولا تهدف الحياة الاقتصادية فقط إلى تكثير الخيرات المُنتجَة وزيادة الربح أو القدرة. إنها معدة أولاً لخدمة الأشخاص، الإنسان بكامله والجماعة البشرية بكلتيها.

العدالة و التضامن بين الأمم
2437: إن التفاوت في الموارد والوسائل الاقتصادية، على الصعيد الدولي، كبير بحيث يحدث بين الأمم " هوّة " حقيقية. فهناك من جهة من يملكون ويطوّرون وسائل النمو، ومن جهة أخرى من يركّمون الديون.

2439: على الأمم الغنية مسؤولية أخلاقية خطيرة تجاه تلك التي تعجز بنفسها عن تأمين وسائل تطورها، أو التي منعتها من ذلك أحداث تاريخية مأسوية.

محبّة الفقراء
2443: يبارك الله من يساعدون الفقراء ويرذل من يعرضون عنهم.
أعمال الرحمة: هي أعمال المحبة التي تساعد بها القريب في ضروراته الجسدية والروحية:
-التعليم والنصح ?التعزية -تقوية العزم ?المغفرة -الاحتمال بصبر -إطعام الجياع -إيواء من ليس لهم نزل -إكساء ذوي الثياب الرثة -زيارة السجناء -دفن الموتى.

واجبات المؤمن بما يخص الوصية السابعة
2410: لا بد من وفاء الوعود والتقيد الصارم بالعقود.
2411: تخضع العقود للعدالة التبادلية التي تنظم المبادلات بين الأشخاص وبين المؤسسات في احترام صحيح لحقوقهم.
2412: إن التعويض عن الظلم المرتكب يقتضي، استناداً إلى العدالة إعادة المال المسلوب إلى صاحبه. ( مثال زكّا العشار).

4ـ مشكلة العمل كواجب أخلاقي
كما لاحظنا أن الوصية السابعة هي وصية تخص السوء الذي بإمكاننا أن نلحقه بأملاك الآخرين أو حتى بمعطيات الطبيعة. وهي وصية خاصة تخص حق الإنسان في تحقيق حاجاته ومسؤوليته تجاه حقوق الآخرين.
إن حاجات البشر تتحقق بعرق الجبين. لهذا فمسألة العمل مرتبطة ارتباطاً قوياً بمسألة العدالة الاجتماعية...
فمن لا يعمل لا يأكل...
2427: العمل الإنساني يأتي مباشرة من الأشخاص المخلوقين على صورة الله والمدعوين إلى أن يمددوا بعضهم مع بعض، وبعضهم لأجل بعض
عمل الخلق بالتسلط على الأرض. فالعمل إذن واجب. العمل يكرم مواهب الله والوزنات المعطاة.
2428: يمارس الإنسان ويتمم بالعمل جزءاً من الإمكانات الموجودة في طبيعته وقيمة العمل الأساسية مرتبطة بالإنسان نفسه الذي هو صاحب العمل وغايته لأن العمل هو لأجل الإنسان وليس الإنسان لأجل العمل.

أشكال العمل اليوم:
1-العمل المأجور أو العمل المهني: يكسب به الإنسان مالاً يسمح له بتأمين حاجات حياته.
2-المواظبة على التثقيف لاغنى عنها كي يصل الإنسان إلى عمل مأجور.
3-العمل مكرس للنشاط في وسط الأسرة.
4-العمل الخاص ( الهوايات، الاهتمامات...)
5-العمل الاجتماعي التطوعي

معنى العمل:
1-تدبير معيشة الإنسان.
2-يشق للإنسان طريقاً إلى نضوجه الشخصي.

البعد اللاهوتي للعمل:
إن روح الإنجيل والثقة بأن الله سوف ينجز ما نبدأه يهبان شجاعة التزام في العالم يحكمه الإيمان والرجاء والمحبة.
أما السبب الموجب فينبغي البحث عنه:
1-في الإيمان بأن الإنسان يمكن أن يثق بمعنى الحرية التي وهبه إياها الله ألا وهي أن يكيف الأرض بعمله.
2-في الرجاء المؤمن بأن الله سيحقق تصميمه، الذي هو الخلاص بمؤازرة جميع الناس ذوي الإرادة الصالحة.
3-في الخبرة بأن الإنسان، عبر نشاطات تحكمها المحبة والعدالة يسهم في تعزيز التقدم الأرضي، وهكذا ينمي "خيرات الكرامة الإنسانية والشركة الأخوية والحرية".

تنظيم الملكية:
- يؤكد المبدأ الأول للعقيدة الاجتماعية الكاثوليكية في الملكية أن خيرات الأرض مخصصة للجميع.
- حق الملكية يخص كل إنسان كحق شخصي مكون للحرية.
- ليس لأحد الحق باستخدام الممتلكات، وحتى بإتلافها، دون أن يبالي بحاجات الناس الآخرين. فالملكية تحافظ على العلاقة مع المجتمع وتنطوي على التزامات اجتماعية وهي تحت وطأة ارتهان اجتماعي لا تمكن إزالته.

5 - خاتمة
يبقى موضوع الوصية السابعة مفتوحاً أمام أعيننا وأفكارنا لصعوبة مضمونه وارتباطه بعدة عناصر اجتماعية، اقتصادية، سياسية.
إن مجتمعنا بنظري هو " ضحية" لسرقات ارتكبتها مجتمعات صناعية كبرى. وما يتكلم عنه التعليم المسيحي الكاثوليكي
والكتب الأخرى المؤلَّفة في عدة بلدان أوربية تخص تلك البلدان وتذكر أنواع وخفايا الوصية السابعة في تلك المجتمعات.

فما هي خفايا الوصية السابعة في مجتمعاتنا النامية...؟
نحن بحاجة إلى دراسة عميقة من عدة زوايا اقتصادية واجتماعية وكنسية لاهوتية وأخلاقية تربوية فيما يتعلق بهذه الوصية.

ملحق1 ـ الحقيقة الاقتصادية وبشارة الإنجيل
ينبغي لكل عملية اقتصادية أن تهدف إلى:
1-التفكير بالإنسان وخير الفقير.
2-الخير الاجتماعي.
3-واجب دفع الضرائب بأمانة.
4-العدالة التوزيعية.

ملحق2ـ حالات اقتحام ملكية الآخر دون السرقة
1- في حالات الخطر كل شيء هو ملك للجميع. مثلا: أثناء الحرب اللجوء إلى بيوت متروكة، في حالة إسعاف: اقتحام الصيدلية.
2-الاستملاك من أجل الخير العام: هذا يتم عن طريق الدولة فقط. مثلاً في حالة وجوب بناء محطة قطار أو قلعة أو مركز عسكري( طبعاً نتكلم عن استملاك الأرض أو ما بني عليها لا عن محتوى البيوت.)

ملحق3ـ حالات شراء شيء مجهول المصدر
1-المالك على حسن نية: من يقتني شيئاً دون الشك بمصدره.
2-المالك مع الشك: من يشتري شيئاً يشك بمصدره وسعره المغري إنما يشتري مع المخاطرة بوجوب إعادة الشيء لصاحبه الأصلي.
3-من يشتري شيئاً بسعر مغرٍ مع العلم بمصدره المشكوك بأمره هو شريك السارق.
4 - من يجد شيئاً مع معرفة صاحبه ولا يرده هو سارق.

ملحق 4 ـ حالات وظواهر أو ظاهرات يجب التفكير في استقامتها وعدلها
1-تقصير المعلمين في تدريس المواد داخل القاعات الدراسية مما يجبر الطلاب على متابعة دروس تقوية خاصة.
2-حصة الأنثى من الإرث الأبوي.
3-أجور العمال عند أرباب العمل وعدم تسجيلهم في التأمينات الاجتماعية.
4-الاتفاقيات الضمنية بين الأطباء ومراكز التحليل ومراكز التصوير الإشعاعي، والمطالبة بفحوصات لا تستدعيها الحالة الصحية...
5-التصرف بأملاك الدولة خارج أوقات الدوام والساعات المخصصة لاستخدام هذه الأملاك
( كالسيارات ...).

خاتمة
لقد حاولت في حديثي هذا أن أُجْمِل تعليم الكنيسة الكاثوليكية فيما يتعلق بهذه الوصية الهامة ولست أدّعي بأنني قد أحطت بالموضوع من كل جوانبه في هذه العُجالة.


وجُلّ ما أرجوه أن يكون هذا الموضوع دافعاً لكم أنتم المربين للمزيد من البحث والمطالعة.

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 02:34 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
وصـايا الله العشر: الوصية الخامسة بقلم: الأب منير سقال

1- قيمة الحياة الإنسانية


1- صيغة الوصية: هي نفسها في روايتي الوصايا العشر "لا تقتل" (خر20 /13- وتث5/17)؛ أو يُقصد بها القتل المتعمّد غير الشرعي، بما فيه القتل الناتج عن عدم الحذر والتأني. 2 - معنى الوصية: إن الحياة ثمينة ومقدسة وكرامة، الإنسان أنه خُلق على صورة الله ومثاله. فالقضاء عمداً على حياة القريب خطيئة تصعد صرختها نحو السماء والحياة وجود لائق بكرامة الإنسان
وكل عمل أو فعل يجعل من القريب شيئاً يكن التصرف به يندرج في خط القتل. فالله هو سيد الحياة وصائنها، والإنسان مدعو للاشتراك في حياة الله
فالحياة الأرضية موجهة نحو الحياة مع الله. فالوصية تعني: احترام الحياة والحق بالحياة وحماية الحياة.
3 - النهي عن القتل ووصية المحبة: إن المعنى الإيجابي للوصية هو ذلك الموقف الذي يتخذه الإنسان تجاه الإنسان الآخر، هو "النعم" المرتكزة على نَعَم البشر تجاه الله وعلى نعم الله تجاه البشر.
فالعدالة ومحبة الله والقريب تتجلى في أن تجري الحك وتحب الرحمة وتسير بتواضع. وصّدق يسوع هذا "وحي الإرادة الإلهية" وتعداه في رسالته بطريق تثير الإعجاب
(أريد رحمة لا ذبيحة)،
ومع يسوع يتعدى القتل الإرداء الجسدي إلى الغضب والكلام المهين.
4 - الوصية الخامسة في عصرنا: تتجه الوصية إيجابياً نحو "الحفاظ على الحياة"؛ وهذا التوجه يمس البشرية في عالم اليوم المتبدل
فالمقصود هو صيانة الحياة وتعزيزها بنوع يوافق كرامة الإنسان ويحقق العدل في معاملته.



2 - العمل على ازدهار الحياة وتنظيمها


1 - ازدهار الحياة الجسدية والروحية: السؤال هو : كيف يمكننا أن ننمي الحياة ونضفي عليها أشكالاً؟ دون الإعلاء من شأن الجسد حتى العبادة، ولا الحط من كرامته إلى حدّ الاحتقار، فالإنسان، في النظرة الكتابية المسيحية، واحد بجسده وروحه، وحياته الجسدية موكلة إليه بمثابة عطية من الله. 2 - حماية الصحة وتعزيزها: وذلك في الحفاظ على المقاييس الصحية واحترام نظام الأمور. فخير الإنسان الأسمى هو في سعادته ونجاح حياته أكثر مما هو صحته (موقفنا من المعاقين: قبول الله له ودعوته إياه للحياة). فكل الأنشطة من عمل وراحة وتنشئة وفن وفكر عليها أن تُبقي الإنسان محورها وليس المال والشهرة مما يقود إلى تدمير الصحة. (الوسائل المُنشطة).



3- مخاطر الصحة والحياة


1 - الأدوية والكحول والمخدرات: الملاحظ ازدياد في عدد الأشخاص الذين يفشلون في التكيف مع واقع الحياة، ورغبة منهم وتوقهم إلى التحرر والاستقلالية يلجؤون إلى الأدوية والكحول والمخدرات، فيتعودون عليها وتغريهم فتقودهم إلى الانتحار البطيء وتدمير الذات والموت، وذلك على عكس ما تعدهم به. فالاستخدام الطبي للمهدئات والمخدرات جائز أخلاقياً
على أن لا تصل بهم الحالة إلى وضع لا يعود فيها الإنسان سيد قواه العقلية. فمن شروط الحياة الكريمة أن يجتهد كل واحد أن يرى حدوده ويمارس الاعتدال أو التجرد. والوقاية تكون في الأٍسرة من خلال الحوار والاستشارة
والمدرسة والكنيسة من خلال فرق الشباب ونوادي العائلات و اللقاءات الشخصية والمراكز الاستشارية. فالإيمان المسيحي يمنح الرجاء الذي يحرر من الخوف واليأس والفشل، الرجاء بيسوع المسيح.
2 - مرض نقص المناعة (الإيدز Aids أو السيدا Sida): الفرد والجماعة معنيان بهذا المرض
وعليهما أن يتصرف تجاهه تصرفاً مسؤولاً مع الانتباه إلى البعد الأخلاقي للجنس وإلى قبول المجتمع الشخص المصاب وعدم معاملته بازدراء أو تمييز، وعلى المصاب الانتباه والوقاية.
3 - الانتحار: هو عمل يضع به إنسان ما حداً لحياته السؤال: هل يجوز من الوجهة الأخلاقية بشر فقدان الحياة بالانتحار؟ هل الانتحار قتل متعمد للذات؟ أليس من حقوق الإنسان الأساسية أن يكون حراً في وضع حداً لحياته؟
الانتحار هو رفض لاستمرار العيش في الحرية ورفض للذات. هو عمل يقضي على الحرية قبل الأوان. من قتل نفسه ينكر الله الذي وهبنا الحياة.
ورفض الحياة هو رفض للحرية، ورفض العيش في الحياة هو رفض لله، لذلك لا يمكن تبرير الانتحار أخلاقياً. الانتحار هو رفض لمحبة الله للإنسان وإنكار لمحبة النفس والتوق الطبيعي إلى الحياة ولواجب العدل والمحبة تجاه القريب والمجتمع. إيماننا المسيحي يقابل تمجيد الانتحار المتعمد بنظرة إلى الحياة متأصلة في الإيمان.
فإيماننا يجعلنا نثق بأن الله، في كل حالة، يستطيع أن يلتقي حياتنا من جديد.
4 - التعرض للعنف والتعذيب وعقوبة الإعدام: الدفاع عن النفس جائز أخلاقياً إذا لم يكن ممكناً رد المعتدي بغير العنف الجسدي
على أن لا يكون ثمة نية بأن يُلحق بالمعتدي الظالم ضرر جسيم تفوق نسبته الجرم الذي قام به أو بقتله، وأن لا يكون الدفاع مُحركاً بفكرة الثأر.
التعذيب: و تهديد جسيم لحياة الإنسان وكرامته. وهو أمر مرذول أخلاقياً، ويتنافى والكرامة،
الإنسانية ويولد شروراً كثيرة، ولا يخدم بأي شكل السعي إلى الحقيقة (التعذيب النفسي والجسدي).
الإعدام: استخلص من التقليد المسيحي من (رو13/4)،
حق الدولة بإصدار الحكم بالموت، متى فقد المجرم حقه بالحياة لاقترافه جرماً يستحق تلك العقوبة.
ويُعترف للعدالة البشرية بالسلطة الضرورية لإصدار حكم عادل، مما يعني، في حال حصول جريمة قتل الحكم بموت القاتل. ولكن التقليد المسيحي لا يستثني حق الدولة بإصدار عقوبة الموت كوسيلة قصوى.
انطلاقاً من الإيمان، وعلاوة على التدابير القانونية التي تحددها الدولة، على المسيحيين أن يتذكروا أن أكبر مجرم يمكنه أن يتصالح مع الله بقبوله نعمة الإقرار والتوبة. هذه الخلفية قد قوّت الاقتناع بأن المسيحيين
لا يمكنهم أن يكونوا من دعاة عقوبة الإعدام.
5 - الالتزام والتضحية بالصحة والحياة: تنهي الوصية الخامسة عن القتل وتأمر بحماية الحياة وتعزيزها، وتلفت الانتباه إلى مختلف القيم التي ينبغي أخذها بالاعتبار في حياة متوافقة مع المتطلبات الأخلاقية. فالحياة خير أسمى، إنها خير أساسي فنحن ملزمون أخلاقياً بحماية الحياة الإنسانية والمحافظة عليها، آخذين بعين الاعتبار من ضحى بحياته في سبيل خيرات
وقيم أخرى:
"ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل ذاته عن أحبائه" (يو15/13).



4- حماية الحياة الإنسانية في بدايتها


1 - أسئلة ومشكلات في موضوع بداية الحياة الإنسانية: إن الكنيسة انطلاقاً من اعتقادها بأن كل حياة إنسانية لها كرامتها وقيمتها تلتزم الدفاع عن الحياة الإنسانية الضعيفة وغير القادرة على الدفاع عن نفسها، حتى قبل الولادة، فكثيرون يعتقدون أن الطفل قبل مولده لا يملك الكرامة نفسها التي له بعد مولده.
وعليه فالإجهاض وقتل الأجنة جريمتان مُنكرتان (ك ع51). فالحياة البشرية الإنسانية تبدأ لدى الإخصاب فليست هي
"شيئاً يسبق الإنسان" ولا هي "جزء من الأم" ولا "مجرد إنتاج من الزرع" ولا "حياة في صيرورة"، فمنذ الحبل نحن بإزاء حياة إنسان في بدء تكوينها وفيها مُتضمنة كل المراحل اللاحقة. فكل من يستخدم وسائل تمنع البويضة الملقحة في رحم المرأة
إنما يقضي على حياة إنسانية، لا يمكن من الوجهة الأخلاقية معادلة مثل هذه الوسائل بوسائل منع الحمل. "الطفل هو كله طفل والديه وهو كله طفل الله الخالق". 2 - حماية الحياة الإنسانية في حالات الصراع: الصراع بين عدة خيرات؛ للحفاظ على خيرات تبدو لهم مهمة أو يستحيل على الأصل التخلي عنها. مهم جداً معرفة الوقائع والمفاهيم المستخدمة معرفة جيدة؛ والتمييز بين التدابير القانونية والأحكام الأخلاقية للوصول إلى قرارات أخلاقية مسؤولة.
فالقرائن المستخدمة لوقف الحمل إنما تدل على مشكلات مطلوب حلها مثل الاغتصاب والعنف أو الحالة النفسية والاجتماعية الشاقة وصحة الأم وحياتها إن كانت في خطر وتحسين النسل والإعاقات?
فالسؤال الأخلاقي بالذات هو: هل هذه القيم على جانب كبير من الأهمية أو الضرورة الملحة بحيث ينبغي تفضيلها على الخير الأساسي الذي تشكل الحياة المُعدة لأن تبصر النور؟ هذه المشاكل لا يجوز حلها بقتل الطفل الذي تم الحبل به.
إن أدق القرائن الطبيعية وهي المتعلقة على صحة الأم قد تقلصت كثيراً نتيجة التقدم العلمي الطبي لا بل أصبحت نادرة، وفي الحالات النادرة جداً
حيث حياة الأم وحياة الطفل في الوقت عينه في خطر، وفي هذه الحالة "متى كانت في خطر حياتان يستحيل إنقاذهما معاً، يجوز من الوجهة الأخلاقية العمل على إنقاذ إحداهما على الأقل" إذ أن الهدف
هدف العمل الأساسي، هو إنقاذ الحياة.
3 - الاستشارة بشأن الجينات والفحص الذي يسبق الولادة: أسهمت هذه الاستشارات في أثناء الحمل والفحص الذي يسبق الولادة ي خفض المضاعفات، ولكن كل هذا التقدم العلمي لم تلغ مخاطر الحمل، فهناك ولادات بعاهات مردها أسباب جينية أو اختلال في تبدل الخلايا إبان فترة الحمل.
السؤال هو:
إذا تبين أن العاهة وراثية، هل يمكنهم اتخاذ مسؤولية إنجاب طفل آخر ؟ إذا تبين أن هناك عاهات وراثية في العيلة القيام بتشخيص جيني قبل الزواج
على أن لا يربط الزوجان متابعة الحمل بعد الزواج بشرط سلامة الجنين من العاهات فكل حياة إنسانية حتى المصابين بعاهة أو إعاقة هي في نظر الله جديرة بالعيش، وليست في تصرف الإنسان فكل الفحوصات والتشخيص الذي يسبق الولادة هو إيجابي في حال الاطمئنان والتدخل الطبي للحياة والمعالجة وهو سلبي في حال كان القصد منه وقف الحمل إذا تبين وجود عاهة أو مرض لدى الجنين، فالتشخيص بهدف الإجهاض مرفوض خلقياً
وهو مقبول إذا كان لحماية الطفل وإنطاقاً من القيمة الإيجابية لكل حياة بشرية. فإن قيمة الإنسان غير مرتبطة بصحته ولا بسعادته ولا بفائدته ولا بجنسه ولا بقبول والديه له، بل بكونه إنساناً وبكونه على صورة الله وبقبول الله له ودعوته إلى مستقبل أبدي.
المبدأ الأخلاقي هو احترام كل كائن بشري على أنه شخص والتصرف معه على هذا الأساس.

5- الاعتناء بالأشخاص المرضى والمحتضرين
1 - المرض والاحتضار والموت في الحياة المسيحية: حياتنا هي "فترة من الزمن مؤقتة" نختبر فيها الوجع والألم والمرض والموت ووداع الآخرين وفقدانهم. وذلك لأسباب متعددة منها جسدية ونفسية، والمرض يصيب الإنسان كله، فيشعر أن مُستبعد ومعزول عاجز ولا يفيد أحداً. ولكن هل يمكننا أن نفهم حقاً النزاع والموت؟ أمام موت طفل، أمام الكوارث والجوع والحوادث والمرض. يقول أبيقور: "إن ارهب الشرور، أعني الموت، لا يعنينا فما دمنا على قيد الحياة لا وجود لموت، وعندما يحضر الموت لا نعود في الوجود".
والتفكير المؤمن بالموت يستند إلى أن الله هو الإله الحي وأنه بكونه خالق الحياة، يجب أن تحيا خلائقه ويثبت في محبته لنا حتى في الموت لأنه "خلق كل شيء للوجود"
وهو "لا يُسر بهلاك الأحباء، (حك1/13-14).
النظرة إلى الموت من خلال الإيمان تجعل مواجهة الموت، بالنسبة للمسيحي، معنىً يقوم على التمسك بالله في الثقة والتخلي عن ذواتنا، في الموت يُمتحن إيماننا الأخير.
2 - خدمة المرضى والمحتضرين: نحن مسؤولون عن المحافظة عن الحياة والاهتمام بالصحة والصراع ضد الأمراض وشقائها وعن مرافقة المحتضرين ومساعدتهم، وهذه هي أيضاً غاية العمل الطبي وغاية الإسعافات التي يتجلى هدفها الأسمى في خير المريض في المعنى الشامل للكلمة: "عمل رحمة" السؤال الأخلاقي هو:
هل يحق للطبيب أن يفعل كل ما يستطيع الطب أن يحققه؟
هل يجب الحفاظ على الحياة وإطالتها مهما كان الثمن؟ ما هو المسموح به أخلاقياً وما هو المرفوض في نهاية الحياة؟
لا يحق لنا التصرف بالحياة الإنسانية تصرفاً مطلقاً، في أية مرحلة من مراحلها، ويحق للإنسان أن يموت بكرامة. فالميتة الميَسرة أو الموت الهنيء أو الأوتانازيا، أمر مرفوض خلقياً. أمّا الأمر المسموح به خلقياً فهو التخلي عن استخدام الوسائل القادرة على إطالة الحياة لمدة ما والتي لا تسهم إلا في إطالة آلام لا تطاق. فيترك المريض كي يموت بكرامة ولكن شرط دون أي تدخل يسبب الموت، وهذا ما يسمى بـ "الميتة الميسرة السليبة" أما "الميتة الميسرة المفتعلة"
أي التدخل المباشر في المسيرة التي تقود إلى الموت، وتأخذ شكل عمل قتل متعّمد إزاء المريض، ولو كان هذا القتل مطابقاً لأمنيته، فهذا أمر غير مسموح به أخلاقياً، وكذلك الأمر في الإهمال المقصود به وضع حد للحياة قبل الأوان.
المساعدة على الموت ضمن إطار الإسعاف تهدف إلى تسهيل موت المحتضر وإلى مساعدته على تقبل موته.
احترام النهاية المحتمة يقتضي أن نتوارى ونقتل الموت. الحياة هي عطية من الله وهي مستندة إلى الله ومرتبطة به في كل لحظة حتى نهايتها الأرضية وما بعد ذلك. إن إنهاء الحياة عن عمد يعني التصرف بها تصرفاً تاماً، وهذا غير مقبول.
المرجع
(ملاحظة: هذه الحديث هو النص المضغوط لفصل الخامس من كتاب المسيحية في أخلاقياتها" لمن يرغي في الذهاب إلى أبعد: العودة إلى الكتاب من ص 257 ? 302).

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 02:37 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الرب إلهنا رب واحد

القديس غريغوريوس بالاماس


. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ


الرب، إلهك، هو رب واحد (تثنية 4:6)، وهو معروف كآب، وابن وروح قدس. الآب غير مولود. الابن مولود ككلمة الآب، من غير ابتداء سرمدي وبلا هوى.




لقد سُمّي المسيح لأنّه مسح من ذاته الطبيعة البشرية التي أخذها منّا. يخرج الروح القدس من الآب، ليس بالولادة بل بالانبثاق. ربنا هو الإله الوحيد. إنّه الإله الحقيقي، الرب بثلاثة أقانيم، الذي لا ينقسم بالطبيعة ولا بالمشيئة ولا بالقوة، ولا بأي صفة من صفات الألوهة.



أحبب فقط هذا الإله الثالوثي واعبده وحده، بكل فكرك وبكل قلبك وبكل قوتك. احفظ كلماته ووصاياه في قلبك، حتى تنفّذها وتدرسها وترددها في جلوسك، ومسيرك وفي سريرك وعندما تنهض. تذكّر الرب إلهك بلا انقطاع. ارهب منه وحده. ل



ا تنسَه هو ولا وصاياه. وهكذا هو يعطيك قوة لتتمّ مشيئته، لأنّه لا يطلب منك أي شيء سوى أن تكون مكرّساً له وتحبّه وتسير على دروب وصاياه. إنّه فخرك وإلهك.



عندما تعلم أنّ الملائك السماويين هم بلا هوى وغير منظورين، وأن الشيطان الذي سقط من السماء هو شرير جداً وذكي وقوي ومحنّك في خديعة الإنسان، لا تظنّ أنّ أياً منهم يساوي الله في الشرف.




وعندما ترى أيضاً عظمة السماء وتعقيدها، لمعان الشمس، بهاء القمر، نقاوة النجوم الأخرى، سهولة تنشق الهواء، كثرة منتجات الأرض والبحر، لا تؤلّه أيّاً منها. إنّها كلّها خلائق الإله الواحد، وهي تخضع له وهو بكلمته خلقها كلّها من العدم.




“لأَنَّهُ قَالَ فَكَانَ. هُوَ أَمَرَ فَصَارَ” (مزمور 9:33). إذاً وحده رب الكون وخالقه أنت تمجّد كإله. تعلّق به بمحبة وتُبْ إليه نهاراً وليلاً عن كل خطاياك الطوعية والكرهية، لأنّه طويل الأناة ورحيم جداً، صبور، وصانع بر إلى الأبد. ل



قد وعد الذي يحترمه ويعبده ويحبه ويحفظ وصاياه، وهو يعطي بحسب وعده، بالتمتّع بالملكوت السماوي الأزلي والحياة التي بلا ألم ولا موت والنور الذي لا يغرب.



لكنّه أيضاً إله غيور وحاكم عادل ومنتقم رهيب. لقد هيّأ جحيماً أبدياً، ناراً لا تُطفأ، ألماً لا ينقطع، حزناً لا عزاء له، ومكاناً مظلماً ضيقاً للخائن الشرير الأول،

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 02:39 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
المطران بطرس مراياتي

وصـايا الله العشر


الوصيّة الأولى





مقدّمة



نقرأ في الإنجيل هذا الحوار بين يسوع والشابّ: وإذا برجل يدنو فيقول لـه: "يا معلّم، ماذا أعمل من صالح لأنال الحياة الأبدية" فقال له: "لماذا تسألني عن الصالح؟ إنّما الصالح واحد. فإذا أردتَ أن تدخل الحيـاة، فاحفظ الوصايا". قال له: "أيّ وصـايا ؟"
فقال يسوع: "لا تقتلْ، لا تزنِ، لا تسرقْ، لا تشـهدْ بالزور، أكرمْ أبـاك وأمّـك". ثمّ لخّص يسـوع هذه الوصـايا إيجابيـاً: "وأحببْ قريبَكَ حبّكَ لنفسك". لقد سلّم الله إلى موسى الوصايا العشر وأمره أن يعلّمها الشعب ليحفظها ويعيشها، فهي إرادة الله وعلى الإنسان أن يحقّق إرادة خالقه.
(راجع سفر الخروج في الفصل 20 وتثنية الاشتراع في الفصل 5).
إنّ "الوصايا العشر" أو "الكلمات العشر" تلخّص عهد الله مع الإنسان وتعلنه. نقرأ في العهد القديم: "هذه الكلمات كلّم الربّ بها جماعتكم كلّها في الجبل من وسط النار والغمام والدجى بصوت عظيم ولم يزد وكتبها على لوحي الحجر ودفعهما إليّ" (تثنية الاشتراع 5/22).
ولذلك، فإنّ هذين اللوحين دُعيا شهادة "واجعل في التابوت الشهـادة التي أعطيتها" (خروج 25/16) وهما العهـد الذي أبرم بين الله وشعبه.
وإنّ تقليد الكنيسة، حرصاً على الكتاب المقدّس وتجاوباً مع مثال يسوع، قد أقرّ بأهمّية الوصايا العشر وصدارتها في قوانين الله.
في بعض الكنائس القديمة، تُدوَّن الكلمات العشر على لوحتين توضعان غالباً بالقرب من المنبر. اللوحة الأولى تتضمّن الوصايا التي تختصّ بعلاقة الإنسان بالله (1-3)،
واللوحة الثانية، الوصايا التي تختصّ بعلاقة الإنسان بالجماعة البشريّة (4-10).
وبذلك يعود الفنّانون إلى رواية الكتاب المقدّس التي تذكر أنّ الله قد أعطى موسى الوصايا العشر على لوحين (خر 15/32، تث 5/22).
في يسوع المسيح ظهر، على نحوٍ نهائيٍّ، أنّ الله يُحبّنا، وأنّه يمنحنا الحياة ومستقبلاً ما. إنّه يدعونا إلى أن نسير في المحبّة التي يُعلن يسوع أنّها الوصيّة الأولى والعظمى. محبّة الله والقريب:
"أحبب الربّ إلهكَ بكلّ قلبكَ، وكلّ نفسكَ، وكلّ ذهنكَ، وكلّ قوّتكَ. والوصيّة الثانية هي هذه: أحببْ قريبَكَ كنفسكَ. ليس مِن وصيّة أخرى أعظم من هاتين"
(مر 12/30-31).
إنّ وصيّة محبّة الله والقريب لا تلغي كلمات العهد القديم العشر، بل تكمّلها.
في نظر القدّيس بولس، محبّة القريب هي ملخّص الوصايا:
"مَن أحبّ القريب قد أتمّ الناموس. فإنّ هذه الوصايا: لا تزْنِ، لا تقتلْ، لا تسرقْ، لا تشهدْ بالزور، لا تشتَهِ.. وكلّ وصيّة أخرى، تُلخَّص في هذه الكلمة:
"أحببْ قريبَكَ كنفسكَ"
(رو 13/8-9).
في الوصايا العشر وفي وصيّة محبّة الله والقريب، أعلنت الكنيسة عبر القرون "قانون إيمانها الأخلاقي".
معها وفيها، لا نفهم الوصايا كأنّها حدود وُضعت أمام حرّيتنا، إنّما هي توجيهات معطاة من قِبل الله في سبيل حياة نقضيها في محبّة الله والبشر. وهذا يصحّ اليوم كما في الأمس:
"هذه الوصيّة التي أنا آمركَ بها اليوم ليست فوق طاقتكَ ولا بعيدة منكَ. لا هي في السماء فتقول: مَن يصعدُ لنا إلى السماء فيتناولها لنا ويُسمعنا إيّاها فنعمل بها؟ ولا هي عَبرَ البحر فتقول:
من يعبرُ لنا البحرَ فيتناولها لنا ويُسمعنا إيّاها فنعمل بها؟ بل الكلمة قريبة منك جدّاً، فهي في فمكَ وفي قلبكَ لتعملَ بها" (تث 30/11-14).
الوصيّة الأولى : أنا هو الربّ إلهكَ لا يكنْ لكَ إله غيري
يبيّن الكتاب المقدّس أنّ الله وحده هو مخلِّص الناس ومنقذهم. الآلهة هي "لا شيء".
ولا يمكن انتظار أيّ شيء ممّن هم لا شيء. لذلك، تدعو الوصيّة الأولى إلى الالتزام ضدّ الآلهة المزعومين، والاعتراف بمَن هو وحده إله السماء والأرض، وذلك من أجل الإنسان نفسه. التقيّد بهذا الإله والأمانة له يستطيعان وحدهما أن يحفظا الإنسان في الطريق الصالح.
منه نأتي، ومصيرُنا الرجوع إليه، هو مصدر حياتنا ومعناها وهدفها. مَن ينفصل عن الله تفقد حياته اتّجاهها نحو ما يعطيها معناها. محبّـة الله تدعو إلى التعلّق به بثقـة.
أوّلاً: موقف الإنسان من الله
إنّ ملاقاة الناس تشكّل تحدّياً خطيراً للإيمان. في المجتمع، وفي العمل، وغالباً في أسرتنا الخاصّة، نصادف أشخاصاً لا مبالين بالنسبة إلى وجود الله أو عدم وجوده.
بعضهم يرفضون بصراحة فكرة الله، وغيرهم يعتقدون أنّ الإنسان لا يستطيع أن يقولَ أيّ شيء عن الله، وآخرون يشرحون أن لا تجانسَ ممكناً بين العلوم والله. "البعض يُشيدون بالإنسان إلى حدّ أنّهم يكادون يُهزِلون الإيمان بالله، وهمّهم الأكبر، على ما يظهر، إثباتُ الإنسان أكثر من إنكار الله.
والبعض الآخر يتمثّلون الله تمثّلاً تصبح معه صورة الله التي ينكرونها غريبة كلّ الغرابة عن صورة إله الإنجيل. وهنالك مَن يُعرضون عن معالجة قضايا الله، لكونهم، على ما يبدو، بعيدين عن أيّ معاناة للقلق الديني، ولا يرون داعياً يدعوهم بعد إلى الاهتمام الديني".
(المجمع الفاتيكاني الثاني). كثيرون يُحيلون أيضاً إلى الشرّ في العالم، ويعدّون وجوده منافياً لفكرة الله، وكثيرون غيرهم يعلنون أنّ إمكانيّات تغيير وجه العالم التي تأتينا من العلم ومن التقنية تجعل الله لا فائدة منه. فالمهمّ إنّما هو الإنسان وحده.
إزاء فكر يرى في الإنسان نفسه العامل الأوحد لتاريخه، وينتظر من الإنسان وحده تحرير الإنسان
يبيّن الكتاب المقدّس أنّ التحرير والخلاص إنّما يعطينا إيّاهما الله. من الحماقة أن نريد أن نكون "مثل الله" (تك 3/4)، وأن نضع أنفسنا مكان الله. من الله ننال عظَمتنا، ومع ذلك فالله يجعلنا نختبر أيضاً حدودنا.
القبول بحدودنا هو لنا عون وخير. إذ يقودنا إلى أن نعترف بالله في ألوهته، وإلى أن نكون مسؤولين أمامه عن الحرّية التي أنعم بها علينا، وألاّ نسيء استعمالها بالوقوف ضدّه.
ثانياً: أشكال أساسيّة من عبادة الأصنام
في حديثنا نتطرّق إلى ثلاثة أنواع من التحدّيات التي تبعدنا عن الله وتجعلنا نعبد أصناماً جديدة عوضاً عنه.
آ- عبادة صنم الامتلاك
يسيطر على الإنسان عامّةً همّ الحفاظ على حياته وهمّ ضمان مستقبله. لذلك، فإنّ اكتساب الخيرات المادية وامتلاكها يساعدان على إعطاء شكل للمساحة الحياتية الشخصيّة، ويوفّران الشعور بالوجود في مأمن من المرض، والحوادث، وفقدان القدرة على العمل، وعزلة السنّ.
جزء كبير من هذا الهمّ الناظر بتبصّر إلى المستقبل لا يدور موضوعه على الحياة الشخصيّة وحسب، بل أيضاً على الأسرة، وعلى مستقبل الأولاد وعلى الخير العامّ للشعب وللشعوب. مثل هذا التبصّر لا يوفّر الشعور بأمان مادّي وحسب، بل يمنح أيضاً استقلالاً أكبر وحرّية أوفر يتيحان تعاطي أشغال أخرى، كالأسفار وتعزيز الفنّ والثقافة، ومزاولة هوايات شخصيّة، والالتزام في خدمة أناس آخرين. كثيراً ما نجد، في ما وراء هذه النشاطات
قيَماً إنسانية بارزة كالحكمـة ومعنى المسؤوليّة، والعمل ومعنى الاقتصاد، والاستعداد للالتزام، والاهتمام بخيرات الخليقة.
كلّ هذا صالح وحسن، ما دام يتأصّل في الاستعداد الذي يقوم على أن يكون للإنسان أشياء وكأنّه لا شيء له، وأن يمتلك وكأنّه لا يملك شيئاً (1كو 7/29-31).
إن غاب هذا الاستعداد، ضاق النظر على ما هو ضروريّ للوجود، حينئذٍ قد يدفع الامتلاك والغنى إلى رغبة الازدياد في الامتلاك، وإلى وضع المُلك فوق الكِيان. "الجوع المشؤوم" للمال قد يقود إلى أن يجعل الإنسان من الغنى صنماً يسود كلّ شيء، المال الربّ.
يقول المجمع الفاتيكاني الثاني:
"على الجميع أن يُعنَوا بتنظيم نوازعهم تنظيماً مستقيماً لئلاّ ينحرف بهم استخدام أشياء العالم والتمسّك بالغنى تمسّكاً يُخالف روح الفقر الإنجيلي، عن مواصلة السعي إلى كمال المحبّة" (ك 42). يلفت هذا النصّ الانتباه إلى المخاطر المرتبطة في حياتنا بالهمّ والتبصّر. "ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالمَ كلّه وخسر نفسه؟" (مر 8/36).
كثيرون يسمعون كلمةَ ملكوت الله المزروعة فيهم، "ولكنّ همّ الحياة الدنيا وغرورَ الغنى يخنُقان الكلمة، فتظلّ بلا ثمر" (متّى 13/22).
ويحذّر يسوع من الغنى الذي يقود الإنسان إلى أن يجعل من المال صنماً: "لا تكنـزوا لكم كنوزاً على الأرض، حيث السوسُ والعُثّ يُتلفان، وحيث اللصوصُ ينقبون ويسرقون. بل اكنـزوا لكم كنوزاً في السماء" (متّى 6/19-20).
"فإنّه حيث يكون كنـزُك، هناك يكون قلبُك أيضاً" (متّى 6/21).
"لا يستطيع أحد أن يكون عبداً لسيّدين.[…] إنّكم لا تستطيعون أن تكونوا عبيداً لله وللمال" (متّى 6/24).
مَن كان همّه الأوحد ازدياد خيراته المادّية خسر الحياة الحقيقية (لو 12/16-21). لا يحقّ لأحد أن يتعامى إزاء حاجات الناس الذين يقفون أمام بيته (لو 16/19-31)
وحاجات جميع الذين، وهم كثيرون في العالم، يعيشون دون الحدّ الأدنى الحياتي. المتملّكون والأغنياء الذين لا يريدون أن يروا الضيق في العالم لن يمكنهم الدفاع عن أنفسهم يوم سيدين ابن البشر الناس (متّى 25/31-46).
اتّباع يسـوع قد يعني، في بعض الحالات، أن يتخلّى الإنسـان عن كلّ ما يملك (مر 1/16-20، لو 14/33). ونرى إلى أيّ حدّ يمكن أن يكون هذا الأمر صعباً،
لدى قراءة رواية الشابّ الذي يعرض عليه يسوع: "اذهبْ، بِعْ كلّ شيء لكَ، وأعطِهِ للفقراء فيكونَ لكَ كنـز في السماء، ثمّ تعالَ اتبعني. فانقبض لهذا الكلام، ومضى حزيناً، لأنّه كان ذا أموال كثيرة" (مر 10/21-22).
مَن تملّكه يسوع المسيح، لا تستطيع الثروة ولا الممتلكات أن تصير أصنام حياته. ولا يعود في حاجة إلى أن يبني على امتلاك خيرات أرضية. وكذلك يزول عنه القلق الناتج من اهتمامه بحياته اليومية، إذ يعلم أنّ الله نفسه هو ضمان حياته الأخير (متّى 6/25-33). كلام يسوع ومثله يدعوان إلى مواجهة أحداث الحياة بسكينة واطمئنان. في تحديد موقفنا من الثروة والخيرات، يجب أن يقودنا الاقتناع التالي: أمام الله كلّنا فقراء، وخيرات العالم فانية
فعلينا أن نستعملها بروح فقر، بحيث لا يتحوّل اهتمامنا الطبيعي بالتملّك إلى جشع وبخل وقساوة قلب بإزاء الفقراء والمعوزين. وهكذا، فالوصيّة الأولى هي سؤال ناقد يسألنا عن طريقة استعمالنا لخيرات الأرض.
ب- عبادة صنم السُلطة
يتوق الإنسان إلى أن يُعتبَر ويُعترَف به شخصيّاً. يريد أن يُعترَف به في الجماعة البشريّة، ويُعتَبَر تبعاً لما يقدر أن يصنع ولما يحقّق، ويريد أن يكون له نفوذ ويمارس سُلطة. متى وُضع هذا التوق، كما ينبغي، في خدمة الشخص البشري والجماعة البشريّة، نحن أمام قيمة إيجابية.
بيد أنّ الرغبة في الاعتبار والاحترام والسُلطة تصير تهديداً متى تشوّه السعي إلى الاعتبار والسُلطة. فالعطش إلى الاعتبار يجعل من الواحد إنساناً وصوليّاً، فلا يفكّر بعد إلاّ في ما يبغي الوصول إليه، ويزيل دون تردّد كلّ ما يقف عائقاً في طريقه، وهو مستعدّ حتّى للتخلّي عن إيمانه ودينه إن كان في ذلك سبيل لبلوغ هدفه. والكبرياء والغطرسة تحملان الآخر على تنصيب نفسه فوق جميع الناس، وهو يستفيد من منصبه ويصير طاغية. والثالث، وقد امتلأ ثقة بنفسه بوجه خاطئ، لا يعود يثق بشيء، ولا حتّى بالله، ويعتقد أنّه لا يمكن الاتّكال على أحد، ولسان حاله يقول: أعِنْ نفسَكَ بنفسكَ، حينئذٍ يعينكَ الله.
هذه الأشكال من عبادة صنم السُلطة واعتبار الذات تعكس مواقف تناهض مناهضة عميقة إرشادات يسوع لتلاميذه:
"تعلمون أنّ الذين يُعدّون رؤساء الأمم يسودونهم، وأنّ عظماءَ هم يتسلّطون عليهم. وأمّا فيكم، فليس الأمر هكذا. بل مَن أراد أن يكون فيكم كبيراً فليكنْ لكم خادماً، ومَن أراد أن يكون الأوّل فليكنْ للجميع عبداً" (مر 10/42-44).
وموقف الأمَة المستعدّة الذي اتّخذته مريم قادها إلى القول: "هاءنذا أمَة الربّ. فليكنْ لي كما قلت" (لو 1/38).
أمّا الطريق الأسمى في الطاعة والخدمة فهو الذي سلكه يسوع نفسه: "هو القائم في صورة الله، لم يعتدّ مساواته حالة مختلسة، بل لاشى ذاته، آخذاً صورة عبد، صائراً شبيهاً بالبشر، فوُجد كإنسان في الهيئة. ووضع نفسه، وصار طائعاً حتّى الموت، موت الصليب" (فل 2/6-8). كثيرون، اقتفاء بيسوع، يبذلون ذواتهم بذلاً كاملاً في سبيل الله. فالله وحده يجب أن يكون ربّ الحياة. وهذا يفسح أيضاً في المجال أمام الناس لطريقة جديدة للعيش معاً.
ج- عبادة صنم المتعة واللذّة
الإنسان يتوق إلى المتعة واللذّة. هذا السعي مرتبط بدواعٍ كثيرة. فنتكلّم مثلاً على لذّة الحواس (النظر، والشمّ، والذوق، والسماع، واللمس)، وعلى المتعة الروحية. هناك أيضاً ميل حتّى في جعل متعة اللذّة مبدأ العمل والسـلوك الخلقي. بموجب هذا المفهوم، يجد الإنسان سعادته في إشباع حاجـاته الغريزية، في التمتّع باللذّة.
كثيرون يرون في إتمام الجنس وفي المتعة الجنسية هدفاً هامّاً في حياتهم. وفي الواقع إنّ رغبة الاكتمال الجنسي هي جزء من ديناميّة الحياة البشريّة. ولها، بصفة كونها قوّة محرّكة معطاة من قِبل الله، أهمّية كبرى بالنسبة إلى الحياة البشريّة. وهي، باتّحادها بقوى الإنسان الروحيّة، على نحوٍ ما محرّك العمل. فيجب على الإنسان من جهة ألاّ يخنقها، كما يجب عليه من جهة أخرى ألاّ يترك لها العنان: إنّها موكلة إلى مسؤوليّته. فإن اندرجت في الحياة اندراجَ واقع إنسـانيّ حقيقي، يمكن أن توفّر للإنسان سعادة عميقة، ولكن يمكن أيضاً أن تتحوّل إلى قدرة تعذّبه وتسيطر عليه إلى حدّ أنّها تُفقده حرّيته، فيصير فريسة غرائزه الجنسية ويجعل من الجنس صنم حياته.
لقد حكمت الكنيسة، عبر كلّ العصور، في تعليمها الأخلاقي، على عبادة صنم الجنس. كلّ شكل من أشكال إجلال الله من خلال نشاط جنسي هو غريب عنها. وهي تعتقد أنّ تأدية العبادة للجنس كإلى صنم يجعل الإنسان في داخله عبداً للغريزة، التي يمكن أن تتسلّط على الناس بحيث لا يعود الجنس يحظى لديهم بالتقدير العاقل. عبوديّة كهذه لا تدمّر الحبّ بين الناس وحسب، بل تقوّض أيضاً المحبّة الواجبة لله.
ثالثاً: العبادة المسيحية: "المشورات الإنجيلية"
يعدّ التقليد المسيحي عبادة صنم الشهوة من بين الرذائل التي يستسلم لها الإنسان بسهولة في سعيه نحو الامتلاك والسلطة والمتعة: "شهوة الجسد، وشهوة العين، وصلف الغنى" (1يو 2/16). في مقابل هذا الخطر، يجب أن يتصرّف الإنسان بحيث يتّخذ موقفه من السُلطة والامتلاك واللذّة مكانه المناسب في مجمل حياته. وفي هذا الموضوع، يكتسي التقشّف والتجرّد أهمّية كبرى بالنسبة إلى النمط الذي يتّخذه الإنسان نهجاً لحياته. ذلك أنّ كلّ إنسان مسؤول عن اختيار الأسلوب الصحيح لتحقيق رغائبه الأساسيّة. إحدى الطرائق الخاصّة للتصرّف بالنسبة إلى الخيرات والجنس والسُلطة هي الاختيار الحرّ للفقر والعفّة والطاعة كنمط حياة انتشر في الكنيسة بتعبير "المشورات الإنجيلية".
يعود تعبير" المشورات الإنجيلية" إلى القرن الثاني عشر، بيد أنّ هذا النمط في الحياة معروف في الكنيسة منذ بدايتها كطريقة مثالية لاتّباع المسيح، اقتداء بتلاميذ يسوع مع معلّمهم. في عصر آباء الكنيسة
وفي لاهوت العصر الوسيط، اتّخذ مقطع الشابّ الغني مثالاً لتمييز طريقين في الحياة المسيحية: طريق الوصايا وطريق المشورات. وعُدَّت هذه الطريق الأخرى طريق الكمال.
أكّد المجمع الفاتيكاني الثاني وجود دعوة مشتركة بين جميع المسيحيين إلى القداسة وإلى الشركة مع يسوع المسيح. فجميع المسيحيين مدعوون إلى المحبّة الكاملة التي يمكن الوصول إليها بطريقين. المشورات الإنجيلية تشكّل نهجاً خاصّاً في الحياة المسيحية، ومبرّر وجودها أنّها علامات. وهي الطريق الفضلى للمدعوين إليها بمعنى أنّها لهم نهج الحياة الصحيح.
رابعاً: صورة الله في يسوع المسيح
لن نتوصّل أبداً إلى معرفة أعماق الله، الذي هو الإله العظيم إلى ما لا نهاية، إنّه يبقى السرّ الذي لا تقوى على التقاطه لا الكلمات، ولا الصور ولا التصوّرات.
الكتاب المقدّس يكلّمنا على الله بطرائق كثيرة. وهو يروي مسيرة الله مع الإنسان ويتكلّم على الله بوساطة صور ملوّنة بألوان عجيبة يكمّل بعضها بعضاً. التقاط الله بصورة جامدة هو، في نظر شعب الله في العهد القديم، انتهاك للأقداس. لا يمكن إدراك الله في صور هي صنع أيدي البشر. ومع ذلك يتكلّم الكتاب المقدّس، بأقوال وتصوّرات، على إله التاريخ الذي رافق الشعب على طريق تحريره
وحرمانه، وأخطائه وارتداداته. هذا الإله هو الإله الحيّ الذي يخاطب الإنسان فيقول له: "أنتَ".
ليس الإنسان هو الذي يتصوّر الله، بل الله هو الذي يعرّف عن نفسه بكلامه ووحيه وعمله. ولأنّ الله يخاطب الإنسان على هذا النحو، ويأتي إلى مبادرته ويمنحه بالتالي إمكانيّة مواجهة شخصيّة معه، يمكن الإنسان ويجوز له أن يخاطب الله الكلّي القدرة ويقول له: "أنتَ".
الإله الذي يكشف عن نفسه يلتقينا كشخص. فكيف لا يتحدّث عنه الإنسان كما يفعل في حوار مع أشخاص؟ لذلك يتكلّم الكتاب المقدّس على الله بصور كثيرة التنوّع، هي بمنـزلة أمثال ودلائل: فالله هو الحبيب الغيور، الذي يسعى في إثر الإنسان، ويغضب، ويحزن، ويثأر، ويدمّر، ويعيد البناء.. الله هو أب، ويرأف كما ترأف الأمّ (أش 49/15)، هو ملك وراعٍ، هو حكمة وكلمة، وهو يضيء بوجهه علينا، وقد "نقشنا على راحة كفّيه" (أش 49/16).
كلّ الكلمات والتصاوير التي نستعملها للكلام على الله ممكنة، لأنّنا على صورته. بصفة كوننا أشخاصاً، نستطيع أن نتكلّم على الله الشخصي من خلال كلمات بشريّة، ونستطيع في الوقت عينه أن نتكلّم على صورة الله في الإنسان.
صورة الله استنارت أكمل استنارة في ابنه يسوع المسيح الصائر إنساناً. فهو "صورة الله غير المنظور" (كو 1/15).
ويستطيع أن يقول عن نفسه: "مَن رآني فقد رأى الآب" (يو 14/9). ليس الإنسان هو الذي يصنع صورة عن الله، بل الله نفسـه يأتي إلى أمام الإنسان في صورة ابنه. يسوع المسيح لا يبلّغنا صـورة أبيه وحسـب، بل هو طريقُنا إليه: "لا يستطيع أحـد أن يذهب إلى الآب إلاّ بي" (يو 14/6).
في يسوع المسيح أُعطي لنا أن نرى مَن يريد الله أن يكون بالنسبة إلينا. عندما نصير إخوة يسوع وأخواته وأصدقاءه
نصير أبناء الآب. وهذا لا يزيل بأيّ شكل من الأشكال المسافة التي ينطوي عليها تحريم الصور.
الله يمنحنا أن نشارك في سرّه، ولكنّه يبقى سرّاً.
إنّ وفرة الكلمات والصور التي تعبّر عن اشتراكنا في سرّ الله في يسوع المسيح تسمح بأن يتعلّق كلّ واحد منّا بالصور والتصوّرات الأقرب إليه. فالمقصود هو البلوغ إلى علاقة شخصيّة مع الله. الله يحبّ كلّ واحد في فرادة شخصه وخصوصيّته.
وعلينا نحن أن نحبّ كما يحبّنا الله:
"مَن ثبت في المحبّة ثبت في الله، وثبت الله فيه"
(1يو 4/16).
الخـاتمة
إنّ الحياة في الشركة مع الله تبدأ بالمعموديّة، إذّاك نلج العهد الأبدي مع الله، الآب والابن والروح القدس.
المعموديّة تعطى باسم الثالوث القدّوس. يسوع، الابن، يُدخلنا في علاقته، علاقة المحبّة، بالآب، ويملأنا من روحه القدّوس الذي فيه نستطيع أن نقول:
"أبّا، أيّها الآب الكلّي الصلاح". مَن يعتمد يعلن مواعيد معموديّته، وبها يرتبط بالله الذي، في يسوع المسيح، يدعوه إلى الخلاص ويهبه نعمته: "النعمة مشاركة في حياة الله، تدخلنا في صميم الحياة الثالوثية: فبالمعموديّة يشترك المسيحي في نعمة المسيح رأس جسده.
وبصفة كونه "ابناً بالتبنّي" يستطيع أن يدعو الله "أبـاً" بالاتّحاد مع الابن الوحيد. وهو يتقبّل حياة الروح الذي ينفخ فيه المحبّة والذي يكوّن الكنيسة" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية).
هذا ما تقتضيه الوصيّة الأولى، في مستهلّ سلسلة الوصايا: التزام نحو الله، إله المحبّة الذي، في يسوع المسيح، دعانا إليه دعوة نهائية. ويجب، باستمرار، تجديد هذا الالتزام.




المراجع

المرجع الأساسي: "المسيحية في أخلاقيّاتها" (التعليم المسيحي الكاثوليكي للبالغين). سلسلة الفكر المسيحي بين الأمس واليوم، رقم 19 – منشورات المكتبة البولسية – لبنان، ط1 1999.

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 02:41 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
أنا الرب إلهك... لا يكن لك آلهة سواي"


( تثنية 6:5-9)

الوصية الأولى

بقلم: الأب د. أنطون فرنسيس







أنا الرب إلهك... لا يكن لك آلهة سواي
تثنية 6:5-9



1) ما تأمر به الوصية الأولى: نص الوصية:
"أنا الرب إلهك، الذي أخرجك من أرض مصر، من دار العبودية.
لا يكن لك آلهة أخرى سواي.


لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً، ولا صورة، مما في السماء من فوق، وما في الأرض من أسفل، وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لها ولا تعبدها"
(تثنية 6:5-9).
هذه الوصية هي الوصية الأولى والأساسية، لأن عليها تقوم ومنها تتفرع كل الوصايا الأخرى. وكما قلنا، يتطلب الجواب عليها أن نعيش الفضائل المسيحية الأساسية الثلاث: الإيمان، الرجاء، المحبة. فالعمل بالوصية الأولى إعلان وتعبير عن الإيمان الأساسي.
يعلن الله ذاته إلهاً واحداً: فاعلموا الآن ورددوا في قلوبكم، أن الرب هو الإله في السماء من فوق، وفي الأرض من أسفل، وأن لا إله سواه"
(تثنية 39:4).
الجواب بالإيمان والرجاء والمحبة:
الإيمان هو جواب الإنسان، تصديق الله وهو عرفان بالجميل له، فقد شاء في محبته، أن يُشرك الإنسان في معرفة الذات الإلهية. وبالإيمان يعترف الإنسان بحدوده ويقبلها.
وأمام عظمة وقدرة الله يُقرّ بأنه يستمد وجوده وكيانه من الله الخالق. ومن الإيمان ينبثق الرجاء.
فالرجاء هو الثقة في أن الله يحبنا، وسيبقى دائماً أميناً لحبه وعهده لنا. هذا الرجاء الأكيد هو ينبوع القوة التي تمنح الثبات في الإيمان بوعد الله وعهده
وبالأخصّ في وقت الشدة والألم.
وينصهر الإيمان والرجاء في المحبة التي هي الجواب والموقف الشخصي والأساسي تجاه إعلان الله . إنها عطية الذات الكاملة ، الله الذي يعطينا ذاته:
"فاحبوا الرب إلهكم بكل قلوبكم ، وكل نفوسكم ، وكل قدرتكم " (تث 5:6) (مت37:22).
وهنا نرتقي إلى كمال الشريعة، لنعيش روحها لا حرفها.
العبادة وأنواعها:
جواب الإيمان يتطلب العبادة لله وحده، دون سواه. وتأخذ العبادة أشكالاً متنوعة. ولا نتكلم هنا عن العبادة الشكلية. فهي جواب خاطئ. وإنما نذكر أشكال العبادة الصحيحة.
‌أ- العبادة الخارجية: هذه العبادة مطلوبة. لأني بها أعلن عن إيماني بالله، من خلال مواقف وأعمال خارجية منظورة.
مثلاً الذهاب إلى الكنيسة، أو الحركات الخارجية مثل رشم الصليب، السجود، الاشتراك في الأسرار.
‌ب- العبادة الباطنية: هي أساس العبادة وروحها، فهي التي تغذي العبادة الخارجية وتعطيها معناها: أي عمل خارجي لا ينبع من العبادة الباطنية، ليس له أي قيمة، فالأعمال الخارجية وحدها لا قوة لها، لأنها شكلية.
العبادة الباطنية هي التي تعطي قوة وعمقاً وقيمة للموقف الخارجي.
مثلاً، ذهابي إلى الكنيسة عمل خارجي، يعبر عن إيماني بالإله الأوحد. ولكن العبادة الباطنية هي التي تعطي معنى لهذا العمل. بها انضم إلى جماعة العهد الجديد،
إخوتي أعضاء المسيح، في جواب حب جماعي على حب الله لنا. لا أذهب خوفاً من كسر الوصية وارتكاب الخطيئة، بل لأني أحب الله وإخوتي، وأرتبط بهم ارتباطاً باطنياً. علاقتي الباطنية بالله، تجعلني أنتمي إلى جسد المسيح المعلن في الكنيسة. تزداد العبادة الباطنية عمقاً، بمقدار ارتباطي بالله، الذي هو أساس كياني. هو الذي وهبني الحياة
وقوة الرجاء، ونعمة الحب، لكي أتجاوب معه.
والعبادة الباطنية مطلوبة
لكي أعيش مسيحيتي كما يجب.
وهي التي تعطي لاشتراكي في الأسرار معناه العميق، إذا عشت هذه الأسرار واحتفلت بها داخلياً. والعلاقة الباطنية مع المسيح، تجعلني منفتحاً على كلام الله وتعاليم الكنيسة، وعلى ذاتي والآخرين.
وتتطلب العبادة الداخلية عبادة فردية، بها أدخل في حوار شخصي مع الله. وكذلك عبادة جماعية، بها أشترك في عبادتي الباطنية الفردية مع جماعة العهد، في مشاركة الفرح والعطاء والحب.
‌ج- العبادة الفردية:
تقول الوصية: "أنا الرب إلهك"
بصيغة المفرد. ويوصينا المسيح: "ادخل غرفتك، واغلق بابها، وصل لأبك" (مت6:6).
يحب الله كل إنسان بطريقة شخصية، يستطيع كل شخص أن يقيم علاقة فردية به، عن طريق لقاء شخصي، فتقوي العلاقة الباطنية، التي تساعد على الانطلاق إلى العبادة الجماعية.
‌د- العبادة الجماعية: يعلن السيد المسيح:

"إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، كنت هناك بينهم" (مت20:18). تتطلب مني العبادة الجماعية بعض الأعمال للمشاركة. فعليّ أن أقوم بها بروح التواضع والانفتاح لكي أعبّر عن عبادتي الباطنية التي تغذي التزامي الخارجي.
2) ما تمنع عنه الوصية الأولى:
"لا يكن لك آلهة أخرى سواي".
تقول الوصية: "لا يكن لك آلهة أخرى سواي. لا تصنع لك تمثالاً... ولا صورة... لا تسجد لها ولا تعبدها" (تث 7:5-9). الله الواحد الذي خلقنا هو إله حي. الآلهة الأخرى كاذبة، باطلة، ميتة.
عبادة الله الحق حرية وكرامة، وأي عبادة أخرى عبودية ومذلة. الله الحق إله محرر: "أنا الرب إلهك، الذي أخرجك... من دار العبودية" (تث6:5).
وهدف وصية الله أن تحررنا من كل ارتباط خاطئ، يرمينا إلى العبودية، فالارتباط بصنم، لا يستطيع أن يمنحني الحياة مثل الإله الحي. والصنم أشكال متنوعة، كلها آلهة باطلة ومميتة، تنهانا الوصية الأولى عن عبادتها الزائفة.
ويعلن السيد المسيح: "لا يقدر أحد أن يخدم سيدين. لأنه إما أن يبغض أحدهما ويحب الآخر، وإما أن يتبع أحدهما وينبذ الآخر. فأنتم لا تقدرون أن تخدموا الله والمال" (مت24:6). وهنا يرتقي المسيح بالوصية إلى الجوهر والروح، فلا يتوقف عند الشكل الخارجي
مثلما كان يتوقف العهد القديم عند تحريم التمثال والصورة. وإنما ينفذ إلى عمق الروح، حيث يلتقي الإنسان بالله:
الحب والارتباط الكياني.
هل التماثيل والصور محرمة؟
كان العهد القديم يحرمها، لأن الشعب كان خارجاً من أرض وثنية، ومعرضاً أن يعود بسهولة إلى العبادات الوثنية. فحرمت الوصية الأولى كل ما كان يستخدمه الوثنيون.
أما في زمن المسيح، فكان هذا الخطر قد زال في حياة شعب العهد.
يشمل كلام المسيح كل ما يُبعد القلب والحياة عن الله. ويدقق المسيح على خطر عبادة المال. إنه صنم جميع العصور، وبالأخص العصر الحديث. كل وسائل الإعلام تركز على أهمية هذا الإله، الذي يسيطر على عقول وقلوب البشر
ويدفع إلى السعي لامتلاكه حتى بطرق غير مشروعة. وهنا تظهر المخدرات، والنصب والاحتيال، والسرقة، ... الخ.
هل المال حرام؟ يطلب منا المسيح التمييز بين استخدام المال، فيما هو ضروري وهام ونافع
وبين خدمة المال وعبادته. فالإنسان الذي يقدّر أهمية المال، دون التعبد له، يصون ويراعي مبادئه الروحية والإنسانية، حتى وإن أخذ وقتاً أطول في الحصول على المال.
وتنهي الوصية الأولى أيضاً، عن كل ما يحمل معنى الإيمان بقوة غير الله، أو مضادة له، أو مستقلة عنه.
هكذا الاعتقاد في الأرواح- السحر- الدجل- الخوف من الحسد والعين- استعمال الأحجبة- تحضير الأرواح...إلخ.
هذه كلها أخطاء جسيمة للغاية، لأنها تمس الاستعداد والموقف الباطني للإنسان:
ثقة الإيمان. لذلك ارتفع السيد المسيح بهذا الموقف الأساسي إلى عمق الروح: الحب والارتباط الكياني. من هنا تأتي العبادة الباطنية.
ومن أصنام العصر الحديث، الاختراعات العلمية الجديدة، التي تجعل الإنسان يتوهم أنه قادر على كل شيء
ولا يحتاج إلى قدرة الله...
وهناك أيضاً تأليه وعبادة اللذات الجسدية.
إنها من أخطر الأصنام. فهي تستعبد الإنسان
وتجعله يفقد إنسانيته
وتدمر كيانه الداخلي والخارجي.
وهناك تأليه وعبادة الأشخاص. نقبل ونصدق كل ما يقوله هذا الشخص، وقد يكون رئيساً أو قائداً، أو فناناً
أو بطلاً رياضياً. وتصل هذه العبادة إلى الانتحار، إذا حدث شيء لهذا الإنسان. وهنا أكون تعديت على عبادة الله الواحد الأحد، وعلى حق الله وحده في الحياة... وقد تأخذ عبادة الأشخاص صورة عبادة الذات. وهذه للأسف صنمية شائعة. قد يغلب حب التعاظم والصيت على القيم.
وقد تظهر في صورة عبادة الآراء الشخصية والتشبث بها.
كل هذا لا يترك مكاناً لله. لهذا تنهانا عنه الوصية الأولى.
"لا تجربوا الرب إلهكم" (تث16:6).
هذا ما تمنع عنه أيضاً الوصية الأولى...
وتأخذ تجربة الله صوراً عملية كثيرة في الحياة والسلوك.
نجرب الله من خلال الكسل والإهمال في العمل، ونقول: الله سيدبرها، أو سيعمل ما يريد... نصلي من أجل شفاء مريض، أو نطلب أمراً معيناً، وإذا لم يتحقق الأمر، يهتز إيماننا، أو نترك حياة الإيمان... نريد من الله أن يفعل ما نريده نحن، ولا ما يريده هو. نريده أن يكون هو في خدمتنا
يجيب ويسمع فوراً لكل طلباتنا، وألا نشك في صلاتنا، وفي قدرة وقوة الله، ونلقي اللوم، ونعتبره غير أمين في وعوده.
هذه وأمثالها تجربة منا لله. إنها دليل على أن إيماننا سطحي، وأننا لم نصل إلى العبادة الباطنية والارتباط الشخصي بالله. الإيمان الحقيقي، يجعلنا واثقين دائماً وفي كل الظروف، في كلام المسيح:
ستعانون الشدة في هذا العالم. فتشجعوا أنا غلبت العالم.




Mary Naeem 05 - 06 - 2014 02:47 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
وصـايا الله العشر: الوصيّة الثانية

إعداد
المطران بطرس مراياتي
والأب جان قـداديحي






لا تحلِفْ باسم الله باطلاً


يجب على الإنسان أن يحترم اسم الله ويجلّه لأنّه لاسم الله تجثو كلّ ركبة في السماء وعلى الأرض، وينحني له كلّ رأس من الملائكة والبشر، ويمدحه كلّ إنسان في السماء وعلى الأرض.
لذلك قال الربّ:
"لا تحلِفْ باسم الله باطلاً"
.فمن يحلف باسم الله باطلاً يحتقر الله ويستخفّ باسمه القدّوس، "فليكن كلامكم نعم نعم، ولا لا، وما زاد على ذلك كان من الشرير" (متى 5/34-37).
"لا تحلِفْ أبداً لا بالسماء ولا بالأرض".
اسم الله قدّوس
بين جميع كلمات الوحي ثمّة كلمة فريدة هي اسم الله وقد أودع الله اسمه من آمنوا به. إنّ إعطاء الاسم يعني الثقة والمودّة لأنّ "اسم الله قدّوس". لذا يجب ألاّ نسيء استعماله، بل علينا أن نحفظ ذكره في صمت العبادة المحبّبة وألاّ ندخله في أحاديثنا إلاّ لنباركه ولنمدحه ولنمجّده. على المؤمن أن يشهد لاسم الربّ بإجهار إيمانه بدون خوف.
إنّ عمل البشارة والتعليم يجب أن يتحلّى بروح العبادة والاحترام لاسم ربّنا يسوع المسيح.

التلفّظ باسم الله بالباطل
تنهى الوصيّة الثانية عن سوء استعمال اسم الله، أي كلّ استخدام غير لائق لاسم الله، ولاسم يسوع المسيح والعذراء مريم، ولجميع القدّيسين.
إنّ الوعود المقطوعة للآخرين باسم الله تلزم الشرف والوفاء والحقيقة والسلطة الإلهية ويجب أن تُحترم من باب العدالة. لذا، فإنّ عدم الإيفاء بها هو سوء استعمالٍ لاسم الله، وبنوع ما، نحن نجعل الله كاذباً (1يو 1/10).
التجديف هو التلفّظ بألفاظ محقّرة لله أو للقديسين أو للأشياء المقدّسة. التجديف هو تدنيس لاسم الله وهو إثمٌ فظيع لما فيه من التحقير لله تعالى وهو وقاحة كبرى، إذ إنّ الإنسان الحقير يتجاسر على شتم خالق السماء والأرض. وفي العهد القديم كان المجدِّف يُرجم بالحجارة حتى يموت. وكان الملك لويس في القرون الوسطى يأمر بقطع لسان المجدِّف.

القسم أو الحلف باسم الله
الحلف أو القسم هو اتّخاذ الله شاهداً على ما يؤكّده الإنسان. إنّه اعتماد صدق الله عربوناً للصدق الذاتي.
القَسَم أو الحلف باطلاً هو أن نحلِف كذباً أو لأمر تافه، أو لأمر لا نريد أن نتمّمه، أو لا نتمّم ما حلفنا أن نتمّمه.
متى يجوز الحلف؟ لا يجوز أن نحلف باسم الله أو بالإنجيل أو بالقدّيسين إلاّ لأمر صادق ومهمّ وصالح، فالحلف لأجل إثبات كلام بسيط أو لأجل اللعب غير جائز وإن كان صادقاً، فهو غير مهمّ.
الحلف غير الصالح: من يحلف أنّه يضرب أو يقتل أو يسرق أو يفعل شرّاً فلا يجوز له أن يتمّم حلفه لأنّ هذه الأعمال غير صالحة تخالف شريعة الله.
الحلف الكاذب: إنّ الحلف الكاذب باسم الله والقديسين احتقار عظيم لله وللقدّيسين.
أمّا الحلف الصادق لأجل أمر مهمّ أمام القاضي أو الأسقف أو غيرهم فهو يمجّد الله.
ذكر يسوع الوصيّة الثانية في عظة الجبل "سمعتم أنّه قيل للأولين: "لا تحنث (أي لا تخالف اليمين التي أقسمتها)، بل أوفِ للربّ بإيمانك". أمّا أنا فأقول لكم: "لا تحلفوا أبداً، لا بالسماء فهي عرش الله، ولا بالأرض فهي موطئ قدميه… فليكن كلامكم: نعم نعم، ولا لا. فما زاد على ذلك كان من الشرّير".
إنّ يسوع يعلّم بأنّ كلّ حلف يتضمّن إفادة لله وبأنّ حضور الله وحقيقته يجب أن يحترما في كلّ كلام.
لقد فهم تقليد الكنيسة كلام يسوع هذا بأنّه لا يتعارض والقسم عندما يتمّ لأجل أمر خطير وصوابي (أمام المحكمة مثلاً). "القسم أي استدعاء اسم الله كشاهد للحقيقة يجب أن يستعمل للحقيقة فقط ببصيرة وصواب
" كما جاء في تعاليم بولس الرسول (2قور 1/23، غلا 1/20).

النذور
النذر هو أن نعد الله بعمل صالح أو شيء صالح نكرّمه به. وبقدر ما نحترم الله نتمّم وعدنا له. فمن يعد وعداً يلتزم أن يتمّ وعده. والنذر هو وعد من الإنسان لله فيجب على الإنسان أن يتمّمه.
النذر غير الصالح: من نذر بأن يقدّم شيئاً لله أو للكنيسة فقدّم شيئاً زريّاً حقيراً، كانت تقدمته كتقدمة قايين التي رذلها الله لأنّها كانت من نفاية ما عنده.
شروط النذر: أن يكون برويّة ومعرفة وحرّية، وإذا نقصه شرط من هذه الشروط فلا يلتزم به صاحبه. مثلاً: أمّ فقيرة داهم ابنها خطر فجائي فخافت وفي حال خوفها نذرت دون تروٍّ أن تقدّم إلى مار الياس إسوارة ذهبية. فنذرها ينقصه التروّي.
ابنة نذرت أنّها إذا شفيت من مرضها ستزور ديراً مقدّساً مشياً على الأقدام فلمّا شفيت وجدت أنّ المزار بعيد جدّاً ولم تكن عارفة بذلك، فنذرها تنقصه المعرفة.
ابنة أجبرها أحد أهلـها على الترهّب فدخلت الدير ونذرت النذور الرهبانية مرغمةً، فنذرها تنقصه الحريّة.
على الناذر في هذه الظروف أن يعرض أمره على الكاهن المعرِّف.
النذر يلزم صاحبه فقط: لا يلتزم الإنسان بإيفاء ما نذره عنه آخر. مثلاً: اشتدّ المرض على شابّ وقارب الموت، فأخذ كلّ من الأهل والأقارب والأصحاب ينذر عنه نذراً. شُفي الشاب وتعافى فجاؤوا يخبرونه بالنذورات التي نذروها عنه، فالشريعة لا تلزم الشابّ أن يفي هذه النذورات لأنّ النذر يلزم صاحبه فقط، أي الذي نذره.
يمكن إبدال النذر بما يماثله. فمثلاً نذرتَ أن تقدّم للكنيسة تمثالاً للعذراء، وكان في الكنيسة تمثال للعذراء فيمكن أن تقدّم شيئاً آخر بثمن التمثال. مَن نذر نذراً ولم يتمكّن من إتمامه فليعرض ذلك على مرشد اعترافه، والمرشد يبدّله له. امرأة نذرت بأن تمشي حافية طيلة شهرٍ ولم تتمكّن من ذلك بسبب صحّتها أو بسبب آخر، فالمعرّف يمكنه أن يبدّل لها هذا النذر.
زوال النذر: يزول النذر بالإبطال أو بالتفسيخ أو بالإبدال. يمكن للأب أن يُبطل نذر ولده، والرئيس نذر مرؤوسه والزوج نذر زوجته، إذا كان النذر يتعارض وسلطتهم.
النذور الرهبانية ثلاثة: العفّة والفقر والطاعة. هذه النذور تكون مؤقّتة أي تجدّد كلّ سنة، أو مؤبّدة أي مدى الحياة.
هذه النذور هي مقاومة تيّار العالم وخاصّة العالم العصري، إنّ روح العالم العصري يوجّه الشباب كي يشبع من ملاذّ الحياة ونعيمها، فبنذر العفة يتخلّى الإنسان عن اللذّات الجسدية حتى الجائزة منها ضمن الزواج.
يدعو روح العالم أن يكون الإنسان صاحب ثروةٍ كبيرةٍ يستخدمها للمجد والفخر ورغد العيش وهناءة الحياة، والعالم يعتبر الفقير حقيراً والغنيّ عظيماً. فبنذر الفقر يتخلّى الإنسان عن كلّ ملكية ولا يحقّ له أن يتصرّف في شيء دون إذن الرئيس.
ينادي روح العالم بأن يكون الإنسان حرّاً، والحريّة هي أعزّ شيء على قلب الإنسان. ها هي الشعوب في اقتتال للدفاع عن الحريّة أو للحصول عليها. إنّ الإنسان يتباهى ويفاخر بالحريّة، وإذا فقدها عُدّ عبداً. فبنذر الطاعة يتخلّى الإنسان عن حريّته وإرادته ويطيع الرئيس ولا يعمل عملاً دون إذنه.
فالشابّ أو الشابّة اللذان يتنازلان، حبّاً لربّهما وبقريبهما، عن إرادتهما وعن خيرات الأرض وعن ملاذّ الجسد، يستحقّان الإكرام والإعجاب والمحبّة!

الاسم المسيحي
يُمنح سرّ المعمودية "باسم الآب والابن والروح القدس" (متى 28/19). في المعمودية يقدّس اسم الربّ الإنسان ويحصل المسيحي على اسمه ضمن الكنيسة. قد يكون اسم قدّيس عاش حياة أمانة مثالية لربّه، ورعاية القديس تقدّم لحامل اسمه مثالاً للمحبّة وتؤكّد شفاعته. "اسم المعمودية" يطبع المؤمن بالفضائل المسيحية.
يبدأ المسيحي يومه وصلواته وأعماله بإشارة الصليب "باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين". يقدّم المعمّد يومه لمجد الله، ويستدعي نعمة المخلّص التي تمكّنه من التصرّف بحسب الروح كابنٍ للآب. هذا وإنّ إشارة الصليب تقوّينا في التجارب والصعوبات.
يدعو الله كلّ واحد باسمه، اسم كلّ إنسان مقدّس. فالاسم هو أيقونة الشخص. لذا، يقتضي الاحترام، دلالةً على كرامة مَن يحمله.
في ملكوت الله تشعّ بنور ساطع العلامة السرّية والوحيدة لكلّ شخص ممهور باسم الله.
يقول الربّ "سأعطي الغالب منّاً خفيّاً وحصاةً بيضاء، حصاةً منقوشاً فيها اسم جديد لا يعرفه إلاّ الذي يناله" (رؤيا 2/17) هذا الاسم يمنحنا الله إيّاه في جرن المعمودية عندما نصبح أبناءه.


المراجع
- كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية.
- "المسيحية في أخلاقيتها"
( التعليم المسيحي الكاثوليكي للبالغين) سلسلة الفكر المسيحي بين الأمس واليــوم، رقم 19 – منشورات المكتبة البولسية، لبنان،
1999.

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 02:48 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
بقلم: الأب د. أنطون فرنسيس


"لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً ..."
تثنية 11:5




http://www.peregabriel.com/gm/albums...hristikon2.jpg








1) ما تمنع عنه الوصية الثانية: "لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً" (تثنية 11:5)
يوجد ارتباط عميق بين الاسم والشخص. فعندما أذكر اسم الله، فأنا أتحدث عن ذات الله. لذلك فالوصية الثانية ترتبط ارتباطاً كاملاً بالوصية الأولى الأساسية، وتفرع منها وتكملها.
فالله الواحد الأحد، يستحق ويقتضي كل إكرام وتقديس.
وكما سبق وقلنا، الوصايا هي كلمة الله. والجواب عليها موقف كياني
يقوم على الفضائل الثلاث: الإيمان والرجاء والمحبة.
- بالإيمان: أدرك وأعيش القيمة المطلقة لله في حياتي، فيكون له التكريم الأسمى.
- بالرجاء: أعيش الثقة في شخص الله، وأحترم اسمه ووجوده.
- بالمحبة: يدفعني الحب أن أتلفظ باسم المحبوب باحترام، ولا أستعمله بطريقة خاطئة قد تسيء إليه.
تحذرنا هذه الوصية من أن نستخدم اسم الله لخدمة أغراضنا الشخصية، بدلاً من تقديسه.
ويقوم الخطر في التعود على استخدام اسم الله بطريقة غير واعية. فنتخذه شاهداً وضامناً لصدقنا ولكلامنا، أياً كان.
فإذا أقسمت باسم الله على شيء باطل، أجعل الله شريكاً في خطئي. وهنا يقوم شر الحلفان، بأن يخطئ الشخص في حق اله والقريب والذات.
تمنع الوصية الحلفان باسم الله باطلاً. وذلك إذا كان الاستشهاد باسم الله:
1- على كلام كاذب وغير صادق وغير صحيح. وللأسف كثيراً ما نلتجئ إلى الكذب خوفاً من كلام الناس، أو من المساءلة أو العقاب.
2- على كلام غير هام، أو تافه، أو مشكوك فيه وغير أكيد.
3- بدون احترام، أو بدون مناسبة كبيرة الأهمية.
ويستخدم بعض الناس القدسيات في الحلفان. فيحلفون مثلاً بالمسيح الحي- بالقربان- بالكنيسة- بالهيكل...الخ، لكي يحملوا السامعين على التصديق.
وهذا كله من نفس نوع الحلفان باسم الله. لأنه يستخدم القدسيات المرتبطة بذات الله، أو بما يمسه عن قرب، من أجل مصلحة شخصية.


متى يجوز القسم (الحلفان)؟


يكون القسم (الحلفان) جائزاً، في الضرورة ولموضوع هام جداً. وفي الكتاب المقدس، خصوصاً عند الأنبياء، نجد آيات كثيرة يقسم فيها الله بذاته، لإعلان قرار هام، في موقف خطير. وفي القسم الجائز، يجب أن تتوافر ثلاث صفات:
1- الحق: أي أن يكون الموضوع حقيقياً وصحيحاً.
2- الإدراك (الحكم): أن يتمّ بعد إدراك الموضوع والتأكد منه، وأن يكون الموضوع خطيراً، أو له أهمية كبيرة.
3- العدل: أن يكون الموضوع صالحاً ولائقاً.
هكذا مثلاً، يجوز القسَم لجل الشهادة الحق. حين تتوفر الصفات الثلاث المذكورة:
1- الحق: صدق الكلام وحقيقة الموضوع. ويكون استخدام اسم الله تعبيراً عن إيماني، بأن الله هو أساس كيان ومرجع كل سلطة. وهنا يظهر الارتباط بالوصية الأولى. لأني أتخذ الله شاهداً على صدق كلامي، في أمر كبير الأهمية.
2- الإدراك (الحكم):أن يكون الشخص المطلوب منه القسم واعياً بالموضوع، وبمدى أهميته، وبمدى تأثيره، سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي.
3- العدل: أن يكون الموضوع لائقاً وصالحاً. ويمكن أن يكون القسم بالحق والعدل، حتى في أمور تتعلق بالشخص نفسه.


مَن له الحق أن يطلب القسم؟


يجوز القسم، عندما يطلبه أو يفرضه مَن له الحق في ذلك. ويرجع هذا الحق إلى السلطات الكنسية... ولابد أن يكون الموضوع هاماً، أو أن تتطلب الإجراءات الرسمية ذلك، للأهمية. ويعني القسم هنا أن الله شاهد على كل ما أقوله، وطرف في هذا الأمر، لأني أجعله ضامناً لصدق ما أقول.


المسيح وكمال الوصية


يوصينا السيد المسيح: "أما أنا فأقول لكم: لا تحلفوا مطلقاً، لا بالسماء لأنها عرش الله، ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه، ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك العظيم. ولا تحلف برأسك، لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة منه بيضاء أو سوداء. فليكن كلامكم: "نعم" أو "لا".
وما زاد على ذلك، فهو من الشرير" (مت34:5-37). بهذه الوصية يرتفع بنا المسيح من الحرفية إلى الجوهر والروح. إنه يمنع أيضاً عن القسم بالأمور الشخصية الخاصة مثل الرأس... إنه يعلمنا ويطلب منا أن تكون كلمتنا صادقة صريحة، وأن تكون كلمة نعم بالفعل نعم، وكلمة لا بالحق لا.
يريدنا السيد المسيح أن تكون لدينا شخصية روحية عميقة وواعية. ندرك الموضوع الذي نرفضه بكلمة لا، أو نقبله بكلمة نعم.
وهذا ما يتحقق لنا بالفضائل الثلاث. فإذا عاش المسيحي بموجب الإيمان والرجاء والمحبة، وكان ممتلئاً بروحها، استغنى عن القسم نهائياً
وصارت حياته وكلامه وأعماله كلها حق وصدق وأمانة وعدل. نحن في احتياج إلى تعميق الإيمان
وإلى تثبيت الرجاء، وإلى تقوية المحبة داخلنا، لكي نعيش الصدق في المجتمع، دون خلل في باطننا. فإذا عشنا في الحق والصدق، ما احتجنا أن نلفظ اسم الله.
من كل ذلك يظهر كيف يرتبط عدم القسم بالوصية الأولى:



"أنا هو الرب إلهك".

فالله هو أساس حياتنا وكياننا. فإذا ذكرت اسمه، يكون فقط للتسبيح والحمد والتمجيد، بكل تقديس وتكريم.

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 02:50 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
وصـايا الله العشر

احفظْ يومَ الربّ
http://www.peregabriel.com/gm/albums...hristikon2.jpg

إنّ الله قد خلق السماء والأرض وما فيها في ستّة أيّام وفي اليوم السابع استراح من عمله.
وأخرج شعبه من مصر وحرّرهم من عبوديّة الفراعنة في اليوم السابع أيضاً. لذلك أمر بحفظ هذا اليوم تذكيراً براحته من أعمال الخلق العظيمة، بتحريره شعبه من عبوديّة الفراعنة.

فالإنسان، إذاً، يتذكّر في يوم الربّ، قدرةَ الله العظيمة التي أوجدت المخلوقات، ويتذكّر راحة الله
أي فرحه وابتهاجه بما صنع، ويتذكّر الحرية التي أراد الله أن يمتّعه بها ليكون فرحاً مبتهجاً.

يوم الربّ في العهد القديم


الوصيّة الثالثة من وصايا الله العشر تذكّرنا بقداسة يوم السبت: "وفي اليوم السابع السبت، عطلة مقدّس للربّ" (خر31/15).
فالكتاب المقدّس يذكر عمل الخلق في هذا الصدد:
" لأنّ الربّ في ستّة أيام خلق السماوات والأرض والبحر وجميع ما فيها وفي اليوم السابع استراح، ولذلك بارك الربّ يوم السبت وقدّسه (خر 20/11)
خصّ الله شعبه بيوم السبت لكي يحفظوه عهداً أبدياً.
يوم السبت هو محفوظ للربّ لمدحه على أعمال خلقه وخلاصه.

يروي لنا الإنجيل أحداثاً كثيرة أتُّهم فيها يسوع بخرق حرمة السبت، ولكنّ يسوع لم يكن يتوانى في تقديس هذا اليوم. فقد أعطى بسلطانٍ مفهوم السبت الصحيح:
"إنّ السبت جعل للإنسان، وما جعل الإنسان للسبت" (متى 27/2)
وقد أفهم الفريسيين بسؤاله:
"أَعَمَلُ الصالحات يحلّ في السبت أم عمل السيّئات، وتخليص نفس أم إهلاكها؟" (مر 3 / 4).
يوم السبت هو يوم رحمة الله وعزّه، فابن الإنسان سيّد السبت" (مر 2/28).



يوم الربّ في العهد الجديد


قام يسوع من بين الأموات: "في أوّ ل يوم من الأسبوع" (متى 28/1). أوّل يوم قيامة المسيح يذكّرنا بأوّل خليقة بعد يوم السبت، نعني الخليقة الجديدة المكرّسة بقيامة المسيح.
وقد أصبح لأجل المسيحيين الأوّل لكلّ الأعياد، يوم الربّ.
يتميّز يوم الأحد عن يوم السبت إذ نذكره لقيامة الربّ يسوع من القبر، لأنّ قيامة الربّ يسوع تتضمّن معاني السبت بنوع أسمى وأكمل.
فسيّدنا يسوع المسيح بموته وقيامته خلقنا خلقاً جديداً وحرّرنا من عبوديّة الخطيئة. فعمل الخلق لم يكلّف الله ما كلّفه عمل الفداء.
وتحريره إيّانا من الخطيئة أعظم بكثير من تحرير شعبه من عبوديّة الفراعنة.



الاحتفال بالقدّاس الإلهي


إنّ الاحتفال يوم الأحد بالقدّاس الإلهي هو قلب حياة الكنيسة النابض. "يوم الأحد، حسب التقليد الرسولي، إذ يحتفل بسرّ قيامة المسيح،
يجب أن يحافظ عليه في الكنيسـة جمعاء كوصيّة يوم عيد" (قانون 246).
ولذا، يقوم المسيحي بفروض العبادة الواجبة على الخليقة نحو خالقها الذي خلقها وافتداها وحرّرها. أمّا فروض العبادة فهي حضور القدّاس وسماع كلام الله وممارسة الأمور الدينية
والأعمال التقوية والخيرية، ومطالعة الكتب الدينية
التي تفقّهنا بالدين وتعمّقنا في الفضيلة ومحبّة الله.
وفي العهد القديم تشكّى الله من شعبه قائلاً:
"إنّ سبوتكم وأعيادكم أصبحت ممقوتةً
فما ذلك إلاّ لأنّ الشعب كان يمضي هذه الأيام في أفراح مادّية دون مبالاة بالأمور الروحية، كما يفعل اليوم بعض المسيحيين إذ يمضون أيّام الآحاد والأعياد في الملاهي والمنتديات والأفراح الدنيوية
ومنها المحرّمة، دون أن يفكّروا في المشاركة في القدّاس وفي الاهتمام بأمر نفوسهم، وكثيراً ما تكون أيّام الآحاد لفعل الخطايا والابتعاد عن الله!



عمَّ ينهانا الله في يوم الأحد وبماذا يسمح لنا؟


ينهانا الله بهذه الوصيّة عن العمل وهو نوعان: عقلي وجسمي.
فالعمل العقلي هو الذي يعمل فيه العقل أكثر من الجسم، وهو مسموح يوم الأحد.
أمّا العمل الجسمي فهو الذي يعمل فيه الجسم أكثر من العقل وهو غير مسموح به يوم الأحد إلاّ للضرورة.
بعض الأعمال تعتبر عقلية ولو عمل فيها الجسم مثل عمل التصوير، وبعض الأعمال لا تعتبر جسمية ولو عمل فيها الجسم كثيراً مثل الألعاب الرياضية.
أمّا الكتابة والقراءة والدرس والقيام بالأشغال المنـزلية الضرورية كإعداد الطعام وتنظيف البيت وترتيبه، وعرض بضاعة أو أمتعة كثيرة الأنواع
وقد صارت عادة في بعض البلدان يوم الأحد لعدم إمكانية اجتماع الناس في غير أيّام الآحاد، وبعض المهن مثل الحلاقة والتزيين.. هذه كلّها مسموح بها.

ونظراً إلى الاختراعات الحديثة في عصرنا يصعب تحديد العمل الجسمي
أي العمل الذي يتعب فيه الجسم أكثر من العقل.
مثلاً: "مراقبة آلة تعمل دون أن تحتاج من المراقب إلى أيّ تعب سوى الانتباه". فإذا كان عمل المراقب ضرورياً لمصلحة عامّة يسمح له بالعمل كيفما اعتبر عمله جسمياً كان أم عقلياً.

وأيضاً، نظراً إلى حركة العمل في عصرنا كعمل عامل الهاتف وعامل القطار وعامل الفندق وغيرهم من العمّال الذين يؤمّنون مصلحة عامّة فإنه يسمح لهم بالعمل يوم الأحد، سواء اعتبر عملهم جسمياً أم عقلياً، لأنّ الضرورة تقضي بالعمل العامّ. لكن، على هؤلاء أن يهتمّوا بخلاص نفوسهم من حضور قدّاس وإتمام صلوات في وقت راحتهم
ولذلك فقد سهّلت الكنيسة القدّاس المسائي و الصوم القرباني.

قدسيّة يوم الأحد
إنّ وصيّة الكنيسة تحدّد شرعية الربّ وتحقّقها
"يوم الأحد وأيّام الأعياد المأمورة، على المؤمنين الاشتراك في ذبيحة القدّاس " (قانون 881/1)
"إنّ الذي يحضر القدّاس يوم العيد أم في مساء قبل يوم العيد يكون قد وفّى وجوب حضور القدّاس" (قانون 881/2).

إنّ قدّاس يوم الأحد يؤسّس ممارسات الشعائر الدينية ويثبّتها ولذا، فالمؤمنون مجبرون أن يحضروا القدّاس في الأيّام المفروضة إلاّ في حالة المرض أو الإعفاء من قبل الرئيس الروحي (قانون 881/1)
وكلّ من يخالف هذه الوصيّة يرتكب خطيئة كبيرة.

إنّ الاشتراك في الاحتفال الجماعي في الذبيحة الإلهية هو شهادة لاتّباعنا وإخلاصنا للمسيح ولكنيسته.
بهذا العمل يحقّق المؤمنون شركتهم في الإيمان والمحبّة. إنّهم يشهدون معاً لقداسة الله ولرجائهم في الخلاص. إنّهم يتقوّون بعضهم مع بعض بقيادة الروح القدس.

في احترام الحرّية الدينية ومصلحة الجميع يجب على المسيحيين أن يعرّفوا للجميع بأنّ أيّام الآحاد والأعياد الكنسية هي أيّام عطل شرعية.
يجب أن يعطوا للجميع مثلاً جماعياً للصلاة، وللاحترام والفرح في الدفاع عن تقاليدهم كفريضة ثمينة للحياة الروحية. إذا كانت قوانين البلد تفرض العمل يوم الأحد أو ثمّة سبب آخر، لنعشْ هذا اليوم مثل يوم خلاصنا الذي يشركنا في "حفلة عيد" في



"جماعة الأبكار المكتوبة أسماؤهم في السماوات"

(عب 12/22 – 23).
المراجع

-كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية.
-"المسيحية في أخلاقيتها" (التعليم المسيحي للبالغين) سلسلة الفكر المسيحي بين الأمس واليوم، رقم 19 – منشورات المكتبة البولسية – لبنان – 1999.
-"يوم الربّ" رسالة رسولية لقداسة البابا يوحنا بولس الثاني – الفاتيكان 1998، طُبعت باللغة العربية – جلّ الديب – المركز الكاثوليكي للإعلام – لبنان.

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 02:51 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
لاهوت أدبي: الوصية الثالثة
بقلم: الأب د. أنطون فرنسيس



http://www.peregabriel.com/gm/albums...panakrator.jpg

"اليوم السابع للرب إلهك..." تث 14:5



1) ما تأمر به الوصية الثالثة:
"احفظ يوم السبت وقدسه" (تث 14:5).
كانت الوصية في العهد القديم تأمر بحفظ يوم السبت وتقديسه
لأنه يوم الرب:
"واليوم السابع سبت للرب إلهك، فلا تصنع فيه عملاً، وأنت وابنك وابنتك، وخادمك وخادمتك، وثورك وحمارك،
وجميع بهائمك، ونزيلك الذي في داخل مدنك، لكي يستريح خادمك وخادمتك مثلك" (تث 14:5).
أما أسباب تقديس ذلك اليوم للرب، فهي:
1. (خر11:20): "لأن الرب، في ستة أيام خلق السموات والأرض والبحر وجميع ما فيها. وفي اليوم السابع استراح. ولذلك بارك الرب يوم السبت وكرسه".
2. (تث15:5): وأذكر أنك كنت عبداً في أرض مصر، فأخرجك الرب من هناك، بيد قديرة وذراع ممدودة. وهو لذلك أمرك بأن تحفظ يوم السبت".
تقديس السبت هو إذن تعبير احتفالي جماعي عن الإيمان الأساسي. هو إقرار عملي بأن الكيان والحياة
ومقوماتها كلها من الله خالقنا. وهو احتفال وحمد وتمجيد، وعرفان دائم بالجميل لله مخلصنا.
ارتباط الوصية الثالثة بالوصية الأولي الأساسية
إن الله هو مبدأ كياني وكل كياني تدور الوصية الأولى حول هذه الحقيقة الإيمانية الأساسية. عندما خلق الله الإنسان، أعطاه سلطاناً على سائر المخلوقات والكائنات، وطلب منه أن يُخضع الأرض، ويستثمرها خير استثمار لصالحه (تك28:1، 15:2و20).
العمل إذن من ضمن الوزنات التي أنعم بها الله على الإنسان، ليشاركه في الخلق والاهتمام بالكون.
كان على الإنسان أن يستثمر هذه الوزنة، بطاعة الإيمان والرجاء والمحبة. وكان دور الوصية الثالثة أن تجعل جوابه يزداد باستمرار عمقاً وسمواً بتقديس يوم الرب.
فبعد العمل طوال الأسبوع
يكون اليوم السابع راحة في الله. أي يقوم فيه الإنسان بمراجعة ذاته عن حياته طوال الأسبوع. وبمقدار ما يكون أميناً في هذا اللقاء مع الله، بمقدار ما يمتلئ به
ويقوم برسالته كوكيل وشاهد له، فيمتلئ بالسلام الباطني. وفي هذا تكون الراحة الحقيقية الباطنية.
وفي الحياة المسيحية اليوم، لا يكتمل تقديس يوم الرب بالاشتراك في القداس فحسب
بل يلزم تقديس اليوم كله من خلال مراجعة جميع أعمال الأسبوع الماضي في ضوء دعوة الله للمسيحي.
لذلك تلزم أن تكون الشهادة لله بالحياة، وسط العمل والتعاملات، ففي هذا اليوم يعيش المسيحي بأكمل صورة طاعته للوصية الأولى:



"أنا هو الرب إلهك".

فيجدد حبه ووعوده لله ويتذكر أمانة الله معه، وإهماله هو في بعض المواقف طوال الأسبوع. إن تقديس يوم الرب يكون بالانفتاح على الله للامتلاء منه، لأن الإنسان محتاج إلى هذا الامتلاء، ليواصل شهادته للرب طوال الأسبوع المقبل. مفاهيم وممارسات خاطئة للوصية الثالثة.
1. الفريسية أو الحرفية الشكلية:
وهي المطالبة والاكتفاء بالتنفيذ الحرفي، بالامتناع عن أي عمل في يوم الرب
حتى إذا كان فعل الخير. وهذا ما كان يتمسك به الفريسيون. لذلك ثاروا على السيد المسيح، عندما كان يصنع خيراً يوم السبت.
واجههم المسيح بحزم، وحاول أن يرفع ضمائرهم إلى روح الشريعة:
"أيحل في السبت عمل الخير أم عمل الشر؟ إنقاذ نفس أم إهلاكها؟" (مت4:3).
أراد أن يفهمهم أن عمل الخير ليس من الأعمال العادية. إنه يرتبط بالوصية الأولى والأساسية
فهو إقرار الإيمان وشهادة عملية بمكانة الله الأولى، والله محبة.
وأعلن المسيح كمال الشريعة بقوله:
"الله جعل السبت للإنسان، وما الإنسان للسبت" (مر27:2).
وهنا يوضح يسوع كرامة وعظمة الإنسان، صورة الله ومثاله. يبقى يوم الرب مكرساً ومخصصاً لله. ويقدسه الإنسان بعمل الخير. فالرحمة قبل الذبيحة (مت8:12)
"والإنسان كم هو أفضل من الخروف. لذلك يحل عمل الخير في السبت" (مت8:12).
يقدس الإنسان يوم الرب، عندما يرجع إلى ذاته، وينفتح على الله، المبدأ الأول، وعلى القريب ليكون له شاهداً على حب الله.
2. المادية العصرية:
وفي العصر الحديث، اتجه التقديس إلى الراحة الجسدية الأسبوعية، ولو ليوم واحد في أسبوع العمل، حتى يستطيع الشخص أن يواصل عمله بنشاط في الأسبوع المقبل. ونحن لسنا ضد هذا المفهوم والتنظيم. وإنما للأسف، يتمسك ويكتفي أغلبية الناس بالراحة الجسدية وحدها، متغاضين عن حياتهم الروحية. فيصبح هنا اليوم يوم كسل وخمول
أو ترفيه عالمي، أو رياضة جسمية، وأحياناً فرصة لملذات شريرة... بينما كان يجب أن يكون فرصة لمراجعة الذات، ولأعمال مقدسة، تربطنا أطول وقت بالرب
وفي عبادة الرب احتفالياً وجماعياً، وفي أعمال الرحمة والمشاركة مع الآخرين في أعمال المحبة.


كيف أتصرف في ظروف المجتمع الحالي؟


قد تفرض عليّ ظروفي الواقعية، أن أذهب إلى العمل يوم الأحد. كيف أقدس إذن يوم الرب؟ أقدس يوم الرب بأن أقدم عملي لله. وأعمله بروح جديدة، بروح مختلفة عن الأيام الماضية. أقدم فيه شهادة حقيقية من خلال العمل لله. يجب أن يتحول كل يوم إلى يوم الرب.
وهنا يتقدس يوم الرب هذا بالعمل. يجب أن أعيش كل يوم، كما لو كان يوم أحد، يوم الرب. وهكذا أقدس كل أيام الأسبوع، وأجعلها شهادة حقيقية أمام الآخرين لله.
أما إذا قصرنا يوم الرب على يوم الأحد
فسوف نقع في الحرفية والفتور الروحي. وإنما يجب أن يكون ليوم الرب صبغة خاصة دائماً لأنه يوم الرجوع والارتباط الخاص بمبدأ وغاية الكيان، الأول والآخر. وهو يوم الاحتفال بالله مخلصنا لذلك غيرت المسيحية السبت إلى الأحد، الذي في تم خلاصنا بقيامة المسيح. ويمكن استثمار وقت الراحة، لإعطاء دفعة للآخرين، وتثبيتهم في الإيمان والرجاء والمحبة. وما أجمل وأنفع أن تجتمع العائلة معاً
لتعميق حياة أفرادها الروحية، وتمجيد الله معاً. بهذا يتعمق الإيمان والرجاء والمحبة، ويزداد الارتباط بالوصية الأولى والأساسية. وهي، مع الوصية الثانية والثالثة، تزيد علاقة المسيحي بالله.
فبقدر ما يعيش بروح الوصايا والفضائل، بمقدار ما يمتلئ بالله، ويكون شاهداً صالحاً لحبه.



Mary Naeem 05 - 06 - 2014 02:52 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
تذكر يوم السبت لتقدسه

القديس غريغوريوس بالاماس






يُسَمّى أحد أيام الأسبوع الأحد، لأنّه مخصّص للرب الذي قام من الموت في ذلك اليوم مظهراً قيامة كل الناس ومثبتاً إياها (في المجيء الثاني) حين عندها سوف يتوقف كل عمل بشري.


إذاً خصّص الأحد للرب (خروج 8:20). لا تَقُم بأي عمل أرضي غير ما هو ضروري.

وكل الذين يعملون لك أو يعيشون معك فليرتاحوا حتى أنّكم جميعاً تمجّدون الذي اشترانا بموته ومن ثمّ قام مقيماً معه طبيعتنا البشرية. احفظ في فكرك الحياة الآتية، لكي تتأمّل بكل وصايا الرب وقوانينه وتتفحّص نفسك حتى إذا كنتَ قد انتهكت بعض الأشياء أو أهملتها، يمكنك أن تصحّح نفسك في كل شيء.
في هذا اليوم أيضاً اذهَبْ إلى هيكل الرب واشترك في اجتماع العبادة وشارك بإيمان صافٍ وضمير نقي في جسد المسيح ودمه. ابدأ حياة أكثر قداسة، مجدداً نفسك ومهيئاً إياها لتقبّل خيرات الحياة الآتية.
من أجل هذه الخيرات لا تسئ استعمال الأشياء والاهتمامات الأرضية في الأيام الأخرى أيضاً. يوم الأحد، كونك مكرَّساً لله، تحاشَ بشكل قاطع كلّ هذه الاهتمامات ما عدا الضرورية منها التي يستحيل عليك العيش من دونها.


وهكذا، بما أنّ الرب ملجؤك عليك ألاّ تذهب إلى أي مكان، وألاّ تضرِم نار الأهواء ولا تحمل عبء الخطايا.
إذاً، كرِّس “يوم السبت” (خروج 8:20)، أي الأحد، لله حافظاً إياه بامتناعك عن كل ما هو شرير.


وإلى الآحاد عليك أن تضيف كل الأعياد الكبيرة قائماً بالأمور نفسها وممتنعاً عن كل ما تمتنع عنه يوم الأحد.

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 02:54 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
أكرم أباك و أمك لكي يطول عمرك

في الأرض التي يعطيك الرب ألهك
ــ المقدمــــة
الله في العهد القديم كرّم الوالدين كل التكريم منذ بدء الخليقة وخلق أول أنسان على صورته وأسلمه جنة عدن ليستمتع بها
ومنحه سلطان على جميع الخلائق الأخرى من النباتات والحيوانات وتأكيدا لهذه المحبة خلق له شريكا ليكون عونا له وبذلك تأسست أول عائلة على الكرة الأرضية مؤلفة من آدم الرجل و حوآء المرأة .
غير أن هذه العائلة الحديثة فشلت في أول تجربة مرت بها عندما لم تحافظ على الوعد الذي قطعته للرب في عدم التقرب من الشجرة التي في وسط الجنة والأكل من ثمارها
بتحريض من الشيطان في هيئة حيّة مما سبب في غضب الرب منهم وطردهم من جنة عدن
ليواجهوا الحياة الصعبة على الأرض .
كما أنهم أيضا فشلوا في تنشأة عائلة متماسكة حيث حدثت أول جريمة قتل على الأرض بقتل قايين أخاه هابيل , وبالرغم من ذلك ولكون الله كله محبة وغفران فقد شائت أرادته أن تستمر الحياة على الأرض
فساعدها على التغلب على الصعوبات التي واجهتهم وكان راعيا وحافظا لها لتتكاثر ويكون لهم أبناء ملئوا الأرض .
أما عبارة ( لكي يطول عمرك في الأرض ) فلا أعتقد أن القصد منها أن تطول سنين عمرك على الأرض بقدر ما يقصد منها أن تطول الأيام التي تعيشها وأنت في سعادة وفرح ونعمة على الأرض.




2 من هم الأب و الأم حسب المفهوم المسيحي في العهد الجديد ؟


الأب والأم هما أنسانان , رجل واحد و أمرأة واحدة , جمعهما الرب برباط مقدس و وحّدهـما لدرجة أنه أعتبرهما واحدا وليس أثنان
وسمّى هذا الرباط المقدس بالزواج , و أعتبره سرّا من أسرار الكنيسة السبعة
(( المعمودية ـ الميرون ـ التوبة ـ القربان المقدس ـ مسحة المرضى ـ درجة الكهنوت ـ والزواج ))
ذلك لأن هذا الزواج هو وعد من كلا الطرفين , الرجل و المرأة أمام مذبح الرب و يقوم بمراسيمه الكاهن ويشهد عليه جماعة المؤمنين . ليكون أعلانا ببدء تأسيس بيت مسيحي تسكنه عائلة مسيحية مؤمنة بتعاليم الرب وكنيسته المباركة
وليضعا نفسيهما تحت تصرف الرب ليساهما في تدبير الرب بديمومة الحياة على الأرض وأنجاب الأبناء لمحبته و عبادته اللذين خلقوا لهذه الغاية ..



3 الوالدين و التزاماتهما


يؤكـد الكتاب المقدس ( العهد الجديد ) على أهمية رعاية الآباء لأبنائهم وذك كما جاء في رسالة رسول الأمم القديس بولس الرسول الى أهل آفـسـس عندما قال
( و أنتم أيها الآباء , لا تغيظوا أبنائكم , بل ربوهم بتأديب الرب ونصحه ) آفـسـس 6 : 4 حيث أنه للوالدين الدور الأول في تربية أولادهم و توجيههم وزرع التربية و الأيمان المسيحي في نفوسهم وقلوبهم وعقولهم كما علمنا الرب في كتابه المقدس وذلك منذ صغرهم وقبل أختلاطهم بالمجتمع والمدرسة .
فالطفل يقلد والديه في كل شيىء فأذا كانوا مداومين على الصلاة , فالأبناء سيلتزمون كذلك بهذه العادة الحميدة . وأذا كان تعامل الوالدين مع بعضهما البعض بالود والمحبة , فالأبناء أيضا سيكتسبون هذه العادة منهما ويتعاملون مع بعضهم البعض ومع أصدقائهم في المدرسة والمجتمع بالود والمحبة .
وأذا كان الوالدين بعيدون عن الكذب والنفاق والكبرياء والنميمة والتكلم عن الناس في غيابهم فأن الأولاد كذلك سيكتسبون هذه الصفات الحميدة . و أذا كان تعامل الآباء مع آبائهم وأمهاتهم ( الجد و الجدة )
تعاملا حسنا وكما أوصى الرب .
فأن الأولاد أيضا سيكتسبون هذه العادة و سيحترمون والديهم في المستقبل في كبرهم .
وكذلك على الوالدين الأستمرار في واجباتهم تجاه أولادهم بعد خروجهم الى المجتمع وأختلاطهم بأنواع متباينة من التربيات سواء من أولاد في سنهم أثناء الدراسة أو من أناس في مختلف طبقات المجتمع
وعليه فعلى ألوالدين متابعة أولادهم في المدرسة بأتصال وثيق مع معلميهم و مدرسيهم وكذلك مراقبتهم في أختيار أصدقائهم وأبعادهم عن أصدقاء السوء
وتشجيعهم على مصادقة ذوي التربية القويمة والأخلاق السليمة . كل ذلك بأسلوب تربوي يعتمد على الأقناع والحوار والنصح الهاديء بعيدا عن الزجر والعنف والدكتاتورية.




4 الأبناء وألتزاماتهم

تتمحور الوصية الرابعة من وصايا الله العشرة حول ضرورة أكرام الأبناء لآبائهم ونصها ( أكرم أباك و أمك لكي يطول عمرك في الأرض التي يعطيك الرب ألهك ) *
و جاء في الكتاب المقدس ( العهد القديم ) في سفر الأمثال عدة تأكيدات حول نفس الأمر.
*** أسمعوا أيها البنون تأديب الأب , و أصغوا لأجل معرفة الفهم ( أمثال 1 - 4 )
*** أسمع يا أبني تأديب أبيك , و لا ترفض شريعة أمك ( أمثال 1 - 8 )
*** من يحب التأديب يحب المعرفة , و من يبغض التوبيخ فهو بليد ( أمثال 1 - 2 1 )
وفي العهد الجديد يؤكد القديس بولس الرسول في الفصل السادس من رسالته الى أهل آفسس على طاعة الأبناء الى الوالدين عندما يقول
( أيها الأبناء , أطيعوا والديكم في الرب , فذلك عدل
(( أكرم أباك و أمك ))
تلك أول وصية يرتبط بها وعد وهو (( لتنال السّعادة و يطول عمرك في الأرض )) آفسـس 6 : 1 - 3 .
لذلك يحـمـّل الرب الأبناء ألتزامات كثيرة تجاه الوالدين والكتاب المقدس يزخر بأمثال عديدة و وصايا ألهية تلزم الأبناء بأكرام و طاعة الآباء والعمل لأكرامهم ويسفّــه ويحتقر الأبناء العاصين والذين لا يقدمون الأكرام لوالديهم
كما ورد في سفر التكوين وغضب نوح على أبنه حام ولعنه أياه لأنه أستهزأ بعورة أبيه , كما يورد أيضا مثالا على الطاعة التي أبداها أسحق لأبيه أبراهيم وهو يأخذه ليقدمه ذبيحة للرب
كما أمر الرب كأمتحان لأبراهيم وكذلك لطاعة أسحق لأبيه دون مناقشة . وكذلك أولاد يعقوب العشرة وأستمرارهم بطاعة و أكرام أبيهم بالرغم من معرفتهم أن أبيهم يعقوب يفضل ولديه , يوسف و بنيامين عليهم جميعا.




5 ماذا أذا قصّر الوالدين في ألتزاماتهم


في جميع المجتمعات تبرز حالات كثيرة لأهمال وتقصير الوالدين تجاه أبنائهم أما لظروف أجتماعية أو تربوية أو دينية أو ثقافية مما يسبب خللا في توفير التربية الصالحة للأولاد قد يؤدي ذلك في سلوكية غير قويمة لدى الأولاد .
فهل يعني ذلك أن ينتقم الأولاد من والديهم لأنهم قصروا في واجباتهم تجاههم ؟
أن الرب لم يعط هكذا صلآحية للأبناء في وصيته أعلاه ولم يذكر من هم الآباء المستحقين الأكرام و الآباء المستحقين أن يهملوا في شيخوختهم نتيجة لأهمالهم في تربية أولادهم . بل أكد على أكرام الأب والأم مهما كانت الظروف بل على الأولاد أن يطبقوا وصية الرب بالأكرام أما محاسبة المقصر فهي من سلطة الرب وحده فالله وحده له السلطة على غفران الذنوب أو معاقبة المسيء .
والأبناء اللذين لا يكرمون آبائهم فأنهم بذلك يخالفون أحدى وصايا الرب وسوف يكونون خاضعين للعقوبة . أما الأبناء اللذين يطبقون وصية الرب فيكرمون أبائهم أو أمهاتهم فأنهم بذلك ينالون أستحسانا من الرب .
ويكون الأستحسان والأجر أضعافا مضاعفة للأبنـاء اللذين يكرمون والديهم بالرغم من تقصيرهم تجاه الأبناء . فالمسيحي الحقيقي هو الذي يقابل الشر بالأحسان والأعتداء بالغفران
والكره بالمحبة.




6 الخاتمـــــة


نستخلص مما ورد أعلاه مبادىء مهمة أكد عليها الكتاب المقدس بعهديه ( القديم و الجديد ) أهمها : ـ

أ - أكرام الوالدين هو أمر من الرب لا يمكن فيه الأجتهاد أو التأويل.
ب - لا يجوز للأبناء محاسبة الوالدين , فالحساب والثواب هو من الرب وحده.
ج ? كل ما يقوم به الأبناء لوالديهم من أكرام أو أهمال فسوف يسري عليهم مستقبلا .

مثال من واقع الحياة (1 )
كان لأب أبن وحيد , أعتنى و تعب في تربيته , فكبر الولد وتزوج و سكن الأب مع أبنه في نفس البيت أذ لم يكن له أي مكان آخر للسكن . كبر الأب و سا ء ت صحته , أذ أصيب بمرض عصبي ادى الى أن ترتجف يداه ورأسه يهتز من شدة المرض , فكان كثيرا ما يقع الطعام منه وهو يحاول أن يضعه في فمه , و أحيانا أذا مـــــا أرتجفت يداه كثيرا وقع منه الصحن على الأرض منكسرا . فأتفق الأبن و زوجته أن يجلسوا الأب في زاوية من المطبخ منفردا , بينما هما مع أبنهما الصغير يأكلان على الطاولة الكبيرة , و صنع لأبيه صحن من الخشب ليأكل فيه حتى أذا ما وقع من يده على الأرض لا ينكسر .لم يعترض الأب على ذلك ولكن كان حزينا في داخله . مرت الأيام و ذات يوم بينما الولد الصغير يلعب , وجد قطعة من الخشب
فأخذ يلعب بها محاولا أن يصنع منها شيئا , فسأله والديه ماذا تريد أن منها ؟ فأجابهما , أحاول أن أصنع منها صحنا أقدمه لكم عندما أكبر . لدى سماعهما ما قاله أبنهما الصغير , أخذ الأبن وزوجته يبكيان
وأتجها نحو الأب المسن و بكل رفق أخذاه من زاوية المطبخ , و أجلساه معهما على نفس المائدة ليأكلا سويــة .

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 02:56 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
مقدّمة





يا معلم، ماذا أعمل…؟ ( متى 16:19 )



يا معلم، ماذا اعمل من صالح لأنال الحياة الأبدية؟


فقال له:

" لماذا تسألني عن الصالح؟ إنّما الصالح واحد. فإذا أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا".
قال له: " أيّ وصايا؟
فقال يسوع:



"لا تقتل، لا تزنِ، لا تسرق، لا تشهد بالزور. أكرم أباك وأمّك". وأخيراً لخّص يسوع تلك الوصايا على نحو إيجابي: "أحبب قريبك حُبّك لنفسِكَ".




لقد أعاد يسوع الوصايا العشر
ولكنّه أظهر قوّة الروح القدس العاملة في حرفها.




عندما يُطرح على يسوع السؤال:
" ما هي الوصيّة الكبرى في الشريعة "( متى 36:22)
يجيب يسوع: أحبب الربّ إلهك بكل قلبك وكلّ نفسك وكلّ ذهنك. تلك هي الوصيّة الكبرى والأولى. والثانية مثلها: أحبب قريبك حبّك لنفسِكَ. بهاتين الوصيّتين ترتبط الشريعة كلّها والأنبياء.(متى 37:22-40)
فالوصايا العشر يجب أن تُشرح في ضوء هذه الوصيّة المزدوجة الواحدة، وصيّة المحبّة كمال الشريعة.




فالمحبّة لا تصنع بالقريب شرّاً. فالمحبّة إذاً
"كمال الشريعة "(رومة 10:13).










الوصايا العشر في الكتاب المقدّس



تعني كلمة " الوصايا العشر حرفياً " كلمات عشر" ( خروج 28:34)، (تث 13:4 ، 4:10)
هذه الكلمات العشر أوصى بها الله إلى شعبه في الجبل المقدّس. لقد كتبها " بإصبعه " بخلاف الفرائض الأخرى التي كتبها موسى. إنّها كلمات الله بوجه ممتاز
نقلت إلينا في سفر الخروج، وفي سفر تثنية الاشتراع.
ولكن معناها الكامل إنما كشف عنه في العهد الجديد بيسوع المسيح. تفهّم الوصايا العشر أولاً في قرينة الخروج، الذي هو حدث الله التحريري الكبير وسط العهد القديم. وسواءً اتخذت صيغة فرائض سلبية ناهية
أو صيغة وصايا إيجابية مثل: "أكرم أباك وأمّك"
"كالكلمات العشر" تبين شروط حياة محررة من عبودية الخطيئة.










الوصايا العشر هي طريق الحياة.



وحدة الوصايا العشر



تؤلّف الوصايا العشر كلاً لا يتجزّأ.
وكلّ " كلمة" ترجع إلى كل واحدة أخرى وإليها جميعاً، وهي مترابطة بعضها ببعض واللوحان ينير أحدهما الآخر، وهما يؤلفان وحدة عضوية. ومخالفة أي وصية
مخالفة لها كلّها. فلا يمكن إكرام الآخرين دون مباركة الله خالقهم ولا تمكن عبادة الله دون محبة جميع الناس خلائقه.
إن الوصايا العشر توحّد حياة الإنسان اللاهوتية وحياته الاجتماعية.








أكرم أباك وأمّك لكي يطول عمرك في الأرض التي يعطيك الربّ إلهك ( سفر الخروج 12:20).



إن الله قد منحنا الوجود بواسطة والدينا وأشركهما بسلطانه علينا وأقامهما نوّاباً ووكلاء عنه يهتمّوا بأمورنا
ويدرّبونا على حفظ وصاياه الإلهية، ويهدونا طريق السعادة السماوية.




لذلك يأمرنا الله قائلاً:
" أكرم أباك وأمّك بكلّ قبلك ولا تنسَ مخاض أمّك، أذكرْ أنّك بهما كُوّنت فماذا تجزيهما مكافأةً عمّا جعلا لك" (سي 28:7-30).




فمن كرّم الوكيل فكأنّه كرّم الذي وكّله. فإذا كرّمنا والدينا نكون كرّمنا الله الذي وكّلهما علينا.







معنى الوصيّة



إنّ أوّل لوح من لوحي الوصايا العشر خاص بعلاقة الإنسان مع الله الذي يكشف ذاته للإنسان إلهاً أوحد، ويكشف اسمه للشعب، ويتجلى إله التحرير، ويُبرمُ عهداً صادقاً على الشعب الذي يتوجّب عليه أن يوليه ثقته ويكرّم اسمه ويحفظ السبت كعلامة للعهد الجديد والتحرير.
واللوح الثاني من لوحي الوصايا العشر يوسّع نظرة العلاقة مع الله إلى علاقة الناس فيما بينهم
وفي الحياة المشتركة
وتبدأ العلاقة بالوصية التي تطلب إكرام الوالدين.




إنّ الوصيّة الرابعة توحّد بين إجلال الله والإكرام الواجب للوالدين.
لكنّها لا تساوي بينهما، وذلك يتطابق أيضاً مع المعنى الأصلي للوصيّة الرابعة التي تُستعمل في الكلام على احترام الوالدين اللفظة نفسها التي هي لإجلال الله. ففي العبريّة " الإجلال " يعني التسليم بأهمّية الشخص الخاصة به، واعتباره ذو أهمّية. ويعني ذلك في علاقة الإنسان بالله
إعطاء الله الأهمّية التي تخصّه، والاعتراف بألوهيّته.




وفي علاقة الأولاد بالوالدين، ذلك يعني إعطاء الوالدين الأهمّية التي تخصّ بهما في وصفهما كوالدين وإكرامهما أيضاً كأب وأمّ. أمّا لدى شعب الله في العهد القديم، فتقدم العلاقة بين إجلال الله والإكرام الواجب للوالدين، وبخاصّة الأب، على أنّ الوالدين مُلزمان بأن ينقلا للجيل اللاحق تعاليم تاريخ الله مع شعبه.
فكان ينبغي أن يُحترم الوالدان احترام من أُوكل إليه أن يصون حيّة في الضمائر صنائع الله الباهرة ومسيرته مع الشعب نحو المصير الموعود.
وفي العهد القديم لم يكن احترام الوالدين واعتبارهما صاحبي أهمّية يعني فقط احترامهما كأب وأمّ، بل كذلك النظر إليهما كناقلي الإيمان والوعد بالأرض. وعندما كان الجيل الجديد يحترم الوالدين من خلال هذا " القرب من الله " كلّ يشهد بذلك أنّه يحترم الله ذاته.
والوصيّة الرابعة تقرن إلى تكريم الوالدين هذا وعداً بالبركة: " لكي تطول أيّامك وتصيب خيراً في الأرض التي يعطيك الربّ إلهك (تثنية الاشتراع 16:5 ، خروج 20-12).




لقد ذكّر يسوع نفسه بقوّة وصيّة الله هذه. فقد قال موسى " اكرم أباك وأمّك "
و " من لعن أباه وأمّه، فليمت موتاً "(مرقس 10:17).




فالوصيّة الرابعة تتوجّه بوضوح إلى الأولاد في علاقتهم بأبيهم وأمّهم، لأنّه هذه العلاقة هي الأهمّ. وتعني أيضاً بعلاقة القرابة مع أعضاء الجماعة العائلية. وتقتضي بـتأدية الإكرام والمحبّة والاعتراف بالجميل للجدود والأقدمين. وتمتد أخيراً إلى واجبات التلاميذ تجاه المعلم
والعاملين تجاه ربّ العمل، والمرؤوسين تجاه رؤسائهم، والمواطنين تجاه وطنهم، ومن يديرونه ويحكمونه.




وتقتضي هذه الوصيّة وتتناول ضمناً واجبات الوالدين والأوصياء، والمعلمين، والرؤساء والقضاة والحكّام، وكلّ الذين يمارسون سلطة على الآخرين أو على جماعة من الأشخاص ( ت م ك 2199)
وهكذا تصبح الوصيّة الرابعة أحد أسس تعليم الكنيسة الاجتماعي، كما ينوّه بذلك كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ( ت م ك 2198 ) وتطرح علينا مسألة أن نعرف اليوم كيف يجب أن ننظر إلى الأسرة والجماعة الكنسية وكلّ الذين يمارسون سلطة شرعية على الآخرين.










واجبات الإنسان العائلية



1-واجبات الأولاد لوالديهم:



"وكان خاضعاً لهما" (لوقا 51:2).



يظهر الاحترام بالبنوي بالطواعية والطاعة الحقيقيتين. "إرعَ يا بنيّ وصيّة أبيك ولا ترفض شريعة أمّك (…). هما يهديانك في سيرك ويحافظان عليك في رقادك، وإذا استيقضت، فهما يحدّثانك" (أم 20:6-22).
"الابن الحكيم يسمع تأديب أبيه، وأمّا الساخر فلا يسمع التوبيخ"(أم 1:13). (ت م ك 2216).
على الأولاد، بحكم الحنو البنوي أن يحترموا والديهم وأن يحبّوهم ويطيعوهم. ويقوم بواجب الاحترام هذا من يكنّ لوالديه الاعتبار الباطني ويعبّر لهما عنه في تصرّفاته الخارجية منهما ويخالفه وبالتالي يخطأ من احتقرهما ووجه إليهما كلاماً مهيناً أو وقف منهما موقفاً يذلّهما أو يسبّب ضرراً لهما
أو يستحي بهما أو ينكرهما لرقة حالهما…
والمحبّة يجب أن تكون في العواطف والعمل وعليه قد خالف واجب محبّة الوالدين من أبغضهم أو دعى عليهم، أو عاملهم بما يجرحهم أو يسبّب لهم كرباً أو أهمل الصلاة لأجلهم أو مساعدتهم في حياتهم الروحية والزمنية.








2-واجبات الوالدين لأولادهم:



على الوالدين أن يحبّوا أولادهم، وهذا أوّل واجباتهم وأساسها وعنه تصدر جميع الواجبات الأخرى. وعليهم أن يحافظوا على حياتهم وصحتهم ونموّهم.



والتربية حقّ طبيعي من حقوق الوالدين وليس لأحد أن يحرمهم إيّاها وهي أيضاً من واجباتهم. فعليهم أن يعلّموا أولادهم العلوم والثقافات وأن يعوّدوهم، من الصغر، على العمل والنشاط.
وأن يراعوا قبل كلّ شيء خيرهم الأدبي والديني فيعطوهم المثل الصالح ويؤدّبوهم ويسهروا على سلوكهم ويربّوهم تربية مسيحية صالحة.




كما على الأهل الذين يفوّضون إلى أساتذة ومربّين بعض سلطانهم الوالدي لتربية أولادهم أن يبيّنوا لأولادهم أنّه هناك واجبات عليهم تجاه أساتذتهم تشبه في بعض النقاط ما بين الوالدين والأولاد من واجبات متبادلة. فعلى الأولاد أن يحترموا أساتذتهم ويحبّوهم ويسمعوا لهم في كلّ ما يتعلّق بالدروس والآداب.
وعلى الأساتذة بحكم فضيلتي العدل والمحبّة أن يعلّموا الأولاد التعليم الموافق وأن يربّوهم تربيةً صالحة.








3- واجبات الزوجين المتبادلة



من الواجبات الزوجية ما يقع على عاتق الزوجين معاً ومنها ما يقع على عاتق الزوج، ومنها ما يقع على عاتق الزوجة. فعلى الزوجين أن يتبادلا المحبّة والمساعدة والواجب الزوجي والأمانة الزوجية وأن يحافظا على وحدة الحياة المشتركة.



من واجبات الزوج الرئيسية أن يهتمّ بإدارة البيت والعائلة وتدبير القوت والكسوة والسكن لها وهو يخطأ إذا لم يضمن للزوجة والأولاد حياة لائقة.



وعلى الزوجة بصفتها رفيقة لزوجها أن تهتمّ بإدارة البيت تحت سلطته. وتخطأ إن أهملت الأشغال البيتية، أو أنفقت المال المشترك بإسراف غير معهود وأهملت تربية أولادها والاهتمام بإدارة منـزلها.









الحياة المسيحية في الأسرة



1- الأسرة مكان حفاوة وإيمان :



إنّ كلّ ما يختصّ بالشخص البشري وعلاقاته الشخصية اليوم، هو على وجه العموم، موضوع تقدير كبير. والأسرة والحياة العائلية تفيدان أيضاً من هذا التقدير.
فالأجيال الجديدة ترى في الأسرة مكاناً أصيلاً لاختيار بذل التضحية والحفاوة والمحبّة والفرح. فالولد يكتسب في الأسرة بالنسبة إلى الحياة تلك الثقة الأساسية التي تمكّن الإنسان من اكتشاف نفسه وبذل ذاته
والذي لم يختبر الثقة ليس بإمكانه أن يثق بدوره، ويكون من الصعب عليه أن يركن إلى آخرين. ولا شيء يحلّ البيئة العائلية وما توفّره من خبرة في هذا الموضوع: فالأولاد يحتاجون إلى عائلة، في حضنها يقومون مع إخوتهم وأخواتهم وهم مغمورون بعطف والديهم، بالتدريب على تصرّفات اجتماعية لا غنى عنها في نضوجهم.
وعندما ينعدم أمان الأٍسرة، تتعرّض علاقة الأولاد بيئتهم الحياتية لخطر الانفصام.




وفي وسط الأسرة يُربّى الأولاد على التأثّر بالقيم والقدوات وبالوهن والخطأ، وبآراء مختلفة ومنازعات، كلّها عوامل نمو ونضوج. كما أنّ مثل الوالدين يتيح لهم اكتشاف التعابير الحسّية للمحبّة وتقاسم الأعباء.
ونوع العلاقة بين الوالدين يُسهم في تكييف موقف الأولاد من الجنس والحبّ والإخلاص و الثقة. وفشل زواج الوالدين يؤثّر أكثر من أي خطأ آخر على موقف الأولاد من الحياة.








2-الأسرة مكان تربية وتثقيف



تتطلّب وظيفة الأهل أن يتعرّفوا إلى ما في الحياة من علاقات ويدركوا ما عهد له إليهم من قيم وأنظمة للحياة.



وفي ارتباطهم بمؤسسات تربوية وتثقيفية أخرى، يحقّ لها كما يجب عليها، أن تربّي الأولاد والشباب من أجل تأهيلهم لكي ينهضوا بأعبائهم في الأسرة والمجتمع والكنيسة.







3-الأسرة كنيسة منزليّة



منذ العصور الأولى، تولي الكنيسة أهمّية كبرى للكرازة المتعلّقة بالأسرة المسيحية. فها هو القديس يوحنا الذهبي الفم، منذ أواخر القرن الرابع، يدعو الأسرة" كنيسة "، كما تصف، اليوم أيضاً، وثائق الكنسيّة الأسرة المسيحية " بالكنيسة المنزلية" (ك11)، أو" بمعهد الكنيسة البيتي "(ر ع 11)
أو " بالكنيسة المصغّرة " ( ش ع 49).
إنّها، بنوع خاصّ صورة وتحقيق " للوحدة التي تربط المؤمنين بالمسيح، وتجمعهم بعضهم إلى بعض، في وحدة كنيسة الله "(ش ع 21). فالكنيسة الشاملة والكنيسة المنزلية مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً إحداهما بالأخرى، وتقوم بين الاثنتين علاقة تنشيط وإخصاب متبادلين.








وللكنيسة رسالة، بالنسبة إلى كلّ البشر
بما في ذلك الأسرة. فالكنيسة تتيح لها أن تكون متحدة مع يسوع المسيح، وتمنحها توجيهاً مسيحياً:




- الكنيسة، بإعلان كلمة الله، تكشف للأسرة ما هي، وما يجب أن تكون، وفقاً لتصميم الربّ.



- والكنيسة، بالاحتفال بالأسرار، تُغني الأسرة وتثبّتُها بنعمة المسيح، كي تصيرَ مقدّسة، من أجل مجد الله.



- وتعيش الأسرة المسيحية اتّحادها بالله في الاحتفال بالأسرار وفي الصلاة المشتركة.
فعليها أن تتّصل باستمرار بجذورها الدينية.
فهذه قد أعطيت لها بالمعمودية والتثبيت
وهي تحدّد وتنعش في الاحتفال بالإفخارستيّا وفي قبول سرّ المصالحة. كما تقع مسؤولية خاصّة على الأسرة، في ما يخصّ التحضير لهذه الأسرار وقبولها، ومواكبة الأولاد والشباب في ممارستهم للأسرار وتعميقها فيهم. وكثيراً ما تأخذ مجموعات أسرية على عاتقها التحضير لسرّ التثبيت
أو يكون لآباء وأمّهات نشاط في التعليم المسيحي. ومن المهمّ أيضاً لحياة الأسرة أن تواكب الأزمنة المختلفة للسنة الليترجية. فالعادات المترسّخة تعمّق الإيمان وتقوّيه.




- وعلى الأسرة المسيحية أن تشهد لإيمانها. والزوجان يدعمُ أحدهما الآخر في الإيمان وينقلانه إلى أبنائهما، لا بالكلمات، في أوّل الأمر، بل بالعيش بمقتضى الإنجيل وتفعيله في حياة الأسرة. إنّ الأسرة التي تعي هذه الرسالة يعطي كلّ أعضائها بعضهم بعضاً شهادة الإنجيل. فالوالدان ينقلان هذه الشهادة إلى الأولاد، ويمكنهما أن يتلقّياها
بدورهما، منهم إنجيلياً حيّاً. وهكذا تغدو الأسرة أيضاً مبشّرة بالنسبة إلى أسر أخرى وغلى البيئة التي تحيا فيها ( إ إ 71).




تتوجّب مهمّة الكرازة هذه أيضاً على الأسر المبنيّة على الزواج الديني المختلط. وعليها تقع مهمّة السعي في اتّجاه الوحدة في الإيمان. ولذا تحتاج الأسرة إلى النصح والرعاية من قبل رعاة يعلّمونها الإيمان ويبشّرونها برسالة الكنيسة الأخلاقية.
إلاّ أنّ الأسر نفسها بإمكانها أن تتعاون وتتبادل النصح، من خلال مجموعات أُسر أو أصدقاء، كما في وسط الرعيّة. وذلك ضروريّ خصوصاً " حيث الكفر المنتشر أو النزعة الدنيوية الطاغية يحولان، عملياً، دون نموّ ديني حقيقي " ( ش ع 52).
وفي هكذا مواقف، غالباً ما تكون الكنيسة المنزلية المكان الوحيد حيث يُلقّن الأولاد والشبّان الإيمان ويختبرون حياة الإيمان.




على الأسرة المسيحية أن تكون مستعدّة لخدمة المحبّة لدى القريب. فدعوتها إلى الشهادة لمحبّة يسوع المسيح تتكفّل بها الأسرة بصورة مُقنعة، عندما تحتفي بالقريب، وتعتني بالمرضى والمسنين، وتمارس أعمال الرحمة.
على الأسرة المسيحية أن تحيا بمقتضى الشريعة الجديدة، شريعة المحبّة، أن تكون مستعدّة لاستقبال جميع الناس واحترامهم ومساعدتهم. عليه أن توقّر كلّ إنسان في كرامته كشخص وكابن لله.




- الأسرة هي حيّز حياتيّ، يمكن أن تكون حيّة فيه، باسم يسوع المسيح، تلك الوحدة التي تجعله حاضراً في وسطنا (رَ:متى 20:18). وبهذا بالذات تصير كنيسة منـزلية مرئيّة وفاعلة.



من حياة الأسرة يمكن للكنيسة ويجب عليها أن تكتسب المقاييس التي تُظهرها هي نفسها



"أسرة الله". عليها أن تتّسم ببُعد بيتي وعائليّ، وتسعى إلى نمط حياة أكثر إنسانية وأخوّة.



إنّ للأسرة المسيحية أهمّية يتعذّر استبدالها، بالنسبة إلى الكنيسة. فهي، ك " كنيسة منزلية " تُسهم بإيمانها وصلاتها وتصرّفها، في وسط الجماعة الكنسيّة والكنيسة الشاملة
وفي الوقت عينه تُشعّ في العالم.








واجبات الإنسان الوطنية



1- واجبات السلطة المدنية



على السلطة المدنية واجب رئيسي وهو أن تسعى للخير العام، فتستعمل كل قواها لإبعاد الشرّ عن المواطنين وتشجيع الخير، وحماية الدين والآداب، وتوزيع الحقوق والواجبات بالعدل والإنصاف وتطبيق القوانين دون محاباة، وتقليد الوظائف الرسمية من هو أهل لها فقط.







2- واجبات المواطنين



على المواطنين أن يحبّوا وطنهم إذ أنّهم مدينون له بالحماية ونموّ المنافع المشتركة المتوارثة عن الجدود، فيعملوا في سبيل حلول الوئام بين أبنائه.



وعليهم أيضاً احترام السلطة. وأن يخلصوا لها وأن يخضعوا للقوانين بوجه عام.



هكذا يوضح لنا القديس بولس سرّ الطاعة كما يبزغ في كل ضمير مستقيم، إذ يكتب إلى الرومانيين: " ليخضع كل امرئ للسلطات التي بأيديها الأمر، فلا سلطة إلا من عند الله، والسلطات القائمة هو الذي أقامها. فمن عارض السلطة قاوم النظام الذي أراده الله. والمقاومون يجلبون الحكم على أنفسهم. فلا خوف من الرؤساء عندما يفعل الخير، بل عندما يفعل الشرّ. أتريد ألاّ تخاف السلطة؟ إفعل الخير تنل ثناءها، فإنّها في خدمة الله في سبيل خيرك. ولكن خفْ إذا فعلت الشرّ، فإنّها لم تتقلّد السيف عبثاً، لأنّها في خدمة الله كما تنتقم لغضبه من فاعل الشرّ. ولذلك لا بدّ من الخضوع، لا خوفاً من الغضب فقط، بل مراعاة للضمير أيضاً " (رومة 13/1-5).



هكذا يعتبر القديس بولس أن " الخضوع للسلطات" هو عمل " صالح" بالتالي من الضروري أن نخضع " بدافع ضميري".







خاتمة



الوصايا العشر تعبّر عن واجبات الإنسان الأساسية تجاه الله وتجاه قريبه. فهي تبيّن في مضمونها الأوّلي واجبات خطيرة. إنّها في جوهرها لا تقبل التغيير، وإلزامها ثابت أبداً وفي كلّ مكان. وليس في استطاعة أحدٍ أن يعفي منها. لقد حفر الله الوصايا العشر في قلب كلّ كائنٍ بشريّ.



وعلى المسيحيين واجب شكر خاصّ لمن تقبّلوا منهم عطيّة الإيمان، ونعمة المعمودية والحياة في الكنيسة. وقد يتعلّق الأمر بالوالدين، أو بآخرين من أعضاء الأسرة، أو بالجدود، أو الرعاة، أو بمعلّمي الدين أو بمعلّمين آخرين وأصدقاء.



" أيّها لأبنـاء، أطيعوا والديكم في الربّ، فذلك عدل. أكرم أباك وأمّـــك". (أفسس 6/1-2).











المراجع



- التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية



- الخلقية نؤمن- منشورات معهد الليترجية في جامعة الروح القدس – لبنان 1993



- مختصر اللاهوت الأدبي الكاثوليكي –منشورات الرابطة الكهنوتية – لبنان 1980



- رسالة الأسرة المسيحية في عالم اليوم – قداسة البابا يوحنّا بولس الثاني – الفاتيكان 1981



- اثبات العقائد الدينية – الأب ميخائيل صافي بيروت 1996



عن موقع القديسة تريزا: جمعية التعليم المسيحي بحلب

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 02:57 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
بقلم: الأب د. أنطون فرنسيس


"أكرم أباك وأمك ..." ( تث 16:5)




وصايا عن العلاقة مع الغير في شخصه


تنعكس علاقتنا بالله على علاقتنا بالغير وتوجهها. ومن الوصية الرابعة تبدأ الوصايا عن العلاقة بالغير. وتنظم المجموعة الأولى منها العلاقة مع شخص القريب.
وتشمل: الوصية الرابعة- والخامسة والثامنة- والسادسة والتاسعة. أما المجموعة الثانية فتنظم العلاقة بممتلكات الغير، وتشمل الوصية السابعة والعاشرة.


الارتباط بالوصية الأولى الأساسية:


ترتبط الوصية الرابعة بالوصية الأولى والأساسية. فهي إقرار إيماني بأن الله هو وحده الخالق، الذي أعطى قوة نقل الحياة للإنسان، عن طريق الوالدين. هنا تظهر أهمية ومكانة الأب والأم، وواجب محبتهما واحترامهما.
الحياة هي إذن عطية ونعمة من الله، ينقلها الوالدان للأبناء. يمثل الوالدان إذن حضور الله للأبناء.
وفي علاقة الحب بين الوالدين، المؤسسة على الله، ينال الأبناء الكثير من الكيان والخير الشخصي: الاسم- المواهب الوراثية- التربية والصفات المكتسبة...إلخ.

1) ما تأمر به الوصية الرابعة:
"أكرم أباك وأمك" (تث 14:5)
تأمر الوصية بإكرام الوالدين والإكرام ينبع من الحب، فالحب هو أول إكرام للوالدين، ويلزم احترامهما وطاعتهما، ولكن الإكرام لا يعن العبادة... لذلك تأتي طاعة الله قبل طاعة البشر
حتى ولو كانا الوالدين:
"يجب أن نطيع الله لا الناس" (أعمال 29:5).
ويكون إكرام الوالدين بتقدير دورهما ورسالتهما، والتضحيات العديدة التي يقدمونها لأجلنا، منذ ميلادنا ومدى الحياة. فلا مثيل لما يقدمه الأب والأم من تضحيات.

وتنتج عن هذه الوصية واجبات مزدوجة:
1- واجبات الأبناء نحو والديهم.
2- واجبات الوالدين نحو أبنائهم.
واجبات الأبناء نحو والديهم:
1- الاحترام: يجب أن يكون احترام الوالدين احتراماً باطنياً قلبياً. يلزم أن احترم وأقدر دورهما ورسالتهما فهما سبب وجودي البشري في الحياة. ويجب أن أعبر عن هذا الاحترام في معاملاتي الخارجية. وهذا الاحترام واجب في جميع الحالات، سواء كان الوالدان فقراء أم أغنياء، متعلمين أم أميين. ويجب أن يظهر بالأخص في حالة المرض والشيخوخة والإعاقة، وفي الضيق والألم. وبقدر ما أعيش البعد الباطني والروحي للوصايا في علاقة شخصية مع الله
بقدر ما أكون عاملاً بكلمة الله لا سامعاً لها فقط.

2- الحب: صحيح أنه يجب علينا أن نحب كل إنسان. ولكن يجب أن تكون للوالدين محبة خاصة. ويجب أن نترجم هذا الحب بطريقة عملية.
حب الأبناء لوالديهم جواب على حب الوالدين لأبنائهم. الوالدون هم الوحيدون الذين يتمنون أن يكون أولادهم أفضل منهم. أما الإخوة فكثيراً ما يتصارعون للحصول على أفضل المراكز وأغناها. ونترجم حبنا للوالدين عملياً بالإكرام، والخدمة، والمساعدة المادية. حقاً إنهم ينتظرون منا الحب قبل المال. ولكن العواطف والكلام لا تكفي.
ويجب أن نشعرهم أن مساعدتنا لهم، إنما هي تعبير عن عرفاننا بالجميل نحوهم.

3- الطاعة: يستخدم البعض ما يقوله الكتاب استخداماً خاطئاً : "يجب أن نطيع الله لا الناس " (أعمال 29:5)
فلا يراعون احترام الوالدين، وطاعتهما، والاهتمام بهما، بحجة الاهتمام أولاً بأمور الله والدين والكنيسة. لذلك حارب المسيح تعليم الفريسيين الخاطئ في تفسير الوصية الرابعة. فوبخهم قائلاً: "لما تخالفون أنتم وصية الله من أجل تقاليدكم؟ قال الله: أكرم أباك وأمك، ومن لعن أباه أو أمه فموتاً يموت. وأما أنتم فتقولون:
من كان عنده ما يساعد به أباه أو أمه، وقال لهما: هذا تقدمة لله ، فلا يلزمه أن يكرم أباه أو أمـــه. وهكذا أبطلتـم كــلام الله من أجل تقاليدكم" (متى 3:15-6).
وهكذا يرتفع المسيح إلى روح الوصية. ومنه ينبع الاحترام، والسلوك العملي الصحيح، النابع من الحب، والظاهر في الاحترام، والطاعة، والمساعدة.

كما يقدم لنا الإنجيل يسوع نفسه مثالاً لطاعة الوالدين:
"ورجع يسوع معهما إلى الناصرة.وكان مطيعاً لهما" (لوقا 51:2).
والطاعة للوالدين واجبة. لما لهما أيضاً من حكمة وخبرة في الحياة. فهذه لا يمكن اكتسابها بالدراسة النظرية فقط، إنما بالمعايشة الإنسانية.

لننال تربية مسيحية فاضلة، يجب أن نطيع الوالدين، حتى وإن كانوا متشددين ويجب أن نحترم هذا التشدد، لأنه لأجل صالحنا ولمنفعتنا. لأن هدف الوالدين هو أن نكون صالحين وناجحين وسعداء، بل أن نكون أفضل منهم . فلا يجب اتهامهم بأنهم غير عصريين .
بل علينا أن نرى البعد الإيجابي في نصائحهم وتعاليمهم... ويوصي بولس الرسول: "أيها الأبناء، أطيعوا والديكم في الرب ، فهذا عين الصواب ، أكرم أباك وأمك " (أفسس 1:6-2).

والطاعة للوالدين لا تلغي الشخصية الذاتية الإنسانية والروحية. وهذه بدورها لا تعني الانفصال عن الوالدين، أو الرفض والتمرد...
الشخصية الذاتية هي أن أعرف مشروع الله لي، وأسعى لتحقيقه، بمعونة الوالدين والمربين والمرشدين الروحيين، حتى أصبح شاهداً لله.

ومن خلال مسيرة النضج النفسي والروحي تتكون الشخصية الناضجة المستقلة القادرة على اتخاذ قرارات حرة وصحيحة. فلكل شخص الحق في تحديد مسيرته الخاصة: الدراسة، المهنة، شريك (ة) الحياة
أو تكريس الحياة كاملة للرب. وذلك عن طريق اختيار حر، واعٍ ومسئول.
ومتى كانت الشخصية ناضجة وواعية يمكن للشخص أن يقنع والديه باختياره الصحيح، بطريقة تحفظ لهما كرامتهما، ولا تجرح مشاعرهما.

وتوجد مواقف تتطلب أن نطيع فيها الله لا الوالدين. ويخبرنا الإنجيل أن يسوع، الذي كان طائعاً لوالديه، أجابهما عندما وجداه في الهيكل: "أما تعرفان أنه يجب أن أكون فيما بعد لأبي؟" (لوقا 49:2)...
هكذا مثلاً إذا كان الأمر يتعلق بجوابي على دعوة الله الخاصة لي، للكهنوت أو الرهبنة أو التكريس الكامل، أو الزواج هذه كلها دعوات من الله. فيجب أن أحترم الله، وأطيعه، وأنفذ ما يريده لي، حتى إذا لم يكن الأهل موافقين وعملياً نادراً ما تحدث مثل هذه الحالة. ولا أستطيع أن أقررها باطمئنان الضمير، إلا بالصلاة واستشارة مرشد روحي حكيم.



واجبات الوالدين نحو أبنائهم


يوصي بولس الرسول الوالدين قائلاً: "وأنتم أيها الآباء، لا تثيروا غضب أبنائكم، بل ربوهم حسب وصايا الرب وتأديبه" (أفسس 4:6).


وتلخص واجبات الوالدين في الحب والتربية.


1- التربية: الأولاد أهم وأثمن وزنة أعطاها الله للوالدين. فيجب عليهم أن يبذلوا كل جهد وتضحية، لتربح هذه الوزنة ما يريده لها الله. على الوالدين أن يربوا أولادهم أولاً بالمثل الصالح، وليس بالكلام. وفي اشتراك الأب والأم في تربية الأبناء، يلزم الحزم لا القسوة. لأن الحزم المؤسس على الحب، يضمن تربية صالحة.
2- الحب: حب الوالدين للأبناء، صورة وامتداد لحب الله لهم. وأساس هذا الحب هو إدراك أنهما شركاء الله في نقل الحياة للطفل ، ويمثل الطفل بدوره حضور المسيح وسط الأسرة.
الحب هو أساس وسبب كل تضحيات الأهل لأبنائهم. إنما لابد أن يكون حباً تربوياً، أي حكيماً وحازماً، يهدف إلى بناء شخصية إنسانية وروحية صحيحة وقوية. وبالتالي يلزم تجنب القساوة أو التراخي.
فبالحب وحده يشعر الأبناء بمكانتهم لدى والديهم، فيطيعونهما، ويبادلونهما حباً بحب.



ممارسات خاطئة للوصية الرابعة.


يؤدي الفهم الخاطئ لهذه الوصية إلى ممارسات خاطئة، كالانقيادية وصراع الأجيال.
1- الانقيادية: يوجد من يسلم ذاته لوالديه تسليماً مطلقاً، دون أن يعمل على أن يكوّن لنفسه شخصية حرة مستقلة وواعية. مثل هذا الشخص لا يعرف أن يأخذ قرار يخص حياته
مثل اختيار شريك (ة) الحياة، أو تقرير أي أمر حتى في التعامل مع شريك (ة) الحياة. والنتيجة أنه لا يكون على مستوى المسئولية. هذا الانقياد الأعمى تفسير وممارسة خاطئة للوصية الرابعة.

2- صراع الأجيال: وهناك دائماً مشكلة صراع الأجيال، أي الوالدين والأبناء. لكل منهم عقلية، وعادات وتقاليد، وأفكار مختلفة، حتى في مبادئ وأسلوب التعامل والتربية .
وكثيراً ما نسمع عن المشاكل الناتجة من اختلاف التفكير بين الآباء والأبناء.

على الأبناء هنا أن يعيشوا روح الوصية، في إيمان ورجاء ومحبة، للانفتاح على كل ما عند الوالدين من أمور واعتبارات إيجابية. وبذلك يمكن للأبناء أن يراعوا دائماً الاحترام والطاعة لوالديهم، عن إكرام وحب. توجد حكمة صينية عظيمة تقول :
" إن لم أستطع أن أكون جسراً بين أبي وولدي ، فسأكون حفرة تبتلع خبرة أبي وشباب ولدي " .
وهذا يجعلنا نفكر بطريقة جديدة في الاستعداد للمستقبل، ونتساءل: هل سيعاني أولادنا ما نعانيه نحن؟
وماذا أعمل في تربية أولادي لأمنع ذلك؟

الوصية الرابعة تدعونا أن نكون جسراً قوياً لبناء مستقبل أفضل ، لأبنائنا ، ولملكوت الله . هكذا نكون رسلاً وشهوداً حقيقيين ، في الوسط الذي نعيش فيه.

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 02:58 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
وصـايا الله العشر: الوصية الرابعة

بقلم: الأب أوغسطينوس كوسا
مقدّمة
يا معلم، ماذا أعمل…؟ ( متى 16:19 )



يا معلم، ماذا اعمل من صالح لأنال الحياة الأبدية؟
فقال له:
" لماذا تسألني عن الصالح؟ إنّما الصالح واحد. فإذا أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا".
قال له: " أيّ وصايا؟
فقال يسوع:



"لا تقتل، لا تزنِ، لا تسرق، لا تشهد بالزور. أكرم أباك وأمّك". وأخيراً لخّص يسوع تلك الوصايا على نحو إيجابي: "أحبب قريبك حُبّك لنفسِكَ".
لقد أعاد يسوع الوصايا العشر
ولكنّه أظهر قوّة الروح القدس العاملة في حرفها.


عندما يُطرح على يسوع السؤال:
" ما هي الوصيّة الكبرى في الشريعة "( متى 36:22)
يجيب يسوع: أحبب الربّ إلهك بكل قلبك وكلّ نفسك وكلّ ذهنك. تلك هي الوصيّة الكبرى والأولى. والثانية مثلها: أحبب قريبك حبّك لنفسِكَ. بهاتين الوصيّتين ترتبط الشريعة كلّها والأنبياء.(متى 37:22-40)
فالوصايا العشر يجب أن تُشرح في ضوء هذه الوصيّة المزدوجة الواحدة، وصيّة المحبّة كمال الشريعة.


فالمحبّة لا تصنع بالقريب شرّاً. فالمحبّة إذاً
"كمال الشريعة "(رومة 10:13).




الوصايا العشر في الكتاب المقدّس
تعني كلمة " الوصايا العشر حرفياً " كلمات عشر" ( خروج 28:34)، (تث 13:4 ، 4:10)
هذه الكلمات العشر أوصى بها الله إلى شعبه في الجبل المقدّس. لقد كتبها " بإصبعه " بخلاف الفرائض الأخرى التي كتبها موسى. إنّها كلمات الله بوجه ممتاز
نقلت إلينا في سفر الخروج، وفي سفر تثنية الاشتراع.
ولكن معناها الكامل إنما كشف عنه في العهد الجديد بيسوع المسيح. تفهّم الوصايا العشر أولاً في قرينة الخروج، الذي هو حدث الله التحريري الكبير وسط العهد القديم. وسواءً اتخذت صيغة فرائض سلبية ناهية
أو صيغة وصايا إيجابية مثل: "أكرم أباك وأمّك"
"كالكلمات العشر" تبين شروط حياة محررة من عبودية الخطيئة.




الوصايا العشر هي طريق الحياة.
وحدة الوصايا العشر



تؤلّف الوصايا العشر كلاً لا يتجزّأ.
وكلّ " كلمة" ترجع إلى كل واحدة أخرى وإليها جميعاً، وهي مترابطة بعضها ببعض واللوحان ينير أحدهما الآخر، وهما يؤلفان وحدة عضوية. ومخالفة أي وصية
مخالفة لها كلّها. فلا يمكن إكرام الآخرين دون مباركة الله خالقهم ولا تمكن عبادة الله دون محبة جميع الناس خلائقه.
إن الوصايا العشر توحّد حياة الإنسان اللاهوتية وحياته الاجتماعية.


أكرم أباك وأمّك لكي يطول عمرك في الأرض التي يعطيك الربّ إلهك ( سفر الخروج 12:20).

إن الله قد منحنا الوجود بواسطة والدينا وأشركهما بسلطانه علينا وأقامهما نوّاباً ووكلاء عنه يهتمّوا بأمورنا
ويدرّبونا على حفظ وصاياه الإلهية، ويهدونا طريق السعادة السماوية.




لذلك يأمرنا الله قائلاً:
" أكرم أباك وأمّك بكلّ قبلك ولا تنسَ مخاض أمّك، أذكرْ أنّك بهما كُوّنت فماذا تجزيهما مكافأةً عمّا جعلا لك" (سي 28:7-30).




فمن كرّم الوكيل فكأنّه كرّم الذي وكّله. فإذا كرّمنا والدينا نكون كرّمنا الله الذي وكّلهما علينا.



معنى الوصيّة

إنّ أوّل لوح من لوحي الوصايا العشر خاص بعلاقة الإنسان مع الله الذي يكشف ذاته للإنسان إلهاً أوحد، ويكشف اسمه للشعب، ويتجلى إله التحرير، ويُبرمُ عهداً صادقاً على الشعب الذي يتوجّب عليه أن يوليه ثقته ويكرّم اسمه ويحفظ السبت كعلامة للعهد الجديد والتحرير.
واللوح الثاني من لوحي الوصايا العشر يوسّع نظرة العلاقة مع الله إلى علاقة الناس فيما بينهم
وفي الحياة المشتركة
وتبدأ العلاقة بالوصية التي تطلب إكرام الوالدين.




إنّ الوصيّة الرابعة توحّد بين إجلال الله والإكرام الواجب للوالدين.
لكنّها لا تساوي بينهما، وذلك يتطابق أيضاً مع المعنى الأصلي للوصيّة الرابعة التي تُستعمل في الكلام على احترام الوالدين اللفظة نفسها التي هي لإجلال الله. ففي العبريّة " الإجلال " يعني التسليم بأهمّية الشخص الخاصة به، واعتباره ذو أهمّية. ويعني ذلك في علاقة الإنسان بالله
إعطاء الله الأهمّية التي تخصّه، والاعتراف بألوهيّته.




وفي علاقة الأولاد بالوالدين، ذلك يعني إعطاء الوالدين الأهمّية التي تخصّ بهما في وصفهما كوالدين وإكرامهما أيضاً كأب وأمّ. أمّا لدى شعب الله في العهد القديم، فتقدم العلاقة بين إجلال الله والإكرام الواجب للوالدين، وبخاصّة الأب، على أنّ الوالدين مُلزمان بأن ينقلا للجيل اللاحق تعاليم تاريخ الله مع شعبه.
فكان ينبغي أن يُحترم الوالدان احترام من أُوكل إليه أن يصون حيّة في الضمائر صنائع الله الباهرة ومسيرته مع الشعب نحو المصير الموعود.
وفي العهد القديم لم يكن احترام الوالدين واعتبارهما صاحبي أهمّية يعني فقط احترامهما كأب وأمّ، بل كذلك النظر إليهما كناقلي الإيمان والوعد بالأرض. وعندما كان الجيل الجديد يحترم الوالدين من خلال هذا " القرب من الله " كلّ يشهد بذلك أنّه يحترم الله ذاته.
والوصيّة الرابعة تقرن إلى تكريم الوالدين هذا وعداً بالبركة: " لكي تطول أيّامك وتصيب خيراً في الأرض التي يعطيك الربّ إلهك (تثنية الاشتراع 16:5 ، خروج 20-12).




لقد ذكّر يسوع نفسه بقوّة وصيّة الله هذه. فقد قال موسى " اكرم أباك وأمّك "
و " من لعن أباه وأمّه، فليمت موتاً "(مرقس 10:17).




فالوصيّة الرابعة تتوجّه بوضوح إلى الأولاد في علاقتهم بأبيهم وأمّهم، لأنّه هذه العلاقة هي الأهمّ. وتعني أيضاً بعلاقة القرابة مع أعضاء الجماعة العائلية. وتقتضي بـتأدية الإكرام والمحبّة والاعتراف بالجميل للجدود والأقدمين. وتمتد أخيراً إلى واجبات التلاميذ تجاه المعلم
والعاملين تجاه ربّ العمل، والمرؤوسين تجاه رؤسائهم، والمواطنين تجاه وطنهم، ومن يديرونه ويحكمونه.




وتقتضي هذه الوصيّة وتتناول ضمناً واجبات الوالدين والأوصياء، والمعلمين، والرؤساء والقضاة والحكّام، وكلّ الذين يمارسون سلطة على الآخرين أو على جماعة من الأشخاص ( ت م ك 2199)
وهكذا تصبح الوصيّة الرابعة أحد أسس تعليم الكنيسة الاجتماعي، كما ينوّه بذلك كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ( ت م ك 2198 ) وتطرح علينا مسألة أن نعرف اليوم كيف يجب أن ننظر إلى الأسرة والجماعة الكنسية وكلّ الذين يمارسون سلطة شرعية على الآخرين.




واجبات الإنسان العائلية
1-واجبات الأولاد لوالديهم:



"وكان خاضعاً لهما" (لوقا 51:2).



يظهر الاحترام بالبنوي بالطواعية والطاعة الحقيقيتين. "إرعَ يا بنيّ وصيّة أبيك ولا ترفض شريعة أمّك (…). هما يهديانك في سيرك ويحافظان عليك في رقادك، وإذا استيقضت، فهما يحدّثانك" (أم 20:6-22).
"الابن الحكيم يسمع تأديب أبيه، وأمّا الساخر فلا يسمع التوبيخ"(أم 1:13). (ت م ك 2216).
على الأولاد، بحكم الحنو البنوي أن يحترموا والديهم وأن يحبّوهم ويطيعوهم. ويقوم بواجب الاحترام هذا من يكنّ لوالديه الاعتبار الباطني ويعبّر لهما عنه في تصرّفاته الخارجية منهما ويخالفه وبالتالي يخطأ من احتقرهما ووجه إليهما كلاماً مهيناً أو وقف منهما موقفاً يذلّهما أو يسبّب ضرراً لهما
أو يستحي بهما أو ينكرهما لرقة حالهما…
والمحبّة يجب أن تكون في العواطف والعمل وعليه قد خالف واجب محبّة الوالدين من أبغضهم أو دعى عليهم، أو عاملهم بما يجرحهم أو يسبّب لهم كرباً أو أهمل الصلاة لأجلهم أو مساعدتهم في حياتهم الروحية والزمنية.




2-واجبات الوالدين لأولادهم:



على الوالدين أن يحبّوا أولادهم، وهذا أوّل واجباتهم وأساسها وعنه تصدر جميع الواجبات الأخرى. وعليهم أن يحافظوا على حياتهم وصحتهم ونموّهم.



والتربية حقّ طبيعي من حقوق الوالدين وليس لأحد أن يحرمهم إيّاها وهي أيضاً من واجباتهم. فعليهم أن يعلّموا أولادهم العلوم والثقافات وأن يعوّدوهم، من الصغر، على العمل والنشاط.
وأن يراعوا قبل كلّ شيء خيرهم الأدبي والديني فيعطوهم المثل الصالح ويؤدّبوهم ويسهروا على سلوكهم ويربّوهم تربية مسيحية صالحة.




كما على الأهل الذين يفوّضون إلى أساتذة ومربّين بعض سلطانهم الوالدي لتربية أولادهم أن يبيّنوا لأولادهم أنّه هناك واجبات عليهم تجاه أساتذتهم تشبه في بعض النقاط ما بين الوالدين والأولاد من واجبات متبادلة. فعلى الأولاد أن يحترموا أساتذتهم ويحبّوهم ويسمعوا لهم في كلّ ما يتعلّق بالدروس والآداب.
وعلى الأساتذة بحكم فضيلتي العدل والمحبّة أن يعلّموا الأولاد التعليم الموافق وأن يربّوهم تربيةً صالحة.




3- واجبات الزوجين المتبادلة

من الواجبات الزوجية ما يقع على عاتق الزوجين معاً ومنها ما يقع على عاتق الزوج، ومنها ما يقع على عاتق الزوجة. فعلى الزوجين أن يتبادلا المحبّة والمساعدة والواجب الزوجي والأمانة الزوجية وأن يحافظا على وحدة الحياة المشتركة.



من واجبات الزوج الرئيسية أن يهتمّ بإدارة البيت والعائلة وتدبير القوت والكسوة والسكن لها وهو يخطأ إذا لم يضمن للزوجة والأولاد حياة لائقة.

وعلى الزوجة بصفتها رفيقة لزوجها أن تهتمّ بإدارة البيت تحت سلطته. وتخطأ إن أهملت الأشغال البيتية، أو أنفقت المال المشترك بإسراف غير معهود وأهملت تربية أولادها والاهتمام بإدارة منـزلها.



الحياة المسيحية في الأسرة
1- الأسرة مكان حفاوة وإيمان :



إنّ كلّ ما يختصّ بالشخص البشري وعلاقاته الشخصية اليوم، هو على وجه العموم، موضوع تقدير كبير. والأسرة والحياة العائلية تفيدان أيضاً من هذا التقدير.
فالأجيال الجديدة ترى في الأسرة مكاناً أصيلاً لاختيار بذل التضحية والحفاوة والمحبّة والفرح. فالولد يكتسب في الأسرة بالنسبة إلى الحياة تلك الثقة الأساسية التي تمكّن الإنسان من اكتشاف نفسه وبذل ذاته
والذي لم يختبر الثقة ليس بإمكانه أن يثق بدوره، ويكون من الصعب عليه أن يركن إلى آخرين. ولا شيء يحلّ البيئة العائلية وما توفّره من خبرة في هذا الموضوع: فالأولاد يحتاجون إلى عائلة، في حضنها يقومون مع إخوتهم وأخواتهم وهم مغمورون بعطف والديهم، بالتدريب على تصرّفات اجتماعية لا غنى عنها في نضوجهم.
وعندما ينعدم أمان الأٍسرة، تتعرّض علاقة الأولاد بيئتهم الحياتية لخطر الانفصام.


وفي وسط الأسرة يُربّى الأولاد على التأثّر بالقيم والقدوات وبالوهن والخطأ، وبآراء مختلفة ومنازعات، كلّها عوامل نمو ونضوج. كما أنّ مثل الوالدين يتيح لهم اكتشاف التعابير الحسّية للمحبّة وتقاسم الأعباء.
ونوع العلاقة بين الوالدين يُسهم في تكييف موقف الأولاد من الجنس والحبّ والإخلاص و الثقة. وفشل زواج الوالدين يؤثّر أكثر من أي خطأ آخر على موقف الأولاد من الحياة.


2-الأسرة مكان تربية وتثقيف



تتطلّب وظيفة الأهل أن يتعرّفوا إلى ما في الحياة من علاقات ويدركوا ما عهد له إليهم من قيم وأنظمة للحياة.



وفي ارتباطهم بمؤسسات تربوية وتثقيفية أخرى، يحقّ لها كما يجب عليها، أن تربّي الأولاد والشباب من أجل تأهيلهم لكي ينهضوا بأعبائهم في الأسرة والمجتمع والكنيسة.



3-الأسرة كنيسة منزليّة

منذ العصور الأولى، تولي الكنيسة أهمّية كبرى للكرازة المتعلّقة بالأسرة المسيحية. فها هو القديس يوحنا الذهبي الفم، منذ أواخر القرن الرابع، يدعو الأسرة" كنيسة "، كما تصف، اليوم أيضاً، وثائق الكنسيّة الأسرة المسيحية " بالكنيسة المنزلية" (ك11)، أو" بمعهد الكنيسة البيتي "(ر ع 11)
أو " بالكنيسة المصغّرة " ( ش ع 49).
إنّها، بنوع خاصّ صورة وتحقيق " للوحدة التي تربط المؤمنين بالمسيح، وتجمعهم بعضهم إلى بعض، في وحدة كنيسة الله "(ش ع 21).
فالكنيسة الشاملة والكنيسة المنزلية مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً إحداهما بالأخرى، وتقوم بين الاثنتين علاقة تنشيط وإخصاب متبادلين.




وللكنيسة رسالة، بالنسبة إلى كلّ البشر
بما في ذلك الأسرة. فالكنيسة تتيح لها أن تكون متحدة مع يسوع المسيح، وتمنحها توجيهاً مسيحياً:




- الكنيسة، بإعلان كلمة الله، تكشف للأسرة ما هي، وما يجب أن تكون، وفقاً لتصميم الربّ.



- والكنيسة، بالاحتفال بالأسرار، تُغني الأسرة وتثبّتُها بنعمة المسيح، كي تصيرَ مقدّسة، من أجل مجد الله.



- وتعيش الأسرة المسيحية اتّحادها بالله في الاحتفال بالأسرار وفي الصلاة المشتركة.
فعليها أن تتّصل باستمرار بجذورها الدينية.
فهذه قد أعطيت لها بالمعمودية والتثبيت
وهي تحدّد وتنعش في الاحتفال بالإفخارستيّا وفي قبول سرّ المصالحة. كما تقع مسؤولية خاصّة على الأسرة، في ما يخصّ التحضير لهذه الأسرار وقبولها، ومواكبة الأولاد والشباب في ممارستهم للأسرار وتعميقها فيهم. وكثيراً ما تأخذ مجموعات أسرية على عاتقها التحضير لسرّ التثبيت
أو يكون لآباء وأمّهات نشاط في التعليم المسيحي. ومن المهمّ أيضاً لحياة الأسرة أن تواكب الأزمنة المختلفة للسنة الليترجية. فالعادات المترسّخة تعمّق الإيمان وتقوّيه.


- وعلى الأسرة المسيحية أن تشهد لإيمانها. والزوجان يدعمُ أحدهما الآخر في الإيمان وينقلانه إلى أبنائهما، لا بالكلمات، في أوّل الأمر، بل بالعيش بمقتضى الإنجيل وتفعيله في حياة الأسرة. إنّ الأسرة التي تعي هذه الرسالة يعطي كلّ أعضائها بعضهم بعضاً شهادة الإنجيل. فالوالدان ينقلان هذه الشهادة إلى الأولاد، ويمكنهما أن يتلقّياها
بدورهما، منهم إنجيلياً حيّاً. وهكذا تغدو الأسرة أيضاً مبشّرة بالنسبة إلى أسر أخرى وغلى البيئة التي تحيا فيها ( إ إ 71).


تتوجّب مهمّة الكرازة هذه أيضاً على الأسر المبنيّة على الزواج الديني المختلط. وعليها تقع مهمّة السعي في اتّجاه الوحدة في الإيمان. ولذا تحتاج الأسرة إلى النصح والرعاية من قبل رعاة يعلّمونها الإيمان ويبشّرونها برسالة الكنيسة الأخلاقية.
إلاّ أنّ الأسر نفسها بإمكانها أن تتعاون وتتبادل النصح، من خلال مجموعات أُسر أو أصدقاء، كما في وسط الرعيّة. وذلك ضروريّ خصوصاً " حيث الكفر المنتشر أو النزعة الدنيوية الطاغية يحولان، عملياً، دون نموّ ديني حقيقي " ( ش ع 52).
وفي هكذا مواقف، غالباً ما تكون الكنيسة المنزلية المكان الوحيد حيث يُلقّن الأولاد والشبّان الإيمان ويختبرون حياة الإيمان.


على الأسرة المسيحية أن تكون مستعدّة لخدمة المحبّة لدى القريب. فدعوتها إلى الشهادة لمحبّة يسوع المسيح تتكفّل بها الأسرة بصورة مُقنعة، عندما تحتفي بالقريب، وتعتني بالمرضى والمسنين، وتمارس أعمال الرحمة.
على الأسرة المسيحية أن تحيا بمقتضى الشريعة الجديدة، شريعة المحبّة، أن تكون مستعدّة لاستقبال جميع الناس واحترامهم ومساعدتهم. عليه أن توقّر كلّ إنسان في كرامته كشخص وكابن لله.


- الأسرة هي حيّز حياتيّ، يمكن أن تكون حيّة فيه، باسم يسوع المسيح، تلك الوحدة التي تجعله حاضراً في وسطنا (رَ:متى 20:18). وبهذا بالذات تصير كنيسة منـزلية مرئيّة وفاعلة.

من حياة الأسرة يمكن للكنيسة ويجب عليها أن تكتسب المقاييس التي تُظهرها هي نفسها



"أسرة الله". عليها أن تتّسم ببُعد بيتي وعائليّ، وتسعى إلى نمط حياة أكثر إنسانية وأخوّة.

إنّ للأسرة المسيحية أهمّية يتعذّر استبدالها، بالنسبة إلى الكنيسة. فهي، ك " كنيسة منزلية " تُسهم بإيمانها وصلاتها وتصرّفها، في وسط الجماعة الكنسيّة والكنيسة الشاملة
وفي الوقت عينه تُشعّ في العالم.


واجبات الإنسان الوطنية



1- واجبات السلطة المدنية



على السلطة المدنية واجب رئيسي وهو أن تسعى للخير العام، فتستعمل كل قواها لإبعاد الشرّ عن المواطنين وتشجيع الخير، وحماية الدين والآداب، وتوزيع الحقوق والواجبات بالعدل والإنصاف وتطبيق القوانين دون محاباة، وتقليد الوظائف الرسمية من هو أهل لها فقط.



2- واجبات المواطنين



على المواطنين أن يحبّوا وطنهم إذ أنّهم مدينون له بالحماية ونموّ المنافع المشتركة المتوارثة عن الجدود، فيعملوا في سبيل حلول الوئام بين أبنائه.



وعليهم أيضاً احترام السلطة. وأن يخلصوا لها وأن يخضعوا للقوانين بوجه عام.

هكذا يوضح لنا القديس بولس سرّ الطاعة كما يبزغ في كل ضمير مستقيم، إذ يكتب إلى الرومانيين: " ليخضع كل امرئ للسلطات التي بأيديها الأمر، فلا سلطة إلا من عند الله، والسلطات القائمة هو الذي أقامها. فمن عارض السلطة قاوم النظام الذي أراده الله. والمقاومون يجلبون الحكم على أنفسهم. فلا خوف من الرؤساء عندما يفعل الخير، بل عندما يفعل الشرّ. أتريد ألاّ تخاف السلطة؟ إفعل الخير تنل ثناءها، فإنّها في خدمة الله في سبيل خيرك. ولكن خفْ إذا فعلت الشرّ، فإنّها لم تتقلّد السيف عبثاً، لأنّها في خدمة الله كما تنتقم لغضبه من فاعل الشرّ. ولذلك لا بدّ من الخضوع، لا خوفاً من الغضب فقط، بل مراعاة للضمير أيضاً " (رومة 13/1-5).

هكذا يعتبر القديس بولس أن " الخضوع للسلطات" هو عمل " صالح" بالتالي من الضروري أن نخضع " بدافع ضميري".


خاتمة

الوصايا العشر تعبّر عن واجبات الإنسان الأساسية تجاه الله وتجاه قريبه. فهي تبيّن في مضمونها الأوّلي واجبات خطيرة. إنّها في جوهرها لا تقبل التغيير، وإلزامها ثابت أبداً وفي كلّ مكان. وليس في استطاعة أحدٍ أن يعفي منها. لقد حفر الله الوصايا العشر في قلب كلّ كائنٍ بشريّ.

وعلى المسيحيين واجب شكر خاصّ لمن تقبّلوا منهم عطيّة الإيمان، ونعمة المعمودية والحياة في الكنيسة. وقد يتعلّق الأمر بالوالدين، أو بآخرين من أعضاء الأسرة، أو بالجدود، أو الرعاة، أو بمعلّمي الدين أو بمعلّمين آخرين وأصدقاء.



" أيّها لأبنـاء، أطيعوا والديكم في الربّ، فذلك عدل. أكرم أباك وأمّـــك". (أفسس 6/1-2).



المراجع



- التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية



- الخلقية نؤمن- منشورات معهد الليترجية في جامعة الروح القدس – لبنان 1993



- مختصر اللاهوت الأدبي الكاثوليكي –منشورات الرابطة الكهنوتية – لبنان 1980



- رسالة الأسرة المسيحية في عالم اليوم – قداسة البابا يوحنّا بولس الثاني – الفاتيكان 1981



- اثبات العقائد الدينية – الأب ميخائيل صافي بيروت 1996


Mary Naeem 05 - 06 - 2014 03:00 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
وصـايا الله العشر: السادسة والتاسعة


لا تزن - لا تشته امرأة قريبك

أنا هو الرب إلهك الذي يهبك الحياة والمصير




يريد الله منا أن نحفظ الأمانة في الحب والزواج


مقـدمة
"الله محبة. وهو يحيا في ذاته سر اتحاد ومحبة.
والله بخلقه إنسانية الرجل والمرأة على صورته
قد وضع فيها الدعوة إلى المحبة والاتحاد وبالتالي الإمكانية والمسؤولية المناسبتين" (ش.ع11).
يؤثر الجنس في جميع وجوه الشخص البشري ضمن وحدة جسده ونفسه. وهذا يتعلق خصوصاً بالانفعالات العاطفية، بإمكانية الحب والإنجاب
وبوجه عام بإمكانية عقد روابط اتحاد بالآخرين وبوعود إلى كل من الرجل والمرأة أن يعترف بهويته الجنسية ويتقبلها. فالخلاف والتكامل موجهان إلى خير الزواج وتفتح الحياة العيلية. وإن الله بخلقه الكائن البشري مح الكرامة الشخصية على حد سواء للرجل والمرأة
وكل من الجنسين هو صورة لقدرة الله وحنانه بكرامة متساوية. وجاء يسوع ليعيد الخلق إلى صفاء أصوله وفي عظته على الجبل يشرح فكر الله:



"سمعتم أنه قيل لا تزنِ. أما أنا فأقول لكم: إن كل من نظر إلى امرأة ليشتهيها، فقد زنى بها في قلبه"
(متى5/27-28). لقد فهم تقاليد الكنيسة أن الوصية السادسة تتناول كل وجوه الجنس البشري.





1- الاستمرارية والتحول في فهم الجنس والزواج


إن الوصيتين السادسة (لا تزن) والتاسعة (لا تشته امرأة قريبك)، توجهان انتباهنا إلى الحدود والأطر التي خارجاً عنها لا يثبت النظام الأخلاقي للجنس وللعلاقة بين الرجل والمرأة والمقصود منها مواقف وطرق سلوك تستند إلى الزواج على أنه مؤسسة ضمن المجتمع
للوصيتين معنى عميق بالنسبة للتوجه الأخلاقي لكلا الجنسين وفي العهد الجديد ثبت النظام الذي وضعه الله. ففي الزواج ينعم الرجل والمرأة بالكرامة عينها أمام الله وفيه هما متحدان بالأمانة ويختبران معاً نعمة الله ومعونته.
ورباط الحب والأمانة المتبادل يقصي كل علاقة جنسية وكل تصرف في ميدان الجنس لا يتطابقان مع الأهداف الشاملة للحياة الجنسية الإنسانية. هذه الرؤية المسيحية تتعرض في مجتمعنا إلى انتقادات شتى، فالزواج لم يعد مرجع الحياة المشتركة بين الرجل والمرأة.
(فهناك العلاقة الجنسية قبل الزواج، وزواج التجربة، والزواج من دون شهادة زوجية.)
إلى حد أننا نصادف مواقف رافضة لتوجيهات الكنيسة الأخلاقية الجنسية والزوجية، ويرفض البعض تعليم الكنيسة الأخلاقي بسبب ما اتسم به في الماضي من تركيز على الوصية السادسة
فروحانية المحبة والرحمة كانت في أغلب الأحيان غائبة. وتقوم مهمة الكنيسة اليوم أن تعلن تعليماً عن العلاقة بين الزوجين تستوحيه من روح الإنجيل، تظهر فيه الأخلاق الجنسية والزوجية أخلاقاً صالحة للإنسان، عليها أن تساعده على اكتشاف القيم المحفورة في معنى الجنس الإنساني؛ والتي يتم التعبير عنها فيه.


2- معنى الجنس الإنساني


1 - المعنى الشخصي للجنس: يحمل الإنسان السمة الجنسية في كل ذاته جسماً ونفساً. ولكي يكون الإنسان ذاته، ينبغي له أن يقبل بالسمة الجنسية التي تطبع كيانه الفردي.
فالجنس حقيقته مكوّنة الإنسان في كليته الرجل والمرأة موجهان إحداهما للآخر، يحب أحدهما الآخر وبجعلهما الحب واحداً، إذ أن الرجل والمرأة يلتقيان كشخصين في الحب؛ إن تكوين هذه العلاقة
ونضجها يعبر عنهما بطريقة جسدية، وينبغي للرجل والمرأة أن يعطياها شكلاً ذا معنى.
والخط يكمن في أن يكتفي الإنسان بذاته فيهُمل ما هو شخصي وما هو علاقة بالآخر.
في الجنس سعادة واكتمال، ولكن فيه أيضاً سلطان الشهوة والأنانية المدمرة والشعور بالذنب والتعسف الذي تعانيه المرأة من قيل الرجل ويعانيه الرجل من قِبل المرأة، والاستغلال الشائك والإساءات الجنسية.
من هنا أهمية أن ينظم الإنسان حياته الجنسية الخاصة على قاعدة المحبة (محبة الله والقريب والذات)؛ وعلى احترام الدائرة الجنسية الحميمة لدى الذات ولدى الآخر.
الكائن نفسه وحده قادر على معرفة الحشمة والشعور بها. ومن أجل تنظيم صحيح للجنس لابد من قدرة على التمييز بين الخير والشر وتيقظ الروح؛ وتنظيم الحياة الجنسية بطريقة شخصية هو ثقة الإنسان بذاته وبوضعه الجسدي.
وما نعرفه عن كرامة الحياة الجنسية وقيمتها، عن عطيتها ومهمتها، عن السعادة التي تمنحها وعن وهنها، إنما ينجم كله عن اختبارنا وتفكيرنا.
في الإيمان بالله، نرى في الحياة الجنسية أن الإنسانية هبة وعطية من حب الله.

2- الحب والأمانة إلى الأبد والزواج الذي لا يُفسح:
ما من أحد يستطيع العيش من دون حب، فالإنسان يبقى أمام ذاته كائناً غامضاً، وحياته لا معنى لها إن لم يتجلّ له الحب. والإنسان يعبر عن الحب بالانجذاب
بالإعجاب والفرح والكرامة وأخيراً بالنَعَم التي نقولها للآخر الذي نحبه من أجل ذاته. ويكتمل الحب الزوجي في الأمانة مدى الحياة. ففيها يتحقق العطف والالتزام والتضامن فإذا تحقق العيش لهذه الأمانة، يساعد الزواج على رؤية تجلي محبة الله. إن يسوع قد بشرّ وطالب بحب يشمل الإنسان كله وتكون قاعدته محبة الله.
ويتضمن مطلب المحبة الأساسي الذي تحد عنه يسوع، الحب الجنسي أيضاً؛ وإن لم يتكلم عن الحب الجنسي بوجه صريح؛ إلا أننا يمكننا افتراضه من خلال تقديره الكبير للزواج، ويربطه يسوع بعمل الخلق الذي قام به الآب.
في عرف الإيمان الكاثوليكي.
الزواج المبني على السر هو عهد يُظهر بطريقة خاصة حب يسوع المسيح لكنيسته. لذا لا يُفهم الزواج ولا يُعاش كسِرّ إلا من خلال هذا السر وحده. إنه طريقة لاتباع المسيح. تؤكد الكنيسة طابع السر الذي لا ينحل ورسالته التي ترينا في الخليقة التي بدأت مع يسوع إن الدعوة إلى الأمانة في الجماعة الزوجية لا تتجزأ
ولا تنقطع تفسح في المجال لإمكانية حياة يشهد فيها الأزواج بأمانة أحدهم للآخر لأمانة المسيح لكنيسته.
الزواج المسيحي سر يتم فيه الاتحاد الزوجي، لا يُفسد لا من قبل الأزواج أنفسهم (لا انحلالية الزواج الداخلية)
ولا أن يُلغى من قبل أي سلطان مهما كان
(لا انحلالية الزواج الخارجية) كل فشل في الزواج هو أليم للمعنيين به ويخلف وراءه جروحا وعواقب اجتماعية وخيمة. هناك أزواج تركهم شريكهم والبعض الآخر أبعدتهم الحياة فلم يعد ممكناً المصالحة. ويتضح للبعض الآخر أن الزواج الذي عقداه لم يكن زواجاً صحيحاً?
ومنهم ابتعد كلياً عن الكنيسة، ومنهم من طلّق وتزوج زواجاً مدنياً. وبحسب النظام السائد في الكنيسة لا يمكن أن يُقبل لتناول الأسرار هؤلاء المطلقون.
والكنيسة على بينة من ألم الكثيرين من الأشخاص وتتألم معهم، وتسعى من خلال الخدمة الراعوية واللاهوت إلى مساعدتهم بطريقة تتوافق مع وصية يسوع حول الأمانة النهائية في الزواج.
إن الزنى قد عُدّ في الكنيسة منذ البداية طعناً خطيراً بنـزاهة الزواج الأخلاقية، وقد أدرجه التقليد المسيحي ضمن الخطايا الجسيمة مع الجحود والقتل،
ويكون للزنى في أغلب الأحيان قصة خلفية: فقدان الحوار? إدارة غير كافية للصراعات?
تهامل في انتباه الواحد للآخر، عدم الاكتفاء الجنسي داخل الزواج? موقف المحيط من الجنس والأمانة الزوجية? تنافر عيلي? ضغوطات اجتماعية ومهنية. إن الزوج الذي يكتشف الآخر قد زنى، يشعر غالياً بإهانة جسيمة وبضربة للأمانة الزوجية? من هذا المنطلق
يكون الزنى خطأ جسيماً ضد الحب والأمانة الزوجية
وضد رباط الزواج وضد سر حب المسيح.
منذ البداية رفضت الكنيسة الحرية الجنسية ومعاشرة المومسات والخيانة الزوجية، على أنها أعمال محظورة أخلاقياً، بل هي ظلم حقيقي
فالأمانة في الزواج تتعارض مع ما يسمى "بالزواج المنفتح" الذي يقر به الزوجان أحدهما للآخر بحق إقامة علاقات جنسية خارج الزواج فحرية كهذه هي علاقة احتقار لكرامة الشخص البشري تؤدي إلى إذلال متبادل وفسخ للزواج. ففي الزواج الأسراري يحصل الأزواج المسيحيون على قوة الثبات في عهدهم وأمانتهم
في عهد محفور في محبة الله لكنيسته وأمانته لها.

3 - المساواة في الحقوق، الشراكة والمؤسسة:
الحب يوحد الشريكين ويضعهما في المرتبة ذاتها ويقرّ لهما بالقيمة ذاتها تكتمل رؤية الزواج كمؤسسة هدفها الإنجاب وتربية الأجيال. إلا أن هذا الاعتراف بأن المرأة تنعم بالمرتبة نفسها والقيمة نفسها وخصوصاً بالحقوق نفسها، لم يفرض ذاته بعد في العالم كله.
لقد أوضح المسيح بتصرفه كرامة المرأة وقيمتها المساوية للرجل وفي تصريحاته عن الزواج ولا سيما في كلامه عن تحريم الطلاق كان أول موقف واضح من كرامة المرأة. ويشدد على أن المرأة ليست ملكاً يخص الرجل وأن الرجل ملزم بالأمانة على غرار المرأة.
وبهذا أثبت مطلباً أخلاقياً يرمي إلى تحقيق مطلب الحب في العلاقات بين الزوجين.
إن مثل حب المسيح للكنيسة وخدمته لها كان من شأنه أن يبدّل موقف الرجل من المرأة، ليصير حباً يعطي ذاته بدلاً من ممارسة سلطة تحمل طابع الزعامة الأبوية، لا شك أن الفكرة السامية عن الزواج الموسعة في رسالة أفسس (5/21?)
مثالاً يتعّذر بلوغه في هذا العالم، إلا أنها تكشف رؤية تدل على أن الحب والأمانة ممكنان في الزواج.
إن المرأة حتى اليوم لا تنعم دوماً بهذا الاعتبار وهذا الاحترام اللذين هما حق لهاز للرجل والمرأة القيمة نفسها إلا أنهما لا يتماهيان. فكل من يظن أن المساواة في القيمة ينتج عنها أنه يجب على المرأة أن تشبه الرجل في كل شيء، يجعل خطأ من الرجل مقياساً للإنسانية.
الإنسانية الحقيقية تقتضي أن يكون الرجل رجلاً كلياً والمرأة امرأة كلياً، وأن يكمل أحدهما الآخر.
الجماعة الزوجية تدرك اليوم كشكل إنساني للزواج، أن الزواج بين شريكين يعيشه الزوجان
كمكان خاص للاهتمام الشخصي والآخر والثقة والأمانة منفتح على كل مسؤول للحياة. ويتطلب الزواج اليوم "الكثير من قدرة الأزواج على الحب ومن نزاهتهم الواحد تجاه الآخر، ومن قدرتهم على النضج خلال المراحل المختلفة من الحياة الإنسانية، ومن استعداهم لحل صراعاتهم"
إن الصعوبات والصراعات داخل الزواج يعود سببها جزئياً إلى ظروف حياتية موضوعية؛ وجزئياً إلى أخطاء ذاتية في التقويم
وكثيراً ما يكون سببها أيضاً تصرفات هي نتيجة الخطيئة، فالطلاق يجر وراءه آلاماً عن الأولاد إذ يبقون "أولاد مطلقين"؛ وجروحات عند الشريكين.



ماذا يقول الاختبار الإنساني والإيمان المسيحي ؟


* إنّ جماعة الحياة الزوجية بين الرجل والمرأة هي الجماعة الأكثر وداً بين البشر، تتضمن العفوية والانفعال والثبات والديمومة.
وفي القبول المتبادل يتبادل الزوجان قبول الحياة معاً والزواج والعيلة والأولاد معاً في السراء والضراء. * الوعد الزوجي الصريح هو فعل التزام يقوم به الشريكان. وهو يحرر من كل تصرف اعتباطي ومن كل المواقف المتقلبة، ولا يني يشير إلى ما يوحدهما.
* الجماعة الحميمة المكونة من الشريكين هي دوماً جماعة مسؤولة أمام المجتمع، لذلك فالوعد العلني هو على نحو ما تثبيت لصدق إرادة الارتباط ارتباطاً دائماً؛ ويتضمن هذا الوعد العلاقات الشخصية العامة
إنه حماية واعتراف، مساندة وشهادة. ودون هذا الوعد العلني الثقة تضحي في خطر دائم.
* النظم الناجمة عن المؤسسة لا تنفي وجود الصراعات والأزمات في العلاقات بين الشريكين، إنها تمثل تحريضاً ودعوة للزوجين كي يبقيا أمينين للرضى وأن يسند الواحد الآخر.
والزوجان بارتباط أحدهما بالآخر، يتخلّيان عن الامتيازات التي يعتقدان أنهما يمتلكانها، فيساعد أحدهما الآخر، ضمن مسؤولية مشتركة أمام الله.
وهكذا يستطيع الزواج المسيحي أن يكون المكان الحي لتوافق الزوجين،
ومهما تكن الصعوبات التي تواجه الزواج، غير أنه يبقى منفتحاً على حياة مشتركة في الإيمان والرجاء والمحبة.



3- أسئلة حول الجنس قبل الزواج وبعده


1 - الانتعاش الشخصي للحياة الجنسية الخاصة إن مهمة تنظيم الحياة الجنسية الخاصة في انتعاش الشخص هي مسيرة تمتد على طول الحياة
وتتضمن هذه المسيرة جهوداً ومصاعب من بينها، نشهد أشكالاً من السلوك الجنسي لا تتطابق مع المعنى الكامل للحياة الجنسية الإنسانية.
وأحد هذه الأشكال الاستنماء (العادة السرية).
تلاحظ الإثارة الجنسية، من وقت لآخر، منذ الطفولة الأولى وليس لها أية علاقة بالموقف الجنسي غير الطبيعي، ومن ثم لا ينبغي أن تكون موضوع تهديد أو عقاب من قبل الوالدين أو المربين.
في المراهقة قد يستسلم البعض للنزوة الجنسية وبعض الأحيان تقود الحشرية إلى اختبار القوة الجنسية الناشئة، والعزلة والفشل والإثارة من محيط مشبع بالجنس والرغبة في الاكتمال كلها فرص للاستمناء.
هذه الحالات تدل على أن صهر الحياة الجنسية في الشخصية لم ينجح كلياً بعد.
فقد يعبر الاستنماء عن نقص في النضج أو علاقة نرجسية مع الذات وقد يؤدي إلى تصرف أخلاقي شاذ.
من الممكن أن يلجأ البالغون إلى الاستمناء من جراء ظروف خارجية كالمرض والعزلة وغياب الشريك وهذا أيضاً تعبير عن انطواء عن الذات.
لمعرفة ما إذا كان الاستمناء يشكل ذنباً وهو إلى أي حد هو ذنب، يجب النظر إلى درجة الوعي والحرية التي يتضمنها كل مرة. المسألة الحاسمة هي أن نعرف إن كان هناك إرادة تسعى إلى تربية الحياة الجنسية أم أننا أمام انطواء مذنب على الذات.

2 - العلاقات الجنسية قبل الزواج
كل طرق اللقاءات بين الجنسين (مدرسة، عمل، لعب، رقص، عطل?)
يحتل عامل الفتنة والتوتر الجنسيين محلاً كبيراً وقد تقود هذه اللقاءات إلى علاقات جنسية وتعلم الكنيسة الكاثوليكية بالانسجام مع التقليد المسيحي، إن الزواج هو الموضع المناسب للتعبير عن الجنس والاندماج الجنسي.
إن الفترة التي تسبق الزواج ينبغي للأشخاص أن يبحثوا عما إذا كان باستطاعتهم أن يتفقوا معاً عن مفاهيمهم ومصالحهم الحياتية، ويجب على كل منهما أن يتمكّنا من استرجاع حريته إذا تبين له أن الشروط من أجل زواج ناجح غير متوفرة كثيراً
ما نسمع بأن على المرء أن يجرب قبل الزواج إذا كان يتفق مع الآخر من الناحية الجنسية هذا المفهوم يجهل أن الزواج نفسه ونجاح الحياة الجنسية في الزواج يشكلان مسيرة فيها الفرح والحزن العسر والإخفاق?
إن امتحان الحياة الجنسية لا يعطي أية ضمانة و لا أي يقين من نجاح الزواج في المستقبل.
فإن العلاقات الجنسية المبكرة من شأنها أن تقود إلى أن يخدع الواحد الآخر في علاقاتهما الحقيقية
بحيث أن خيبتهما تكون أكبر في الزواج.
من المهم أن يفهم اللذان يحب إحداهما الآخر أن الطريق التي تقود إلى الزواج ويعيشاها كمسيرة بالغة الأهمية على الصعيد الإنساني والأخلاقي والديني تفترض أشكالا كثيرة من اللقاءات.
قبل الشركة الجنسية الكاملة هناك طيف واسع من العلاقات الجنسية تتفرع فيها كثافة التعبير وأشكاله متعددة. إلا أن الحدود الضرورية يمكن احترامها إلا ضمن جهد رصين في السيطرة على الذات وفي احترام الشريك.

3 - المساكنة خارج الزواج
تظهر المساكنة بأشكال مختلفة:
العيش معاً لفترة من الزمن العيش مع تفكير في زواج لاحق، المساكنة كبدل عن الزواج، فهؤلاء يرفضون الزواج كمؤسسة، وهناك حوافز مختلفة للمساكنة فالبعض يخافون من الارتباط
والبعض الآخر بسبب الطلاق المتزايد أو من ضعف ثقتهم بالزواج وتأثراً بالرأي القائل بعدم ضرورة وثيقة الزواج للعيش معاً.
من الناحية الموضوعية ينقص هذه المساكنات الحياتية عناصر ثلاثة:
* العزم والقدرة على اتخاذ قرار واضح.
* شهادة المجتمع لقصدهما الارتباط في الأمانة ارتباطاً دائماً.
* حماية الجماعة القانونية التي لابد منها للجماعة الزوجية والمجتمع أضف إلى ذلك أنه قد يشعر شخص ما بالخيبة، إذا فهم أن الآخر لا يقاسمه حياته إلا طالما كان ذلك مفيداً له.
فالمسيحيون الذين يعيشون في المساكنة خارج الزواج ويرفضون الزواج من حيث المبدأ يستخفون بمعناه الديني ويحرمون مساكنتهم من عطية نعمة السر التي تُمنح في الزواج.
ولا تستطيع الكنيسة أن توافق على مثل هذه المساكنات بيد أنها تريد أن تبقى في حوار مع الأشخاص الذين يعيشون المساكنات خارج الزواج وأن تحافظ على الرباط معهم؛ وعلى الكهنة أن يجتهدوا بفطنة ورزانة في الحفاظ على الاتصال معهم وأن يسعوا إلى معرفة أسباب اختيارهم وأن يحثوهم قدر المستطاع على تنظيم وضعهم.
كما ينبغي لتربية الشبان الدينية والأخلاقية أن تنقل إليهم معنى الأمانة هذا، الذي من دونه لا وجود للحرية الحقيقية.

4 - العلاقات اللواطيّة
اللواط ظاهرة متشعبة الأبعاد فهناك اللواط المرتبط بالتطور عندما تحدث أعمال لواطية في سن المراهقة، ويعد لواطاً مرتبطاً بالظروف، يزول متى صارت التصالات مع شركاء من الجنس الآخر ممكنة. وهناك تصرف لواطي هو الحياة الجنسية المزدوجة مع شركاء من الجنس نفسه
وهناك أخيراً اللواط الحصري الحقيقي المبني على ميل عميق يحمل الشخص اللواطي وبصورة دائمة إلى أشخاص من ذات الجنس؛ يصل هذا اللواط الكامل إلى العيش المشترك في المساكنة التي تدوم بعض الوقت.
ومهما يكن، فمن الناحية الأخلاقية، ليست مسؤولية الشخص اللواطي عن أفعاله اللواطية أقل من مسؤولية الشخص الذي يميل إلى الجنس الآخر.
وبالمقارنة مع الميل إلى الجنس الآخر. يتضمن اللواط بعض الحدود. فالأفعال اللواطية تقصي من حيث المبدأ الانسجام الحقيقي لثنائية الجنسية وإنجاب أي نسل؛ من هنا يشعر اللواطي بميله كأنه شخص مختلف.
من المهم لهؤلاء الأشخاص، على الصعيد الأخلاقي، أن يجتهدوا أن لا يقعوا فريسة حياتهم الجنسية، وأن يوجهوها نحو قيم وأهداف إنسانية
وأن يحترموا كرامتهم كأشخاص وأن يتجنبوا أن يكون مسلكهم سبب عثرة أو إغراء للآخرين. والجميع مدعوون، في المجتمع، إلى التحلي بروح التفهم حيال الأشخاص الذين عندهم استعدادات لواطية.

5 - إباحية الجنس وتصويره


إن تسليم الجسد إلى البغاء وتصوير تصرفات غير محتشمة في الإباحية هي من أقدم أشكال الانحراف الجنسي, البغاء هو إقامة خدمة جنسية لقاء أجر.
يُوهب الجسد من دون أي تعبير عن الحب ومن دون السعي إلى علاقة إنسانية أكثر عمقاً. قد ينجم البغاء عن الفقر أو عن تبعية مشينة أو عن عدم الشعور بالأمان والطمأنينة؛ والبغاء يسيء إلى كرامة الشخص بذاته ويذل الوقت عينه شريكه الجنسي، في البغاء تتحد الأجساد منفصلة عما ينبغي أن تعبر عنه أي الحب والأمانة فلذلك البغاء هو عمل لا أخلاقي ومناقض للاحترام المسيحي للجسد.
الإباحية تعني وصف الوقائع الفاحشة أو تصويرها وهذا منافي للقيم الإنسانية المقبولة عامة.
وتضحي المرأة فيها موضوع إغراء للرجل، حيث لا يُعار الاعتبار إلا للشباب والصحة والجمال الخارجي والقوة الجنسية.
وغالباً ما تعرض صور ومشاهد تنتهك حرمة الدائرة الحميمة من حياة الإنسان إن خطر الإباحية يكمن في نقل مفهوم للكائن الإنساني يحتقر كرامة الإنسان ومسؤوليته. وهذه تهدد الشباب بوجه خاص.

خاتمة
لا تتطلب أخلاقية الحياة الجنسية مراعاة عدد من القواعد الأخلاقية وحسب
بل تفترض اعتباراً للذات وللآخر يحترم كيان الإنسان. المقصود في كل هذا هو أن يعي الإنسان مسؤوليته ويكون على استعداد لمراقبة ذاته والثبات والأمانة.
يعلم المسيحي أنه بحاجة إلى المجتمع والكنيسة ليزوّداه بمرجع للقيم والتوجيهات التي يمكنها أن تساعده على تكوين حكم شخصي. وفق ذلك كله، يعرف الصلاة وقدرة نعمة الله ليعطي حياته، بوجه مسؤول شكلاً في مجال الجنس.

المرجع:
ملاحظة: هذه الحديث هو النص المضغوط للفصل السادس من كتاب المسيحية في أخلاقياتها"
للذهاب إلى أبعد: العودة إلى الكتاب وإلى كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 03:01 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
بقلم: الأب د. أنطون فرنسيس


"لا تزن... لا تشته زوجة أحد"

(تث 18:5و21)




الارتباط بالوصية الأولي: تأمر الوصية السادسة: "لا تزن" (تث 18:5).
وتأمر الوصية التاسعة: "لا تشته امرأة قريبك" (تث21:5).
ننطلق كالمعتاد من الوصية الأولى الأساسية:
"أنا هو الرب إلهك".
الله محبة. وفي محبته، خلق الإنسان على صورته ومثاله، فأعطاه العقل والقلب والإرادة، للفهم والحب والحية. وفي هذا تقوم صورة الله أساسياً.
والهدف من الوصية السادسة والتاسعة، هو عدم تشويه صورة الله داخل الإنسان، بما يمس نقاء الحب والحرية.
وكما صنع المسيح باقي الوصايا، رفعنا هنا أيضاً إلى روح وكمال الشريعة
فأوصى: "سمعتم أنه قيل لأبائكم: لا تزن. أما أنا فأقول لكم: من نظر إلى امرأة فاشتهاها، زنى بها في قلبه" (مت27:5-28)...
ليست كل نظرة خطيئة، وإنما كل نظرة قائمة على الشهوة خطيئة.
لا يقف المسيح عند الفعل الخارجي وحده. إنه يقودنا إلى باطن القلب حيث بداية ومنطلق الخير والشر
فيطلب تطهير القلب. ومتى كان الينبوع صافياً كانت المياه صافية والأعمال طاهرة نقية. فالباطن هو الذي يقود ويدفع إلى العمل الخارجي، الذي يأتي من نوعه. فمتى كان الباطن نقياً، سوف أحكم على ما أراه أنه من الله ويمجد الله.
أما الشهوة واللذة الشريرة
فتشوهان الكرامة والحب والحرية داخل الإنسان، فيفقد الثقة في العلاقة مع الآخر.
بالوصايا لا يريد الله أن يقيّد حرية الإنسان، بل أن يحقق له التمتع الحقيقي بالحرية والحب، اللذان أوجدهما الله دخل الإنسان.
ولكن عندما تتشوه المبادئ الإنسانية السامية داخل الشخص، يفقد العلاقة الصحيحة مع الله والقريب.
الطاقة الجنسية وارتباطها بالحب


الطاقة الجنسية نعمة من الله:



يعلن كتاب التكوين: "خلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلق البشر، ذكراً وأنثى خلقهم. وباركهم الله، فقال لهم: انموا واكثروا واملأوا الأرض" (تك27:1-28). كانت عطية الحياة عطية من حب الله للبشر.
ودعا الله الإنسان أن يشاركه في هبة الحياة عن طريق النمو والتكاثر. نقل الحياة البشرية هو إذن عطية حب، وأعظم نعمة من الله.


الطاقة الجنسية طاقة حب:



وفي رواية أخرى عن الخلق، يقول كتاب التكوين:
"وقال الرب الإله: لا يحسن أن يكون آدم وحده، فأصنع له مثيلاً يعينه" (تك18:2).
اهتمام الله بالإنسان وبسعادته، دليل حب خاص له... ويكمل الكتاب: "فأوقع الرب الإله آدم في نوم عميق، وفيما هو نائم، أخذ إحدى أضلاعه وسد مكانها بلحم.
وبنى الرب الإله امرأة من الضلع التي أخذها من آدم، فجاء بها إلى آدم.
فقال آدم: هذه الآن عظم من عظامي، ولحم من لحمي، هذه تسمى امرأة، فهي من امرئ أُخذت.
لذلك يترك الرجل أباه وأمه، ويتحد بامرأته، فيصيران جسداً واحداً" (تك21:2-24). كما أشرك الله الإنسان في الحب على صورته ، أشركه أيضاً في عطية الحب. الحب الذي أوجده الله داخل الإنسان،
يجب أن ينطلق إلى الآخر.
من فيض حب الله للإنسان، أوجد لآدم معينة نظيرة، ليتبادلا الحب بطريقة تمجد الله، وتشاركه في نقل الحياة. الطاقة الجنسية هي إذن طاقة حب وعطاء كامل للآخر.
وهذا ما يعبر عنه الكتاب، عندما يقول آدم عن حواء: "هذه لحم من لحمي، وعظم من عظمي" (تك 21:2-24).


الشهوة والزنى:



عندما يستخدم الإنسان الطاقة الجنسية استخدماً خاطئاً يشوه ويبدد النعمة العظيمة، التي منحها الله له.
وهذا ما يحدث في الشهوات الشريرة، وكل أنواع الملذات الجسدية الفاسدة. الزنى وأشكاله هو استخدام الآخر، لتحقيق متعة جسدية شخصية خاطئة فاسدة وشريرة. وهذا العمل شرير من 3 نواحي، فهو:
1- ضد ترتيب الله الخالق، ويدنس ويشوه عطية الحياة الإلهية.


2- ضد الإنسان الآخر، وضد كرامته الأساسية، لأنه ضد الحب الصحيح الكريم.
3- ضد الشخص ذاته، لأنه يهدم صورة الله داخله، ويدنس الجسد الذي صار عضواً للمسيح وهيكله للروح القدس.
وهذا ما يعلنه بولس الرسول بقوة ووضوح: "جسد الإنسان ما هو للزنى، بل هو للرب، والرب للجسد... أما تعرفون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح؟ فهل أخذ أعضاء المسيح وأجعل منها أعضاء امرأة زانية؟...
اهربوا من الزنى. فكل خطيئة يرتكبها الإنسان هي خارجة عن جسده، ولكن الزاني يزني إلى جسده. ألا تعرفون أن أجسادكم هي هيكل الروح القدس ، الذي فيكم هبة من الله ؟ " (1كور 12:6-20).
لذلك ينذر بولس بشدة:
"لا تخدعوا أنفسكم، فلا الزناة... ولا الفاسقون ولا الفجار، ولا المبتلون بالشذوذ الجنسي، ولا السكيرون... يرثون ملكوت الله" (1كور 9:6-10).
الحب عطاء وبذل للتكامل: الحب هو القيمة الروحية السامية، التي تمنع الإنسان عن العلاقات الخاطئة وغير السليمة مع المحبوب . الحب ينقي الطاقة الجنسية باطنياً، وينطلق إلى الشخص الآخر ليلتقي به ككل في شموليته
لا ليتمتع بجسده فقط، وهكذا لا يحكمه الميل الغريزي، بل تدفعه طاقة العطاء، التي تعطي العلاقة الجسدية قيمتها العظمى، ومعناها الحقيقي
وتحقق هدفها الصحيح.
هكذا يكون التقاء الطرفين مشاركة كاملة في الشمولية الشخصية، من جميع النواحي.
من أجل اكتمال متبادل. اجتماعياً، لا يتصرف أي طرف بما يجرح أو يشوه صورة الطرف الآخر.
والحب يساعدني أن أنطلق تجاه الآخر قانونياً، أي رسمياً أمام الآخرين. وروحياً، انظر إلى الطرف الآخر في شموليته، وليس لمظهره أو للإعتبارات المادية والمالية، أتجه إليه بصفته شخصاً مثلي
لا من أجل الجنس وحده.
العفة: الحب يجعلني أدخر طاقتي، لكي أعيش العطاء في دعوتي الخاصة. وهذا يختلف كل الاختلاف عن الكبت، الذي يولّد بالضرورة الانفجار.
أما الحب فيعطيني الأساس والدافع، لأعيش عفيفاً، حسب مقتضيات دعوتي الخاصة، بما فيها الزواج. ومن هنا أكون سعيداً في العطاء، الذي أمجد به الله، ينبوع كل عطاء.
والعفة لا تعني الهروب من واقع الجنس. بل النضج النفسي والروحي. من الطبيعي أن أدرك الجنس
أتكلم عنه متى لزم، أعرف وأبيّن قيمته ، وأواجه مشاكله، بتعقل واتزان وكرامة وحشمة. لا نخاف من التجارب الجنسية. فمجرد ظهورها أو ورودها بالفكر، ليس خطيئة. الخطيئة في التوقف عندها وقبولها. علينا مقاومتها بالوسائل الروحية، وبالاعتماد على رحمة ونعمة الله.
وهنا نرجع إلى الفضائل الثلاثة، التي يقوم عليها تحقيق كل ذلك. بالإيمان، أذكر الله الخالق، ولاأنسى أبداً أن الإنسان على صورته . وبالرجاء ، أعيش الثقة في نعمة الله ، أثناء التجارب التي تواجهني .
وبالمحبة ، أتجاوب مع دعوة الحب التي يوجهها الله لي، لكي أمجده في جسدي وفي اخوتي.

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 03:02 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الطهارة – مناظرة للقديس يوحنا كاسيان


المناظرة الثانية عشر

http://www.peregabriel.com/gm/albums...02/18rpov9.jpg

الطهارة [1] للأب شيريمون


4- الطهارة هبة من الله
يجدر بنا أن نتأكد أن أقسى درجات الاحتمال من وطأة الجوع والعطش والسهر والعمل المتواصل والمثابرة في القراءة… كل هذه التداريب وحدها لا تثبتنا في طهارة دائمة ما لم نقتنع عمليًا وسط تدربنا هذا أن نعمة الله وحدها تستطيع أن تهبنا هذه الطهارة غير الفاسدة.

لنتيقن أنه يلزم على كل أحد أن يثابر بصبرٍ بلا ملل، حتى ينال بإذلال الجسد رحمة الرب، ويستحق أن تنقذه نعمة الله من هجمات الجسد وعبودية الشهوات العنيفة، وألا يظن أنه بهذه الأعمال وحدها يقدر أن يقتني الطهارة الدائمة التي يبتغيها.
لنفرح بالرب أثناء التداريب اليومية
إن أردنا طرد الشهوات من قلوبنا، فلنفسح المجال لكي تدخل الأفراح الروحية بلا حدود.
وإذ ترتبط روحنا بهذا الفرح على الدوام، ترى من الآن (في هذه الحياة) أين تثبت، طاردة عنها جاذبية أفراح العالم والسعادة الزائلة.
وإذ تقودها التداريب اليومية إلى هذه الحالة، تختبر الروح مشاعر الفرح التي لا يُعبر عنها وهي هنا، وترتل أمام الحق بالتسبيح العادي[2] الذي لا يقدر أن يختبره إلا القليلون الذين تذوقوه، مخترقين أعماق معنى هذا القول: “جعلتُ الربَّ أمامي في كل حين، لأنهُ عن يميني فلا أتزعزع” (مز8:16).

7- درجات الطهارة

للطهارة درجات كثيرة، بها نرتفع لنبلغ الطهارة الدائمة.
وبالرغم من عجزي عن معرفة جميع درجاتها والحديث عنها كما ينبغي، غير أن تسلسل المناظرة يحصرني، فأخبركم قدر خبرتي الضعيفة، تاركًا للكاملين أن يتحدثوا عنها بصورة أكمل.
وما أنطق به الآن لا تأخذونه قضية مسلم بها، فإن الذين يتمتعون بهذه الفضيلة في درجة أعلى، هؤلاء يُكشف لهم نور أسطع فيختبروا ويخبروا الآخرين عنها.
وأنني سأميز بين الدرجات الست التي لهذه الطهارة العظيمة، ولو أنه يوجد بُعد شاسع بين كل درجة وأخرى، وكان يمكن أن يوضع بينهم درجات وسطى… وإذ هذه الدرجات أمر غير محسوس وغاية في الدقة، لهذا بالكاد يقدر الذهن أن يدركها أو الكلام يُعبر عنها.
هذه الدرجات الست التي أتوقف عندها تقود الإنسان يومًا فيوما إلى الطهارة الكاملة. لأنه كما أن الجسد ينمو يومًا فيوما لاشعوريًا ويسير نحو الكمال (أي النضوج الجسدي) الذي نبتغيه، هكذا تثبت الروح في قوة الطهارة وكمالها رويدًا رويدًا.

درجات الطهارة الست
1- الأولى: عدم سقوط الإنسان تحت ثقل هجمات الجسد.
2- الثانية: أن يوقف فكره عن الأفكار الدنسة.
3- الثالثة: ألا تؤثر فيه رؤيته للمرأة أدنى تأثير.
4- الرابعة: ألا يشعر خلال يومه بأي حركة من حركات الجسد.
5- الخامسة: ألا يتأثر فكره بأي لذة متى ألزمته الضرورة أن يتحدث عن الزواج أو التناسل البشري، إنما في طهارة قلبه الهادئ يرى في ذلك مجرد مسئولية ملقاة على كاهل الجنس البشري، ولا يتطلع إلى هذا الأمر على أنه أمر تافه.
6- السادسة: ألا يتعرض في أثناء نومه للمناظر النسائية الجذابة، لأنه وإن كان في هذا عدم خطية، لكن لها علاقة بالشهوة الكامنة في عمق القلب.

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 03:03 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
لا تزن
القديس غريغوريوس بالاماس




لا تمارس الزنا (خروج 14:20) ولا الفسق حتى لا تصير عضواً للفاجرة بدلاً من عضو للمسيح فتُقطَع من الجسم الإلهي وتسقط من الميراث المقدّس وتُرمى في جهنّم.

لأنّه، إذا كان بحسب شريعة موسى، ابنة الكاهن التي تُضبَط في الفسوق يجب إحراقها لأنّها عرّضَت أباها للعار، ألا ينبغي بالذي ألصق هذه النجاسة بجسد المسيح أن يُحرَق في النار الأبدية؟
ليس فقط يُحرَّم عليك أن تزني بل عليك أن تمارس البتولية، إذا أمكنك، وتكون خاصاً بالله بالكليّة وملتصقاً به بمحبة كاملة مقيماً بقربه طوال حياتك. جاهد دائماً وبدون ارتباك لأن تحيا حياة ترضي الله، متمتعاً منذ الآن بالحياة المقبِلة وعائشاً مثل ملاك على الأرض.



البتولية هي ميزة الملائكة، وكلّ مَن يمارسها يصبح مثلهم، بقدر الإمكان، مع أنّه ذو جسد. إلى هذا، إنّه يصبح أكثر منهم، فهو يصير مشابهاً للآب الذي قبل الدهور وَلَد الابن بطريقة بتولية، كما أنّه يصير مشابهاً للابن البتولي الذي ولد قبل الدهور من الآب البتول وتجسّد في آخر الأزمنة من أم عذراء،
وأيضاً هو يصير مشابهاً للروح القدس الذي خرج بطريقة لا تُوصَف من الآب وحده، ليس بالولادة بل بالانبثاق. إنّ مَن يختار البتولية الحقيقية،

أي المتبتّل بالنفس والجسد، الذي يجمّل كل حواسه وفكره وعقله برونق البتولية، يتشبّه بالله ويتّحد به مقيماً معه زواجاً لا يفسد.
إذا كنتَ لا تفضّل أن تحيا حياة بتولية، ولا أنتَ وعدتَ الرب بذلك، بإمكانك بحسب ناموس الرب أن تتخذ امرأة بالزواج. هي وحدها تساكن، وهي وحدها تتّخذ، هذا وهدفُك هو القداسة. بكل قوتك ابقَ بعيداً عن النساء.

تكون قادراً على حفظ نفسك منهن إذا تلافيت المحادثات غير الضرورية معهن، إذا أدَرتَ عيني جسدك وعيني نفسك عنهن، بقدر الإمكان، وإذا لم تكن تجد لذة في سماع الكلمات الشهوانية ولم تّصِر معتاداً على التفرّس بالوجوه الجميلة. كلّ مَن ينظر إلى امرأة بشهوة كريهة يكون قد زنا بها ولهذا هو غير طاهر أمام المسيح الذي ينظر إلى القلوب.
إلى هذا، من هذا النظر الشرير يمكن للإنسان التعيس أن ينتهي مرتَكباً خطيئة الدعارة بالجسد أيضاً. لكن لماذا أتحدّث فقط عن الفسق والزنا وكل النجاسة المرتبطة بالوظائف الطبيعية؟

فالإنسان يميل بشكل مخالف للقوانين إلى الأعمال البذيئة غير الطبيعية عندما يتفرّس بشكل فضولي في جمال الأجساد.
إذاً، إذا قطعتَ الجذور المرّة من نفسك، فلن تجمع الثمار المميتة، بل سوف تجني الطهارة والقداسة التي تأتي معها، والتي بدونها لن ترى السيد.

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 03:05 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
ضد الزنى – القديس ديمتريوس

http://www.peregabriel.com/gm/albums..._ABOMA7E11.JPG


في ذكرى قطع رأس يوحنا المعمدان
للقديس ديمتريوس أسقف روستوف

فكان يوحنا يقول لهيرودس: “إنه لا يحلّ لك أن تكون لك امرأة أخيك” (مرقس 18:6).


إن خطيئة الزنى ثقيلة جداً لأنها تدنّس النفس والجسد وتحرم الإنسان ملكوت السماوات حسب قول الكتاب المقدس: “ليس للزاني أو النجس ميراث في ملكوت المسيح والله” (أفسس 5:5).


وقد يكون هذا الإثم أثقل وأفظع إذا تدنّس به المتمتعون بالحياة الزوجية الشرعية. فالقديس الرسول بولس يقول: “أنه ليس للرجل أو للمرأة سلطة على الجسد” (1كورنثوس 4:7).



وعليه فخطيئة الزنى لا تدنّس الجسد فقط بل تجدّف على واضع الشريعة الذي هو الله. من البدء، خلق الله الإنسان ذكراً وأنثى وقال: “لذلك يترك الإنسان أباه وأمه ويلزَم امرأته ويصيران كلاهما جسداً واحداً وما جمعه الله لا يفرقه إنسان” (متى 5:19).


فالزاني يفرّق ما جمعه الله ويستهين بقداسة السر الذي يمثّل اتحاد المسيح بالكنيسة. يشمل الزنى أربعة أشخاص: إثنان يدنّسان نفسيهما وإثنان يحتملان الإهانة.

أي الرجل الشرعي للمرأة الزانية والمرأة الشرعية للرجل الزاني. لذلك يقطع القديس باسيليوس الكبير الضالَّ عن مناولة الأسرار المقدسة لمدة سبع سنوات والزاني لمدة خمس عشر سنة.




الزنى يشبه الاختلاس. فالزاني، بموجب كلام أيوب الصديق: “يكون في الليل لصاً لأن عينه ترقب الظلام إذ يقول لا تبصرني عين فيجعل برقعاً على وجهه” (أيوب 14:24). فإثم الزاني أفظع من إثم اللص.

اللص يسرق أشياء جامدة أمّا الزاني فيغتصب زوجة قريبه، يسلب الطهارة الزوجية التي هي أثمن من ألوف الذهب والفضة. قد يبرّر اللص نفسه قائلاً:


“إنه يسرق ليأكل وهو جائع، أما الزاني بامرأة قريبه فلا عذر له بل يعجز عن تبرير نفسه لأنه فاقد اللب، إنما يصنع هذا مهلكُ نفسه” (أمثال 30:6 و31). وفي الحقيقة، إن الزاني فاقد اللب لأنه قادر أن يعيش من دون إثم مع زوجته الشرعية. لكنه يرغب في التسلّط على امرأة غريبة بالخطيئة المهلكة نفسه. بموجب كلام المسيح:


السارق لا يأتي إلاّ ليسرق ويذبح ويهلك” (يوحنا 10:10). أمّا الزاني الذي يسرق زواج الغير فهو مستعد للقتل إذا فوجئ بعمله الأثيم لأنه يهلك نفسه ونفس مَن يشاركه في فعل الإثم، فالإثنان يسيران إلى الهلاك الأبدي.


والقديس يوحنا الذهبي الفم يقول: “إن الزنى أردأ من السرقة لأن المرء لا يحزن لفقده المقتنيات كحزنه لفقده شرفه الزوجي”.





وكما يقول القديس يعقوب الرسول: “إن الزنى عداوة للرب نفسه: أيها الفجّار أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله” (يعقوب 4:4).


ما محبة العالم هذه؟ إن محبة الجسد هي عداوة لله. فهي ضد شريعة الله وتتجاوز الحدود الموضوعة من الله وتجعل الخالق كأنه لا شيء لأنه تعالى قد حدّد الحياة الزوجية للبشر.



أترون ثقل خطيئة الزنى؟ الزاني لا يستحق الرحمة. فكما أن الربّان الذي يتعمّد إغراق سفينته لا يستحق الرحمة، كذلك الإنسان المرتبط بالزواج هو يدنّس مضجع غيره. إن كل مَن ينظر إلى امرأة غريبة ويشتهيها يكون مسؤولاً أمام الله والناس.


لذلك لم يرحم الله الفجّار في العهد القديم ولم يغفر لهم، فقد قيل في شريعة موسى: “وأي رجل زنى بامرأة قريبه فليُقتَل الزاني والزانية” (أحبار 20:10).

وإن كنّا نرى أن اللعنة الكنسيّة قد عُيِّنَت للزاني في العهد الجدد، فهذا لأن الله طويل الأناة ورحمته لا تُوصَف ولا تُقهَر من خطايا البشر المتنوّعة. خطيئة الزنى تسبّب رزايا كثيرة.


يظن الزاني أن الجميع مطّلعون على إثمه ويهمّون به ويدينونه. وإن لم يوجد مَن يوبّخ الزاني فهو يوبّخ نفسه بنفسه.


فإن رقد في سريره أو جلس على المائدة أو كان في السوق ليلاً ونهاراً، في اليقظة في النوم، فحياته تكون “كحياة قايين الذي كان تائهاً شارداً في الأرض” (تكوين 12:4).




لقد ارتكب داود الإثم سراً ووبخه النبي ناثان على انفراد. لكن داود خجل من جميع سكان أورشليم وقال: “خزيي أمامي النهار كله وخجل وجهي قد شملني” (مزمور 16:43). كم يكون مقدار خزي الإنسان إذا وبّخه أحد لأجل الزنى!


الأفضل لمثل هذا ألاّ يولد في العالم من أن يحتمل هذا العار! وكم يكون فظيعاً غضب الرجل غضب غيرة “فلا يشفق على الزاني يوم الانتقام” (أمثال 32:6) وقد يكون الزاني أتعس من اللص المقبوض عليه لأنه قيل: وهو إن أخذ أدّى سبعة أضعاف كل ما يقتنيه.

أمّا الزاني فلا يقدر أن يسكّن غضب الزوج المُهان لأنه قيل لا يقنع وإن أُكثِرَت الرشوة” (أمثال 31:6 و35). أيقدر أن يؤدّي الزاني شيئاً للرجل بدل إغواء زوجته؟ ماذا يحلَ بالزوجة الشرعية عندما تعلم أن زوجها خانها؟ إنها تبكي وتكاد تتمزق من الغيرة. وكثيراً ما تقترف إثم الزنى هي نفسها أو تقتل زوجها.



لذلك قيل: “أيأخذ إنسان ناراً في حجره ولا تحترق ثيابه؟ أم يمشي على الجمر ولا تكتوي قدماه؟ هكذا الداخل على امرأة قريبه كل مَن مسّها لا يكون زكياً” (أمثال 27:6-29).


وفي القديم كانوا يرجمون الزناة بالحجارة أو يحرقونهم أو يجبرونهم على شنق أنفسهم وإذا تركوهم أحياء كانوا يقطعون أنوفهم وآذانهم ويجلدونهم ألف جلدة ويبيعونهم عبيداً.


وقد يوجد بيننا نحن المسيحيين كثير من هؤلاء الخطأة لا يُعاقَبون بالموت لكن الديّان العادل سيعاقبهم في الحياة الآتية. ألا يعاقب السيد مثل هؤلاء في الحياة الحاضرة مرسلاً لهم مصائب مختلفة؟

أمّا الخطأة فلا يريدون أن يعترفوا بإثمهم! فكل مَن لا يقدر أن يحارب شهوة الجسد فليتزوّج كما قال الرسول بولس: “ولكن بسبب الزنى فلتكن لكل واحد امرأته وليكن لكل واحدة رجلها” (1كورنثوس 2:7). آمين


Mary Naeem 05 - 06 - 2014 03:06 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الجسد أداة هوان أو كرامة



المتروبوليت بولس يازجي مطران حلب والإسكندرون وتوابعهما
"ليس الجسد للزنى بل الجسد للربّ والربّ للجسد"
تمسّ رسالة اليوم مباشرة موضوع الابن الضال، الذي بدّد حصّته من الغنى الأبويّ مع الزواني. وبكلمات قليلة يلخّص بولسُ الرسول كلَّ مفهومنا المسيحيّ للجسد ولحاجاته ولدوره في حياتنا الإنسانيّة.
يُلاحَظ من البداية أن أسلوب بولس المقارن في الرسالة يُعطي وضوحاً خاصاً لبعض الكلمات؛ فهو يستخدم كلمتَين: الجوف (البطن) والجسد؛ وكأنّه يتكلّم عن شيئَين مختلفَين! إذن يتكلّم بولسُ عن وظيفتَين للجسد، أو استخدامَين له: فيصف الاستخدام الأوّل بعمل الجوف، أي ما يخصّ الأطعمة والملذّات...، وهذه كلّها سوف يبيدها الله. أمّا الاستخدام الثاني فهو "الجسد" (وفيه بطن ويحتاج لأطعمة ويتناولها)، ويعني، في لغة بولس هنا، جسدنا في وظيفة ثانية، يصفها بأفضل الكلمات.
فهذا الجسد هو هيكل الله وهو للربّ والربّ له وسيمجّده. إذن يجري الكلام هنا فعلاً عن الجسد ذاته (جوف- جسد) ولكن في استخدامَين مختلفَين. لذلك يستخدم بولس العبارات نفسها باستبدال الكلمات فيقول: "إنّ الأطعمة للجوف والجوف للأطعمة، وسيبيد الله هذا وتلك"
ثم: "أمّا الجسد فللربّ والربّ للجسد،... وسيقيمنا نحن أيضاً بقوّته". إذن يمكن للجسد أن يُستخدم لوضعيّة سوف يبيدها الله وأن يُستخدم لوضعيّة ستتمجّد، فكما يمكنه أن يكون أداة هوان يمكنه كذلك أن يصير أداة مجد وكرامة. فما هي تلك الوضعيّة وهذه؟
لا شكّ أن استخدام كلمة "جوف" تريد أن تشير إلى طريقة حياة لا يهمّها إلاّ إشباع الجوف من الأطعمة وإتمام الرغبات والنـزوات. فالأطعمة والرغبات الجنسيّة هي حاجات طبيعيّة فعلاً، لكن هذه الحاجات ليست الغايات!
وهذه كلّها عندما تستخدم لإشباع الحاجة تكون طاهرة، ولكنّها لما تصير من أجل إشباع الرغبة تدخل في خدمة "الجوف"، أي الحياة الدنيويّة، التي سيبيدها الله. لذلك يعترف بولس هنا بضرورة الأطعمة لكنّه يُسقطها من حيّز الغايات إلى حيّز الحاجات العابرة التي لن تستمرّ مع الجسد الذي سيمجدّه الله، إنما ستنقضي مع الجسد الذي سيعود إلى التراب.
كان البعض- أيّام بولس- يظنّون أنّ إشباع "الجوف"، أي الامتلاء من الأطعمة وإشباع كلّ رغبة جنسيّة في الجسد هو أمر طبيعيّ، عاديّ، ولا حُكم عليه، فهو في ناموس الحياة وتتطلّبه حياة الجسد (الجوف). فالزنى هو فعل طبيعيّ بالنسبة لهم وحركة بيولوجيّة لا شرّ فيها ولا خير. لكن بولس يردّ هنا عليهم دون أن يحتقر هذا الجسد.
فالجسد ليس أدنى من النفس ويجب التخلّص منه. لأنّ بولس يصوّر الحياة الإنسانيّة ضمن إطار روحانـيّ غير واقعيّ.
إنّ حاجات "الجسد، هي حقيقة في الكيان البشريّ. والإنسان ليس كائناً سجيناً في جسده، بل حياته في جسده ومنه، وبجسده هذا يعبّر عن معنى حياته، فيمكنه هكذا أن يعتبر هدف حياته الأطعمة والرغبات، ويحدُّ غاياته الإنسانيّة في حاجاته هذه.
ولا تعود لدى هذا الإنسان من مسؤوليّة ولا من هدف إلاّ إشباع هذا الجسد! والإشباع هنا لا يعني سدّ الحاجة، وإنّما الامتلاءَ من الأطعمة إلى حدّ النّهم بدل الشبع، وإشباع الرغبات الجنسيّة ليس لحدّ العلاقة الإنسانيّة وإنّما إلى حدود العنف. إنّ هذا الجسد (طريقة حياة) لا يرث ملكوتَ الله (1كور15، 50).
إنّ حاجات الجسد الحقيقة الوجوديّة، حين تحقَّق بأسلوب آخر غير الإشباع الأنانـيّ، أي حين نمارسها في حدّ الحاجة فعلاً وليس في إطار التهافت، حين تبقى حاجة ولا تغدو غاية، عندها تكون طاهرةً وعفيفة.
وآنذاك يصير الجسدُ للربّ والربُّ للجسد، ويحيا الإنسانُ في جسده هذا مانحاً إيّاه حاجاته، ولكن بدل أن يكون هذا الجسد معبداً لكلّ آلهة النـزوات، من شراهة وزنى والعنف بكلّ أنواعه، يصير هيكلاً للروح القدس.
القانون الروحيّ، لدى بولس لجعل الجسد أداةَ كرامةٍ هو: "كلّ شيء مباح لي ولكن ليس كلّ شيء يوافق"، وهذا ما يعنيه تماماً "الصوم"! فنحن نستخدم كلّ شيء ليس بشكله المباح لكن بإطاره الموافق. أَمُباح لي أن آكل ليس لحدّ الشبع ولكن لحدّ الانتفاخ؟ نعم مباح، لكنّه غير موافق.
لأنّ هذا الجسد حين يجعل حاجاته ثقلاً عليه لا يمكنه أن يصير هيكلاً للروح، بل سيكون آنذاك في العنف. هكذا، يمكن للجسد حين نخدمه في عفّة، والعفّة هي طرح الزائد وغير الضروريّ، أن يصير أداةَ جهادٍ لاقتناء الروح، فيغدو هيكلاً له.
لهذا يقول بولس الرسول "أتمِّمُ في جسدي ما نقص من آلام المسيح في جسده
ويقول "الآن يتعظّم المسيح في جسدي"، حين صارت قيوده وآلامه مدعى للشهادة والبشارة من أجل المسيح.
لا يعبّر الإنسان عن حبّه لله "روحيّاً" فقط بالمعاني، إنّما جسديّاً، أي بالسجدات والأصوام. الإنسان المترفّه جسديّاً لن يعرف الله روحيّاً. الجسد هو أداة العبادة، فالجسد غير العابد بالعفّة لا يمنحنا روحاً ولا حياة، بل يُدرجنا بحياة "الجوف" التي تتمحور حول الأطعمة والرغبات، وهذه وتلك سيبدّدها الله. لولا أنّ الجسد يجوع فكيف يمكننا أن نصوم؟
ولولا أنّه يشتهي كيف نتعفّف؟ لولا الحاجات والرغبات لما كان هناك جهاد عفّة!
إذن، ما هو المعيار لمعرفة ما هو "موافق"؟ وأين نعرف أن الحاجة قد تمّت وأن ما بعد ذلك الحدّ هو الشهوة؟ وما هو المؤشّر الذي ينبّهنا إلى أن الجسد الآن هو هيكل للروح أو بدأ يصير جوفاً للأطعمة؟
أهمّ ما في الإنسان حريّته وهي موجّه حياته الروحيّة. لا يوجد شيء سيّئ في الدنيا إلاّ ما يستعبدُ الإنسانَ. الإنسان الحرّ كائن يطير إلى السماء، لكن أثقال الرغبات تقبض عليه. يمكننا الأكل بحريّة ولكن للحدّ دون أن نفقدها. يمكننا أن نستخدم أي شيء للحدّ الذي بعده يبدأ يتسلّط علينا، هناك علينا أن نتحرّر منه لكي نبقى أحراراً.
بهذا المعنى قال الربّ: "إن أعثرتك عينك اقلعها لأنّه أفضل لك أن تدخل السماء وأنت بعين من أن تدخل نار جهنّم". إنّ خط الإنذار الذي ينبّهنا إلى ضرورة الترفع عن شيء والتخلي عنه هو الحدّ حين يبدأ هذا الشيء يستهوينا بدل أن يخدمنا! لأن هوانا الحقيقيّ يجب أن يكون حبُّ الإلهيّات، والباقي كلّه لخدمة الحاجات. المطلوب أن يبقى القلب للربّ، والقلب هنا يعني غايات الإنسان وأشواقه.
ليس الجسدُ للزنى بل الجسد للربّ. إذا كانت حاجات هذا الجسد توّلد فينا الجوع فإنّنا سوف نشبع الجوع فقط ونحافظ على الجسد بالصوم للربّ، وإذا كان الجسد يحملُ رغباتٍ جنسيّة فإن المسيحيّ يهذّب الجنس في الزواج ويحافظ على العفّة. نعطي للجسد كلّ حاجاته لكن دون أن تتسلّط هذه على غاياتنا، آمين.

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 03:08 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
كيف أتوب عن الزنى؟


ربما تسألني يا أخي أو تسألينني يا أختي: كيف أتوب؟ إليك ببعض ما يمكنك أن تفعله في هذا الاتجاه:
1- اذهب إلى الكاهن واعترف بكل خطاياك. لا تترك واحدة منها إلا تعترف بها. اذكرها دون تفاصيل. إذ ذاك تغتسل بالحل من الخطايا. تُمسَح خطاياك. يصير بإمكانك ان تبدأ من جديد.
2- إذ تفعل ذلك قرّر، بنعمة ربّك، ألا تعود إلى الزنى، ألا تعود إلى الخطيئة مهما ضايقتك وألحّت عليك. ضع الموت حدّاً لجهادك إذا لزم الأمر.
3- اتّـخِذْ لك أباً روحياً أو أمّاً روحية، حيثما توفّرتْ. اكشف له أتعابك، حركة نفسك، كل حين، كما تكشف أمراضك للطبيب. إذا كان السرطان أرهب الأمراض الجسدية فالزنى سرطان القلب، سرطان الكيان. وكل ما يقوله لك طبيب النفوس تمسّـك به. كنْ له مطيعاً طاعتك لله.

4- كنْ رقيباً على حواسك، على عينك أولاً. لا تسمح لها ان تشرد إلى رؤية القبائح. ولسانك اضبطه، وكذلك أذنك وبقية حواسك.
5- توقّف عن معاشرة الذين زنيت معهم وعن معاشرة الذين يشجّعونك ويشدُّونك إلى الزنى. ابتعد عن الحفلات الصاخبة الماجنة. هذه مستنقع زنى.
6- لا تتعاطى مع أفكار الزنى التي تراودك. لا تحاورها. لا تتأمّل فيها. قاومها بذكر اسم الرب، بصلاة يسوع. تعلّم صلاة يسوع. تعلّم السجود. إذا اشتدّت عليك الأفكار اسجد عشر مرّات، عشرين مرّة، ثلاثين، أربعين، خمسين، مئة مرّة.
أصرخ "اللهم بادر إلى معونتي. يا رب أسرع إلى إغاثتي". ستوحي لك الأفكار انك لن تُفلت. لا تصدّقها. سيراودك شعور انه خير لك ان تستسلم لتتخلّص من التوتّر الذي في بدنك.
لا تَـقْبله. إذا قبلتَـه ستُـلقي نفسك في فراغ. سيكون أصعبَ عليك ان تنهض من جديد. كل انتصار تحقّقه باسم الله يجعل انتصارك في التجارب المقبلة أدنى إليك. لا تَـخُـرْ، قاوم يُعِنْـك الله. آمن ترَ مجد الله! الله الحيّ.
7- لا تَدِنْ أحداً. كن رحيماً، رئيفاً بالناس. ابتعد، قدر الإمكان، عن المديح والكلام عن نفسك.
8-انتبه لطعامك. الطعام الدسم ابتعد عنه. وكذلك التوابل والمشروبات. النظام الغذائي يؤثّر.
9- ليكنْ لك قانون صلاة يوميّة وقراءات.
10- انتبه للآخرين. اخدمهم دون مقابل. فكِّر في الآخرين. اقصد ان تفتقد المرضى وتسأل عن المضنوكين: الأرامل والمسنّين واليتامى والمعاقين وكل مضروب بعلّة. عُدِ المرضى المدنَفين (المشرفين على الموت) وتأمّل في حالهم.
هذا يهدِّئك كثيراً. زُرِ القبور، بشكل منتظم، لئلا تنسى إلى أين المصير. اخرجْ من نفسك تجدْ نفسك. امتدّ صوب الآخرين تجد طريقك إلى قلب الله.
في هكذا مناخ تهيّئ نفسك لسكنى العفّة فيك. ليس عملُك هو أساسَ حياتِك ولا مدرستُـك ولا مقتنياتُـك. هذه ينبغي ان تكون ثانوية لديك. الحاجة هي إلى واحد. همّـك الأوّل يجب ان يكون شفاء القلب، شفاء الكيان.
لو درى مريض السرطان بمرضه أما كان ينسى كل شيء ويصغر في عينيه كلُّ شيء ولا يعود يطلب إلا الشفاء؟! سرطان الكيان أفظع. اعرِفْ نفسك. عدْ إلى نفسك كالابن الشاطر. اطلبوا أوّلاً ملكوت السماوات وبرّه وكل ما عدا ذلك يزاد لكم.
11- ثابر على ذلك. اثبت. مَن يثبت إلى المنتهى هذا يخلص. إنها قضية الحياة، معركة العمر. وفي وقت مناسب يعطيك الرب ما تطلب وفوق ما تطلب.
"لقد ذهبوا وهم يبكون إذ كانوا يُلقون بذارهم
لكنهم سيرجعون فرحين حاملين أغمارهم".

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 03:09 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
وصـايا الله العشر: الوصية الثامنة

بقلم: الأب ايلي طوبجي
http://www.peregabriel.com/gm/albums...7804976ho8.jpg


"الوصايا العشر"، ارتباط بالعهد

نقرأ في سفر الخروج عن أهم حدث في تاريخ العبرانيين، وهو ما صنعه الله لهم، بخلاصهم وتحريرهم (خروجهم) من أرض مصر، أرض العبودية.

وفي طريقهم إلى أرض الحرية، يتجلى الله لشعبه ليعرّفهم عن نفسه ويعقد معهم عهداً أبديا.
وفي حدث التجلي هذا، وضع الكاتب الملهم "الوصايا العشر"، مع أن سياق النص لا يدل على أن إعطاء "الوصايا العشر" جرى بهذا الشكل
(انظر بداية الفصل 20 من سفر الخروج). فلماذا؟

وُضعت الوصايا العشر في هذا المكان بالذات، لأنها تُفهم أولاً في حدث الخروج، حدث الله التحريري الكبير في العهد القديم، وثانياً لأن الوصايا تتخذ كامل معانيها في صميم العهد.
فبحسب الكتاب المقدس، يتخذ تصرف الإنسان الأخلاقي كامل معناه في العهد وبه.
والوجود الأخلاقي هو جواب عن مبادرة الرب المُحِبة. إنها حمد وإجلال لله، وعبادة شكر، إنها مساهمة في ما لله من تدبير في التاريخ.



"الوصايا العشر"، حقوق الله المُحَرِّر على شعبه:

تتعلق الشريعة بوحي الله وإظهار نفسه: "أنا هو يهوه"، الذي في الوصايا وفي أعماله أظهر حقوقه على شعب إسرائيل.

فتبدأ الوصايا العشر بمدخل: "أنا هو يهوه إلهك"
أعطى الله اسمه ليُعرَف. هذا المدخل يجعلنا نفهم بوضوح أن الوصايا التي تتبع ذلك هي كلها مرتبطة بكشف الله ووحيه لذاته.
في خر6/2 وحي الله لاسمه إلى موسى ارتبط مع الوعد الذي سيحققه الله بتخليص الشعب من مصر.

في الحقيقة، إن الطبيعة الحقيقية لله ستتضح لأول مرة في تدخله لصالح إسرائيل.
عندما عَرَفَ إسرائيل اسم الله، فَهِمَ طبيعة عمل الله الخلاصي وفهم مشروعه الذي يريده لشعبه.
إن وعده في الخلاص تحقق بشكل كامل.
وتحرَّرَ شعب إسرائيل. إن وضع الصيغة في هذا المكان من القصة توضح خلفية هذا التاريخ من الخلاص لكن
وفي الوقت نفسه، ينظر إلى الأمام إلى مرحلة جديدة من العلاقات بين الله وشعبه.
الصيغة تشكل مدخلا للوصايا لتوضح أنها تُفهَم كمشيئة الله الذي حرر شعبه من عبودية مصر.
لقد عرّف الله نفسه بأنه الله المخلص، وتصرَّفَ مسبقاً بشكل طيب مع إسرائيل.
فعطية الوصايا هي عطية الله نفسه ومشيئته القدوسة.
والله يكشف عن نفسه لشعبه عندما يعرفه مشيئاته.

هكذا فإن النعمة وإحسانات الله، الحب المسبق والحاضر، تستطيع حقيقةً أن تتحول إلى شريعة، وتَقيُّد، وطاعة.



"الوصايا العشر" كُلاً واحداً لخير الإنسانية:

تؤلف الوصايا العشر كلا لا يتجزأ. وكل "كلمة" (وصية) تُرجع إلى "كلمة" أخرى واليها جميعا؛ وهي مترابطة بعضها ببعض. واللوحان ينير أحدهما الاخر؛ وهما يؤلفان وحدة عضوية. ومخالفة أي وصية مخالفة لها كلها. فلا يمكن إكرام الآخرين دون مباركة الله خالقهم.
ولا تمكن عبادة الله دون محبة جميع الناس خلائقه. إن الوصايا العشر توحد حياة الإنسان اللاهوتية-الروحية وحياته الاجتماعية.

وتعلمنا، في الوقت ذاته، إنسانية الإنسان الحقيقية.
إنها توضح الواجبات الأساسية، وبالتالي، بشكل غير مباشر، الحقوق الأساسية المتصلة بطبيعة الشخص البشري.
فالوصايا العشر تحوي تعبيرا مميزا عن "الشريعة الطبيعية" الفطرية الموجودة في كل إنسان.

لكن الوصايا العشر، وان كانت في متناول العقل
فقد أوحى الله بها.
فالبشرية الخاطئة كانت بحاجة إلى هذا الوحي لتبلغ معرفة كاملة وأكيدة لمقتضيات الشريعة الطبيعية: "إن شرحا وافيا للوصايا العشر كان قد أضحى ضروريا في حالة الخطيئة، بسبب إظلام نور العقل وانحراف الإرادة".

لأن الوصايا العشر تعبر عن واجبات الإنسان الأساسية تجاه الله وتجاه قريبه
فهي تبين في مضمونها الأولي واجبات خطيرة.
إنها في جوهرها لا تقبل التغيير، وإلزامها ثابت أبدا وفي كل مكان. وليس في استطاعة أحد أن يعفى منها. لقد حفر الله الوصايا العشر في قلب كل كائن بشري، إنها صوت الضمير الأخلاقي.

لذلك فالوصايا العشر هي طريق حياة: "إن أحببت إلهك، وسرت في طريقه، وحفظت وصاياه ورسومه وأحكامه، تحيَ وتكثر" (تث 5/15).



الوصية الثامنة، الكذب في المحكمة:

إن الشكل الأصلي للوصية يتكلم عن شهادة الزور في المحكمة وهو محفوظ في المقطع خر 20/16: "لا تشهد على قريبك شهادة زور".

إنها تحوي مصطلحات تقنية قانونية تعطي بوضوح معناها الأساسي. إن تعبير (شهادة زور)، آتٍ من الخبرة القانونية في إسرائيل والتي كانت مشتركة في كل الشرق الأوسط القديم: شهادة ضد شهادة أمام محكمة من الشيوخ.

إن الشاهد يمكن أن يكون صادقا (أمثال 14/25) ويمكن أن يكون كاذبا (خر 19/18؛ أمثال 6/19).
أيضا تعبير (تجيب) يعكس محتوىً قانونياً ويؤكد تبادل المداخلات بين الطرفين المتخاصمين.

نجد أنفسنا، إذاً، في محكمة والقاضي يستجوب الشهود. والرب يذكرهم أن لا يجيبوا ضد المتهم شهادة مزورة؛ وان لا يصنعوا هكذا تهمة زائفة (عدد 35/30؛ 21صم 12/3)، ربما مستعملين الأيمانات الكاذبة (لا 5/21-26).

الكتاب المقدس يسمي هؤلاء الشهود بالكاذبين (خر 19/18)، وبالعنيفين (خر 19/16)
وبالمخادعين (أمثال 12/7؛ 14/5)
أبناء بليعار (1مل 21/10). انهم مغتصبوا الحق.



شعب العهد، لا يشهد كذباً:

بما أن القاضي، في الأرض التي أعطيت لهم من قبل الله، يجب أن يعمل "العدالة الدائمة"،لكي يبقى الشعب دوما مستأهل
ا لهذه العطية (خر 16/20)، فعليه أن يمنع مثل هؤلاء الشهود الدخول إلى المحكمة دون أن يُكشفوا
فلا يُعطى الحكم على أساس شهادة واحد فقط
لكن عليه أن يسأل اثنين أو ثلاثة، بحيث يضعهم بتناقض فيما بينهم لاكتشاف الزيف خصوصاً في الحكم بالموت (عدد 35/30؛ خر 19/15-21)،وعند اكتشاف الزور يجب أن لا يبقى شاهد الزور فيما بعد دون جزاء (أمثال 19/5؛ 21/28)، فيوضع المذنب، دون رحمة، إلى شريعة المِثْل، أي يجب التعامل معه مثلما تعامل مع قريبه "اصنعوا به ما فكر أن يفعله بأخيه" (خر 19/19).
بينما نقرأ في شريعة حمورابي التي تقول إن شاهد الزور يجب أن يموت، وليس فقط أن يُصنع به ما أراد صنعه لأخيه.

إن كثرة تَشَكّي صاحب المزامير (27/12) ضد اتهامات شهود الزور تؤكد انتشار هذه الخطيئة.

أخيراً، إن تعبير (القريب) يدل على المواطن الكامل الحرية في شعب العهد. والوصية موجهة أولا لتحفظ الحقوق الأساسية لأعضاء العهد ضد تهديد اتهامات زائفة.
لذلك، الوصية الأساسية لا توضح منع عام عن الكذب، لكن تمنع الكذب عندما يصيب القريب مباشرة ويؤذيه.



الوصية بعدم الكذب إطلاقاً:

أما تعبير خر 5/20، فقد أصبح يعني "شهادة غير مفيدة، بلا أي قيمة" هذا ما يعمّم الوصية من المحكمة للشهادة، إلى الأمور الأكثر وساعية والأكثر روحية. انه يمنع ليس فقط شهادة الزور أمام القضاة
لكن أيضا تلك الغير مفيدة، أي التي بدون أي نتيجة قانونية، والتي يصدف أن تصير في العائلة، بين الأصدقاء، في سياق الأمور اليومية البسيطة: "لا تجيب (على السائلين) بشهادة فارغة ضد قريبك". إن شريعة العهد، في خر 23/1 يعبر عنها قائلا:
"لا تنقل خبراً كاذبا" عملياً انه يحكم على الـ"يبدو"، والـ"ربما"، والـ"يقال"، والـ"هناك إشاعة تقول"، وهي أمور واردة كثيرا في أحاديث الناس. لذلك الحكيم سيقضي: "لا تشهد على قريبك بلا سبب" (أمثال 24/28).

يقول مفسرٌ بهذا الشأن: وُجدَ الكذب "منذ خبث يعقوب (تك 25-30) إلى الأعاجيب الزائفة للملحد الآتي (2تس 2/9)، مرورا بكلمات مجموعة الأنبياء الكذبة (أش 3/2؛ ميخا 3/5-12) وكثير من الكذبة الذين يتشكى منهم أصحاب المزامير والحكماء، فان تاريخ الكتاب المقدس يظهر أمثلة كثيرة من نقص الصدق بين البشر
وفي ما بين شعب الله نفسه. انه شر كبير يمكن أن ينسف أساسات العهد نفسه وهي الأمانة والصدق. فالكذب ليس خداع على مستوى الفكر فقط؛ انه عمل
انه تهرب، رفض الالتزام في طرق الصدق والرضى، إنها لذلك جحود وكفر في عمقها".

والله يكره اللسان الكاذب، هذا الشاهد المخادع (أمثال 6/17). لأنها ضد المحكمة البشرية والإلهية، إنها احتيال ضد العدل البشري والعدل الإلهي (لا 5/21).

تنهى الوصية التاسعة عن تمويه الحقيقة في العلاقات بالغير. وهذه الفريضة الأخلاقية ناتجة من دعوة الشعب البار إلى أن يكون شاهدا لإلهه الذي هو الحقيقة ويريد الحقيقة. تعبر انتهاكات الحقيقة بالأقوال أو الأفعال عن رفض الالتزام بالاستقامة الأخلاقية.
إنها خيانات للرب أساسية، وبهذا المعنى، إنها تقوض العهد من أساسه.

أخلاقيا هذه الوصية تحكم على الكذب الذي يبدأ من المحكمة إلى البيوت وهي تنسف استقامة الإنسان البريء.



المسيحي يعيش في الحق، بأقواله وأفعاله:

يؤكد العهد القديم أن الله هو مصدر كل حق. وكلامه حق. وشريعته حق. "أمانته إلى جيل فجيل" (مز 119/90.

وبما أن الله هو "الصادق" (رو 3/4)، فأعضاء شعبه مدعوون إلى أن يعيشوا في الحق.



في يسوع المسيح ظهرت حقيقة الله كاملة.
انه الممتلئ نعمة وحقا، انه "نور العالم" (يو 8/12)، انه الحق. كل من يؤمن به لا يمكث في الظلام. وتلميذ يسوع يلبث في كلامه ليعرف الحق الذي يحرر ويقدس. اتِّباع يسوع هو العيش بروح الحق الذي يرسله الآب باسمه، والذي يقود إلى "الحقيقة كلها" (يو 16/13). وقد علّم يسوع تلاميذه محبة الحقيقة على الإطلاق:
"ليكن كلامكم: نعم؟ نعم؛ لا؟ لا" (متى 5/37).

يَقبل تلميذ المسيح "بالعيش في الحق"، أي في بساطة حياة، تتوافق ومثل الرب، وتبقى في حقيقته:
"فان نحن قلنا: إن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة، فإنَّا نكذب ولا نعمل بالحق" (1يو 1/6).

إن واجب المسيحيين في المساهمة في حياة الكنيسة يدخلهم إلى السلوك كشهود للإنجيل وللالتزامات التي تنتج من ذلك.
وهذه الشهادة هي نقل الإيمان بالأقوال والأفعال.

إن تلاميذ المسيح "قد لبسوا الإنسان الجديد الذي خُلِقَ على مثال الله في البر وقداسة الحق" (أف 4/24).
"لقد نبذوا الكذب" (أف 4/25)،
وعليهم أن يطرحوا كل خبث وكل مكر، وكل أشكال الرئاء والحسد والاغتياب" (1بط 2/1.

يتلبَّس الكلام المخالف للحقيقة، عندما يصدر علنا، خطورة خاصة. وهو يصبح أمام المحكمة شهادة زور. وعندما يُسنَد بقسم يصبح حِنثا.
وهذه الأنماط في السلوك تساهم إما في الحكم على بريء، وإما في تبرئة مذنب، وإما في زيادة في الحكم الذي يصدره القضاة.

احترام سمعة الأشخاص يمنع من كل موقف وكل كلام يمكن أن يسبب لهم ضررا دون حق.
يكون مذنبا: -بحكم جائر من يرضى ولو صامتا بحقيقة وجود نقيصة أخلاقية عند القريب دون أساس كاف. -بالنميمة من يكشف عيوب الغير وذنوبه لأشخاص يجهلونها، دون سبب قائم موضوعيا.
بالافتراء من يسيء إلى سمعة الآخرين، بكلام مخالف للحقيقة، ويفسح في المجال لأحكام كاذبة عليهم.

النميمة والافتراء يهدمان سمعة القريب وشرفه.
والشرف هو الشهادة الاجتماعية التي تؤدى للكرامة البشرية، وكل إنسان له حق طبيعي في شرف اسمه، وفي سمعته، وفي الاحترام. وهكذا تسيء النميمة والافتراء إلى فضيلتي العدل والمحبة.



المسيحي لا يكذب، ولا يسمع للكاذبين:

"الكذب هو قول ما ليس صحيحا بنية الخداع". والرب يشجب في الكذب عملا من أعمال الشيطان:
"إن أباكم إبليس (...). انه لا حق فيه: فإذا ما نطق بالكذب، فإنما يتكلم بما عنده، لأنه كذوب وأبو الكذب" (يو 8/44).

الكذب هو انتهاك الحقيقة بالوجه الأشد مباشرة. والكذب هو القول أو الفعل خلافا للحقيقة للتضليل. والكذب، بإساءته إلى علاقة الإنسان بالحقيقة وبالقريب، ينتهك علاقة الإنسان وكلامه الأساسية بالرب.

تقاس جسامة الكذب بطبيعة الحقيقة التي يشوهها، وظروف من يرتكبه ونياته
والأضرار اللاحقة بضحاياه. وإذا كان الكذب في حد ذاته خطيئة خفيفة، فهو يصبح مميتا عندما يلحق أذىً كبيراً بفضيلتي العدل والمحبة.

يستدعي الكذب بطبيعته الحكم عليه. فهو تدنيس للكلام الذي مهمته إبلاغ الآخرين الحقيقة المعروفة.
والقصد المتعمد لتضليل القريب بأقوال مخالفة للحقيقة هو إساءة إلى العدل والمحبة. وتكون المسؤولية اكبر عندما يكون هناك خطر في أن نية الخداع تؤدي إلى نتائج وخيمة بالنسبة إلى من يصرفون عن الحقيقة.

الكذب (بكونه انتهاكا لفضيلة الصدق)، هو عنف حقيقي على الغير.
انه يصيبه في إمكانياته بلوغ المعرفة التي هي شرط كل حكم وكل قرار.
وهو يحتوي بذار انقسام العقول وكل الشرور التي يسببها. والكذب مضر بكل مجتمع. فهو يهدم الثقة بين الناس
ويمزق نسيج العلائق الاجتماعية.



الخاتمة:

لقد طبع الله عهده في قلوب وضمائر البشر جميعهم عندما أظهر لهم ذاته وارتبط بهم. وعيش الأخلاق المسيحية لا يكون خوفاً ولا جبراً من سلطة عليا أو تنفيذاً لأوامر وقوانين، بل هو فعل محبة وعبادة وشكر لله على عطاياه، يعيش المؤمن حياةً أخلاقية صالحة كردٍ على مبادرات الله المحب، ولا يستطيع الإنسان أن يخرج عن عهد الرب ووصاياه ويحيا، أو أن يُعتبر إنساناً مؤمناً.

جاء المسيح المخلص ولم ينقض العهد الأول بل كمّله بموته على الصليب موقّعاً بدمه عهداً جديداً مع شعبه تكون فيه الوصية أن يحب الإنسان الله من كل قلبه وكل نفسه وكل ذهنه.
وان يحب القريب كنفسه (متى 22/37-40)، يقول يوحنا البشير: "نحن نعلم أننا انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب اخوتنا. من لا يحب بقي رهن الموت" (1يو 3/14).

لذلك لا يؤذي الإنسان أخاه بتشويه الحقيقة وبالكذب عليه
وخاصة المسيحي الذي يقول الحقيقة ويعيشها ويعلّمها بكلامه وأفعاله ولا يكذب.
لأن المحبة تفترض حتما وجود الصدق في أساس التعامل بين الاخوة وفي المحاكم.

هكذا تبني أفعال المسيحي الأخلاقية المؤسسة على حفظ وصايا الله، روحه ومجتمعه.
مجتمعه الذي يحتاج دوما لأناس يعيشون عهد الله ويحفظونه في حياتهم. ليحيا بهم مجتمعهم ويرتفع إلى الإنسانية-الإلهية التي أراد الرب بتجسده، أن يمنحها للإنسان أفراد ومجتمعات.





المراجع

- Emmanuele TESTA, La morale dell`Antico Testamento, Morcelliana, Brescia 1981, pp. 98-100.

- Brevard S. CHILDS, Il libro dell'Esodo, commentario critico-teologico, Piemme theologica, Casale Monferrato 1995, pp. 433-434.

- "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية"، المكتبة البولسية - منشورات الرسل، جونية 1999، أنظر: الوصايا العشر.


Mary Naeem 05 - 06 - 2014 03:11 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
لا تقتل ... لا تشهد على أحد شهادة زور

بقلم: الأب د. أنطون فرنسيس

لا تقتل... لا تشهد على أحد شهادة زور
تث 17:5و20

الارتباط بالوصية الأولي:
تمنع الوصية الخامسة عن القتل ، والثامنة عن الشهادة زوراً.
وترتبط هذه الوصايا بالوصية الأولى الأساسية:
"أنا هو الرب إلهك".
لأن الله أساس كياننا ومصدر وجودنا.
وحياتنا ملك له وحده. فالقتل هو تعدي على الله ذاته.
والقتل هنا ليس قتلاً جسدياً فقط، إنما أيضاً القتل المعنوي، وأخطر أشكاله يكمن في الشهادة زوراً.
ومنه أيضاً الكلام على سمعة الآخرين ، والقتل اجتماعياً عن طريق الإشاعات.

يقتصر مفهوم أغلب الناس لهذه الوصية على تحريم القتل الجسدي، وكذلك الشهادة على القريب زوراً.
شهادة الزور على القريب، بالكذب والافتراء، تختلف بالطبع عن شهادة الحق فكما في المحاكم وأمثالها يصير التصريح بالحق عن الغير واجب ضميري حتمي،. وإلا نعرّض آخرين للظلم بسبب صمتنا.

يرتفع بنا المسيح إلى روح وكمال الوصية:
"سمعتم أنه قيل لآبائكم لا تقتل، فمن يقتل يستوجب حكم القاضي.
أما أن فأقول لكم: من غضب على أخيه باطلاً، استوجب حكم القاضي. ومن قال لأخيه: يا أحمق، أستوجب حكم المجلس. ومن قال له: يا جاهل استوجب نار جهنم" (مت 21:5-22).

يؤسس المسيح الوصية هنا على كرامة الإنسان الأصلية. وبذلك يرتفع بنا إلى عمق الوصية وروحها.
يقوم الخطأ أساساً في المساس بكرامة الإنسان.
من هنا كان القتل الجسدي خطيئة جسيمة للغاية، وكذلك كل ضرر نمس هذا الجسد به.
لأن كرامة الشخصية الإنسانية هبة وعطية من الله نفسه، الذي خلقه على صورته ومثاله.

ما تحرمه الوصية الخامسة: "لا تقتل"
1- الانتحار:
يُعتبر الانتحار خطيئة عظمى، لسببين أساسيين:
أولاً: حياتي ليست ملكي. فأي تعد على حياتي هو تعد على الله ذاته، لأن حياتي ملك لله وحده.

ثانياً: الانتحار أسوأ تعبير عن غياب الإيمان والرجاء والمحبة .
عدم إيماني الحقيقي بالله
يجعلني أتصرف في حياتي بأسوأ صورة . وعدم الرجاء يفقدني الثقة في الله وحبه ورعايته لي ، وهذا دليل على أنني لا أحب في الحقيقة مَن وهبني الحياة.
كانت الكنيسة، ولمدة طويلة، ترفض الصلاة على الشخص المنتحر، ولكنها الآن، ومنذ فترة قصيرة، تسمح بذلك، على أساس أنه بين لحظة الانتحار والموت، يمكن أن يكون الشخص مرّ بالتوبة.

2- الإجهاض:
هو قتل إنسان بريء. وللأسف، ينادي الكثيرون بالإجهاض كحل لمشكلة الأسرة، وتزايد السكان، وتحقيق التنمية.
لكن كل هذه حلول خاطئة. فلا شيء يمكن أن يبرر قتل حياة، بريئة وضعيفة، لا حول ولا قوة لها، ملك لله وحده.
وللأسف، يمارس الكثيرون حتى من المسيحيين الإجهاض بكل بساطة.
ودون أن يمثل لهم ذلك أية مشكلة نفسية أو أسرية أو ضميرية. ويُقبل عليه بالأخص مَن وقع في خطأ جنسي محاولاً التخلص من ثمرة الخطأ والخطيئة بجريمة قتل.
ويقوم المتزوجون بالإجهاض، بحجة أن الجنين جاء خطأ وبدون رغبة منهما.

ولكن الإجهاض ، في جميع الحالات ، جريمة قتل لنفس بريئة ، ومعاندة وتحد لترتيب الله، ولإعلان حبه لنا في منح الحياة.
3- قتل المرضى الميئوس من شفائهم
انتشرت الآن فكرة "الموت الرحيم"، أي التعجيل بموت المرضى الميئوس من شفائهم.
ولكن لا يحق لأي شخص، مهما كان، أن يُقبل على هذا القتل، حتى لو طلب منه المريض نفسه ذلك.
ولا صحة أبداً لمن يزعمون أن هذا العمل عطف على المريض حتى لا يستمر في الألم أو الغيبوبة، فهذا العمل هو دائماً جريمة قتل
وهو دليل على غياب الرجاء والإيمان والمحبة الحقيقية.

ولا ننسى أن للآلام بركات ونعماً والحمد لله أن الكثير من المرضى والمتألمين، يفهمون معنى الألم ويمجدون الله به. فيصبحوا بركة ومثالاً للآخرين، الذين يمرون بأزمات صحية أو نفسية، أو بمشاكل مختلفة.
وإذا كان قتل المريض جريمة كبرى محرمة، فالتعاطف معه واجب ضروري.


4- اللعب بعواطف وأحاسيس الآخرين:
أما العبث الوجداني فهو قتل معنوي خطير وخطيئة جسيمة. وهو يكمن في اللعب بالعلاقات العاطفية، نتيجة لسعي الشباب وتنافسهم في الإيقاع بطرف آخر في قصة حب وهمية، يهدف التسلية أو العبث.
وعندما يكتشف الطرف البرئ هذه اللعبة، يصاب بجرح قاتل في كرامته وإحساسه وشعوره. فيخرج من هذه التجربة المريرة ، وهو فاقد الثقة في المجتمع ، وفي نفسه ، وأيضاً في القيّم السامية مثل الحب والأخلاق وغيرها.
وربما يفكر في الانتقام لنفسه من كل الذين حوله.
أما الطرف الآخر المذنب، فهو مجرم في حق الذي انقاد إليه بصدق وسذاجة.
ولذلك ندعو الشباب وبالأخص الفتيات، إلى الحرص الشديد في مثل هذه العلاقات.

ما تحرمه الوصية الثامنة: لا تشهد على أحد شهادة زور

1- الكذب:

الكذب هو إخفاء الحقيقة عمن له الحق في معرفتها. وتوجد حقائق لا يمكن الإعلان عنها، لأنها أسرار أشخاص، سواء كانوا أصدقاء أو غير أصدقاء.
لذلك يجب أن نميز بين الشخص الذي له الحق بالفعل أن يعرف حقيقة ما، وبين الشخص الفضولي، الذي يهوى معرفة أسرار الآخرين.
ولا ننسى أن كشف السر قد يؤدي إلى موت الشخص، معنوياً وأحياناً جسدياً.

2- الكلام الملتبس:

هذا النوع من الكلام يكون أحياناً أخطر من الكذب ، لأنه يؤدي إلى تشويه سمعة الشخص .
والكلام الملتبس يؤدي إلى الشك والحيرة تجاه شخص معين ، مما يدفع الناس إلى التعامل معه بأسلوب مختلف ، بينما هو برئ في أغلب الأحيان.
وهذه النتائج أكثر من الموت، لأنها تجعل الإنسان في عزلة عن الجماعة.

3- النميمة والافتراء:

النميمة هي نقل الأخبار السيئة عن الغير .
والافتراء هو اتهام الغير باطلاً بأمور سيئة غير حقيقية . وعادة ما توصل النميمة إلى الافتراء عن طريق المبالغة في الكلام عن شخص ما . ونتيجة ذلك خطيرة
ويمكن أن تقتل الشخص معنوياً ، بأن تشوه سمعته وسط المجتمع الذي يعيش فيه . وكثيراً ما نعطي مبرات كاذبة لهذه الخطيئة الكبيرة، ونسميها صراحة أو تقييماً.

4- الدينونة الباطلة:

هي الحكم على الآخرين بالسوء، بدون حق أو أساس . وللأسف ، كثيراً ما نتسرع في الحكم على الآخرين أو إدانتهم، حتى في أبسط الأمور.
ولكن عندما نقع نحن في أخطاء أكثر منهم، نبحث عن مبررات وأعذار لأنفسنا. ويوصينا السيد المسيح: "لا تدينوا لئلا تدانوا" (مت 1:7).
ولا يكتفي المسيح بهذا، بل يرتفع بنا إلى جوهر وروح الوصية
فيضع لنا هذه القاعدة الذهبية: "عاملوا الآخرين مثلما تريدون أن يعاملوكم . هذه هي خلاصة الشريعة وتعاليم الأنبياء" (مت12:7).

بهذه الوصية يمكننا أن نعيش كمال الوصية الرابعة
بروح الفضائل الأساسية :

الإيمان والرجاء والمحبة .
بالإيمان أنظر لكل شخص لأرى صورة الله فيه . وبالرجاء أعيش الثقة في الله ، الذي يشرق شمسه على الصالحين والأشرار ، وأتذكر في صلاتي كل البعيدين عن الله.
وبالمحبة التي أستمدها من الله ، أنطلق لبناء الآخر وليس إلى هدمه . وهكذا نلتقي بالوصية الأولى والأساسية :
" أنا هو الرب إلهك".





Mary Naeem 05 - 06 - 2014 03:13 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
لاهوت أدبي: الوصية السابعة والعاشرة

بقلم: الأب د. أنطون فرنسيس


ثالثاً: الوصايا الخاصة بالعلاقة بالقريب في ممتلكاته (2)


"لا تسرق ... لا تشته... شيئاً مما لسواك" ( تث 19:5 و 21 )
الارتباط بالوصية الأولى الأساسية:

تخص هاتان الوصيتان العلاقة بالقريب في ممتلكاته.

تأمر الوصية السابعة: "لا تسرق" (تث 19:5).

وتأمر الوصية العاشرة :
" لا تشته بيت أحد ولا حقله ، ولا عبده ولا أمته ، ولا ثوره ولا حماره ، ولا شيئاً مما لسواك " (تث 21:5).

ترتبط هاتان الوصيتان بالوصية الأولى والأساسية:
"أنا هو الرب الهك".
وتقومان على الفضائل الثلاث: الإيمان والرجاء والمحبة.
فالله هو مبدأ وصاحب ومالك كل خير.
لذلك يجب أن أقبل شاكراً وحامداً خيرات الله لي، متكلاً عليه وواثقاً فيه، ومتزايداً في حبه. كما يجب أن أحترم وأراعي وأصون خيرات الغير.
ومثلما أنظر إلى إمكانياتي وممتلكاتي
أنظر أيضاً إلى ممتلكات الغير
وأكون أميناً على خيراتي، وعلى خيرات الآخرين.

ويعلن بولس الرسول:
"تظلمون وتسلبون حتى الذين هم اخوتكم! أما تعرفون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله ؟ لا تخدعوا أنفسكم ... ولا السارقون ولا الجشعون ... ولا السالبون يرثون ملكوت الله " ( 1كور 10: 8-10).
فملكوت الله هو ملكوت المحبة، ولا مكان فيه إلا لمن يعيش في المحبة.

كما في الوصايا السابقة، نجد هنا نهياً عن العمل الخارجي، وعن الشهوة الداخلية
التي تدفع إلى الفعل الخارجي المضاد لمحبة القريب.


الوصية السابعة: السرقة وأنواعها

كل ما يتعلق بممتلكات القريب، من أشياء مادية أو معنوية، ليس للإنسان الحق في امتلاكه، وإلا كان ذلك اغتصاباً وسرقة. هكذا مثلاً:

- وضع اليد على أملاك الغير.

- اغتصاب أموال اليتامى، أو استغلالها، أو سوء إدارتها.

- اكتساب ملكية بطريقة غير مشروعة، مثلاً عند الميراث بتزوير المستندات.

- ظلم البنات في توزيع الميراث.

- الغش في أسعار ومواصفات السلع التجارية.

- الغش في مجالات الحياة المختلفة، مثل انتحال شخصية الغير للحصول على المال.

- الغش في الامتحانات، فهو سرقة لمجهود الآخرين.

- الفشل.

- النصب والاحتيال.

- الاختلاس.

- فرض الإتاوات (إكراميات) لتأدية الأعمال الواجبة.

- التهرب من الديون المستحقة.

- الرشوة.

- التهرب من دفع الضرائب، حتى وإن كانت ظالمة، لأنها تخدم الخير العام. ونحن متضامنون من أجل الخير العام. والتهرب منها يُعتبر سرقة للخير العام.

هذه الأنواع كلها وأمثالها، هي تعدي على حقوق القريب المقدسة. وعادة تقود إلى ارتكاب خطايا أخرى، مثل الكذب، والقتل، والانسياق لأنواع كثيرة من الشرور والمفاسد.

واجب التعويض

يوجد مبدأ لاهوتي يقول : " لا تُغفر الذنوب ، ما لم يُرَد المسلوب " . ودائماً يطلب الكاهن من المعترف أن يعوّض المسلوب ، بصورة وطريقة مناسبة وفعالة. فإذا اعترف الشخص ، وأخذ الحِل من الكاهن ، ولم يعوّض عن المسلوب ، تبقى الخطيئة قائمة .
ومبدئياً يجب التعويض للشخص ذاته ، بطريقة تتناسب مع ظروف الاثنين.
ويمكن هنا الاسترشاد برأي الكاهن.

الوصية العاشرة: اشتهاء خيرات الغير خطايا اشتهاء خيرات الغير


اشتهاء خيرات الغير هو الرغبة في حرمانه منها، لنقلها إليّ، أو لإنقاص سعادته، أو لضرره.
ويأخذ هذا الاشتهاء صوراً مختلفة، أهمها الحسد والغيرة.

الحسد: أتمنى أن يخسر ويفقد القريب ما يتمتع به من خير ... وفي هذا تفكيك لجسد المسيح، الذي نحن كلنا أعضاؤه.

الغيرة: النظر إلى خيرات القريب
وإلى ظروفه الشخصية، والمادية، والاجتماعية، على أنه لا يستحقها، وأنني أنا أولى بها.

عواقب اشتهاء خيرات الغير

هذا الاشتهاء يفقدني السلام الداخلي ، لأنه يفقدني القناعة، هذا الكنز الباطن الذي لا يفنى .
ومن هنا نفقد علاقة البنوة مع الله ، والأخوة مع اخوتنا .
وتكون النتيجة أن يضع فينا الشكر لله على كل ما يعطينا ، وعلى ما نحن عليه، بل قد نتهم الله بعدم العدل، ونعيش في التذمر والمرارة.

بهاتين الوصيتين يريدنا الله أن نكون أمناء فيما يخص الأشياء ، لنكون أمناء مع الأشخاص .
إنه يدعونا أن نعيش في وعي وتمييز للصح والخطأ .
ويوجههنا إلى أن نرتفع إلى عمق روح الوصايا ، وبالفضائل الثلاث .
بالإيمان أنظر إلى خيرات الغير ، في ضوء ارتباطي بالله . وبالرجاء أنال الهدوء الداخلي ، والثقة في الله، الذي ينعم على كل واحد بالخيرات .
وبالمحبة أرفع قلبي بالشكر لله ، وأفرح بكل خير لي وللغير.

بالإيمان والرجاء والمحبة ، أتعامل بأمانة مع الأشخاص ومع الأشياء . وأعيش بالقناعة والرضى والشكر
التي بها أشهد عن حبي وحمدي لله.

خاتمة عامة لموضوع الوصايا

يتضح لنا من كل ما سبق ، أن حرفية الوصايا ليست إلا سبيلاً إلى الارتقاء إلى روحها ، الذي يشركني في صداقة وحب الله ، فيكون هو الأول والآخر.

وبهذا أستطيع أن أعيش وأحقق كياني وكرامتي وسعادتي ، كما أرادني الله ، انساناً مخلوقاً على صورة الله ومثاله، متمتعاً بحرية وحب داخلي . ومن يحاول تحقيق إنسانيته ، يحقق صورة الله فيه .
ولقد علّم أباء الكنيسة أن
" مجد الله هو الإنسان الحي"، متى حقق صورة الله فيه.

حبي لله وللقريب ، هو الذي يرفعني إلى روح الوصايا ، لأنها تجعلنا في ارتباط به
هو المبدأ ، وباتجاه دائم إليه، هو الغاية .
عندما أفهم وأعيش روح الشريعة والوصايا ، أحقق إنسانيتي على أكمل صورة .
وعندئذ أعيش السعادة الحقيقية الباقية ، لا السعادة الزائفة . والهناء الحقيقي هو في العمل بكلمة الله ، لا في امتلاك خيرات الأرض والتمتع بملذات الجسد.

يخبرنا الإنجيل أن امرأة من الجموع رفعت صوتها ، وهتفت ليسوع : "هنيئاً للمرأة التي ولدتك وأرضعتك . فقال يسوع : بل هنيئاً لمن يسمع كلام الله ويعمل به" (لو 27:11-28).

بالسمع والعمل بكلام الله ، يتحقق ملكوت الله على الأرض .

لذلك يعلن يسوع هناء من يسمع ويعمل .
ولا تكتمل سعادة الإنسان إلا بالعمل من أجل سعادة الآخرين . لأن الأسرة ، أسرة أبناء الله ، لا تكون سعيدة إلا معاً ، في الرب.

الحياة بروح الوصايا هي حقاً الأسلوب الأمثل للشهادة لله
الخالق والآب الحنون، وللمسيح المخلّص، الذي تجلى فيه حب الله بأكمل صورة. من أجل هذا أعطى الله الوصايا.
"والآن... ما الذي يطلبه منك الرب الهك، إلا أن تخافه، وتسلك في كل طرقه ، وتحبه وتعبده ، بكل قلبك وكل نفسك
وتعمل بوصاياه وسننه ، التي أنا آمرك بها اليوم لخيرك"
(تث 12:10-13).

وأكد لنا المسيح أن قمة الارتقاء إلى روح الوصايا

هو المشاركة مع الله المحبة ، بحياة المحبة ، فيدعونا (مت 34:22-40):

"أحب الرب الهك بكل قلبك ، وبكل نفسك ، وبكل عقلك":

هذه هي الوصية الأولى والعظمى.

" والوصية الثاني مثلها : أحب قريبك مثلما تحب نفسك " .

" وعلى هاتين الوصيتين تقوم الشريعة كلها وتعاليم الأنبياء " .

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 03:14 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
طريق الشهوات وعواقبه



بسم الاب والابن والروح القدوس الاله الواحد
آمين

طريق الشهوات وعواقبه
"كل الأنهار تجري إلى البحر، والبحر ليس بملآن" (جا1: 7)
+ نرى من خبرة سليمان في طريق الشهوات المادية، والتي انغمس فيها فترة من الزمن قبل أن يملَها ويزهد فيها أنها لا تُشبع النفس أبداً. وقال صراحة:
"العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتليء من السمع" (جا1: 8)
+ وهو درس عملي لكل انسان يجهل تلك الحقيقة، أو يحاول أن يتجاهلها، أو ينساها، أو يتناساها، وهي أن الإنحراف وراء القلب، والفكر، والذهن الفاسد، تكون نتائجه الخطيرة على الجسد والنفس والروح،ويقود إلى تقصير العمر، والموت المبكر، كما يقول الملك المختبر:
"لماذا تموت (أيها الشرير) في غير وقتك" (جا7: 17).
"سنو الأشرار (أعمارهم) تقصُر" (أم10: 27).
+ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يعي الشباب هذه الحقائق؟ ويعيشون بذهن أحمق؟! ولماذا يتركون الطريق المستقيم القصير؟!
+ إنها بدون شك إغراءات عدو الخير، الذي يثير الغرائز، ويفتح له الإنسان الأحمق قلبه وعقله، ليستمع إلى دعوته للذة الفاسدة. وينسى أنه "هيكل مقدس، لسُكنى روح الله القدوس" (1كو6: 19).
+ وقد أباد الله شعوباً وأمماً وثنية كثيرة، بسبب دنسها وعاداتها الوثنية الفاسدة جداً، وعاقب اليهود كثيراً.
+ وحالياً يسود مرض "الإيدز" الذي يفتك بالملايين في عالم اليوم المشبع بالعلاقات الجسدية النجسة، بدون ضوابط.
+ وقد نصح القديس بولس تلميذه الشاب الأسقف "تيموثاوس" بالهرب من الشهوات الشبابية، والسلوك في طريق الفضائل الإيجابية (1تي6: 11).
+ وعلى المؤمن أن يمتليء بالروح القدس، بوسائط الخلاص، وسوف ينعم بفضيلة "العفة" التي هي احدى ثمار الروح (غل5: 23) وسيكون مع البتوليين والأطهار، في ملكوت الله العظيم.
+ ولنأخذ الدرس العملي من يوسف العفيف البار، ومن خبرة سليمان الحكيم (راجع سفر الجامعة).
__________________
بالحكمة يبني البيت وبالفهم يثبت

Mary Naeem 05 - 06 - 2014 03:16 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الوصايا العشر والوصية الجديدة

الأب منير سقّال




http://www.peregabriel.com/gm/albums.../normal_D9.jpg مقدمـة
شرائع لنحب : إن الوصايا العشركما يُقال بأسلوب غير دقيق ، شرعة شعب الله ، أهملت في تعليم الكنيسة الأولى ، لتعبر عن انفصالها عن الهيكل . أربعة قرون تنقضي على هذا المنوال تفقد فيها الخُلُقيّة المسيحية جذورها القديمة وتتغذى من زهرة الخطبة على الجبل ، ولا سيما من التطويبات . بيد أن المانويين ( أتباع ماني 216 - 277) يغالون حقاً عندما يتجرأون في القرن الرابع ، فيعلّمون بأن العهد القديم بأكمله هو من عمل الشيطان . يقوم القديس أغوسطينوس بردّة فعل إذ يُدخل الوصايا العشر في التعليم الخُلُقي لطلاب التعليم المسيحي وللمؤمنين . كان تأثيره كبيراً جداً إلى درجة أنه ضمن " للوصايا العشر " نجاحاً على مدى خمسة عشر قرناً ، أيّده مجمع ترانت . واتخذه أكبر اللاهوتيين وأصغر تلامذة التعليم المسيحي أساساً لتعليقاتهم . والبالغون " الذين سبقوا وتعلموا الاعتراف " كانوا يجدون فيه إطاراً لفحص ضميرهم ولشكاواهم : " الوصية الأولى الوصية الثانية "
لكن بعد مدة وجيزة ، كان السقوط العنيف لهذا المدّ الأقصى الطويل: هبوط قيمة الوصايا ، وتضخم المحبة غالباً ما ننفر من "الوصايا " إذ نعتبرها مغالية في السلبية ، محطّة ، غير كاملة ، وتستغل في شريعة الحب في العهد الجديد . " أحبب وافعل ما تشاء " هذا الشعار المخالف للرأي العام هو من القديس أغوسطينوس بالذات الذي عاد فأحيا الوصايا العشر في القرن الرابع.
وفي الواقع ، هل تكمن روح الإنجيل في إحلال حب القريب محل الشريعة القديمة ؟ هذا الاعتقاد هو تنكر لهذا وذاك من العهدين اللذين هما في تكامل كطابقين في منـزل واحد . في العهد الجديد ، لم تُرم " الوصية " جانباً ، بل بالعكس فهي تبدو دائماً ، في المقام الأول . يذكّر الرب ويتمسك بكل ما علّمه كلام الله قبل مجيئه . يفعل ذلك ، حقاً ، مميزاً بعناية بين الكتاب المُوحى ، الحازم والمحرّر وبين " تقاليد الناس " الذي غذته طفيليات من الممارسات المفرطة الدقة والمرهقة . يفعله أيضاً طارحاً أكثر فأكثر سلطته المحضة ، لا ليُلغي الشريعة القديمة ، بل بالعكس ليرفعها إلى ذروة كمالها ( متى 5/17-19 ) . لم يُلغ الرب المبادئ الطبيعية في الشريعة ، بل نشرها وكمّلها ، هكذا ، كل مرة ، الشريعة القديمة هي موضوع تعمق رائع ، لكن ليست موضوع إلغاء ، حتى أنها ليست موضوع إبدال بأخرى ، وهي بالأحرى ليست موضوعاً نقيضاً . ما كان العهد القديم قط ليقول ، في أي مكان ، ببغض الأعداء . كان هذا تأويلاً مدعاة للشك بقدر ما كان? رسمياً . وعندما كان يسوع يدعو سامعيه إلى الاقتداء بالله الذي يسخو على أعدائه كما على أصدقائه ، لم يكن يقوم إلا باستعادة الشريعة الأساسية للعهد القديم بأجمعه : أن نكون قديسين لأن الله قدوس ، أن نكون قديسين كما الله قدوس .
كلمات الميثاق العشر
إن الوصايا العشر ، في ذروة كمالها ، هي المحظور الذي عليه يبنى شعب الله وبالتالي ، كل كنيسة مسيحية . لأنها في مصدرها ، مرتبطة بالخروج من مصر ، وبالتالي بالتحرر ، بالفداء، بالميثاق بين الله والبشر ، وبالخلاص في يسوع المسيح . لنُعد قراءة سفر الخروج ، فصل 19: ظهر الله ، إذ ذاك ، في غمامة على جبل سيناء . " ثم تكلم الله بجميع هذا الكلام قائلاً :
- أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من دار العبودية
- لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي
- لا تصنع لك منحوتاً ولا صورة شيء مما في السماء من فوق ولا مما في الأرض من أسفل
- لا تحلف باسم الرب إلهك باطلاً
- أذكر يوم السبت لتقدسه
- أكرم أباك وأمك
- لا تقتل- لا تزن- لا تسرق
- لا تشهد على قريبك شهادة زور
- لا تشته شيئاً يخصّ قريبك " ( خر 20/1 _ 17 )
هذه الكلمات العشر هي خاتمة العهد في إطار الخروج ، إنها انطلاقاً من مصدرها ودورها ، في صلب إيمان إسرائيل وحياته ، كما في صلب الكنيسة المسيحية : الميثاق الذي عليه أُسس تاريخ التحرر والخلاص . ويجب أن تُفهم على أنها " الحريات العشر الكبيرة " . الوصايا العشر التي أُنشئت بدراية ،تقدّم للعالم الحديث معنى لا ينضب ، لم يكن الإنجيل إلا ليعكسه ويتوسع فيه .
احفظ الوصايا
" الكلمة صار جسداً وحلّ بيننا " لا ليحمل لنا خُلُقية ، بل ليحمل لنا الخلاص إنه لمن الخطأ أن نشير إلى أن الرب يعرض الوصايا للتصفية . لقد جاء ليعلن الغفران ، لا لينكر الخطيئة . جاء ليبشر بالرحمة ، لا ليلغي الشريعة . في الحقيقة ، إنه يهاجم بعنف الكتبة والفريسيين الذين يُرهقون الشعب الصغير بتقاليد بشرية ، ولكنه يلومهم على مخالفة وصايا الله ( متى 15/1 - 19 ) . إنه يضطلع بكلمات العهد العشر ، لأنه جاء خاصة ليكمّل العهد ويخلّده . إن عمل المسيح لا يُبطل الوصايا ، كما قيل غالباً ، وهو لا يقوم حتى في بناء خُلُقية أرقى ، بل في صقلها روحياً وتقديمها للجميع : موته وقيامته " ينشران روحه على كل جسد " ( رسل 2/17 ) روح حياة ، روح حب . الروح بالذات الذي يحفز إلى أن نحيا المسيح ونحبه .
إن الوصايا هي شرائع أجل إنما لكي نحب ولا ندع أحداً خارج الدائرة حيث الحب والمشاركة ، تكبر السعادة عندما تكون المشاركة ، تصبح نعيم الله بالذات عندما نعطي كل شيء ، مثل الذي كان " الإنسان من أجل الآخرين " ، المسيح .
لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي ( الوصايا الثلاثة الأولى )
واحدة ، اثنان ، أو عشرة : في زمن يسوع كان هناك تياران يتنازعان المُنظّرين الخُلُقيين الفريسيين : مدرسة هلّيل التي كانت تنادي بشرح ملطّف للشريعة ، ومدرسة شمعي التي كانت تتشبّث بتقيّد صارم . يُحكى بأن وثنياً أراد أن يعتنق الديانة اليهودية ، ولكن اشترط أن تعرض له الشريعة اليهودية بكاملها خلال المدة التي يمكنه أن يقضيها واقفاً متوازناً على ساق واحدة . شمعي المتشدد ضربه بمسطرته وطرده فوراً خارجاً. أما هلّيل المتسامح فرفع التحدي بدعة واختصر الشريعة كلّها بكلمة : " أحبب قريبك " .
هذا ما يلائمنا تماماً . عصرنا عصر السرعة ، لقد أوجزنا الكتب في " ملّخصات " ، وموضوعات المجلات في " مختصرات " . أتُراها السرعة نفسها - أم الكسل - هي التي تردّ اليوم طوعاً أوامر الله والكنيسة كلّها ، والشريعة والخلقية ، إلى هذه الكلمة الفريدة : الحبّ .
ثمة أكثر من أسلوب . لأن الرب لا يعارض ذلك ، بل بالعكس. فللمشترع الذي يسأله لينصب له شركاً:
- يا معلم ، ما الوصية العظمى في التوراة ؟

قال يسوع ( مستشهداً بتثنية الاشتراع ) : " أحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل فكرك . هذه هي الوصية العظمى والأولى. والثانية التي تشبهها : أحبب قريبك حبّك لنفسك . وبهاتين الوصيتين تختصر التوراة كلها والأنبياء " ( متى 22/33 _ 40 ) . هكذا ثـبّت يسوع المركز ، بؤرة الوصايا العشر . فالعقدة التي تشدّ في حزمة واحدة الخلقية الإنسانية والمسيحية كلّها ، هي إذاً " أحبب ". ولكن عندما نختصر الكلمات العشر ( الوصايا ) في واحدة ، " الوصية الكبرى " ، لا تصل إلى واحدة أو عشرة ، بل إلى اثنتين ، وكون الثانية عظيمة وهامة شأن الأولى، فالاثنتان تصبحان إذ ذاك غير منفصلتين .
موجز القول ، " البرهان يتسع " على أننا نحب الله ، قائم في المحبة التي نكنّها لاخوتنا . فالوصية الأولى تتحقق في التقيّد بالثانية " المماثلة لها " . إن الرب يضع حداً لأوهامنا ، عندما يطلب كدليل منا على حبنا له ، الحب المحسوس تجاه الآخرين . علامة حبّ الله الذي لا نرى ، هي في حب اخوتنا الذين نرى . علامة اكتمال الوصية الأولى في قلوبنا تظهر في ممارسة التسع الأخرى حيث خمس منها تردّنا إلى احترام القريب وحبّه ( 1 يو 4/12 ، 16 ، 20 - 21 ) .
يقدم الكتاب الوصايا في لوحتين يتضمن كلّ منها خمساً . الأولى تورد النقاط الأساسية في موقفنا إزاء الله ، والأخيرة تشير إلى واجباتنا تجاه القريب . والرب سيرجع اللوحتين إلى وصيتين ، وما هذا إلا ليوحدهما أو على الأقل ليضعهما في مرتبة واحدة : الوصية الثانية مماثلة للأولى من جهة أخرى ، فالوصية الخامسة هي كالمركز حيث تلتحم الوصايا ، لأن الراحة الأسبوعية هي ، في الوقت عينه ، تقديس لله واستراحة للإنسان من أعماله .
ملاحظة : في ممارسة التعليم المسيحي في كنيستنا ، ترقيم الكلمات العشر أو تقطيعها لم يكن دائماً التقطيع المتبع في الكتاب . هكذا جمع القديس أغوسطينوس الوصيتين الأوليتين في واحدة وجزّأ إلى اثنتين الوصية الأخيرة . فضلاً عن مسودة قديمة من الوصايا العشر في سفر الخروج 34/14-16 ، وصلنا النص الموحى للكلمات العشر ، في تعابير مماثلة من خلال تقليدين مختلفين : خروج 20/2-17 وتثنية الاشتراع 5/6-21 . الوصايا العشر هي ذاتها فيهما وحسب الترتيب نفسه ) .
" أنا هو إلهك الذي انتشلك من العبودية "
" أنا يهوه ، إلهك ، الذي أخرجك من أرض مصر ، من دار العبودية ( تث 5/6 ) .
هكذا تبدأ ما سميت بـ " الوصايا العشر " . لنلاحظنّ ذلك جيداً : هذه الكلمات الأولى لا " تأمر " بشيء . واحد يتقدم فيقول " أنا " صوت شخص . ويستشهد ، لا بسلطانه ، ولا بحقوقه ، ولكن بحبه المعلن ، بصوت صارخ : " أنا يهوه إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من دار العبودية " . يهوه لا يقدّم نفسه هنا بما هو عليه ، بل بما صنع ويريد أن يصنع أيضاً لأجل شعبه ولأجلنا . إنه يُدعى بالاسم الحقيقي الذي به ظهر لموسى في العليقة الملتهبة : يهوه: " أنا هو " و" سأكون [ معك ، قربك ، لأجلك ] . اسم الله هذا ، هو هكذا مرتبط إلى الأبد بحدث الخروج : " أنا يهوه ، إلهك الذي أخرجك من أرض مصر " ، عمل محرر ، مخلص ، فادِ .
بعد هذه المقدمة ، ما يطلب تالياً ، " الأنت " الذي سيفتح كلاً من الكلمات العشر والذي سيقوم بداهة في علاقة عهد ، في حوار حب معقود في التاريخ الإنساني بحدث ، هو زواج ، هو " أنا " و " أنت " في حنوّ أبدي.
هذا " الأنا " الذي يستدعي " حبه " ، هذا " الأنا " الذي يخاطب " الأنت " بحنوّ حميم ، هذا " الأنا " الذي يُدعى يهوه " سأكون معك " يمكنه أن يلفظ الكلمات العشر . عندما نعرف أننا محبوبون، يمكننا أن نسمع كل شيء ولا نطلب إلاّ أن نقول نعم . وبالمقابل ، عندما نحبّ ، باستطاعتنا أن نسأل كل شيء ، لأننا فضلاً عن كوننا لا نؤخذ بتجربة الغلوّ ، فإننا لا نسأل إلاّ خير الذي أو التي أو الذين نحبهم . كذلك لا نخف من هذا " الأنت " مهما كان قاطعاً : إنّ له حدّ الحب الملزم . وعليك أن تسمع ملء رجاء بهيج ، هذه الكلمات العشر الآمرة التي يوجهها الله بذاته ، اليوم وأبداً ، إلى كلّ واحد شخصياً ، إذن ، إليك " أنت " الآن ، لأنه يحبك .
" لا يكن لك " كلمات الرجاء العشر "
" لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي " ، هذه هي الوصية الأولى . إنها تقع كحظر . لقد صدم البعض حقاً من الصياغة السلبية للكلمات العشر كلّها ، ما عدا اثنتين ، تعبّـر بـ " لن يكون? لك " ، مما يظهر الحريات العشر كمحظورات . يبدو للكثيرين أن الأوامر الإيجابية قد تكون أكثر إنجيلية وأكثر ديبلوماسية تجاهنا ، وهي بالتالي تطبّق بفرح أوفر . ليس هذا إلاّ شعوراً خالياً من التفكير .
عظة يسوع على الجبل لا تخلو من المحظورات : " لا تحلف لا تمارس ديانتك لتجذب أنظار الناس لا تطنّ بكرمك لا تكونوا كالمرائين لا تكنـزوا كنوزاً على الأرض لا تخافوا لا تدينوا ( متى 5،7 ) . الصيغة السلبية التي ليست ، إلى كلّ هذا ، إلا اختياراً لشكل لغوي ، هي جارحة ، إنما ليس لها مدلول آخر سوى الصيغة الإيجابية التي تعني : " اترك لقريبك حياته وسمعته وزوجته أو زوجها ومحفظته " . إن الوصايا في نواهيها هي أساساً ناموس محرّر ، بسياقها التاريخي في الخروج من العبوديّـة ، بعهد الحب الذي هي شرعته ، وبمضمونها المؤنسن . إن الوصايا هي " الناموس الكامل " الذي عليه تكلمت رسالة القديس يعقوب : " أيها الأخوة ، كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين لها فقط فتغرّوا أنفسكم فمن يتطلع في الناموس الكامل ، ناموس الحرية ويستمرّ عليه ، لا كمن يسمع ثم ينسى بل كمن يمارس العمل ، فهذا يكون سعيداً في عمله " ( يع 1/22 _ 25 ) .
نقطة تكاد تمر دون أن تُلحظ . فالوصايا في نصّها الأصلي ، ليست موضوعة بصيغة الأمر : " لا تقتل لا تسرق " لكن بصيغة المستقبل : " لن يكون لك آلهة أخرى لن تقتل " . إن الكلمات العشر هي شرعة للمستقبل ، لذلك فإننا نؤّديها عادة بصيغة المستقبل : " لن يكون لك آلهة أخرى تجاهي " .
" لا آلهة أخرى تجاهي "
لا يعطينا سفر التكوين قط فكرة مجردة عن الإنسان ، بل يظهره بجسمه ، بكيانه ، في علاقته بالله ، بهذا الإله الذي يعلن صورته في الإنسان ، وهكذا يتيح لنا أن نكتشف إلهنا انطلاقاً من الإنسان صورته ، وبالأكثر ، في علاقته الأبوية معه هذا الإنسان ، مع شعبه الذي حرّره ، وأخيراً مع البشرية جمعاء . لأن العهد لا يبدأ مع إسرائيل إلا ليمتدّ إلى كل الأمم . مذاك ، دون أن يؤكد الله بأنّـه الأوحد ، فهو يستعمل لغة العهد : " أنا يهوه ، إلهك ، لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي " ( تث 5/6 _ 7 ) . كما في الأعراس الأرضية، عندما يضع كلّ من الخطيبين الخاتم في إصبعه ، يتبادلان ضمناً هذا الكلام : " أنا زوجك? أنا زوجتك لا يكن لك زوج سواي " . ها هما شريكان في الحياة والموت ، دون أن يتمكن أحد من التسرّب كثالث إلى هذا الحب " الزوجي " المتبادل . فالله هو إذن " إلهنا " إلى الأبد .
الله الذي ارتبط بنا ولن ينفصل عنا ، الله الذي تعرّض للشبهة معنا والذي يُرفض غالباً بسببنا ، هذا الإله _ " إلهك " _ لن يتراجع . ولكنه يدعونا إلى التجاوب ، إلى الحب المطلق ، إلى الأمانة الخالصة: " لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي " . نحن مدعوون أبداً إلى تجديد العهد الذي لا يمكن أن يحله شيء ، لا الموت ولا الحياة ، عهد لا يمكن أن ينوب عنه شيء لأنه خالق الحياة والحرية ، والسعادة والأبدية ، لا يمكن أن ينوب عنه شيء بالنسبة إليه وإلينا لأنه عهد حب .
اسم الله
بقدر ما نتقدم ، تتمحور الوصايا حول الله . الوصية الأولى موجهة إلى الخارج ، إنها تحذّر من الهرب بعيداً عن الله ، إلى آلهة أخرى ، إلى آلهة مزيّـفة ، تلك التي نستعيرها من الوثنيين أو نصوغها مثلهم . لكلّ عصر آلهته.
الوصية الثانية تدين ممارسة ، ليست هي ابتعاداً عن الله الحقيقي ، إنما هي بالعكس عمل مباشر عليه وضدّه: تدنيه إلى صورة منحوتة ، تزييف الكلام اللامنظور الذي أوحي به ، تجاهل صورة الله في كلّ إنسان .

وإليك أيضاً ما هو أخطر : الاستعمال الكاذب أو السيئ أو المدنّس ، لا للصورة المزيّفة ، بل للاسم ، أعني لشخص الرب أو يسوع بالذات . وهنا تدخل الوصية الثالثة : " لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً لأنّ الرب لا يزكّي من ينطق باسمه باطلاً "( تث 5/11). في التعدي على اسم الله ، المستعمل " زوراً " يتجاسر الإنسان على أن يحاول ، بشيء من الوعي ، الاستيلاء عليه واستعماله ، استعباده واستخدامه ، وضع اليد عليه ليصنع منه ما يشاء .
أيها الآب ، إجعلنا متألقين بك
إن الوصية الثالثة لا تدعنا في طمأنينتنا : إنها تُلزمنا بأن نُساعد أقصى ما يُستطاع لمجد الله . وبما أننا نحن أبناء وبنات الله المعتمدون ، فإن تصرفنا هو الذي سيحفز إلى التجديف عليه أو التعرّف إليه : يقول لنا يسوع : " أنتم نور العالم " ( متى 5/14- 16 ) . فأفكارنا وأقوالنا هي إذن مرآة القداسة الإلهية وحب الآب . " ومهما أخذتم فيه من قول أو فعل ، فليكن الكل باسم الرب يسوع المسيح شاكرين به الله الآب " ( قول 3/17) .
من اللوح الأول إلى اللوح الثاني
في البدء خلق الله السماء والأرض باركهما وقال لهما : " انميا واكثرا ، املأا الأرض وأخضعاها " (تك 1 ) . قبل الكلمات العشر بزمن بعيد ، هذه هي الكلمة الوحيدة ، كلمة الخالق الأولى للإنسان خليقته : " انميا " . وبهذه الكلمة ، لا يمكنك إلا أن تشعر بأنك معنيّ شخصياً : أنت مدين لها بالحياة ، لقد خلقتك ، وهي تخلقك في كل آن ، وستخلقك إلى الأبد . بها خلاصنا الأول ، لأنها تنشلنا من موت الأموات هذا الذي هو العدم الأصلي حيث كنّا ، لولاها ، مكثنا إلى الأبد . ولكن ألا يُهان الإنسان ويُستغل ويُسلب ويُقتل من قبل أناس آخرين ؟ أجل ، ومن أجل ذلك ، تدفقت كلمات " اللوح الثاني " من الشريعة ، من فم الخالق بالذات : " لا ترتكب قتلاً وزنىً وسرقةً وكذباً " وقبل هذا : " أكرم أباك وأمّك كما أمرك الربّ إلهك لكي تطول أيامك وتصيب خيراً في الأرض التي يعطيك الربّ إلهك " ( تث 5/16 ) . هذه الوصية الخامسة هي التي تنقلنا من اللوح الأول إلى اللوح الثاني من الشريعة الإلهية . أو بالأحرى هي التي تربطهما الواحد بالآخر .
أكرم أباك وأمك
منذ الفعل الأول ، فعل الخلاص الدائم ، خلق إله الحب الرجل والمرأة وأوكل إليهما هذه المهمة : " إنميا " ، فالخالق يشرك الوالدين بقدرته في الحياة والحب : يجعل الإنسان أباً وأماً ويقضي بأنه ، بدونهما ، لن يكون أولاد ولن يكون شعب الله ، حيث أن حياة كل كائن بشري تنبثق من حب الله كما من منبعها ، ولكنها بالضرورة أيضاً من اتحاد الوالدين ، من إرادتهما ومن حبهما . لذلك في الوقت نفسه الذي تعبد فيه خالقك ، " أكرم أباك وأمك " : إنهما ، معه ،" علّة وجودك " . بدون والديك ، لا الخلق ولا الخلاص يعنيانك . في تصميمه، أرادهما الله قريبين منه غاية القرب. إن تميّـزهما عنه ، فلا يمكنك أن تفصلهما عنه في الإقرار بجميلهما واحترامك لهما .
نلاحظ أن اللوح الثاني من الشريعة ، الذي يلفتنا إلى القريب ، يجد هنا مفصلة تصلنا باللوح الأول ، بالله . إذا كنت لا أستطيع أن أسعى إلى والديّ دون أن أتجه صوب الله ، إذا كنت لا أستطيع أن أمسهما دون أن أمسّ الله ، ما الأمر الكبير الذي يجب أن أستشعره في وحي هذه الوصية الإيجابية : " أكرمهما " ؟ .
الأهمية أولاً هي أهميتك أنت ، لأنك تعتقد نفسك ذا أهمية ، وأنت على حق . ولكن ، بفضلهما ، أنت في الوجود . أية كانت منزلتهما ، حتى مهما كانا غير مؤهلين ، فهما اللذان أعطياك الحياة . وإليك يعود بأن يقر العالم والله نفسه بفضلهما إلى الأبد . الأهمية أيضاً ، أنهما في انتظار أن تتـزوج وتصبح مثلهما أباً وأماً هما " قريبك " الأول . الأهمية أخيراً في أنهما صورة الله ثلاث مرات :
- ككائنات بشرية خُلقت على مثال الله .
- كزوجين متحابين أصبحا " ثالوثاً " في ولدهما بعطاء حبّهما المتبادل .
- كوالدين أخيراً مُشاركين في قدرة الخالق ومكلّلين ببريق من مجده .
وبما أن الوالدين هما فعلاً ، مع الله ، صانعا أولادهما ، فعلى هؤلاء أن يعترفوا ، أقله لوقت ما ، بسلطتهما ، هذا يعني أن السلطة تتجذّر في سر الحياة وفي سر الحب . والسلطة هي حكمة الله المُعارة للوالدين من أجل نموّ أولادهم الجسدي والنفسي والديني والثقافي . فالسلطة هي إذن حبّ وخدمة وواجب ، أكثر منها حق وبما أنها تُمارس على إنسان حر ، فهي تتلاشى وتتراجع بقدر ما تثبت حرية الابن . وتسقط ، في النهاية كمشد لا فائدة منه ، وكقالب لم تعد ثـمّة حاجة إليه . أخيراً ، إن السلطة محبوبة إجمالاً ، - شرط ألا يساء استعمال النفوذ لأنها حب . فيجب أن يُـجاب عنها بطاعة حب . يُحبّ الولد أن يطيع والدين يرى فيهما سلطة الله ، إذا ما نسيا ذاتهما وما عرفا إلا الحب ، كما الله . وهكذا في المحبة ، السلطة والحرية تتعانقان .
بيد أن الوصية الخامسة هي على غرار التسع الأخرى ، كلمة حرية . فهي تدين إذن الوالدين الظالمين الذين يكون مسكنهم " بيت العبودية " . فإن الوصية الخامسة ، كونها كلمة حرية ، فهي لا تُغلق أمام الأجيال الجديدة سبل الابتكار والخلق والتجديد والتقدم ، دون أن ينسوا أن العالم بدأ قبلهم ، وأنهم ، بالعكس ، محمولون على أكتاف أجدادهم .
"لا تقتل " لا تقتل أبداً إنساناً
الحياة ؟ ما الحياة ؟ لم يستطع أحد أن يحدّدها ، بيد أن الناس كلهم يحدسون بما هي . كل إنسان يُدرك ظواهرها : يولد ، يتغذى ، يكبر ، يتحرك ، يشعر ، يلد عند الاقتضاء ، يحمل ثمراً ، يشيخ وأخيراً يموت . فالإنسان والحيوان والنبات يعيشون . لكن هنا لا نتكلمنّ على احترام حياة الكائنات إجمالاً ، بل على الحياة البشرية . بهائم ونباتات خلقت من أجل الإنسان ، من أجل بهجة الإنسان ورفاهيته . الحياة البشرية هي شيء مطلق وقيمة القيم ، لأن الإنسان وحده هو شخص بين أحياء هذه الأرض ، هو صورة الله ، عاقل وحر ومُحب وخالد . ولذلك ولاّه الخالق ليكون مدّبراً وسيداً على الحيوانات التي هي دون حياته .
إن الوصية السادسة تشجب الموت الذي يسببه فرد في عمل عنف أو ثأر أو عدالة خاصة ، أو تهاون بالغ ، إنها تنكر القتل ، أياً كان ، الذي يهدد حياة شعب الله الاجتماعية . هكذا تُصان حياة " القريب " ضد كل اعتداء خاص . إنها تحرم القتل ، أعني كما يقول القديس توما ، " القتل الإرادي لبريء " . لماذا لأن الحياة البشرية هي أساس كل الخيور ، والمصدر والشرط الضروريان في كل نشاط بشري وكل مشاركة اجتماعية . ولأن كل إنسان هو مساو لكل إنسان. أيّ مواطن عادي لا يمكنه أن يعزو إلى نفسه حق الحياة والموت على الآخرين ، إلا إذا اعتبر نفسه الإله الخالق الذي يُحيي ويُميت ، أو ممثله في المجتمع . وأخيراً ، لأن كل إنسان يحرص حرصاً شديداً على حياته بالذات وعن حق فهو لا يُعذر إذا ما اعتدى على حياة أخيه بالدم، حياة ذاته الأخرى في الإنسانية ، والتي هي قريبه أياً كان . إلى ذلك ، يحدس المؤمن ، تجاه حياة نظيره ، بسر مقدس ذي مصدر إلهي . يعرف أن كل إنسان يأتي من الله ويعود إلى الله ، في ساعة الله الذي هو وحده ربّ الحياة والموت . وأنه في اختصاره حياة شبيهه ، إنما " يقلّد الله " في عملية اغتصاب وتحدّ . أخيراً ، يعرف المسيحي أيضاً أن دماً بشرياً يجري ، منذ ألفي سنة ، في عروق الله. إن الله حقاً ، ارتمى معنا في كفّة الميزان حتى يأخذ كلّ إنسان من بعدُ وزن الله . من يجرؤ على إراقة الدم الإلهي ؟ لقد قال الإنسان _ الإله : " كل ما صنعتم هذا إلى أحد اخوتي الأصغرين هؤلاء فإليّ صنعتموه " ( متى 25/40 ) . فقتل إنسان بريء ، هو قتل المسيح .
" لا تزن .الزواج ، هذا السر العظيم "
" أيها المعلم ، لقد فاجأنا هذه المرأة متلبسة بجريمة الزنى ، ونحن نعلم أن موسى في شريعته يأمر برجم نساء كهذه ، وأنت ماذا تقول ؟ ينتصب يسوع ويقول : من منكم بدون خطيئة ، فليقذفها بالحجر الأول (يو 8/2 ) . هاهم يقعون أسرى لعبتهم. على الأخص أسرى كلام الله العذب والخالي من الشفقة ، كلهم يختفون على أصابع أرجلهم . وتبقى المتهمة ، وحدها ، خائرة القوى، قال لها يسوع : يا امرأة ، أين هم ؟ لم يدنك أحد ؟ - لا أحد، يا رب حسناً، أنا أيضاً لا أدينك ، اذهبي ولا تخطئي بعد الآن .
هكذا مرة أخرى ، يرد يسوع الشريعة الموسوية إلى العهد القديم ، ويُبقي للعهد الجديد كلمات العهد العشر . يظل على مسافة من موسى ورجمه ، بينما بقوله " لا تخطئي بعد الآن " يتمسك بالوصية السابعة من الوصايا العشر ويثبتها :
" لا ترتكب زنى " ( تث 5/18 ) ، هناك "الخطيئة الصغرى "، الشراهة ، ثم وعلى الأخص ، إنها " الخطيئة الشنيعة " كما كان يقال في القرن السابع عشر ، وحتى بكل بساطة وبحرف كبير " الخطيئة " وكل ما تبقى ليس سوى زلات . فالمقصود ، الدنس عامة والزنى على الأخص .
ليس من قبيل الصدفة أن تكون هذه الوصية السابعة " لا تقترف زنى " ملحقة بتلك التي تحرّم القتل . فالكائن البشري المتزوج يدمر قرينه ، عندما يستسلم لعلاقة أخرى ، وإن بطريقة عابرة . الجحود من قبل المارق نوع من قتل الله . معه ، كانت هناك خطيئتان أخريان في الكنيسة الأولى ، تبعدان عن الافخارستيا : القتل والزنى . بيد أن الإيضاحات الأخرى في الكتاب المقدس المتعلقة بالجنس تشهد بوفرة أن هذا المحظور الأكبر يتوسع لدى كل علاقة جنسية فاسدة : ارتكاب المحارم ، لواط ، علاقة بين إنسان وحيوان ( أح 18 ، خصوصاً 6- 7 ، 21- 23 ، و20/10- 21 ) . أما فيما يتعلق بالزنى ، فهو مُدان على الأخص ، بتحريم الدعارة ، في مواعظ الأنبياء ولا سيما في قرارات حكماء إسرائيل .
إن التفسير الشامل الذي أعطاه العهد الجديد للوصية السابعة من الوصايا العشر ، لا يضيف شيئاً، كما يُتهم أحياناً بذلك . فهو يبقى أحياناً لتقليد كتابي طويل نابع من كلام العهد " لا تقترف زنى ". والتعليم المسيحي التقليدي في الكنيسة كان صدى العهدين في إسهابه في تحريم الزنى بهذه العبارات : " ولا تقترف زنى لا بالفعل ولا بالرضى لا تركن إلى شهوة الجسد إلا في الزواج . " إن تكن حاجة لتأكيد ذلك ، فها هي الرسالة إلى العبرانيين : " ليكن الزواج مكرّماً في كل شيء ، والمضجع طاهراً ، فإن الزناة والفسّاق سيدينهم الله " ( عب 13/4 ) .
الزواج عظيم جداً -غاية في العظمة
الزوجان والعائلة صدرا عن الله ، بالنسبة إلى الذين لا يؤمنون بذلك وإلى الذين يؤمنون ، لأن الزواج هو ، كالإنسان نفسه ، امتداد لسر الله بالذات ، ووسيلة لنقله . لكن هذا السر هو الحب . ولا سعادة إلا إذا أَحببنا وأُحببنا . وبما أن كل شيء به كُوّن ، فكيف نريد أن يخلق الأشياء إلا على صورته ومثاله ؟ نستنتج أن كل شيء خُلق عن حب ، كل شيء خُلق عائلة ، كما أن الله " عائلة " . هكذا يكون الزوجان ، حتى في اللذين يجهلون ذلك ، سر الله الذي يمكن أن يكشفه بملئه الإيمان وحده ، والذي وحدها كنيسة يسوع المسيح تحتفل به كما هو
لا شيء يمكن أن يفصلنا : ولأن الله حب ، عقد الثالوث " ميثاقاً " مع البشرية : " أتزوجك إلى الأبد . "

يقول الرب ، أتزوجك في الحب والحنان ، أتزوجك في الأمانة، فتعرفين الله " ( هو 2/21-22) . لنفهم ذلك : في تجسده اقترن الابن بالبشرية ، ترك أباه واتخذ الطبيعة البشرية ، وإذا بالله والإنسان في جسد واحد ، جسد يسوع الناصري ، هذا الجسد المولود من مريم العذراء. هكذا ، حياة الله كلها ، تنتقل إلينا بيسوع المسيح. حياتنا كلها ، وقد تطهّرت وتبدلت، تمر بيسوع المسيح إلى الله . بين زوجين ، كلّ شيء مشترك . والحال أن الله تزوج البشرية بيسوع المسيح . كلّ شيء إذن مشترك بين الله والبشر . هذا هو العرس الأمثل ، عرس الله والبشر بتجسد ابنه . هذا هو الزواج المثالي . زواج نهائي ، زواج حب ولا أغنى ؛ لأجل عروسه ، سلّم الابن نفسه إلى الموت . وهكذا ، يطلب الرب ، بواسطة كنيسته ، أن يقبل رجال ونساء يهبون ذواتهم الواحد للآخر في الحب مدى الحياة ، أن يقبلوا شرف ونعمة عهد المسيح وكنيسته ، فيعيشون ويشهدون له ويكونون " سره " أي علامة حسية يراها الجميع .
لنعد قراءة الفصل 5 من القديس متى . من خلال الآيات 17- 48 يرسم يسوع عالياً ، في مطلق الله ، خط القمة للزواج ، لكن أيضاً وبالقدر نفسه ، لعدد من المثاليات الأخرى . إن تصريحات يسوع السامية تُقوي وتُرقّي ستّ نقاط اختارها كلها على أنها أساسية وجعلها في مستوى واحد وعالجها في النص ، وفاقاً للتصوّر ذاته: " ما جئت لأبطل الشريعة اليهودية ، بل بالعكس لأرفعها إلى كمالها / يجب أن تمتنع لا عن القتل فحسب، بل حتى عن الغضب / لا عن الزنى فحسب ، بل حتى عن الشهوة الباطنية / لا عن الطلاق وفاقاً للقوانين فحسب ، بل عن الطلاق إطلاقاً / لا عن القسم بالباطل فحسب ، بل عن كل قسم / ينبغي أن تمتنع لا عن الانتقام "المعتدل" فحسب ، بل عن كل انتقام بتاتاً / لا أن تحب قريبك فقط ، بل أن تحب حتى عدوك
لا تزن فالجسد ليس مادة حتى للّذة . الجسد هو شخص لم يُعدّ ليتلذّذ اعتباطياً لا على حساب نفسه ولا حساب الآخرين. لا يمكن أن يقدّم ذاته جنسياً . لا يمكن أن يهب نفسه وأن يُقتبل كالشخص عينه ، إلا في حب نهائي في مؤسسة الزواج الأساسية والعامة . إن الاتحاد الجسدي لا يمكن أن يعني خارج الزواج ما يمثّله حقيقة : حب متبادل ، ثابت ، أمين ، مطلق ، وخصب .
الحب والمسافة
كل امرأة وكل رجل هما ، بالنسبة إلى كل كائن بشري جدير بهذا الاسم ، أخت وأخ. وعندما يولد الحب بين كائنين يُكمّل أحدهما الآخر ، فهو يبدأ في أن يخلق ، مع الحنان ، مسافة الاحترام والإعحاب . وحدها هذه المسافة تتيح أن نرى في الحبيب أو الحبيبة شخصاً روحانياً ، لا موضوع استيلاء غريزي . في الحب الحقيقي ، الروحي يتغلب على الجسدي: الجسد هو جزء من القلب .
أن نطلب إلى شبان ، حتى إلى خاطبين ، ألاّ يمارسوا علاقات جنسية قبل الزواج ، فهذا يعني أننا نشير عليهم بأن يكوّنوا أنفسهم ، بادئ بدء ، أشخاصاً ، وأن يتبادلوا هذا الاحترام وهذا التحفظ كضمانة بأن الشريك ليس مرغوباً أو مستهلكاً لإشباع الشهوات ، إنّما مُقتبل ككائن رائع تجدر التضحية بكلّ شيء لأجله . آنئذ ينال كلّ حظّه في أن يصبح للآخر مصدر ابتهاج وإبداع ، حتى وإن حالت الظروف يوماً دون اتحاد الجسدين .
لا تسرق - " سلب - خطف - " كلام لأجل الحرّية
كلمات تقربنا من هذا المصراع الثامن ، مصراع الوصايا القديمة . " لا تسرق " ، هكذا كان يعبّر منذ عهد قريب عمّا يُسمى " الوصية السابعة " ، ولكن هذه الـ " لا تسرق " تحتفظ لنا بمفاجأة مزدوجة . الأولى ، وهي الصغرى ، أن هذه الوصية هي في الكتاب المقدس الثامنة لا السابعة . أما الثانية ، وهي الكبرى ، فهي لا تقصد القول " لا تقترف سرقة " ، بل : " لا تمارس الاغتصاب " ( تث 5/19 ) . " فالاغتصاب " هو حقاً سرقة ، إنما سرقة إنسان . هذه العبارة تشير إلى كل خطف لشخص أو احتجازه _ حتى في حال رضاه إن كان قاصراً _ لأي غرض كان : إستعباد اقتصادي ، شبع جنسي ، استثمار تجاري ، أخذه كرهينة ، ثأر أو انتقام
هكذا نجد أن الوصايا الخمس الأخيرة تحافظ على الحقوق الأساسية للشخص البشري : حياة ، زواج ، حرية ، كرامة ، وملكية. حقاً ، إن كلمات العهد العشر تثبت كأنها الشرعة العالمية لحقوق الإنسان . مع الحرية في الوسط لأنها تتضمن وتشترط الأخرى كلها.
لا تشهد زوراً من شهادة الزور إلى الكذب
" لا تشهد على قريبك شهادة زور " ( خر 20/16 ) ، إن تلك الوصية تستوجب على الأخص مخافة الله . من هنا أهمية كلام رسمي لله ، في الوصايا ، ضد الألسنة الخبيثة . في الحقيقة ، إن شرف " المتّهم " وثروته وسلامته الجسدية وأحياناً حياته كانت تتوقف على الشهادة الصادقة أو الكاذبة . كان الخطر يُهدّد حقوقه الأساسية التي تضمنها الوصايا السابقة : " لا تقتل ، لا تزن ، لا تسرق " فالهدف الأول ، و " رأس " الوصية التاسعة هو إذن : " لا تشهد شهادة زور أمام العدالة " .
لكن ، كيف باستطاعة من استحوذت عليه آفة الكذب في حياته العادية ، أن يكون صادقاً أمام المحاكم ؟ لمن الضروري إذن القضاء على الكذب من أي جهة كان . فحظر شهادة الزور يجب أن يفهم إذن كحظر من كل كذبة . كما يجب أن يقوم وفاق دائم بين الكلام والقلب. في المقاضاة بالتأكيد ، لكن بادئ بدء ، في العلاقات البشرية جميعها: العلاقات مع الله الذي يشيح عن شعب يكرمه بالشفاه بينما قلبه بعيد عنه ( اش 29/13 ) العلاقات مع الأخوة حيث كل كلام هو شهادة، وكل كذبة هي شهادة باطلة .
كلمة العهد التاسعة هذه ، تستهدف دائرة الصدق والكذب . فشاهد الزور في المحكمة هو كاذب مؤهّل ومحلّف ، لكن كل كاذب هو شاهد زور لفكره وللحقيقة في يوميات علائقه البشرية . من هنا الصياغة المسهبة التي يعرض بها هذه الوصية سفر تثنية الاشتراع : " لا تشهد على صاحبك شهادة زور " ( تث 5/20 ) ، هكذا، كل كلام أو تصرف كاذب ، تحرّمه طبيعة الإنسان الاجتماعية ، وأعلى محكمة في العالم ، في سيناء :
- لأنه إذلال للشخص الذي يُفكر بشيء ويصرّح بنقيضه
- لأنه استعمال شنيع للسّان وللجسد اللذين هما أصلاً آلتا علاقة فاعلة
- لأنه ، من هذا المنطلق ، هو دائماً خدعة " ضد القريب " وربما شهادة زور
- وأخيراً ، لأنه ، بالنسبة إلى المؤمن ، نقيض " شيم " إلهه الذي هو حق وأمانة .
شهادة الزور هي المثل الحسي الأكثر بشاعة للكذب ، فضلاً عن أن الكذب هو أصلاً شهادة باطلة . ما هو مُدان في هذا المجال إذن ، هو حصراً التحريف في أي كلام : أي الكذب في أي زيّ تقنّع. كذلك " إن الشفاه الكذوبة يمقتها الرب " ( مثل 12/22 ) ، لأنها تقوّض أُسس العهد بالذات : من يكذب مع البشر يكذب مع الله . إلى ذلك ، من يكذب مع البشر فهو كذوب أساساً مع إله العهد ، لأنه يزرع الفساد والفرقة في هذا الشعب الذي اختاره الله عروساً له . فالعهد إلهي ، والكذبة شيطانية . العهد حياة ، والكذبة مميتة . والمسيح هو الذي يفضح آفة الكذب الشيطانية والقاتلة. يرمز إليها في سفر التكوين " بالحية " الأكثر احتيالاً من الحيوانات كلها ، تلك التي خدعت حواء وآدم ( تك 3/13) فالكذوب هو ابن الشيطان ويتهيأ ليشاركه مصيره .
" لا تشهد ضد قريبك -لا تدن "
إن الوصية التاسعة تنحاز بحزم إلى جانب قريبنا : " لا شهادة كاذبة ضد قريبك " . سمعته وكرامته تُعدّان من أثمن ما يملك . إنهما أثمن من ماله ، بل غالباً أثمن من حياته ، لأن البعض يؤثرون الانتحار على فقدان ماء الوجه . وبالتالي ، لا شيء عرضة للعطب أكثر من الكرامة التي تتيح للشخص أن يعيش مرفوع الجبين . فشبهة مشهورة ، وبالتالي ظالمة ، تكفي لتلطّخ الكرامة وتهدّمها فوراً . إنها عود الثقاب الملقى دون اكتراث في مستودع العلف اليابس، إنها عقب السيجارة في الحصاد الجاف : تعلّق النار وتمتدّ في تأكيد راسخ، وتنتشر شائعةً وخبراً وتشكيكاً?
إذا كان " التصريح " كاذباً ، فهو نميمة ، وإذا كان صادقاً ، فهو اغتياب . وفي كلتا الحالتين " هو شهادة ضد القريب " . إن الله يُحرّم اغتياب الغير حتى وإن عرفناه مجرماً ، فكم بالأحرى إذا كنا نجهل أو التقطناه عن طريق السماع فقط . حتى وإن كنتَ واثقاً من الوقائع ، فاحتفظ بها لنفسك ، وإلا فأنت تتصرف كجان . من غير الجائز إطلاقاً أن نسلب إنساناً شرفه وسمعته ? وبالنتيجة إذا ما وافاك ثرثار يغتاب الغير باتهامات ، كلّمه بقساوة وجهاً إلى وجه، واجعله يحمّر خجلاً . وهكذا ، أكثر من واحد يمسك لسانه بدلاً من أن يرمي الناس المساكين بذمّ يصعب عليهم جداً الإبدال منه . لأن الكرامة والصيت الطـيّب سرعان ما يُسلبان ، ولكن استردادهما لا يحصل بيسر . عليّ إذاً أن أصون لساني . هذا اللسان الذي يدعوه الكتاب سمّاً ، وموسى حادة ، وبلية ، وناراً وحساماً وسهماً ? حتى أتيقن أني لا أجرح ولا أقتل عندما أغتاب، عليّ أن أتريث قبل الكلام، فأطرح على نفسي ثلاثة أسئلة :

1- هل صحيح ما يُشاع ؟وإذا لم يكن إلا نميمة ؟ هل تقدّر دمارات النميمة ؟
2- إذا كان صحيحاً ، أيمكنني أن أنطق بما أعرف ؟ كل الناس يقولون ذلك ، ولكن هذا لا يدل على أنه صحيح.
3- هل لي الحق في أن أرهف السمع للإصغاء ؟ هل يمكنني ضميرياً ، مع الحفاظ على كرامتي ، أن أكون المغسلة حيث يمكن أن يتقيأ النمّامون والمغتابون ؟ إن النجاح التعيس الذي تصادفه ألسنة الأفاعي يعود إلى كونها تجد فيضاً من الآذان التي تجامل .
" لا تشته مقتنى قريبك "
سمعتم ما قيل : " لا تزن " . أما أنا فأقول لكم : من نظر إلى امرأة نظرة هوى فبها في قلبه زنى ( متى 5/27- 28 ) . كيف يحدد الإنسان في ذاته نقطة الحرج حيث النظرة تلهب الشهوة ؟ ها نحن إزاء وصية مفخخة ، وصية " مستحيلة " . " النظر برغبة " لا يعني " المراقبة " أو حتى " الإعجاب " ولا حتى " الاشتهاء " بمعنى الرغبة العفوية . لماذا لنا الحق - بل علينا الواجب في أن نمجد الله لأجل مخلوقاته الجميلة نجوم ، ازاهر ، بحر ، جبال ، حيوانات بينما نرانا ملزمين بأن نشيح بقرف ، حالما نصادف مخلوقات تجمّل كغيرها مشاهد الطبيعة ؟ لمن المهم أن ندرك هذه المقارنة ، الفرق الذي يميّز ، في اللغة الكتابية وفي التقويم الأدبي ، " الرغبة " عن " الاشتهاء " : الرغبة يمكن أن تظل في حيّز الفكر ، أما الاشتهاء فهو في حيّز الفعل ، يقول الكتاب: " ينظر الله إلى القلب " ، إنما القلب الذي يفيض أعمالاً . ليس من يقول يا رب يا رب هو الذي يثير اهتمام الله ، إنما ذاك الذي يكمّل إرادة الآب . الفعل وإنجازه هذان هما ثمرتا القلب اللتان ينظر إليهما الله . كذلك ، إن الاشتهاء ليس فكراً بسيطاً ورغبة سطحية ، إنه الرغبة التي تباشر العمل ، الرغبة التي تتلذّذ والتي ، إذا أمكن ، تشهر سلاحها وتخرج إلى الحرب . اشتهى في الكتاب المقدس ، لا تتضمن فقط تنبّه الرغبة، بل أيضاً الطرق العملية التي تقود إلى امتلاك الشيء المُشتهى . هكذا ، لا تشير الوصية العاشرة إلى الرغبة الباطنية في المقتنيات الخاصة بالقريب فحسب ، إنما إلى مكائد فعالة للاستيلاء عليها : " لا تشته زوجة صاحبك ، ولا تشته بيته ولا حقله ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لصاحبك " (تث 5/21) .
اللغة الكتابية هي أيضاً لغة الواقع : فالكلمة العاشرة في الوصايا لا تشير إلى الأفكار الشريرة ، إلى مشاعر الغيرة ، إلى الرغبات غير الفعّالة ، إلى تراخ في الإرادة دون قرار . إنها تدين أعمالاً ، وتدين رغبات قيد التنفيذ ، وتدين مكائد للاستيلاء عل ما نشتهي . لنكرّر بصدد هذه الوصية الأخيرة : بين أشخاص ، الوجود هو أساساً في العلاقة بالآخرين ، وليس في حالات النفس . فالكلمات العشر لا تكترث قط بما نفكر ، أو نتخيّل ، أو نحسّ ، إنما على الأخصّ ، بسلوكنا تجاه الله وتجاه أخوتنا . في هذا يتجلى قلبنا .
وهكذا تجمع الوصايا العشر كل خُلُقية العهد في خط متعرج ضخم ينطلق من الله المنقذ ، من اسمه وصورته ، وينتقل إلى الوالدين " الخالقين " معه ، فإلى البشر لأخوتنا ، لينتهي بقريبنا ، مشدداً على هذا " القريب " . " ومن هو قريبي ؟ " ( لو 10/29 ) ، " وإذا نزل بكم غريب في أرضكم فلا تهضموه . وليكن عندكم الغريب الدخيل فيما بينكم كالصريح منكم وكنفسك تحبّه ، لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر . أنا الرب إلهكم " ( أح 19/33 - 34 ) .
من الوصايا إلى التطويبات

من موسى إلى يسوع
بعد أن نجا شعب الله من العبودية ، بلغ أخيراً أرض الميعاد ، بعد أربعين سنة في الصحراء . فذكّره موسى باحتفال ، وهو على فراش الموت ، بكلمات العهد العشر . ونقل موسى للمرة الأخيرة ، ما يريد أن يصنعه الرب لشعبه : " يقيم لك الرب إلهك نبياً من بينكم من اخوتك مثلي له تسمعون " ( تث 18/17 ? 18/15). توالت العصور ، وبقي الانتظار ولم يخدع . هوذا موسى الجديد على سيناء الجديدة :
يخبر الإنجيلي مرقس ( 9/2 ? 7 ) " بأن يسوع أخذ ، على حدة ، بطرس ويعقوب ويوحنا فأصعدهم جبلاً عالياً، وتجلى قدامهم وصارت ثيابه تلمع بيضاء جداً كالثلج حتى لا يستطيع قصّار على الأرض أن يبيّض مثلها . وتراءى لهم ( نبيّا سيناء ) موسى وايليا، وكانا يخاطبان يسوع " كانا يتكلمان على خروجه الذي كان مزمعاً أن يتممه في أورشليم " ( لو 9/31 ) . فظهر غمام ظلّلهم وانطلق صوت من الغمام يقول : هذا هو ابني الحبيب ، فله اسمعوا". ومن بعد العنصرة ، تذكر بطرس ذلك وهو يخاطب اليهود عند " رواق سليمان " ، فقال كلاماً مقارباً : " ألا توبوا ، وعودوا ، تمح خطاياكم ، فينعم الرب عليكم بأوقات فرج ، ويرسل من أعد لكم : المسيح يسوع فموسى قد قال : " سيقيم لكم الرب إلهكم من بين اخوتكم نبياً مثلي فله اسمعوا في كل ما يقول لكم " ( رسل 3/19 ? 22 .
ولكن بماذا يكلّمهم ؟ شريعة جديدة ؟ لا . وهل ثمة أوضح من جوابه للشاب الغني ؟ " إذا أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا. و ما هي ؟ لا تقتل ، لا تزن ، لا تسرق ، لا تشهد بالزور ، أكرم أباك وأمك ، أخيراً ، أحبب قريبك كنفسك " ( متى 19/17 ? 19 ). إنه إذا يؤيد الوصايا العشر . ولكن وصايا الحب والتحرر هذه ، سوف يدفع بها إلى أقصى حدودها ، يحملها إلى كامل علوها ، " يتممها " ، يكملها بملئها . " يتممها " هو نفسه أولاً ، في حياته الخاصة ، وفي موته بالذات . على جبل التجلي ، وسيكون هذا الحب " شريعة " الجلجلة . علينا أن نتبعه ، حاملين كل يوم صليبنا . فثقله حبّ هو ، غير أن حمله يؤمن السعادة لأن ملكوت الله في يسوع المسيح القائم من الموت قريب جداً .
لنسمع الابن الحبيب ، موسى جديد ، أعظم من موسى الكليم ، مشترع قداسة أكمل ، " صعد يسوع إلى الجبل ، جلس . فتح فاه " ماذا قال ؟ بدأ يبشّر بالتطويبات .
ينادي مخلصنا بالطوبى ، ولكن ليست أية طوبى كانت . لا يجب أن تعرض المسيحية وكأنها تعزية مبتذلة ، ولكن كترقّ للإنسان. المسيحية هي دعوة للعيش كأبناء الله ، بقبول الحالة البشرية بملئها كما هي . ما الذي يخلق سعادة الله ؟ هل نحن ، نعم أم لا ، أبناء وبنات هذا الإله ؟
طوبى لكم ، أيها الفقراء
قال يسوع : " طوبى للفقراء " . فالفقراء هم " الفقراء " مهما يبدو ذلك مذهلاً . الفقراء الحقيقيون ، الضعفاء مادياً ، الناس الصغار الذين هم بحاجة أحياناً إلى الضروري . ليس لأنهم ، اضطراراً ، أفضل من الآخرين ، بل لأن الله، الذي هو حب ورحمة ، هو " ببساطة " حامي الذين يتألمون مما يجعل عدالته المختلفة كلياً عن عدالة البشر موضع شبهة . فالله ليس مديناً بشيء للفقراء . ولكن عليه أن يكون لذاته : ذاك الذي يقف إلى جانب الضعفاء والمتواضعين . ولكن ، ليس الإنجيل هو البشرى السعيدة التي يتحتم على الفقراء قبولها كالشمس أو كالمطر . الرب يدعوهم ليقبلوها في باطنهم : طوبى للفقراء بالروح ، طوبى للذين روحهم روح الفقير .
لأنه لا يكفي أن نملك جيوباً وخزانات فارغة لنكون كاملي السعادة بطوبى الإنجيل هذه : على الروح القدس أيضاً أن يلقي نوره على القيم الصحيحة والباطلة ، فيوقظ إذ ذاك التجرد الداخلي ، والفرح في العوز والتخلي الواثق قدام الله. طوبى إذن للذين ، بواسطة الروح القدس ، أرادوا الفقر ، مثل القديس بولس " لأجل الملكوت " : ما كان لي ربحاً عددته خسراناً من أجل المسيح " ( فل 3/7 ? 11 ) . الفقر بالروح يعني إذن السعي إلى " الحاجة الفعلية " ، أو على الأقل القبول الإرادي بها بفرح .
طوبى للودعاء
هذه الطوبى أخذت من المزمور 36/11 الذي هو أفضل تحليل لها . الوداعة ، كالفقر ، هي استعداد داخلي يبدل ، إذا كان حقيقياً ، السلوك الشخصي والوضع في المجتمع ، فهو أساساً التخلي عن كل حق خاص عندما نكون وحيدين في المعترك . " سمعتم أنه قيل : عين بعين ، وسن بسن ، أما أنا فأقول لكم لا تقاموا الشرير . من لطم خدّك الأيمن فأدر له الآخر ( متى 5/38 ? 41 ) . أهو موقف ضعف ؟ حاول فترى أنك بحاجة إلى قوة إلهية في موقف كهذا .
هكذا كان موقف يسوع " العبد المتألم الوديع والمتواضع القلب وديع ، راكباً على جحش " (متى 21/9) فوداعته لا تقف عند حدود الدماثة ، ونبذ العنف ، بل تكمن في عزمه على معاناة العنف إلى أقصى الحدود بدلاً من ممارسته . وهكذا انتصر عليه وتخطى التصعيد الأرعن الذي يدفع الناس إلى التقاتل . يسوع يحمل صليباً ساحقاً ، ولكنه يقدم نفسه أيضاً ليحمل أثقالنا " تعالوا إليّ يا جميع المتعبين وأنا أريحكم " ( متى 11/28 ? 30 ) .
الودعاء الذين يقتدون بيسوع يملكون الأرض ، يرثونها كأبناء مثل الابن . فالأرض هي أرض الميعاد . ولكن الآباء الأولين فهموا أن أرض الميعاد الحقيقية لم ترسم في جغرافيا معينة ، بل هي " أحد ما " ( عب 11/8 ? 6 ) . وهكذا نلتقي ملكوت الطوبى الأولى: " الميراث " وموضوعه الملكوت ، الحياة الأبدية ، أي الله بشخصه . " أما أختار الله مساكين هذا العالم ، وهم أغنياء في الإيمان وورثة للملكوت الذي وعد به الذين يحبونه ؟" ( يع 2/5 ).
طوبى للحزانى
لنعتد قراءة الكلمات على حقيقتها . وإلا ، فإن كل نصّ يعني قول كل شيء ، أو بالأحرى لا يعني شيئاً . الطوبى الثالثة ليست للمكروبين بوجه العموم ، بل للذين يبكون ميتاً ، " للحزانى " . لا نقصد إذن حالة نعتنقها، كالفقر الباطني أو وداعة القلب ، بل المقصود هو هذه التجربة بالذات التي يغرق فيها كل منّا عاجلاً أم آجلاً : الحزن . فالغني والفقير كلاهما ليسا بمأمن من الحزن . والحال ، أن الحزن بالنسبة إلى الجميع ، هو خلاص جذري فيه يجدون نور الحقيقة ، وبالتالي سعادتها .
حقيقة الموت هي بطلان هذه الحياة وخداع السرابات الأرضية. هذا لأن حقيقة الموت ، بيسوع المسيح ، لا تؤدي إلى العدم ، ولكن إلى الملكوت . تؤدي إلى تعزية يسوع المخلص بقوة قيامته . لاحظوا الأوقات الثلاثة المتسلسلة في الإنجيل : موت دموع، قيامة . في الحزن كل شيء ينهار ، ما عدا يسوع المسيح الذي يقول " لا " للنعوش وللمقابر، " لا " للحسرات التي لا نهاية لها. أن أرفض معرفة شيء عن سعادة موتاي ، أفلا أكون قابعاً بأنانيتي في التمرد أو في الحزن ؟ هل أبلغت تعزية الإنجيل إلى الذين كانوا يبكون من حولي ؟
طوبى للجياع
" طوبى لكم أيها الجياع الآن : فإنكم ستشبعون " ( لو 6/ 21 ) . يعيد لوقا في لمحة أليمة مميزة ، طوبى الفقراء مادياً ، ليعلن أن الفراغ في معدتهم مرحلي ، وان مآسي هذا العالم مرحلية كذلك . لكن هذا الواقع يجب التوقف عنده بادئ بدء ? لا يجرد هذه الطوبى من مداها الرمزي : " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة تخرج من فم الله " ( تث 8/3 ) . كلمة من الرب ، وقد قالها الحبيب بصوته ، تعلن وتعد اللقاء : " كما يشتاق الأيل إلى مجاري المياه ، كذلك تشتاق نفسي إليك يا الله " ( مز 42/2 ) . كما في طوبى الفقراء ،


Mary Naeem 05 - 06 - 2014 03:24 PM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الوصايا العشر في الناموس المسيحي


القديس غريغوريوس بالاماس

نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
1. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ

الرب، إلهك، هو رب واحد (تثنية 4:6)، وهو معروف كآب، وابن وروح قدس. الآب غير مولود. الابن مولود ككلمة الآب، من غير ابتداء سرمدي وبلا هوى. لقد سُمّي المسيح لأنّه مسح من ذاته الطبيعة البشرية التي أخذها منّا. يخرج الروح القدس من الآب، ليس بالولادة بل بالانبثاق. ربنا هو الإله الوحيد. إنّه الإله الحقيقي، الرب بثلاثة أقانيم، الذي لا ينقسم بالطبيعة ولا بالمشيئة ولا بالقوة، ولا بأي صفة من صفات الألوهة. أحبب فقط هذا الإله الثالوثي واعبده وحده، بكل فكرك وبكل قلبك وبكل قوتك. احفظ كلماته ووصاياه في قلبك، حتى تنفّذها وتدرسها وترددها في جلوسك، ومسيرك وفي سريرك وعندما تنهض. تذكّر الرب إلهك بلا انقطاع. ارهب منه وحده. لا تنسَه هو ولا وصاياه. وهكذا هو يعطيك قوة لتتمّ مشيئته، لأنّه لا يطلب منك أي شيء سوى أن تكون مكرّساً له وتحبّه وتسير على دروب وصاياه. إنّه فخرك وإلهك. عندما تعلم أنّ الملائك السماويين هم بلا هوى وغير منظورين، وأن الشيطان الذي سقط من السماء هو شرير جداً وذكي وقوي ومحنّك في خديعة الإنسان، لا تظنّ أنّ أياً منهم يساوي الله في الشرف. وعندما ترى أيضاً عظمة السماء وتعقيدها، لمعان الشمس، بهاء القمر، نقاوة النجوم الأخرى، سهولة تنشق الهواء، كثرة منتجات الأرض والبحر، لا تؤلّه أيّاً منها. إنّها كلّها خلائق الإله الواحد، وهي تخضع له وهو بكلمته خلقها كلّها من العدم. "لأَنَّهُ قَالَ فَكَانَ. هُوَ أَمَرَ فَصَارَ" (مزمور 9:33). إذاً وحده رب الكون وخالقه أنت تمجّد كإله. تعلّق به بمحبة وتُبْ إليه نهاراً وليلاً عن كل خطاياك الطوعية والكرهية، لأنّه طويل الأناة ورحيم جداً، صبور، وصانع بر إلى الأبد. لقد وعد الذي يحترمه ويعبده ويحبه ويحفظ وصاياه، وهو يعطي بحسب وعده، بالتمتّع بالملكوت السماوي الأزلي والحياة التي بلا ألم ولا موت والنور الذي لا يغرب. لكنّه أيضاً إله غيور وحاكم عادل ومنتقم رهيب. لقد هيّأ جحيماً أبدياً، ناراً لا تُطفأ، ألماً لا ينقطع، حزناً لا عزاء له، ومكاناً مظلماً ضيقاً للخائن الشرير الأول، أي الشيطان، وقد فرض كل هذا على غير التقي والذي لا يطيع وصاياه وينتهكها، ولكل الذين انخدعوا بالشيطان وتبعوه، ما أن ينكروا صانعهم بأعمالهم وكلماتهم وأفكارهم.
2. لا تصنع لك صنماً ولا ما يشبهه
"لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ" (خروج 4:20). لأن كل هذه هي خلائق الإله الوحيد الذي في الأزمنة الأخيرة، بعد أن تجسّد في رحم بتولي، ظهر على الأرض وأقام بين البشر. وعندما تألّم ومات وقام لخلاص البشر، صعد بالجسد إلى السماء وجلس في الأعالي عن يمين الله. بجسده سوف يأتي أيضاً في مجد ليدين الأحياء والأموات. إذاً، من المحبة له، وهو الذي صار إنساناً لخلاصنا، اصنعْ له أيقونة. وعِبر الأيقونة، تذكرّه واعبده. من خلال الأيقونة، ارفع عقلك إلى جسد المخلَص المبجّل، الجالس في الأعالي عن يمين الآب. اصنع أيضاً أيقونات للقديسين، وأكرمهم أيضاً، ليس كآلهة، لأنّ هذا محرّم، بل بسبب علاقتك بهم، وميلك إليهم، والشرف الكبير المتوجب لهم، فيما فكرك سوف يمضي إليهم من خلال الأيقونة. هذا ما فعله موسى: لقد صنع أيقونات للشاروبيم ووضعها في قدس الأقداس، ليمجّد لا المخلوقات بل من خلالها خالق العالم، أي الله (خروج 18:25-19). وهكذا أيضاً لا تعبد أيقونات المسيح ولا القديسين، بل من خلالها اعبده هو الذي بعد أن خلقنا أولاً على صورته، ارتضى لاحقاً بسبب إحسانه الذي لا يوصف أن يتّخذ صورة بشرية ويصير موصوفاً بحسبها. أكرِمْ ليس فقط أيقونة السيد بل أيضاً رسم صليبه لأنّه رمزٌ كليّ القدرة وتذكار لانتصار المسيح على إبليس وكل الأجناد الشيطانية. لهذا السبب عندما يرون رسم إشارة الصليب يغلبهم الرعب ويهربون. حتى قبل الصلب، مجّد الأنبياء إشارة الصليب التي أنجزت معجزات عظيمة. وأيضاً عند المجيء الثاني لربنا يسوع المسيح الذي سُمِّر على الصليب والذي سوف يأتي ليدين الأحياء والأموات، سوف تتقدّمه الإشارة المرهوبة بقوة ولمعان شديد. مجّد الصليب اليوم حتى تحدّق إليه بشجاعة لاحقاً وتتمجّد معه. وقِّر أيضاً أيقونات القديسين لأنّهم صُلبوا مع السيد، راسماً على وجهك إشارة الصليب ومستحضراً إلى فكرك مشاركتهم في آلام المسيح. أكرِم أماكن إقامتهم وكل ذخيرة من عظامهم، لأنّ نعمة الله لم تنفصل عنها، بالتحديد كما أن الله الآب لم ينفصل عن جسد المسيح المكرَّم خلال موته المعطي الحياة. إذاً بالتصرّف هكذا وبتمجيد الذين مجّدوا الله، لأنّهم ظهروا بأعمالهم كاملين بمحبته، سوف تتمجّد معهم بالله وسوف تنشد مع داود: "أكرمتُ محبّيك يا ربّ".
3. لا تحلِف باسم الربّ باطلاً
لا تحلِف باسم الربّ باطلاً (خروج 7:20)، عن طريق القسم بشكل كاذب أو لأي سبب دنيوي آخر، أو خوفاً من أحد ما، أو من الخجل أو لربح خاص. إن الإخلال بقَسَم هو إنكار لله. إذاً لا تُقسِم أبداً. تجنَّب كليّاً القَسَم لأنّ من القّسَم يأتي الإخلال بالقَسَم الذي يغرَب الإنسان عن الله ويجعل الحانث بقسمه مخالفاً للناموس. إذا كنتَ دائماً تقول الحقيقة، سوف يصدّقك الناس وكأنّك تحلِف. وإذا صار صدفة أنّك أقسَمت، هو أمر ينبغي أن تصلّي كي لا يحدث، لكن بما أنّه أمر متّفق مع الشريعة الإلهية، نفّذه وكأنّه شرعي، لكن اعتبر نفسك مُلاماً لأنّك أقسَمت. بالإحسان والتضرّع والحزن وحرمان الجسد، التَمِسْ الرحمة من الله الذي أوصى بألاّ تُقسِم (متى 34:5). أمّا إذا أقسَمت على شيء غير قانوني انتبه ألاّ تنفّذ قَسَمَك لمجرّد أنّك أقسَمت، حتى لا يحسبك الربّ مع يهوذا قاتل النبي الذي قطع رأس السابق الكريم كي لا يكسر قسمه (متى 7:14-12). الأفضل لك أن تكسر ذلك القَسَم غير الشرعي واتّخذ لنفسك قانوناً بألاّ تقسم أبداً، وبأن تسعى إلى رحمة الله مستعملاً العقاقير المذكورة سابقاً وبجهاد أكثر مع دموع.
4. تذكّر يوم السبت لتقدسه
يُسَمّى أحد أيام الأسبوع الأحد، لأنّه مخصّص للرب الذي قام من الموت في ذلك اليوم مظهراً قيامة كل الناس ومثبتاً إياها (في المجيء الثاني) حين عندها سوف يتوقف كل عمل بشري. إذاً خصّص الأحد للرب (خروج 8:20). لا تَقُم بأي عمل أرضي غير ما هو ضروري. وكل الذين يعملون لك أو يعيشون معك فليرتاحوا حتى أنّكم جميعاً تمجّدون الذي اشترانا بموته ومن ثمّ قام مقيماً معه طبيعتنا البشرية. احفظ في فكرك الحياة الآتية، لكي تتأمّل بكل وصايا الرب وقوانينه وتتفحّص نفسك حتى إذا كنتَ قد انتهكت بعض الأشياء أو أهملتها، يمكنك أن تصحّح نفسك في كل شيء. في هذا اليوم أيضاً اذهَبْ إلى هيكل الرب واشترك في اجتماع العبادة وشارك بإيمان صافٍ وضمير نقي في جسد المسيح ودمه. ابدأ حياة أكثر قداسة، مجدداً نفسك ومهيئاً إياها لتقبّل خيرات الحياة الآتية. من أجل هذه الخيرات لا تسئ استعمال الأشياء والاهتمامات الأرضية في الأيام الأخرى أيضاً. يوم الأحد، كونك مكرَّساً لله، تحاشَ بشكل قاطع كلّ هذه الاهتمامات ما عدا الضرورية منها التي يستحيل عليك العيش من دونها. وهكذا، بما أنّ الرب ملجؤك عليك ألاّ تذهب إلى أي مكان، وألاّ تضرِم نار الأهواء ولا تحمل عبء الخطايا. إذاً، كرِّس "يوم السبت" (خروج 8:20)، أي الأحد، لله حافظاً إياه بامتناعك عن كل ما هو شرير. وإلى الآحاد عليك أن تضيف كل الأعياد الكبيرة قائماً بالأمور نفسها وممتنعاً عن كل ما تمتنع عنه يوم الأحد.
5. أكرِم أباك وأمّك
أكرِم أباك وأمّك (خروج 12:20)، لأنّ من خلالهما أتى بك الرب إلى الحياة، وهما بعد الله سبب وجودك. إذاً، بعد الله أحببهما وأكرمهما طالما، بالطبع، محبتك لهما تساهم في محبتك لله. إذا كانت لا تساهم، ابتعد عنهما مباشرةً. إلى هذا، إذا كانا عائقاً بالنسبة لك وخاصةً الإيمان الحقيقي الخلاصي لأنّ لهما إيمان آخر، ليس فقط عليك أن ترحل بل أيضاً أن تنكرهما مع كل مَن تجمعك به علاقة أو صداقة. عليك أن تنكر حتّى أعضاءك الشخصية وأهواءها وكلّ جسدك ومن خلال الجسد علاقتك بالأهواء لأن المسيح قال: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضًا، فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا. وَمَنْ لاَ يَحْمِلُ صَلِيبَهُ وَيَأْتِي وَرَائِي فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا." (لوقا 26:14-27 وأنظر متى 37:10). هذه الإرشادات تتعلّق بوالديك الجسديين وأقربائك وأصدقائك. عليك أن تُكرِم وتحب مَن لهم نفس إيمانك ولا يمنعونك عن الخلاص. وإذا كان يتبغي بك أن تكرِم والديك الجسديين فكم بالأحرى عليك أن تكرِم وتحب آباءك الروحيين. لقد نقلوك من الحياة الجسدية البسيطة إلى حياة البِرّ الروحية. لقد منحوك استنارة المعرفة. لقد علّموك الحقّ. لقد أعطوك إعادة الولادة بحميم التجدد. لقد وضعوا فيك رجاء القيامة وعدم الموت والملكوت السماوي. لقد نقلوك من غير مستحق إلى مستحق للخيرات الأبدية، من الأرضي إلى السماوي، ومن الوقتي إلى الأبدي. لقد جعلوك ابناً وتلميذاً، لا لإنسان بل ليسوع المسيح الإله-الإنسان الذي منحك الروح القدس الذي يجعل الناس أبناء لله، والذي قال: "وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ" (متى 9:23-10). هكذا أنت مدين بكل شرف ومحبة لآبائك الروحيين، لأنّ الشرف الذي ترده لهم يذهب إلى المسيح وإلى الروح الكلي قدسه الذي جعلك ابناً لله، وإلى الآب السماوي الذي يعطي الحياة والوجود لكل الكائنات السماوية والأرضية. جاهد فوق هذا لأن يكون لك طوال حياتك أباً روحياً تعترف إليه بكل خطاياك وأفكارك الشهوانية وتأخذ منه الشفاء والحلّّ. لقد أُعطي الآباء الروحيون السلطة لأن يغفروا للنفوس أو ألاّ يغفروا. كلّ ما يتركوه غير محلول على الأرض سوف يكون بلا حلّ في السماء أيضاً. يحصلون على هذه النعمة والقوة من المسيح. لهذا السبب أنتَ سوف تطيعهم من دون مهاترة، حتى لا تقود نفسك إلى الهلاك. إذا كان، بحسب ناموس موسى، كلّ مَن ردّ كلام أهله يُقتَل، حتى ولو كانوا يتناقشون بأمور محرَّمة من ناموس الله، فكيف يكون ممكناً أن لا يطرد روحُ الله الإنسانَ الذي يرد كلام أبيه الروحي وكيف لهذا الإنسان ألاّ يخسر روحه؟ لهذا السبب، خذ نصيحتهم وأَطِعْهم إلى نهاية حياتك حتى تخلّص نفسك وتكون وارثاً للخيرات الأبدية التي لا تفنى.
6. لا تزنِ
لا تمارس الزنا (خروج 14:20) ولا الفسق حتى لا تصير عضواً للفاجرة بدلاً من عضو للمسيح فتُقطَع من الجسم الإلهي وتسقط من الميراث المقدّس وتُرمى في جهنّم. لأنّه، إذا كان بحسب شريعة موسى، ابنة الكاهن التي تُضبَط في الفسوق يجب إحراقها لأنّها عرّضَت أباها للعار، ألا ينبغي بالذي ألصق هذه النجاسة بجسد المسيح أن يُحرَق في النار الأبدية؟ ليس فقط يُحرَّم عليك أن تزني بل عليك أن تمارس البتولية، إذا أمكنك، وتكون خاصاً بالله بالكليّة وملتصقاً به بمحبة كاملة مقيماً بقربه طوال حياتك. جاهد دائماً وبدون ارتباك لأن تحيا حياة ترضي الله، متمتعاً منذ الآن بالحياة المقبِلة وعائشاً مثل ملاك على الأرض. البتولية هي ميزة الملائكة، وكلّ مَن يمارسها يصبح مثلهم، بقدر الإمكان، مع أنّه ذو جسد. إلى هذا، إنّه يصبح أكثر منهم، فهو يصير مشابهاً للآب الذي قبل الدهور وَلَد الابن بطريقة بتولية، كما أنّه يصير مشابهاً للابن البتولي الذي ولد قبل الدهور من الآب البتول وتجسّد في آخر الأزمنة من أم عذراء، وأيضاً هو يصير مشابهاً للروح القدس الذي خرج بطريقة لا تُوصَف من الآب وحده، ليس بالولادة بل بالانبثاق. إنّ مَن يختار البتولية الحقيقية، أي المتبتّل بالنفس والجسد، الذي يجمّل كل حواسه وفكره وعقله برونق البتولية، يتشبّه بالله ويتّحد به مقيماً معه زواجاً لا يفسد. إذا كنتَ لا تفضّل أن تحيا حياة بتولية، ولا أنتَ وعدتَ الرب بذلك، بإمكانك بحسب ناموس الرب أن تتخذ امرأة بالزواج. هي وحدها تساكن، وهي وحدها تتّخذ، هذا وهدفُك هو القداسة. بكل قوتك ابقَ بعيداً عن النساء. تكون قادراً على حفظ نفسك منهن إذا تلافيت المحادثات غير الضرورية معهن، إذا أدَرتَ عيني جسدك وعيني نفسك عنهن، بقدر الإمكان، وإذا لم تكن تجد لذة في سماع الكلمات الشهوانية ولم تّصِر معتاداً على التفرّس بالوجوه الجميلة. كلّ مَن ينظر إلى امرأة بشهوة كريهة يكون قد زنا بها ولهذا هو غير طاهر أمام المسيح الذي ينظر إلى القلوب. إلى هذا، من هذا النظر الشرير يمكن للإنسان التعيس أن ينتهي مرتَكباً خطيئة الدعارة بالجسد أيضاً. لكن لماذا أتحدّث فقط عن الفسق والزنا وكل النجاسة المرتبطة بالوظائف الطبيعية؟ فالإنسان يميل بشكل مخالف للقوانين إلى الأعمال البذيئة غير الطبيعية عندما يتفرّس بشكل فضولي في جمال الأجساد. إذاً، إذا قطعتَ الجذور المرّة من نفسك، فلن تجمع الثمار المميتة، بل سوف تجني الطهارة والقداسة التي تأتي معها، والتي بدونها لن ترى السيد.
7. لا تقتل
لا تقتل (خروج 13:20) حتى لا تكفّ عن كونك ابناً للذي أقام الموتى، وحتى لا تصير بأعمالك ولداً للذي كان منذ البداية قاتلاً للإنسان. يأتي القتل من العراك، والعراك من الشتم، والشتم من الغضب والغضب من الأذى أو الضرب أو السباب للآخر. لهذا السبب قال المسيح: "وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا" (لوقا 29:6). إذا ضربك أحدهم لا تردّ له الضربة. إذا شتمك أحدهم فلا ترد له الشتيمة. وهكذا سوف تنجو من خطيئة القتل، أنت والذي يؤذيك. إلى هذا، سوف تحصل على غفران خطاياك من الله لأنّه هو قال: "فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ." (متى 14:6). في أي حال، إنّ مَن ينطق بالشر أو يقوم به سوف يُدان في النار الأبدية لأن المسيح قال أيضاً: "وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ" (متى 22:5). إذاً، إذا كنتَ قادراً على اقتلاع الشر وجذوره، مؤمِّناً لنفسك النعمة والبركة، مجِّد المسيح معلمنا وزميلنا في تحقيق الفضائل. من دونه، كما تعلمتَ لا نستطيع أن نقوم بأي عمل حسن. ومن ثم أيضاً، إذا كنتَ غير قادر على أن تبقى هادئاً من دون أن تغضب، وجّه اللوم لنفسك لأنك غضبت واطلب المغفرة من الله كما من الذي سمع الأذى أو تحمّله منك. كلّ مَن لا يحس بألم الندامة على خطاياه الصغيرة، سوف يقع من بعدها في خطايا كبيرة أيضاً.
8. لا تسرق
لا تسرق (خروج 15:20)، حتى أن الله الذي يعرف أعمالك السرية لا يرد لك العقاب أضعافاً. إنّه من الأفضل لك أن تعطي سرياً مما لك إلى المحتاجين، لكي تحصل من الله الذي يرى كلّ ما هو خفي، مئات الأضعاف مع الحياة الأبدية في العالم الآتي.
9. لا تشهد بالزور
"لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ" (خروج 16:20)، حتى لا تكون مشابهاً للشيطان الذي ذمّ الله أمام حواء، وصار ملعوناً لعمله هذا. إلى هذا، من الأفضل أن تغطي على خطيئة قريبك، إلا إذا كانت تؤذي آخرين، حتى تكون مشابهاً لسام ويافث وليس لحام، وهكذا تحصل على البركة. كان سام وحام ويافث أبناءً لنوح. وفي مرة شرب نوح خمراً كثيراً وسكِر وتعرّى. عندما رأى حام عورة أبيه أخبر أخويه بشكل هزلي. أمّا الأخوان فهما ليس فقط لم يضحكا من أبيهما بل مباشرة أخذا عباءة وسارا إلى الخلف حتى لا يريا عورة أبيهما وغطياه باحترام. عندما استيقظ نوح وعرف بما جرى، لعن حام، بينما بارك سام ويافث (تكوين 18:9-27).
10. لا تشتهِ ما لغيرك
ينبغي بك ألا تشتهي ما لقريبك، لا ممتلكات ولا مال ولا مجد ولا أي شيء آخر مما له (أنظر خروج 17:20)، لأن الشهوة عندما تنشأ في النفس، تلِد الخطيئة. والخطيئة عندما تكتمل تولّد الموت. إذا لم تشتهِ أشياء الآخرين، تبقى بعيداً عن الطمع وعن اغتصاب ما للغير. إنّه من الأفضل لك أن تعطي مما لك لمَن يسأل، وأن تحسِن على المحتاجين بقدر ما تستطيع. إذا أراد أحد ما أن يقترض منك لا ترفضه. إذا وجدت غرضاً ضائعاً ردّه إلى صاحبه حتى ولو كان عدوك. وهكذا، سوف تتصالح معه وتخزي الشر بالخير كما يأمرك المسيح. إذا حفظت كل هذه بكل قوتك وسلكت بحسب هذه الوصايا، سوف تخزن في نفسك كنز التقوى، ترضي الله، تنتفع منه ومن شعبه وتصير وارثاً للخيرات الأبدية التي نحصل عليها جميعنا بنعمة ربنا وإلهنا وخلصنا يسوع المسيح ومحبته للبشر. له المجد والإكرام والسجود مع أبيه الذي لا بدء له وروحه الكلي قدسه الصالح والمحيي، الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين. آمين.

Mary Naeem 07 - 06 - 2014 08:31 AM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
دعوة الله العليا معلنة لنا في الثالوث القدوس

الطريق الصحيح لمعرفة الله

إخوتي الأحباء في الرب
أردت اليوم أن أكتب ما سبق وكتبت من جهة الخبرة والإعلان حسب مقتدى القصد الأزلي الذي لله الحي الذي أراد أن يكشف سره لأحباءه الأخصاء الذين يؤمنون به، أي حبيبه الإنسان الذي خُلق ليدخل في شركة حيه معه، فهذه هي دعوة الله هي معرفته كإله حي وحضور مُحيي، ولكي ندخل في سره العظيم أشرق لنا في ملء الزمان بيسوع المسيح الذي أعلنه لنا لأن الله لم يراه أحد قط بل الابن الوحيد الذي في حضنه هو خبر لذلك مكتوب: [ لأن الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح ] (2كو4: 6)، لذلك أرجوكم لا أنا بل محبة الله أن تدخلوا هذا الموضوع وقلوبكم تحمل شوق معرفة الله حسب إعلانه الخاص عن نفسه، تاركين شهوة معرفة العقل لحفظ المعلومات، بل انتبهوا بقلوبكم لهذا السر العظيم، أي الدخول في معرفة الله القدوس كشركة وحياة وليس معلومة وفكر ومجادلة...
+ دعوة الله وإعلانه عن نفسه خبرة وحياة شركة +
أحباء الله المدعوين دعوة عُليا مقدسة حسب تدبير الله السابق خالق الكل [ الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية (2تيموثاوس 1: 9) ]، فدعوة الرب لنا هي دعوة سماوية لحياة الشركة المقدسة بالمحبة في الثالوث القدوس كأبناء لله في الابن الوحيد الذي خلصنا [ ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولوداً تحت الناموس. ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني. ثم بما إنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخا يا أبا الآب (غلاطية 4: 4 – 6 ) ]، ودعوة الله مصدرها الله نفسه، ومُعلنه لنا بالله نفسه، ومعطاة لنا بالله نفسه. [ إعلان واحد، عطية واحدة ونعمة واحدة من الآب بالابن في الروح القدس ] ( من رسالة القديس أثناسيوس الرسولي إلى سرابيون عن الروح القدس )

وعندما ننضم للمسيح يسوع بالمعمودية والتوبة والإيمان الحي، فإننا ننضم إلى الكنيسة جسد المسيح [ وأما انتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادا (1كورنثوس 12: 27) ]، لكي نصبح مع الرب ومع الإخوة والأخوات الذين ولدوا من الله في المسيح جسداً واحداً وروحاً واحداً [ هكذا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح وأعضاء بعضاً لبعض كل واحد للأخر (رومية 12: 5)؛ جسد واحد وروح واحد كما دعيتم أيضاً في رجاء دعوتكم الواحد (أفسس 4: 4) ]. وهنا نتعلم سرّ الثالوث القدوس، أي نتعلم ونفهم ونستوعب على مستوى الخبرة والحياة والممارسة الحية في واقعنا المُعاش...
ومن تذوق الإعلان الإلهي، ومن معرفتنا بالرب يسوع المسيح ابن الآب الوحيد، الذي عندما نقبل فيه التبني [ إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم
روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب (رومية 8: 15) ]، ونسعى فيه وبه لإدراك الأسرار الإلهية، ننال - بتلقائية وبساطة - معرفة الثالوث القدوس من خلال الممارسة، أي المعرفة الحية الآتية من الشركة والتي ليست قاصرة علينا، ولا هي خاصة بفرد دون فرد آخر، بل بواسطة الشركة يتم التطهير من المعرفة الذاتية الشخصية النابعة من خوف الموت وسلطان الخطية، أي من الداء القديم حسب الطبيعة الساقطة التي لا تقدر أن تتعرف على الله الحي القدوس، فالمعرفة التي حسب الجسد والتي تتوقف على قدرات العقل البشري في التفكير والاستنتاج والتي يكون دائماً بعضها صحيح والبعض الآخر خطأ الذي ينبع من الفكر المتغرب عن محبة الله، وهي خطر كبير للغاية يهدد الشركة والمعرفة حسب قصد الله – لأنها حتماً تقود للانفرادية وطبيعتها الانقسام
لذلك كل من يسعى للانقسام داخل الكنيسة فهو لم يعرف بعد الله القدوس ولازال متغرباً عن محبة الله وبالتالي الكنيسة، فأي خادم أو أياً من كان وضعه أو رتبته في داخل الكنيسة يصنع خصومات وتحزبات وانشقاقات، أو يصنع فرقة بناء على رأي أو فكر شخصي أو فلسفة أو مجادلة أو يسعى للوشاية وحرمان الآخرين وعزلهم من الكنيسة، فهو غريب عن الله ولم يعرفه قط، بل لازال الله - بالنسبة لهؤلاء - هو الإله حبيس العقل، وهو بذلك أصبح وثن وتمثال مصنوع من الأفكار البشرية التي بحسب الإنسان وذكائه الخاص ليعبده ويشرك الناس في عبادته، لذلك يتم رفض الآخر الذي لم يشترك في عبادة هذا الإله صُنع الفكر حبيس العقل، وبذلك حقاً فأن هؤلاء لم يعرفوا الله الحقيقي من جهة الرؤيا والإعلان، بل يعرفون إلههم الخاص حسب معرفة عقلهم لذلك يحبسون إلههم في اعتقادهم حسب رأيهم الشخصي حتى لو كان كلامهم صحيح، فهم في الواقع لم يروا الله ولم يسمعوا صوته قط، بل ينقلون ما تعملوه من الناس وما يميلوا إليه من حيث الراحة النفسية أو المعتقد والطائفة والمعاجم والقواميس بدون رؤية ولا إعلان ولا شركة حقيقية !!!
فالله يُعرف بالاستعلان، أي هو من يُعلن ذاته في القلب بالروح وفي الذهن بالاستنارة، أي إشراق النعمة في العقل والقلب معاً، فيتعلم الإنسان من الله وسط الكنيسة التي تحيا بنفس ذات الروح عينه، روح التبني، حيث يحيا الكل حسب الدعوة التي دُعيَّ إليها [ فاطلب إليكم أنا الأسير في الرب أن تسلكوا كما يحق للدعوة التي دعيتم بها. بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم بعضاً في المحبة. مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام. جسد واحد و روح واحد كما دُعيتم أيضاً في رجاء دعوتكم الواحد. رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة. إله وأب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم. ] (أفسس 4: 1 – 6)
[ نحن نُعطى معرفة الثالوث باختبار المحبة الإلهية والتي تأتي من الشركة لكي تقوي الشركة، أي تبدأ منها وتعود إليها، لأنه لا محبة بلا شركة ولا معرفة طاهرة بدون المحبة؛ لأننا لا نعرف شيئاً معرفة حقيقية إلا إذا كانت لنا محبة ترتفع فوق الشهوة، ونتقدس بالروح القدس لكي تُفتح حواس الإنسان بالتقديس، فنرى بالمحبة كل شيء رؤية صحيحة كاملة ] (الأب صفرونيوس – الثالوث القدوس توحيد وشركة وحياة)

وسوف نتحدث - في الجزء الثاني - عن المحبة شركة تقود لمعرفة الثالوث
غنى نعمة الله تملأ قلوبكم فرح ومسرة آمين

Mary Naeem 07 - 06 - 2014 08:39 AM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
حوار مع الله ببساطة

الابن : صباح الخير يا أحلى وأجمل وأطيب أب في الدنيا
الله : صباح الخير يا أغلى حاجة عندي يا من أحبه حتى نفسي
الابن : يا رب عامل ايه النهارده ؟ مبسوط والا لأ
الله : أنا مبسوط من أولادي اللي بيحبوني ونفسهم يتعرفوا بيا أكتر وأكتر ونفسي أي حد بعيد عني يرجع لحضني
الابن : انت ليه يا رب بتحب البشر بالكم الهائل ده من الحب دول بيهينوك كل يوم
الله : أصل دول أولادي وأنا خلقتهم على صورتي ومثالي علشان يفرحوا بيا
الابن : ما هم كل يوم غرقانين في الخطية وأوحالها
الله : أنا مستني رجوعهم ليا وباحتملهم وهافضل أحتملهم لأني أب
الابن : بس يا رب الخليقة دي كلها كتيرة جداً البشر والبهائم والحيوانات والوحوش وانت بتهتم بيها كلها ازاي؟!!!!!!!
الله : أنا اللي خلقت كل العالم وعلشان كده كل حاجة خلقتها مسئولة مني أن أعتني بيها وبعدين أنا إله عظيم وقدرتي غير محدودة
الابن : صحيح يا رب بس البشر بيخافوا ويقلقوا جداً من المستقبل ومن الماضي . هم ليه خايفين كده مع إن انت مهتم بيهم ؟
الله : اللي بيحبني مش ممكن يقلق أو يخاف لأني هاغفر له خطايا الماضي وميبقاش منها خوف لأن معليهاش دينونة ... والحاضر أنا ضامنه في إيدي واللي بيحبني ميخافش من المستقبل لأني ضابط الكل وكل حاجة تحت سلطاني وأنا مش ممكن أعمل حاجة تضر أولادي الابن : شكراً يا رب . لكن ليه رغم ده كله الناس ماشية مع الشيطان مع أنهم متأكدين أنه مش بيحبهم ؟
الله : انت عارف إن الإنسان جواه شهوات ورغبات وميول شريرة وللأسف هو مش فادر يتحكم في نفسه
الابن : طيب يبقى غصب عنه بيعمل الخطية
الله : بس أنا عطيته إراده لو هو عايز يمشي في طريق النور وكل حاجة محتاجها أنا موفرها له
الابن : طبعاً يا رب انت مش ممكن تكون مقصر في حق البشر لكن هم اللي بيبعدوا عنك كل يوم
الله : أنا بحب كل واحد منهم محبة خاصة ونفسي يرجعوا ويعيشوا معايا ولكن ..
الابن : لكن ايه يا رب ؟
الله : لكن فيه ناس بتقسي قلبها عليا وفيه ناس بتعصاني وفيه ناس بتجرحني وناس بتهينني وناس بتخلي اسمي في التراب ..لو كنت مكاني كان هيبقى شعورك ابه ؟
الابن : كنت هابقى حزين عليهم ولكن أنا ممكن كنت عاقبتهم ..يعني أي واحد يغلط هأموته
الله : ما هو أنا لو عملت كده مين هيعيش ..كلهم هيموتوا بسبب خطاباهم وعلشان أنا بحبهم باديهم فرصة جديدة
الابن : بس يا رب دول كل ما بتديهم فرصة بيفكروا إن العملية سايبة وإن مفيش حساب
الله : ما هو أنا بكلم كل واحد بطريقته وصوتي بيقى واضح مرة بخادم ومرة بكلمة توبيخ ومرة بمرض ومرة بموت أحد الأحباء وطرق كتيرة
الابن : للدرجة دي يا رب بتحبهم
الله : وأكتر كمان يا حبيبي
الابن طيب يا رب أنا هستأذن دلوقتي وهارجع تاني بعد ما أخلص شوية حاجات الله : اتفضل يا حبيبي بس متتأخرش عليا ...أنا مستنيك ...وأنا مبسوط من الشوية اللي قعدناهم مع بعض دول
الابن :دا أنا اللي مبسوط أكتر يا رب علشان انت بجلالك رضيت تقعد مع واحد زيي وأرجوك يا رب تحفظني وتدبر أموري حسب مشيئتك
الله : حاضر يا ابني .. اتفضل يا ابني روح لشغلك مش هاعطلك ..بس متنساش تكلم الناس عني
الابن : حاضر يا بابا من عينيا الاتنين
الله : سلام يا ابني
الابن : مع السلامة يا بابا ..... بااااااااااااااااااا

Mary Naeem 07 - 06 - 2014 08:53 AM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
القمص تادرس يعقوب ملطي


خلّصنا الرب بنفس الأسلحة التي أراد إبليس أن يهزمنا بها


https://images.chjoy.com//uploads/im...3138712eef.jpg

. لنتعلم أيضًا عله أخرى. جاء المسيح ليعتمد ويقدس العماد. جاء لكي يصنع عجائب ويسير على مياه البحر. فإن كان قبل ظهوره في الجسد "البحر رآه فهرب... الأردن رجع إلى الخلف" (مز 114: 3)، أخذ المخلص جسدًا لكي يقدر البحر علي رؤياه ويستقبله الأردن بلا خوف. هذا سبب لمجيئه، هناك سبب آخر: وهو أنه خلال حواء العذراء سار الموت وخلال العذراء تصير الحياة. وكما أغوت الحيّة القديمة العذراء الأولى، جُعل جبرائيل البشارة الطيبة للثانية.

هجرت البشرية الرب وتخلت عنه وسجدت لصور بشرية منحوته، عبدت صورة الإنسان باطلًا على أنه الله، فصار الله إنسانًا حقيقيًا حتى ينزع الزيف بعيدًا.

استخدام إبليس الجسد كسلاح ضدنا، وقد عرف بولس ذلك فقال: "أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني..." (رو 7: 23)، وبنفس الأسلحة التي أراد إبليس أن يهزمنا بها خلّصنا الرب. أخذ الرب شبهنا حتى يخلص البشر. أخذ مالنا حتى يهبنا نعمة أعظم تنقصنا، فتصير البشرية الآثمة مشاركة "فحيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا" (رو 5: 20). لاق بالرب أن يتألم لأجلنا، لكن لو عرفه إبليس لما تجاسر أن يقترب إليه. "لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1 كو 2: 8). لذلك صار جسده طُعمًا للموت، وإذ صار موضع أمل للوحش أن يقبض على المخلص، قبض المخلص عليه. لأنه "يَبْلَعُ الموت إلى الأبد، ويمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه" (إش 25: 8).

Mary Naeem 07 - 06 - 2014 08:55 AM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
صليبـــــــــــك
http://im31.gulfup.com/dqmdc.gif


صليبك موضع جدال منذ صلبك
لكنه أعجب معجزاتك الإلهية فلولاه لَما بطل الموت ولا انحلت الخطية الموضوع منقول من منتديات المسيحي الجريء

ولا انهدم الجحيم ولا انفتحت أبواب الفردوس....

صليبك هو إقتدارك ونصرتك التي أظهرتها أمام الخليقة كلها...
أطراف صليبك جمعت العلو والعمق والطول والعرض ما يُرى وما لا يُرى.

صليبك هو مجدك الذي به تمجدت وهو قمة خلاصنا ومصدر كل الخيرات وبواسطته صرنا مقبولين بعد أن كنا منبوذين ساقطين
صرنا عارفين للحق وارتفعنا من عمق الخطية إلى قمة الفضيلة....

صليبك هو ختم حمايتنا وضمانك وصنعتك التي بها لايمسنا مُبيد الكل
من صليبك فزعت الشياطين وهربت فارة

صليبك هو زينتنا وفخرنا لأنك ارتفعت عليه ليس تحت سقف ما يظللك بل سماء.

صليبك عالياً مرتفعاً أنرت به على الجالسين في الظلمة.
سال عليه دمك الذكي الكريم فطهر كل أدناس العالم....
ذبيحتك مسكونية أدخلت بها المؤمنين بك إلى الفردوس
حالما فتحت الفردوس المُغلق وأدخلت كل لص شاطر يغتصب الملكوت

صليبك هز أركان الطبيعة شقق الصخور وأخفى لمعان الشمس والنجوم
لأنك ضياء السماء والأرض كلها وهما مملؤتان من مجدك الأقدس

صليبك مزق الذنوب وفك النفوس من قيد الأثيم القبيح وربطنا بخيط محبتك ونجانا من اللعنة والعبوس فصار لنا مرساة الرجاء

صليبك هو العمود المبارك المثلث الغبطة الذي بسطت عليه جسدك لتعتق كل المائتين.
هو فخر المؤمنين وجمال الرسل ومعونة كل الذين يعاينون حياتهم معلقة تجاهه
ومنه ينبُع المشروب الإلهي.
إننا نرفعه رافعين أيادينا وسط أتون هذا العالم الحاضر باسطين أيادينا في جوف الحوت برسم آلامك الخلاصية متطلعين إلى نجاتنا من أفواه الأسود ومن الذين يريدون أن يقطعوننا من أرض الأحياء.

ولا زال صليبك

يُقاوم من الكارهين لإسمك (اصلبْه اصلبْه) الموضوع منقول من منتديات المسيحي الجريء

والذين كانوا أيضاً منذ ولادتك أتوا ليهلكوا الصبي
ولا زالوا إلى الآن كارهين كنيستك
ورافضين خلاصك الثمين
بينما صليبك هو فعل محبتك لهم وافتقادك للعالم
وهو ليس علامة سكون
لكنه علامة حركة ذراعك الأبدية المفتوحة كي تصطاد وتضم كل من يُقبل إلى دائرة خلاصك
لذا لم نَعُد نحمل صليبك فقط بل صليبك أيضاً يحملنا.

إن صليبك هو السيف القاطع لقرون الشيطان قوته غير مقهورة وعجائبه خلاصية من الضغطة والشدائد والدينونة
إنه قوة - (ديناموس)(دينامو) - ومصدر حياتنا وطاقتنا ونمونا وهو القوة الإلهية التي تسند غربتنا منذ ولا دتنا حتى رقادنا.

لقد أشرق نور صليبك عندما أظلمت الأرض فلا عتامة ولا ظلمة ولا ضبابية ولا كتمان ولا تضليل....
إنك لم تترك صليبك على الأرض بل أخذته وأصعدته معك إلى السماء لأنك ستُحضره معك في مجيئك الثاني ليضيء ثانية عندما تتزعزع قوات السموات في الدينونة.

ستأتي حاملاً صليبك المحيي ستحضره معك
وسيعرف الذين صلبوك و رفضوك
والذين كذّبوك (ما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم)
مقدار جحودهم وجهالاتهم وشرهم
وستنوح شعوب الأرض كلها عندما ترى جراحاتك وجنبك المفتوح وعندما ينظروا الذي طعنوه.

Mary Naeem 08 - 06 - 2014 08:07 AM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الصوم و روحانيته

الصوم ليس مجرد فريضة جسدية..
بل إنه ليس مجرد الامتناع عن الطعام فترة زمنية ثم الانقطاع عن الاطعمة ذات الدسم الحيوانى، انما هناك عنصر روحى فيه..

اول عنصر روحى هو السيطرة على الارادة..

بنفس الارادة التى تحكمت فى الطعام يمكن ايضا السيطرة على الكلام، بالامتناع عن كل لفظ غير لائق، وكذلك السيطرة على الفكر وعلى المشاعر.

قال مار إسحق: "صوم اللسان خير من صوم الفم، وصوم القلب عن الشهوات خير من صوم الاثنين".


العنصر الثانى فى الصوم الروحى، هو التوبة:

ونلاحظ فى صوم اهل نينوى انهم لم يصوموا فقط وانما ايضا " رجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذى فى ايديهم " وان الرب نظر الى هذه التوبة اكثر مما نظر الى الصوم :
" فلما رأى الله اعمالهم، انهم رجعوا عن طريقم الرديئة، ندم الله على الشر الذى تكلم ان يصنعه بهم فلم يصنعه " (يونان 3:8 ? 10).

وهكذا يصحب الصوم ايضا بالتذلل والانسحاق امام الله:
وهذا واضح فى صوم نينوى، اذ لبسوا المسوح وجلسوا على الرماد. كما هو واضح فى سفر يوئيل:
"قدسوا صوما، نادوا باعتكاف"


ليخرج العريس من مخدعه والعروس من حجلتها. ليبك الكهنة خدام الرب بين الرواق والمذبح ويقولوا: إشفق يا رب على شعبك" (يوئيل 2: 15 ? 17).

والصوم لا يقتصر على منع الجسد من غذائه وإنما يجب فيه من الناحية الايجابية تقديم غذاء للروح.

وهكذا يرتبط الصوم بالصلاة كما تذكر صلوات الكنيسة، وكما حدث فى كل الاصوام المشهورة فى الكتاب، كصوم نحميا وعزرا ودانيال واهل نينوى..

وكما تدل عليه عبارة " نادوا باعتكاف"..

انه فرصة روحية نذل فيه الجسد لتسمو الروح:

إذلال الجسد هو مجرد وسيلة. اما الغرض فهو سمو الروح فتأخذ فرصتها فى الصلاة والتأمل والقراءة وكل وسائط النعمة بعيدا عن معطلات الجسد..

ونلاحظ ان الصوم غير الروحى مرفوض من الله:

كما رفض صوم المرائين (مت 5)، وصوم الفريسى (لو 18: 9)،
والصوم الخاطىء فى سفر اشعياء (اش 58: 3 ? 7).


Mary Naeem 08 - 06 - 2014 08:08 AM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الصوم القديس باسيليوس
http://www.peregabriel.com/gm/albums...ntitled325.jpg

أولا: المقدّمة:


انْفُخُوا فِي رَأْسِ الشَّهْرِ بِالْبُوقِ عِنْدَ الْهِلاَلِ لِيَوْمِ عِيدِنَا(مز 81: 3).

هذا أمر نبوي. أما بالنسبة لنا، فإن مقاطع إشعيا التالية تنبئ بعيد الأيام المقبلة بصوت يفوق كل بوق من حيث قوته وكل آلة موسيقية من حيث خاصيّتها (اش 58) .

هذه الأقوال تدع جانباً الصوم اليهودي وتُظهر لنا الصوم الحقيقي على طريقته القويمة, عندما تصومون انظروا أن لا تكونوا في خصومة أو مشاجرة مع الناس الآخرين، بل اجعلوا حدّاً لكل ظلم طارئ.
أما الرب يسوع فيقول: مَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ(مت 6: 16)أَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ(مت 6: 17).
لأنه لا يكلّل أحد ولا يحوز على راية الظفر إن كان وجهه عابساً أو قاتماً.


لا تكونوا عابسين وأنتم تستعيدون صحتكم. فإنه لا بدّ لنا أن نتهلل لصحة نفسنا، ولا مجال للحزن بسبب تبدّل الطعام وكأننا نؤثر ملذّات البطن على منفعة نفسنا،
لأن الشبع يقف إحسانه عند حدود البطن، أما الربح الناتج عن الصوم فهو يَنفذ إلى النفس. كن فرحاً لأنك أعطيت من قبل طبيبك دواء ينـزع الخطايا.
لا تبدّل وجهك كما يفعل المراؤون. إن الوجه يتبدل عندما يظلم الداخل مع التظاهر الخارجي، وكأنه مخفي وراء ستار كاذب.

المرائي هو الذي يكون له على المسرح وجه آخر. يرتدي قناع السيّد وهو في الحقيقة عبد. يلبس قناع الملك وهو بالحقيقة من عامة الناس.

هكذا أيضاً في الحياة الحاضرة، كثيرون يتظاهرون وكأنهم على المسرح. يكونون على كل شيء في عمق القلب ويتظاهرون بوجه آخر أمام الناس. أما أنت فلا تبدّل وجهك. كما أنت هكذا أظهر للآخرين.

لا تبدّل مظهرك عابساً ساعياً وراء الشهرة عن طريق التظاهر بالصوم والإمساك، لأنه لا نفع للإحسان الذي يطبَّل له، ولا ثمر للصوم الذي يشهّر أمام الناس، أي كل ما يقوم به الإنسان بغية التظاهر أمام الآخرين لا ينفذ إلى الدهر ولا يتخطى حدّه مدح الناس.

أسرع بفرح إلى هبات الصوم. إنّه هبة قديمة العهد لا تعتق ولا تشيخ، بل تتجدد وتزهر على الدوام.

ثانيا: تاريخ الصوم:

ربما تظن أنني سأعيد قدم الصوم إلى مرحلة الناموس الموسمي. الصوم هو أقدم من ناموس موسى. ومع قليل من الصبر ستقتنع من كلامي هذا.
لا يخطر ببالك الظن بأن بداية الصوم تعود إلى يوم الكفّارة الذي حُدّد لإسرائيل في العاشر من الشهر السابع (لا 27:23).
هلمّ تقدم أكثر في التاريخ وأبحث عن قدمه. فإن نظام الصوم لم يبتكر في الأزمنة الحديثة. إن هذه الجوهرة هي من ميراث آبائنا. كل شيء يتميز بقدمه جدير بالاحترام والإجلال فاحترم إذاً وجهه الشاحب. الصوم هو من عمر الإنسانية نفسها. لقد شُرّع له في الفردوس.
إن آدم هو الذي تقبّل الوصية الأول للصوم
وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا(تك 2: 17).
العبارة لاَ تَأْكُلْ ما هي إلا شريعة صوم وإمساك.


لو أن حواء لم تأكل من ثمر العود لما كنّا بحاجة إلى الصوم الحاضر.
لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى(مت 9: 12). لقد ترتّب علينا كثير من الشرور بسبب خطايانا، فلنعالجها إذاً عن طريق التوبة.
لكن التوبة بدون صوم لا تأتي بثمر. مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ(تك 3: 17)
وسيكون شَوْكاً وَحَسَكاً تُنْبِتُ(تك 3: 18). لقدّ تسلّمت وصية التعرّف ضمن حدود ولم تعطَ أن تستسلم لملذات الجسد. حسابك لله يكون عن طريق الصوم. إن العيش في الفردوس يعكس صورة الصوم.
لا لأن الإنسان كان يتشبه بالملائكة عن طريق القناعة، بل أيضاً لأنه لم يكن ليعرف في الفردوس كل ما ابتكره الناس بعد ذلك من شرب خمر وذبائح حيوانية وكل ما يعكّر صفو ذهن الإنسان.


لقد طُردنا من الفردوس لأننا لم نصم. فلنصم إذاً حتى نعود إليه. ألم ترَ كيف أن الفقير لعازر دخل الفردوس عن طريق الصوم (لو 16).
لا تتشبّه بمعصية حواء وتتبع مشورة الحية. لا تتحجج بالمرض الجسدي. إن هذا التعلل لا يتوجّه إليَّ بل إلى ذلك الذي يعرف حقائق الأمور بالضبط.

تقول لي لا أستطيع أن أصوم، لكنك تقدر على إشباع البطن طيلة عمرك وعلى إجهاد جسدك بثقل المآكل التي تتناولها. إنني اعلم من جهتي أن الأطباء يصفون الصوم دواء للمرضى، لا كثرة المآكل.

كيف تقدر من جهة على إشباع البطن وتدّعي من جهة أخرى أنك لا تقدر على الصوم؟ ما هو الأسهل بالنسبة للبطن؟ أن تمضي الليل هادئاً، مع قليل من الطعام، أم أن تستلقي على الفراش مثقلاً بكثرة المآكل؟

أو قل بالأحرى أن تتقلب متنهداً ومواجهاً خطر القيء من كثرة الأطعمة؟ أو أنك تريد أن تقنعني أنه اسهل على البحارّة أن ينقذوا من الغرق مركباً مثقلاً بالحمولة من أن ينتشلوا مركباً قليل الحمولة وخفيفاً.

هذا لأن المركب الثقيل ما أن ترفعه الأمواج قليلاً حتى يشرف على الغرق، بينما يسهل على المركب الخفيف أن يتجاوز العاصفة لأنه لا يصعب عليه أن يرتفع فوق الأمواج وأن الأجساد التي تثقل بالأطعمة بصورة متواصلة معرّضة أكثر للأمراض إلا أننا عندما نتناول طعاماً خفيفاً متوازناً،
نتجنّب شرَّ المرض كما يتجنّب المركب الخفيف العاصفة وينجو? إلاّ إذا اعتبرت، حسب رأيك، أن الاستراحة أضمن من الركض و الهدوء أشدَّ من العراك.

فإذا صحَّ قولك هذا يكون أفضل للمرضى أن ينتفخوا بالمآكل بدل أن يكتفوا بالطعام الخفيف. طعام خفيف يسدّ حاجة كل حيّ للغذاء أفضل من مأكل كثير يثقله، لأنّه مع كثرة الأطعمة تتعكر عملية التغذية بدخول أمراض متنوعة.


ولكن لنتقدم في تاريخ الصوم ونتقصّ قدم تشريعه. كيف تقبّله القديسون جميعاً كميراث آبائي ومارسوه بدقّة مسلِّمين إياه من أب إلى ابنه إلى أن وصل إلينا بالتسلسل.
لم يُعرف الخمر في الفردوس (كما ذكرنا) ولا الذبائح الحيوانية ولا أكل اللحوم. لقد عرف اللحم والخمر بعد الطوفان لأنه أوصي عند ذلك

كُلُّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ تَكُونُ لَكُمْ طَعَاماً كَالْعُشْبِ الأَخْضَرِ(تك 9: 3). عندما يئس البشر من بلوغ الكمال الروحي حينئذٍ سمحوا لأنفسهم بالتمتع بكل شيء.

والبرهان على أن البشر لم يعرفوا الخمر هو نوح كان يجهل استعمال الخمر: لم يرَ أحداً يستخدمه وهو لم يذقه هو شخصياً، لذلك حدث له ما حدث من أذى من جراء عدم احتياطه.
وَابْتَدَأَ نُوحٌ يَكُونُ فَلَّاحاً وَغَرَسَ كَرْماً. وَشَرِبَ مِنَ الْخَمْرِ فَسَكِرَ(تك 9: 20-21)،
لا لأنه كان سكيراً بل لعدم خبرته في شرب الخمر باعتدال. إن شرب الخمر بعيد عن مرحلة الفردوس بقدر ما يبتعد الصوم الشريف في قدم زمنه.


ونعلم أيضاً أن موسى لم يجرؤ على الاقتراب من جبل سيناء و الصعود إليه إلاّ بعد صوم طويل. لم تكن له الجرأة على الصعود إلى الجبل المدخّن ولا الشجاعة على الدخول في وسط الغمام الذي غطاه (خر 24: 18) لو لم يتسلّح بالصوم. عن طريق الصوم تسلّم الوصايا العشر التي دُفعت إليه على لوحين من حجر مكتوبين بإصبع الله (خر 34: 28)،

بينما في أسفل الجبل دفعت الشراهة الشعب إلى عبادة الأوثان، لأنه جَلَسَ الشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ(خر 32: 6). البقاء على الجبل أربعين يوماً وابتهال عبد الله المؤمن، كل ذلك لم يجد نفعاً مقابل يوم واحد من السكر والعربدة. وبعبارة أخرى، إن لوحي الوصايا التي أتت عن طريق الصوم مكتوبة بإصبع الله حطمها السكر، لأن النبي موسى حكم أن الشعب المستسلم للسكر لم يكن يستحق استلام الوصايا الإلهية (خر 32: 19).

بالنسبة للشعب الذي عرف الله الحقيقي والصانع له العجائب، لحظة واحدة كانت كافية ليعود ويغرق في وثنية المصريين. فاجعلوا أمامكم إذاً الأمرين وقارنوا بينهما: أنظروا أن الصوم من جهة يقرّب الإنسان إلى الله، بينما التمتع من جهة أخرى يقضي على خلاص نفسه.


لكن لنتابع طريقنا ونتقدم في التاريخ. من الذي أضعف موقف عيسو وجعله عبداً لأخيه؟ أليس هو طعام تناوله وباع من أجله بكوريته لأخيه (تك 25: 31-34)
في المقابل، يُهدَ صموئيل لأمّه عن طريق الصلاة والصوم, ما الذي جعل شمشون الكبير لا يقهر، أليس هو الصوم الذي ساهم في الحبل به؟ لأن الملاك أوصى به لأمه قائلاً لها: وَالآنَ فَلاَ تَشْرَبِي خَمْراً وَلاَ مُسْكِراً وَلاَ تَأْكُلِي شَيْئاً نَجِساً, لأَنَّ الصَّبِيَّ يَكُونُ نَذِيراًلِلَّهِ مِنَ الْبَطْنِ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِ(قض 13: 7).


الصوم يولّد أنبياء، يجعل المشرّعين حكماء. هو كنـز صالح للنفس، وسكناه فيها ضمانة. هو سلاح المجاهدين ورياضة المتبارين. هو الذي يبعد التجارب ويحثّ على التقوى. يواكبه انتباه روحي متواصل. الصوم يولّد العفّة.

في الحروب يصنع الرجال، وفي السلم يعلّم الهدوء. يقدّس المكرّس لله، يجعل الكاهن يتقدم أكثر قي طريق الكمال، لأنه لا يمكن للكاهن بدون صوم أن يخدم العبادة الإلهية الحاضرة والسريّة فحسب بل حتى العبادة الناموسية التي لموسى أيضاً.

الصوم هو الذي أهّل إيليا لتلك الرؤية العظيمة، لأنه بعد أن طهّر نفسه بالصوم مدّة أربعين يوماً أهّل لرؤية الرب في مغارة حوريب بقدر ما يستطاع للناس أن يروا الله,

وقد أقام ابن الأرملة بعد صوم متغلباً هكذا على قوة الموت. من فمه، وبعد صوم طويل، خرج الصوت الذي حبس السماء معاقباً الشعب بسبب معصيته، وكان ذلك لمدة ثلاثة سنين وستة أشهر، لأنه إذ أراد أن يطرّي قلوب الشعب القاسية فضّل أن يحكم على نفسه معهم بالشقاء.
لذلك قال:حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ إِنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلٌّ وَلاَ مَطَرٌ فِي هَذِهِ السِّنِينَ إِلاَّ عِنْدَ قَوْلِي(1مل 17: 1).
وفرض الصوم عن طريق الجوع الذي حلّ مع الجفاف من أجل تقويم الشعب الذي كان استسلم للملذات الجسدية واستفحل الضلال في عيشه.


وأيضاً كيف كانت حياة أليشع؟ بأية طريقة استضافته المرأة الشونمية؟ فكيف أطعم الأنبياء الذين استضافهم؟ ألم تقتصر ضيافته على بعض البقول البريّة وقليل من الطحينّ؟

لأنه عندما وضعت البقول خطأً في القدر تعرّض الآكلون للموت من جراء الأعشاب المسمَّمة. فجاءت بركة النبي الصوّام وأبطلت فعل السمّ (2مل 4: 38-44).


بكلمة واحدة، لدى فحص الأمور، تجد أن الصوم كان مرشداً لجميع القديسين سلوكهم وفقاً لوصايا الله.
هناك جسم طبيعي هو الأميانط (amiante) لا يحترق في النار ويبدو فيها وكأنه يصير فحماً، لكن عندما يُنشل منها ويغسل بالماء يزداد لمعاناً. وهكذا استبان مع أجسام الفتية الثلاثة لأنها كانت نقية.
لقد وُجدوا في لهيب الأتون وكأن أجسادهم من ذهب لا من لحم وعظام، وظهروا عند خروجهم أبهى مما كانوا عليه (دا 3). طبعاً برهنوا على أنهم أسمى من الذهب لأن النار لم تُشوّه مظهرهم بل حفظتهم بلا عيب.
فمن كان يستطيع أن يحتمل مثل هذا اللهيب الذي كان يوقد بالنفط والزفت والزرجون حتى ارتفع فوق الأتون تسعاً وأربعين ذراعاً وانتشر وأحرق الذين صادفهم حول الأتون من الكلدانيين؟

دخل الفتية الثلاثة الحريق بعد أن صاموا قبلاً فاستنشقوا اللهيب وكأنه نسيم عليل مندّي. لم تجسر النار على الاقتراب من شعر رأسهم لأنهم كانوا قد تغذوا بالصوم.


أما دانيال رجل الرغائب الذي طيلة ثلاثة أسابيع لم يأكل خبزاً ولا شرب خمراً، فقد علّم الأسود أيضاً أن تصوم عندما أُلقي في الجب. وكأن جسمه مصنوع من حجر أو من نحاس أو من مادة جامدة أخرى لم تقوى عليها الأسود بأسنانها. كما أن السقي يجعل الفولاذ أشد وأمتن، هكذا بطريقة مشابهة تقوّى جسم دانيال من جراء الصوم.

جعله لا يقهر أمام الأسود التي لم تجرؤ أمامه حتى على أن تفتح أفواهها (دا 6).


ثالثا: فضائل الصوم:

الصوم أخمد أجيج النار، الصوم سدَّ أفواه الأسود. الصوم يرفع الصلاة إلى السماء وكأنه يعطيها أجنحة تخوّلها الطيران إلى فوق.

الصوم يُعمر البيوت، يُعنى بالصحة كأم. هو مربٍّ للشباب ومزيّن للمتقدمين في السن. مرافق حسن للمسافرين وضمانة لكل من يساكنه. لا يشك الرجل بامرأته عندما يراها تصوم، كما لا تغار المرأة من رجلها عندما تراه يصوم بانتظام.

من الذي قضى على ثروته من جرّاء الصوم؟? لا ينقص شيء منها عن طريقه. هو يريح الطباخين قليلاً من العمل. تقتصر المائدة على الطعام القليل.

لقد أعطي السبت لليهود لِيَسْتَرِيحَ ثَوْرُكَ وَحِمَارُكَ وَيَتَنَفَّسَ ابْنُ أَمَتِكَ (خر 23: 12). ليكن الصوم فرصة استراحة سنوية للخدام من أتعابهم المتواصلة. يستريح الطباخ قليلاً من عمله. يأخذ مدبر المواد مأذونية.

لا يعود يسكب خمراً في كأسك، وتتوقف صناعة الحلويات المختلفة، من الدخان، من رائحة الشوي، من كل من يسرع هنا وهنا كمن أجل خدمة البطن وكأنه السيد الذي لا يكفيه شيء. كان من عادة جامعي الضرائب أن يريحوا الملزمين قليلاً في وقت من الأوقات من دفع الضريبة. فليعط بطنك استراحةً ما للفم، ويلجأ محبة منا إلى السكينة.

هو الذي لا ينفك يطالب بالمآكل وإن نسي اليوم يعطي غداً ما كان قد تناوله البارحة. عندما يمتلئ يتكلّم عن فلسفة الإمساك، وعندما يفرغ ينسى ما كان قد علّمه في وقت شبعه.


الصوم لا يعرف ما هو الدَّيْن?ابن الصوّام اليتيم لا تخنقه ديون والده ملتفة حول عنقه كالحيات. ومن جهة ثانية الصوم مناسبة للابتهاج. كما أن العطش يجعل الشرب مستحباً، كذلك الصوم المسبق يجعل المائدة مستحبة والطعام أشهى، لأنك إن أردت أن تجعل مائدتك لذيذة وشهية اعتمد الصوم الذي يخلق مثل هذا التبدّل.

أما أنت، الذي تتسلّط عليك شهوة التمتع بالأطعمة، فإنك تفقد بهذه الطريقة ملذاتها وتقضي على المتعة واللذة من جراء شهوتك وهو محبة اللذة.
لا شيء يُشتهى ويتمتع به المرء بصورة متواصلة ولا يزدري به في النهاية. كل شيء نادر مستحق التمتع به.هكذا شاء الخالق عن طريق التبدل في العيش أن يديم التمتع بما وهبنا من نِعم.

ألا ترى الشمس مستحبة أكثر بعد انتهاء الليل؟ والاستيقاظ بعد النوم، والصحة بعد المرض، والمائدة أيضاً بعد الصوم، أكان ذلك للأغنياء الذين تفيض عندهم المآكل أم للفقراء القانعين بالطعام القليل؟

أذهب في مثال ذلك الغني لأن التمتع بالمآكل طيلة حياته سلّمه إلى نار جهنّم (لو 16). لقد أدين لا لظلمه بل لأنه كان يعيش في التنعم الدائم.لذلك أخذ يحترق في نار الأتون.
والصوم يفيدنا،ليس فقط من أجل الحياة الأبدية، بل يفيد أيضاً، جسدنا البشري. إن الرفاهية الزائدة تجرّ سقطات لاحقة، لأن الجسم يتعب ولا يستطيع أن يحمل ثقل الأغذية الكثيرة. أحذر ألاّ تزدري اليوم بالماء حتى لا تشتهي فيما بعد على مثال الغني نقطة واحدة منه. لم يسكر أحد من الناس من شرب الماء ولا أصابه صداع بسببه، ولا تعبت رجلاه أو يداه منه أيضاً.


إن عسر الهضم الذي يرافق عادةً كثرة الطعام والشراب هو الذي يولّد أمراض الجسد الصعبة. وجه الصائم محتشم، لونه لا يحمّر بصورة فاقعة، بل يتزين بلون شاحب يعكس عفة صاحبه. عيناه هادئتان وكذلك مشيته. هو رصين الطلعة لا يستجلب الضحك. أقواله متّزنة وقلبه نقي. تذكّر القديسين القدماء الذين
طَافُوا فِي جُلُودِ غَنَمٍ وَجُلُودِ مِعْزَى مُعْتَازِينَ مَكْرُوبِينَ مُذَلِّينَ(عب 11: 37).
تمثّل بحياتهم إن ردت أن تشترك في نصيبهم.


رابعا: في العهد الجديد:

من الذي أراح لعازر في أحضان إبراهيم (لو 16)؟ أليس هو الصوم؟
حياة القديس يوحنا السابق كان صوماً مستمراً. لم يكن له لا سرير ولا مائدة طعام، لا أرض مفلوحة ولا حيوان يعلفه، لا قمح، لا رداء ولا شيء مما تحتاج إليه الحياة الحاضرة.
لذلك لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ(مت 11: 11) . وأيضاً الصوم هو الذي رفع بولس الرسول إلى السماء الثالثة (2 كو12).

يأتي في ذكره على تعداد أحزانه والافتخار بها. وعلى رأس ما أتيت على ذكره حتى الآن يأتي مثال ربنا يسوع المسيح نفسه، الذي عن طريق الصوم، حافظ على الجسد الذي أخذه من أجل خلاصنا.

بالصوم ردّ عنه هجمات الشيطان معلّماً إيانا بهذه الطريقة أن نهيئ أنفسنا وأن ندرّبها من أجل مواجهة التجارب.

لقد أخلى الرب ذاته وتنازل مقدماً هكذا فرصة لقاء مع الشيطان ومحاربته.
فإنه لم يكن بقدور العدو أن يقترب عن طريق أُخرى من السيد بما أنه إله، لو لم يتنازل إلى مصاف البشر
أَخْلَى نَفْسَهُ آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ(في 2: 7). وقد تناول طعاماً حتى بعد القيامة لكي يثبت بهذه الطريقة جسده القائم له طبيعة مادية (لو 24: 43).

أما أنت الذي تحشو بطنك بالمآكل، ألا تلاحظ رخاوتك من جراء ذلك، ألا تتفوه بكلمة عندما ترى ذهنك يجف بسبب فقدان الأقوال المحيية الخلاصية المغذية إيانا؟

أم تجهل أن من يتخذ حليفاً ينجح في التغلب على العدو؟ هكذا فإن الذي يضيف على جسده شحماً يقاوم الروح.

كم أن الذي يجعل للروح حليفاً مساعداً يسيطر على جسده. ذلك لأن الروح مناهض للجسد, حتى أنك إن أردت أن تقوّي ذهنك لجأت إلى الصوم من أجل إخضاع جسدك.

هذا ما يتفق مع كلام بولس الرسول الذي يقول:وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْماً فَيَوْماً(2كو 4: 16)،

أو لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ(2كو 12: 10).


خامسا: وفي العهد القديم:

ألا تزدري بالمآكل التي بكثرتها تفسد؟ ألا ترغب في مائدة الملكوت التي يهيِّئها الصوم دائماً في الحياة الحاضرة؟
من الذي، عن طريق كثرة الطعام واستمرار التمتع الجسدي، نال مرةً موهبةً روحيَّة؟ لقد لجأ موسى إلى الصوم مرة ثانية من أجل تقبل الوصايا ثانية (خر 34: 28).
لو لم يصم أهل نينوى حتى مع بهائمهم لما نجوا من وعيد الخراب (يون 3: 5-10). من هم الذين تناثرت أعضاء أجسادهم وعظامهم في الصحراء؟

أليسوا هؤلاء الذين اشتهوا أكل اللحم؟ عندما قنعوا بالمن والماء الفائض من الصخرة انتصروا على المصريين وعبروا البحر على اليبس، ولم يكن فيما بينهم ذو علّة.
لكن ما أن اشتهوا اللحوم المطبوخة حتى عادوا إلى مصر ولم يروا أرض الميعاد.

ألا تخشى من التشبه بهم؟ ألا ترعبك شهواتك التي ربما تحرمك من الخيرات السماوية؟ النبي دانيال لم يكن ليشاهد مثل هذه الرؤى لو لم ينقِّ نفسه مسبقاً عن طريق الصوم (دا 1: 8-20).
إن كثرة الطعام تجرّ نوعاً من خيالات تشبه غيوماً سوداء تقطع استنارات الذهن بالروح القدس. إن كان للملائكة طعام فما هو إلا الخبز كما يقول النبي:
أَكَلَ الإِنْسَانُ خُبْزَ الْمَلاَئِكَةِ(مز 78: 25). لا اللحم، لا الخمر ولا شيء آخر يشتهيه ذوو محبة البطن.

الصوم سلاح أمام جنود الشياطين.
وَأَمَّا هَذَا الْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ(مت 17: 21). حسناته لا تعدّ. أما نتيجة الشراهة فهي الهلاك، لأن التمتع بالمأكل والسكر وما إليها تجرّ مباشرة كل نوع من أنواع الخلاعة التي تليق فقط بالبهائم.
فالسكر يولّد في النفس حب التمتع باللذات الجسدية والزنى?بينما الصوم، يساعد حتى الزوجين على نوع من الاتزان الجنسي ويحدّ من المبالغة في التمتع الجسدي، مما يساعد كثيراً على الاستمرار في حياة الصلاة.


سادسا: فضائله على صعيد أوسع:

لكن حسنات الصوم لا تقتصر على الابتعاد عن الأطعمة الشهية، لأن الصوم الحقيقي هو في الابتعاد عن كل شرّ.
الحد من كل عمل ظالم، الابتعاد عن كل ما يحزن الآخر بل إعانته في كل ما يحتاج إليه (اش 58: 6). لا تصوموا وأنتم في نزاع مع الآخرين.

أنت لا تأكل لحمً بل ترغب في مأكل لحم أخيك. تمتنع عن شرب الخمر، لكنك لا تقطع لسانك عن التجديف. تنتظر هبوط الليل لكي تفطر بينما تمضي النهار كلَّه في المحاكم.

الويل للسكارى من غير شرب الخمر. الغضب ما هو إلا سكر للنفس لأنه يُخرج الإنسان عن صوابه كما يفعل فيه الخمر. الحزن أيضاً نوع من السكر لأنه يُظلم الفكر.
والخوف أيضاً نوع آخر عندما لا يبرر مصدره. لذلك يقول لمزمور:
مِنْ خَوْفِ الْعَدُوِّ احْفَظْ حَيَاتِي(مز 64: 1). وبصورة عامة الأهواء النفسية المختلفة التي تسبب اضطراباً للذهن يمكن اعتبارها نوعاً من السكر.


انظر جيداً إلى الغاضب كيف يصبح من شدة غضبه كالسكران، لا يعود يسيطر على نفسه، لا يلاحظ حاله ويتجاهل وجود الآخرين.

كما في حرب ليلية يضرب عشوائيّاً. يتفوه بكلام غير لائق، يشتم، يضرب، يهدد، يحلف، يصرخ وكأنه على وشك الانفجار. تجنب مثل هذا النوع من السكر كما ولا تسكر أيضاً بالخمر.

لا تفضل شرب الخمر على الماء، حتى لا يسوقك السكر نفسه إلى الصوم. لا يمكن للسكر أن يكون مقدمة للصوم لمبارك كما أن الطمع لا يقود إلى العدالة. كذلك لا تستطيع عن طريق الخلاعة أن تصل إلى العفة وبصورة عامة عن طريق الرذيلة أن تصل إلى الفضيلة. الصوم له مدخل آخر. السكر يقود إلى الخلاعة، أما الخلاعة فهي تقوده إلى الصوم.

كما أن المتباري يتدرّب ويتروّض مسبقاً، كذلك الصائم يجب أن يتعفف من قبل. لا تخزّن خمراً في معدتك خلال أيام الفسحة الخمسة وكأنك تريد أن تعادل أيام الصوم وتضحك على صاحب الوصية.

إن تعبك سيذهب باطلاً مجهداً جسدك دون أن تعوّض له في أيام الإمساك. تخزن في جرّة مثقوبة، يتسرّب منها الخمر ويجري في طريقه، أما الخطيئة فتبقى وحدها في مكانها.
العبد يهرب من سيده عندما يضربه. وأنت تنوي البقاء مع الخمر وهو يضربك كل يوم على رأسك؟ إن افضل مقياس لشرب الخمر هو حاجة الجسد.
إن تخطيت هذا الحد يأتي وجع الرأس، تثاؤب، تستنشق رائحة الخمر المخلّل، كل شيء حولك يدور ويضطرب. السكر يقود إلى النوم الذي يشبه الموت أو الصحو الذي يشبه الحلم.
أتعلم يا ترى من هو مزمع أن يأتي وتتقبله؟ هو الذي وعدنا بقوله:
وَإِلَيْهِ نَأْتِي وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً(يو 14: 23).
لماذا إذاً تسرع عن طريق السكر وتوصد الباب أمام الرب؟ هو يطرد الروح القدس. كما أن الدخان يطرد النمل كذلك تهرب المواهب الروحية من السكر.


سابعا: الخلاصة:

الصوم حشمة المدينة، سكينة الأسواق، سلام العائلات وضمانة لموجوداتنا.
أتريد أن تتعرف إلى وقاره؟ قارن بين الليلة الحاضرة والنهار المقبل، تجد أن المدينة تتبدّل وتنتقل من السكينة الكليّة إلى الضجة والاضطراب.
أرجو أن يتشبه نهار غد باليوم الحاضر من حيث السكينة والوقار دون أن يفقد شيئاً من بهجته.
عسى أن يعطينا الرب الذي أهَّلنا للوصول إلى مثل هذا اليوم ما يهب عادة للمجاهدين الأشداء فإنه بمواظبتنا على الجهاد والصبر سوف يؤهِّلنا أن ندرك ذلك الذي يوزّع فيه الأكاليل،
أن نصل ههنا إلى أيام ذكر آلام الرب وفي الدهر الآتي إلى مجازاتنا حسناً على أعمالنا حسب حكم المسيح العادل الذي يليق له المجد إلى الأبد. آمين

Mary Naeem 08 - 06 - 2014 08:11 AM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
صـوم اللسان

http://www.peregabriel.com/gm/albums...normal_010.jpg

ما أخطر أن يصوم الفم عن الطعام، بينما لا يصوم اللسان عن أخطاء الكلام وهي كثيرة ونتائجها سيئة جداً! فما هى تلك الأخطاء التي يجب أن يصوم اللسان عنها؟

من الأخطاء التي يجب أن يصوم عنها، جرح شعور الآخرين. ويشمل ذلك كلام السخرية بهم والتهكم والاستهزاء. وأيضاً أسلوب الكلام الجارح الموجع.

وكذلك كل كلمات الإحراج التي تُخجل الغير، وأيضاً كل كلام بقصد مضايقة السامع، مع الاستمرار في عدم مراعاة شعوره..

** ومن جرح الشعور بالأكثر، كلام الشماتة، فهو بمثابة وضع نار على جرح. إذ بدلاً من تعزية الناس في ضيقاتهم، تضاف إليهم آلام أشد بالشماتة.
وأحياناً يجرح اللسان شعور صديق بعتاب مُتعب..


** ومن أخطاء الكلام التي يجب أن يصوم اللسان عنها، كلام الإهانة، ويشمل طبعاً كل الشتائم بأنواعها.

فإن تحدَّث شخص عن غيره في غيبته، يُسمَّى ذلك اغتياباً، أما وإن نشر عيوب غيره أمام آخرين، فإنَّ ذلك يُسمَّى تشهيراً. وإن كان تشهيره هذا في مقال في الصحف، فإنه يُسمَّى سبَّاً علنياً وقذفاً مما يحاسب عليه القانون. ** والشتيمة قد تشمل إهانة إنسان في موقف مُعيَّن، أو أنها تطوِّق الإنسان كله. فهناك فرق بين أن يُقال عن شخص إنه كذب في الموقف الفلاني، وبين أن يُقال عنه إنه كذاب. فهذه العبارة الأخيرة تعني صفة لحياته كلها.


** ومن ضمن أساليب الشتيمة: التحقير والتصغير، أي التقليل من شأن الغير. كأن يُقال لأحد الرجال "يا ولد"!

ومن كلام الإهانة أيضاً ما يثار حول شخص من شكوك وظنون تسيء إلى سمعته وسط الناس، ومنها أيضاً الحديث عن الفضائح والخصوصيات..
وهذه كلها أخطاء يجب أن يتجنبها اللسان المُهذَّب. كما أنها تثير عداوات بينه وبين غيره. وقد تدعوهم إلى الرد عليه بالمثل. وكما يقول المَثَل: "من غربل الناس نخلوه".


** ومن أخطاء اللسان التي يجب أن يصوم عنها: الكذب بأنواعه الكثيرة، وأولها الكلام بعكس الحقيقة.

على أنه من الكذب أيضاً: المبالغة، فهيَ ليست صدقاً خالصاً. ومنها استخدام كلمة (كل أو جميع) بمعنى مُطلَق. كأن يُقال: "كل الناس رأيهم كذا"، أو "كل شعب البلدة الفلانية بخلاء"!

http://www.peregabriel.com/gm/albums...normal_012.jpg

** وقد تدخل في نطاق الكذب، أنصاف الحقائق. ولهذا يُقال: "إن أنصاف الحقائق، ليس فيها إنصاف للحقائق". ولذلك فإنَّ الشاهد في المحكمة يُطلَب منه أن يقول الحق، كل الحق، ولا شيء غير الحق.
لهذا ينبغي الدقة في الكلام، لأنَّ هناك عبارات مُعيَّنة قد تعني مفهوماً غير المعنى المقصود!


** ومن أخطاء اللسان أيضاً: شهادة الزور، وكل الأحكام غير العادلة not fair ذلك لأنَّ مبرئ المذنب، ومُذنِّب البريء كلاهما ضد الحق. حتى لو احتج البعض بأنه يدافع غيره. فالمفروض أنه يدافع ولا يكذب.

** ومن أخطاء اللسان: طُرق اللف والدوران في جو من عدم الوضوح والصراحة في الحديث، مع شعور السامع بأن الحقيقة تائهة، وأنَّ المُتكلِّم يريد أن يخفيها..

** ومن أخطاء اللسان: الخداع والتضليل، وبخاصة من المساعدين مع رؤسائهم، وكم من الرؤساء أخطأوا نتيجة التضليل من الذين حولهم.

** ومن أخطاء اللسان: التملُّق والنفاق، ومدح السامع بما ليس فيه، وإشعاره بأن ما يفعله هو سليم وممتاز، مهما كان خطأً! ويشمل ذلك أيضاً الرياء، والحديث بمظهر يبدو حسناً وهو رديء! أو تبدو فيه الصداقة والإخلاص، على غير حقيقة الأمر! ويدخل في هذا النوع مَن يطلقون عليهم ذوي اللسانين، كشفَتيْن تقطران عسلاً، ومشاعرهما مُرَّة كالإفسنتين!

** من أخطاء اللسان أيضاً ويجب أن يصوم عنها، كل أخطائه التي هى ضد آداب الحديث والمناقشة، كأن يقطع حديث مَن يُكلِّمه، لكي يتحدَّث هو، أو مَن يأخذ الجلسة كلها لحسابه، دون أن يعطي فرصة لغيره أن يتكلَّم!

* كذلك كثرة الجدل الذي لا يوصِّل إلى نتيجة مع الإصرار على رأي واضح الخطأ، وما يسمى بالملاججة أو بالعامية (المقاوحة)!
وكذلك حب الانتصار في النقاش مع تحطيم الغير.


** ومن أخطاء اللسان أيضاً: الكلام الخارج عن حدود الأدب، الذي يخدش حياء العذارى وأهل العفة. مثل الحديث عن بعض أمور الجنس بطريقة مكشوفة!

* و كذلك من أخطاء اللسان، الفكاهات غير المؤدبة، والأغاني الهابطة، وعبارات المجون، وكلام الإغراء الذي يحاول به أحد الشبان أن يجتذب فتاة! وأيضاً كل كلام غير محتشم أو غير مهذَّب أو بأسلوب مُتدنِّي.

** ويدخل في هذا المجال، المزاح الرديء، مع خطأ تسميته مزاحاً. وأيضاً كل أسلوب يصدر عن المُتكلِّم بغير احترام لغيره، أو بغير لياقة، بعيداً عن الذوق السليم.

** ومن أخطاء اللسان أيضاً التي يجب أن يصوم عنها، إضاعة وقت الغير في حديث غير نافع أو هو من التافهات، مع الثرثرة وكثرة الكلام، وبخاصة مع شخص مسئول يحرص على وقته.

* وقد يلجأ البعض إلى التطويل بغير داعٍ، فما تكفيه كلمة أو جملة يقول فيه محاضرة. وقد تكون إطالته مُملَّة أو حافلة بكثرة الشروح والمقدمات، حتى يضجر السامع ويقول له "هات من الآخر"! ومثله مَن يكرر الكلام، وكأن مَن يخاطبه لم يسبق له سماع ما قاله!

* ومن أخطاء هذا النوع، الكلام بغير موعد؛ كمَن يُفاجئ شخصاً ويتحدَّث معه ويستمر في الحديث. ومن ذلك بعض المكالمات التليفونية التي تأتي فجأة دون حساب الوقت.

ويدخل في هذا المجال: الزيارات غير المحدودة النهاية، وما فيها من ضياع وقت. وقد قال الأستاذ مكرم عبيد لبعض من هؤلاء الضيوف: "أهلاً بكم وسهلاً. تأتون أهلاً، ولا تخرجون سهلاً"!

** أخيراً: إنَّ كل كلمة بطَّالة، وليست للبنيان أو للمنفعة يتكلَّم بها اللسان، سيعطى عنها حساباً أمام الله. لهذا فإن صوم اللسان عن الأباطيل، هو فضيلة يجب أن نحرص عليها ونُدرِّب أنفسنا عليها.

Mary Naeem 08 - 06 - 2014 08:12 AM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
أحد الصوم الرابع

مرقس 14:9-29

http://www.peregabriel.com/gm/albums...r__08__jpg.jpg




بقلم الأرشمندريت/ سلوان أونر - اليونان

رتبت الكنيسة في الأحد الرابع من الصوم أن نقرأ إنجيل شفاء الابن من الشياطين، لتقول لنا، في مسيرة الصوم هذه، أن الحرب ضد الشرير تحتاج إلى الصوم والصلاة والإيمان.

ورتبت أن نعيّد لتذكار القديس يوحنا السلمي، مؤلف كتاب "السلم إلى الله"، لتؤكد لنا أن محاربة الشرير والصعود إلى السماء يحتاج إلى وعي روحي لأدق تفاصيل الحياة الروحية والتي نتقدّم بها تدريجياً كسلّم، نهايته تكون في السماء مع الرب.


الشك، الإرادة الحسنة، الإيمان


أحضر الأب المتألم الحزين ابنه المسكون بشياطين كثيرة، في إنجيل اليوم، أمام السيد راجياً أن يشفيه، بعد أن فشل التلاميذ في فعل ذلك، لكن هل سيستطيع المعلّم مساعدته؟

كان قلبه مليئاً بالشك وعبّر عن ذلك بطريقة طلبه: "إن كنت تستطيع شيئاً فتحنن علينا وأعنّا" (22:9)


كان للأب رجاءٌ أن يُشفى ابنه على يد السيد الذي أجابه وقال:

"إن كنت تستطيع أن تؤمن كل شيء مستطاع عند المؤمن" (23:9). الموضوعان المطروحان، في إنجيل اليوم، نعيشهما نحن يومياً أي الشك والإيمان، الأب أراد أن يؤمن. لكن كيف يتحول الشك والاضطراب إلى إيمان حار؟

وهل تكفي رغبة الإنسان وميله الحسن ليصبح مؤمناً؟ كان للأب إرادة حسنة لشفاء ابنه أما إيمانه فكان غير كامل وضعيف وهذا باعترافه:

"أؤمن يا سيد فأعن عدم إيماني" (24:9).

نحن لدينا الرغبة والإرادة الحسنة ولكن إيماننا ضعيف، فما علينا سوى أن نتوجه للسيد، كما فعل الأب، ونقول له "أعن عدم إيماني" وهو سيفعل العجائب.

http://www.peregabriel.com/gm/albums...igh_Priest.jpg

فعل النعمة


تلعب نعمة الله دورها عبر إرادة الإنسان الحسنة في أن يؤمن. فحيث هناك الضعف البشري هناك نعمة الله التي تحوله إلى قوة كبيرة تساعد لتجاوز كل ضعف ومرض.


تحول نعمة الله كل شيء إلى كما يريد الله في تحقيق قداسة الإنسان ليعود فيحيا أبدياً مع الله في الفردوس، فيتحول الحزن والألم إلى فرح، الضعف والخطيئة إلى قوة وقداسة، الاضطراب والعداوة إلى سلام وصداقة، الخوف والعار إلى شجاعة وجرأة

ولكن علينا أن نبادر ونطلب من الله في صلاتنا، كما فعل الأب في إنجيل اليوم، إذ أنه طلب المعونة الإلهية معترفاً بقلة إيمانه، والربُّ يستجيب ويجترح أعجوبته

هو أتى ليمنحنا الرجاء ويطرد عنّا الشك ويشفينا من كل ضعف أو موت.


الثقة بمعرفة الله لحاجاتنا


استجاب المسيح لطلب الأب بشكل إيجابي وشفى ابنه من تسلط الشيطان:

"امسكه يسوع بيده وأقامه فقام" (27:9)، هذه حال المسيح نحو البشرية دوماً، يهتم لخلاصها، يقدم لها ما هو مفيد وصالح وليس العكس. لكن في البداية على الإنسان أن يتوجه بكل مشاكله وأتعابه وأمراضه نحو السيد واثقاً أنه سيجد جواباً لها.

يعرف السيد الحاجات والأوليات في حياتنا اليومية وماذا يلزم لخلاصنا، ويعرف أين يجب أن يساعدنا ومتى، لكن هل نستطيع أن نعبِّر له عن ثقتنا به أن يفعل هو ما هو المناسب والذي يراه وليس الذي نراه نحن

ذلك أنّ الصحيح الذي نراه ليس بالضرورة مهماً وأساسياً وضرورياً في عين الله.


في أغلب الأحيان نضيع عند ترتيب حاجياتنا محاولين معرفة ما هو المهم منها، فنرتبك عند محاولة إعطاء الأولوية لبعض الأمور، فنقع في توافه الأمور وننسى الأساسيات فيتولد في حياتنا الاضطراب وعدم الاتزان

وبالعكس وجود الاتزان في حياتنا يدل على معرفتنا للأولويات الأساسية في حياتنا فنعرف ماذا نريد وماذا نفعل، كأن نرتب أولاً الأمور الروحية وكل ما له علاقة بالله، وثانياً الأشياء المادية التي تتعلق بحياتنا الأرضية.


الألم ورجاء الشفاء


أحبائي، الأب في إنجيل اليوم يعيش الألم وكلنا نتألم لأجله، لأن ألمه كان سيقوده إلى الشك وعدم الإيمان، ولكنه وسط كل ذلك وجد الرجاء الذي أراد أن يؤمن به، أي يسوع المسيح فشفى له ابنه.


الإنسان الذي يمر بحزن أو بألم ما، موتاً كان أو عدم توفيقٍ في أمور الحياة أو فقراً أو خسارة إنسان ما، ليس له سوى أن يثق بالله، فهو الصخرة التي يجب أن يستند عليها ويثق بها

عندها لا يبحث عن تطبيق إرادته بل إرادة الله، وهنا مفصل الموضوع برمّته. من يستطيع أن يطبق إرادة الله في حياته

هو الذي سيقوى إيمانه ويُشفى من كل مرض شيطاني.


أوضح إنجيل اليوم أن إرادة الله لنا هي الشفاء وغلبة الشيطان وكل شروره وأن نكون معافين صحيحين كما خلقنا في الفردوس فلنسعى طالبين هذا الأمر ومجاهدين كي يحققه الله لنا

Mary Naeem 08 - 06 - 2014 08:14 AM

رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
الـصـــــوم

http://www.peregabriel.com/gm/albums...02/18rpov9.jpg

قداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص

تعريفه:
الصوم هو زهد اختياري، ودلالة على طاعة اللّه وشرائعه والعمل بفرائضه تعالى وذلك بالانقطاع الإرادي عن تناول أي طعام أو شراب مدة معينة من الزمن،
ثم تناول مأكولات خفيفة في مقدارها، خالية من الدسم، فيقتصر الصائم على أكل الحبوب، والبقول، والفواكه، وزيوت النبات ويمتنع عن أكل اللحوم ونتاج الحيوانات باستثناء السمك وسائر الحيوانات المائية، وعسل النحل، لأن النحل حيوان بغير شهوة. درجاته:
يقول العلامة ابن العبري (1286+): «الصوم درجات ثلاث فهو عام، وخاص، وخاص للغاية.
أما الصوم العام فهو أن يمتنع الإنسان قطعياً عن الأكل والشرب النهار كله، ويأكل الحبوب والبقول مساءً، أو يمسك عن أكل لحوم الحيوانات ومنتجاتها فقط وذلك نهاراً.
ولهذا الصوم قوانين... لأنه قد يمتنع الكثيرون عن الطعام عرضاً فلا يعدّون بين الصائمين. أما الصوم الخاص فهو صوم المتوحدين... والصوم الخاص للغاية، هو صوم الكاملين الذين يقرنون الصوم عن الطعام، وصوم الحواس، بصوم النفس عن الأفكار الرديئة.
والشرط الوحيد لهذا الصوم هو استئصال كل فكر دنيوي من أعماق القلب.
ولئن كان بلوغ هذه الدرجة صعباً جداً لكنه يسهل بالتمرين كما قيل: والنفس راغبة إذا رغّبتها: وإذا تُرَدّ إلى قليل تقنعُ.
القصد منه:
إن القصد من الصوم هو إضعاف قوة الجسد الشهوانية، وترويض الإرادة على ضبط نزواته، وإتاحة الفرصة الثمينة للروح لترتفع عن الأرضيات إلى السماويات فتتنقّى، وتتطهّر،
وتعبر عن محبتها للّه تعالى وتفضيلها الحياة الروحية على الجسدية، وبذلك تغلب الروح الجسد، وبهذا الصدد يقول الرسول بولس:
«وإنما أقول اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد، لأن الجسد يشتهي ضد الروح والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر، حتى تفعلون ما لا تريدون» (غل 5: 16و17)
وقوله أيضاً: «إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون» (رو 8: 13)
ويقول صاحب المزامير: «أذللت بالصوم نفسي» (مز 35: 13) وإذلال النفس هو النوح الذي ذكره الرب وهو يصف الصوم لتلاميذ يوحنا بقوله:
«هل يستطيع بنو العرس أن ينوحوا ما دام العريس معهم» (مت 9: 15) وهذا الاذلال وذلك النوح هما أمر واحد وهو العلامة الواضحة للتوبة الحقيقية التي تعتبر الغاية المهمة من الصوم المقبول لدى اللّه، وأحد شروطه أيضاً.
فلا يصوم الجسد عن الطعام أو الشراب أو بعضه، فحسب، بل تصوم النفس أيضاً مع الجسد عن الخطية وتجنبان معاً أسبابها.
وهذا ما يُفهم من أمر الرب على لسان النبي يوئيل القائل: «ارجعوا إليّ بكل قلوبكم بالصوم والبكاء والنوح، مزّقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف ورحيم» (يؤ 2: 12).
الإعفاء من الصوم:
يفرض الصوم على المؤمنين البالغين والأصحاء، ويعفى منه الشيوخ، والأطفال، والرضع، والمرضى، والمرضعات، والمرأة النافس، والحامل، وإعفاء هؤلاء المؤمنين من الصوم ليس عن ترف بل عن ضرورة.
الصوم في أسفار العهد القديم من الكتاب المقدس
فرض اللّه تعالى على الإنسان الأول صوماً عندما أوصاه في جنة عدن قائلاً:
«من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً، وأما من شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت» (تك 2: 16و17).
وحيث أنّ الإنسان لم يحفظ وصية اللّه، وكسر فريضة الصيام، عاقبه اللّه، وطرده من جنته إلى أرض الشقاء. علماً بأن طعام الإنسان الأول كان في جنة عدن طعاماً صيامياً يقتصر على البقول والحبوب وثمار الأشجار ودليل ذلك قول اللّه لآدم وحواء:
«قد أعطيتكم كل بقل يبذر بذراً لكم يكون طعاماً» (تك 1: 29) وبعد الطوفان فقط سمح اللّه للإنسان بشخص نوح بأكل لحوم الحيوانات (تك 9: 3).
ومارس آباء العهد القديم، الأنبياء، والأبرار، والأتقياء، فريضة الصوم، تقرّباً إلى اللّه بالإيمان والأعمال الصالحة.
فقد جاء في الكتاب المقدس عن النبي موسى أنه قبل أن يتسلّم لوحَيْ الوصايا من يد اللّه، صام أربعين يوماً وأربعين ليلة، لم يأكل خبزاً ولم يشرب ماءً (خر 34: 28) وجاء عن النبي إيليا إنه إطاعة لأمر الرب
«أكل وشرب وسار بقوة تلك الأكلة أربعين نهاراً وأربعين ليلة إلى جبل اللّه حوريب» (1مل 19: 8).
وتجنّب النبي دانيال أكل اللحوم وشرب الخمر وهو يقول عن نفسه: «لم آكل لحماً ولم أشرب خمراً ولم يدخل في فمي طعام شهي» (دا 10: 2و3).
ومن قصة دانيال ورفاقه نعلم أيضاً أنهم اقتصروا على أكل القطاني، ورفضوا أطايب الملك (دا 1: 8 ـ 17) فكانوا مثالاً للصائمين الذين يقتصر طعامهم الصيامي على البذور والبقول والفواكه.
أما النبي حزقيال فقد أمره الرب قائلاً: «وخذ لنفسك قمحاً وشعيراً وفولاً وعدساً ودُخناً وكرسَنَّة (كمون) وضعها في وعاء واحد واصنعها لنفسك خبزاً كعدد الأيام التي تتكئ فيها على جنبك ثلاث مئة يوم وتسعين يوماً تأكله. وطعامُك الذي تأكله يكون بالوزن... وتشرب الماء بالكيل...» (خر 4: 9).


http://www.peregabriel.com/gm/albums...normal_074.jpg الصوم للتوبة:
ولما أنذر النبي يونان أهل نينوى بحسب أمر الرب قائلاً: «بعد أربعين يوماً تنقلب نينوى، آمن أهل نينوى باللّه ونادوا بصوم ولبسوا مسوحاً من كبيرهم إلى صغيرهم، وبلغ الأمر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه، وتغطى بمسح، وجلس على الرماد ونودي وقيل في نينوى عن أمر الملك وعُظمائه قائلاً:
لا تَذُقِ الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئاً، لا ترع ولا تشرب ماء.
ولتغط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا إلى اللّه بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في أيديهم. لعل اللّه يعود ويندم ويرجع عن حُمُوّ غضبه فلا نهلكُ. فلما رأى اللّه أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم اللّه على الشرّ الذي تكلّم أن يصنعه بهم فلم يصنعه» (يو 3: 1 ـ 10).



الأصوام القانونية:
وقد مارس بنو اسرائيل فريضة الصوم في كل أجيالهم، وخاصة بقصد التوبة والعودة إلى اللّه.
كما فرض اللّه عليهم، بوساطة أنبيائه وأوليائه، أصواماً في مناسبات شتى من ذلك ما جاء في سفر اللاويين، ما قال الرب:
«ويكون لكم فريضة دهرية أنكم في الشهر السابع في عاشر الشهر تُذلِّلون نفوسكم، وكل عمل لا تعملون، الوطنيُّ والغريب النازل في وسطكم لأنه في هذا اليوم يكفر عنكم لتطهيركم من جميع خطاياكم أمام الرب تَطهُرونَ» (لا 16: 29و30).
كما ورد في سفر النبي زكريا قول الرب: «إن صوم الشهر الرابع وصوم الخامس وصوم السابع وصوم العاشر يكون لبيت يهوذا ابتهاجاً وفرحاً وأعياداً طيبة فأحبوا الحق والسلام»(زك 8: 19). الصوم المقبول يقترن بالرحمة:
أما مفهوم الصوم المقبول لدى اللّه في العهد القديم، فيتضح من قول الرب على لسان النبي اشعيا القائل:
«أليس هذا صوماً أختاره حلّ قيود الشر، فكّ عقد النير، واطلاق المسحوقين أحراراً، وقطع كل نير، أليس أن تكسر للجائع خبزك، وأن تُدْخل المساكين التائهين إلى بيتك، إذا رأيت عرياناً تكسوه وأن لا تتغاضى عن لحمك»


(أش 58: 6و7). صوم يومين في الأسبوع:
وكان اليهودي النقي يصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع كما يتّضح من مَثل الفريسي والعشار الذي ضربه الرب يسوع. (لو 18: 10 ـ 14).
الرؤساء يفرضون أصواماً:
كما أن رؤساء شعب العهد القديم كانوا بين حين وآخر في وقت الشدة، يفرضون على شعبهم أصواماً، كما فعل عزرا الذي قال:
«وناديت بصوم على نهر أهْوَالكي نتذلل أمام إلهنا لنطلب منه طريقاً مستقيمة لنا ولأطفالنا ولكل ما لنا... فصُمنا وطلبنا ذلك من إلهنا فاستجاب لنا» (عزرا 8: 21و23)
ويذكر الكتاب المقدس أنه قد فُرض صوم سبعة أيام على بني اسرائيل حِداداً على الملك شاول وبنيه (1صم 31: 13).


http://www.peregabriel.com/gm/albums...l_0770%7E0.jpg

الأصوام الخاصة:

وصام داود النبي وتذلل أمام الرب، علّه يحظى بشفاء ابنه (2صم 2: 21) وهكذا مثل داود كان يفعل الأفراد والجماعات بممارسة أصوام خاصة يفرضونها على أنفسهم باختيارهم بين الفينة والفينة ليرحمهم الرب ويخلّصهم من التجارب التي تطرأ عليهم. الصوم في المسيحية:
أما في العهد الجديد فقد سنّ الرب يسوع شريعة الصوم بصومه أربعين نهاراً وأربعين ليلة (مت 4: 2) «لم يأكل شيئاً في تلك الأيام، ولما تمّت جاع أخيراً» (لو 4: 1و2).
ولم يكن الرب يسوع بحاجة إلى صوم وإنما صام ليعلّمنا الصوم، وأعطانا هذه الفريضة مبيّناً لنا قوتها الروحية خاصة إذا قرنّاها بالصلاة، فيغدو الصوم مع الصلاة سلاحاً روحياً ماضياً، يفتك بعدونا الروحي إبليس وجنده، وقد كشف لنا الرب ذلك بقوله:
«وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم» (مت 17: 21).
وفي معرض ردّه على سؤال تلاميذ يوحنا، الذين اعترضوا على عدم صوم تلاميذه، قال الرب: «هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس معهم، ما دام العريس معهم لا يستطيعون أن يصوموا، ولكن ستأتي أيام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون في تلك الأيام» (مت 9: 14و15 ولو 5: 35) واعتبر كلام الرب هذا تفويضاً منه إلى تلاميذه لتحديد مواعيد الصيام.
وبناء على هذا التفويض ابتدأ الرسل الأطهار، والتلاميذ الأبرار بالصوم بعد صعود الرب إلى السماء، فصاموا في مناسبات شتّى وبأساليب متنوعة ونقرأ عنهم في سفر أعمال الرسل ما يأتي:
«وبينما يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه فصاموا وصلّوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما» (أع 13: 2و3)
والرسول بولس يفتخر بحرصه على ممارسة فريضة الصوم بقوله: «في كل شيء نظير أنفسنا كخدام اللّه في أتعاب في أسهار في أصوام» (2كو 6: 5).
وإن الرب يسوع الذي فوّض إلى رسله القديسين ممارسة الصيام حين رُفع عنهم العريس السماوي، أي بعد صعوده له المجد إلى السماء، فوّض إليهم أيضاً بإلهام روحه القدوس، تقديس يوم الأحد بدلاً من السبت اليهودي، وانتخاب الأساقفة والقسوس والشمامسة وطريقة رسامتهم أي تكريسهم بوضع الأيدي عليهم، أي القيام بطقس رسامتهم الكهنوتية، كما أن روحه القدوس الذي حلّ عليهم يوم الخمسين ألهمهم بتنظيم الطقوس وخدمة أسراره المقدسة الضرورية لتدبير كنيسته.
وكان الرب قد بيّن كيفية الصوم المقبول عند اللّه، وهو يحذّر تلاميذه من الرياء والنفاق قائلاً:
«ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنهم يُغيِّرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء فأبوك الذي في الخفاء يجازيك علانية» (مت 6: 16 ـ 18) ولا يعني الرب بقوله «متى صمتم» أي لكم ملء الحرية في أن تتمسّكوا بفريضة الصوم أو ترفضوها، وإلا لكان قوله أيضاً «متى صليت» (مت 6: 5)
تعني أن لك الحرية أيضاً في أن تتمسّك بصلاة أو ترفضها، وأنه لا يجب أن تكون هناك أماكن للعبادة، ولا صلاة جمهورية، ولا دعوة لهذه الصلاة ولا مواعيد لها. فالمسيح وضع مبدأ الصوم والصلاة وفوّض إلى كنيسته تنظيم أوقاتهما وتعيين المواعيد المناسبة لما فيه صالح المؤمنين.
أما الأصوام الخاصة فيفرضها الإنسان على نفسه زيادة في التقوى تماماً كما يصلّي صلاته الفردية الخاصة.
أما كتبه الرسول بولس في رسالته إلى أهل الإيمان في كولوسي قائلاً:
«لا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التي هي ظل الأمور العتيدة وأما الجسد فللمسيح. لا يخسركم أحد الجعالة راغباً في التواضع وعبادة الملائكة متداخلاً في ما لم ينظره مُنتفخاً باطلاً من قبل ذهنه الجسدي...»(كو 2: 16 ـ 18)
فالرسول بقوله هذا يحذّر المؤمنين من ظلال اليهود وفئة من المتنصرين منهم، الذين كانوا لا يزالون متمسّكين بالآراء اليهودية، فلم يعترفوا بقرارات مجمع أورشليم الأول المنعقد سنة 51 والذي قرر عدم الالتزام بالختان وغيره من المبادئ اليهودية، واكتفى بالنهي عن أكل ما ذبح للأصنام، والمخنوق والدم، والامتناع عن الزنا (أع 15: 20).
وإن الرسول بولس في معرض توصيته الزوجين على وجوب المحافظة على الحقوق الزوجية، بيّن لنا أن على الزوجين الامتناع عن المعاشرة الزوجية خلال أيام الصيام بقوله:
«لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة، ثم تجتمعوا أيضاً معاً لكي لا يجرّبكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم» (1كو 7: 5).
ويعترض بعضهم على ممارسة الصوم بقوله إنه ضد أمر الرب القائل: «ما يدخل الفم لا ينجّس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان» (مت 15: 11) فمن الواضح أن الرب لا يعني بقوله هذا ألاّ نصوم، وهو الذي بيّن لنا كيفية الصوم المقبول لدى اللّه. إنما أراد بقوله تفنيد اعتراض الفريسيين على تلاميذه عندما وجدوهم يأكلون دون أن يغسلوا أيديهم حسب الغسلات الطقسية الفريسية التي كانوا يعتبرونها ضرورية لتنقية الإنسان قبل تناول الطعام، فمهما كانت يداه نظيفتين، عليه أن يمارس تلك الطقوس الشكلية ليعتبر نظيفاً.
كما كانت لهم طريقتهم الخاصة بغسل الطعام، فما لم تطبق كانوا يعتبرون الطعام غير طاهر. فدحض الرب يسوع آراءهم الباطلة، وبيّن لهم أهمية نقاوة القلب قائلاً: «ما يدخل الفم لا ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجّس الإنسان» (مت 15: 11) وهذا يعني أن ما يخرج من قلب الإنسان الخاطئ من أفكار أثيمة، وأقوال بذيئة وأعمال مشينة هي التي تنجّس الإنسان.
فالصوم إذن وضع إلهي، وترتيب سماوي، مارسه الرب يسوع بنفسه وعلّمنا أن نتمسّك به وفوّض إلى رسله الأطهار ليحددوا مواعيده وكيفية ممارسته ليكون خير وسيلة يعبّر بها المؤمنون عن إيمانهم بالرب وتمسّكهم بفرائضه وتفضيلهم الروح على الجسد والحياة الملائكية على العيشة المادية الدنيوية.
ترتيب الأصوام في العهد الجديد
سنّ الرب يسوع شريعة الصوم، وتسلّمه الرسل منه مبدأً روحياً. أما مناسباته، ومدته، وكيفيته فهي ضمن مسؤولية الكنيسة التي منحها الرب سلطاناً روحياً عندما قال لرسله الأطهار: «من يسمع منكم يسمع مني، والذي يرذلكم يرذلني، والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني» (لو 10: 16). وقوله أيضاً:
«وإن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك فقد ربحت أخاك وإن لم يسمع فخذ معك أيضاً واحداً أو اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين أو ثلاثة. وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة. وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشار. الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السماء» (مت 18: 15 ـ 18).
وقوله له المجد لمار بطرس هامة الرسل: «وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات. فكلّ ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات. وكل ما تحلّه على الأرض يكون محلولاً في السموات» (مت 16: 19)
بهذا السلطان الروحي الذي نالته الكنيسة من الرب، رتّبت الأصوام القانونية العامة، وألزمت الاكليروس والشعب التمسّك بها فصاروا تحت طائلة الخطية إذا لم يطيعوا أوامرها، لأن السماع منها هو السماع من الرب، والتمرّد على أوامرها يُعدّ تمرداً على الرب.
فمارس الإكليروس والشعب، منذ فجر المسيحية، الصوم الذي هو الانقطاع عن الطعام والشراب في مدة حددتها الكنيسة، وامتنعوا عن اللحوم ومنتجاتها عند الإفطار في أيام الصيام، واتّفقت كل الكنائس الرسولية في كل مكان في العالم على تقديس مبدأ الصوم واعتبرته دائماً، وضعاً إلهياً وفريضة مقدّسة.
صوم الفصح:
إن أول صوم وضعته الكنيسة هو صوم الفصح الذي يسمّى أيضاً صوم الآلام ، فيه ينقطع المؤمنون عن الطعام والشراب من عصر يوم الجمعة العظيمة ذكرى آلام الرب وصلبه وموته وإلى ما بعد نصف ليلة أحد القيامة
وذلك للمشاركة بالآلام المحيية، التي تحمّلها ربنا يسوع المسيح من أجل خلاص البشرية، ولنشاركه آلامه من أجلنا إتماماً لقول الرسول بولس:
«أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما قام المسيح من بين الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدّة الحياة. لأنه إن كنا قد صرنا متّحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته» (رو 6: 3و4).
وكانت الكنيسة تمارس هذا الصوم وتحتفل بذكرى آلام الرب يسوع وموته وقيامته كل ثلاث وثلاثين سنة، ولما رأت أن الكثيرين يولدون ويموتون دون أن يحظوا بمشاهدة هذه الذكرى، احتفلت به سنوياً.
ومع تمادي الزمن أضيفت إلى هذا الصوم الأيام الأربعة السابقة له، فصار أسبوعاً كاملاً دعي أسبوع الآلام وكان يصام حتى العصر انقطاعاً عن الطعام والشراب ويفطر فيه على الخبز والماء المملح، ويصام في أيامنا أيضاً انقطاعاً عن الطعام إلى الظهر أو إلى العصر ثم يتناول الصائمون طعاماً صيامياً يقتصر على الحبوب والبقول والفواكه، وخالياً من اللحوم
ومنتجات الحيوانات وحتى الحلويات مشاركة بآلام الفادي الذي عند عطشه أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة.


http://www.peregabriel.com/gm/albums...l_0740%7E0.jpg الصوم الأربعيني (الكبير):
بوشر بالصوم الأربعيني في القرن الثالث للميلاد وألحق به في الربع الثاني من القرن الرابع صوم أسبوع الآلام الذي كان يصام قبل ذلك التاريخ بمدة طويلة. فصار الصوم الأربعيني سبعة أسابيع مع أسبوع الآلام.
وفرض الصوم الأربعيني تذكيراً للمؤمنين بجهاد الرب يسوع، وصومه في البرية، والرب الذي لا يحتاج إلى صوم استهل تدبيره الإلهي العلني بالجسد بالصوم فصام أربعين يوماً وأربعين ليلة وجاع أخيراً (مت 4: 2)
ليعلّمنا الصوم والجهاد الروحي ضد إبليس. وقد ظفر بإبليس المجرّب، وأعطانا أيضاً أن نغلبه باسم الرب، بل كشف لنا مرة سر النصر الروحي بقوله: «وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم» (مت 17: 21).
وكان المؤمنون يصومون الصوم الأربعيني انقطاعاً عن الطعام والشراب حتى العصر، ثم يفطرون متناولين الطعام الصيامي المقتصر على الخبز والماء المملح والبقول والحبوب والفواكه والزيوت النباتية فقط. وكانوا خلاله خاصة يوزّعون الصدقات على الفقراء. بهذا الصدد يقول مار أفرام السرياني (373+) في القرن الرابع:
«صُمْ (أيها المؤمن) الصوم الأربعيني وتصدّق بخبزك على الجائع، وصلِّ سبع مرات يومياً كما تعلمت من (النبي داود) ابن يسّى».
ونصّت القوانين الكنسية على وجوب ممارسة المؤمنين كافة الصوم الأربعيني المقدس وحكمت على المخالفين من ذوي الرتب والدرجات الكهنوتية والعلمانيين بالعقوبات الكنسية الصارمة.


ويستثنى من الصوم الانقطاعي يوما السبت والأحد، ففيهما يُحتفل بالقداس الإلهي وبعد القداس يتناول الصائم طعاماً صيامياً. وفي هذا الصدد جاء في قوانين الرسل:
«كل من يصوم يوم الأحد أو السبت ما خلا سبت البشارة (النور)، إن كان إكليريكياً يُجرّد من رتبته، وإن كان علمانياً يُفْرز» وقال العلامة ابن العبري (1286+) في كتاب الحمامة (ب2ف6) الذي ألّفه لفائدة الرهبان والنسّاك الذين لا مرشد لهم: «يجب أن يحلّ الصوم في أيام السبوت والآحاد وذلك حفظاً للقوانين». وتقديساً ليوم الأحد لا تبدأ كنيستنا السريانية المقدسة أي صوم من الأصوام فيه، فإذا صادف ذلك فإكراماً ليوم الرب، نبدأ الصوم صباح يوم الإثنين، وينقص بذلك عدد أيام ذلك الصوم في تلك السنة يوماً واحداً.
ومنعت إقامة ولائم الأعراس في الصوم الأربعيني، بموجب قرار مجمع اللاذقية عام 364 كذلك منع ذلك المجمع الاحتفال فيه بالقداس الإلهي وبتذكار الشهداء إلاّ في يومي السبت والأحد ـ واستعيض عن القداس في أيام الصوم بطقس رشُم كُسُا رسم الكأس أو ما يسمّى بالقداس السابق تقديسه ـ الذي أدخله إلى كنيستنا في أوائل القرن السادس البطريرك مار سويريوس الكبير (538+).
فلا يحتفل بالقداس الإلهي في الصوم الأربعيني إلاّ أيام السبت والأحد ما خلا أربعاء نصف الصوم وجمعة الأربعين وخميس الفصح وسبت البشارة (النور) وإذا وقع عيد البشارة في الصوم فيحتفل فيه بالقداس الإلهي حتى لو صادف وقوعه في جمعة الآلام العظيمة ويتناول المؤمن بعد القداس الطعام الصيامي.
وبهذا الصدد نصّ القانون الخامس من الباب الأول الفصل الخامس من كتاب الهدايات لابن العبري ما يلي:
«إن الكنيسة تعيّد عيد البشارة في اليوم الذي يصادف وقوعه» وذلك كونه أساس الأعياد السيدية. وعليه فإننا لا نحوّل هذه الأعياد من يوم إلى يوم على الإطلاق. وإننا لا نتناول طعاماً صيامياً إكراماً للصوم في جمعة الصلبوت أو سبت البشارة (النور)
ونصلي الصلاة المفروضة وإذا وقع عيد دخول السيد المسيح إلى الهيكل في اثنين الصوم الكبير فيحتفل بالقداس الإلهي ولئن كان ذلك نادراً كما وقع عام 1915 وكما سيكون عام 2010 فإذا كان ذلك يجب أن يحتفل فيه بصلاة العيد وتقدّم فيه الذبيحة الإلهية صباحاً حسب العادة. وأما صلاة الصوم فتصلّى عند الظهر ثم يفطر المؤمن أي يحلّ صوم الإمساك عن الطعام. أما صلاة الغفران (شوبقونو) فتؤجل إلى صباح اليوم التالي.
وقد حرمت الكنيسة شرب الخمر وسائر المشروبات الروحية خلال أيام الأصوام.
إن الكنيسة المقدسة لا تبغي بتخصيص أيام للصوم، تمنع فيها تناول هذا الطعام أو ذاك، كون هذا الطعام محرّماً وذاك محللاً، في هذا اليوم أو ذاك.
بل هي تهدف إلى إخضاع إرادة المؤمن للّه تعالى بالعفة وممارسة الفضائل السامية، وخاصة فضيلة الطاعة لأوامر اللّه التي تصدر على لسان عبيده أحبار الكنيسة الذين منحهم سلطان الحلّ والربط ليشرّعوا القوانين، ويضعوا الأحكام والنظم لما فيه خير المؤمنين ولتمجيد اسم اللّه القدوس.
وحيث أن الكنيسة هي أم رؤوم، ومعلمة صالحة، لا تحمّل المؤمنين أعباء ثقيلة لا يستطيعون إلى حملها سبيلاً، متذكرة قول الرب: القائل:
«وويل لكم أنتم أيها الناموسيون لأنكم تُحمِّلون الناس أحمالاً عَسِرَة الحمل وأنتم لا تَمَسُّون الأحمال بإحدى أصابعكم» (لو 11: 46) فمن هذا المنطلق فسّح الطيب الذكر البطريرك الياس الثالث (1932+) في أكل السمك في أيام الصوم الأربعيني، وسمح لأبناء الكنيسة في أميركا أن يصوموا الأسبوعين الأول والأخير فقط من الصوم الأربعيني بالإضافة إلى أيام الأربعاء والجمعة. وفسّح لهم في الإفطار بقية أيامه.
وفسّح الطيب الذكر البطريرك أفرام الأول برصوم (1957+) في مثل هذا إجابة إلى ملتمس الكنيسة في الهند فضلاً عن تخفيفه الأصوام الأخرى للجميع وذلك عام 1946م وسمح الطيب الذكر البطريرك يعقوب الثالث (1980+) بصوم الأسبوعين الأول والأخير من الصوم الأربعيني فقط بالإضافة إلى أيام الأربعاء والجمعة للإكليروس والشعب، وفسّح لهم في استعمال جميع الأطعمة في بقية أيامه وذلك عام 1966 كما فسّح في إقامة الولائم والأعراس والعماد والقداس والتذكارات في جميع الأيام التي تتوسّط الأسبوعين المذكورين.
يأتي تفسيح أسلافنا البطاركة الميامين، للمؤمنين بتقليل أيام الصوم الأربعيني، من باب الرحمة بهم لئلا يكسروا الوصية ويكونوا موضع غضب اللّه تعالى ـ لا سمح اللّه ـ فمن استغلّ هذا التفسيح لا يخطئ ويعتبر في عداد مَن لم يكسر الوصية. أمّا من صام أيام الصوم الأربعيني وأسبوع الآلام كلها فيضاعف اللّه له الأجر.
وعلى ذوي الرتب والدرجات الكهنوتية الكبرى والصغرى، ما عدا الشيوخ فيهم والمرضى، أن يقيموا من أنفسهم قدوة صالحة للمؤمنين ليتمثّلوا بهم بحفظ أحكام الرب وشرائعه المقدسة، بالتزام فريضة الصوم الأربعيني المقدس وأسبوع الآلام المحيية، كما مارسها آباؤنا الأولون القديسون منقطعين عن الطعام والشراب من منتصف الليل حتى بُعيد منتصف النهار
وأن يتناولوا بعدئذ طعاماً صيامياً خالياً من الدسم «والزفر» وحبذا لو مارس المؤمنون كافة فريضة الصيام بهذه الطريقة المثلى.

صوم يومي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع:

اتّخذت الكنيسة المقدسة منذ أواخر القرن الأول للميلاد صوم يومي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع، بدلاً من صوم يومي الاثنين والخميس الذي مارسه الأتقياء من اليهود، كما يتبيّن ذلك من مثل الفريسي والعشار (لو 18: 12).
ويصوم المسيحيون يوم الأربعاء لأن فيه دبّر اليهود المؤامرة لإلقاء القبض على الرب يسوع وقتله. أما يوم الجمعة فيصومونه لأنه فيه صلب اليهود الرب يسوع فمات على الصليب لأجل خلاصنا.
وقد ورد ذكر هذا الصوم في الكتاب المسمى (تعليم الرسل) الذي يُعزى تأليفه إلى أواخر القرن الأول أو بدء الثاني للميلاد وفي تآليف بعض آباء القرون الأولى للميلاد كما توجب قوانين الرسل على جميع الإكليروس والشعب التمسك به تحت طائلة الحرمان والفرز.
وجرت العادة منذ أجيال سحيقة ألاّ تصوم الكنيسة أيام الأربعاء والجمعة الواقعة بين عيدي القيامة والعنصرة. وألاّ تصومهما أيضاً إذا وقع فيهما عيد سيدي أو مريمي أو عيد القديس شفيع الكنيسة المحلية أو تلك المنطقة. وجرت العادة في الأجيال المتأخرة السماح بعدم التمسّك بصوم أيام الأربعاء والجمعة الواقعة بين عيدي الميلاد والغطاس (الدنح).
كما أن المؤمنين في أبرشيات العراق لا يصومون أيام الجمعة الواقعة بين صوم نينوى والصوم الأربعيني المقدسة وهي: جمعة الكهنة وجمعة الموتى المؤمنين الغرباء، وجمعة الموتى المؤمنين كافة.
ونصوم الآن يومي الأربعاء والجمعة انقطاعاً عن الطعام حتى الظهر ثم نتناول الطعام الصيامي. أو نتناول الطعام الصيامي صباحاً وظهراً:
ويستحسن أن نقتصر على الطعام الصيامي يوماً كاملاً من المساء إلى المساء يومي الأربعاء والجمعة كما كان يفعل آباؤنا منذ فجر المسيحية.
صوم الميلاد:
يرتقي تاريخ وضع هذا الصوم إلى ما قبل القرن الرابع للميلاد، ونفهم ذلك من قراءاتنا ميامر مار أفرام السرياني (373+) وأناشيده التي نظمها في القرن الرابع.
ويمارس هذا الصوم استعداداً لاستقبال ذكرى ميلاد الرب يسوع بالجسد. وتذكاراً لما كنا عليه قبل الميلاد من العيش في حزن الخطية، وظلام الجهل، وعبودية إبليس، وتذلل الخليقة بانتظار الخلاص، فولد المخلص وفدانا بتجسّده.
فنصوم هذا الصوم لنتنقى نفساً وجسداً، فنستحق استقبال ذكرى ميلاد الفادي، كلمة اللّه المتجسّد، كما صام موسى قبل أن تسلّم كلمة اللّه المكتوبة أي شريعة العهد القديم.
وكان عدد أيام هذا الصوم قديماً أربعين يوماً فخففته الكنيسة إلى خمسة وعشرين يوماً ثم في عام 1946 وبموجب قرار مجمع حمص خفّفه الطيب الذكر البطريرك أفرام الأول برصوم إلى عشرة أيام بدؤها اليوم الخامس عشر من شهر كانون الأول ونهايتها يوم عيد الميلاد المجيد الواقع في 25 كانون الأول.
صوم الرسل:
سمي كذلك من باب تسمية الشيء باسم واضعه. فالصوم يصام للّه وحده، ويصام هذا الصوم اقتداء بالرسل (عب 13: 7) الذين صاموه إتماماً لقول الرب يسوع: «ستأتي أيام حين يرفع العريس من بينهم فحينئذ يصومون» (مت 9: 15)
فبعد صعود الرب يسوع إلى السماء، وحلول الروح القدس على التلاميذ، ابتدأوا بالصوم وبهذا الصدد جاء في سفر أعمال الرسل ما يأتي: «وبينما هم يخدمون الرب ويصومون» (أع 13: 2)
وكانت مدة هذا الصوم تطول وتقصر بالنسبة إلى الحساب الشرقي لعيد الفصح، فكان يبدأ في اليوم التالي لعيد العنصرة وينتهي في يوم عيد هامتي الرسل مار بطرس ومار بولس. وقد خففته الكنيسة عبر الأجيال وصارت مدته الآن ثلاثة أيام تبدأ في السادس والعشرين من شهر حزيران وتنتهي بعيد هامتي الرسل مار بطرس ومار بولس في 29 منه وذلك بموجب قرار مجمع حمص عام 1946م.
صوم العذراء:
نستقبل بهذا الصوم عيد انتقال السيدة العذراء إلى السماء. ويصام اقتداء بها، أو تمثّلاً بالرسل الأطهار الذين صاموه عند نياحتها. وكانت مدة هذا الصوم خمسة عشر يوماً وبموجب قرار مجمع حمص سنة 1946 أصبح خمسة أيام تبدأ في العاشر من شهر آب وتنتهي في عيد انتقال العذراء في الخامس عشر منه.
وقد أصدر الخالد الأثر البطريرك أفرام الأول برصوم منشوره البطريركي في 7 كانون الأول من عام 1946 ألغى بموجبه عدد أيام الصيامات القديمة للميلاد، والعذراء والرسل المذكورة في كتاب الهدايات لابن العبري ووضع الحدود الجديدة التي رسمها فصار قانوناً يعمل به.
صوم نينوى:
سمي كذلك لأن أهل نينوى كانوا أول من صامه طلباً لرحمة اللّه ومغفرته واقتداء بأهل مدينة نينوى في الأجيال الساحقة الذين سمعوا بإنذار اللّه الذي جاءهم على لسان النبي يونان، فصاموا جميعاً الإنسان والحيوان، الكبير والصغير استعطافاً للّه
فرجع الرب عن حمو غضبه وندم على الشر الذي كان مزمعاً أن يصنعه بهم (يون 3).
ويرتقي تاريخ هذا الصوم في كنيستنا إلى ما قبل القرن الرابع للميلاد، ونستدل على ذلك من ميامر مار أفرام السرياني (373+) وأناشيده. وكان عدد أيام هذا الصوم قديماً ستة،
أما الآن فهو ثلاثة أيام فقط تبدأ صباح الاثنين الثالث قبل الصوم الكبير وكان قد أهمل عبر الأجيال، ويذكر مار ديونيسيوس ابن الصليبي (1171+) أن مار ماروثا التكريتي (649+) هو الذي فرضه على كنيسة المشرق في منطقة نينوى أولاً، ويقول ابن العبري نقلاً عن الآخرين أن تثبيت هذا الصوم جرى بسبب شدة طرأت على الكنيسة في الحيرة فصام أهلها ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ مواصلين الصلاة إتماماً لوصية أسقفهم فنجاهم اللّه من تلك التجربة.
وعن السريان أخذ الأرمن هذا الصوم ويدعونه «سورب سركيس». كما أخذه الأقباط على عهد الأنبا أبرام السرياني بطريرك الاسكندرية الثاني والستين. وهذا الصوم محبوب جداً لدى السريان ويطوي بعض المؤمنين أيامه الثلاثة دون طعام أو شراب ثم يتناولون القربان المقدس في اليوم الثالث ويفطرون على الطعام الصيامي حتى صباح الخميس.
أما بقية المؤمنين فينقطعون عن الطعام حتى الظهر أو العصر ويتناولون طعام الصيام. ويقترن الصوم بالصلاة التي تتلى بلحن الصيام الأربعيني. وإذا صادف فيه وقوع عيد دخول السيد المسيح إلى الهيكل الذي نحتفل به في 2 شباط عادة، فيحب أن نحتفل به بصلاة العيد ثم نقدم الذبيحة الإلهية صباحاً حسب العادة أما صلاة الصوم فتتلى عند الظهر ويحلّ صوم الإمساك عن الطعام بعد القداس ثم تناول الطعام الصيامي


الساعة الآن 08:37 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025